طَبَرِستانُ: معنى “الطبر” الآلة التي يشق بها الحطب، و”استان” الموضع أو الناحية كأنه يقول: ناحية الطبر. وهي بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، خرج من نواحيها من لا يُحصى كثرة من أهل العلم والأدب والفقه، والغالب على هذه النواحي الجبال. وطبرستان في البلاد المعروفة بمازَنْدَران، ولا أدري متى سميت بمازَندران فإنه اسم لم نجده في الكُتب القديمة، وإنما يُسمَع من أفواه أهل تلك البلاد، ولا شك أنهما واحد. وهذه البلاد مجاورة لجيلان وديلمان، وهي بين الري وقومس والبحر وبلاد الديلم والجيل. رأيت أطرافها وعاينتُ جبالها وهي كثيرة المياه متهدَلة الأشجار كثيرة الفواكه، إلا أنها مخيفة وخِمَة قليلة الارتفاع كثيرة الاختلاف والنزاع. وفيما روى ثقات الفرس قالوا: اجتمع في جيوش بعض الأكاسرة خلق كثير من الجُناة وجب عليهم القتل فتحرج منه وشاوَرَ وزراءه ثم قال: اطلبوا لي موضعاً أحبسهم فيه، فساروا في البلاد حتى وقعوا بجبال طبرستان فأخبروه بذلك فأمر بحملهم إليه وحبسهم فيه، وهو يومئذ جبل لا ساكن فيه، ثم سأل عنهم بعد حول فأرسل من يخبر بخبرهم فأشرفوا عليهم فإذا هم أحياء لكن بالسوء فقيل لهم: ما تشتهون؟ وكان الجبل أشِباً كثير الأشجار فقالوا: طَبرها طَبرها، والهاء فيه بمعنى الجمع في كلام الفرس يعنون نُريد أطباراً نقطع بها الشجر ونتخذها بيوتاً. فلما أخبر كسرى بذلك أمر أن يعطوا ما طلبوا فحمل إليهم ذلك، ثم أمهلهم حولاً آخر وأنفذ من يتفقدهم فوجدهم قد اتخذوا بيوتاً فقال لهم: ما تريدون فقالوا: زَنان زَنان، أي نريد نساء فأُخبر الملك بذلك فأمر بحمل من في حُبُوسه من النساء أن يُحمَلن إليه فحُملن فتناسلوا فسميت طبرزنان أي الفؤوس والنساء ثم عربت فقيل: طبرستان. هذا قولهم، والذي يظهر لي وهو الحق ويعضده ما شاهدناه منهم أن أهل تلك الجبال كثيرو الحروب، وأكثر أسلحتهم بل كلها الأطبار حتى إنك قل أن ترى صعلوكاً أو غنيا إلا وبيده الطبر، فكأنها لكثرتها فيهم سميت بذلك ومعنى طبرستان من غير تعريب موضع الأطبار، والله أعلم.
وقد كان في القديم أول طبرستان آمُل ثم ما مطير وبينها وبين آمل ستة فراسخ ثم ويمة وهي من ما مطير على ستة فراسخ ثم سارية ثم طميس وهي من سارية على ستة عشر فرسخاً. وقال: البلاذُري كُور طبرستان ثماني كورة سارية وبها منزل العامل، وإنما صارت منزل العامل في أيام الطاهرية، وقبل ذلك كان منزل العامل بآمُل.
وكانت بلاد طبرستان في الحصانة والمنعة على ما هو مشهور من أمرها، وكانت ملوك الفرس يولونها رجلاً ويسمونه الأصبهبذ، فإذا عقدوا له عليها لم يعزلوه عنها حتى يموت. فإذا مات أقاموا مكانه ولده إن كان له ولد، وإلا وجهوا بأصبهبذ آخر. فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وفُتحت المدن المتصلة بطبرستان. وكان صاحب طبرستان يصالح على الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة المسلك. فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولى عثمان بن عفَان (رضي الله عنه) سعيدَ بن العاص الكوفة سنة 29 وولى عبد الله بن عامر بن كُرَيز البصرة، فكتب إليهما مرزبان طوس يدعوهما إلى خراسان على أن يملكه عليها من غلب، وخرجا جميعاً يريدانها فسبق ابن عامر، فغزا سعيد بن العاص طبرستان ومعه في غزاته فيما يقال: الحسن والحسين رضي الله عنهما، وقيل: إن سعيداً غزاها من غير أن يأتيه كتاب أحد، بل سار إليها من الكوفة ففتح طميس أو طميسة وهي قرية وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهمٍ بغلة وافية فكان يُؤديها إلى المسلمين، وافتتح أيضا من طبرستان الرويان ودُنْباوند وأعطاه أهل الجبال مالاً. فلما ولي معاوية ولى مَصقَلة بن هُبَيرة أحد بني ثعلبة بن شيبان، فسار إليها ومعه عشرون ألف رجل فأوغل في البلد يسبي ويقتل فلما تجاوز المضايق والعِقاب أخذها عليه وعلى جيشه العدوُ عند انصرافه للخروج، ودهدهوا عليه الحجارة والصخور من الجبال فهلك أكثر ذلك الجيش وهلك مصقلة فضرب الناس به مثلاً فقالوا: لا يكون هذا حتى يرجع مصقلة من طبرستان. فكان المسلمون بعد ذلك إذا غزوا هذه البلاد تحفظوا وتحذروا من التوغل فيها حتى ولي يزيد بن المهلب خراسان في أيام سليمان بن عبد الملك، وسار حتى أناخ على طبرستان فاستجاش الأصبهبذ الديلم فأنجدوه وقاتله يزيد أياما ثم صالحه على أربعة آلاف درهم وسبعمائة ألف درهم مثاقيل في كل عام وأربعمائة وقر زعفران، وأن يوجهوا في كل عام أربعمائة رجل على رأس كل رجل ترس وجام فضة ونمرقة حرير. وفتح يزيد الرويان ودنباوند ولم يزل أهل طبرستان يُؤدُون هذا الصلح مرة ويمتنعون أخرى إلى أيام مروان بن محمد، فإنهم نقضوا ومنعوا ما كانوا يحملونه. فلما ولي السفاح وجه إليهم عاملاً فصالحوه على مال، ثم غدروا وقتلوا المسلمين وذلك في خلافة المنصور فوجه المنصور إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلَبي ومعهما مرزوق أبو الخَصيب، فنزلوا على طبرستان وجَرَت مدافعات صَعُبَ معها بلوغُ غرض وضاق عليهم الأمر فواطأ أبو الخصيب خازما وروحاً على أن ضرباه وحلقا رأسه ولحيته ليوقع الحيلة على الأصبهبذ فركن إلى ما رأى من سوء حاله واستخصه حتى أعمل الحيلة وملك البلد.
وقد كان في القديم أول طبرستان آمُل ثم ما مطير وبينها وبين آمل ستة فراسخ ثم ويمة وهي من ما مطير على ستة فراسخ ثم سارية ثم طميس وهي من سارية على ستة عشر فرسخاً. وقال: البلاذُري كُور طبرستان ثماني كورة سارية وبها منزل العامل، وإنما صارت منزل العامل في أيام الطاهرية، وقبل ذلك كان منزل العامل بآمُل.
وكانت بلاد طبرستان في الحصانة والمنعة على ما هو مشهور من أمرها، وكانت ملوك الفرس يولونها رجلاً ويسمونه الأصبهبذ، فإذا عقدوا له عليها لم يعزلوه عنها حتى يموت. فإذا مات أقاموا مكانه ولده إن كان له ولد، وإلا وجهوا بأصبهبذ آخر. فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وفُتحت المدن المتصلة بطبرستان. وكان صاحب طبرستان يصالح على الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة المسلك. فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولى عثمان بن عفَان (رضي الله عنه) سعيدَ بن العاص الكوفة سنة 29 وولى عبد الله بن عامر بن كُرَيز البصرة، فكتب إليهما مرزبان طوس يدعوهما إلى خراسان على أن يملكه عليها من غلب، وخرجا جميعاً يريدانها فسبق ابن عامر، فغزا سعيد بن العاص طبرستان ومعه في غزاته فيما يقال: الحسن والحسين رضي الله عنهما، وقيل: إن سعيداً غزاها من غير أن يأتيه كتاب أحد، بل سار إليها من الكوفة ففتح طميس أو طميسة وهي قرية وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهمٍ بغلة وافية فكان يُؤديها إلى المسلمين، وافتتح أيضا من طبرستان الرويان ودُنْباوند وأعطاه أهل الجبال مالاً. فلما ولي معاوية ولى مَصقَلة بن هُبَيرة أحد بني ثعلبة بن شيبان، فسار إليها ومعه عشرون ألف رجل فأوغل في البلد يسبي ويقتل فلما تجاوز المضايق والعِقاب أخذها عليه وعلى جيشه العدوُ عند انصرافه للخروج، ودهدهوا عليه الحجارة والصخور من الجبال فهلك أكثر ذلك الجيش وهلك مصقلة فضرب الناس به مثلاً فقالوا: لا يكون هذا حتى يرجع مصقلة من طبرستان. فكان المسلمون بعد ذلك إذا غزوا هذه البلاد تحفظوا وتحذروا من التوغل فيها حتى ولي يزيد بن المهلب خراسان في أيام سليمان بن عبد الملك، وسار حتى أناخ على طبرستان فاستجاش الأصبهبذ الديلم فأنجدوه وقاتله يزيد أياما ثم صالحه على أربعة آلاف درهم وسبعمائة ألف درهم مثاقيل في كل عام وأربعمائة وقر زعفران، وأن يوجهوا في كل عام أربعمائة رجل على رأس كل رجل ترس وجام فضة ونمرقة حرير. وفتح يزيد الرويان ودنباوند ولم يزل أهل طبرستان يُؤدُون هذا الصلح مرة ويمتنعون أخرى إلى أيام مروان بن محمد، فإنهم نقضوا ومنعوا ما كانوا يحملونه. فلما ولي السفاح وجه إليهم عاملاً فصالحوه على مال، ثم غدروا وقتلوا المسلمين وذلك في خلافة المنصور فوجه المنصور إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلَبي ومعهما مرزوق أبو الخَصيب، فنزلوا على طبرستان وجَرَت مدافعات صَعُبَ معها بلوغُ غرض وضاق عليهم الأمر فواطأ أبو الخصيب خازما وروحاً على أن ضرباه وحلقا رأسه ولحيته ليوقع الحيلة على الأصبهبذ فركن إلى ما رأى من سوء حاله واستخصه حتى أعمل الحيلة وملك البلد.