إن امتلاك رؤية واضحة لواقع الحركة الطلابية بوجه عام، والدعوة الطلابية على وجه الخصوص، والوقوف المباشر على عناصر هذا الواقع، يستدعي استنطاقا دقيقا لهذا الواقع، ويجعلنا نضع أصبعنا على مكامن الداء وفجوات الخلل في جسم الحركة الطلابية، ولعل أكبر ثغرة أدت إلى نخر الجسم الطلابي بعدما ماتت الإيديولوجيات الإلحادية والاشتراكية هذا الفراغ الدعوي والتربوي القاتل، أو لنقل الفتور الدعوي حتى نكون أكثر تدقيقا، هذا الفتور الذي من شأنه أن يجعل من الجسم الطلابي كما مهملا ميئوسا منه، مفتقدا للاختيار السليم والمبادرة الفاعلة والجريئة.
إلا أنه في العقود الأخيرة برز الدور الإسلامي في الجامعات والمعاهد والمدارس، سواء على مستوى تأطير الجماهير الطلابية، أو على مستوى تبليغ معاني الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وإحياء معاني الإيمان والوعي بحقيقة قضايا الأمة ومستقبلها.
سنحاول من خلال هذا التقرير أن نلامس الواقع الدعوي الطلابي أهدافا ووسائل وتعاملا ومعوقات.
مقياس لقوة التنظيمات
إن العمل الطلابي هو المقياس الذي تقاس به شوكة التنظيمات السياسية، ولطالما شكل الطلبة الطلائع في عمليات التغيير على مر التاريخ وكلنا يذكر ثورة الطلبة بفرنسا سنة 1968م.
وإذا كان الطالب يقع في عمق اهتمام العديد من الأطراف تكون بغية كل واحد منهم تنشئته وفقا لتوجهاته وقناعاته، وإذا كان عدد الطلبة الهائل وما يتسم به هذا الكم الشبابي من تحرر من أغلب القيود -آباء، أبناء، أزواج، سكن، تجارة، أموال، عشيرة...- ومن سهولة للاكتساح الدعوي شريطة توفر الصدق نظرا لعامل السن المشترك والبراءة والحماس، فإنه لا مناص للدعوة أن تقتحم هذا المجال قصد غرس الولاء المبكر لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللإسلام.
التربية أولا ثم الحركة
إذا كان الفضاء الطلابي يتسم بالحركية والنشاط فإن بعض رجال الدعوة في هذا الوسط يركزون على ضرورة التربية والتكوين كمنطلق وهدف لتثبيت البناء الدعوي الطلابي أن تعبث به رياح الفتنة والانزلاق الفكري، ثم لأجل نقل الطالب من زمن اللهو والعادة إلى زمن الذكر والعبادة، وترسيخ القدم داخل الصف الإسلامي من خلال فقه متوازن للدعوة والواقع.
ثم هناك هدف حركي مباشر لأهل الدعوة، وهو تحرير إرادة الطالب وعقله، من خلال الانعتاق من كل عبودية تصرفه عن توحيد الله خالقه، لكن هذا الهدف تتجاذبه كذلك جاذبية الشيطان الذي يمثله صنفان: جاحدون ومنافقون، وهذان الفريقان هما العنصران الأساسيان في عملية الصد عن سبيل الله، وهي مهمة الاستكبار التي يرمي الشيطان من خلالها إلى استغلال الطالب واستعباده.
عموما، إن الغموض في المهمة الدعوية داخل المجال الطلابي لا بد أن يترتب عليه خلل في الوسائل المعتمدة، وبالتالي في النتائج المحققة، ولذلك نعتقد بضرورة البعد عن لغة العقم والحياد المعرفي إلى لغة القرآن الحاملة لدعوة الإيمان الحية من خلال وجهين متكاملين: هما التحريض على الغضب على الشر، والإسراع إلى الخير، هما الوعد والوعيد؛ وعد بالفوز في الآخرة لمن آمن واتقى واتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيد بالخسران لمن كفر ونافق وجحد وأعرض عن ذكر الله.
لذلك فإن المهمة الكبرى هي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم تأتي الوظيفة الكبرى وهي تنشئة أجيال قادرة على أداء هذه المهمة، وللوظيفة الكبرى واجهتان:
واجهة البناء الشخصي: تربية وتعليما وتكوينا وتدريبا.
واجهة البناء الجماعي: من خلال بناء الكيان السياسي والاجتماعي القادر على تنفيذ عملية التغيير الشاملة بما فيها بناء أمة المسلمين القوية.
كما لا نظن أن يكون الطمع في تحقيق أهداف شخصية وطلب الشهرة وكسب الجماهير الباعث للعمل الدعوي في الوسط الطلابي المنبني أساسا على التطوع.
مبادئ حاكمة
أحد المؤتمرات الطلابية
لا بد لكل عمل من مبادئ، وخطة عمل تضبطه، ومن خلال استقرائنا لوضع الدعوة الطلابية بالمغرب وممارسات الفصائل الإسلامية خرجنا بهذه الخلاصات حول مبادئ العمل:
الوضوح: في المهمة والوظيفة والموقف، وقد أثبتت تجربة الهيمنة اليسارية على العمل الطلابي في السبعينيات والثمانينيات أن غياب الوضوح فيما كانوا يدعون إليه ساهم بشكل كبير في بعثرة العمل الطلابي.
المسئولية: فلكي يصبح مشروعك في التغيير ناجحا، لا بد من مصارحة النفس والطلبة بكل الحقائق وتبعاتها، وعدم التنصل من المسؤولية تحت أي ظرف كان، وهذه المسؤولية ترتكز على ثلاث ركائز مهمة: الصدق والوضوح والتخطيط.
الإحسان: فإذا كان سقف المناضل السياسي الأرضي هو تحقيق مطامع دنيوية كالديمقراطية والحرية والعدل، ولا يهمه إن فرط في الصلاة أو أي واجب ديني، فإن الداعية الرباني عليه أن يبحث عن باعث أسمى يحقق به آمال أمته وكماله الشخصي، عليه أن يبحث عن مسلك في الحياة يزاحم بالمناكب ويناضل، وفي نفس الوقت يبحث عن عهد مع الله تعالى تنتظم به حياته في الدنيا بمصيره في الآخرة.
ميادين التحرك وقوانينها
لكن ما الخطوط العملية والوسائل الميدانية لتصريف الدعوة حتى لا تصبح حبرا على ورق؟
يحدد الباحث المغربي مبارك الموساوي –طالب إسلامي- خمسة خطوط تجسد مسالك دعوية في الساحة الجامعية:
أولا- الخط النقابي المطلبي الاجتماعي:
إذ إن الطالب يعاني من عدة مشكلات مادية بسبب السياسات التعليمية والاقتصادية الفاشلة، والجائع لا يسمع إلا صوتا يبشر بالخبز، ولا يمكن للداعية الإسلامي أن يهمل هذا الجانب الاجتماعي، وعليه فلا بد من التحرك الاحتجاجي للمطالبة بالحقوق من خلال خطة "جماهيرية" تلتزم بالمبادئ التالية:
رفض الحوار الغامض الذي يضيع الجهود ويكون استخفافا من الطرف المحاور.
رفض العنف؛ لأنه لا يغير من الأمر شيئا.
عدم الرضا بأنصاف الحلول؛ لأن ذلك انهزام أمام خطة خصوم القضية الطلابية، وهو مخالف للصدق والأمانة ومدمر للثقة.
الواقعية في المطالب والشعارات؛ لأنها دليل على المسئولية والصدق والقدرة على التخطيط.
رفض الارتجالية؛ لأن الجهود المبعثرة ضياع.
المشاركة المسئولة بتحكيم عقلية الواجب، فالمهمة التي على الطالب أن يتجند للقيام بها تفرض عليه أن يعتبر مطالبته بحقه تأتي في سياق تهيئ الشروط المادية والنفسية لأداء الآني والمستقبلي من واجباته.
التكافل بين الطلبة، بما فيه نصرة المظلوم وقسمة التضحيات والأرزاق.
ثانيا- الخط الدراسي العلمي:
فمهنة الطالب الأساسية طلب العلم، ولو كانت الظروف المحيطة بالعملية الدراسية لا تسمح بذلك فلا بد من مغالبة هذا الواقع؛ لأن التحصيل العلمي جهاد في حد ذاته، وللأسف قلما نجد طالبا نشيطا دعويا ومتفوقا دراسيا.
يقول أحد المتخصصين في العمل الطلابي الأستاذ أبو الشتاء: "إن الطالب النجيب في الدراسة وإن كان غير ذلك في دعوته مع الحفاظ على الحد الأدنى من السير الدعوي مع المؤمنين، إن لم تستفد منه الحركة الإسلامية اليوم فقد ينفعها مستقبلا، بعكس من يكون نقصه ظاهرا في دراسته فإن فشله لا قدر الله حتى إن ضمن عدم تساقطه من الصف فسيبقى الإحساس بذنب التفريط في حقه قائما".
ثالثا- الخط الثقافي:
إن العمل على الخط الثقافي هو إشاعة لمعاني النبل والرجولة لا المسخ والاستسلام، والثقافة هي عملية تربوية تعليمية تستهدف تغيير ذهنية الطالب على الأقل في الاتجاه الإيجابي.
رابعا- الخط الإعلامي:
لنقل القضايا الطلابية إلى الفضاء العام.
خامسا- الخط التربوي الدعوي:
هذا الخط هو الحبل الجامع لكل مستويات العمل السابقة، فالتربية استهلاك، والدعوة عطاء.
أزمة الحوار مع الإدارة
جانب من إحدى الندوات الطلابية
للأسف الشديد، فإن المتتبع لأسلوب الحوار بين الطلبة الإسلاميين والإدارة -رغم أنه أكثر تحسنا عما كان عليه سابقا- فإنه سيجد أن تلك من بين الثغرات التي تقسم ظهر الدعوة الطلابية، فما زال سائدا لدى بعض رموز الدعوة الطلابية الجفاء والقطيعة مع الإدارة دون تفصيل أو تمييز، فهذا الطالب محسن الخياري -امتنع عن التصريح بانتمائه- يقول: "الحوار مع الإدارة مضيعة للوقت وهو في الغالب لا يثمر نتائج إيجابية"!! ويضيف آخر: "كيف لنا أن نتعامل مع إدارة لم تكلف نفسها عناء الاستماع لنا ولمشكلاتنا المتراكمة والتي تئن لحملها الجبال، إن مقاطعتها هي الحل".
لكن ما معنى الإدارة لدى هؤلاء المقاطعين؟
الإدارة ليست شخصا واحدا، وإنما هي سياسة وتدبير، وليس كل الأشخاص سواء في الرؤية، يقول أحد الموظفين بإحدى كليات جامعة القنيطرة: "للأسف الشديد هذا التصرف المتطرف لدى بعض النشطاء الإسلاميين في التعامل معنا تصرف غير مبرر وغير منطقي، فنحن كذلك مسلمون ونأكل لقمة العيش، والظلم يمارس علينا جميعا، فما ذنبنا نحن؟؟".
إلا أن هناك رؤية أكثر تدقيقا في التعامل مع الدولة من خلال مختلف مؤسساتها الجامعية، والتي يعبر عنها الأستاذ حسن بناجح -كاتب عام لجنة التنسيق الوطنية لطلبة المغرب: "كنا دائما إيجابيين في التعامل مع الدولة، لكن مع كل أسف كانت هي بالمقابل دائما سلبية في معاملتنا، وكانت تتنكر لما ترفعه من شعارات حول حقوق الإنسان والديمقراطية، ونحن علمتنا التجارب المريرة وإخلاف الوعود تلو الوعود وحملات تصفية النشطاء من الطلبة بهمجية، أن نكون دائما متحفظين في الحكم على أحد، ونقول: إن الواقع والممارسة هما برهان صدق الشعار والنظرية".
الانتماء الحزبي وانعكاساته
إنك بمجرد ما تلج الحرم الجامعي ينتابك شعور بالتبعثر والتشتت، فههنا حلقة إسلامية، وأخرى إسلامية من لون مختلف، وأخرى يسارية، وجو مشحون بتواجد الحرس الجامعي، المعروف بالأواكس.
تحكي سمية شعيبي وهي طالبة جديدة عن شعورها الأول وهي تخطو أول خطوة داخل الساحة الجامعية: "لقد صدمت كثيرا وأنا أقف أشاهد تلك الحلقات الطلابية، كل بما لديه فرح، الكل ينشد الحرية، والكل يقول: إن الحق معه، لكن الأمر الذي زاد من اندهاشي هو أنهم متنافرون ولا يقبلون بالحوار فيما بينهم، فتساءلت مع نفسي: مع من أقف؟ لمن أسمع؟ كيف أختار؟".
ولكن ما حظ الإسلاميين واليساريين من هذا الواقع؟ وكيف يتعاملون فيما بينهم؟ وماذا ينشدون في ظل هذا الواقع المشحون؟؟
يقول الأستاذ حسن بناجح -الناطق الرسمي لفصيل طلبة العدل والإحسان أبرز فصيل إسلامي ناشط بجل الجامعات المغربية-: "إننا نرى أن الوحدة سلوك قبل أن تكون ميزة من ميزات الخطاب، أما الاكتفاء برفع شعار الوحدة قولا واتهام الآخر بأنه إقصائي وضد الوحدة فهذا في رأيي شكل مذموم من أشكال التعالي على الآخرين بحجة واهية ومبنية على أمجاد وشرعية تاريخية مزعومة.. وهذا شكل خاص من أشكال الميز العنصري ما زالت بعض الأطراف مع كل أسف تؤمن به وتتعامل من منطلقه مع الواقع".
وهذا هو ما عبر عنه الطالب منعم وحتى عضو اللجنة الوطنية للقطاع الطلابي الطليعي: "بادئ ذي بدء لا نحتاج لإعادة إنتاج موقف جديد من القوى المتأسلمة في الجامعة، فنحن نعتبرها شكلا من أشكال الحظر العملي على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، ويضيف حول الحل للخروج من هذا الواقع: "قد كنا دائما سباقين إلى طرح أجوبة عن أزمة الاتحاد الوطني، ونجدد الدعوة إلى كافة الفصائل الطلابية التاريخية إلى إعادة إحياء الحوار الفصائلي الوطني على منطلقات بنائية".
ويعلق مصطفى الخلفي -مسئول سابق لفصيل طلبة الوحدة والتواصل الإسلامي-: "أعتبر أن وسم مجموعة من الفصائل بهذا النعت، أي أنها تاريخية، هي لغة قد عفا عنها الزمن، سمعناها في نهاية الثمانينيات في الوقت الذي كانت فيه بعض الفصائل لم يتجاوز عمرها العقد، الآن لقد مر أكثر من العقد على تواجد الإسلاميين داخل الجامعة ولهذا فالكل أصبح ابن تاريخ الحركة الطلابية".
وهكذا فاليساريون يتهمون الإسلاميين إما بالعنف والإقصاء أو أنهم غير شرعيين، في حين أن الإسلاميين ينكرون ذلك، ويؤكدون على أنهم كانوا دائما أصحاب مبادرات تدعو للحوار وفتح صفحة جديدة وطي الماضي الذي شهد أحداثا دموية كان اليسار سباقا لممارستها من خلال محاربته لأي شكل من أشكال الانتماء الإسلامي.
وإن كانت هناك بعض النقاط لم تسوَّ بين الإسلاميين فيما بينهم، إلا أنه في السنوات الأخيرة شهدت الساحة الجامعية مجموعة من الأنشطة المشتركة خاصة بين فصيلي طلبة العدل والإحسان وبين فصيل طلبة الوحدة والتواصل.
معوقات على الطريق
إن أهم المعوقات التي تقف أمام الدعوة الطلابية يمكن حصرها فيما هو موضوعي وما هو ذاتي:
معوقات الدعوة الذاتية:
الخجل، وهو غير الحياء.
التسويف، وهو إرجاء عمل اليوم إلى الغد والمماطلة في الاتصال بالطلبة.
عدم الثقة في النفس.
المبالغة في الاهتمام بالدراسة على حساب الدعوة إلى الله، أو العكس.
الاجتهادات الفردية بدل المؤسساتية.
معوقات الدعوة الموضوعية:
تعنت الإدارة والمضايقات التي تمارس على أنشطة الإسلاميين.
جو الميوعة الذي أصبح سائدا في جل المؤسسات الجامعية.
قلة التجربة والتكوين في تقنيات الدعوة.
ضعف الإمكانات المتاحة.
واقع التشتت الذي تعرفه معظم الجامعات المغربية.
موسمية العمل الدعوي في الوسط الجامعي.
وبالتالي فإن معالجة تلك العوائق تكون بضدها وتجاوزها، ثم بإنشاء مجالس تكوينية لعينات من الطلبة، ممن تظهر فيهم سمات القدرة على الحركة والمتابعة، والاستفادة من ذوي الخبرة والتجربة، هذا إلى جانب الالتزام بالوسائل الدعوية التي يمكن الإبداع فيها، حسب الظرف والزمان والمكان.
كما لا بد للطالب الداعية أن يتصف بمواصفات القوة، سواء من خلال تحصيل الحد الأدنى من العلم الشرعي والعلم الكوني، أو من خلال التمرس على آليات وتقنيات الدعوة من فصاحة وبشاشة وتواضع ولين، وكذلك لا بد أن يكون له حظ من الليل، وقراءة القرآن، والذكر، والتحصن بالوضوء، وغض البصر، وتجديد النية، وحسن الظن بالناس مهما بدر منهم، فلا شك أن لها جوانب مشرقة يمكن الاستفادة منها.
وعلى المستوى السلوكي، على الطالب الداعية أن يكون خطابه خطابا إسلاميا واضحا، مبشرا غير منفر، وأن يكون مظهره مناسبا للوسط الثقافي الذي هو فيه.
إلا أنه في العقود الأخيرة برز الدور الإسلامي في الجامعات والمعاهد والمدارس، سواء على مستوى تأطير الجماهير الطلابية، أو على مستوى تبليغ معاني الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وإحياء معاني الإيمان والوعي بحقيقة قضايا الأمة ومستقبلها.
سنحاول من خلال هذا التقرير أن نلامس الواقع الدعوي الطلابي أهدافا ووسائل وتعاملا ومعوقات.
مقياس لقوة التنظيمات
إن العمل الطلابي هو المقياس الذي تقاس به شوكة التنظيمات السياسية، ولطالما شكل الطلبة الطلائع في عمليات التغيير على مر التاريخ وكلنا يذكر ثورة الطلبة بفرنسا سنة 1968م.
وإذا كان الطالب يقع في عمق اهتمام العديد من الأطراف تكون بغية كل واحد منهم تنشئته وفقا لتوجهاته وقناعاته، وإذا كان عدد الطلبة الهائل وما يتسم به هذا الكم الشبابي من تحرر من أغلب القيود -آباء، أبناء، أزواج، سكن، تجارة، أموال، عشيرة...- ومن سهولة للاكتساح الدعوي شريطة توفر الصدق نظرا لعامل السن المشترك والبراءة والحماس، فإنه لا مناص للدعوة أن تقتحم هذا المجال قصد غرس الولاء المبكر لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللإسلام.
التربية أولا ثم الحركة
إذا كان الفضاء الطلابي يتسم بالحركية والنشاط فإن بعض رجال الدعوة في هذا الوسط يركزون على ضرورة التربية والتكوين كمنطلق وهدف لتثبيت البناء الدعوي الطلابي أن تعبث به رياح الفتنة والانزلاق الفكري، ثم لأجل نقل الطالب من زمن اللهو والعادة إلى زمن الذكر والعبادة، وترسيخ القدم داخل الصف الإسلامي من خلال فقه متوازن للدعوة والواقع.
ثم هناك هدف حركي مباشر لأهل الدعوة، وهو تحرير إرادة الطالب وعقله، من خلال الانعتاق من كل عبودية تصرفه عن توحيد الله خالقه، لكن هذا الهدف تتجاذبه كذلك جاذبية الشيطان الذي يمثله صنفان: جاحدون ومنافقون، وهذان الفريقان هما العنصران الأساسيان في عملية الصد عن سبيل الله، وهي مهمة الاستكبار التي يرمي الشيطان من خلالها إلى استغلال الطالب واستعباده.
عموما، إن الغموض في المهمة الدعوية داخل المجال الطلابي لا بد أن يترتب عليه خلل في الوسائل المعتمدة، وبالتالي في النتائج المحققة، ولذلك نعتقد بضرورة البعد عن لغة العقم والحياد المعرفي إلى لغة القرآن الحاملة لدعوة الإيمان الحية من خلال وجهين متكاملين: هما التحريض على الغضب على الشر، والإسراع إلى الخير، هما الوعد والوعيد؛ وعد بالفوز في الآخرة لمن آمن واتقى واتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيد بالخسران لمن كفر ونافق وجحد وأعرض عن ذكر الله.
لذلك فإن المهمة الكبرى هي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم تأتي الوظيفة الكبرى وهي تنشئة أجيال قادرة على أداء هذه المهمة، وللوظيفة الكبرى واجهتان:
واجهة البناء الشخصي: تربية وتعليما وتكوينا وتدريبا.
واجهة البناء الجماعي: من خلال بناء الكيان السياسي والاجتماعي القادر على تنفيذ عملية التغيير الشاملة بما فيها بناء أمة المسلمين القوية.
كما لا نظن أن يكون الطمع في تحقيق أهداف شخصية وطلب الشهرة وكسب الجماهير الباعث للعمل الدعوي في الوسط الطلابي المنبني أساسا على التطوع.
مبادئ حاكمة
أحد المؤتمرات الطلابية
لا بد لكل عمل من مبادئ، وخطة عمل تضبطه، ومن خلال استقرائنا لوضع الدعوة الطلابية بالمغرب وممارسات الفصائل الإسلامية خرجنا بهذه الخلاصات حول مبادئ العمل:
الوضوح: في المهمة والوظيفة والموقف، وقد أثبتت تجربة الهيمنة اليسارية على العمل الطلابي في السبعينيات والثمانينيات أن غياب الوضوح فيما كانوا يدعون إليه ساهم بشكل كبير في بعثرة العمل الطلابي.
المسئولية: فلكي يصبح مشروعك في التغيير ناجحا، لا بد من مصارحة النفس والطلبة بكل الحقائق وتبعاتها، وعدم التنصل من المسؤولية تحت أي ظرف كان، وهذه المسؤولية ترتكز على ثلاث ركائز مهمة: الصدق والوضوح والتخطيط.
الإحسان: فإذا كان سقف المناضل السياسي الأرضي هو تحقيق مطامع دنيوية كالديمقراطية والحرية والعدل، ولا يهمه إن فرط في الصلاة أو أي واجب ديني، فإن الداعية الرباني عليه أن يبحث عن باعث أسمى يحقق به آمال أمته وكماله الشخصي، عليه أن يبحث عن مسلك في الحياة يزاحم بالمناكب ويناضل، وفي نفس الوقت يبحث عن عهد مع الله تعالى تنتظم به حياته في الدنيا بمصيره في الآخرة.
ميادين التحرك وقوانينها
لكن ما الخطوط العملية والوسائل الميدانية لتصريف الدعوة حتى لا تصبح حبرا على ورق؟
يحدد الباحث المغربي مبارك الموساوي –طالب إسلامي- خمسة خطوط تجسد مسالك دعوية في الساحة الجامعية:
أولا- الخط النقابي المطلبي الاجتماعي:
إذ إن الطالب يعاني من عدة مشكلات مادية بسبب السياسات التعليمية والاقتصادية الفاشلة، والجائع لا يسمع إلا صوتا يبشر بالخبز، ولا يمكن للداعية الإسلامي أن يهمل هذا الجانب الاجتماعي، وعليه فلا بد من التحرك الاحتجاجي للمطالبة بالحقوق من خلال خطة "جماهيرية" تلتزم بالمبادئ التالية:
رفض الحوار الغامض الذي يضيع الجهود ويكون استخفافا من الطرف المحاور.
رفض العنف؛ لأنه لا يغير من الأمر شيئا.
عدم الرضا بأنصاف الحلول؛ لأن ذلك انهزام أمام خطة خصوم القضية الطلابية، وهو مخالف للصدق والأمانة ومدمر للثقة.
الواقعية في المطالب والشعارات؛ لأنها دليل على المسئولية والصدق والقدرة على التخطيط.
رفض الارتجالية؛ لأن الجهود المبعثرة ضياع.
المشاركة المسئولة بتحكيم عقلية الواجب، فالمهمة التي على الطالب أن يتجند للقيام بها تفرض عليه أن يعتبر مطالبته بحقه تأتي في سياق تهيئ الشروط المادية والنفسية لأداء الآني والمستقبلي من واجباته.
التكافل بين الطلبة، بما فيه نصرة المظلوم وقسمة التضحيات والأرزاق.
ثانيا- الخط الدراسي العلمي:
فمهنة الطالب الأساسية طلب العلم، ولو كانت الظروف المحيطة بالعملية الدراسية لا تسمح بذلك فلا بد من مغالبة هذا الواقع؛ لأن التحصيل العلمي جهاد في حد ذاته، وللأسف قلما نجد طالبا نشيطا دعويا ومتفوقا دراسيا.
يقول أحد المتخصصين في العمل الطلابي الأستاذ أبو الشتاء: "إن الطالب النجيب في الدراسة وإن كان غير ذلك في دعوته مع الحفاظ على الحد الأدنى من السير الدعوي مع المؤمنين، إن لم تستفد منه الحركة الإسلامية اليوم فقد ينفعها مستقبلا، بعكس من يكون نقصه ظاهرا في دراسته فإن فشله لا قدر الله حتى إن ضمن عدم تساقطه من الصف فسيبقى الإحساس بذنب التفريط في حقه قائما".
ثالثا- الخط الثقافي:
إن العمل على الخط الثقافي هو إشاعة لمعاني النبل والرجولة لا المسخ والاستسلام، والثقافة هي عملية تربوية تعليمية تستهدف تغيير ذهنية الطالب على الأقل في الاتجاه الإيجابي.
رابعا- الخط الإعلامي:
لنقل القضايا الطلابية إلى الفضاء العام.
خامسا- الخط التربوي الدعوي:
هذا الخط هو الحبل الجامع لكل مستويات العمل السابقة، فالتربية استهلاك، والدعوة عطاء.
أزمة الحوار مع الإدارة
جانب من إحدى الندوات الطلابية
للأسف الشديد، فإن المتتبع لأسلوب الحوار بين الطلبة الإسلاميين والإدارة -رغم أنه أكثر تحسنا عما كان عليه سابقا- فإنه سيجد أن تلك من بين الثغرات التي تقسم ظهر الدعوة الطلابية، فما زال سائدا لدى بعض رموز الدعوة الطلابية الجفاء والقطيعة مع الإدارة دون تفصيل أو تمييز، فهذا الطالب محسن الخياري -امتنع عن التصريح بانتمائه- يقول: "الحوار مع الإدارة مضيعة للوقت وهو في الغالب لا يثمر نتائج إيجابية"!! ويضيف آخر: "كيف لنا أن نتعامل مع إدارة لم تكلف نفسها عناء الاستماع لنا ولمشكلاتنا المتراكمة والتي تئن لحملها الجبال، إن مقاطعتها هي الحل".
لكن ما معنى الإدارة لدى هؤلاء المقاطعين؟
الإدارة ليست شخصا واحدا، وإنما هي سياسة وتدبير، وليس كل الأشخاص سواء في الرؤية، يقول أحد الموظفين بإحدى كليات جامعة القنيطرة: "للأسف الشديد هذا التصرف المتطرف لدى بعض النشطاء الإسلاميين في التعامل معنا تصرف غير مبرر وغير منطقي، فنحن كذلك مسلمون ونأكل لقمة العيش، والظلم يمارس علينا جميعا، فما ذنبنا نحن؟؟".
إلا أن هناك رؤية أكثر تدقيقا في التعامل مع الدولة من خلال مختلف مؤسساتها الجامعية، والتي يعبر عنها الأستاذ حسن بناجح -كاتب عام لجنة التنسيق الوطنية لطلبة المغرب: "كنا دائما إيجابيين في التعامل مع الدولة، لكن مع كل أسف كانت هي بالمقابل دائما سلبية في معاملتنا، وكانت تتنكر لما ترفعه من شعارات حول حقوق الإنسان والديمقراطية، ونحن علمتنا التجارب المريرة وإخلاف الوعود تلو الوعود وحملات تصفية النشطاء من الطلبة بهمجية، أن نكون دائما متحفظين في الحكم على أحد، ونقول: إن الواقع والممارسة هما برهان صدق الشعار والنظرية".
الانتماء الحزبي وانعكاساته
إنك بمجرد ما تلج الحرم الجامعي ينتابك شعور بالتبعثر والتشتت، فههنا حلقة إسلامية، وأخرى إسلامية من لون مختلف، وأخرى يسارية، وجو مشحون بتواجد الحرس الجامعي، المعروف بالأواكس.
تحكي سمية شعيبي وهي طالبة جديدة عن شعورها الأول وهي تخطو أول خطوة داخل الساحة الجامعية: "لقد صدمت كثيرا وأنا أقف أشاهد تلك الحلقات الطلابية، كل بما لديه فرح، الكل ينشد الحرية، والكل يقول: إن الحق معه، لكن الأمر الذي زاد من اندهاشي هو أنهم متنافرون ولا يقبلون بالحوار فيما بينهم، فتساءلت مع نفسي: مع من أقف؟ لمن أسمع؟ كيف أختار؟".
ولكن ما حظ الإسلاميين واليساريين من هذا الواقع؟ وكيف يتعاملون فيما بينهم؟ وماذا ينشدون في ظل هذا الواقع المشحون؟؟
يقول الأستاذ حسن بناجح -الناطق الرسمي لفصيل طلبة العدل والإحسان أبرز فصيل إسلامي ناشط بجل الجامعات المغربية-: "إننا نرى أن الوحدة سلوك قبل أن تكون ميزة من ميزات الخطاب، أما الاكتفاء برفع شعار الوحدة قولا واتهام الآخر بأنه إقصائي وضد الوحدة فهذا في رأيي شكل مذموم من أشكال التعالي على الآخرين بحجة واهية ومبنية على أمجاد وشرعية تاريخية مزعومة.. وهذا شكل خاص من أشكال الميز العنصري ما زالت بعض الأطراف مع كل أسف تؤمن به وتتعامل من منطلقه مع الواقع".
وهذا هو ما عبر عنه الطالب منعم وحتى عضو اللجنة الوطنية للقطاع الطلابي الطليعي: "بادئ ذي بدء لا نحتاج لإعادة إنتاج موقف جديد من القوى المتأسلمة في الجامعة، فنحن نعتبرها شكلا من أشكال الحظر العملي على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، ويضيف حول الحل للخروج من هذا الواقع: "قد كنا دائما سباقين إلى طرح أجوبة عن أزمة الاتحاد الوطني، ونجدد الدعوة إلى كافة الفصائل الطلابية التاريخية إلى إعادة إحياء الحوار الفصائلي الوطني على منطلقات بنائية".
ويعلق مصطفى الخلفي -مسئول سابق لفصيل طلبة الوحدة والتواصل الإسلامي-: "أعتبر أن وسم مجموعة من الفصائل بهذا النعت، أي أنها تاريخية، هي لغة قد عفا عنها الزمن، سمعناها في نهاية الثمانينيات في الوقت الذي كانت فيه بعض الفصائل لم يتجاوز عمرها العقد، الآن لقد مر أكثر من العقد على تواجد الإسلاميين داخل الجامعة ولهذا فالكل أصبح ابن تاريخ الحركة الطلابية".
وهكذا فاليساريون يتهمون الإسلاميين إما بالعنف والإقصاء أو أنهم غير شرعيين، في حين أن الإسلاميين ينكرون ذلك، ويؤكدون على أنهم كانوا دائما أصحاب مبادرات تدعو للحوار وفتح صفحة جديدة وطي الماضي الذي شهد أحداثا دموية كان اليسار سباقا لممارستها من خلال محاربته لأي شكل من أشكال الانتماء الإسلامي.
وإن كانت هناك بعض النقاط لم تسوَّ بين الإسلاميين فيما بينهم، إلا أنه في السنوات الأخيرة شهدت الساحة الجامعية مجموعة من الأنشطة المشتركة خاصة بين فصيلي طلبة العدل والإحسان وبين فصيل طلبة الوحدة والتواصل.
معوقات على الطريق
إن أهم المعوقات التي تقف أمام الدعوة الطلابية يمكن حصرها فيما هو موضوعي وما هو ذاتي:
معوقات الدعوة الذاتية:
الخجل، وهو غير الحياء.
التسويف، وهو إرجاء عمل اليوم إلى الغد والمماطلة في الاتصال بالطلبة.
عدم الثقة في النفس.
المبالغة في الاهتمام بالدراسة على حساب الدعوة إلى الله، أو العكس.
الاجتهادات الفردية بدل المؤسساتية.
معوقات الدعوة الموضوعية:
تعنت الإدارة والمضايقات التي تمارس على أنشطة الإسلاميين.
جو الميوعة الذي أصبح سائدا في جل المؤسسات الجامعية.
قلة التجربة والتكوين في تقنيات الدعوة.
ضعف الإمكانات المتاحة.
واقع التشتت الذي تعرفه معظم الجامعات المغربية.
موسمية العمل الدعوي في الوسط الجامعي.
وبالتالي فإن معالجة تلك العوائق تكون بضدها وتجاوزها، ثم بإنشاء مجالس تكوينية لعينات من الطلبة، ممن تظهر فيهم سمات القدرة على الحركة والمتابعة، والاستفادة من ذوي الخبرة والتجربة، هذا إلى جانب الالتزام بالوسائل الدعوية التي يمكن الإبداع فيها، حسب الظرف والزمان والمكان.
كما لا بد للطالب الداعية أن يتصف بمواصفات القوة، سواء من خلال تحصيل الحد الأدنى من العلم الشرعي والعلم الكوني، أو من خلال التمرس على آليات وتقنيات الدعوة من فصاحة وبشاشة وتواضع ولين، وكذلك لا بد أن يكون له حظ من الليل، وقراءة القرآن، والذكر، والتحصن بالوضوء، وغض البصر، وتجديد النية، وحسن الظن بالناس مهما بدر منهم، فلا شك أن لها جوانب مشرقة يمكن الاستفادة منها.
وعلى المستوى السلوكي، على الطالب الداعية أن يكون خطابه خطابا إسلاميا واضحا، مبشرا غير منفر، وأن يكون مظهره مناسبا للوسط الثقافي الذي هو فيه.