سؤال:
ما حكم إسبال الثوب عن الكعبين للرجال ؟
الجواب :
لإسبال الثوب عن الكعبين حالتان :
الأولى :
إسبال لخيلاء . وفيها عند الأصحاب وجهان ، المعتمد منهما التحريم ، وهو
المذهب على الصحيح . وهو ما جزم به الموفق رحمه الله في: ((المغني)) والمجد
رحمه الله في : ((شرحه)) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في :
((شرح العمدة)) (ص361): " أطلق جماعة من أصحابنا لفظ الكراهة، وصَرّح غير
واحد منهم بأن ذلك حرام . وهذا هو المذهب بلا تردد " .ا.هـ ، وقال
المُنَقّح رحمه الله في :
(( الإنصاف )) (1/472) : " هذا عَيْن الصواب
الذي لا يُعْدَل عنه ، وهو المذهب ، وهو ظاهر نص أحمد " . أ.هـ ، وعلى ذلك
الفقهاء ، وجعله القاضي عياض رحمه الله : إجماعاً (10/215) .
ودليله :
ما أخرجه البخاري ومسلم في ((صحيحهما)) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من جرَّ ثوبه خيلاء لم
يَنْظر الله إليه يوم القيامة )) . وفيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يَنْظر الله إلى من
جَرَّ إزاره بَطَراً )) . وفي الباب أحاديث . قال ابن عبد البر رحمه الله
في : ((الاستذكار)) (26/187) :
" والخيلاء والاختيال وهو التكبّر
والتَّبَخْتُر والزهو ، وكل ذلك أَشَرٌ وبَطَر ، وازدراء على الناس واحتقار
لهم ، والله لا يُحبّ كل مختال فخور ، ولا يحب المُستكبرين " .ا.هـ
وقال
النووي رحمه الله في : ((المنهاج)) (14/87) : " قال العلماء : الخيلاء -
بالمَدّ - والمَخِيْلة والبطر والكبر والزهو والتَّبَخْتُر : كلُّها بمعنى
واحد، وهو حرام ". ا.هـ .
ويُسْتَثنى من تحريم الإسبال خيلاء : الإسبال
في الحرب ، قال الشمس ابن مفلح رحمه الله في : ((الفروع)) (1/344) :
"ويَحْرم في الأَصَحّ إسبال ثيابه خيلاء في غير حَرْب بلا حاجة " . لما
أخرجه الطبراني رحمه الله في ((المعجم الكبير)) أن النبي صلى الله عليه
وسلم حين رأى بعض أصحابه يَمْشي بين الصَّفَّين يختال في مشيته قال : ((
إنها لمِشْيَة يُبْغِضها الله إلا في هذا الموطن )) ، قال البُهُوتي رحمه
الله في : ((كشاف القناع )) (1/277) : " وذلك لأن الخيلاء غير مذموم في
الحرب " ا.هـ.
فـائـدة:
والإسبال
لخُيَلاء في غير حرب ظاهر الأدلة : أنه كبيرة ، نَصّ عليه جماعة، منهم :
الحافظ في : ((فتح الباري)) (10/275) : حيث قال : "إسبال الإزار للخيلاء
كبيرة " ، والبهوتي في : ((كشاف القناع))
(1/277) .
والثانية : إسبال بلا خيلاء . فهذه لها جهتان :
الأولى :
إسبال لحاجة مرض ونحوها . قال البُهُوتي رحمه الله في : ((إرشاد أولي
النُّهَى)) (1/76) : " فإن كان لحاجة أو عِلَّة ككونه حَمْش - بفتح الحاء
المهملة وسكون الميم ، وبالشين المعجمة - أي : دقيق الساقين. قال ابن قندس :
فَنَصّ أنه لا بأس به . قال في ((الفروع)) : والمراد ولم يرد التدليس على
النساء ، ويتوجّه هذا في قصيرة اتخذت رجلين من خشب فلم تُعْرَف " ا.هـ .
وقال
الحافظ في : ((الفتح)) (10/269) : " ويُسْتثنى من إسبال الإزار مطلقاً :
ما أسبله لضرورة كمن يكون بكعبيه جرح مثلاً يؤذيه الذباب مثلاً إن لم
يَسْتر بإزاره حيث لا يَجِد غيره . نَبَّه على ذلك شيخنا في : (( شرح
الترمذي )). واستدل على ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف
في لبس القميص الحرير من أجل الحِكَّة . والجامع بينهما جواز تعاطي ما نـهى
عنه من أجل الضرورة ، كما يجوز كشف العورة للتداوي" . ا.هـ
ومما يدل
على صحة هذا الاستثناء ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه : (
أنه كان يُسْبل إزاره ) فقيل له في ذلك ، فقال :
( إني حَمْش الساقين ) . قال الحافظ في : ((الفتح)) : (10/276) :
" أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود بسند جيد " . ا.هـ
ولعل
فعل ابن مسعود كان بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول ابن عبد البر
رحمه الله في : ((التمهيد)) (20/228) : " فإن قيل : إن ابن مسعود كان يسبل
إزاره لما ذكره ابن أبي شيبة عن وكيع عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود :
( أنه كان يسبل إزاره ) فقيل له ؟ فقال : ( إني رجل حَمْش الساقين) قيل
ذلك لَعَلَّهُ أُذِن له كما أُذِن لعرفجة أن يتخذ أنفاً من ذهب فَيَتجمَّل
به ".ا.هـ
والثانية : إسبال لغير حاجة
مرض ونحوها - قال في : ((الإقناع)) (1/139) : " ويكره أن يكون ثوب الرجل
تحت كعبه بلا حاجة " . وجزم به الموفق رحمه الله في : ((المغني)) (2/298)
حيث قال : "ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل ؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أمر بَرفْع الإزار . فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم " .ا.هـ ،
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: ((شرح العمدة)) (ص361-362) :
"وهو اختيار القاضي وغيره . وقال في رواية حنبل : جر الإزار وإرسال الرداء
في الصلاة إذا لم يرد الخيلاء لا بأس به . وقال : ما أسفل من الكعبين في
النار ، والسراويل بمنـزلة الرداء لا يجر شيئاً من ثيابه . ومن أصحابنا من
قال : لا يحرم إذا لم يقصد به الخيلاء لكن يكره . وربما يستدل بمفهوم كلام
أحمد في رواية ابن الحكم في جر القميص والإزار والرداء سواء إذا جَرَّه
لموضع الحُسْن ليتزين به : فهو الخيلاء، وأما إن كان من قبحٍ في الساقين
كما صنع ابن مسعود ، أو علة ، أو شيء لم يتعمده الرجل : فليس عليه من جَرّ
ثوبه خيلاء ، فنفى عنه الجر خيلاء فقط " .ا.هـ
والقول بعدم التحريم هو
معتمد المذاهب الأربعة والكراهة مشهورة عن الفقهاء ، قال السهارنفوري رحمه
الله في : ((بذل المجهود)) (16/411) :
" قال العلماء : المستحب في
الإزار والثوب إلى نصف الساقين ، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين ،
فما نـزل عن الكعبين فهو ممنوع . فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلا
فمنع تنـزيه " .ا.هـ
وبه جزم جماعة ، ومنهم : النووي رحمه الله في :
((المنهاج)) (14/88) حيث قال : " فما نـزل عن الكعبين فهو ممنوع ، ، فإن
كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلا فمنع تنـزيه " . والحافظ في :
((الفتح)) (10/275) حيث قال : " فلا يَحْرم الجر والإسبال إذا سَلِم من
الخيلاء " . والشوكاني رحمه الله في : ((نيل الأوطار)) (1/640) حيث قال :
"وظاهر قوله (خيلاء) يدل بمفهومه أن جَرّ الثوب لغير الخيلاء لا يكون
داخلاً في هذا الوعيد " ثم قال : "وبهذا يَحْصل الجمع بين الأحاديث وعدم
إهدار قيد الخيلاء المُصرَّح به في الصحيحين " وقال : " وحمل المطلق على
المقيد واجب " .ا.هـ
فالإسبال مذموم لكن ذم تحريمٍ إذا كان لخيلاء ،
وذم كراهةٍ إذا كان لغير خيلاء : عند القائلين بالكراهة كالنووي وغيره ،
وهو ظاهر كلام ابن عبد البر رحمه الله في : ((التمهيد)) (3/244) حيث قال
فيه : "وهذا الحديث - يعني حديث ابن عمر : (( لا ينظر الله عز وجل يوم
القيامة إلى من جَرَّ ثوبه خيلاء)) - يدل على أن من جَرّ إزاره من غير
خيلاء ، ولا بَطَر : أنه لا يَلْحقه الوعيد المذكور، غير أن جَرّ الإزار
والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال . وأما المستكبر الذي يجر ثوبه فهو
الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد ".ا.هـ
ودليل الكراهة ما قرره شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله في : ((شرح العمدة)) (ص364-365) بقوله :
"وَمَن كره الإسبال مطلقاً : احتج بعموم النهي في ذلك ، والأمر بالتشمير ،
فعن أبي جري جابر بن سليم الهجيمي قال : ( رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه
لا يقول شيئاً إلا صَدَروا عنه ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : رسول الله صلى
الله عليه وسلم قلت : عليك السلام يا رسول الله مرتين . قال : لا تقل :
عليك السلام ، عليك السلام تحية الميت ! قلت : أنت رسول الله ؟ قال : أنا
رسول الله ، الذي إذا أصابك ضُرّ فدعوته كشفه عنك ، وإن أصابك عام سنة
فدعوته انبتها لك ، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فَضَلَّت راحلتك فدعوته
ردَّها عليك . قال : قلت : اعهد إليّ . قال : لا تَسُبَّنَّ أحداً . قال :
فما سببتُ بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة . قال : ولا تحقرن من
المعروف ، ولو أن تُكَلِّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف،
وارفع إزارك إلى نصف الساق ، فإن أبيت فإلى الكعبين ، وإياك وإسبال الإزار
فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة . وإن امرؤ شتمك وعَيَّرك بما
يعلم فيك فلا تُعيِّره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليك ) رواه الخمسة إلا
ابن ماجه ، وقال الترمذي: حسن صحيح .
وعن عبد الله بن عمر قال : (
مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء ، فقال : يا عبد
الله ارفع إزارك فرفعته . ثم قال : زد فزدت ، فما زلت أتحراها بعد . فقال
له بعض القوم : إلى أين ؟ قال : إلى أنصاف الساقين ) رواه مسلم ، وعن ابن
الحنظلية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( نعم الرجل خريم
الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره إلى أنصاف ساقيه )) رواه أحمد وأبو داود
؛ ولأن الإسبال مَظِنّة الخيلاء فكُرِه كما كُرِه مظان سائر المحرمات "
انتهى .
إلا أن القول بالتحريم هو المتَّجَه ، وظاهر حديث أبي هريرة :
(( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار )) أخرجه البخاري وغيره : ونحوه
يَدُلّ على ذلك، إذ لا تقييد فيه بالخيلاء . قال الحافظ في
(الفتح))(10/275 ): "وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه "
ثم قال : " ويَتَّجه المنع أيضاً في الإسبال من جهة أخرى وهي كونه مظنة
الخيلاء . قال ابن العربي : ( لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ، ويقول :
لا أجُرُّه خيلاء ؛ لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ
حكماً أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ ، فإنها دعوى غير
مُسلَّمة ، بل إطالته ذيله دَالَّة على تكبُّره ) ا.هـ ، ملخصاً . وحاصله
أن الإسبال يستلزم جَرّ الثوب ، وجَرّ الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد
اللابس الخيلاء. ويُؤَيِّده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر
في أثناء حديث رفعه : (( وإياك وجَرّ الإزار ، فإن جَر الإزار من المخيلة
)) " انتهى المراد من كلام الحافظ رحمه الله.
وَصْلٌ : قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله في : ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/383) :
"وأما ما ذكره أبو الحسن الآمدي وابن عقيل : من أن السدل هو إسبال الثوب
بحيث ينـزل عن قدميه ويجره ، فيكون هو إسبال الثوب وجره المنهي عنه :
فَغَلَطٌ مخالف لعامة العلماء . وإن كان الإسبال والجر منهياً عنه بالاتفاق
والأحاديث فيه أكثر ، وهو محرم على الصحيح ، لكن ليس هو السدل ". وقال
أيضاً - كما في : ((مجموع الفتاوي)) (22/144) - " فجواباً عن سؤال نَصّه : (
وسئل عن طول السراويل إذا تَعَدَّى عن الكعب ، هل يجوز ؟ ) طول القميص
والسراويل وسائر اللباس إذا تعدى ليس له أن يجعل ذلك أسفل من الكعبين كما
جاءت بذلك الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم " . وقال أيضاً ـ
كما في : ((المجموع)) (22/139) ـ : "ومن لبس جميل الثياب إظهاراً لنعمة
الله ، واستعانة على طاعة الله : كان مأجوراً . ومن لبسه فخراً وخيلاء كان
آثماً ؛ فإن الله لا يحب كل مختال فخور ، ولهذا حَرّم إطالة الثوب بهذه
النية ، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من جر إزاره
خيلاء لم ينظر الله يوم القيامة إليه )) ، فقال أبو بكر : يا رسول الله إن
طرفي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال : (( يا يا أبابكر إنك لست
ممن يفعله خيلاء )) . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( بينما رجل يجر إزاره خيلاء ، إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى
يوم القيامة )) " . انتهى كلامه رحمه الله ، فَلَيُتَـأمَّل . مع كون ابن
مفلح رحمه الله في : (( الآداب الشرعية )) ( 3/493 ) يقول : (( واختار
الشيخ تقي الدين رحمه الله - أي : ابن تيمية - عدم تحريمه ، ولم يَتَعَرَّض
لكراهة ولا عدمها )) ا . هـ وحكاه السفاريني رحمه الله في : (( غذاء
الألباب )) ( 2/215 ) عن (( الآداب )) لابن مفلح .
قال البرهان ابن مفلح
رحمه الله في : (( المقصد الأرشد )) (2/519): (( قال ابن القيم لقاضي
القضاة موفَّق الدين الحجَّاوي سنة إحدى وثلاثين : ما تحت قُبَّة الفلك
أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح . وحضر عند الشيخ تَقِيّ - أي : ابن
تيمية - ونَقَل عنه كثيراً ، وكان يقول له : ما أنت ابن مفلح أنت مفلحٌ .
وكان أخبر الناس بمسائله واختيارته حتى إن ابن القيم كان يُراجعه في ذلك))
ا.هـ
فائـدة :
للأمير الصنعاني رحمه
الله جزء في المسألة سماه : ((استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على
الرجال)) ، وخلاصته قوله فيه (ص26) : " وقد دلَّت الأحاديث على أن ما تحت
الكعبين في النار ، وهو يفيد التحريم . ودل على أن من جَرّ إزاره خيلاء لا
يَنْظر الله إليه ، وهو دال على التحريم ، وعلى أن عقوبة الخيلاء عقوبة
خاصة هي عدم نظر الله إليه ، وهو مما يُبْطل القول بأنه لا يحرم إلا إذا
كان للخيلاء" . أ.هـ ، ولعل رسالة الصنعاني هذه هي الَمَعِْنيّة في قول
الشوكاني رحمه الله في : ((نيل الأوطار)) (1/641) : " وقد جمع بعض
المتأخرين رسالة طويلة جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقاً ". ا.هـ
تنبيـه :
قال
شيخ الإسلام رحمه الله في : ((شرح العمدة)) (ص367) : "وأما الكعبان
أنفسهما فقد قال بعض أصحابنا : يجوز إرخاؤه إلى أسفل الكعب، وأما المنهي
عنه ما نزل عن الكعب . وقد قال أحمد : (أسفل من الكعبين في النار) وقال ابن
حرب : ( سألت أبا عبد الله عن القميص الطويل ؟ فقال : إذا لم يُصِب الأرض ؛
لأن أكثر الأحاديث فيها ما كان أسفل من الكعبين في النار ) . وعن عكرمة
قال : رأيت ابن عباس يأتزر فيضع حاشية إزاره من مقدمه على ظهر قدمه، ويرفع
من مؤخره . فقلت : لِمَ تأتزر هذه الأزرة ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأتزرها ) رواه أبو داود . وقد رُوي عن أبي عبد الله أنه قال :
(لم أحدث عن فلان لأن سراويله كان على شراك نعله ) . وهذا يقتضي كراهة ستر
الكعبين أيضاً لقوله في حديث حذيفة : ( لا حَقّ للإزار في الكعبين ) . وقد
فَرَّق أبو بكر وغيره من أصحابنا في الاستحباب بين القميص وبين الإزار فقال
: (يستحب أن يكون طول قميص الرجل إلى الكعبين أو إلى شراك النعلين ، وطول
الإزار إلى مراقّ الساقين ، وقيل إلى الكعبين) "ا.هـ .
تنبيـه :
قال شيخ الإسلام رحمه الله في : ((شرح العمدة)) (ص366) :
"
وبكل حال فالسنة تقصير الثياب ، وحَدّ ذلك : ما بين نصف الساق إلى الكعب ،
فما كان فوق الكعب فلا بأس به وما تحت الكعب في النار " ا.هـ.
وقال في
: ((الإنصاف)) : (1/372) : "يكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه ،
نَصّ عليه " . وقال ابن قاسم رحمه الله في : ((حاشية الروض)) (1/528) : "
لأن ما فوقه مَجْلَبة لانكشاف العورة غالباً ، وإشهار لنفسه ، ويتأذَّى
الساقان بحر أو برد . فينبغي كونه من نصفه إلى الكعب ، لبعده من النجاسة
والزهو والإعجاب " . وقال شيخ الإسلام في : ((شرح العمدة)) (ص368) : "
ويكره تقصير الثوب الساتر عن نصف الساق ، قال إسحاق ابن إبراهيم: دخلت على
أبي عبد الله وعَلَيَّ قميص قصير أسفل من الركبة وفوق نصف الساق فقال : (
إيش هذا ؟ وأنكره . وفي رواية : إيش هذا ؟ لِمَ تُشَهِّر نفسك ؟ ) وكذلك
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "حَدّ أزرة المؤمن بأنها إلى نصف
الساق"، وأمر بذلك ، وفعله في زيادة الكشف تَعْرية لما يشرع ستره ، لاسيما
إن فُعل تديناً فإن ذلك تَنَطّع وخروج عن حَدّ السنة واستحباب لما لم
يستحبه الشارع " انتهى .
[ انظر : ( كتاب المسائل ) ص 84 ]
الشيخ صالح بن محمد الأسمري