Research - Scripts - cinema - lyrics - Sport - Poemes

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Research - Scripts - cinema - lyrics - Sport - Poemes

عــلوم ، دين ـ قرآن ، حج ، بحوث ، دراسات أقســام علمية و ترفيهية .


    النوازل في الحج

    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60776
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    النوازل في الحج Empty النوازل في الحج

    مُساهمة من طرف GODOF الإثنين 9 نوفمبر - 12:08

    للشيخ

    عبد العزيز بن مرزوق الطريفي



    راجعها أحد طلبة العلم
    السلام عليكم ورحمة الله ..

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

    فإن من أعظم النعم التي أنعم الله U بها على هذه الأمة أن أتم لها النعمة وأكمل عليها الدين؛ وذلك أن الله عز وجل قد أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام قوله جل وعلا : }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا { ؛ فسمى الله جل وعلا الدين نعمة، وهو أعظم نعمة رزق الله U بها العباد والخلق؛ وهو أن تكون علة وجودهم عبادة الله جل وعلا والانصراف إليه، وأن تكون تلك العلة على محجةٍ بيضاءٍ وطريقةٍ بيِّنةٍ واضحةٍ؛ فكانت شريعة الله U من أعظم الشرائع، بل أعظم الشرائع على الإطلاق؛ حتى أنها كانت ناسخةً لما قبلها من الشرائع السماوية.

    ولما أتم الله U على هذه الأمة الدين جعل من تمامه أنه صالحٌ لكل زمان ومكان؛ فلا يعوذه إحداثٌ وابتداعٌ، ولا ينقصه إدخالُ دخيلٍ فيه؛ وذلك أنه كاملٌ لا يقدح فيه شيءٌ ولا يناله قصورٌ؛ لهذا جعله الله U ناسخاً، وهو العالِم I بتغير الأحوال والزمان؛ فلا دين بعده، ولا نبيَّ بعد نبيِّنا محمد r إلى أن يرث الله U الأرض وما عليها.

    إن شمولية هذا الدين وكماله هي من أعظم ما يُحِّيرُ الناظرين للإسلام عَن بُعدٍ، ويَأسر قلوب المتمسكين به الملتزمين بأوامر الله U والممتثلين لها بأن يكونوا على بيِّنةٍ ويقين من ربهم؛ وذلك أن الله U قد جَعل أصولاً يندرج تحتها كثيرٌ من المسائل الفرعية من فروع الدين مما نَصَّ عليه النبيُّ r ومما لم ينص من نوازل الأحكام وحوادث الزمان التي يستوعبها الدين بلا نقصان، وهذا لا شَكَّ أنه عند الناظِر فيه من أعظم المعجزات التي جعلها الله U في هذا الدين ظاهرةً باقيةً إلى قيام الساعة.

    ثُمَّ مِنْ كمال هذه النِّعمة أن جعل الله U هذا الدين محفوظاً، لا يناله الدخيل ما دام أهلُ العلم قائمين بأمْر الله، وجعل الله جل وعلا أصل المَحجَّة كتابه I محفوظاً إلى قيام الساعة؛ منه بدأ وإليه يعود، وما تقرَّب مُتقربٌ بمثل ما خرج منه؛ قال الله جل وعلا : }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ { ؛ لمَّا كان هذا في أصل الدين كان في فَرعه حمايةٌ من الأصْل لذلك الفَرْع، أو لتلك الأصول التي كانت تحته من جهة الجلالة والقدر - وإن كانت قسيمة له من جهة الاحتجاج – كالسُّنَّة والإجماع والقياس وغير ذلك مما يطول ذِكْرُهُ مِمَّا ذكره العلماء في مواضع متعدِّدة، فليلتمس في مظانِّه.

    الكلام في ليلتين بإذن الله تعالى عن مسائل مهمةٍ جليلةِ القدر، كثيرٌ منها يلتبس فيه كثيرٌ من العامة أو أكثرهم، ويحتاج إليه، نتكلم عليها باقتضاب؛ وذلك لضيق الوقت، ونُلْحِقُ كلَّ فرعٍ بأصله، وإن كان ثمَّة دليل على الأصلٍ من الكتاب والسُّنَّة نبيِّنه، وإن لم يكن ثمة دليل نلحقه بأعلى شيء في ذلك الباب من أصول الاحتجاج؛ من إجماع السلف من الصحابة وغيرهم، أو القياس وغير ذلك، وكما يُعْلَمُ أن الله جل وعلا قد أمر بإتباع طريق الذين كانوا مع رسوله r ؛ وذلك أنهم قد شهدوا التنزيل وعاينوا الحال عند نزول كلامه I ؛ فهم أعلم الناس بمراد النبيِّ r ، بأوامره ونواهيه؛ لهذا من أغْفَلَ فِقْهَ ذلك الجيل وجَهِلَ أهمية قَدْره وعظيم مكانته في معرفة أحكام الله I وأحكام رسوله الله r حُرِمَ التوفيق، ووقع في نَقْصٍ كثيرٍ جليلٍ، وتَخَبَّط في كثيرٍ من المسائل؛ وذلك أنَّه إما أن يكون يجري على قاعدةٍ معينةٍ يجب أن يَطَّرد فيها بكل حال، كما يَذْكره جماعةٌ من الفقهاء أنَّ الأصل في الأمر الوجوب، أو أنَّ الأصل في النهي التحريم، ونحو ذلك، ويغفلون في ذلك أصلاً عظيماً وهو عَمَل السَّلف من الصحابة وغيرهم الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا صوارف الأمور، وكذلك أعمال الصحابة - عليهم رضوان الله تعالى – عند نزول الوحي على رسوله - عليه الصلاة والسلام -.

    إن فقه النوازل من المهمات الجليلة التي يحتاج إليها الناس عند نزول تلك النازلة.

    والنوازل يتكلم عليها العلماء في مصنفاتٍ متعددةٍ؛ كلٌّ بحسب عَصْرِه، ونوازل زمانه؛ بما استطاع من إلحاق النازلة بأصولها من الكتاب والسُّنَّة وغيرها من أصول الدين.

    وتمتاز تلك المسائل التي يذكرها العلماء في مصنفاتهم من النوازل، تتباين من جهة القوة؛ بإلحاق الفروع بالأصول، ويَرْجع ذلك إلى مَلَكَةِ ذلك العالِم وإحاطته بالأصول؛ بأصول الديانة وأصول الاستدلال التي أمر الله U بالرجوع إليها؛ فقد شرع الله U الاعتبار، وسَنَّ I القياس، وأمر بلزومه؛ فقال الله - جل وعلا- : }فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ { ؛ أي : ألحقوا ما لم يَرِدْ فيه نَصٌّّ بما ورد فيه نصٌّ من شريعة الله I ؛ لهذا كان الله - جل وعلا - في كتابه العظيم في مجمل الأحوال يتكلم عن أصول وحجج أهل الباطل؛ من جهة العموم؛ من غير ذكرٍ لتفاصيلها.

    والناظر فيها من أهل العلم والدراية ينظر إلى تلك الأصول، ثم يلحق أهل الضَّلال وأهل الابتداع في تلك الأصول؛ فيردَّ عليها كما رد عليها أولئك؛ مع تَنوُّع الابتداع، وكذلك تنوُّع الرادّ واختلاف الزمان؛ لهذا كان القرآن لما كان يَسْري على تلك الأصول كان أعظم حُجَّةً على سائر الأمم على تباين أحوالهم.

    ولو نزل القرآن بأسماء المسائل والنوازل التي كانت في عصر رسول الله r لكان مَنْ جاء بعد ذلك يعوزه النظر ويجد مشقةً عظيمةً في أن يستنبط من تلك الفروع إلحاقاً بأصولها، ثم يُلْحق بعد ذلك تلك الفروع بأصولها، وهذا يلزم منه مشقَّةً كبيرة، وكذلك يطرأ على الإنسان من الضعف والقصور ما يطرأ عليه.

    ومن نظر إلى أحوال النوازل على مَرِّ العصور يجد تبايناً في كلام العلماء واختلافاً في الترجيح كثيراً؛ لا يكاد يوجَدُ في المسائل المنصوصِ عليها من جهة الدليل في الكتاب والسُّنَّة.

    هذا مع أنَّ الشريعة قد جاءت بالأصول فَسَهُلَ على الإنسان أَنْ يُلْحِقَ الفرع بأصله؛ فإذا كانت نصوص الشريعة قد جاءت بالفروع ولم تبين الأصول فإنه يكون على الناظر والمستنبط أكثر مشقَّة؛ فإنه يلزم من ذلك أن يُلْحِق الفرعَ بأصْلٍ، ثم يُلْحق الفرع النازل بذلك الأصل؛ وذلك أنَّ الشريعة قد جاءت بفروع؛ والفروع ينبغي أنْ توضع لها قواعد؛ فإذا وضعِتْ لها قواعد ينبغي أن توضع لتلك القواعد ما يندرج تحتها من مسائل الدين وفروع الأحكام النازلةِ وغيرها.

    صنَّف جماعةٌ من العلماء في أحكام النوازل وفقهها؛ منهم من صنَّف في أبواب التأصيل والتقعيد لهذه المسائل من غير خوضٍ لمسائل النَّوازل على مَرِّ الزمان، ومنهم من جمع مسائل النوازل على وَجْه العموم التي قد مَرَّت به، وهي ما يسميه العلماء - رحمة الله عليهم - في مصنفاتهم بالفتاوى؛ أو يسمونهم بالنوازل، أو النوادر، أو كذلك في عصرنا ما يُسمّونها بفقه الواقع أو الفقه المعاصر، ونحو ذلك.

    الشريعة تستوعب ذلك كله؛ من نظر إلى النوازل في عصرنا - في أبواب الديانة كلها - وَجَدَ أنه لا يخلو بابٌ من أبواب الدين إلا وفيه نازلةٌ تحتاج إلى النظر فيها.

    وأقل أبواب العلم نوازل هي أبواب العبادات؛ لأنَّ مَرَدَّها إلى التوقيف، ويوجد فيها من النوازل شيءٌ يسير ليست كغيرها في أبواب الأحكام؛ كالمعاملات والعقود والأنكحة والطلاق وغير ذلك من مسائل الديانة، وهذه كلها قد جاءت فيها مسائل على مَرِّ العصور؛ في العبادات قد جاءت نوازل متعدِّدة في أبواب الطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة وغير ذلك، وكذلك في أبواب المعاملات بأنواعها؛ أكثر الأبواب وروداً في النوازل هي أبواب المعامَلات.

    ومن جهة النظر فإنَّ النازلة تكون من جهة الإحصاء أقلُّ عدداً من جهة الفروع التي قد دلَّ الدليل عليها، بخلاف المعاملات؛ فإن النوازل فيها أكثر مما دَلَّ عليه الدليل في نوازل في عصر النبي r والصدر الأول على وَجْهِ العموم؛ في العبادات، في الطهارة؛ جاءت مسائل متعدِّدة؛ كمسألة تنقية المياه الملوثة ونحو ذلك، وفي الصلاة؛ كمسألة الصلاة في الطائرة ونحو ذلك، وغير ذلك في أبواب الصيام؛ كمسائل الإفطار الحديثة، بالإبر ونحو ذلك، وفي الحجِّ ما نحن بصدده؛ كذلك من جهة الزكاة في مصارف الأموال المتنوعة التي لم يرد دليلٌ فيها؛ وهي كثيرةٌ جداً وقد تكلم عليها غيرُ واحدٍٍ من المتأخرين؛ كذلك في أبواب المعاملات بأنواعها؛ ثمَّة مسائل قد طرأت على الواقع؛ هي أصليةٌ لا تلحق من جهة النظر بأصلٍ بيِّنٍ واضحٍ؛ لهذا قد اختلف فيها العلماء في مواضع متعددةٍ؛ منهم مَنْ يُلْحِقها بأصلٍ، ومنهم مَن يُلْحقها بأصلٍ آخر، فيقع الخلاف بحسب اجتهاد الناظر؛ كمسألة الأوراق النقدية وغير ذلك.

    كذلك من المسائل في أبواب النكاح والطلاق والرجعة وغير ذلك مما طرأ كذلك في العصور المتأخِّرة مما يعرفه الجميع.

    دراسة النوازل هي من الواجبات على أهل العلم؛ على خِلافٍ عند العلماء في النظر فيها؛ هل هي من الواجبات على الأعيان، أم هي من فروض الكفايات.

    والدليل في كلام الله I ، وفي كلام الرسول r أن الله U قد أخذ الميثاق على أهل العلم أن يبِّنوا للناس ما احتاجوه من أمور دينهم، وإن قصروا في بيان تلك النوازل فتخبَّطَ فيها الناس فيقعوا في المتشابه يلزم من ذلك وقوع في الحرام؛ فحينئذٍ يقعون في الإثم حتماً؛ وذلك أنهم قد قصَّروا بأداء الرسالة؛ وذلك أنهم ورثة الأنبياء، وحملوا الشريعة عنهم، فيجب عليهم أن يبلغوا دين الله I ، ولما امتازوا بالدين وبالفقه فيه وَجَبَ عليهم أن يتمرسوا بمعرفة النوازل وإلحاقها بأصولها.

    من جهة الأصل فقه النوازل ومعرفتها هي من فروض الكفايات، وذلك هو الأصل فيها، وقد تكون من فروض الأعيان؛ وذلك إذا سُئِلَ العالم ولم يكن للسائل أحدٌ يحلُّ معضلته إلا هو وجب عليه أن يستفرغ وسعه بتلك النازلة؛ كذلك أيضاً إذا غلب على ظنه أو تيقَّن أن من يتكلم في هذه المسألة أنهم يسلكون غير طريق محمدٍ r بالضرب يمنةً ويسرة بإتباع رغبات أقوامٍ وترك رغبات آخرين ونحو ذلك وَجَبَ عليه أن يستفرغ وسعه بما يدين به الله I ، وإلا من جهة الأصل فهي من فروض الكفايات التي يجب على أهل العلم من ذلك العصر أن يتبينوا ويتفقهوا فيها، وأن يستفرغوا الوسع فيها.

    وينبغي لطالب العلم أن يُكْثر النظر في كتب النوازل للعلماء الأوائل، وهي ما يسمَّى بالفتاوى أو ما يسمى بأحكام النوازل على المذاهب الأربعة، ولا يوجد مذهبٌ من المذاهب حتى مذهب الظاهرية إلا وفيه كلامٌ على مسائل نوازل الدين؛ فينبغي لمن أراد ميراثاً وأن يتقن مسائل النوازل، وأن يُجيد إلحاق الفروع بالأصول، وأن يكون لديه ملكة الاستنباط في معرفة أحكام الشريعة والاستئناس بوقائع الحال على الترجيح - أن يُكْثرَ القراءة في كتب أهل العلم؛ وذلك لكي يستفيد من أخطائهم في النوازل؛ فذاك يصيب وذاك يُخطئ وذاك يرد عليه ونحو ذلك؛ فيكون لديه من الملكة ما لديه.

    كذلك ينبغي للناظر في أحكام النوازل والمفتي فيها ألا يَأْطِره الواقع على أنْ يُفتي بنازلةٍ بخلاف ما يدين الله عز وجل فيها؛ وذلك أنَّ الواقعَ يغلب عليه نظرة العوام، والعوام يتباينون في نظرتهم؛ فمنهم من يهتم بالجزئيات ويغلب الفروع على الأصول ويضخمها، ويجعل الخلاف فيها أعظم من الأصول؛ ولهذا يقول عبد الله بن عمر - عليه رضوان الله تعالى - كما جاء في الصحيح من حديث محمد بن فضيل عن أبيه فضيل بن غزوان عن سالم بن عبد الله بن عمر أنَّ عبد الله بن عمر قال لأهل العراق: يا أهل العراق، ما أسألكم على الصغيرة، وأجرأكم على الكبيرة. في قوله - عليه رحمة الله - " ما أسألكم على الصغيرة، وأجرأكم على الكبيرة" : أي أنكم تضخمون بحُسن نيَّةٍ الصغائر وتبالغون في التدقيق فيها والتنقيب عن أحكام الله U فيها، وتقعون في الكبائر ولا تبالون فيها.

    وهذا ينبغي أن يتأمله الناظر في أحكام النوازل، أنّ كلام العامة، وكذلك أنصاف المتعلمين الذين يجعلون من دقائق الدين مناطَ ولاءٍ وبراءٍ للأمة ألا يغير ذلك في نظرته شيئاً.

    كذلك ينبغي للناظر في النوازل أن يعلم أن رغبات الناس وأهوائهم - وإن كانوا يفرقون بين أصول الدين وفروعه - أنَّ رغباتهم لا تغير من حُكْم الله U شيئاً، فكم من نصوص الشريعة قد جاهد عليها رسول الله r جهاداً بليغاً؛ فرفع عليها السِّنان، وأطلق - عليه الصلاة والسلام - اللسان في بيان الحق، ودحض الباطل وشُبَه المبطلين في نصوص كبيرةٍ قد جاءت عنه - عليه الصلاة والسلام -.

    ومن نظر إلى النصوص عن رسول الله r قبل بعثته وجداله مع المنافقين، وكذلك للجهلة ممن جاء إلى رسول الله r من جهالة الأعراب عن حُسن قَصْدٍ - وجد أن رسول الله r جاهدهم جهاداً بليغاً؛ مع أن رسول الله r يتحلَّى بالجملة الحكمة واللين والرقة، إلا أنَّ ذلك كله لا يغير من حكم الله U شيئاً؛ فيكون الحكمُ ثابتاً من جهة التحريم أو التحليل، أو الكراهة أو الاستحباب، أو الإباحة؛ لا يُجامَلُ أحدٌ في دين الله I ؛ وكذلك أيضاً ينبغي للناظر في أحكام النوازل وفقهها أنْ يَعْلَم أن ثمة نصوص تتشوف على الصَّبْر على الأذى في دين الله I ؛ وذلك بالنَّظر إلى حال النِّبي r وحال أصحابه والتابعين وأئمة الإسلام الذين صبروا على القول بمسائل من فروع الديانة، وكذلك الجلادة في مواجهة أهل الباطل ونحو ذلك؛ فأوْجَدَ ذلك أصلاً في نفوس كثير من العامَّة، أو كثير من المتفقهة؛ بتحُّمل البله ببعض فروع الدين ونحو ذلك، وهذا قد وُجِدَ أصلُه عند السلفِ الصالح من الصحابة وغَيرِهم.

    قد جاء في الصحيحين وغيرهما أنَّ رسول الله r لمَّا كان يُحاصِر الطائف وأطال الحصار، قد ذكر ابن إسحاق في السيرة أن رسول الله r قد حاصَرَ الطائفَ ثلاثين يوماً، وجاء في روايةٍ عنده أنه حاصر الطائف أربعين يوماً، فقال رسول الله r لأصحابه : "إنا قافلون غداً" فقالوا لرسول الله r : كيف نَقْفل غداً ونحن لم نُقاتلهم ولم نفتح الطائف؟! فضحك رسول الله r فأبقاهم، فلمَّا قاتلوا وأصيبوا وجُرِحوا قال رسول الله r : "إنا قافلون غداً". فلمِّا سمعوا ذلك من رسول الله r ضحكوا واستبشروا برجوعهم.

    من نظر إلى هذا النصِّ عن رسول الله r وأصحابه يستفيد منه أموراً متعدِّدة:

    - أولاً : من جهة حصار النبيِّ - عليه الصلاة والسلام- للطائف؛ من جهة أصل الجهاد أنه فرضٌ على من جاء مع رسول الله r على أعيانهم؛ وذلك أنَّ الرسول الله r قد انتدبهم واكتتبهم في هذا الغزوة؛ فكان المنصرف منها كالنافر كالمُدْبر يوم الزحف والمتولي عنه، وذلك مِن أكبر الكبائر.

    لما طال المقام برسول الله r قال : "إنا قافلون غداً". فلما سمع الصحابة رسول الله r قال ذلك تَشَوَّفَت نفوسهم على الصبر البلاء، ورسول الله r هو أشدُّ الناس علماً وصبراً في جنب الله، وما دفعه عن ذلك خشية بلاءٍ ومَضَرَّة؛ وإنِّما لحكمةٍ إلهيةٍ لا تستوجب الإلزام؛ لهذا خضع رسولُ الله r لرغبتهم؛ ليَنْظُر حالهم، فلما جُرِحوا وأخبرهم رسول الله r أنهم قافلون غداً استبشروا وضحكوا، فرجع رسول الله r بهم.

    الرجوع جائزٌ في الحالَيْن ؛ في الحالة الأولى، وفي الحالة الثانية؛ لكنها في الحالة الأولى كانت النفوس تتشوف على الصبر، لكن لمَّا نزل بها الأذى تشوفت النفوس إلى الرجوع إلى المدينة وعدم تحمُّل الأذى؛ لهذا ينبغي أنْ يُعْلَمَ أنَّ الناظر في مسائل النوازل - أنه إذا لم يكن قد وقع الحالُ به - أنَّ نظره يكون بذلك قاصراً؛ وهذا ينبغي أن ينظر فيه الناظرُ في أحكم النوازل على وجه العموم، إذا لم يقع في تلك النازلة، أو تكن في مجتمعه فليحجم عنها قَدْر الإمكان ما دام أهل البلد الذين قد وقعت فيهم النازلة لديهم من أهل العلم والدراية والمعرفة ما يُمكنهم أن يستنبطوا لتلك النازلة دليلاً.

    لهذا كان رسول الله r يُخْرِجُ الغُزاةَ من أصحابه ويعلمهم الأصول، ويَدَعُ الفروع لهم لأنهم أعلم الناس بحالهم؛ ولهذا ثمة كثير من النوازل في وقتنا ينبغي أن يُمسِك عنها كثيرٌ مَن لو نزل به ذلك تلك النازلة، أو نزل به ذلك البلاء لقال بقولهم، أو تَخَّبط بالقول يَمْنةً ويَسرة؛ كفقه الأقليات في كثيرٍ من بلدان العالم؛ تقع فيه النوازل كثيرة، فيفتي في ذلك كثيرٌ من أهل العلم الذين لم يقعوا في ذلك البلد، أولم يَحْصُل لهم أن وطأت أقدامهم تلك البلاد؛ فيفتوا بذلك من غير نظرٍ لأحواله؛ ( كذلك مسائل أهل الثغور ينبغي أن تُتْرك لهم؛ وذلك لصعوبة المسائل والمدارك ).

    ومن نظر إلى أحوال النبيَّ r وجد ذلك ظاهراً بيِّناً فيه.

    ومن المهمات أيضاً في هذا الباب أن يعلم الناظر أنه إنْ مَلَك دليلاً في أي مسألة من مسائل الدين أنَّ ذلك لا يعني منه أنه يَملُك أن يُنْزل ذلك الدليل على كل مَسْألةٍ مشابهة لها وإنْ كانت من كل الوجوه؛ وذلك ربما يكون ثمة دافع لتلك النازلة، أو لذلك النَّظير؛ يدفع الدليل عنها؛ لإنزال أمرٍ آخر.

    مثال ذلك أنَّ رجلاً جاء إلى الإمام أحمد - عليه رحمة الله - فقال له: إن أبي أمرني أنْ أطلِّق زوجتي. فقال له : لا تُطلِّق. فقال: أليس عَبْدُ الله بن عمر أمره أبوه أن يُطلِّق زوجته فطلقها. فقال - عليه رحمة الله - : حتى يكون أبوك كعمر.

    من جهة ورود الدليل عند الإمام أحمد؛ أعلى دليلٍ في هذه المسألة ما جاء عن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - ومعلومٌ منهج الإمام أحمد - عليه رحمة الله - أنَّه يُقدِّمُ الصحابة إذا لم يَكُن في الباب غَيْرُهُم؛ وذلك لجلالة قَدْرهم، وهم وصيةِ رسول الله r بالإتباع؛ خاصة الخلفاء الراشدين؛ كما جاء في السُّنن وغيرها من حديث العرباض ن سارية أن رسول الله r قال : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بَعْدي". أمر رسولُ الله r بسلوك سبيلهم؛ بلغ إليه الدليل واحتجَّ عليه المحتج، ولم يكن ذلك خافياً عليه - عليه رحمة الله - احتجَّ عليه بأن ذلك قد ثبت عن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى؛ لكن كان نظر الإمام أحمد أنَّ مناط ذلك لشيءٍ وَقَعَ في النفس، وأنَّ أمر الوالد لولده بالطلاق ليس نافذاً على وَجْهِ العموم حتى يكون الوالد منصرفاً عن رغبات النفس ومطامعها التي تتشوف بحرمان الغير، وبما في يده ورضا نفسه عن رضا غيره رضا الله I .

    لما كان ذلك منتفياً في عمر، وأدرك تلك العلة الإمام أحمد -عليه رحمة الله- لم ينزل الحكم على ذلك السائل، ولو كان ذلك السائل سأل غيره ممَّن هو دونه لأوقع عليه ذلك الحكم، ولو بقي على نَفْسه وهو يحمل الدليل لأخذ بذلك.

    لهذا حاجَّ الإمام أحمد - عليه رحمة الله تعالى - بحال عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - مع ابنه.

    الكلام في هذه المسائل مما يطول جداً، ولكن ينبغي التنبيه على أصلٍ مهمٍ في هذا الباب؛ وهي أنَّ شريعة الله I الأصل فيها أنَّها ثابتةٌ لا تتغير، لا يُمكن أن تتغير بحالٍ، وهذا هو الأصل فيها، أمَّا من المسائل التي ما عَلَّق الشارع فيها النظر إلى عُرْفِ الناس؛ فإنها تدور بتغير الحال.

    ومن تلك المسائل ما جاء عن أبي حنيفة - عليه رحمة الله - أنَّه تكلم على مَسْأَلة الشاهدين، وعدم وجوب تزكيتهما، وانصراف صاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن عن قوله، وعللا ذلك لتغيُّر الزمان؛ لتغيُّر زمانه وفساد أحوال الناس، وأنَّه ينبغي أنْ يُزَكَّى الشاهدان؛ وذلك أنَّ تغيُّرَ أحوال الناس قد يغيِّرُ بعض الأحكام. وقد أشار إلى هذه المسألة ابن القيم - عليه رحمة الله تعالى - في كتابه "إعلام الموقعين"، وكذلك الشاطبي في كتابه "الاعتصام والموافقات"، وغيرهم من أهل العلم أشاروا إلى أنَّ جُمْلَةً من مسائل الدين قد تتباين وتتغير من وقتٍ إلى وقت؛ فيُفْتي العالِمُ بقولٍ؛ فيظن الناظرُ في هذا أنه قد استند إلى دليلٍ من النصِّ، وهو قد استند إلى العادة وإلى النظر في أحوال الناس؛ فإذا تَغير ذلك الزمان وفسد أحوال الناس أو صلحوا تغيَّر ذلك الحكم بتغير ذلك الزمان.

    وكثيرٌ من العلماء لا ينصُّون على تلك العلَّة التي قد تغيَّر الحُكْمُ لأجلها، وإنما يفتون بالقول؛ فيظن بعض من لا عناية له أنَّ هذا القول قولٌ قطعيٌ في المسألة، وقد استند فيه إلى أصول الإسلام؛ لا إلى عُرْفِ الناس؛ فيظن أنه قول واحد، فإذا خالف ذلك الإمام ظنَّ أنه قد خالف أصله، وما علم أن ذلك الإمام قد قال بهذا القول نظراً إلى عُرفِ الناس وأحوالهم.

    ومن المهمات أيضاً ما يجب أنْ يُتنبَّهَ له؛ أنَّ ثمَّة موجة عظيمة في وقتنا قد تولى كبرها كثيرٌ ممَّن يُحْسَنُ الظن به؛ بامتطاء كثيرٍٍ من مسائلِ العلم؛ من النوازل وغيرها ؛ حتى جعلوا من ذلك تأصيلاً لما يُسمَّى "فقه التيسير" فميَّعوا كثيراً من أصول الديانة، وأذابوا كثيراً مِن أحكام الدين، وتشبثوا بحُجَج وآراء لبعض العلماء على مَرِّ العصور، وجمعوا في ذلك مصنَّفاتٍ متعددةً؛ أرادوا بذلك عن حُسنِ قصدٍ التيسير على الناس، وما علموا أنَّ ذلك مخالفٌ لمنهج الأئمة - عليهم رحمة الله؛ بل هو مخالفٌ لما جاء عن رسول الله r ؛ بلزوم العزيمة مِنْ جهة الأصل، والأخذ بالرُّخَص والتيسير في بعض الأمور ونوازل الأحكام.

    وأما إذا كان النصُّ في ذلك ظاهرٌ عن رسول الله r فلا قولَ لأحدٍ مِنْ أهل العلم في نازلةٍ أيّاً كانت؛ إلا إذا كان ثمة أصلٌ يُعْتَمَدُ عليه بدفع ذلك الدليل - هو أعظم منه، والكلام في ذلك في الفروع أهونُ منه في الأصول، وإن كانت الأصول قد تغاضى رسول الله r عن شيءٍ من فروعها؛ لمصْلحةٍ في الإسلام أعظم؛ وكذلك كان أصحاب رسول الله r ؛ كما جاء عنهم - عليهم رضوان الله تعالى - أنَّ بعضهم قد عَطَّل بعضاً من حدود الشريعة؛ لا من جهة التقليل والتحكيم لغير ما أنزل الله؛ وإنما في واقعةٍ بعينها؛ لمصلحة رأوها كما جاء عن رسول الله r أنَّه قد درء قَتْلَ جُمْلَةٍ مِن أهل الشِّقاقِ والنِّفاقِ؛ لِعِلَّةٍ راجحةٍ تتعلَّق بأصول الديانة.

    والكلام على أمثال هذه المسائل يطول جداً؛ ولكنْ ينبغي أنْ يُعْلَم أنه ينبغي لطالب العلم أنْ يلتمس الدليل، وأنَّ العالِمَ إذا قال بمسألةٍ من مسائل الديانة على مَرِّ العصور، أنه يكون مَعْذوراً إذا استفرغ وسعَه بتلمُّس الدليل، وأنَّ المقلِّد لذلك العالِم قد يكون آثماً بتقليده ذلك إذا كان ذلك عن هوى، وأنَّ مسألة التيسير بذاتها لا تُضْرَب بها النصوص المحكمة عن رسول الله r ؛ والتي عليها إجماعُ الصحابة وغيرهم، وأنَّه لا يكاد يوجَدُ مسألةٌ مِن مسائل الديانة إلا وفيها قَوْلٌ شاذٌ لأحدٍ من العلماء المعتَبرين على مَرِّ العصور؛ سواءً من أئمة السَّلف من التابعين وغيرهم.

    ومن نظر إلى الكتب التي تعتني بفقه الخلاف، وذِكْر الخلاف العالي والنازل وجد ذلك ظاهراً بيناً؛ لهذا ينبغي لطالب العلم أن يعتني بالأدلة والأصول عن رسول الله r والإجماع، وأنْ يعلم قَدْرها، وأنَّ أعلى ما جاء في ذلك الوحي كلام الله I ، وكلام رسول الله r ، ثم يلي ذلك الإجماعُ، وأعلى الإجماعِ إجماعُ الصحابة - عليهم رضوان الله تعالى - كما قال الإمام أحمد : الإجماع إجماع الصحابة ومَنْ بعدهم تَبَعٌ لهم، ثم يلحق في ذلك الأصول؛ كمسألة القياس ومسألة المصالح والمفاسد وغير ذلك من مقاصد الشريعة التي قد دَلَّ عليها الدليل.

    لا يَعْني من ذلك دَفع التيسير على وجه العموم والإطلاق؛ وإنما يَعني الاحتراز ممَّن يُطْلَقُ هذه العبارة، وهو يريد بها في الأغْلَبِ خيراً - أنَّ هذه العبارة قد امتطاها كثيرٌ ممَّن يريد بالإسلام سوءاً؛ فظهرت كثيرٌ من مسائل الديانة بتلمُّس أقوالٍ شاذَّةٍ فيها؛ فقيل بجواز إمامة المرأة، وقيل بإسقاطِ كثيرٍ من أحكام الديانة؛ كالخَلوَة والدَّعوةِ إلى الاختلاط والتبرُّجِ والسُّفور؛ كما أنَّه ينبغي للناظر في مسائل الديانة على وَجْهِ العموم، ومن انبرى للفُتيا أن يَنْظر إلى حال السائل، لا إلى حال المسألة التي يُسألُ عنها؛ فإنَّ السائلَ قد يَسأل وهو يريد شُبَه؛ وما أراد ديانةً وتتّبُعاً؛ فكثيرٌ ممن يلتمسُ المسائل الشاذَّةَ في الدين؛ فإنه يريد بذلك طَعْناً في دين الله، وإذابةً لمسائل الدين؛ فإنه ينبغي النَّظرُ إلى حاله؛ إذا كان ممَّن يُسَلِّم ويتبع المسائل التي قد اتَّفق الناسُ عليها وأجمعوا عليها، فإنَّ ذلك قَد يُحْسَنُ الظن ه، وإذا كان ممَّن لا يَرفعُ الإجماع رأساً، ولا يَنْظر إلى الدليل، ويكون ممَّن يتَّبع هواه، فإنَّ ذلك أحرى بأن يُشَدَّد عليه، وأنْ يُحجَّرَ عليه، وأنْ يبَّين حاله للناس؛ لأنه ربما يَفتن الناسَ في دينهم، وإن كان ما يسأله من مسائل الدين محلَّ خلافٍ ونحو ذلك؛ فنحن نسمعُ بين الفَينة والأخرى من يتكلَّمُ عل مسائل الحجاب، ومسائل العورات، وكثيرٍ من أحكام الديانة، ولو قال ذلك أنَّ في تلك المسائل خلافاً لقيل له أن ذلك صحيح؛ ولكن ينبغي أن يُنْظرَ لحاله؛ هل هو ممَّن يعظم العورات التي قد اتفق عليها العلماء؟!

    ومن نظر إلى أحوال كثيرٍ ممن يقتنص تلك المسائل وَجَدَ أنهم لا يُقيمون للعورات المغلظة التي قد أجمع العلماءُ على وجوب سَترها؛ لا يرفع بها رأساً، ولا يَعتني بها ولا يلتمس الدليل، وإنما ينظر إلى تلك الفرعيات.

    فينبغي للعالم حينما يتكلَّم في أمثال هذه المسائل أن يكون مُطَّلعاً لأحوال السائلين؛ سابراً لأحوالهم؛ عارفاً بما يريدون؛ لهذا كان السَّلفُ لا يجيبون كلَّ سائلٍ.

    وكذلك مما ينبغي أن يتنبه له النظر في مسائل الخلاف؛ أنَّ مسائلَ الخلاف حالَ الكلامِ عليها عند العامة لا ينبغي ذِكرُ الخلافِ وتَركُ الترجيح؛ ممن يغلب عليه هواه؛ لغلبة الهوى، واتبَّاع النَّفْس في ذلك؛ فينبغي أنْ يُربط الناس بالدليل، ولو ذُكِرَ الخلاف؛ لأنَّ الدليل هو الحجَّة وليس غيره؛ لأن اللهَ I ما تعبدنا بشيءٍ إلا بذلك.

    الكلام على هذه الأصول وهذه المهمات يطول جدَّا؛ فلا نَرْغبُ أنْ يَصْرفنا عن مقصدنا مِن هاتين المحاضرتين؛ نحن في هذه الليلة - بإذن الله تعالى - نتكلم على جُملَةٍ من المسائل في نوازل الحج.

    الحَجُّ كما لا يخفى أنه ركنٌ من أركان الإسلام، ومن دعائمه العظام؛ قد دلَّ على ذلك الدليلُ من الكتاب والسُّنَّة قد أمرَ الله U به.

    ويكفْى في ذلك أن جعله الله U ركناً من بُنيان الإسلام العظيم؛ وذلك أنَّ البِنَا لا يقوم إلا على أركان؛ فمِن تلك الأركان ما لو سَقَطَ ذلك البنا، ومنها ما لا يَسقط إلا بأكثر أركانه، ومن البُنيان ما يَسْقطُ بركنٍ واحدٍ؛ وذلك بتباين الدليل.

    وينبغي النظر في أحوال مسائل التكفير بأركان الإسلام لمَن تركها كسلاً وتهاوناً إلى الأدلَِّة من الكتاب والسنة، وليس هذا محل ضبطها.

    النوازل في الحج متعدِّدة؛ وهي ليست بالكثيرة؛ نتكلم على جملةٍ منها في هذه الليلة، ونُلحِقُ ما ظهر من هذه النوازل بأصولها؛ وبالجُملَة فإنه ما مِن نازلةٍ إلا ولها أصل، وبعض النوازل من نظر إلى كلام الفقهاء وجد أن العلماء يتكلمون عليها في مصنَّفاتهم؛ لكنها على طريقةٍ أخرى؛ وذلك لتباين الاصطلاح، وتغيُّر الحال ونحو ذلك، وهذه مسائل متعددة يأتي الكلام عليها بإذن الله.

    النوازل منها ما يَطلب الناظر لها أصلاً ، ولا يكاد يجد لها أصلاً إلا بعض ما جاء عن السلف من متأخريهم من أتباع التابعين وغيرهم.

    وعلى كلٍّ فإنَّا نستفرغُ الوُسْعَ بإلحاق كل فرعٍ بأصلهِ من الكتاب والسُّنَّة أو أقوال السَّلَف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام.

    مسائل النوازل في الحج متعدِّدة، منها ما ظهر في الوقْت المتأخِّر من تحديد زمنٍ معين للعمرة، وتحديد زمنٍ معينٍ للحج.

    ونَبْتدئ بالعمرة فإنه من المعلوم أنَّ العُمْرةَ لكثيرٍ من أهل البلدان قد حُدِّد فيها مواسم معلومة لأدائها، وغير ذلك يُمْنَعُ منه؛ أولاً : من جِهَةِ أداء العمرة؛ فالعمرة واجبة على الصحيح، وهو قولُ عامة السَّلَف؛ كما جاء ذلك عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وغيرهم من أصحاب رسول الله r ، وليس لها وقتٌ محدَّد وهي مشروعةٌ في سائر أيام السنة على وَجْه العموم؛ من غير استيفاء يومٍ بعينه عند عامة العلماء؛ خلافاً لأبي حنيفة، وما يُروى عن عائشة عليها رضوان الله تعالى أنهم استثنوا من ذلك أربعة أيام؛ أولها يومُ عرفة، الثاني يوم النَّحر، الثالث والرابع اليومان بعده؛ وهما أيام التشريق.

    وقد جاء عن عائشة - عليها رضوان الله تعالى - كما عند البيهقي من حديث يزيد الرِشك عن معاذة عن عائشة - عليها رضوان الله تعالى - أنها قالت : أُِحلَّتِ العمرة في السنة كلها إلا في أربعة أيام؛ وهذا الحديث أو الأثر عن عائشة - عليها رضوان الله تعالى - قد قال فيه النووي : باطلٌ لا يثبت. قال البيهقي عليه رحمة الله تعالى كما في كتابه "السُّنن" : هذا الأمرُ عندنا لمن كان حاجَّاً وفي المناسك أنه لا يعتمر في هذه الأيام، وأما غير الحاجّ فإنه يعتمر فيه.

    ويقال أنه يُسْتند إلى هذا التعليل مع صحة الدليل؛ فلمَّا كان الدليل لا يَصِّحُّ كان الأمر باقياً على الأمر، وأما مِن جهة الحجِّ فإن الحجِّ قد جاء عن رسول الله r الأمر بالمتابعة؛ الحث المتابعة عليه؛ فقال - عليه الصلاة والسلام : "تابعوا بين الحجِّ والعمرة".

    وحَثَّ رسول الله r على الإكثار منه؛ فقال - عليه الصلاة والسلام : "الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة". وقال - عليه الصلاة والسلام : "مَنْ حَجَّ ولم يَرْفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كما ولدته أمُّه".

    وجاء عن رسول الله r الترغيب بأنْ يَحجَّ الإنسان كلَّ خمسة أعوام، وقد جاء ذلك مِن طُرُقٍ متعددة، ولا يصح منها شيء؛ فلا يَصحُّ عن رسول الله r تحديد مدَّةٍ معينةٍ في الحجّ، ولا في العُمْرة؛ وإنما جاء الدليل في العُمرة ببيان وقت الفاضلِ عن غيره؛ ببيان وقت الفاضل كما جاء عن رسول الله r في بيان فضل العمرة في رمضان، وكذلك اعتمار رسول الله r في أشهُر الحج؛ فإن رسول الله r قد اعتمر أربع مراتٍ، وكانت عُمْره عليه الصلاة والسلام في أشهر الحج، ما اعتمر - عليه الصلاة والسلام - في غيرها، ولما كان كذلك عُلِمَ أنَّ الأصْلَ ألا يمنع الناس من أداء العمرة على وَجْهِ العموم؛ وذلك أنَّ رسول الله r قد قال : "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بالبيت أو صلَّى أية ساعةٍ من ليلٍ أو نهار". وهذا الخطاب ينصرف إلى سائر الناس؛ عربيهم وأعجميّهم؛ كذلك قد حَثَّ رسول الله r على عدم أذيَّةِ الحاجّ على وجه العموم، فيستنبط منه إذا كانت الأذيَّة له حال وصوله؛ فكيف بمنعه من جهة الأصل!

    كذلك أيضاً ما جاء عن السلف - عليهم رحمة الله تعالى - كعمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - وغيره؛ من إخلاء مكة من أهلها؛ من دورٍ ونحو ذلك للحجاج ممَّن كان قاصداً بيت الله I وأنهم أولى بذلك من غيرهم.

    وقد جاء هذا عن عمر بن الخطاب كما رواه الفاكهي في أخبار مكة من حديث عبيد الله بن عمر عن نافعٍ عن عبد الله بن عمر أنه نهى عن بيع وإيجار دور مكة، وأمر بفتح أبواب الدور، وأن ينصب الناس الخيام حيث شاءوا.

    وهذا صحيحٌ عن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - وقد جاء بنحوه عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، ولا يصح.

    أما من جهة التقييد والمنع يقال أنه قد ثبت عن بعض الصحابة - عليهم رضوان الله تعالى - أنهم قد مَنَعوا من الاعتمار في بعض المواسم البدعية التي قد يظن الناس فيها قصداً لم يرد فيه دليلٌ من الكتاب والسنة.

    قد يلحق مسألة التقييد بهذه المصلحة كما جاء عن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - أنه كان يمنع من الاعتمار في أشهرِ الحرم وأشهر الحج، وذلك كما رواه ابن أبي شيبة، وذلك ابن جرير الطبري في التاريخ وغيره.

    وقد حاجَّه بعض الصحابة كعمران - عليهم رضوان الله تعالى - في مسألة المنع؛ فعلل ذلك عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - أنَّهم يَعْمَرون في أشهر الحج، فينظرون أن ذلك يُجْزئ عنهم عن الحج، فيدخلون إلى أهليهم، فلما كان ذلك التعليل لم يرد فيه دليل منعه عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى من ذلك، وجاء تعليلٌ عنه عليه رضوان الله تعالى - أنَّه مَنَع مِنْ ذلك لكيلا يُهْجَر البيت فيما سواه، فإذا كان ثمَّة مصلحة شرعية جاز تقييد الوقت في أزمنة محدَّدة؛ كمن يحدِّد أزمنةَ في أشهرٍ من السنة؛ وذلك لترتيب أوقات المعتمرين، وتسهيل وصولهم، وترتيب وصول الأفواج منهم؛ وذلك دَفعاً للزحام والمشقَّة من غير مَنْعٍ على وجه العموم؛ فإن هذا له مقصد شرعي، وأصله ثابتٌ عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى.

    ويلحق في ذلك منع أهل الظلال والزيغ من التعبد في أوقاتٍ مخصوصة؛ سواءً في مكة وغيرها؛ ممن أمر الشارع بالإتيان إليها على وَجْه العموم في جميع مواسم العام؛ فيقال أنه إذا كان ثمة من أهل البدع من يتعبد بأوقاتٍ وأزمنةٍ محددة فيما دَلَّ الدليلُ على أنَّ التعبَّد فيه على وَجْه العموم جائزٌ يجوز منعه؛ كمن يعتمر في رجب، أو يحتفل بليالٍ معروفة؛ كالميلاد وليلة الإسراء في بعض المساجد ونحو ذلك، وإن كان دخول المساجد والتعبد فيها هو من أعظم العبادات، ومن المشروع في الديانة، وصَدُّ الناس عن المساجد مِنْ أعظم الآثام، وقد حَذَّر الله I مِنْ ذلك أعظم تحذير، وحذر منه عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة.

    وعليه فإنَّ خلاصة هذه المسألة أنه يجوز تحديد أزمنة محدَّدة لمصلحة تيسير أمر الحجاج من عدم الزحام ونحو ذلك ، (وإلا فالأصل أنه ما وجد سَعَة وما وجد فُسحة فإنه لا يجوز مَنعهم بحالٍ)؛ فمن أراد قَصْدَ الحج في أي يومٍ من أيام السنة فإنه يُيَسَّر له ذلك ولا يُمنَعُ منه على وجه العموم؛ فينبغي أن يُغَلَّبَ هذا الأصلُ على العِلَّةِ وعلى النازلة قَدْر الإمكان، إلا إذا كان في ذلك علة أو نازلة ظاهرة بيِّنة؛ فإنها تُغلَّبُ لعِلَّةٍ ظاهرةٍ تتعلق بمقاصد التشريع؛ لثبوت ذلك عن بعض أصحاب رسول الله r .

    ومن المسائل النازلة في هذا الباب ما يُسمَّى في عصرنا بـ "قوافل" أو "حملات الحج"؛ هذه القوافل وحملات الحج هي من النوازل في هذا الزمان، وقد تباين الناسُ في هذا الباب؛ بين مُغالٍ وغير مُغالٍ، بين مُتَّبعٍ للمشقة، وبين مُتَّبعٍ للتيسير والسعة، وبين مُسرفٍ يدفع الغالي والنفيس؛ لتقليل الراحة وطلب السَّعة، وعدم النظر إلى أصْل المشقةِ في الحج؛ وذلك أن الشارع قد سمَّى الحج جهاداً، فقد جاء عن رسول الله r كما جاء في البخاري من حديث عائشة عليها - رضوان الله تعالى - أنه قال : "على النساء جهاد لا قتال فيه" وقال : "الحج"، وقد جاء في غير البخاري بذكر العمرة، وهي غير محفوظة؛ فسمَّى رسول الله r الحجَّ جهاداً؛ وذلك لما فيه من الجهد والمشقة، ورسول الله r وأصحابه كانوا - عليهم رضوان الله تعالى - مع يُسر بعضهم إلا أنه يَتَحيَّن التقشف والتقلل وعدم تلمُّس المبالغة بالراحة؛ كما جاء عن أنس بن مالك - عليه رضوان الله تعالى - في المسند وغيره من حديث يزيد بن أبان عن أنس بن مالك قال : حج رسول الله r على رَحلٍ رَثٍّ، وقميصه لا يساوي أربعة دراهم، وحَجَّ أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى على ذلك.

    وقد جاء عن عبد الله بن عمر - عليه رضوان الله تعالى - أنه رأى رفقة قد جاءوا إلى الحج من أهل اليمن بعد وفاة رسول الله r على رواحل رثَّة، بها مزادتهم، فقال عليه رضوان الله تعالى: من أراد أن ينظر إلى رسول الله r ومن معه فلينظر إلى هذا الوفد. يعني الذين جاءوا إلى الحج وحالهم تلك المذكورة.

    وقد جاء عن أنس بن مالك - عليه رضوان الله تعالى - كما جاء في الصحيح من حديث أمامة أنَّ أنس بن مالك - عليه رضوان الله تعالى - أنه حجَّ على رَحلٍ، وليس بشحيح؛ أي أنه ليس بضيق ذات اليد؛ وإنما يملك مالاً؛ إلا أنه تقلَّلَ من ذلك وترك الإسراف.

    ومن نظر إلى أحوال كثيرٍ من أهل الحملات في وقتنا وجد المبالغة في ذلك، وبعضهم يدفع الألوف المؤلفة لكي يتيسر له الحج، فلا يلتمس فيه مشقة، فأحبَّ أن يُفسح له الطريق، فلم ينظر إلى حال رسول الله في حجه وهو من هو، فكان رسول الله r يحج على راحلةٍ واحدةٍ، وعلى هذه الراحلة مزادته وطعامه، وفيها رحله عليه الصلاة والسلام ومتاعه؛ قال: قد جاء عن بعض السلف أنَّ أول من حج براحلتين؛ راحلة يمتطيها وراحلة عليها مزادته هو عثمان بن عفان - عليه رضوان الله تعالى؛ فرسول الله r من نظر إلى حاله وجد أنه لا يلتمس المشقة ويتقصدها؛ وإنما كان رسول الله r يَحُجُّ راكباً وماشياً، وكان رسول الله r لا يؤذي أحداً ولا يزاحم، وكان يحذر أصحابه - عليهم رضوان الله تعالى - من الزحام وأذية الخلق؛ وذلك دفعاً للمشقة، وطلباً للتيسير، وقد رخَّص عليه الصلاة والسلام كذلك للضعفاء أن ينفروا بَعْد منتصفِ الليل مِن مزدلِفة أو بعد طلوع القمر؛ كما جاء ذلك عن غير واحدٍ مِن أصحاب رسول الله r ، كعبد الله بن عباس، والفضل، وأسماء، وغيرهم من أصحاب رسول الله r ؛ نفروا مع أنَّ المبيت في مزدلفة واجبٌ؛ طلباً للتيسير وكذلك رخص رسول الله r للعباس ومَن معه ألا يبيت بِمِنى؛ وذلك لمصلحة سقاية الحج، ورخَّص رسول الله r لمَنْ يسبقه فيضرب له خيمةً بِـ"نَمِرَة"؛ ومعلومٌ أنَّ البقاء بـ "مِنَى" يومَ التروية وقبل ذلك هو السُّنَّةُ والأولى؛ ولكن ذلك لمَّا كان يتعلَّق بمصلحة المسلمين وتيسير طريقهم جاز الترخُّص ببعض الأحوال، إلا أنَّ الإنسان أن يلتمس دَفْعَ المشقَّةِ على وَجْهِ العموم وطلب التيسير والترفُّه ليس ذلك من نهج محمدٍ r .

    وهذا مذمومٌ من وجوه:

    - الوجه الأول : أنَّ النبيِّ r قد حَذَّر من الإسراف؛ وذلك أن التيسيرَ في الحج لا يمكن إلا بدفع مبالغ باهظة لحملاتٍ معينة تيسر للإنسان تَنَقُّلَه وتيسر له ملبسه ومطعمه بشيءٍ لا يتخيل الإنسان أنه في حج؛ وهذا معلومٌ مشاهَدٌ لمن لمس ذلك، وقد حَذَّر رسول الله r من الإسراف؛ كما جاء في السنن من حديث بَهْز بن حكيم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدَّه أن رسول الله r قال : "كل واشرب وتصدق من غير سَرَفٍ ولا مَخْيَلَة". قد حَذَّر الله I من الإسراف بقوله جلَّ وعلا : }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا { ، وبيَّن I أن الإسرافَ مِنْ خصال الشياطين، ومِن كان على نَحْوِهم؛ كذلك الثاني أنَّ رسول الله r مع تيسير أمره، وأنَّ الحجَّ كان في آخرِ أحواله، بعد أن بَسَطَ الله U له في الرزق، فكان رسول الله r يَدَّخِرُ في آخر حياته قوتَ سنةٍ كاملةٍ، وهذا يدلُّ على تيسير الرِّزْق، وكذلك السَّعَة لليد، ثم أنَّ من نظر إلى حال رسول الله r فقد جاء بهَدْيٍ وأهدى، وهي مائة، فذبح رسول الله r بيده ثلاثاً وستين، ورجلٌ يَمْلِكُ ذلك من الهدي ويأتي براحلة واحدة رثة وعليها مزادَتُه وطعامه ولباسُه؛ وهذا يدلُّ على أنَّ رسول الله r قد تقصَّدَ عَدَمَ تتبُّع التيسير على وجه العموم ، وإنْ كان التيسير مطلوباً؛ وذلك لدفعِ المشقة والأذية عن الناس؛ أما من جهة الإنسان بنفسه فإن الأصل في الحج أنه من الجهاد.

    - الأمر الثاني : أنَّ الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا على نهج محمدٍ r كما جاء عن أنس بن مالك وعبد الله بن عمر؛ بل وعن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى؛ فإنَّ كثيراً من الحجَّاج الذين يبالغون بدفع الأموال الطائلة، ويبالغون بطلب الراحة والأماكن الفسيحة ونحو ذلك، ولا يرغبون بالجلوس مع الناس، ويرغبون بخلواتٍ؛ ليس لذكر الله I والتعبد؛ وإنما دفعاً لمخالفة الناس وخُلُوِّ الذِّهن أو الانشغال بقراءة كتبٍ لا علاقة لها بالمناسك ونحو ذلك، لا شكَّ أن هذا من البعد.

    وقد جاء في المصنَّفِ عن عبد الله بن عمر - عليه رضوان الله تعالى - أنَّ رجلاً قال له : ما أكثر الحجاج! فقال عبد الله بن عمر: ما أقلهم! ثم نظر عبد الله بن عمر - عليه رضوان الله تعالى - إلى رجلٍ على رَحلٍ رثٍ، قال، لعلَّ هذا، يعني من هؤلاء القليل؛ فإن الفوز والنجاح وكذلك القبول فيمن طَلَبَ المشقة مِن غير أذيَّةٍ في نفسه أولى مِن غيره؛ وذلك أنَّ رسول الله r كانت حالُهُ كذلك.

    ومن النوازل في هذا الباب مسألة المواقيت، ومحاذاتها جَوَّاً :

    أولاً : يقال أنَّ المحاذاة من جهة الجو لم يدل عليها الدليل من جهة الأصل. وهذا معلومٌ.

    العلماء يُلحقون هذه المسألة بأصلٍ وقاعدةٍ، وهي أنَّ الهواء له حُكْمُ القرار ، وأنَّه داخلٌ في ملك الإنسان، وكذلك يستدلون بقياس الأَولى؛ قالوا أنَّ رسول الله r لمَّا جعل للمحاذي في البر، وليس في ملك المالك لو كان يملك ذلك؛ فجَعَله في حُكمه، وقد جاء هذا عن رسول الله r ، وجاء عن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - لما وقَّت ذات عِرق، ولم يكن قبل ذلك ذات عرق؛ فوقَّت عليه رضوان الله تعالى تيسيراً للناس، فلما كان كذلك كان الهواءُ مِن باب أَولى.

    والمحاذاة بالطائرة هي من المسائل التي عليها الاتفاق؛ أنَّ مَن حاذي الميقات من جهة الجو؛ أنه يجوز له الإحرام، ولا يجب عليه أن يعودَ إلى الميقات.

    ويتفرع عن هذه المسألة تبعٌ لها مسألةٌ قد تكلم عليها جماعة من العلماء؛ وهي حُكْم جُدَّة؛ هل هي من المواقيت أم لا، وهذه من المسائل التي قد تكلم عليها جماعة من المتأخرين، وقد صَنَّفَ في ذلك بعض الفقهاء من الحنفية من المتأخرين كتاباً سمَّاه "دفع الشِّدَّة بجواز تأخير الإحرام إلى جُدَّة"؛ وذلك لجعفر النُّعَيمْي الحنفي - عليه رحمة الله، وجَوَّز أن يكون المحرم يوخِّر إحرامه إلى جدة، وجعلها مُحاذيهً.

    أولاً : ينبغي النظر إلى تأصيل المسألة، أنَّ مسألة المواقيت قد دلَّ الدليل على أمورٍ مما يُحْرِمُ منه الحاجُ أو المعتمرُ، وذلك في عدة أحوالٍ:

    - الحالة الأولى : من جهة من كان من أهل الآفاق مِن وراء المواقيت؛ فإنه يجب عليه أن يحرم من المواقيت الموصوفة عن رسول الله r في حديث عبد الله بن عباس، ولا يجوز له أن يتجاوز هذه المواقيت، وإن تجاوزها وجبَ عليه أن يعود ما لم يكن في ذلك مشقَّة عليه؛ فإن كان في ذلك مشقة فإنه ينجبر على خلافٍ في الدم؛ فعامة العلماء على وجوب الدم، وذهب بعض السلف كإبراهيم النخعي إلى عدم وجوبه، وهو الأظهر.

    - أما إذا كانوا - وهي الثانية - دون المواقيت فإنهم يُهلُّون من مكانهم الذي هم فيه - أي من بلدهم - وألا يُغادروا البنيان إلا بإحرام؛ فإن غادروه بغير إحرام فقد تجاوزوا ميقاتهم.

    - الثالثة : مسألة المحاذاة للمواقيت : وهذه يأتي الكلام عليها.

    - الرابعة : وهي ميقات أهل مكة : وميقات أهل مكة يختلف ويتباين إذا أرادوا الحجَّ أو العمرة، ويقال أنَّ المكيَّ إذا كان يريد حّجَّاً فإنه يُحرم من مكة من داره، ولا يخرج إلى الحِلّ؛ وهذا الذي عليه عامة أهل العلم. أمَّا إذا أراد العمرة على خلافٍ عند العلماء في استحباب مشروعية العمرة للمكي؛ هل تُشرع العمرة للمكيّ أم لا؟ فذهب بعضُ السلف - وهو قولٌ لعبد الله بن عباس وعطاء بن أبي رباح - أن المكي ليس عليه عمرة.

    وجاء ذلك عن عبد الله بن عمر - عليه رضوان الله تعالى - أنَّ المكي ليس عليه عمرة؛ وإنما عليه الطواف؛ لكن إذا أراد العمرة أو كان ثَمَّةَ آفاقي قد جاء إلى مكة ثم نوى عمرةً فإنه يخرج إلى الحِل ليعتمر، كما جاء في حديث عائشة - عليها رضوان الله تعالى - وفي هذه المسألة إجماعٌ.

    وذهب بعض أهل الرأي وبعض أهل الظاهر من المتأخرين إلى أنَّ الحج والعمرة يحرم منهما من الحل، وهذا لا شكَّ أنه قولٌ مردودٌ مخالفٌ لما عليه الإجماع، ومسألتنا هنا تَلحَقُ بمسألة المحاذاة، وهي:

    القسمُ الثالث؛ يقال أن المحاذاة قد دلَّ عليها الدليل، وهي مَحَلُّ اتفاق عند العلماء؛ سواءً كان من البرِّ أو من البحر، أو مسألة الجو، وهي من مسائلِ النوازل.

    ويتفرع عن هذا مَسألتنا وهي مَسألة الميقات من جُدَّة؛ الإحرام من جُدَّة هل هو ميقات أم لا؟ يقال : لما دل الدليل على المحاذاة، ينظر إلى جدة هل هي محاذية أم لا؟ أولاً: لمن كان قادماً من البحر؛ من نَظَر إلى كلام العلماء - عليهم رحمة الله - وَجَدَ أنهم يقولون أنه يُحْرِمُ مَن كان قادماً من البحر من السفينة؛ مَن كان قادماً من المغرب ونحو ذلك؛ من بلاد السودان أو المغرب وغير ذلك؛ وهذا الذي عليه قول عامة العلماء؛ خلافاً للإمام مالك في رواية؛ فقد روى عنه ابن نافع - عن الإمام مالك - أنه لا يحرم المحرم بالسفينة؛ فكأنه يرى أنَّه يُحرِمُ بعد قدومه إلى البَرّ.

    وجدة لم تكن معمورةً بذلك ، ولم يكن يصل إليها هذا العدد وهؤلاء الحجاج بهذا الجَمْع؛ فكانت غير مقصودةٍ، وهذه المسألة كانت من النوازل، وأفتى فيها جماعةٌ من العلماء بأقوالٍ :

    - منهم من قال أنها ميقاتٌ للجميع؛ سواءً كانوا ممَّن يَقْدُمُ عن طريق البرِّ أو البحر أو الجو؛ أنه يُحرم إذا قَدُمَ من جدة.

    - ومنهم من قال أنها ميقاتٌ لمن قدم من البحر؛ من المغرب ونحو ذلك، وحمل رواية الإمام مالك - عليه رحمة الله تعالى - على ذلك.

    - ومنهم من قال أنها ميقاتٌ على وجه العموم؛ سواءً قُصدت من البر أو البحر أو الجو.

    - ومنهم من قال أنها ليست بميقاتٍ على وجه العموم.

    وعلى كلٍ فيقال أن الصواب في هذه المسألة أن جدة ميقاتٌ لمن
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60776
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    النوازل في الحج Empty رد: النوازل في الحج

    مُساهمة من طرف GODOF الإثنين 9 نوفمبر - 12:13

    - "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" الحديث تفرد به العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة؛ قد أنكره أحمد وسُفيان وأبو حاتم والدراقطني وغيرهم ...جلب للسنة ودفع للبدعة، وهذا قد جاء عن رسول الله r بذلك جملة من الأخبار، قد يرجع إليها وتؤصل المسألة ويُفَرَّع عليها؛ أن رسول الله r قد بَيَّن حدود الحَرَم؛ حرم المدينة؛ كما جاء في الصحيح أنَّ رسول الله قال : «المدينة حَرَمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَورٍ». وهذا الحديث قد جاء في الصحيح، وإن كان قد تكلَّم في بعض ألفاظه بعضُ العلماء، وقد أشار إلى هذا بعض الشُّراح؛ وذلك أنّّ رسول الله r في قوله : «المدينة حَرَمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَور»؛ قالوا : فإنه لا يوجد في المدينة جَبَلٌ يسمى ثوراً؛ وإنما هو بمكة، وتأوَّلوا هذا الخبر على تأويلات؛ منهم من قال أنَّ المراد بثورٍ هو أُحد، ووهم بعض الرواة فنقله، وقد ذهب إلى هذا جماعة من المحققين من أهل اللغة ونحو ذلك كأبي عبيد القاسم بن سلام وجماعة أيضاً ممن يعتني بالبلدانيات كالزبير بن بكار ومصعب وكذلك الزبيري وغيرهم ومنهم من قال أن المراد بذلك تقدير المسافة، كما بين عير إلى ثور بمكة وذهب إلى هذا ابن قدامة - عليه رحمة الله تعالى - في كتابه المغني والذي يظهر والله أعلم أنه ثمة جبل بالمدينة يسمى ثور، وقد نص على هذا غير واحد ممن اعتنى بالبلدانيات كياقوت الحموي في كتابه المعجم ووهم من غلَّط الرواة في ذلك فإنهم جماعة من الرواة الثقات قد تواطئوا على ذلك والتوهيم والتغليط في ذلك فيه نظر ولهذا قد أشار الحافظ ابن حجر - عليه رحمة الله تعالى - حال كلامه عند هذا الحديث أن كثيراً من الرواة أو من الشراح حينما يروون هذا الخبر لا يذكرون ثوراً فيه فيقولون المدينة حرمٌ ما بين عير إلى كذا، فيذكرون كذا كأنهم تشككوا من ذكر لفظ ثور فيه، ومنهم من يقول ما بين عير إلى أحد تغليباً لهذا الأمر يقول محب الطبري : قد حدثني العالم الحافظ الثقة المجاور بمسجد رسول الله r عبد السلام البصري أن ثمة جبل بالمدينة يسمى ثوراً وهو خلف جبل أحد ويكون حينئذ جبل أحد داخل في حرم المدينة، ونص على ذلك غير واحد من الأئمة كابن تيمية - عليه رحمة الله تعالى - أن ثمة جبل بهذا المراد بهذا أن رسول الله r يحدد بعلامات مشروعة يراها الناس بعض الحدود الشرعية لكي لا يتجاوزها الناس وهذا هو المقصود فإنه إن لم يكن للعلامات الشرعية حدوداً من الطبيعة أو من جهة الوضع لم يحصل المقصود من جهة التحديد ولم تعرف الأماكن ولهذا جعل رسول الله r لمسجده حدوداً وسور يحده فيشرع فيه الصلاة ويشرع فيه الاعتكاف، فإن خرج عن ذلك جاز فيه ما لا يجوز فيه فللنبي r حجرات وهي حجرات أزواجه كن متلاصقات وأقربهن هي حجرة عائشة عليه رضوان الله تعالى كان لها باب على مسجده وباب إلى خارج مسجده ويتجوز رسول الله r في حجرتها ما لا يتجوز في ذلك المسجد للحدود التي قد جعلها رسول الله r ، وعليه يعلم أن تلك الحدود إذا كان ثمة مصلحة في إعادة توضيحها وبيانها بمعالم ورسوم ونحو ذلك كتحديد المواقيت لكثرة الوافدين أو كثرة الواردين على ذلك ممن يحتاج إلى وضع الألواح بلغاتهم المتباينة ووضع الحدود ونحو ذلك وكذلك وضع الحدود في المشاعر من بيان حدود عرفة ومزدلفة ونحو ذلك، فإن هذا من المشروع، ويلحق في هذا صور يأتي الكلام عليها كمسألة الخط في المطاف ومسألة العلمين في المسعى ونحو ذلك وأصل هذه ولكن يقال من جهة التأصيل أن هذا مشروع وهو من المقاصد الشرعية، وقد تقدم الإشارة إلى بعض الأدلة في ذلك.

    ومن المسائل النازلة في هذا من محظورات الإحرام وهو استعمال بعض المنظفات من الصابون والشامبو والمناديل ونحو ذلك التي تسمى معطرة أو بنكهة كذا وكذا ونحو ذلك يقال أن استعمال العطر للمحرم حال إحرامه من محظورات الإحرام باتفاق العلماء، وقد جاء ذلك في نصوص عن رسول الله r منها حديث يعلى وغيره في الرجل الذي قد تضمخ بخلوق عين جبة وقال رسول الله r له: «أما الجبة فانزعها واغسل عنك أثر الخلوق واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك» .

    وهذا نص عن رسول الله r على خلاف عند العلماء في بعض صور مس العطر بالنسبة لمن قصد إحراماً هل يشرع له التطيب قبل إحرامه إذا كان قاصداً جمهور العلماء على مشروعيته وهو قول الحنفية والحنابلة والشافعية خلافاً للمالكية الذين قالوا بعدم مشروعية ذلك وأنه باقٍ على أصله كذلك مشروعية التطيب بعد تحلله من رمي الجمرة قبل الطواف هل يشرع له ذلك أم لا؟

    وهذه مسألة ليس هذا محل بسطها وإنما الكلام على مس المحرم بعض المنظفات التي هي من جهة الأصل لم توضع للتعطر ونحو ذلك وإنما وضعت للتنظيف؛ كاستعمال الصابون الذي يكون بنكهة بعض الفواكه كالبرتقال وكذلك الليمون أو بعض الأشجار ونحو ذلك هل هذه من المحظورات أم لا؟ يقال أن هذا لا يخلوا من حالين:

    الحالة الأولى : أن تكون هذه المواد قد وضعت لأجل العطر فتستعمل لذلك كبعض المناديل التي توضع قصداً لأجل التعطير وتسمى المناديل المعطرة فهي في الأصل لم توضع للتنظيف وإنما وضعت للتعطير على خلاف في أنواعها؛ منها ما يكون القصد منه التنظيف وإزالة ما يعلق في الجسد وكذلك الملابس من دهنيات وأصباغ ونحو ذلك، فإن هذه تكون مشروعة وإن كان بها شيء من التعطير.

    النوع الثاني : وهو ما لم يقصد فيه التعطير وإنما المقصود فيه التنظف ويكون فيها من جهة الإضافة شيء من النكهات؛ كوضع بعض روائح النباتات ونحو ذلك، فإن هذا لم يكن العطر فيه مقصوداً كوضع الصابون برائحة الليمون أو برائحة النعناع أو رائحة البرتقال ونحو ذلك كذلك الشامبو ونحو ذلك الذي يستعمله بعض من الإخوة على الرأس ونحو ذلك، فإن هذا مما يجوز استعماله لأنه لم يوضع قصداً للتعطر فهو استعمل أصلا من جهة الأصل للتنظف؛ فالإنسان حينما يقصد ذلك يقصد التنظف لا يقصد التعطر، ثم أن هذه المواد المضافة أصلاً على وجه الاستقلال ليست من باب العطريات؛ فأكل برتقال وهو من جهة الأصل من غير إضافة لم يكن من العطريات وإن كان له رائحة زكية يقصده الإنسان، ثم أن المقصود من نهي الشارع عن استعمال العطريات أو العطور بأنواعها بالنسبة للمحرم هو أن يكون المحرم حال إحرامه متجنباً وجوه الترفه وكذلك أن يكون متجرداً من أحوال الراحة والدَّعة ولهذا شرع النبي r له أن يلبس إزاراً ورداء ويتجرد من سائر أنواع المخيط بعداً عن الزينة والتزين بالملابس ونحو ذلك؛ من الجبة والعمائم والقمص ونحو ذلك ويتجرد من ذلك فهذا هو المقصد أن يبتعد عن التزين ونحو ذلك الأمر الثاني أن يبعد عنه دوافع الشهوة؛ فإن العطريات من دوافع إثارة الشهوة خاصة إذا تعلق به مجاورة نساء ونحو ذلك لهذا رسول الله r قال : «من مست عطراً فلا تصلي معنا العشاء» .

    وجاء عن رسول الله r أنه نهى المرأة أن تخرج وهي متعطرة وتمر من بين الرجال، وكذلك نهيُ رسول الله r عن تعطر المرأة بما يظهر ريحه، وقد جاء ذلك خبر في المسند وفي السنن أن رسول الله r قال : «عطر المرأة ما ظهر لونه وخفي ريحه، وعطر الرجل ما لم يظهر لونه وظهر ريحه» على خلاف في هذا الحديث في صحته وضعفه والظاهر أنه معلول وعلى كلٍ كلُ هذه المقاصد لا ترد على هذا المانع.

    ومن المسائل النوازل أيضاً في هذا الباب أن النبي r قد شرع الاغتسال قبل دخول مكة وهذا من السنن المهجور والكلام هنا أنه لما قرب الميقات أو بعض المواقيت من مكة وذلك ليس قربا مكانياً وإنما زمانياً؛ فإن الإنسان يحرم، ثم يصل إلى مكة بزمن يسير بخلاف السابق؛ فإن الذي يحرم من يلملم أو يحرم من الجحفة والمواقيت القريبة فهل يقال أنه يأتي بهذه الشعيرة التي ثبتت عن رسول الله r أنه يغتسل قبل دخوله مكة أم أنه يكتفي بغسله عند إحرامه لقلة الوقت وأنه لم يعرق ولم يصل إلى جسده شيء من النجاسات ولم يختلط بشيء من غيره مما يتأذى منه الإنسان من الأتربة والغبار أو أكلِ الطعام ونحو ذلك فالمسافة الزمنية بين الميقات ومكة لمن يحرم من جدة أو يحرم من يلملم أو الجحفة ونحو ذلك هي قريب من الساعة هل يقال بأنه يقف ويغتسل وهل يعتبر قصر المسافة زمناً من النوازل التي تدفع هذه السُنية ونحو ذلك؟

    يقال أن هذا، ثبت عن رسول الله r قد اغتسل عند دخوله مكة، كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر أنه قد نزل بذي طوى، ثم بالبطحاء فاغتسل، ثم دخل مكة فذكر أن رسول الله r يفعل ذلك فهل يقال أن من قصر زمنه كحال زمننا ممن يصل سريعاً ويكتفي باغتساله عند الميقات ونحو ذلك؟

    أولاً: يقال أن السنة ثابتة فلا تدفع بالعلل الظنية؛ والعلل الظنية هنا قصر المسافة، ثم أن ذلك يرجع إلى الأصل هل اغتسال رسول الله r هو من باب التعبد المحض أم هو من باب التنظف لدخول الحرم؟ فيكون يستحب لمن أراد دخول الحرم أن يغتسل على وجه العموم يقال أنه إذا قلنا أنه يستحب له أن يغتسل لدخول الحرم فلابد أن يلزم من هذا القول أن يغتسل كل من أراد أن يدخل الحرم سواء كان معتمراً أو حاجاً أو غير حاج وهذا لم يقل به أحد من العلماء عليه يعلم دفع هذا القول.

    والوجه الثاني: أن يقال أن هذا متعلق بالنسك ولما كان متعلقاً بالنسك شرع للإنسان أن يغتسل في مثل هذا المكان ومما يؤيد ذلك أن المكي حينما يحرم من مكة وكذلك من كان آفاقياً، ثم نزل بمكة وأراد أن يعتمر كأن يخرج إلى التنعيم وهو عائد من الحل هل له أن يغتسل من هذا المكان وكان قد اغتسل في داره ونحو ذلك؟ أو المكي حينما يريد الحج فإنه يحرم من داره فهل يغتسل لإحرامه، ثم يغتسل لدخول الحرم مرتين ونحو ذلك؟ يقال أنه لما كان قد وجد بمكة والنبي r قد أحرم لدخولها لا يشرع له الاغتسال لدخولها وإنما يشرع له أن يغتسل للإحرام وإن كان بمكة، وعليه يعلم أن اغتسال النبي r عند إحرامه إن صح عنه فعلاً، وقد ثبت عنه وهو محل إجماع عند العلماء، وقد جاء ذلك عن غير واحد من السلف قد حكوا الإجماع في ذلك هل هو من باب التعبد أم من باب التنظف إذا قيل أنه من باب التنظف فإنه يشرع للمكي على وجه العموم أن يغتسل عند دخوله الحرم سواء كان لحج أو عمرة و غير ذلك وهذا لم يقل به أحد من العلماء، وإذا قيل أنه للنسك فإنه يشرع للمكي أيضاً أن يغتسل لنسكه عند دخوله قبل نية الإحرام، كما هو ثابت وهو محل إجماع، وعليه يعلم أن الأصل في ذلك أن للإنسان إذا أراد أن يدخل مكة وهو متلبس بعمرة أو بحج أن يغتسل قبل دخوله إياها وأن هذا الحكم باقي سواء قد قصرت المسافة أو لم تقصر وهذا ظاهر الدليل عن رسول الله r .

    ومن المسائل النوازل في هذا الباب أنه يشرع لمن قرب من البيت أن يبتدأ بالطواف من عند الحجر ومعلوم أن الحجر هو بداية الطواف وهذا محل اتفاق عند السلف على خلاف عند الفقهاء من المتأخرين، ومن العلامات التي وضعت للطواف خط قد أزيل قريباً يبتدأ من الحجر إلى آخر المطاف، وقد يصل إلى خارج المطاف إلى المباني المسقوفة ليعلم الطائف داخلها؛ داخل القباب ونحو ذلك ووضعت هذه العلامة أيضاً في الطوابق في الدور الثاني والسطح ونحو ذلك حتى يراها الطائف هذه العلامة هل هي مشروعة أم لا؟ أولاً يقال من جهة تأصيل المسألة ينظر إلى أن الطواف لابد من ابتدائه أن يكون من عند الحجر ومن طاف من غير الحجر، فإن طوافه ذلك باطل وهذا الذي عليه عامة السلف وهو قول جمهور العلماء نص على ذلك غير واحد منهم؛ الإمام أحمد ومالك والشافعي خلافاً للحنفية الذين قالوا أن الإنسان له أن يعقد سبعاً من أي جهة قد ابتدأ وهذا قول لا يعول عليه ومعلوم أن الحنفية من جهة التأصيل والقواعد لديهم أنه لا يشترط عندهم في أبواب العبادات ترتيب ولا يشترط عندهم موالاة، وعليه حينئذ يأخذون بعض الأفعال التي جاءت عن رسول الله r على وجه الاستحباب أو يجعلونها على وجه الاتفاق، وعلى هذا يقول أهل الرأي أن من طاف منكساً فابتدأ من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ثم إلى الحجر الأسود أن طوافه صحيح وهذا قول لا يعول عليه ومخالف لما جاء عن رسول الله r واستقر عليه العمل وهو من الإحداث في دين الله، إذا علم ذلك، هل العلامة التي تؤدي إلى تحقق مقصود الأمر الشرعي من ذلك هل هي مشروعة أم لا؟ أولاً إذا تقرر الحكم الشرعي في ذلك هل المصلحة في وضع ذلك أم لا؟ أولاً يقال أنه لا مصلحة من إيراد ذلك وذلك أن الإنسان يبتدأ الطواف من الحجر الأسود بالمحاذاة لا من جهة التصويب وذلك أن التصويب من جهة الزوايا غير مقصود وإنما المقصود المحاذاة، كما كان رسول الله r يبتدأ من عند الحجر بالمحاذاة ومعلوم أن محاذاة البعيد لما دق من الزوايا كلما بعد اتسع وكلما قرب ضاق وهذا معلومٌ حتى عند علماء الهندسة والفلك ونحو ذلك؛ فإنهم يقولون أن الإنسان إذا كان يريد أن يحاذي نقطة يحاذيها بمسافات إذا كان بعيداً وكلما يقرب منها فإنها تضيق المسافة، وعليه كلما بعد يتسع، فإذا بعد الإنسان عن الحجر زادت مسافة المحاذاة وكلما دنا منها تحدد الإنسان عليه تنتفي العلة وهي مسألة وضع الخط، عليه يُعلم أن الإنسان إذا دنا من الحجر انتفى علة التحديد فإنه يرى الحجر، وإذا كان بعيداً عنه لا حاجة إلى أن يوضع الخط، ثم أن في ذلك دفعاً لكثير من المفاسد التي قد طرأت عند وضع ذلك ومعلوم أنه قد وضع حادثاً بالقرن الخامس عشر الهجري ومن المفاسد في ذلك تعلق كثير من أهل البدع بذلك؛ كأنهم قد جعلوا هذا الخط موضعاً للعبادة؛ فمنهم من يتمسح به بقدميه ونحو ذلك، ثم ما يحدثه من بعض المفاسد من الزحام وتجمع كثير من الناس ويظنون أنه ينبغي له أن يقف قبل ذلك لحظات، ثم بعد ذلك يمشي، ومنهم من يظن أنه لابد أن يستقبل القبلة على هذا الخط من بعض العجم، وقد لاحظ ذلك كثير من الناس، وبعد إزالته وجد في ذلك فسحة كثيرة، عليه يعلم أنه ليس من المقاصد ولا من المصالح الشرعية على الصحيح وضع ذلك وأن إزالته هو الصواب.

    أما إذا خفي على الإنسان معالم الكعبة كمن يطوف في السطوح أو يطوف في الدور الثاني ونحو ذلك فعليه يقال أنه إذا كان لا يرى الكعبة يشرع وضع علامات بناءاً على ذلك الأصل وذلك لأنه لا يرى الكعبة من باب زحام ونحو ذلك حتى يرى ابتداء الطواف ونهايته.

    ومن المسائل النازلة من يطوف على عربة أو محمولاً - وهو معذور - هل له أن يضطبع؟ وهو أن يظهر كتفه الأيمن وأن يرمي بطرفي ردائه على كتفه الأيسر.

    أولاً: أن يقال أن الإضطباع مشروع؛ قد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله r منها ما جاء في سنن الترمذي من حديث بن يعلى عن أبيه وما جاء في سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عباس عن رسول الله r وهو مشروع عند جماهير أهل العلم خلافاً للإمام مالك إذا علم أن ذلك مشروع، وقد ثبت في ذلك نص عن رسول الله r ، وقد جاء فيه جملة من الأخبار عن السلف - عليهم رحمة الله - الذين قطعوا بمشروعيته أولاً يقال إذا كانت العلة عن رسول الله r في الإضطباع والرمل هو أن المشركين لما قدم رسول الله r إلى مكة، فإن النبي r أراد أن يغيظ المشركين بالإضطباع والرمل بإظهار القوة أمامهم فإنهم يقولون قد وهن النبي r حمى يثرب فأراد النبي r أن يظهر بمظهر القوة ففعل النبي r ذلك.

    ومن كان محمولاً لا يظهر منه الرمل ولا يظهر منه ذلك التعليل وهو إظهار تلك القوة وليس له أن يحرك يده اليمنى، ومعلوم أن تحريك اليد اليمنى هو مقصود بالرمل كذلك مقصود بالإضطباع، وعلى هذا يقولون أن من استدار على شيء، وقد وضع الشيء على يساره فإنه يحتاج إلى تحريك يده اليمنى أكثر من يساره، وإذا دار على شيء ووضع الشيء على يمينه يحتاج إلى تحريك يده اليسرى أكثر من يمينه وهذا معلوم وكلما ضاقت الدائرة احتاج إلى التحريك أكثر وهذا معلوم بالنظر وهو محل اتفاق عليه يعلم أنه لما انتفت العلة فيمن يركب بعربة أو يكون محمولاً هل يشرع له ذلك أم لا؟ يقال أنه يرجع إلى ذلك الأصل، هل هذه العلة باقية وهي مسألة الإضطباع والرمل؟ يقال أن النبي r شرع ذلك لعلة فلما انتفت هذه العلة فهل يقال أن هذا الحكم باقي أم لا؟ نعم إن الحكم باقي وهذا عليه إجماع العلماء ممن قال بمشروعية الإضطباع والرمل لما كانت العلة منتفية من جهة الأصل وباقية من جهة الحكم ولم يتعلق بها الحكم وجوداً وعدماً كان بقاء الحكم فيمن يطوف على عربة أو يطوف محمولاً من باب أولى بل أنهما في الحكم سواء.

    من المسائل أيضاً طواف الإنسان فوق مستوى الكعبة كأن يطوف الإنسان في الدور الثاني أو السطح أولا يقال أنه قدم تقدم تقرير أن الهواء له حكم القرار، وقد ثبت ذلك فعله عن جماعة من الصحابة - عليهم رضوان الله تعالى - من جهة الصلاة فيقال أن العلماء قد اتفقوا أن من صلى وسقف الكعبة فوقه أن الصلاة صحيحة وهذا محل اتفاق عندهم، وإذا صلى الإنسان وهو فوق مستوى الكعبة هل صلاته صحيحة أم لا؟ عامة العلماء على صحة صلاته، وذهب بعض الفقهاء من الشافعية إلى عدم صحة صلاة من صلى فوق مستوى سطح الكعبة، وقد رد على من قال بهذا القول بعض الفقهاء من الشافعية كالإمام النووي - عليه رحمة الله تعالى - وأبطل قول من قال بذلك بحجج منها قال أنه لو قدر - والعياذ بالله - أن تهدم الكعبة ولا يبقى منها أثر هل يقال بعدم صحة صلاة من قام حولها ومعلوم أنها إذا هدمت فإنه يكون أعلى من سطحها فصلاته صحيحة وهذا محل اتفاق، ثم أنه قال، وقد اتفق العلماء بالنظر والتسليم إلى صحة صلاة من صلى فوق جبل أبي قبيس ومعلوم أن جبل أبي قبيس أعلى من مستوى سطح الكعبة وهو مشرف عليها فالصلاة فيه صحيحة كذلك من صلى فوق السطوح أو صلى في الدور الثاني أو الثالث مما هو أعلى من مستوى سطح الكعبة، ومما يدل على أن الهواء له حكم القرار من جهة الحكم أن النبي r قد حرم على المحرم صيد البر ويلحق في ذلك صيد الجو تبعاً فلو صاد إنسان وهو في الجو صيداً في الجو فإنه يجب عليه الفدية كأن يصيده بسهام أو نبال أو بندقية ونحو ذلك، فإذا قيل أن الطواف في الدور الثاني أو في السطح خارج عن مستوى سطح الكعبة عليه يقال أنه خارج عن التكليف بذلك وهو خارج عن التكليف بالإحرام أو بسائر الإحرام فمن صاد شيئاً من الصيد وهو في السطح أو في الدور الثاني هل يقال أنه صاد شيئاً في الهواء فلا ينطبق عليه الحكم أن هذا القول قول باطل، وعليه يعلم فساده وبه يعلم أن من طاف في الأرض ومن طاف في الدور الثاني أو طاف في السطح أن طوافه صحيح وهذا الذي ينبغي أن يصار إليه ولا ينبغي أن يحكى في ذلك خلافاً ولكن لما كان السامعون لهذا الكلام هم من طلبة العلم لا بأس بذكر هذا الخلاف.

    ويتفرع عن هذا الخلاف هو من طاف شيء من الطواف في الأرض وأراد أن يكمل طوافه بالدور الثاني وهذا من فروع هذه المسألة وإن كان يلحقها من جهة الأصل في مسألة الموالاة وتقدم أن من القواعد عند الحنفية أنهم لا يشترطون موالاة في سائر العبادات؛ سواء في أبواب الصلاة أو الطهارة فلا يشترطون الموالاة في الوضوء فلو غسل عضواً في موضع، ثم غسله حتى نشف في موضع آخر أو الصلاة عند الجمع بين صلاتين فلو أراد أن يجمع الظهر مع العصر فصلى الظهر، ثم أراد أن يؤخر العصر إلى آخر وقت صلاة الظهر قالوا أن ذلك جائز، كذلك من جهة الموالاة في الحج في جميع الأحوال من جهة الطواف فلو طاف شوطاً، ثم أراد أن يؤجله إلى الليل جاز له ذلك فإنه على قولهم يرون الجواز وهو من باب أولى وأما من أراد أن يكمل في الدور الثاني وكان الفاصل يسيراً صح ذلك قياساً عل مسألة الصلاة فيمن قطعه صلاة ومعلوم أن الإنسان إذا قطعته صلاة في المطاف فإنه يصلي، ثم يتم طوافه باتفاق العلماء يقول ابن عبد البر - عليه رحمة الله تعالى - : ولا أعلم خلافاً في ذلك إلا ما يروى عن الحسن فإنه قال بأنه يستأنف طوافه.

    كذلك من المسائل في هذا مسألة الصلاة عند مقام إبراهيم وهذه مسألة وإن كانت من جهة الأصل مسألة قديمة ولكن لما الخلاف قد وجد في مسألة مشروعية نقل المقام لا نريد أن نتكلم عن هذه المسألة لأنها مسألة يتعلق فيها كثيراً من المصالح والمفاسد ولكن نتكلم على ما لو حصل ذلك بتقديم أو تأخير يقال أن الصلاة خلف المقام هل هي متعلقة بذلك الجُرم الذي لو حرك أو أزيل فإنه يزول معه هذا الحكم أو أن الأمر متعلق بأصل مكانه فلو أزيل فإنه ينتفي ذلك الحكم وهو أداء الصلاة خلف المقام؟ أولاً يقال أن الأمر من جهة النظر لا يتعلق بهذا الحجر وإنما يتعلق بمكانه؛ ومعلوم أن مكانه قريباً من الكعبة، فإن إسماعيل كان يناول أباه الحجر وهو قريباً منه فإنما حرك وحركه السيل في الصدر الأول وبقي في مكانه ولما كان كذلك من صلى بين الحجر وبين الكعبة هل هو مصلي بين الكعبة وبين المقام أو لابد أن يكون بين المقام الحادث الذي قد جرفه السيل؟ هل يكون قد أتى وامتثل بذلك أم لا؟ أولاً يقال أنه يرجع إلى مسألة الأصل هل هو من جهة الأصل متعلق بهذا الحجر، فإن غير أو حيد عنه ونحو ذلك أم أن الشارع قيده من جهة العلامة بهذا الحجر وشرعت الصلاة نحو هذه الناحية؟ يقال أن الكعبة - والعياذ بالله - لو أزيل مكانها ووضع في مكان آخر هل المقصود أن يتوجه الإنسان إلى مكانها أو يتوجه إلى الإنسان إلى ذلك الحجر؟ الأولى أن يقال أن الإنسان يتوجه إلى مكانها وهذا محل تسليم لا أن يتوجه إلى ذلك الحجر الذي زيد فيه أو نقص فلما كان كذلك كان كذلك الاتجاه إلى مسألة المقام أن يتوجه الإنسان إلى مكانه عليه يعلم لو تيسر للإنسان أن يصلي بين المقام وبين الكعبة أنه قد صلى ناحية المقام وهذا ينبغي التيسير فيه لما كان الزحام في هذا الموضع - وهو للطوَّاف - كان الأولى بالإنسان أن ينأى عن الزحام ويصلي بعيداً عن ذلك، ثم أن الصلاة من جهة الأصل لا تتعلق بالمقام بذاته لهذا قد ثبت عن غير واحد من الصحابة - عليهم رضوان الله تعالى - أنهم قد صلوا خارج المسجد فلما كانت الصلاة خارج المسجد، وقد فعلها رسول الله r في المسجد دل على أن مسألة المقام لا يتعلق بذاته حكم الركعتين فلما كان لا يتعلق فيه حكم الركعتين كان التوجه إلى موضعه الأصلي هو أولى من التوجه لهذا الحجر، فقد صلى عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - ركعتي الطواف بذي طوى. وإسناده عنه صحيح قد جاء عنه في موطأ الإمام مالك.

    ومن المسائل أيضاً في مسألة المسعى؛ المسعى هو ما بين الصفا والمروة، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله قد رواه الإمام مسلم من حديث إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله r سعى بين الصفا والمروة والسعي بين الصفا والمروة هو المناسك باتفاق على خلاف عند العلماء في ركنيته أو وجوبه أو استحبابه على ثلاثة أقوال وهي ثلاث روايات عن الإمام أحمد - عليه رحمة الله - وليس هذا محل الكلام عليه وإنما الكلام على مسائل من النوازل في المسعى أولها مسألة المسائل الحادثة بالركوب في المسعى ووضع العربات الحادثة الكهربائية التي يركبها بعض العجزة أو المرضى ونحو ذلك وتكون كهربائية فيضغط الإنسان زراً فتمشي به إلى ناحية، ثم يرجع إلى ناحية أخرى، هذا يرجع بنا إلى تأصيل مسألة؛ وهي مسألة الركوب بالمسعى أولاً رسول الله r كان بالمسعى ماشياً، وقد ثبت ذلك النص عنه، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله فإنه قد مشى ولذلك سعى بين العلمين لم يكن راكباً، وقد جاء عند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود، وقد ثبت أيضاً موقوفاً على عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى.

    وأما الركوب في المسعى فهو خلاف السنة عند جمهور العلماء بل ذهب بعض العلماء إلى وجوب المشي وأن الركوب مخالف إلا لمن كان معذوراً وهذا الذي عليه - أعني التأكيد - على مسألة المشي على خلاف في الوجوب عند السلف - عليهم رحمة الله - فقد ثبت عن غير واحد أنه أكد في ذلك وذم من ركب من غير حاجة في السعي، ثبت ذلك عن عائشة - عليها رضوان الله - وعروة بن الزبير، وسودة بنت عبد الله بن عمر - عليهم رضوان الله تعالى - بالتأكيد على المشي وإن شق على الإنسان ما استطاع إلى المشي سبيلاً ، قد ثبت في ذلك نصوص عنهم بالتأكيد عليه؛ كما جاء عن عائشة فيما رواه الإمام مالك في موطئه قالت : إني لا أستطيع أن أركب فيما بين الصفا والمروة وإنما أمشي بينهما، وقد ثبت ذلك أيضاً، كما جاء في الموطأ من حديث هشام بن عروة عن أبيه أن سودة بنت عبد الله بن عمر وكانت زوجة بن الزبير كانت قد ابتدأت بطوافها بين الصفا والمروة حينما انصرف الناس من صلاة العشاء وكانت ثقيلة فما انتهت من طوافها بين الصفا والمروة إلا عند أذان الصبح الأول فكان ابن الزبير يسعى معها ويرى أناساً راكبون فينكر عليهم فيقولون إنا نفعل ذلك لأجل المرض حياء منه فيقول بن الزبير لقد خابوا وخسروا قد استدل من قال بالوجوب بأمثال هذه الآثار وأن رسول الله r لم يثبت عنه أنه ركب، وعلى هذا من يقول بالوجوب فإنه يقول بالدم وهذا قول جماهيرهم ومن قال بالاستحباب وهو رواية عن الإمام أحمد وهو قول جماعة من الفقهاء من الحنفية أنه ليس بواجب وذهب إلى هذا الإمام الشافعي - عليه رحمة الله تعالى - وأنه من المتأكدات والسنن، وعليه أن الإنسان لو احتاج أو فعل ذلك من غير حاجة أن سعيه صحيح سواء كان محمولاً أو على آلة ونحو ذلك، وقد قال الشافعي - عليه رحمة الله تعالى - معلقاً على أثر سودة بنت عبد الله بن عمر وقول ابن الزبير خابوا وخسروا : قال لو قال أن سعيهم باطل لما اكتفى بقوله خابوا وخسروا وإنما دل على أنهم فرطوا من جانب متأكد بهم من جهة الشرع نقص من ثوابهم بقدر تقصيرهم وأن سعيهم صحيح، عليه يعلم أن تلك العربات لو فعلها الإنسان وهو محتاج إليها أنه كالمريض إن فعل ذلك في حال صحته أنه مأجور على فعله في حال الصحة إن كان يمشي وإن كان يركب في حال صحته ومرضه لا يحصل له الأجر، كما جاء عن رسول الله r في الصحيح من حديث أبي موسى أن رسول الله r قال : «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما يعمل وهو صحيح مقيم» عليه من فعل شيء حال مرضه أو تركه وكان حريصاً علي الامتثال به حال صحته فإنه يكتب له ما كان يفعله حال الصحة ويكون له الأجر - أي الأجر كاملاً -، فإذا فعل حال الصحة فركب، فإن سعيه صحيح فهو ناقص بقدر تفريطه بما حث عليه النبي r .

    ويقاس على ذلك ويخرج عليه من المسائل ما قد يقال بها وهي لم تحدث ونحو ذلك، وقد قرأت الدعوة إليها ونحو ذلك وهو وضع سلالم كهربائية بين الصفا والمروة؛ وهو أن يسعى الإنسان على سير كهربائي يذهب به ويجيء ونحو ذلك أولا يقال أن هذا مخرج على مسألتنا.

    ومن المسائل النوازل في هذا الباب مسألة السعي وهي علامات العلمين في بطن الوادي وهي المصبوغة باللون الأخضر

    أولاً : قد ثبت عن رسول الله r أنه إذا دنا من بطن الوادي سعى، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله - عليه رضوان الله تعالى - وغيره، وسعيه r ليس بالجري الشديد وإنما هو بين المشي فيشد الإنسان فيقارب بين خطاه ويسرع بينهما وهذا هو ظاهر فعل النبي r ولكن هذه الأعلام التي قد وضعت خضراء أصلها وضعت بعد انصرام عهد الخلفاء الراشدين وهي وضعت مبكراً في أواخر عهد الصحابة - عليهم رضوان الله تعالى -، وقد نص على هذه الأعلام الخضر غير واحد من الفقهاء؛ كالإمام الشافعي - عليهم رحمة الله تعالى - في كتابه الأم فقال : عندنا من العَلَم الأخضر من جهة المسجد سعة، مما يدل على أن العلم كان موجوداً، ثم تغيرت حاله حتى وضع أنوار خضراء أو صبغت الأميال ونحو ذلك، وهذا هل هو من المقاصد الشرعية أم لا؟ تقدم الإشارة إلى أصل هذه المسألة وهي وضع أعلام لمن جهل بعض الأماكن الشرعية لتحديدها لتحقيق مقصد العبادة؛ أولاً لما كان النبي r يسعى في بطن الوادي ولما كان بطن الوادي قد ردم فاستوى طرفا هذا الوادي فلا يعلم بطن الوادي من أعلاه كان وضع هذه الأعلام لتحقيق مصلحة السعي بين العلمين متحقق شرعاً وهو من المصالح المرسلة ولا زال العلماء يقرون ذلك وهو محل عمل عندهم.

    ومن المسائل النوازل في مسألة المسعى وهو ما طرأ حديثاً من توسعة المسعى وهو وضع مسار بحجم المسار الموجود محاذ له ومواز له من الصفا والمروة فيكون المسعى الحالي لمن قدم من المروة إلى الصفا والحادث لمن قدم من الصفا إلى المروة، أولا يقال أن رسول الله r قد جاء النص عنه أنه سعى بين الصفا والمروة فالبينية هنا من جهة اللغة أن من كان بين شيئين فلا يخلو من حالين على الأغلب إما أن يكون قد وجه وجهه ناحية أحدهما فما خلفه الطرف الآخر وإما أن يكون قد وضع أحدهما على يساره فالآخر عن يمينه، فهل يكون كل ما خلفه أحد الأطرف فيكون بينهما، فإذا كان بينهما، وقد وضع أحدهما على يساره فهل يكون كل ما على يساره ممن هو دون ذلك المكان هو بينه هل تدخل فيه البينية أم لا؟ يقال أن هذه المسألة لها فروع عدة غير هذا الفرع تتعلق بتحقيق هذه البينية؛ البينية تتحقق في كل ما كان عن يمين الإنسان ويساره، فإن الإنسان إذا كان بين نقطتين فلا يلزم أن يكون بينهما أن يكون على خط مستقيم بين هاتين النقطتين فإنه إن تجاوز أحدهما أو تجاوز ذلك الخط، من كان عن يمينه أو عن يساره هو بينهما، وقد توسطهما وكذلك إذا جعل أحدهما خلفه والآخر أمامه يسمي ما خلفه وإن كان محاذياً للنقطة التي خلفه يسمي كل ما خلفه وراءه وكذلك من كان تلقاء وجهه فإنه يسميه أمامه، يتعلق هذا بمسألة البينية ويتعلق هذا بمسألة أخرى - إن قلنا بعدم رجحان هذا التعليل - بمسألة الزحام.

    ومسألة الزحام واتصال الصفوف وحاجة الناس إلى ذلك هل يلحق في هذه المسألة أم لا؟ من جهة الرجوع إلى المسائل يجد الإنسان أن مسائل المناسك والمسائل التعبدية لا علاقة لها بما يخرج عنها من مسائل المعاملات ونحو ذلك؛ بعض من تكلم في هذه المسألة الحق هذه المسألة بمسألة التمليك؛ فلو أن إنساناً قد ملك أرضاً ليس له أن يملك ما كان بجوارها وإنما يملك فضاءها، عليه يقال أن رسول الله r حينما حدد المواقيت جعل السلف مكاناً محاذياً لها في حكمها مع أن لا يتعلق في ذلك ملكية، وجاء عن رسول الله r في مسألة المعاملات في مسألة البيوع فيمن اشترى أيضاً أنه ليس حق فيمن جاورها إلا في مسألة واحدة وهي مسألة الشفعة إذا أراد الإنسان أن يبيع أرضاً مجاورة لشخص آخر أنه أولى بها، كما جاء عن رسول الله r أنه قال : «الجار أحق بشفعة جاره». إذا كان كذلك علم أن ثمة فارق بين مسألة التمليك وهي الاستحقاق والملكية وبين مسائل العبادات في أمثال ذلك؛ فالصحابة - عليهم رضوان الله تعالى -، كما جاء عن عمر جعل ما كان محاذياً للميقات، كما في ذات عرق في حكمها، كما قال - عليه رضوان الله تعالى - انظروا حذوها فنظروا فجعل - عليه رضوان الله تعالى - ذات عرق، ثم من جهة النظر من جهة تحقيق المصلحة في اتصال صفوف أن لها حكم من جهة الأصل وهذا يرجعنا إلى مسائل عدة :

    المسألة الأولى : مسألة الصلاة حول الكعبة؛ الصلاة في الصدر الأول كانت من جهة الحجر الأسود والباب، كانوا صفاً واحداً ولم تكن الصفوف مستدارة على الكعبة إلا في عهد خالد بن عبد الله القسري، كما ذكر ذلك الفاكهي - عليه رحمة الله تعالى - في كتابه "أخبار مكة"؛ قال أنَّ الصفوف كانت من جهة واحدةٍ من جهة الباب؛ فإذا انتهى شطر الكعبة، أو زادوا عليها قليلاً، أحدثوا صَفَّاً آخر؛ حتى زاد ذلك، فلما كان في خلافة خالدٍ بن عبد الله القَسْري وإمارته على مكة جعل الصفوف مستديرة، فاستقر على ذلك العمل.

    وقد أفتى بجواز ذلك غير واحد من العلماء؛ كما أخرج الفاكهي في أخبار مكة من حديث ابن جريج قال : سألتُ عطاءً - عليه رضوان الله تعالى - عن الصلاة خلف الباب فيمن صلَّى، هل يصلى الناس وإنْ خرجوا عن الباب يسيراً، ثم يصلوا صفوفاً أم يصلوا صفاً واحداً حول الكعبة، قال : بل يصلوا صفَّاً واحداً حول الكعبة أوْلى من صلاتهم صفوفاً كثيرة خلف الباب، واستدل بقول الله I - وهذا استنباطٌ لطيفٌ منه - قال: }وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ { ، قال : فلما كان العرش مقصوداً بالتوجه إليه كانت الاستدارة فيه مشروعة؛ وهذا لم يكن في السابق، واستقر عليه العمل.

    المرادُ من ذلك أن نرجع المسألة إلى قبل استدارة الصفوف؛ فلو صلَّى الناس من جهة الباب، ثم زادت الصفوف حتى خرجت عن التصويب عن الكعبة، هل تصح صلاة من زاد عن أطراف الكعبة فتوجه إلى غيرها وهو خلف الإمام؟

    يقال : قد اتفق العلماء على أنَّ من صلَّى الصلاة وحاله كذلك أنَّ صلاته صحيحة، وهذا محل اتفاقٍ عندهم؛ لأنَّ مقصد الزحام صحيح؛ وعليه يقال : لو صلى جماعة من الناس، وأبطلوا مسألة الاستدارة؛ فصلوا من ناحية الباب خلف إمامٍ حتى خرج طرف الصف عن مسألة التصويب عن الكعبة صحت صلاتهم، وهذا محل اتفاق.

    وثمة فرع آخر أيضاً من نظائر هذه المسألة؛ وهي أنَّ الصلاة في حدود الحرم مضاعفة؛ فلو صلَّى المسلمون في طرف من أطراف الحرم وكان التضعيف متحققاً فصلى فئام من المسلمون خلف ذلك الإمام حتى خرج طوائف منهم عن حدود الحرم، هل من خرج عن حدود ذلك الحرم من الصفوف يدخل في التضعيف أم لا؟ الصواب أنه يدخل، وهذا ظاهر أنه محل اتفاق عند العلماء، وإن كان من جهة البقعة ليسوا داخلين في البقعة الشرعية التي يدخل فيها التضعيف عند العلماء بالاتفاق؛ وهو ظاهر النص عن رسول الله r ، عليه يعلم أن اتصال الصفوف والحاجة إلى الزحام بإحداث توسيع المسعى داخل في ذلك من وجهين؛ أولاً في تحقق البينية.

    الأمر الثاني: لتحقق مصلحة اتصال الصفوف وأن ذلك من مقاصد الشريعة، ثم أن الصلاة لما كانت آكد وهي من فراض الإسلام وتاركها كافر على الصحيح من أقوال العلماء؛ وليس هذا محل بسطها وذكر الأدلة في ذلك، وهذا أيضاً يرجعنا إلى مسألة قد تكون هي أسهل من ذلك أن العلماء - عليهم رحمة الله - حينما تكلموا على ما هو من شروط الصلاة وليس الصلاة بذاتها قال من جحد شيئاً من شروطها مما لا تصح الصلاة إلا به؛ فمن أنكر الوضوء فقد كفر ومن أنكر غسل الجنابة فقد كفر قالوا ليس لذاته وإنما لأنها لا تتحقق الصلاة التي بتركها يدخل الإنسان بالإيمان فإنه يكفر بذلك وقالوا وهذا محل اتفاق، لما كانت الصلاة كذلك تصح من إنسان لا يتوجه إلى القبلة وإن كان خلف الإمام جاز فيما هو دون ذلك في مسألة المسعى، ثم أيضاً من جهة النظر وهذا ينظر له من جهة التعليل أو مسائل العلة وهي يذكرها العلماء مسألة السبر والتقسيم ومسألة السبر والتقسيم عند العلماء يلجأ إليها؛ وهي أن الإنسان إذا أضطر إلى مسألة ينظر إلى الأحوال التي يمكن أن تحدث في أمثال هذا؛ فالمسعى إذا قيل بالزحام وكثرة الناس وتباطئهم؛ إما أن يقال بأنه يقنن الناس ويقللوا ويحرموا من الحج ويسقط عنهم الحج ويقلل بقدر ما يسعون بين الصفا والمروة، وإما أن يقال أن يسعوا ومن لم يستطع يسقط عنه السعي وإما أن يقال بجواز الإنابة؛ أن ينيب الإنسان غيره؛ فيشرك سعيه بسعيه على قول من قال أنه يجوز للإنسان أن يفعل فعلين في وقت واحد؛ وهذا قول وإن كان قولاً شاذاً في هذه المسألة لكنه يُدخل في ذلك، والحالة الرابعة أن يقال بجواز اتصال الناس وعذرهم بتوسعة ذلك على قول أن ذلك خارج هذا الأمر فيقال لا شك أنه من جهة النظر أن حكم الشرعية باقٍ من جهة التكليف ولا يعذر الإنسان إلا بما لا يطيقونه، ثم أن الإنابة باطلة في مثل ذلك، ثم أيضاً أن الإنسان لا يسقط عنه السعي وهو مستطيع للسعي ويبقى في ذلك الاستطاعة وهو أن الإنسان إن استطاع أن يتصل بالصفوف وإن حمله الزحام إلى أن يكون خارجاً منه فله حكمه، وقد يقاس ذلك على مسألة اتصال الصفوف فيمن يخرج من المسجد؛ فقد ثبت عن جماعة من الصحابة - عليهم رضوان الله تعالى - أنهم صلوا خارج المسجد بصلاة الإمام؛ فقد جاء عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وعبد الرحمن بن عوف، وجاء عن غيرهم من السلف - عليهم رحمة الله - عليه - والله أعلم - أن مسألة توسعة المسعى مسألة مشروعة وهذا الذي يؤيدها الدليل من جهة إلحاقها بالأصل وكذلك ما يؤيدها من جهة النظر.

    أما ما يُعلِّق به البعض الحكم الشرعي بأن السعي يكون بين جبلين بين الصفا والمروة قالوا فلابد من النظر إلى أصل الجبلين من جهة باطن الأرض فما كان من أصلهما، فإن الإنسان يكون بينه.

    أولاً: الشريعة تُعلَّق بالظواهر، والإنسان مكلف بما يراه لا أن يحفر أسافل الجبال ونحو ذلك لينظر تحقق العبادة أم لا، فلو قيل أنه حدث ثمة انهيار من مشي الناس وكثرة مشيهم على الرمل، ثم نزل الجبل ونحو ذلك هو مخاطب بذلك، فلو قيل بأن الجبل يمتد حتى خارج مكة من جهة الأصل هل يقال بجواز السعي؟ لا يقال بذلك، لأن الأمر متحقق في هذا المكان، فالمسألة بالقصد لا يقال بالتوسعة في هذا ولا تعليق الأمر بعلة خفية لم يقصدها الشارع، حينما علق الشارع كثيراً من العبادات بالرؤية لم يعلقها بما خفي على الإنسان؛ فالنبي r قد علق مواقيت الصلاة برؤية الشمس مع أن الشمس التي نراها ليست الشمس الحقيقية وإنما هي انعكاسها في الغلاف الجوي كذلك مثلا رؤية القمر رؤية الهلال لدخول الشهر وانصرامه، وإنما هي صورته عن الغلاف الجوي وبين الشمس الحقيقية وبين هذه الصورة بضع دقائق فهل يقال أن الإنسان لو صلى بما يعلمه من جهة الحقيقة وما خفي عليه ويبحث عن ذلك فهذا يقال أنه لا شك أنه من التنطع في هذا الباب فينبغي أن يصار أن الأمر متعلق بالظواهر.

    ومن المسائل في النوازل في هذا الباب ما يلحق بمسألة السعي أو إلحاق شيء من الطواف في المسعى، وتقدم الكلام أو الإشارة على هذه المسألة وهي لو طاف الطائف، ثم كان جزء من طوافه في المسعى، تقدم الإشارة إن أصل الخلاف في هذا أن المسعى كان خارج المسجد والله - جل وعلا - يقول في كتابه العظيم : }وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ { والبيت هو المسجد، فلما كان كذلك من طاف خارج البيت العتيق والمقصود به وهو المسجد، فإذا أطلق البيت يراد به الكعبة وما بني حولها مما يلحق فيها من أماكن العبادة؛ فإن طاف خارجها كان طوافه ليس بصحيح، لهذا قال العلماء أن من طاف وإن كان بالمسعى طوافه ليس بصحيح، وكان أصل المسألة فيما يظهر لي أن بعض الناس حينما يقرب من نهاية الطواف يخرج من المسجد إلى المسعى فيسعى يسيراً، ثم يرجع إلى الصفا فيكون شيئاً من طوافه فالمسعى، ثم يبتدأ بالسعي بين الصفا والمروة.

    أولاً: يقال لما اتصل المسعى بالمسجد ودخل فيه وكذلك أيضاً قد دخل فيه ما خلفه فكانت الصفوف تتصل ويصلي الناس صلوات الفريضة في هذه الأماكن دل على دخول المسعى فيه من باب أولى، ثم أنه ليس من التعليل والنظر أن يكون ما خارج المسعى داخلاً في المسجد، ثم تتصل الصفوف فيصلي الناس في المسعى فتكون صلاتهم بصلاة الإمام وما خلفهم بصلاة الإمام داخلة في صلاة الجماعة، فإذا انصرفوا من صلاة الجماعة لم تكن البقعة التي هم فيها داخلة في المسجد هذا لا يؤيده النظر، ثم أيضاً لما اندثر الفاصل؛ وهو ما كان بين المسجد والمسعى من سوق ومتاجر وأماكن لحوانيت الطعام والبيع ونحو ذلك والشراء والمساكن لما اندثرت واتصلت الصفوف وجب أن يكون ذلك المسجد، ويلحق على الفرع عدة مسائل؛ مسألة الطهارة في دخول المسجد، مسألة دخول الحائض؛ هل تدخل المسجد أم لا؟ فينبغي لمن قال بعدم دخولها البيت ألا تدخل المسعى، ومن قال بجواز دخولها المسجد ألا تدخل البيت، ومن علق علة نهي النبي r الحائض أن تطوف البيت بعدم الدخول لهذه البقعة فينبغي تعليقه كذلك في المسعى، وهذا الذي فيما أراه أن يندثر فيه الخلاف لدخول المسعى في هذا وإن كان الخلاف لا زال موجوداً عند بعض من تكلم في هذه المسألة من أهل المجامع الفقهية من أهل الإفتاء وغيرهم.

    ومن المسائل أيضاً مسألة السعي؛ السعي في الطابق الثاني والثالث، وهذا يلحق بمسألتنا في الطواف بالبيت في الطابق الثاني أو الثالث، هل يكون ذلك مما يجزئ أم لا؟ .

    أولاً: هذا يُفرَّع على مسألتنا وهي مسألة الركوب، هل الركوب جائز فيمن سعى على الأرض أم لا؟ من قال بجواز الركوب فإنه يقول بمن سعى ماشياً على قدميه في الأعلى من باب أولى لأنه أجاز راكباً وهو لم يمشي على الأرض، ثم أن السطوح لا حد له؛ فقد يكون سقف المروة أعلى منه، فسواء علا السقف أو دنا على التأصيل السابق أن الطواف مجزئ وصحيح سواء كان بالدور الأول أو الثاني أو بني أحدث من ذلك مما يكون أعلى من الصف والمروة، قياساً على الصلاة وتقدم الإشارة إلى ذلك.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60776
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    النوازل في الحج Empty رد: النوازل في الحج

    مُساهمة من طرف GODOF الإثنين 9 نوفمبر - 12:23

    ومن المسائل النازلة في هذا الباب: مسألة حاجة كثير من الحجاج إلى إسقاط الوقوف بعرفة بالوقوف ليلة عرفة ويسمى بيوم التروية، ومعلوم أنه يشرع للإنسان أن يكون بمنى يوم التروية، فإن طلع يوم عرفة وارتفعت الشمس شرع له أن يجزع إلى عرفة، هل يشرع ما يفعله كثير من أهل الحملات بأن يقفوا ليلة عرفة بعرفة فيكون ذلك داخل بالوقوف بعرفة أم لا؟ ومُسقِطٌ له أم لا؟

    يقال هذا يتفرع عن مسألة من المسائل وهي هل وقوف بعرفة يجزئ عنه الوقوف بالليل، كما جاء عن رسول الله r قال : «أية ساعة من ليل أو نهار»، كما في حديث عروة بن مبرز عن رسول الله r ، وهذا ظاهر قول الإمام أحمد - عليه رحمة الله - أنه من وقف بعرفة من ليل عرفة من غروب الشمس إلى طلوع فجر يوم النحر أنه واقف، على خلاف في ليلة عرفة هل تدخل في هذا أم لا؟ قد روي عن الإمام أحمد - عليه رحمة الله تعالى - إدخال ذلك في هذا ومعلوم أن اليوم يأتي مع الليلة الماضية وهذا متقرر عند العلماء ويختلف بحسب الحال، وتقدم الإشارة إلى شيء من هذه المسائل؛ مسألة ما جاء في ألفاظ الشريعة من ذكر اليوم والليلة ومعلوم أن العرب إذا قالت الليلة قبل زوال الشمس فإنهم يقصدون البارحة - بعرفنا -، وإذا قالوا الليلة بعد زوال الشمس فإنهم يقصدون الليلة القادمة، فإذا قالوا البارحة فإنهم يقصدون الماضية، ولكن إذا قالوا البارحة ضحىَ فهل يقصدون الماضية أم التي قبلها؟ يقصدون التي قبلها وهذا محل اتفاق، وقد اختلف عرف الناس في زمننا فإنهم يطلقون البارحة على الليلة الماضية القريبة سواء كان ذلك قبل الزوال أو بعده، أما من جهة الألفاظ الشرعية التي ينبغي أن يعلق بها الحكم أن اليوم يأتي مع الليلة الماضية في جميع أبواب الفقه في مسألة المبيت وكذلك في مسألة القسم بين الزوجات ومسائل النكاح، فإن الرجل في يومه للزوجة يبتدأ بعد غروب الشمس إلى طلوعها ولهذا يقول الفقهاء في أبواب القسم في أبواب النكاح ويتبع اليوم الليلة الماضية أي أنه تابع لها ويبتدأ قسمها بغروب الشمس وينتهي بطلوعها من اليوم التالي.

    ومن المسائل النوازل في هذا الباب هو ما أُحدث أخيراً من أماكن للتنزه من البول للمار بين عرفة ومزدلفة؛ قد وضع في الفترة الأخيرة أماكن للبول قائماً؛ وتسمى مبولة ويوضع ستار ليتبول الإنسان قائماً، هل هذا من المشروع أم لا؟ الناظر في هذه المسألة يرجعها إلى أصلها - إلى لبول قائما،ً هل يجوز ذلك أم لا؟ قد ثبت عن رسول الله r أنه قد بال قائماً؛ كما جاء في حديث حذيفة بن اليمان - عليه رضوان الله تعالى - وغيره، عليه يعلم أن ذلك جائز وإن كان طريقته على هيئة ما يفعله أهلُ لكتاب في عصرنا من التبول قائماً، ولعلهم فعلوا ذلك من جهة اشتداد الزحام وحاجة الناس إلى عدم التزاحم؛ فإن الإنسان إذا كانت هذه حاله فإنه يعجل بالانصراف لكي لا يزاحم من خلفه.

    ومن المسائل النوازل في هذا مسألة إسقاط أكثر من كان برفقة الحملات المبيت بمزدلفة لوجود الضعيف والضعيفين بالباص أو بالسيارة ومعلوم أن الحملات تأتي معها فئات كثيرة؛ في الباص خمسين، ستين، ثمانين ونحو ذلك، ويكون هناك عجزة خمسة، عشرة، هل لهذا الباص أن ينصرف بمجموعه لأجل هؤلاء الضعفاء أم لا؟

    أولا: يقال إذا كان يستطيع الضعفاء أن ينصرفوا بأنفسهم، فإن هذا هو أولى من جهة تحقيق الشرع فالضعفاء قد ثبت الدليل بانصرافهم؛ والدليل فيه نص، وهو محل اتفاق عند السلف، وإنما الخلاف في مسألة من كان مرافقاً لهم هل له أن ينصرف أم لا؟ يقال أن الرفقة لا تخلو من حالين:

    الحالة الأولى: أن يستطيع الضعفاء أن ينصرفوا بأنفسهم من غير أذية وأما إذا لم يستطيعوا فيجوز لكل من كان تبع لهم إذا كان ببقائه تخلف عن هذه القافلة ونحو ذلك له أن ينصرف عنهم وإن كان الرفقة أكثر من الضعفاء ولهذا أسماء - عليها رضوان الله تعالى - كان معها مولى قد انصرف معها ونفر وكان في ظاهر الأمر أنه باستطاعته أن يؤخر ذلك إلى بعد طلوع الفجر فجاز ذلك.

    ومن المسائل النوازل في ذلك؛ وهي من المسائل الحادثة أن بعض حملات الحج تنصرف من منى مبكراً؛ فينصرفون من يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة وهذا يترتب عليه مسائل ونوازل يأتي الكلام عليها، من هذه النوازل خلو كثير من الخيام من الساكنين، فهل هذه الخيام توجب على من كان خارج منى أن يأتي إليها ويشغلها، ثم هل يجوز لشخص وجد خيمة فارغة أن يدخل فيها أم لا؟ هذا يتفرع على مسألة وهي مسألة تأجير رباع مكة ودورها وبيوتها هل يجوز ذلك أم لا؛ قد اختلف العلماء في مسألة تأجير وبيع أراضي مكة على ثلاثة أقوال؛ ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز بيع وتأجير دور مكة ورباعها، وأن ذلك محرم، وذهب الإمام الشافعي إلى الجواز وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول الإمام أحمد - عليه رحمة الله تعالى - المشهور عنه أنه لا يجوز بيع رباع مكة وإنما يجوز توريثها؛ أن يملكها الإنسان ويورثها من جاء بعده، أما من جهة البيع والتأجير فلا، والذي ذهب إليه الإمام مالك - عليه رحمة الله تعالى - إلى الجواز، وقد حصلت مناظرة بين الشافعي- عليه رحمة الله تعالى - وبين إسحاق بن راهوية في هذه المسألة في مسجد الخَيف، وكان بحضور الإمام أحمد - عليه رحمة الله - فتناظرا في هذه المسألة فأورد عليه من الأدلة في ذلك وكان إسحاق بن راهوية قد سكت لما ناظره الإمام الشافعي حتى قال الإمام الشافعي - عليه رحمة الله - ما أحوجني أن يكون غيرك في هذا المقام حتى يفتل أذنه، أقول لك قال رسول الله r فتقول لي قال طاووس والحسن وإبراهيم، أي أن قول بعض السلف في هذا المسألة بالمنع لا يقابل ما جاء عن رسول الله r ، وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث من المنع بتأجير وبيع دور مكة ولا يصح منها شيء؛ منها ما رواه أبو حنيفة عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نجيح عن عبد الله بن عمر أن رسول الله r قال : «لا يحل بيع دور مكة ولا أجرتها» وهذا الحديث ضعيف لحال بن أبي زياد وهو ضعيف، وقد جاء من حديث عبد الله بن عمر ويرويه عنه مجاهد والصواب فيه الوقف، وقد جاء موقوفاً عن غير واحد من السلف؛ جاء عن مجاهد بن جبر وطاووس وعطاء؛ قد رواه عنهم الليث، كما رواه عبد الرزاق في المصنف، وجاء أيضاً عن غير واحد جواز ذلك، والصواب فيه أنه يجوز بيع دور مكة وتأجيرها كسائر البلدان وهذا هو ظاهر الكتاب والسنة؛ قال الله جل وعلا في كتابه العظيم : }لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ { فقوله I (من ديارهم) الأصل فيه التمليك وهذا ظاهر؛ فإذا قيل أن هذه دار فلان دل على أنه ملكها؛ وملكها لا يكون إلا بحصول التمليك من جهة الإحياء أو الشراء، وكذلك التمليك إذا ملك الإنسان جاز له ما يتبعه من جهة البيع والإجارة إلا بنص صحيح، وأظهر الأدلة التي قد منع العلماء منها من البيع والشراء هي بعض الموقوفات في بعض أقوال السلف وكذلك ما جاء من قول الله I : }وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ { قالوا قوله I (للناس) أي الناس فيه سواء، قالوا وما جاء عن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى -، كما رواه الفاكهي من حديث عبيد الله عن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - نهى أن تغلق دور مكة؛ وأن تفتح لمن أراد سكناها، يقال أن هذا هو الأولى - أن تفتح الدور لمن أراد مكة - والأولى أن يقلل من التمليك في مكة وتوزيع المنح ونحو ذلك لمصلحة الحاج وهذا الذي ينبغي أن يتقيد به، ولكن لما تكاثر الناس ووجِدوا لم يكن ثمة دليل عن رسول الله r يمنع من التمليك لهذا قد روى البيهقي من حديث نافع بن الحارث أنه قد اشترى من صفوان بن أمية داراً له بمكة قد وضعه عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - سجناً، وقد جاء أيضاً عن حكيم بن حزام أنه قد باع من معاوية - عليه رضوان الله تعالى - دار الندوة وهي بمكة، وقد ليم في ذلك؛ أي أنها دار قد كان الناس يجتمعون فيها، قال لا كرامة لأحد إلا بالإسلام؛ أي قد انتهت الكرامات من الدور والأنساب وغير ذلك فلا كرامة إلا بالإسلام، وكذلك قد ابتاع عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - وعثمان بن عفان - عليه رضوان الله تعالى - بمكة، كما جاء في سنن البيهقي وغيره، عليه يعلم أن مسألة البيع والتأجير بمكة جائز.

    ويتفرع عن هذه المسألة إذا غادر الإنسان مكانه هل يجوز للإنسان أن يدخل فيه، وقد ملكه بحق شرعي؟ يقال أن هذا يتفرع عن مسألتنا إذا قيل بأنه يجوز البيع والتأجير وكانت في ملكه أيام الحج لا يجوز للإنسان أن يدخل فيها إلا بإذن أهلها إلا إذا كانت ثمة قرينة أنهم قد خرجوا منها وأسقطوا حقهم بتخلية ذلك المكان إذا كان ثمة قرينة فإنه يجوز للإنسان أن يسكن فيها من غير استئذان لأهلها؛ كأن يكون حملات حج من تركيا أو من الأندلس أو مثلاً من الهند أو من المغرب ونحو ذلك قد قفلوا إلى ديارهم عائدين وتركوا هذه الأماكن وظاهر الأمر مقطوع أنهم لا يريدون هذا المكان وأخلوه؛ فأسقطوا حقهم منها في الظاهر فجاز للإنسان أن يأخذ حاجته من هذا المكان بسكنى ونحو ذلك، لكن هل يجب لمن كان خارجها أن يأتي؟ ويقال أنه في ظاهره أنه لا يجب أن يأتي لهذه الدور للظنية ولشبهة التمليك ونحو ذلك، أما إذا كان وجدها خالية ولا يعلم أهلها ومن غادرها فإنها ملك لغيره لا يجوز لأحدٍ أن يأتي فيها، وهذا هو ظاهر هذا التخريج، وقد يقال أنه على قول عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - أنه يجوز للإنسان أن يسكن فيها لأنه قد منع من إغلاق الدور سواء كانت للملك وغيره، فإذا خليت وهي ملك لأحد وأخلى عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - الملكية ونزعها في أمثال هذه الأيام كذلك لمن أخلاها من نفسه وغادر وهذا قول وجيه بالتأرجيح جداً.

    ويتفرع عن هذه المسألة أيضاً مسألة البناء بالمشاعر وهي إنشاء مباني غير الخيام.

    أولاً: مسألة الخيام وبناؤها؛ لا فرق بين بناء الخيام وتأسيسها بأعمدة حديدية ونحو ذلك ووضع قواعد لها في الأرض وبين بناء الإسمنتية، ولا أدري ما وجه التفريق والتجوز في هذا بأن نقول بعدم جواز البناء، والذي يظهر لي - والله أعلم - أن البناء جائزٌ في المشاعر وأن البناء هو أولى من هذه الخيام.

    أولاً: لتشابه حال الخيام الحالية من جهة التأسيس والتكاليف المادية ونحو ذلك، ومعلوم أنه يتبع ذلك التأسيس تأجير لها على غيره ومعلوم أن الخيام إذا قيل بأنها أيسر في التكاليف والمئونة ونحو ذلك؛ بل أنها تؤجر أغلى من غيرها من الأماكن التي هي خارج مكة بحجر ونحو ذلك بمكة سواء بالعزيزية أو ما كان قريباً من الحرم فتؤجر هذه الخيام بآلاف لثلاثة أيام ونحو ذلك لا شك أن هذا يدل على أن هذه الخيام لم تؤجر لأجل تلك الحملة بذاتها وإنما لأجل ذلك البناء وتلك البقعة فلما كان كذلك فيكون مسألة بناء الدور جائز من باب أولى من جهة النظر.

    كذلك إذا تحقق فيه من المصلحة أن بناء الطوابق المتعددة فيه من التيسير ما فيه، فإن الخيام إذا كانت خيام واحدة متجاورة تأخذ من المساحات الشاسعة ما يتزاحم فيه الناس، كذلك فيه دفع للمشقة لزحام الناس وتحقيق المصالح من جهة النفرة إلى المشاعر وكذلك النفرة إلى الطواف والإفاضة بالبيت ورمي الجمرات ونحو ذلك فيتحقق فيه ما تحقق، ومعلوم أن المباني لو بنيت طوابق متعددة لعشر وعشرين ونحو ذلك، فإن هذه لو وضعت على شكل خيام أخذت مساحات طويلة من الكيلومترات وهذه يحتاجها الناس من جهة مرورهم وكذلك وضع أماكن لهم كأماكن الإيلاج والراحة وأخذ الطعام ونحو ذلك مما هو معلوم، كذلك فيها دفع لكثير من المفاسد التي تطرأ من الحريق ونحو ذلك، ومعلوم أن في المباني الإسمنتية من الاحتراز من الحريق ما لا ليس في الخيام التي هي من القماش ونحو ذلك، كذلك أيضاً إذا وجدت مساحات للتنقل فيها من النفرة حال وجود أذية وحريق أو نحو ذلك ما لا يوجد في الخيام التي لا توجد بينها إلا ممرات كثيرة يتضايق فيها الناس.

    من النوازل في ذلك رمي الجمار من الأعلى ويكون الشاخص أسفل .

    أولاً: الشاخص حادث ما وجد إلا في القرون المتأخرة وإنما كان قبل ذلك موضعاً يرمى فيه الحصى معلوماً، وقد جاء في مسند الإمام أحمد ولا أصل للخبر؛ أن أصله أن إبراهيم تمثل له الشيطان فرماه بسبع فشرع ذلك المكان، وإنما وضع ذلك العلم ووضع الحوض دفعاً لمن لا يعرف المكان من الجهلة وأن الآفاق لما اتسعت رقعة الإسلام ونحو ذلك فاحتاجوا إلى بيان المكان فإنه في السابق كان من يأتي إلى الحج لما كان يغلب الإسلام في العرب هم العرب الذي اختلطوا وعرفوا لغة أهل مكة ولهجتهم ومخاطبتهم بمعرفة الأماكن ونحو ذلك، فإن هذا مما ييسر عليهم ولكن لما دخل العجم وصعب عليهم معرفة الأماكن والسؤال عنها ونحو ذلك كان وضع الأعلام في هذا المكان فيه من المصالح ما فيه، وعليه يعلم أن رمي الإنسان على الجسور الحديثة وتكون أصل الجمرة في الأسفل؛ فذلك الجزء يتفرع عن مسألة وهي مسألة الرمي للراكب على الراحلة.

    أولاً: قد ثبت عن رسول الله r أنه رمى راكباً على خلاف عند العلماء في مسألة الرمي عند الجمار هل الركوب أولى في كل حال أم المشي أولى في كل حال أم ذلك على تفصيل؟ قد اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال؛ ذهب الإمام مالك بن أنس إلى أن الأولى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباُ وما عدا ذلك ماشياً، وذهب الإمام الشافعي - عليه رحمة الله - إلى أن الأولى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً ويوم النفر راكباً وما عدا ذلك من أيام التشريق ماشياً، وذهب الإمام أحمد - عليه رحمة الله - إلى أن الأولى أن يرمي ماشياً؛ قالوا أن رسول الله قد رمى راكباً ليراه الناس من جهة التشريع فلما كان النبي r يرى الناس حوله مشاة؛ وهذا تقرير وكان عليه الصلاة والسلام، ثبت أنه رمى لمصلحة وانتفت هذه المصلحة رجع إلى الأصل، يقال أن هناك قول غير هذه الأقوال وهو قول أبي يوسف؛ صاحب أبي حنيفة فذكر بعض الفقهاء من الحنفية؛ يقول إبراهيم بن الجراح من أصحاب أبي يوسف قال : دخلت علي أبي يوسف وهو في مرض الموت وكان مغشياً عليه، ثم استيقظ - وهذا يدل على حرصه على العلم عليه رحمة الله - قال ففتح عينيه فقال أيهما أفضل رمي الجمار راكباً أم ماشياً؟ قال فقلت راكباً فقال خطأ، قال فقلت ماشياً فقال خطأ فقال أبو يوسف رمي الجمار للرمي الذي يعقبه وقوف ماشياً؛ لأنه بعد الرمي يحتاج إلى دعاء - وقوف - وهذا يكون في أيام التشريق، أما رمي جمرة العقبة ليس بعدها وقوف كذلك رمي الجمرة الثالثة ليس بعدها وقوف، قال : الرمي الذي بعده وقوف يكون ماشياً والذي ليس بعده وقوف يكون راكباً، قال إبراهيم الجراح فخرجت من عنده فسمعت الصراخ؛ قالوا قد مات - عليه رحمة الله.

    هذه مسألة رمي الجسور يتفرع عن هذه المسألة، وثمة فرع آخر وهو الرمي من أسفل الجمرة ومعلوم أنه قد وضع منر من أسفل الجمرة يرمون به ما يسمى بالبدروم؛ منر، هل يجزئ الرمي في هذا أم لا؟ هذا يفتح بعض الأحيان - فيما أعلم - الرمي في هذا يقال أنه أظهر بالجواز من الرمي من الأعلى وذلك أنه قرار الأعلى وباطنها في حكم سطحها أولى من حكم هوائها؛ وذلك أن رسول الله r يقول : «من اقتطع شبراً من الأرض بغير حق طوقه من سبعة أراضين» أي أن هذه السبعة كلها ملكا لمن ملك سطح الأرض.

    ومن المسائل النازلة في ذلك مسألة الزحام بمنى وألا يجد الإنسان مكاناً، هل يلزم من ذلك أن يكون متصلاً بمن كان بائتاً في منى أم لا؟ أم أنه لم يجد مكانا في منى له أن يبيت خارج منى في أي مكان؟

    أولاً: من قال بالتصاق الصفوف قاس ذلك على الصلاة؛ قال الصلاة حين يصلى الجماعة ويخرج الصف عن المسجد لابد فيه من اتصال الصفوف، عندي هذا أنه قياس مع الفارق؛ وذلك أنهم لا يسلمون بوجه من الوجوه؛ وهو أنه لو قيل أن الذين يبيتون بمنى قليل؛ عشرة آلاف، هل يجب التصاق الصفوف كالصلاة؛ فلو صلى في المسجد ثلاثة يجب أن يصفوا لكن لو بات في منى ألف أو عشرة آلاف هل يجب أن يكونوا متلاصقين؟ لا يجب؛ إذا فهو لا يتفق من جميع الوجوه على وجه القياس فيكون حينئذ ليس له حكم الاتصال، فمن لم يجد مكاناً بمنى، من جهة المبيت له أن يبيت في أي مكان شاء من مكة، وهذا ظاهر، ثم أن المبيت وضع لمصلحة رمي الجمار على الظاهر؛ فهو يبيت لكي يرمي من الغد، وظاهر التعليل أن من أراد التعجيل في اليوم الآخر من يوم النفرة أنه إذا غربت الشمس وجب له أن يبيت حتى يرمي وذلك لتعلقه بالرمي، أما إذا لم يكن رمي ما قالوا أنه يجب عليه أن يبيت حتى يرمي.

    من المسائل النازلة في هذا مسألة ترك جماعة من الحجاج أو قوافل الحج مضطرين للمبيت بمنى ورمى الجمار أو تركهم لأيام التشريق كلها مضطرين لترتيب الحجوزات ونحو ذلك، هذا ينبغي قبل الكلام عليه أن يتكلم على ما ينبغي أن يتحدث عنه في هذا الباب هو أن أهل البلدان إذا أرادوا الحج فما وجدوا إلا حاملة توصلهم إلى مكة ويكون حجها بعد أيام النحر؛ بعد إسقاط الأركان، هل له أن يحج أم يسقط عنه الوجوب؟ يقال يجب عليه؛ لأنه تحقق فيه الحج وهو معذور بما يتركه ولكن لو أتى إلى مكة ومعلومٌ أن الحجاج - إذا قيل أن الذين يحجون من الخارج مثلاً مليونين أو ثلاثة، أو دون ذلك - هذا عدد كبير - لنقول أن فئة منهم يذهبون عن طريق البر وفئة عن طريق البحر، لا شك أن أصحاب البلدان البعيدة عن طريق الجو، إذا قيل بأن كل رحلات الجو تستنفذ وسعها وطاقتها بمسير هؤلاء الحجاج كلهم لما وجدوا من ذلك فسحة في هذا في وقت الانتهاء، يقال أنهم إن استطاعوا أن يؤخروا حجوزاتهم إلى ما بعد انتهاء المناسك وجب عليهم متعين، لكن إذا كان أمرهم بيد غيرهم؛ قالوا لا يوجد حجٌ إلا على هذه الحال وأن تكون النفرة يوم النحر ليلاً هل لهم أن ينفروا أم لا؟ يقال أن لهم أن ينفروا وأنهم معذورون بذلك، هل لهم أن ينيبوا أم لا؟ الذي يظهر - والله أعلم - أنهم لا ينيبوا لأنهم بانصرافهم ينتهون من المناسك وبنهايتها ليس له أن ينيب لا تعلق له بشيء من ذلك.

    من المسائل النازلة أيضاً وهي تتعلق جزئياً بهذه المسألة؛ وهي مسألة المرأة إذا كانت حائض، إذا كانت المرأة حائض، ثم استمر حيضها إلى نهاية أيام التشريق ووقتها يطول ، هل لها أن تطوف بالبيت طواف الإفاضة - ومعلوم أنه يجب عليها - أم لا؟ يقال أن جماعة من العلماء من قال بجواز ذلك وهو قول جماعة من الفقهاء من الحنفية والحنابلة وهو قول شيخ الإسلام بن تيمية وبن القيم وغيرهم، هل يجوز لها أن تطوف أم لا؟ يقال أن من قال بالمنع على الدوام أنه لم ينظر على مسألة البديل في ذلك في حال استغلاق المرأة الأمر على الحائض وذلك أنه إن استطاعت أن تبقى فلا مناص من القول في الوجوب ببقائها وأما إذا كانت لا تستطيع البقاء يقال لابد من مخرج شرعي فالشريعة لابد أن تأتي بالمخارج، حينئذ نلجأ إلى مسألة السبر والتقسيم في هذه المسألة؛ الحائض إذا كانت في مثل هذه الحال لا تخلو من أحوال:

    الحالة الأولى: أنها إذا كانت حائضاً في مثل هذه الحال ولا تستطيع أن تبقى يسقط عنها الطواف وتنصرف أو تبقى وتدع الرفق وتهلك أو يقال أنه يجوز أن تنيب غيرها بأن يطوف عنها طواف الإفاضة أو يقال أن طواف الإفاضة يسقط عنها ذلك التكليف وتغادر ويكون حجها كاملاً، هذه الأربعة هل يقول أحد بها؟ لا يُقال بها، وإنما يُصار إلى الأمر الخامس وأنه يجوز لها أن تطوف اضطراراً.

    كذلك من المسائل هنا مسألة التعجيل؛ أن هناك من تدعوه الحملات إلى البقاء بعد انتهاء المناسك في مكة، هل ذلك له أن يبقى إذا وجد مخرجاً ولو بكلفة أم لا؟ يقال أن هذا يتعلق بالسنية؛ وهذه سنة يهجرها كثير من الناس وهي أن الإنسان إذا انتهى من المناسك ينبغي له أن يغادر قدر إمكانه وهذا هو سنة رسول الله r ؛ يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -، كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : «السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليرجع إلى أهله»، جاء عند الدراقطني والبيهقي وغيره من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله r قال : «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وشرابه وطعامه؛ فإذا قضى أحدكم حجه فليرجع إلى أهله فإنه أعظم له» تكلم بعض العلماء في زيادة الحج وكأن البخاري - عليه رحمة الله تعالى - يدخلها في هذا الباب يدخلها في هذا الباب؛ لهذا أورد حديث في كتابه الصحيح - حديث السفر قطعة من العذاب قال فليرجع إلى أهله - أوردها في آخر كتاب المناسك في أبواب الحج والعمرة، كأنه يريد بذلك أنه عند انتهاء المناسك ينبغي أن تغادر إشارة إلى هذه السنة؛ السنة ألا يمكث الحاج والمعتمر في مكة بعد انتهاءه من النسك؛ أن يغادر إلى أهله.

    من النوازل في هذا ما يتعلق بالهَدي وهي ما يسمى بشراء كروت الهدي، هل هذا جائز أم لا؟ وذلك على أحوال؛ هناك من الشركات أو البنوك ونحو ذلك التي تعطي قسائم الهدي قبل أن ينصرف الإنسان إلى مكة في بلده، وهناك ما تكون قد وضعت أشياء بالدكاكين تبيع القسائم ونحو ذلك فلا يعلم الإنسان أن تذبح أم لا، يقال أن الغالب في أمثال هذه الثقة فلا ينبغي النظر إلى مسألة التشكيك وإنما ينظر إلى ما هو غير ذلك.

    أولاً: يرجع ذلك إلى مسألة الهدي؛ والهدي واجب على المتمتع والقارن ومستحب للمفرد والمعتمر على وجه العموم وهذا من السنن التي يفرط فيها كثير من الناس فيظنون أنه ليس على المفرد هدي؛ فإنه ليس عليه على وجه الوجوب لكنه يستحب له أن يهدي، كذلك مسألة الاكثار من الهدي فلو استطاع الإنسان أن يكثر من الهدي فليهدي سواء كان معتمراً أو حاجاً بل كان رسول الله r وهو ليس بحاج ولا معتمر يبعث بهديه وهو من المدينة لكي يذبح بمكة، وهذا أيضاً من المسائل التي هُجرت؛ أن يبعث الإنسان ويقول اذبح لي بمكة، كما فعل النبي r ، ومسألة هذه الكروت أولاً ينبغي أن يقال أن فيها جملة من السنن تسقط بهذا وهي أن النبي r قد قلد الهدي وذبح هديه بيده وأكل من لحمه، وكل هذه من السنن تسقط بمسألة شراء هذه الكروت وكذلك يشرع للإنسان أن يعاين الشاة بنفسه أو البقرة أو الإبل ونحو ذلك من بهيمة الأنعام، وأما الإنابة فهي التي يرجع إليها في مثل هذا فالتوكيل جائز؛ كما وكل النبي r أن يذبح علي بن أبي طالب - عليه رضوان الله تعالى - ما بقي منها؛ فقد ذبح بيده ثلاثاً وستين، وعليه يعلم أن مسألة التوكيل عن طريق هذه الشركات ونحو ذلك أنه جائز ولا إشكال فيه بإذن الله وإنما فيه تفريطٌ أو ترك لبعض السنن قد تترك، وقد يؤجر الإنسان على تركها إذا كان بنيته تحقيق مصلحة أعظم وذلك أنه إذا أخذ اللحم وذبحه بنفسه ربما لا يستطيع أو يتركه في رحله أو في خيمته يفسد ولا يأكله أحد وهذا مشاهد.

    ومن المسائل النازلة أيضاً مسألة نقل الهدي والذبائح خارج مكة إلى دول العالم وتوزيعها على غير فقراء مكة.

    أولاً: الله U قد شرع هذا الهدي في هذا المكان والأصل بالمشروعية أن يكون لأهل هذا المكان، وأما إذا لم يستطع الإنسان إعطاء هذا الطعام لمن كان في هذا البلد سواء لكثرة الهدي المذبوح أو خشية الإنسان أن يفسد عليه أو لا يجد من يأخذه، هل له أن ينيب غيره بأن يحمله إلى غير الفقراء أم لا؟ قد يتفرع عن مسألة إخراج الهدي إلى غير فقراء مكة أم لا؛ مسألة الهدي لا يخلو من أحوال:

    الحالة الأولى: مسألة هدي الإحصار لمن أُحصر سواء بمكة أو غيره أن الهدي هذا يذبحه الإنسان في مكانه سواء كان في مكة أو في غيرها ويوجهها على من حوله، وإن خرج به جاز عند عامة العلماء وكذلك مسألة فدية الأذى، معلوم أن فدية الأذى إذا وقع الإنسان في شيء منها؛ كمسألة حلق الرأس لمن آذاه وأصاب رأسه ونحو ذلك فإنه يفدي، هذا يقال أنه لفقراء مكة على الأصل، كما قال الله - جل وعلا - : }هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ { أي عندها ومنصرف لآلها، إذا لم يستطع الإنسان وكان ثمة مصلحة أعظم وهي أن هذه اللحوم بين أمرين:

    الأمر الأول: إما أن تفسد ولا يوجد من يأكلها، وإما أن تدفع لمن هو خارج الحرم، وإما أن يوجد أماكن تحفظ هذه اللحوم من الثلاجات والبرادات ونحو ذلك وهذا قد يكون متعذراً إذا كان الذبح بالملايين وهذا فيه من الصعوبة ما فيه؛ أن يوجد مخازن لأمثال هذه اللحوم بالكميات ونحو ذلك فيه من المشقة المالية والتكاليف ونحو ذلك ما فيه، عليه الذي يظهر - والله أعلم - جواز إخراج الهدي لهذه المصلحة فحسب ودفعاً لهذه المفسدة؛ أن تخرج إلى غير الفقراء ولو أن على الإنسان أن يأتي بسنة الرسول r قدر إمكانه أن يذبح هديه بنفسه وأن يأكل منه وأن يوزع ما استطاع على فقراء مكة.

    نقف عند هذا القدر ولعل فيما ذكر كفاية.

    - يقول: رجل معه مال يكفيه للحج ولكنه ليس متزوج، هل يتزوج بهذا المال أم يحج؟

    أولاً: إذا كان هذا المال يكفيه لزواجه ولا يكفيه لحجه، وإذا كفاه لحجه لا يكفيه لزواجه فإنه يقدم الزواج هذا الذي يظهر.

    - يقول: هل من جاء بالطائرة إلى جُدَّة هل يحرم منها؟

    تقدم الكلام على هذه المسألة وأنه لا بأس من الإحرام من جدة.

    - يقول: هل لآخر ساعة في يوم عرفة قبل غروب الشمس ميزة عن غيرها؟

    أولاً: أفضل وقت عرفة هو ما شهد فيه النبي r بالدعاء وهو بعد انصراف النبي r من الصلاة وانتهاءه من خطبته r ، ثم بعد ذلك قام يدعو إلى غروب الشمس كلها سواء، لم يرد فضل في وقت عن غيره، أما قبل ذلك - قبل الزوال - وما بعده، فإن هذا لا دليل عليه.

    - الوقوف يوم التروية وليلها لا يجزئ عن الوقوف بعرفة؛ لابد من الوقوف بعرفة يوم عرفة ليلاً أو نهاراً.

    - ما حكم التلبية الجماعية؟

    التلبية الجماعية لا دليل عليها؛ لقد جاء في ذلك أثر عن عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله تعالى - أنه كبر بخيمته فضجت مِنى تكبيراً، فهم منه بعضهم أنه التلبية الجماعية وفيه نظر.

    - يقول: رجل نوى الحج وأهله في جدة فماذا يصنع؟

    هذا لا يخلو من أحوال إذا كان يريد أن يذهب إلى داره، ثم بعد ذلك يحج فهو ذاهب أصلاً إلى داره سواء كان...

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 6 مايو - 15:26