إخوانى وأخواتى الاعزاء
مــاهـيـة الـتـعـريب - الأستاذ/ إدريس بن الحسن العلمي ( الرئيس سابقا لمصلحة التعريب التابعة لمكتب المراقبة والتصدير بالدار البيضاء الخبير في اللغة والتعريب لدى المكتب الدائم لتنسيق التعريب بالرباط وأحد رواد حركة التعريب بالمغرب كاتب وشاعرمفهوم التعريب ) :
التعريب كلمة تعددت دلالاتها، واختلفت تحديداتها على ممر العصور، باختلاف الزمان، والمكان، والإنسان. فمدلولها عند اللغويين القدامى يختلف عن مدلولها عند المحدثين، وهو عند المشارقة غيره عند المغاربة، وقد اختلف قبلهم في تعريفها اللغويون الأولون فيما بينهم كما يتضح من هذا البحث.
" التعريب " عند القدامى
عند الجوهري العلامة اللغوي : " التعريب هو أن تتكلم العرب بالكلمة الأعجمية على نهجها وأسلوبها ". أما عند سيبويه النحوي المشهور : " التعريب هو أن تتكلم العرب بالكلمة الأعجمية مطلقا، فهم تارة يلحقونها بأبنية كلامهم، وطورا لا يلحقونها بها ".
فإن سرنا على منهج الجوهري ينبغي أن نقول في تعريب كلمة Pasteurisation مثلا البَسْـتَرَة مثلما فعل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأن نقول في تعريب كلمة appertisation الأَبْرَتَة كما فعلنا سيرا على نهج المجمع المذكور. فلفظ appertisation مشتق من اسم Appert العالم الذي أوجد طريقة لتصبير المعلبات كما أن Pasteurisation مشتق من اسم العالم Pasteur الذي اكتشف طريقة للتعقيم.
فعلى سبيل المثال لا يسوغ لنا حسب الجوهري إلا أن نقول لتعريب هذين المصطلحين البسترة والأبرتة ولا يجوز لنا بحال أن نقول باستوريزاسيون وأبيرتيزاسيون.
أما سيبويه فإنه يجيزهما معا. ففي رأيه يصح أن نقول : البسترة أو الباستوريزاسيون والأبرتة أو الأبيرتيزاسيون كليهما على حد سواء.
وينبغي أن نلاحظ أن التعريب على مذهب الجوهري له مزية كبرى ليست للتعريب على مذهب سيبويه. وهذه المزية تتلخص في إمكان الاشتقاق من اللفظ المعرب ما يشتق من أي لفظ عربي. ففي وسعنا مثلا أن نشتق من لفظ البَسْـتَرَة جميع الأفعال فنقول في الماضي بَسْـتَرَ للمفرد المذكر، ونقول في الجمع بَسْـتَرُوا وللمؤنث بَسْتَرَتْ وَبَسْتَرْنَ وفي الأمر بَسْتِرْ وَبَسْتِرِي وَبَسْتِرُوا وَبَسْتِرْنَ وفي المضارع يُبَسْتِرُ وَيُبَسْتِرَانِ وَيُبَسْتِرُونَ وَتُبَسْتِرُ وَتُبَسْتِرَانِ وَيُبَسْـتِرْنَ. ونقول في اسم الفاعل مُبَسْتِر وَمُبَسْتِرَانِ وَمُبَسْتِرُونَ وَمُبَسْتِرَة وَمُبَسْـتِرَتَانِ وَمُبَسْـتِرَات. وفي اسم المفعول مُبَسْتَر وَمُبَسْـتَرَة ومُبَسْتَرَات. وفي النسبة إلى المصدر بَسْـتَرِيُّ. وفي صيغة المطاوعة للمذكر تَبَسْتَرَ وتَبَسْتَرَتْ للمؤنث. وفي اسم الفاعل مُتَبَسْـتِر ومُتَبَسْـتِرَة. وفي صيغة الحرفة بَسْـتَار على وزن بَيْطَار وفي النسبة إليه بَسْـتَارِيّ. وفي العدد من اسم المرّة بَسْتَرَات وفي اسم الآلة التي يبستر بها مِبَسْـتَرة وفي اسم المكان مَبَسْتَر إلخ... وكل هذا لا يتأتى مع لفظ باستوريزاسيون المعرب على طريقة سيبويه.
يقول الشيخ عبد القادر بن مصطفى المغربي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة : " على أننا مهما استحسنا رأي سيبويه في عدم اشتراطه رد الكلمة المعربة إلى مناهج اللغة وأوزانها، ينبغي أن نقف من تسامحه عند حد محدود، وإلا تكاثرت الكلمات الأعجمية ذات الأوزان المختلفة والصيغ المتباينة في لغتنا الفصحى وخرجت على تمادي الأيام بذلك عن صورتها وشكلها، وعادت لغة خلاسية لا عربية ولا أعجمية".
ولقد سار على نهج سيبويه ثلة من اللغويين منهم الخفاجي وابن سيده صاحب المخصص المعجم التصنيفي. وممن ذهب مذهب الجوهري الإمام اللغوي محمد مرتضى الزبيدي مؤلف تاج العروس من جواهر القاموس فأورد ضمن شرحه المستفيض لكلمة التعريب في معجمه المذكور الذي يعد من أكبر وأهم معاجم اللغة العربية : " ... وتعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على منهاجها ". ووافقه على هذا الشرح " المعجم الوسيط" الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة عند شرحه هذا اللفظ بقوله : " التعريب : صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبي إلى اللغة العربية ".
وأكد المجمع هذا المعنى في قراره السادس من مجموعة قراراته العلمية ونصه : " يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية - عند الضرورة - على طريقة العرب في تعريبهم ".
ونص الجواليقي على " أن المعربات أعجمية باعتبار الأصل، عربية باعتبار الحال". وتبعه على ذلك الإمام ابن الجوزي وغيره " بأن الكلمات الأعجمية التي وقعت للعرب فعربوها بألسنتهم، وحولوها عن لفظ العجم إلى ألفاظهم، تصبح عربية، فيجري عليها من الأحكام، ما يجري على تلك، تتوارد عليها علامات الإعراب إلا في بعض الأحوال، وتعرف بـ " الــ "، ويضاف إليها، وتثنى، وتجمع، وتذكر، وتؤنث".
وذكر الأستاذ محمد بن تاويت في مقال بعنوان " مظاهر التعريب " نشر في العدد العاشر من مجلة " اللسان العربي " : " إن العربي كان إذا جلب كلمة، أو جلبت له، يستغني بإلباسها لباسه العربي، ولو بغطاء الرأس، أو الحذاء، جاءته كلمة " كروان " بمعنى القافلة فقال فيها [قروان] وغطى رأسها بالألف واللام فأصبحت القروان والقيروان، وبذلك صارت الكلمة تتمتع بكل الحقوق التي تتمتع بها الكلمة العربية في إعرابها، فلا تمتنع من الصرف لعلة العجمة ".
" وسمع النبي صلى الله عليه وسلم، من سلمان الفارسي، كلمة " خندق " فاستفسره عن معناها، وهي اسم مفعول من " كنده " الفارسي، بمعنى الحفر، فكانت " كنده " وعربت بأن أبدلت الهاء - التي لا تنطق - قافا فصارت " خندق ". فتقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأنف من استعمالها، بل اشتق منها " خَنْدِقُوا " فسميت الغزوة بغزوة الخندق ".
وقبل أن ننتقل إلى تحديد معنى التعريب عند المحدثين، نرى لزاما علينا تلافيا لكل التباس أن نميز بين طرائق التعريب المختلفة ومن أجل ذلك سمحنا لأنفسنا بأن نطلق على طريقة التعريب عند الجوهري اسم التعريب الاقتباسي الصياغي، وعلى طريقة سيبويه التعريب الاقتباسي الصوتي. وزيادة في الإيضاح إذا عربنا كلمة "télévision " بـ تلفزة، على مذهب الجوهري، فهذا نسميه التعريب الاقتباسي الصياغي، فإذا ما نحن عربناها بـ تيليفيزيون سمينا تعريبنا هذا التعريب الاقتباسي الصوتي. ومما تجدر ملاحظته أن التعريبين يندرجان معا تحت اسم التعريب الاقتباسي. ومن هنا نقرر أن العرب في القديم لم تكن تعني بكلمة التعريب سوى التعريب الاقتباسي.
أما التعريب بمفهومه الشائع في أيامنا هذه، وهو إيجاد كلمة عربية الأصل لمقابلة لفظ أعجمي، فهذا نسميه التعريب الوضعي كما نسمي طريقة التعريب التي تجمع المذاهب الثلاثة على الإطلاق ويشملها الالتزام باتباع أي منها وفقا لما هو الأنسب وحسبما تقتضيه الضرورة، نسميها التعريب الشمولي.
وتتلخص هذه الطريقة فيما قاله أحمد فتحي باشا زغلول في سنة 1908 : " إذا عرض لنا لفظ أعجمي ترجمناه إلى اللغة العربية، وإذا تعذر لنا هذا اشتققنا له اسما من لغتنا، وإذا لم يتيسر جئنا بكلمة عربية، وأطلقناها عليه بضرب من التجوز، وإذا تعذر هذا عربناه (ويعني بـ " التعريب " التعريب الاقتباسي) وأدمجناه في تراكيب كلامنا ".
" التعريب " عند المحدثين
جاء في مقال للدكتور محمد السويسي : " ... هذا اللفظ (التعريب) يفيد في اللغة الإيضاح والتبيين، وفي الاصطلاح يطلق على مدلولين مختلفين : الأول إدخال اللفظ الأعجمي ضمن المعجم العربي، فيصقل ويصاغ في قوالب الأوزان العربية ويمكن من القبول لأبنيتها والخضوع لمقاييسها وقواعدها، فيشتق منه على الطريقة التي بها يشتق من اللفظ العربي الصميم ".
" المعنى الثاني، وقد شاع بيننا في السنوات الأخيرة، وهو إيجاد مقابلات عربية للألفاظ الأعجمية، حتى تصير العربية الفصحى وحدها هي لغة الكتابة والتدريس والإعلام، تستخدم في المدرسة والجامعة، وتستعمل في الدار والسوق وفي الصحافة والإذاعة ".
فيما قبل منتصف القرن العشرين
فيما قبل منتصف القرن العشرين، كان "التعريب" لا يعني سوى ما أطلقنا عليه "التعريب الاقتباسي" وكان الخلاف على أشده، في مطلع هذا القرن، بين أنصار "التعريب الاقتباسي" وأنصار "التعريب الوضعي" أما "التعريب" بمعناه الشائع عندنا اليوم في المغرب على الأخص، والذي أطلقنا عليه اسم " التعريب الشمولي" فلم يكن يستعمل عند المشارقة حينذاك بهذا المعنى، أما ما سميناه "التعريب الوضعي" فكان يعرف عندهم بلفظ "الترجمة".
ويحكي لنا عن هذا الخلاف الشيخ عبد القادر المغربي بقوله في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه " الاشتقاق والتعريب " :
" أما السبب المباشر في حملي على تأليف الكتاب فهو ما كان يسمعنيه إخواني من العتب في استعمال كلمات من المعرب، والدخيل، في مقالاتي التي كنت أنشرها في "المؤيد" بين سنتي 1906 و1909 وكنت لا أرى رأيهم في أن القليل من هذه الكلمات يفسد المقال الطويل بعد أن تتوفر فيه سائر صفات الحسن.
وكان يحتدم الجدل بيني وبينهم حتى تخطى الجدل القول إلى الكتابة في الصحف.
ثم رأى أساتذة اللغة في مصر يومئذ أنه لا ينبغي أن يكتفى في حل هذه المشكلة بما يكتبه الكتاب في الصحف، ويتحدث المتحدثون في المحافل، فإن الأمر أعظم من ذلك، وأن الواجب أن يلجأ في الفصل لهذه القضية، إلى تنظيم الجدل، وتوجيه العمل.
وعقدت مناظرات في (نادي العلوم) تحت رئاسة كبير أدباء عصره، حفني بك ناصف.
فقامت المناظرات المنظمة على قدم وساق، بين أساطين الأدب، وأساتذة اللغة : حفني ناصف، والشيخ شاويش، والخضري والأسكندري وأحمد زكي وأخيرا أحمد فتحي زغلول.
وكان ختام المناظرات مناظرة عقدت مساء 20 فبراير عام 1908، خطب فيها طائفة ممن ذكرنا، واحتاج الأمر إلى حكم يحكم بينهم، فكان ذلك الحكم المرضي الحكومة، والمتفق عليه من الجميع : أحمد فتحي باشا. فألقى كلمة قطع بها قول كل خطيب...".
وخلاصة ما قال هو ما نصصنا عليه ضمن تحديد " التعريب الشمولي " وهذه الطريقة هي التي سار عليها مجمع اللغة العربية بالقاهرة حتى الآن
ومن رأي أحمد بك زكي : " أن ما يعانيه المترجمون من صعوبة ترجمة الكلمات الأعجمية إلى العربية، يستدعي الجري على قاعدة [الباب المفتوح] في اللغة، كما يجرون عليه اليوم في السياسة ". ثم شرط لفتح الباب أن يكون عليه من الحراس الأكفاء ما يحول دون دخول أي كلمة كانت.
يشير بذلك إلى المجمع اللغوي الذي تكون وظيفته تمحيص تلك الألفاظ الدخيلة وعدم السماح لها بالدخول في بنية اللغة ما لم تشذب وتهذب.
التعريب منذ بداية الستينات
لعل مدلول التعريب بمعناه الشمولي أول ما عرف، عُرف في المغرب الأقصى بعد تأسيس " المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي " في 3 أبريل 1961. ثم أخذ هذا المعنى يستقر شيئا فشيئا، في أذهان المشارقة الذين ظلوا مع ذلك، وإلى جانب ذلك، يستعملون لفظ الترجمة يعنون به ما أطلقنا عليه اسم التعريب الوضعي، ويستعملون لفظ التعريب يَعنون به التعريب الاقتباسي بنوعيه الصوتي والصياغي
ولئن كان المكتب الدائم لتنيسق التعريب في الوطن العربي جرى في مفهوم التعريب على مدلول التعريب الشمولي، فإن المعهد الوطني للأبحاث والتعريب بالرباط الذي سبقه إلى الوجود، سار على مفهوم التعريب الوضعي الذي بقي إلى حين يتحمس له كل الحماس، ولا يقبل فيه الانصياع إلى ما قررته المجامع اللغوية، ولا إلى ما انعقد عليه الإجماع في كل البلاد العربية.
ولما راج استعمال مدلول التعريب الشمولي في المشرق العربي، أضاف المشارقة إليه ما ليس منه : فأطلقوه حتى على مجرد الترجمة إلى العربية.
وهكذا أصبحنا نقرأ على أغلفة الكتب، من روايات وقصص وغيرها، عبارة " تعريب فلان " أو " عربه فلان " بدلا من " ترجمه فلان " أو" ترجمة فلان "، أو " نقله فلان إلى العربية ".
ونظرا لما أحدثه هذا الإطلاق الأخير من بلبلة في الأذهان، وإبهام في مفهوم التعريب عند الجمهور من غير المعربين المتخصصين، ارتأينا من المفيد أن نوضح الفارق بين الترجمة والتعريب.بين الترجمة والتعريب
إن مفهوم التعريب الذي أجمع عليه أخيرا المشتغلون بعملية التعريب هو إيجاد مقابل عربي للفظ أعجمي لم يكن له ولم يعرف له مقابل عربي من قبل.
وإن كان هناك خلاف أحيانا فهو في الطريقة التي يتم عليها هذا الإيجاد. فهل يتم عن طريق الوضع بالاشتقاق أم المجاز أم النحت أم عن طريق التعريب الاقتباسي بنوعيه : الصياغي والصوتي أو ببعث المقابل العربي من مدفنه في بطون الكتب القديمة المتخصصة إن كان معناه معروفا عند العرب الأوائل من قبل. فنحن مثلا عندما نجعل قبالة لفظ "médecin" الطبيب أو عندما نجعل لفظ المريض قبالة "le malade" أو الدواء قبالة "le médicament" فإننا لم نزد على أن ترجمنا هذه الألفاظ.
لكن عندما جعل مجمع اللغة العربية كلمة " سيارة " قبالة لفظ "automobile" فقد عرب هذا اللفظ الأعجمي إذ أوجد له مقابلا عربيا لم يكن معروفا بمعناه من قبل لا عند القدماء ولا عند المحدثين.
لكننا عندما نستعمل نحن لفظ " سيارة " الذي اقتبسه المجمع لا نكون عربناه، بل ترجمناه، والذي عربه هو الذي أوجد له المقابل أو دل عليه وهو المجمع.
ومثل ذلك يمكننا أن نقول بصدد البسترة pasteurisation و"الأبرتة" appertisation والتلفزة la télévision فلفظ " سيارة " يعني في المعاجم العربية " القافلة ". و" السيارة " : القوم يسيرون، أنثت على معنى الرفقة والجماعة.
وورد هذا المعنى الأخير في سورة يوسف من القرآن الكريم : )قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين(. وبهذا المعنى يكون المجمع استعمل لفظ " سيارة " على سبيل المجاز. ويجوز أن يكون استعمله على سبيل الحقيقة بمعنى " الكثيرة السير " بوصفه صيغة للمبالغة التي تأتي على وزن "فَعَّال" و" فَعَّالة " كما يجوز استعماله على صيغة الآلة مثل " ثَلاَّجة " و" سَمَّاعة " و" حَصَّادة". ومهما يكن فإن المجمع قد وفق كل التوفيق في هذا التعريب.عندما نطمس عبقرية اللغة أو لا اتزان إلا بالأوزان
مَثَـلُ لغةِ الضاد مع أبنائها كمثل أعظم بطل عالمي في السباق، عمد قومه إلى يديه فأوثقوهما من خلف، ثم أنحوا عليه باللائمة لأنه لم يكن مبرزا في المباراة ؛ ثمَّ قيّدوا يديه مع رجليه وأنبوه على عدم ولوجه حلبة السباق.
لقد كثر منذ مطلع هذا القرن الذي أشرف على الانصرام - النحيب والتحسر والشكوى من تخلف لغة العروبة، و"قصورها" عن أداء ما استجدّ وما يستجدّ من مفاهيم ومصطلحات علمية، وتقنية، وفنية، وحضارية. وخاض الخائضون في تعليل "القصور" و"الضعف"، وذهبوا في تعليلاتهم كل مذهب، حتّى أنّ بعضهم لم يتردّدوا في اتّهام بنْية اللغة العربية نفسها، وندبوا حظّها لكونها " تنقصها " القابلية "للزوائد" (Les affixes) بما فيها "الصدور" (Les préfixes) و"الأواسط" (Les infixes) و"الكواسع" (Les suffixes) جازمين بأن مشكلة لغة الضاد الكبرى هي "افتقارها" لهذه الزوائد مع عدم قابليتها لها "لسوء حظها" وأنّ على أبنائها أن ينكبّوا على معالجة هذا "النقص" إن كانوا يريدون للغتهم مجاراة غيرها من لغات الدول المتقدمة التي ما كانت لتتطور وتساير التقدم العلمي والحضاري لولا اتخاذها تلك "الزوائد".
لكنّ أولئك "الناصحين" جهلوا، أو تجاهلوا، أو على أحسن تقدير، غفلوا عن أنّ الله قد أنعم على لغة القرآن بما لم ينعم به على أي لغة، فحباها ميزة أعظم وأكمل وأشمل وأجمل وأوفى بالتعبير عن الغرض وعن القصد من ميزة "الصدور" و"الأواسط" و"الكواسع" ميزة تتصل ببنية اللغة نفسها : ألا وهي الأوزان اللفظية، الدالّ كل وزن منها على غرض أو أغراض معيّنة.
فللدلالة على كل من الآلة ومكان الفعل، ومسبب الفعل، والمرض، والمرة من الفعل، والهيئة، والحرفة، والمحترف، والمبالغة، والفاعلية، والمفعولية، والكثرة، والقلة، والقابلية، والمطاوعة، والاشتراك في الفعل، وأسماء الألوان، وأسماء العاهات والمعايب الخلقية، والنفايات الخ... فللدلالة على كل غرض من هذه الأغراض وغيرها وزن خاص أو عدد محدود من أوزان معيّنة.
وقد أوصل اللغويون عدد هذه الأوزان إلى ألف ومائتين وعشرة (1210).
وهذه الأوزان هي أشبه ما يكون بقوالب المصانع التي تصب فيها مادة الإنتاج فتصوغ لك منتجات على أشكالها وحجومها.
فقوالب الأوزان تصبّ فيها المادة اللفظية فتعطيك ما أنت راغب فيه من ألفاظ سائغة، جزلة، دقيقة المعنى.
وأنت لا تحتاج معها إلى مصنع ولا إلى آلة ولا إلى مجمع لغوي، يكفي أن تكون لديك مادة تتكون من ثلاثة حروف لتحصل على اللفظ الذي ترغب فيه, وهي ميسورة الاستعمال، وفي متناول كل عربي.
فكم من لفظ صاغه رجل الشارع العربي بسليقته على صيغة وزن من هذه الأوزان فشاع وذاع وتناولته أقلام الكتّاب وألسنة المذيعين من أمثال "ثلاجة" و"غسّالة" و"حصّادة" الخ...
فالمشكلة الكبرى التي تعترض بنت عدنان هي إعراض كثير من الممارسين عمل التعريب عن توظيف كل الأوزان التي تدعو الحاجة إلى توظيفها. وذلك يتجلى بوضوح في الكثير ممّا عربوه أو ترجموه من مصطلحات في مختلف المجالات.
في كل وزن من تلك الأوزان تكمن قوة للدفع باللغة. فعندما نتخلّى عن استعمال هذه الأوزان للأغراض المجعولة لها فإننا نعطّل قوتها ثم نقيم مأتما للبكاء على "ضعفها" و"قصورها" و"تخلفها".
إننا لا ننكر الجهود المبذولة في هذا السبيل من لدن بعض الهيئات من أمثال مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي بالرباط ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي ببغداد، كما لا ننكر جهود بعض رواد تعريب المصطلحات العلمية من أمثال الدكتور محمد صلاح الدين الكواكبي، والأمير مصطفى الشهابي والدكتور محمود الجليلي، بيد أن تلك المنجزات وغيرها مما لم نشر إليه - مع نفاستها - ليست سوى بصيص في حالك من ظلمة لن تنقشع إلا بإحداث منهجية اشتقاقية تأليفية دراسية، لنا إلمام بها في ختام هذا البحث.
ونحن في هذه العجالة إنما نريد الإشارة إلى بعض الثغرات التي تحصل في عمل التعريب من جرّاء إعراضنا عن توظيف "الأوزان" تلك الطاقة الخلّاقة في لغة الضاد. فنسوق بعض الأمثلة التي تشخّص تهافت عمل التعريب الذي يتجاهل وجودها.
فمن هذه الأوزان التي تشتدّ الحاجة إليها في تعريب المصطلحات العلمية والحضارية وزن " مَفْعَلَة " بفتح الميم والعين، على وزن "مَرْتَبَة" و"مدرسة".مَـفْـعَـلَـة
أكثر ما يستعمل وزن " مَفْعَلَة " لثلاثة أغراض :
لِإِفَادةِ معنى مُسبِّب الشيء، أو مُكَوِّن الشيء أو مُنْشِئِ الشيء، أو مُوَلِّد الشيء، ونسمي في هذا البحث " مَفْعَلَة " الدالّة على هذا المعنى بِـ "مَفْعَلَة السَّبَبِيّة".
ِلإِفَادَةِ معنى المكان الذي يكثر فيه الشيء، ونسميها "مَفْعَلَة المكانية"
لِإِفادة مجرّدِ المصدر الميمي، ونسمّيها "مَفْعَلَة المصدرية"، وهذه الأخيرة لا تهمنا في هذا البحث.مَـفْـعَـلـة الـسَّـبَـبِيـة
من أمثال العرب "الولَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ" أي يُسَبِّبُ البخل، ويُسبِّب الجبن لوالديه.
جاء في معجم " لسان العرب " ِلابْنِ منظور في مادة "بخل" :
" المَبْخَلَةُ : الشيءُ الذي يحملك على البخل. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " الوَلَدُ مَجْبَنَةٌ، مَجْهَلَةٌ، مَبْخَلَةٌ "هو مِنَ البخل، ومَظَـنَّةٌ لِأَنْ يحمل أبويه على البخل ". هـ
وأورد نفس المعجم في مادة "هرم" عند كلامه على لفظ " مَهْرَمَة " الحديث النبوي التالي : " ترك العشاء مَهْرَمَة " أي مَظَنَّةٌ للهرم. قال القتبي : " هذه الكلمة جارية على ألْسِنة الناس قال : ولست أدري أرسول الله ابتدأها أم كانت تقال قبله " هـ.
وروى الترمذي وأحمد والحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بقيام الليل فإنّه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم ومَكْفَرَةٌ للسيئات، ومَنْهَاةٌ لِلإِثم" وفي رواية : "ومَطْرَدَة للدّاءِ عن الجسد".
وروى البخاري والشافعي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" السواك مَطْهَرةٌ لِلْفَم، مَرْضاة للربّ". وشرح مؤلف كتاب "التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول" (الذي اقتبسنا منه هذا الحديث) كلمة " مَرْضاة " بقوله : " أي سبب في رضاه ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نَوْمَةُ الصبحة مَعْجَزَةٌ، مَنْفَخَةٌ، مَكْسَلَةٌ، مَوْرَمَةٌ، مَفْشَلَةٌ، مَنْسَأَةٌ للحاجة " : أي أنّها تسبّب العجز والنفخ للجسد، وتسبّب الكسل، وتكوّن الورم، وتسبّب الفشل، وتسبّب نَسْءَ الحاجة، أي تأخيرها .
فوزن " مَفْعَلَة " بهذه الدلالة، له مجال واسع للاستعمال في تعريب المصطلحات العلمية وخصوصاً في اصطلاح الطب واصطلاح الكيمياء.
بيد أنّنا لا نجد لوزن " مَفْعَلَة " أثراً في " المعجم الطبي الموحَّد " (الانكليزي -العربي- الفرنسي. الطبعة الثالثة) الذي أصدره " اتّحاد الأطباء العرب " في السنة 1983، بل نجد في مظانّ " مَفْعلة " من المعجم فراغا اصطلاحيا شغلته شروح للمصطلحات الأعجمية. فقبالة المصطلح الأعجمي لا نجد مقابلا عربيا يصحّ أن يكون مصطلحا، بل نجد أحد الشروح التالية : " مكوّن كذا " أو " مولّد كذا " أو " منشئ كذا " أو " محدث كذا " فالجمهور العربي ينتظر من المشتغلين بالتعريب أن يمدّوه بمصطلحات، لا بشروح للمصطلحات. فشروح المصطلحات الأعجمية تتكفل بها المعاجم الأعجمية المختصة على نحو أفضل وأوسع وأكمل.
فعندما نبحث - مثلا- في " المعجم الطبي الموحد " عن المصطلح Adipogène نجد قبالته بالعربية : "مكوّن الشحم". فلو أن مؤلفي المعجم أفسحوا المجال لوزن " مَفْعَلَة " لوضعوا قبالة المصطلح الأعجمي adipogène كلمة "مَشْحَمَة" بدلاً من "مكوّن الشحم"، ولوضعوا قبالة المصطلح Ostéogène كلمة "مَعْظَمَة" بدلاً من "مكوّن العظم"، ولوضعوا قبالة Neurogène كلمة "مَعْصَبة" بدلاً من "مكوّن للعصب" ولوضعوا قبالة Ovigène كلمة "مَبْيَضة" بدلاً من "مكون البيضة" ولوضعوا قبالة Toxicogène و Toxogèneكلمة "مَسَمَّة" بدلا من "مولد السم"، ولوضعوا قبالة Acidogène كلمة "مَحْمَضَة" بدلا من "مولّد الحمض" ولوضعوا قبالة Erythrogène كلمة "مَحْمَرَة" بدلا من "منشئ الحمر"، ولوضعوا قبالة Goitrogène كلمة "مَدْرَقَة" بدلا من "محدث الدراق"، ولوضعوا قبالة Asthmogène كلمة "مَرْبَوَة" بدلا من "مولد الربو"، ولوضعوا قبالة Nephrogèneكلمة "مَكْلَوَة" أو "مَكْلَاةٌ" بدلا من "مكون الكلوة"، ولوضعوا قبالة Thermogène كلمة "مَحَرَّة" بدلا من "مولد الحرارة" ولوضعوا قبالة Androgène كلمة "مَذْكَرَة" بدلا من "أندروجين"، ولوضعوا قبالة Calorigène كلمة "مَحْرَرَة" بدلا من "مولد الحرور"، ولوضعوا قبالة Cétogèneكلمة "مَكْتَنَة"، بدلا من "مولد الكيتون". إن المعجم لم يمتنع من وضع مصطلحات على وزن "مفعلة" فحسب، بل إنه أوصد دفتيه في وجه المصطلح "مَوْرَمَة" الذي هو على وزن " مفعلة "، والوارد في الحديث النبوي الذي أسلفناه، والذي يعني "مكون الورم". فالمعجم قابل المصطلح الأعجمي Oncogèneبالعبارتين التاليتين :
مكون الورم
وَرَمِيُّ المنشأ.
فالمصطلح "مَوْرَمَة" لفظ متأصل في لغة الضاد منذ أن كانت للعرب لغة, ثم هو وارد في كلام أبلغ البلغاء، وأفصح الفصحاء سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من وضع مجمع لغوي، ولا هيئة تعريبية حتى يكون لمؤلفي المعجم الخيار في قبوله أو رفضه، بل هو يفرض وجوده في الاصطلاح الطبي قبالة Oncogène في معناه "مكون الورم" بنفس القوة التي يفرض بها لفظ "الطب" وجوده قبالة لفظ La médecine ."افتعال" للالتهاب
نجد في "مجموعة قرارات مجمع اللغة العربية" بالقاهرة القرار التالي :
" لا مانع من أن تكون صيغة "الافتعال" مشتقة من العضو، قياسية، بمعنى المطاوعة للإصابة بالالتهاب ".
جل الأمراض الالتهابية في الاصطلاح الطبي الأعجمي تنتهي بالكاسعة -ite في اللغة الفرنسية، و-itis في الإنجليزية, أورد منها "المعجم الطبي الموحد" ثلاثمائة وتسعة (309)، وقابلها كلها بكلمة "التهاب" مضافة إلى إسم العضو المصاب.
ولا نجد من بينها مرضا واحدا جاء إسمه العربي على صيغة "افتعال" مشتقة من إسم العضو المصاب طبقا لقرار "مجمع اللغة" الموقر, فما الذي يمنع مؤلفي المعجم أن يطبقوا قرار المجمع فيضعوا -مثلا- قبالة gastrite كلمة "امْتِعَاد" بدلا من "التهاب المعدة" وأن يضعوا قبالة Hépatite كلمة "اكْتِبَاد" بدلا من "التهاب الكبد" وقبالة Cardite كلمة "اقْتِلَاب" بدلا من التهاب القلب، وقبالة adénite كلمة "اغْتِدَاد" بدلا من "التهاب الغدة"، وقبالة glossite كلمة "الْتِسَان" بدلا من "التهاب اللسان"، وقبالة dermatite كلمة" اجْتِلَاد" بدلا من "التهاب الجلد" وقبالةblépharite كلمة "اجْتِفَان" بدلا من "التهاب الجفن" إلخ..
فهذه العبارات التي أثبتها المعجم قبالة المصطلحات الأعجمية المتكونة من مفردات هي كما أسلفنا القول ليست بمصطلحات وإنما هي شروح للمصطلحات,وهذا الأسلوب في التعريب لا يسمن ولا يغني من جوع, ثم هو يحكم على اللغة العربية بالتخلف في ميدان الاصطلاح العلمي, ولقد سبق لنا أن نشرنا في العدد السادس من مجلة "اللسان العربي" الصادر في سنة 1969 مجموعة مما قمنا بتعريبه على وزن "افتعال" من هذه الفئة من المصطلحات الدالة على الالتهاب والمنتهية بالكاسعة -ite طبقا لقرار المجمع الموقر.وزن " تَفْعَالٌ " قبالة الصدر Hyper
من القرارات اللغوية التي اتخذها كذلك "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة جزاه الله خيرا، القراران التاليان :
" تصح صياغة "التفعال" للمبالغة والتكثير مما ورد فيه فعل، طوعا لما أقره المجمع في دورته العاشرة، من صوغ مصدر من الفعل على وزن (التفعال) للدلالة على الكثرة والمبالغة، وكذلك تصح صياغته مما لم يرد فيه فعل طوعا لما أقره المجمع في دورته الأولى، من جواز الاشتقاق من أسماء الأعيان للضرورة في لغة العلوم."
في ترجمة المصطلحات الأجنبية المبدوأَة بالصدر Hyper تستعمل كلمة "فرط" مقابلة له، والمبدوأَة بالصدر Hypo تستعمل في مقابلة كلمة "هبط".
فجرى (المعجم الطبي الموحد) على منوال القرار الثاني للمجمع، وجرى الدكتور محمود الجليلي، عضو "المجمع العلمي العراقي" على منوال القرار الأول، فجاءت مصطلحات (المعجم الطبي الموحد) بمثابة شروح لمصطلحات الدكتور الجليلي المنشورة في الجزء الثاني من العدد الرابع والثلاثين من "مجلة المجمع العلمي العراقي" كما سيلاحظ القارئ من المقارنة التالية :
+
----
-
مصطلح الدكتور الجليلي
مصطلح المعجم الطبي الموحد
المصطلح الأعجمي
تَحْمَاض
فرط الحموضة
Hyperacidité
تَنْشاط
فرط النشاط
Hyperactivité
تَأْلاَم
فرط التألم
Hyperalgésie-Hyperalgie
تَقْرَان
فرط التقرن
Hyperkératose
تَحْراك
فرط الحراك
Hypercinésie
تَدْهان الدم
فرط دهن الدم
Hyperlipémie
تَصْباغ
فرط التصبغ
Hyperpigmentation
تَنْساج
فرط التنسج، تزيد
Hyperplasie
تَفْراز
فرط الإفراز
Hypersécrétion
تَحْساس
فرط الإحساس
Hypersensitivité
تَضْغاط
فرط ضغط الدم
Hpertension
تَهْواء
فرط التهوية
Hyperventilation
ولم يضع المعجم الطبي الموحد المذكور على وزن "تَفْعَال" سوى لفظ "تَقْيَاء" الذي جعله قبالة المصطلح Hyperémèse. وهنا نتساءل ما الذي يمنع إذن مؤلفي المعجم أن يجروا في تعريبهم سائر المصطلحات المبدوأَة بالصدر Hyper مجراهم في تعريب المصطلح Hyperémèse فيجعلوها كلها أو جلها على صيغة "تَفْعال"
فنحن نهيب بأساتذتنا الأفاضل، أعضاء "اتحاد الأطباء العرب" أن يراجعوا منهجهم هذا الذي يسجل على لغة العروبة عجزا صوريا هي سليمة منه، وقصورا وتقصيرا هي بريئة منهما، ويزكي تخلفا فرضه عليها أبناؤها بمثل هذا السلوك المتحفظ من توظيف الأوزان لصياغة المصطلحات. "فُعال" للداء و"فَعُول" للدواء
جاء في كتاب "فقه اللغة وسر العربية" للعلامة اللغوي أبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي (رحمه الله) ضمن "الباب السادس عشر في صفة الأمراض والأدواء" فصل في سياق ما جاء منها على "فُعَال" ما يلي :
" أكثر الأدواء والأوجاع في كلام العرب على "فُعَال" : كالصُّدَاع، والسُّعَال، والزُّكام، والبُحاح، والقُحاب، والخُنان، والدُّوار، والنُّحاز، والصُّدام، والهُلاس، والسُّلال، والهُيام، والرُّداع، والكُباد، والخُمار، والزُّحار، والصُّفار، والسُّلاق" والكُزَاز، والفُوَاق، والخُناَق").
"كما أن أكثر أسماء الأدوية على " فَعُول " : كالوَجُور، واللَّدُود، والسَّعوط، واللَّعُوق، والسَّنُون، والبَرُود، والذَّرُور، والسَّفُوف، والغَسُول، والنَّطُول ".
واعتبارا لكثرة مجيء الأدواء في كلام العرب على وزن " فُعَال " وعلى وزن " فَعَل " اتخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة القرار التالي :
"بما أن الضرورة العلمية في وضع المصطلحات تقتضي استعمال صيغة " فَعَل " للداء يجاز اشتقاق " فُعَال " و" فَعَل " للداء سواء أَوَرَدَ له فعل أو لم يرد ".
ونحن قياسا على لفظ " كُبَاد " المذكور أعلاه، والوارد في " المعجم الطبي الموحد " قبالة المصطلح الفرنسي Hépatose الذي يعني انخفاض الكبد بسبب ارتخاء معاليقها نقترح إقرار لفظ " مُنَاع " المشتق من " المناعة " على وزن " فُعَال " للداء المعروف الآن بـ "فقد المناعة" (سيدا SIDA).
ومن الإنصاف أن نقول إن جل أسماء الأدواء المذكورة أعلاه على وزن " فُعَال " موجودة في " المعجم الطبي الموحد " وكذلك جملة وافرة من أسماء الأدواء على وزن " فُعَال " وعلى وزن " فَعَل". وزن " أفْعَل " لمعايب خلق الإنسان
جل معايب خلق الانسان جاءت على " أَفْعَل " نسوق منها قليلا من كثير :
أَعوَر، أَعرَج، أَصْلَع، أَقْرَع، أَقْعَس، أَحْدَب، أَبْكَم، أَخْرَس، أَطْرَش، أَصَمّ، أَعوَج، أَلْثَغ الخ.. وزن " أَفْعَل " للألوان كذلك
" أَخْضَر، أحمر، أصفر، أبيض، أسود، أسمر، أزرق، أشهب، أدكن الخ... وزن " فُعَاَلة " للنُّفايات
على سبيل المثال نقتبس من " فقه اللغة " للثعالبي :
" بُرَايَة العود، بُرَادَة الحديد، قُرَامة الفرن، حُزَازة الوسخ، نُسَالة الوبر والريش، عُصَافة السنبل، مُشَاطة الشعر، خُلَالة الفم، قُرَاطة السراج، خُرَاطة، نُشَارة، نُحَاتة الخ...
ولا نود أن نسترسل أكثر من هذا القدر في عرض مختلف الأوزان التي قلنا عنها أنها تفوق الألف، والذي نريده بالسرد الذي قمنا به هو التنبيه أو التذكير بعظمة خطورة الأوزان في اللغة العربية. وكيف لا وهي منها تتكون بنيتها، فالأوزان بالنسبة للغة الضاد بمثابة الهيكل العظمي لجسم الإنسان.
فكلام العرب كله موزون أوزانا وظيفية تجعل لغتهم منظمة، ومقعَّدة، ومصنفة تصنيفا منطقيا جماليا دلاليا كأنهم قدروها تقديرا قبل أن يتكلموها فكأنهم اجتمعوا في أكاديمية لغوية اجتماعات عديدة لم ينفضّوا منها حتى اتفقوا على قواعدها وتحديد صيغ أوزانها، وتخصيص كل منها للدلالة على فئة متجانسة من أشياء أو أعمال أو أحوال أو مفاهيم مادية ومعنوية...الشيء الذي لا تستطيع ولن تستطيع أن تفعل مثله ولا قريبا منه، أكاديميات الدول المتزعمة الحضارة في هذا العصر.
لكنه صنع الله الذي أتقن كل شيء قد هيأها لتحتضن وحيه ورسالته العالمية الموجهة إلى جميع البشر في جميع العصور على ممر الدهور، مما جعل المفكر الفرنسي الحانق على العرب والإسلام "ارنست رينان" يتعجب فيقول في كتابه (تاريخ اللغات السامية) :
" من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتبلغ درجة الكمال، وسط الصحاري عند أمة من الرحَّل، تلك التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها، ولم يعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة.
ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها، وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعرف شبيها لهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج، وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة، وهذه ظاهرة عجيبة، لاسيما إذا اعتبرنا مدى مساهمة الفلسفة الإسلامية في تكوين علم الكلام، خلال القرون الوسطى، والدور الذي قام به في ذلك كل من ابن سينا، وابن رشد، وما كان لهما من تأثير على أشهر مفكري المسيحية. ".
ويصف فيكتور بيرار اللغة العربية في القرن الرابع الهجري بأنها أغنى، وأبسط وأقوى، وأرق، وأمتن وأكثر اللهجات الإنسانية مرونة وروعة. فهي كنز يزخر بالمفاتن، ويفيض بسحر الخيال، وعجيب المجاز، رقيق الحاشية، مهذب الجوانب، رائع التصوير، وأعجب ما في الأمر أن البدو كانوا هم سدنة هذه الذخائر، وجهابذة النثر العربي جبلة وطبعا. ومنهم استمد كل الشعراء ثراءهم اللغوي وعبقريتهم في القريض.
ويقول (إغناطيوس كرانشوفسكي) : " أول ما نلحظه من أول نظرة نلقيها على هذه اللغة - أي العربية - الغنى العظيم في الكلمات، والإتقان في الشكل، والليونة في التركيب .".
ويقول (بلاشير) اللغوي المعجمي : " اللغة العربية خلاقة وبناءة ". فالكمال الذي بلغته لغة الضاد والذي يتحدث عنه (ارنست رينان) وكونها كنزا يزخر بالمفاتن كما وصفها (فيكتوربيرار) وكونها " خلاقة بناءة " كما يصفها (بلاشير) كل ذلك مرجعه إلى الأوزان، فالأوزان هي اللغة العربية واللغة العربية هي الأوزان.
ولا ينبغي أن يفهم مما تقدم أننا نحصر ملاحظتنا بشأن توظيف " الأوزان " في مجال الطب وحده، أو في ميدان العلوم على العموم، بل إننا لنحجم عن توظيف الأوزان حتى في تعريب المصطلحات الحضارية، والمتصلة منها بحياتنا اليومية.
فنحن -مثلا- عندما نعرب Cabine téléphonique بـ " غرفة الهاتف " كما هو في " المنهل " القاموس الفرنسي العربي، تأليف الدكتور جبور عبد النور والدكتور سهيل إدريس، وكما هو في " المنجد " الفرنسي العربي إصدار دار المشرق أو " مخدع الهاتف " كما هو في غيرهما، فإنما نعطّل وظيفة الوزن المخصص للمكان وهو " مَفْعِل " فيما كان عين فعله المضارع مكسورة، و" مَفْعَل " فيما عدا ذلك.
ولو وظفنا هذا الوزن لأعطانا لفظ " مَهْتِفْ " على وزن " مَنْزِل " و" مَجْلِس " بمعنى " مكان للهاتف ". والمكان هو المقصود بالعبارة الفرنسية لا شكل المكان.
ثم إن ترجمة لفظ cabine بـ " الغرفة " ترجمة غير صحيحة لأن اللفظ الفرنسي لا يقتضي معنى العلوّ وأكثر ما تكون cabine أرضية بينما لفظ " الغرفة " يعني حسب " المعجم الوسيط " تأليف مجمع اللغة العربية بالقاهرة وحسب (لسان العرب) لابن منظور " العِلِّيّة " وزاد هذا الأخير من معانيها " السماء السابعة " وفي القرآن الكريم : )لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار.(. (سورة الزمر الآية 20).
وعندما نعرب Standard téléphonique بـ "مَقْسِم هاتفي" كما هو في "المنهل" وفي "المنجد" فإنما نعطّل الأوزان المخصصة للآلة وأكثرها استعمالا "مِفْعَل" و"مِفْعَال" و"مِفْعَلَة" ولو استعملنا -مثلا- وزن "مِفْعَال" لأعطانا لفظ "مِهْتَاف" ولعرّبنا المصطلح Standardiste بـ "مِهْتَافي" بدلا من هذه العبارة الطويلة : "عامل المقسم التلفوني" التي في "المنهل" وبدلا من "عامل مقسم هاتفي" التي في "المنجد" الفرنسي العربي. ولو كنا وظفنا "مَفْعَلَة" المكانية لأعطتنا "مَهْتَفَة" لنقابل بها téléboutique أي المكان الذي تكثر فيه "المـَهَاتِف" جمع "مَهْتِف" فمن القرارات التي اتخذها مجمع اللغة العربية بالقاهرة القرار التالي : " تصاغ "مَفْعَلَة" قياسا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان سواء كانت من الحيوان أم من النبات أم من الجماد ".
وعندما نعرب communication téléphonique بـ "مخابرة هاتفية" كما في "المنهل" أو "مكالمة هاتفية" كما هو شائع في المغرب فإننا نغفل عن اتخاذ وزن "مُفَاعَلة" من مادة "هَتَفَ" وإلا لكنا عرّبنا العبارة الفرنسية بلفظ "مُهَاتَفة"، ولجعلنا لفظ "مُهَاتِف" للمخاطب بالهاتف فنقول مثلا "مَنْ مُهَاتِفِي" أو "مَنِ المـُهاتِف؟" لإفادة معنى العبارة الفرنسية المتداولة : qui est à l'appareil؟
الأمثلة كثيرة على تقييدنا يدي لغتنا، وامتناعنا من إطلاقهما للعمل. وذلك بعدم اهتمامنا باستغلال كل إمكاناتها التي توفرها الأوزان عندما نهتدي إلى تعريب مصطلح أعجمي، فلا نشتق من مادة المصطلح العربي (الذي وضعناه قبالته) جميع ما يتصل به من إسم الآلة والحرفة والمكان الخ... مما تدعو الحاجة إلى تعريبه.
ونكتفي هنا بإيراد مثال واحد على سبيل البيان :
لقد استخرج أحد الغوّاصين في بحر اللغة درة ثمينة طالما اشتدت حاجة لغة الضاد إليها لتقابل بها المصطلح الأعجمي Dactylographierالذي كان يترجم بـ "ضرب على الآلة الكاتبة". وذلك عندما عثر في (المخصص) لابن سيده ضمن فصل الكتابة على فعل "رَقَنَ" مع شرحه : "رَقَنَ : كتب كتابة واضحة" فتقدم به إلى المعهد المغربي "معهد الدراسات والأبحاث للتعريب" بالرباط الذي عمل على نشره في المغرب وفي تونس، ولكن لم يشتق منه حتى الآن سوى لفظ "راقنة" ليقابل Une dactylographe ولفظ "رِقَانَة" ليقابل dactylographie، فلو أننا التفتنا إلى بقية الأوزان لأمدتنا باسم الآلة "مِرْقَنَة" (Machine à écrire) ولأمدتنا بوزن "فَعْلَة" للمرة في صيغة "رَقْنَة" ليقابل une frappe ولأمدتنا بالوزن المخصص للمكان "مَفْعَل" في صيغة "مَرْقَن" ليقابل عبارة Pool de dactylos ليعني المكان الذي يضم الراقنين والراقنات. وذكر ابن سيده في نفس الفصل "الرِّقان ما يُرْقَنُ به" فيمكن جعله قبالة Ruban pour machine à écrire ثم يمكننا أن نشتق منه على وزن "فَاعُول" أو "فَاعُولَة" اللذين تستعملهما العرب للدلالة على الآلة الكبيرة فنصوغ منه لفظ "رَاقُون" لنقابل به Télex . فمما جاء على هذا الوزن في كلام العرب "ناقوس" (ناقوس الكنائس الكبير)، و"ناعورة" ومن الموَلَّد على هذا الوزن "نَافُورَة".
كما يمكننا أن نصوغ منه فعل "رَاقَنَ" لنقابل به فعل Télexer ووزن المحترف "رَقَّان" ليقابل Télexiste وتبقى سائر الأوزان بالمرصاد لما يستجد ويحدث من مصطلحات أعجمية في هذا المضمار : مضمار الرقانة.
ومن عوامل طمس عبقرية اللغة الخلط بين بعض أوزانها الناجم عن توهّم الترادف فيما بينها، فنجعل الواحد مكان الآخر غافلين عن أننا عطّلنا وظيفة أحدهما أو كليهما وبذلك أحدثنا التباسا خطيرا أو فراغا اصطلاحيا فرضناه على اللغة فرضا جائرا. فَعَلَ" و"فَعَّلَ "
فقلَّما يعني "فَعَّل" المضعف العين ما يعنيه "فَعَل" المخفف العين سواء بسواء. فمن أقوال الصرفيين : "الزيادة في المبنى زيادة في المعنى". فَفَعَّل المضعف يعني المبالغة في "فَعَل" المخفف. فـ "كَسَّر" يعني بالغ في الكسر ومصدره "التكسير" و"قَطَّع" يعني بالغ في القطع، ومصدره "التَّقطيع" بخلاف "كَسَرَ" و"قَطَعَ" المخففين فهما لا يعنيان سوى مجرد الكسر والقطع بدون مبالغة ولا تكثير. وبشأنهما اتخذ "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة القرار التالي : " فَعَّل المضعف مقيس للتكثير والمبالغة" ولكن هذا لم يمنع الكثيرين من استعمال أحدهما مكان الآخر فـ "كَسَّر" المضعف يقابله في الفرنسية فعل briser و"كَسَر" المخفف يقابله فعل casser و"قَطَعَ" المخفف يقابله couperو"قَطَّع" المضعف يقابله Découper فعندما نستعملهما مترادفين قبالة couper مثلا كما هو جار به العمل.
فماذا يحدث ؟ الذي يحدث هو أننا نفقد مقابل découper فنضطر إلى استعمال عبارة كاملة لمقابلته مثل "قطع قطعا صغيرة" ثم نتحسر على "فقر" اللغة العربية التي "لا تملك" مقابلا للفظ Découper مكونا من لفظ واحد كما في الفرنسية.
ويتحسر مثل هذا التحسر من يشعر كذلك بـ "الفقر" الموهوم من يرادف أو يخلط بين " صَنَع " (Fabriquer) و" صَنَّع " (Industrialiser) أو بين مصدريهما "صُنْع"(Fabrication) و" تَصْنِيع" (Industrialisation) والأمثلة كثيرة.
ولا تنحصر عوامل طمس عبقرية اللغة في تجاهلنا الأوزان والإعراض عن توظيفها أو الخلط فيما بينها، بل عوامل الطمس متعددة ومتنوعة، وأكثر من أن تحصى فتذكر، ونكتفي منها بما يحضرنا عفوًا ساعة تحرير هذا البحث. تعجيم الأسلوب التعبيري
إن شدة حرص المترجمين على التشبث الأعمى بألفاظ العبارات الأعجمية أكثر من تشبثهم بمعانيها كاد أن يحدث خللا خطيرا في فصاحة اللسان العربي بما أدخل على عمل الترجمة من تعابير أعجمية المبنى خلاسية المعنى عربية الألفاظ فكثرت العجمة والرطانة وسرت العدوى إلى المحررين بلغة الضاد حتى أولئك الذين لا يعرفون لغة غيرها. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر. نكتفي منها بما يلي تزييف كاف التشبيه
نحن نعجِّم كاف التشبيه التي لا تعني في اللغة العربية سوى التشبيه عندما نستعملها لغير التشبيه، في مثل هذه العبارة : "عُيّن كوزير في الحكومة" أو "اشتغل كمراسل للصحيفة" وذلك لإفادة معنى العبارة الفرنسية :
"Il a été désigné comme ministre dans le gouvernement"
أو لإفادة معنى العبارة التالية :
"Il travaillait comme correspondant du journal" نقول : "اشتغل كمراسل للصحيفة".
فعندما نترجم هاتين العبارتين الفرنسيتين ومثيلاتهما على هذا النحو فإننا نأتي بترجمة خاطئة، لا تؤدي معنى العبارات المراد ترجمتها، وترجمة العبارتين الفرنسيتين المذكورتين هي على الأصح : "عُيِّن وزيرا في الحكومة" و"اشتغل مراسلا للصحيفة ".
لأن عبارة "عُيِّن كوزير" لا تعني في الفصحى أنه عين في منصب وزير بل في منصب شبيه بمنصب وزير. كما أن عبارة "اشتغل كمراسل" لا تعني أنه كان يقوم بعمل مراسل بل بعمل شبيه بعمل مراسل.
وترجمة هاتين العبارتين العربيتين إلى الفرنسية هي كما يلي : "Il a été désigné pour un poste semblable à celui de ministre"
و "Il exerçait un travail semblable à celui de correspondant du journal"
فالخطأ آت من حرص المترجم على إيجاد لفظ عربي مقابل للفظ الفرنسي comme الذي زيادة على معنى التشبيه له معان كثيرة جدا في اللغة الفرنسية مذكورة بتفصيل في معاجم (لاروس) و(بول روبير) ومن جملة معانيها إفادة الحال مثلما في العبارتين المذكورتين.
والترجمة الصحيحة تقتضي منا أن نترجمها في هاتين العبارتين بما يفيد الحال في العربية وهو جعل لفظي "وزير" و"مراسل" منصوبين على الحال, فلئن كان للفظ comme في الفرنسية معان كثيرة فكاف التشبيه في العربية لا تفيد إلا معنى واحدا وهو التشبيه, وفي استعمالها لإفادة الحال تعسف لا تقبله لغة العروبة ولن تستسيغه بتاتا. مؤلفات للكاتب
دواوين شعرية :
في شعاب الحرية (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
في رحاب الله (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
مع أزهار الحياة (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
الإسعاد (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
على الدرب
كتب باللغة العربية صدرت عن نفس المطبعة :
في اللغة
في التعريب
في الاصطلاح
مدخل لتعريب الطب
الفقه الواضح (كتاب الطهارة و الصلاة)
سفينة البحور الشعرية (في العروض)
معاجم :
معجم الطحانة والخبازة والفرانة (فرنسي – عربي)
المستدرك في التعريب (مصطلحات قام بتعريبها من الفرنسية) (مطبوع)
"معجم مهني" (فرنسي عربي لأعوان مكتب التسويق و التصدير مرقون في جزأين
مــاهـيـة الـتـعـريب - الأستاذ/ إدريس بن الحسن العلمي ( الرئيس سابقا لمصلحة التعريب التابعة لمكتب المراقبة والتصدير بالدار البيضاء الخبير في اللغة والتعريب لدى المكتب الدائم لتنسيق التعريب بالرباط وأحد رواد حركة التعريب بالمغرب كاتب وشاعرمفهوم التعريب ) :
التعريب كلمة تعددت دلالاتها، واختلفت تحديداتها على ممر العصور، باختلاف الزمان، والمكان، والإنسان. فمدلولها عند اللغويين القدامى يختلف عن مدلولها عند المحدثين، وهو عند المشارقة غيره عند المغاربة، وقد اختلف قبلهم في تعريفها اللغويون الأولون فيما بينهم كما يتضح من هذا البحث.
" التعريب " عند القدامى
عند الجوهري العلامة اللغوي : " التعريب هو أن تتكلم العرب بالكلمة الأعجمية على نهجها وأسلوبها ". أما عند سيبويه النحوي المشهور : " التعريب هو أن تتكلم العرب بالكلمة الأعجمية مطلقا، فهم تارة يلحقونها بأبنية كلامهم، وطورا لا يلحقونها بها ".
فإن سرنا على منهج الجوهري ينبغي أن نقول في تعريب كلمة Pasteurisation مثلا البَسْـتَرَة مثلما فعل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأن نقول في تعريب كلمة appertisation الأَبْرَتَة كما فعلنا سيرا على نهج المجمع المذكور. فلفظ appertisation مشتق من اسم Appert العالم الذي أوجد طريقة لتصبير المعلبات كما أن Pasteurisation مشتق من اسم العالم Pasteur الذي اكتشف طريقة للتعقيم.
فعلى سبيل المثال لا يسوغ لنا حسب الجوهري إلا أن نقول لتعريب هذين المصطلحين البسترة والأبرتة ولا يجوز لنا بحال أن نقول باستوريزاسيون وأبيرتيزاسيون.
أما سيبويه فإنه يجيزهما معا. ففي رأيه يصح أن نقول : البسترة أو الباستوريزاسيون والأبرتة أو الأبيرتيزاسيون كليهما على حد سواء.
وينبغي أن نلاحظ أن التعريب على مذهب الجوهري له مزية كبرى ليست للتعريب على مذهب سيبويه. وهذه المزية تتلخص في إمكان الاشتقاق من اللفظ المعرب ما يشتق من أي لفظ عربي. ففي وسعنا مثلا أن نشتق من لفظ البَسْـتَرَة جميع الأفعال فنقول في الماضي بَسْـتَرَ للمفرد المذكر، ونقول في الجمع بَسْـتَرُوا وللمؤنث بَسْتَرَتْ وَبَسْتَرْنَ وفي الأمر بَسْتِرْ وَبَسْتِرِي وَبَسْتِرُوا وَبَسْتِرْنَ وفي المضارع يُبَسْتِرُ وَيُبَسْتِرَانِ وَيُبَسْتِرُونَ وَتُبَسْتِرُ وَتُبَسْتِرَانِ وَيُبَسْـتِرْنَ. ونقول في اسم الفاعل مُبَسْتِر وَمُبَسْتِرَانِ وَمُبَسْتِرُونَ وَمُبَسْتِرَة وَمُبَسْـتِرَتَانِ وَمُبَسْـتِرَات. وفي اسم المفعول مُبَسْتَر وَمُبَسْـتَرَة ومُبَسْتَرَات. وفي النسبة إلى المصدر بَسْـتَرِيُّ. وفي صيغة المطاوعة للمذكر تَبَسْتَرَ وتَبَسْتَرَتْ للمؤنث. وفي اسم الفاعل مُتَبَسْـتِر ومُتَبَسْـتِرَة. وفي صيغة الحرفة بَسْـتَار على وزن بَيْطَار وفي النسبة إليه بَسْـتَارِيّ. وفي العدد من اسم المرّة بَسْتَرَات وفي اسم الآلة التي يبستر بها مِبَسْـتَرة وفي اسم المكان مَبَسْتَر إلخ... وكل هذا لا يتأتى مع لفظ باستوريزاسيون المعرب على طريقة سيبويه.
يقول الشيخ عبد القادر بن مصطفى المغربي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة : " على أننا مهما استحسنا رأي سيبويه في عدم اشتراطه رد الكلمة المعربة إلى مناهج اللغة وأوزانها، ينبغي أن نقف من تسامحه عند حد محدود، وإلا تكاثرت الكلمات الأعجمية ذات الأوزان المختلفة والصيغ المتباينة في لغتنا الفصحى وخرجت على تمادي الأيام بذلك عن صورتها وشكلها، وعادت لغة خلاسية لا عربية ولا أعجمية".
ولقد سار على نهج سيبويه ثلة من اللغويين منهم الخفاجي وابن سيده صاحب المخصص المعجم التصنيفي. وممن ذهب مذهب الجوهري الإمام اللغوي محمد مرتضى الزبيدي مؤلف تاج العروس من جواهر القاموس فأورد ضمن شرحه المستفيض لكلمة التعريب في معجمه المذكور الذي يعد من أكبر وأهم معاجم اللغة العربية : " ... وتعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على منهاجها ". ووافقه على هذا الشرح " المعجم الوسيط" الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة عند شرحه هذا اللفظ بقوله : " التعريب : صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبي إلى اللغة العربية ".
وأكد المجمع هذا المعنى في قراره السادس من مجموعة قراراته العلمية ونصه : " يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية - عند الضرورة - على طريقة العرب في تعريبهم ".
ونص الجواليقي على " أن المعربات أعجمية باعتبار الأصل، عربية باعتبار الحال". وتبعه على ذلك الإمام ابن الجوزي وغيره " بأن الكلمات الأعجمية التي وقعت للعرب فعربوها بألسنتهم، وحولوها عن لفظ العجم إلى ألفاظهم، تصبح عربية، فيجري عليها من الأحكام، ما يجري على تلك، تتوارد عليها علامات الإعراب إلا في بعض الأحوال، وتعرف بـ " الــ "، ويضاف إليها، وتثنى، وتجمع، وتذكر، وتؤنث".
وذكر الأستاذ محمد بن تاويت في مقال بعنوان " مظاهر التعريب " نشر في العدد العاشر من مجلة " اللسان العربي " : " إن العربي كان إذا جلب كلمة، أو جلبت له، يستغني بإلباسها لباسه العربي، ولو بغطاء الرأس، أو الحذاء، جاءته كلمة " كروان " بمعنى القافلة فقال فيها [قروان] وغطى رأسها بالألف واللام فأصبحت القروان والقيروان، وبذلك صارت الكلمة تتمتع بكل الحقوق التي تتمتع بها الكلمة العربية في إعرابها، فلا تمتنع من الصرف لعلة العجمة ".
" وسمع النبي صلى الله عليه وسلم، من سلمان الفارسي، كلمة " خندق " فاستفسره عن معناها، وهي اسم مفعول من " كنده " الفارسي، بمعنى الحفر، فكانت " كنده " وعربت بأن أبدلت الهاء - التي لا تنطق - قافا فصارت " خندق ". فتقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأنف من استعمالها، بل اشتق منها " خَنْدِقُوا " فسميت الغزوة بغزوة الخندق ".
وقبل أن ننتقل إلى تحديد معنى التعريب عند المحدثين، نرى لزاما علينا تلافيا لكل التباس أن نميز بين طرائق التعريب المختلفة ومن أجل ذلك سمحنا لأنفسنا بأن نطلق على طريقة التعريب عند الجوهري اسم التعريب الاقتباسي الصياغي، وعلى طريقة سيبويه التعريب الاقتباسي الصوتي. وزيادة في الإيضاح إذا عربنا كلمة "télévision " بـ تلفزة، على مذهب الجوهري، فهذا نسميه التعريب الاقتباسي الصياغي، فإذا ما نحن عربناها بـ تيليفيزيون سمينا تعريبنا هذا التعريب الاقتباسي الصوتي. ومما تجدر ملاحظته أن التعريبين يندرجان معا تحت اسم التعريب الاقتباسي. ومن هنا نقرر أن العرب في القديم لم تكن تعني بكلمة التعريب سوى التعريب الاقتباسي.
أما التعريب بمفهومه الشائع في أيامنا هذه، وهو إيجاد كلمة عربية الأصل لمقابلة لفظ أعجمي، فهذا نسميه التعريب الوضعي كما نسمي طريقة التعريب التي تجمع المذاهب الثلاثة على الإطلاق ويشملها الالتزام باتباع أي منها وفقا لما هو الأنسب وحسبما تقتضيه الضرورة، نسميها التعريب الشمولي.
وتتلخص هذه الطريقة فيما قاله أحمد فتحي باشا زغلول في سنة 1908 : " إذا عرض لنا لفظ أعجمي ترجمناه إلى اللغة العربية، وإذا تعذر لنا هذا اشتققنا له اسما من لغتنا، وإذا لم يتيسر جئنا بكلمة عربية، وأطلقناها عليه بضرب من التجوز، وإذا تعذر هذا عربناه (ويعني بـ " التعريب " التعريب الاقتباسي) وأدمجناه في تراكيب كلامنا ".
" التعريب " عند المحدثين
جاء في مقال للدكتور محمد السويسي : " ... هذا اللفظ (التعريب) يفيد في اللغة الإيضاح والتبيين، وفي الاصطلاح يطلق على مدلولين مختلفين : الأول إدخال اللفظ الأعجمي ضمن المعجم العربي، فيصقل ويصاغ في قوالب الأوزان العربية ويمكن من القبول لأبنيتها والخضوع لمقاييسها وقواعدها، فيشتق منه على الطريقة التي بها يشتق من اللفظ العربي الصميم ".
" المعنى الثاني، وقد شاع بيننا في السنوات الأخيرة، وهو إيجاد مقابلات عربية للألفاظ الأعجمية، حتى تصير العربية الفصحى وحدها هي لغة الكتابة والتدريس والإعلام، تستخدم في المدرسة والجامعة، وتستعمل في الدار والسوق وفي الصحافة والإذاعة ".
فيما قبل منتصف القرن العشرين
فيما قبل منتصف القرن العشرين، كان "التعريب" لا يعني سوى ما أطلقنا عليه "التعريب الاقتباسي" وكان الخلاف على أشده، في مطلع هذا القرن، بين أنصار "التعريب الاقتباسي" وأنصار "التعريب الوضعي" أما "التعريب" بمعناه الشائع عندنا اليوم في المغرب على الأخص، والذي أطلقنا عليه اسم " التعريب الشمولي" فلم يكن يستعمل عند المشارقة حينذاك بهذا المعنى، أما ما سميناه "التعريب الوضعي" فكان يعرف عندهم بلفظ "الترجمة".
ويحكي لنا عن هذا الخلاف الشيخ عبد القادر المغربي بقوله في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه " الاشتقاق والتعريب " :
" أما السبب المباشر في حملي على تأليف الكتاب فهو ما كان يسمعنيه إخواني من العتب في استعمال كلمات من المعرب، والدخيل، في مقالاتي التي كنت أنشرها في "المؤيد" بين سنتي 1906 و1909 وكنت لا أرى رأيهم في أن القليل من هذه الكلمات يفسد المقال الطويل بعد أن تتوفر فيه سائر صفات الحسن.
وكان يحتدم الجدل بيني وبينهم حتى تخطى الجدل القول إلى الكتابة في الصحف.
ثم رأى أساتذة اللغة في مصر يومئذ أنه لا ينبغي أن يكتفى في حل هذه المشكلة بما يكتبه الكتاب في الصحف، ويتحدث المتحدثون في المحافل، فإن الأمر أعظم من ذلك، وأن الواجب أن يلجأ في الفصل لهذه القضية، إلى تنظيم الجدل، وتوجيه العمل.
وعقدت مناظرات في (نادي العلوم) تحت رئاسة كبير أدباء عصره، حفني بك ناصف.
فقامت المناظرات المنظمة على قدم وساق، بين أساطين الأدب، وأساتذة اللغة : حفني ناصف، والشيخ شاويش، والخضري والأسكندري وأحمد زكي وأخيرا أحمد فتحي زغلول.
وكان ختام المناظرات مناظرة عقدت مساء 20 فبراير عام 1908، خطب فيها طائفة ممن ذكرنا، واحتاج الأمر إلى حكم يحكم بينهم، فكان ذلك الحكم المرضي الحكومة، والمتفق عليه من الجميع : أحمد فتحي باشا. فألقى كلمة قطع بها قول كل خطيب...".
وخلاصة ما قال هو ما نصصنا عليه ضمن تحديد " التعريب الشمولي " وهذه الطريقة هي التي سار عليها مجمع اللغة العربية بالقاهرة حتى الآن
ومن رأي أحمد بك زكي : " أن ما يعانيه المترجمون من صعوبة ترجمة الكلمات الأعجمية إلى العربية، يستدعي الجري على قاعدة [الباب المفتوح] في اللغة، كما يجرون عليه اليوم في السياسة ". ثم شرط لفتح الباب أن يكون عليه من الحراس الأكفاء ما يحول دون دخول أي كلمة كانت.
يشير بذلك إلى المجمع اللغوي الذي تكون وظيفته تمحيص تلك الألفاظ الدخيلة وعدم السماح لها بالدخول في بنية اللغة ما لم تشذب وتهذب.
التعريب منذ بداية الستينات
لعل مدلول التعريب بمعناه الشمولي أول ما عرف، عُرف في المغرب الأقصى بعد تأسيس " المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي " في 3 أبريل 1961. ثم أخذ هذا المعنى يستقر شيئا فشيئا، في أذهان المشارقة الذين ظلوا مع ذلك، وإلى جانب ذلك، يستعملون لفظ الترجمة يعنون به ما أطلقنا عليه اسم التعريب الوضعي، ويستعملون لفظ التعريب يَعنون به التعريب الاقتباسي بنوعيه الصوتي والصياغي
ولئن كان المكتب الدائم لتنيسق التعريب في الوطن العربي جرى في مفهوم التعريب على مدلول التعريب الشمولي، فإن المعهد الوطني للأبحاث والتعريب بالرباط الذي سبقه إلى الوجود، سار على مفهوم التعريب الوضعي الذي بقي إلى حين يتحمس له كل الحماس، ولا يقبل فيه الانصياع إلى ما قررته المجامع اللغوية، ولا إلى ما انعقد عليه الإجماع في كل البلاد العربية.
ولما راج استعمال مدلول التعريب الشمولي في المشرق العربي، أضاف المشارقة إليه ما ليس منه : فأطلقوه حتى على مجرد الترجمة إلى العربية.
وهكذا أصبحنا نقرأ على أغلفة الكتب، من روايات وقصص وغيرها، عبارة " تعريب فلان " أو " عربه فلان " بدلا من " ترجمه فلان " أو" ترجمة فلان "، أو " نقله فلان إلى العربية ".
ونظرا لما أحدثه هذا الإطلاق الأخير من بلبلة في الأذهان، وإبهام في مفهوم التعريب عند الجمهور من غير المعربين المتخصصين، ارتأينا من المفيد أن نوضح الفارق بين الترجمة والتعريب.بين الترجمة والتعريب
إن مفهوم التعريب الذي أجمع عليه أخيرا المشتغلون بعملية التعريب هو إيجاد مقابل عربي للفظ أعجمي لم يكن له ولم يعرف له مقابل عربي من قبل.
وإن كان هناك خلاف أحيانا فهو في الطريقة التي يتم عليها هذا الإيجاد. فهل يتم عن طريق الوضع بالاشتقاق أم المجاز أم النحت أم عن طريق التعريب الاقتباسي بنوعيه : الصياغي والصوتي أو ببعث المقابل العربي من مدفنه في بطون الكتب القديمة المتخصصة إن كان معناه معروفا عند العرب الأوائل من قبل. فنحن مثلا عندما نجعل قبالة لفظ "médecin" الطبيب أو عندما نجعل لفظ المريض قبالة "le malade" أو الدواء قبالة "le médicament" فإننا لم نزد على أن ترجمنا هذه الألفاظ.
لكن عندما جعل مجمع اللغة العربية كلمة " سيارة " قبالة لفظ "automobile" فقد عرب هذا اللفظ الأعجمي إذ أوجد له مقابلا عربيا لم يكن معروفا بمعناه من قبل لا عند القدماء ولا عند المحدثين.
لكننا عندما نستعمل نحن لفظ " سيارة " الذي اقتبسه المجمع لا نكون عربناه، بل ترجمناه، والذي عربه هو الذي أوجد له المقابل أو دل عليه وهو المجمع.
ومثل ذلك يمكننا أن نقول بصدد البسترة pasteurisation و"الأبرتة" appertisation والتلفزة la télévision فلفظ " سيارة " يعني في المعاجم العربية " القافلة ". و" السيارة " : القوم يسيرون، أنثت على معنى الرفقة والجماعة.
وورد هذا المعنى الأخير في سورة يوسف من القرآن الكريم : )قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين(. وبهذا المعنى يكون المجمع استعمل لفظ " سيارة " على سبيل المجاز. ويجوز أن يكون استعمله على سبيل الحقيقة بمعنى " الكثيرة السير " بوصفه صيغة للمبالغة التي تأتي على وزن "فَعَّال" و" فَعَّالة " كما يجوز استعماله على صيغة الآلة مثل " ثَلاَّجة " و" سَمَّاعة " و" حَصَّادة". ومهما يكن فإن المجمع قد وفق كل التوفيق في هذا التعريب.عندما نطمس عبقرية اللغة أو لا اتزان إلا بالأوزان
مَثَـلُ لغةِ الضاد مع أبنائها كمثل أعظم بطل عالمي في السباق، عمد قومه إلى يديه فأوثقوهما من خلف، ثم أنحوا عليه باللائمة لأنه لم يكن مبرزا في المباراة ؛ ثمَّ قيّدوا يديه مع رجليه وأنبوه على عدم ولوجه حلبة السباق.
لقد كثر منذ مطلع هذا القرن الذي أشرف على الانصرام - النحيب والتحسر والشكوى من تخلف لغة العروبة، و"قصورها" عن أداء ما استجدّ وما يستجدّ من مفاهيم ومصطلحات علمية، وتقنية، وفنية، وحضارية. وخاض الخائضون في تعليل "القصور" و"الضعف"، وذهبوا في تعليلاتهم كل مذهب، حتّى أنّ بعضهم لم يتردّدوا في اتّهام بنْية اللغة العربية نفسها، وندبوا حظّها لكونها " تنقصها " القابلية "للزوائد" (Les affixes) بما فيها "الصدور" (Les préfixes) و"الأواسط" (Les infixes) و"الكواسع" (Les suffixes) جازمين بأن مشكلة لغة الضاد الكبرى هي "افتقارها" لهذه الزوائد مع عدم قابليتها لها "لسوء حظها" وأنّ على أبنائها أن ينكبّوا على معالجة هذا "النقص" إن كانوا يريدون للغتهم مجاراة غيرها من لغات الدول المتقدمة التي ما كانت لتتطور وتساير التقدم العلمي والحضاري لولا اتخاذها تلك "الزوائد".
لكنّ أولئك "الناصحين" جهلوا، أو تجاهلوا، أو على أحسن تقدير، غفلوا عن أنّ الله قد أنعم على لغة القرآن بما لم ينعم به على أي لغة، فحباها ميزة أعظم وأكمل وأشمل وأجمل وأوفى بالتعبير عن الغرض وعن القصد من ميزة "الصدور" و"الأواسط" و"الكواسع" ميزة تتصل ببنية اللغة نفسها : ألا وهي الأوزان اللفظية، الدالّ كل وزن منها على غرض أو أغراض معيّنة.
فللدلالة على كل من الآلة ومكان الفعل، ومسبب الفعل، والمرض، والمرة من الفعل، والهيئة، والحرفة، والمحترف، والمبالغة، والفاعلية، والمفعولية، والكثرة، والقلة، والقابلية، والمطاوعة، والاشتراك في الفعل، وأسماء الألوان، وأسماء العاهات والمعايب الخلقية، والنفايات الخ... فللدلالة على كل غرض من هذه الأغراض وغيرها وزن خاص أو عدد محدود من أوزان معيّنة.
وقد أوصل اللغويون عدد هذه الأوزان إلى ألف ومائتين وعشرة (1210).
وهذه الأوزان هي أشبه ما يكون بقوالب المصانع التي تصب فيها مادة الإنتاج فتصوغ لك منتجات على أشكالها وحجومها.
فقوالب الأوزان تصبّ فيها المادة اللفظية فتعطيك ما أنت راغب فيه من ألفاظ سائغة، جزلة، دقيقة المعنى.
وأنت لا تحتاج معها إلى مصنع ولا إلى آلة ولا إلى مجمع لغوي، يكفي أن تكون لديك مادة تتكون من ثلاثة حروف لتحصل على اللفظ الذي ترغب فيه, وهي ميسورة الاستعمال، وفي متناول كل عربي.
فكم من لفظ صاغه رجل الشارع العربي بسليقته على صيغة وزن من هذه الأوزان فشاع وذاع وتناولته أقلام الكتّاب وألسنة المذيعين من أمثال "ثلاجة" و"غسّالة" و"حصّادة" الخ...
فالمشكلة الكبرى التي تعترض بنت عدنان هي إعراض كثير من الممارسين عمل التعريب عن توظيف كل الأوزان التي تدعو الحاجة إلى توظيفها. وذلك يتجلى بوضوح في الكثير ممّا عربوه أو ترجموه من مصطلحات في مختلف المجالات.
في كل وزن من تلك الأوزان تكمن قوة للدفع باللغة. فعندما نتخلّى عن استعمال هذه الأوزان للأغراض المجعولة لها فإننا نعطّل قوتها ثم نقيم مأتما للبكاء على "ضعفها" و"قصورها" و"تخلفها".
إننا لا ننكر الجهود المبذولة في هذا السبيل من لدن بعض الهيئات من أمثال مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي بالرباط ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي ببغداد، كما لا ننكر جهود بعض رواد تعريب المصطلحات العلمية من أمثال الدكتور محمد صلاح الدين الكواكبي، والأمير مصطفى الشهابي والدكتور محمود الجليلي، بيد أن تلك المنجزات وغيرها مما لم نشر إليه - مع نفاستها - ليست سوى بصيص في حالك من ظلمة لن تنقشع إلا بإحداث منهجية اشتقاقية تأليفية دراسية، لنا إلمام بها في ختام هذا البحث.
ونحن في هذه العجالة إنما نريد الإشارة إلى بعض الثغرات التي تحصل في عمل التعريب من جرّاء إعراضنا عن توظيف "الأوزان" تلك الطاقة الخلّاقة في لغة الضاد. فنسوق بعض الأمثلة التي تشخّص تهافت عمل التعريب الذي يتجاهل وجودها.
فمن هذه الأوزان التي تشتدّ الحاجة إليها في تعريب المصطلحات العلمية والحضارية وزن " مَفْعَلَة " بفتح الميم والعين، على وزن "مَرْتَبَة" و"مدرسة".مَـفْـعَـلَـة
أكثر ما يستعمل وزن " مَفْعَلَة " لثلاثة أغراض :
لِإِفَادةِ معنى مُسبِّب الشيء، أو مُكَوِّن الشيء أو مُنْشِئِ الشيء، أو مُوَلِّد الشيء، ونسمي في هذا البحث " مَفْعَلَة " الدالّة على هذا المعنى بِـ "مَفْعَلَة السَّبَبِيّة".
ِلإِفَادَةِ معنى المكان الذي يكثر فيه الشيء، ونسميها "مَفْعَلَة المكانية"
لِإِفادة مجرّدِ المصدر الميمي، ونسمّيها "مَفْعَلَة المصدرية"، وهذه الأخيرة لا تهمنا في هذا البحث.مَـفْـعَـلـة الـسَّـبَـبِيـة
من أمثال العرب "الولَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ" أي يُسَبِّبُ البخل، ويُسبِّب الجبن لوالديه.
جاء في معجم " لسان العرب " ِلابْنِ منظور في مادة "بخل" :
" المَبْخَلَةُ : الشيءُ الذي يحملك على البخل. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " الوَلَدُ مَجْبَنَةٌ، مَجْهَلَةٌ، مَبْخَلَةٌ "هو مِنَ البخل، ومَظَـنَّةٌ لِأَنْ يحمل أبويه على البخل ". هـ
وأورد نفس المعجم في مادة "هرم" عند كلامه على لفظ " مَهْرَمَة " الحديث النبوي التالي : " ترك العشاء مَهْرَمَة " أي مَظَنَّةٌ للهرم. قال القتبي : " هذه الكلمة جارية على ألْسِنة الناس قال : ولست أدري أرسول الله ابتدأها أم كانت تقال قبله " هـ.
وروى الترمذي وأحمد والحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بقيام الليل فإنّه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم ومَكْفَرَةٌ للسيئات، ومَنْهَاةٌ لِلإِثم" وفي رواية : "ومَطْرَدَة للدّاءِ عن الجسد".
وروى البخاري والشافعي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" السواك مَطْهَرةٌ لِلْفَم، مَرْضاة للربّ". وشرح مؤلف كتاب "التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول" (الذي اقتبسنا منه هذا الحديث) كلمة " مَرْضاة " بقوله : " أي سبب في رضاه ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نَوْمَةُ الصبحة مَعْجَزَةٌ، مَنْفَخَةٌ، مَكْسَلَةٌ، مَوْرَمَةٌ، مَفْشَلَةٌ، مَنْسَأَةٌ للحاجة " : أي أنّها تسبّب العجز والنفخ للجسد، وتسبّب الكسل، وتكوّن الورم، وتسبّب الفشل، وتسبّب نَسْءَ الحاجة، أي تأخيرها .
فوزن " مَفْعَلَة " بهذه الدلالة، له مجال واسع للاستعمال في تعريب المصطلحات العلمية وخصوصاً في اصطلاح الطب واصطلاح الكيمياء.
بيد أنّنا لا نجد لوزن " مَفْعَلَة " أثراً في " المعجم الطبي الموحَّد " (الانكليزي -العربي- الفرنسي. الطبعة الثالثة) الذي أصدره " اتّحاد الأطباء العرب " في السنة 1983، بل نجد في مظانّ " مَفْعلة " من المعجم فراغا اصطلاحيا شغلته شروح للمصطلحات الأعجمية. فقبالة المصطلح الأعجمي لا نجد مقابلا عربيا يصحّ أن يكون مصطلحا، بل نجد أحد الشروح التالية : " مكوّن كذا " أو " مولّد كذا " أو " منشئ كذا " أو " محدث كذا " فالجمهور العربي ينتظر من المشتغلين بالتعريب أن يمدّوه بمصطلحات، لا بشروح للمصطلحات. فشروح المصطلحات الأعجمية تتكفل بها المعاجم الأعجمية المختصة على نحو أفضل وأوسع وأكمل.
فعندما نبحث - مثلا- في " المعجم الطبي الموحد " عن المصطلح Adipogène نجد قبالته بالعربية : "مكوّن الشحم". فلو أن مؤلفي المعجم أفسحوا المجال لوزن " مَفْعَلَة " لوضعوا قبالة المصطلح الأعجمي adipogène كلمة "مَشْحَمَة" بدلاً من "مكوّن الشحم"، ولوضعوا قبالة المصطلح Ostéogène كلمة "مَعْظَمَة" بدلاً من "مكوّن العظم"، ولوضعوا قبالة Neurogène كلمة "مَعْصَبة" بدلاً من "مكوّن للعصب" ولوضعوا قبالة Ovigène كلمة "مَبْيَضة" بدلاً من "مكون البيضة" ولوضعوا قبالة Toxicogène و Toxogèneكلمة "مَسَمَّة" بدلا من "مولد السم"، ولوضعوا قبالة Acidogène كلمة "مَحْمَضَة" بدلا من "مولّد الحمض" ولوضعوا قبالة Erythrogène كلمة "مَحْمَرَة" بدلا من "منشئ الحمر"، ولوضعوا قبالة Goitrogène كلمة "مَدْرَقَة" بدلا من "محدث الدراق"، ولوضعوا قبالة Asthmogène كلمة "مَرْبَوَة" بدلا من "مولد الربو"، ولوضعوا قبالة Nephrogèneكلمة "مَكْلَوَة" أو "مَكْلَاةٌ" بدلا من "مكون الكلوة"، ولوضعوا قبالة Thermogène كلمة "مَحَرَّة" بدلا من "مولد الحرارة" ولوضعوا قبالة Androgène كلمة "مَذْكَرَة" بدلا من "أندروجين"، ولوضعوا قبالة Calorigène كلمة "مَحْرَرَة" بدلا من "مولد الحرور"، ولوضعوا قبالة Cétogèneكلمة "مَكْتَنَة"، بدلا من "مولد الكيتون". إن المعجم لم يمتنع من وضع مصطلحات على وزن "مفعلة" فحسب، بل إنه أوصد دفتيه في وجه المصطلح "مَوْرَمَة" الذي هو على وزن " مفعلة "، والوارد في الحديث النبوي الذي أسلفناه، والذي يعني "مكون الورم". فالمعجم قابل المصطلح الأعجمي Oncogèneبالعبارتين التاليتين :
مكون الورم
وَرَمِيُّ المنشأ.
فالمصطلح "مَوْرَمَة" لفظ متأصل في لغة الضاد منذ أن كانت للعرب لغة, ثم هو وارد في كلام أبلغ البلغاء، وأفصح الفصحاء سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من وضع مجمع لغوي، ولا هيئة تعريبية حتى يكون لمؤلفي المعجم الخيار في قبوله أو رفضه، بل هو يفرض وجوده في الاصطلاح الطبي قبالة Oncogène في معناه "مكون الورم" بنفس القوة التي يفرض بها لفظ "الطب" وجوده قبالة لفظ La médecine ."افتعال" للالتهاب
نجد في "مجموعة قرارات مجمع اللغة العربية" بالقاهرة القرار التالي :
" لا مانع من أن تكون صيغة "الافتعال" مشتقة من العضو، قياسية، بمعنى المطاوعة للإصابة بالالتهاب ".
جل الأمراض الالتهابية في الاصطلاح الطبي الأعجمي تنتهي بالكاسعة -ite في اللغة الفرنسية، و-itis في الإنجليزية, أورد منها "المعجم الطبي الموحد" ثلاثمائة وتسعة (309)، وقابلها كلها بكلمة "التهاب" مضافة إلى إسم العضو المصاب.
ولا نجد من بينها مرضا واحدا جاء إسمه العربي على صيغة "افتعال" مشتقة من إسم العضو المصاب طبقا لقرار "مجمع اللغة" الموقر, فما الذي يمنع مؤلفي المعجم أن يطبقوا قرار المجمع فيضعوا -مثلا- قبالة gastrite كلمة "امْتِعَاد" بدلا من "التهاب المعدة" وأن يضعوا قبالة Hépatite كلمة "اكْتِبَاد" بدلا من "التهاب الكبد" وقبالة Cardite كلمة "اقْتِلَاب" بدلا من التهاب القلب، وقبالة adénite كلمة "اغْتِدَاد" بدلا من "التهاب الغدة"، وقبالة glossite كلمة "الْتِسَان" بدلا من "التهاب اللسان"، وقبالة dermatite كلمة" اجْتِلَاد" بدلا من "التهاب الجلد" وقبالةblépharite كلمة "اجْتِفَان" بدلا من "التهاب الجفن" إلخ..
فهذه العبارات التي أثبتها المعجم قبالة المصطلحات الأعجمية المتكونة من مفردات هي كما أسلفنا القول ليست بمصطلحات وإنما هي شروح للمصطلحات,وهذا الأسلوب في التعريب لا يسمن ولا يغني من جوع, ثم هو يحكم على اللغة العربية بالتخلف في ميدان الاصطلاح العلمي, ولقد سبق لنا أن نشرنا في العدد السادس من مجلة "اللسان العربي" الصادر في سنة 1969 مجموعة مما قمنا بتعريبه على وزن "افتعال" من هذه الفئة من المصطلحات الدالة على الالتهاب والمنتهية بالكاسعة -ite طبقا لقرار المجمع الموقر.وزن " تَفْعَالٌ " قبالة الصدر Hyper
من القرارات اللغوية التي اتخذها كذلك "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة جزاه الله خيرا، القراران التاليان :
" تصح صياغة "التفعال" للمبالغة والتكثير مما ورد فيه فعل، طوعا لما أقره المجمع في دورته العاشرة، من صوغ مصدر من الفعل على وزن (التفعال) للدلالة على الكثرة والمبالغة، وكذلك تصح صياغته مما لم يرد فيه فعل طوعا لما أقره المجمع في دورته الأولى، من جواز الاشتقاق من أسماء الأعيان للضرورة في لغة العلوم."
في ترجمة المصطلحات الأجنبية المبدوأَة بالصدر Hyper تستعمل كلمة "فرط" مقابلة له، والمبدوأَة بالصدر Hypo تستعمل في مقابلة كلمة "هبط".
فجرى (المعجم الطبي الموحد) على منوال القرار الثاني للمجمع، وجرى الدكتور محمود الجليلي، عضو "المجمع العلمي العراقي" على منوال القرار الأول، فجاءت مصطلحات (المعجم الطبي الموحد) بمثابة شروح لمصطلحات الدكتور الجليلي المنشورة في الجزء الثاني من العدد الرابع والثلاثين من "مجلة المجمع العلمي العراقي" كما سيلاحظ القارئ من المقارنة التالية :
+
----
-
مصطلح الدكتور الجليلي
مصطلح المعجم الطبي الموحد
المصطلح الأعجمي
تَحْمَاض
فرط الحموضة
Hyperacidité
تَنْشاط
فرط النشاط
Hyperactivité
تَأْلاَم
فرط التألم
Hyperalgésie-Hyperalgie
تَقْرَان
فرط التقرن
Hyperkératose
تَحْراك
فرط الحراك
Hypercinésie
تَدْهان الدم
فرط دهن الدم
Hyperlipémie
تَصْباغ
فرط التصبغ
Hyperpigmentation
تَنْساج
فرط التنسج، تزيد
Hyperplasie
تَفْراز
فرط الإفراز
Hypersécrétion
تَحْساس
فرط الإحساس
Hypersensitivité
تَضْغاط
فرط ضغط الدم
Hpertension
تَهْواء
فرط التهوية
Hyperventilation
ولم يضع المعجم الطبي الموحد المذكور على وزن "تَفْعَال" سوى لفظ "تَقْيَاء" الذي جعله قبالة المصطلح Hyperémèse. وهنا نتساءل ما الذي يمنع إذن مؤلفي المعجم أن يجروا في تعريبهم سائر المصطلحات المبدوأَة بالصدر Hyper مجراهم في تعريب المصطلح Hyperémèse فيجعلوها كلها أو جلها على صيغة "تَفْعال"
فنحن نهيب بأساتذتنا الأفاضل، أعضاء "اتحاد الأطباء العرب" أن يراجعوا منهجهم هذا الذي يسجل على لغة العروبة عجزا صوريا هي سليمة منه، وقصورا وتقصيرا هي بريئة منهما، ويزكي تخلفا فرضه عليها أبناؤها بمثل هذا السلوك المتحفظ من توظيف الأوزان لصياغة المصطلحات. "فُعال" للداء و"فَعُول" للدواء
جاء في كتاب "فقه اللغة وسر العربية" للعلامة اللغوي أبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي (رحمه الله) ضمن "الباب السادس عشر في صفة الأمراض والأدواء" فصل في سياق ما جاء منها على "فُعَال" ما يلي :
" أكثر الأدواء والأوجاع في كلام العرب على "فُعَال" : كالصُّدَاع، والسُّعَال، والزُّكام، والبُحاح، والقُحاب، والخُنان، والدُّوار، والنُّحاز، والصُّدام، والهُلاس، والسُّلال، والهُيام، والرُّداع، والكُباد، والخُمار، والزُّحار، والصُّفار، والسُّلاق" والكُزَاز، والفُوَاق، والخُناَق").
"كما أن أكثر أسماء الأدوية على " فَعُول " : كالوَجُور، واللَّدُود، والسَّعوط، واللَّعُوق، والسَّنُون، والبَرُود، والذَّرُور، والسَّفُوف، والغَسُول، والنَّطُول ".
واعتبارا لكثرة مجيء الأدواء في كلام العرب على وزن " فُعَال " وعلى وزن " فَعَل " اتخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة القرار التالي :
"بما أن الضرورة العلمية في وضع المصطلحات تقتضي استعمال صيغة " فَعَل " للداء يجاز اشتقاق " فُعَال " و" فَعَل " للداء سواء أَوَرَدَ له فعل أو لم يرد ".
ونحن قياسا على لفظ " كُبَاد " المذكور أعلاه، والوارد في " المعجم الطبي الموحد " قبالة المصطلح الفرنسي Hépatose الذي يعني انخفاض الكبد بسبب ارتخاء معاليقها نقترح إقرار لفظ " مُنَاع " المشتق من " المناعة " على وزن " فُعَال " للداء المعروف الآن بـ "فقد المناعة" (سيدا SIDA).
ومن الإنصاف أن نقول إن جل أسماء الأدواء المذكورة أعلاه على وزن " فُعَال " موجودة في " المعجم الطبي الموحد " وكذلك جملة وافرة من أسماء الأدواء على وزن " فُعَال " وعلى وزن " فَعَل". وزن " أفْعَل " لمعايب خلق الإنسان
جل معايب خلق الانسان جاءت على " أَفْعَل " نسوق منها قليلا من كثير :
أَعوَر، أَعرَج، أَصْلَع، أَقْرَع، أَقْعَس، أَحْدَب، أَبْكَم، أَخْرَس، أَطْرَش، أَصَمّ، أَعوَج، أَلْثَغ الخ.. وزن " أَفْعَل " للألوان كذلك
" أَخْضَر، أحمر، أصفر، أبيض، أسود، أسمر، أزرق، أشهب، أدكن الخ... وزن " فُعَاَلة " للنُّفايات
على سبيل المثال نقتبس من " فقه اللغة " للثعالبي :
" بُرَايَة العود، بُرَادَة الحديد، قُرَامة الفرن، حُزَازة الوسخ، نُسَالة الوبر والريش، عُصَافة السنبل، مُشَاطة الشعر، خُلَالة الفم، قُرَاطة السراج، خُرَاطة، نُشَارة، نُحَاتة الخ...
ولا نود أن نسترسل أكثر من هذا القدر في عرض مختلف الأوزان التي قلنا عنها أنها تفوق الألف، والذي نريده بالسرد الذي قمنا به هو التنبيه أو التذكير بعظمة خطورة الأوزان في اللغة العربية. وكيف لا وهي منها تتكون بنيتها، فالأوزان بالنسبة للغة الضاد بمثابة الهيكل العظمي لجسم الإنسان.
فكلام العرب كله موزون أوزانا وظيفية تجعل لغتهم منظمة، ومقعَّدة، ومصنفة تصنيفا منطقيا جماليا دلاليا كأنهم قدروها تقديرا قبل أن يتكلموها فكأنهم اجتمعوا في أكاديمية لغوية اجتماعات عديدة لم ينفضّوا منها حتى اتفقوا على قواعدها وتحديد صيغ أوزانها، وتخصيص كل منها للدلالة على فئة متجانسة من أشياء أو أعمال أو أحوال أو مفاهيم مادية ومعنوية...الشيء الذي لا تستطيع ولن تستطيع أن تفعل مثله ولا قريبا منه، أكاديميات الدول المتزعمة الحضارة في هذا العصر.
لكنه صنع الله الذي أتقن كل شيء قد هيأها لتحتضن وحيه ورسالته العالمية الموجهة إلى جميع البشر في جميع العصور على ممر الدهور، مما جعل المفكر الفرنسي الحانق على العرب والإسلام "ارنست رينان" يتعجب فيقول في كتابه (تاريخ اللغات السامية) :
" من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتبلغ درجة الكمال، وسط الصحاري عند أمة من الرحَّل، تلك التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها، ولم يعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة.
ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها، وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعرف شبيها لهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج، وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة، وهذه ظاهرة عجيبة، لاسيما إذا اعتبرنا مدى مساهمة الفلسفة الإسلامية في تكوين علم الكلام، خلال القرون الوسطى، والدور الذي قام به في ذلك كل من ابن سينا، وابن رشد، وما كان لهما من تأثير على أشهر مفكري المسيحية. ".
ويصف فيكتور بيرار اللغة العربية في القرن الرابع الهجري بأنها أغنى، وأبسط وأقوى، وأرق، وأمتن وأكثر اللهجات الإنسانية مرونة وروعة. فهي كنز يزخر بالمفاتن، ويفيض بسحر الخيال، وعجيب المجاز، رقيق الحاشية، مهذب الجوانب، رائع التصوير، وأعجب ما في الأمر أن البدو كانوا هم سدنة هذه الذخائر، وجهابذة النثر العربي جبلة وطبعا. ومنهم استمد كل الشعراء ثراءهم اللغوي وعبقريتهم في القريض.
ويقول (إغناطيوس كرانشوفسكي) : " أول ما نلحظه من أول نظرة نلقيها على هذه اللغة - أي العربية - الغنى العظيم في الكلمات، والإتقان في الشكل، والليونة في التركيب .".
ويقول (بلاشير) اللغوي المعجمي : " اللغة العربية خلاقة وبناءة ". فالكمال الذي بلغته لغة الضاد والذي يتحدث عنه (ارنست رينان) وكونها كنزا يزخر بالمفاتن كما وصفها (فيكتوربيرار) وكونها " خلاقة بناءة " كما يصفها (بلاشير) كل ذلك مرجعه إلى الأوزان، فالأوزان هي اللغة العربية واللغة العربية هي الأوزان.
ولا ينبغي أن يفهم مما تقدم أننا نحصر ملاحظتنا بشأن توظيف " الأوزان " في مجال الطب وحده، أو في ميدان العلوم على العموم، بل إننا لنحجم عن توظيف الأوزان حتى في تعريب المصطلحات الحضارية، والمتصلة منها بحياتنا اليومية.
فنحن -مثلا- عندما نعرب Cabine téléphonique بـ " غرفة الهاتف " كما هو في " المنهل " القاموس الفرنسي العربي، تأليف الدكتور جبور عبد النور والدكتور سهيل إدريس، وكما هو في " المنجد " الفرنسي العربي إصدار دار المشرق أو " مخدع الهاتف " كما هو في غيرهما، فإنما نعطّل وظيفة الوزن المخصص للمكان وهو " مَفْعِل " فيما كان عين فعله المضارع مكسورة، و" مَفْعَل " فيما عدا ذلك.
ولو وظفنا هذا الوزن لأعطانا لفظ " مَهْتِفْ " على وزن " مَنْزِل " و" مَجْلِس " بمعنى " مكان للهاتف ". والمكان هو المقصود بالعبارة الفرنسية لا شكل المكان.
ثم إن ترجمة لفظ cabine بـ " الغرفة " ترجمة غير صحيحة لأن اللفظ الفرنسي لا يقتضي معنى العلوّ وأكثر ما تكون cabine أرضية بينما لفظ " الغرفة " يعني حسب " المعجم الوسيط " تأليف مجمع اللغة العربية بالقاهرة وحسب (لسان العرب) لابن منظور " العِلِّيّة " وزاد هذا الأخير من معانيها " السماء السابعة " وفي القرآن الكريم : )لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار.(. (سورة الزمر الآية 20).
وعندما نعرب Standard téléphonique بـ "مَقْسِم هاتفي" كما هو في "المنهل" وفي "المنجد" فإنما نعطّل الأوزان المخصصة للآلة وأكثرها استعمالا "مِفْعَل" و"مِفْعَال" و"مِفْعَلَة" ولو استعملنا -مثلا- وزن "مِفْعَال" لأعطانا لفظ "مِهْتَاف" ولعرّبنا المصطلح Standardiste بـ "مِهْتَافي" بدلا من هذه العبارة الطويلة : "عامل المقسم التلفوني" التي في "المنهل" وبدلا من "عامل مقسم هاتفي" التي في "المنجد" الفرنسي العربي. ولو كنا وظفنا "مَفْعَلَة" المكانية لأعطتنا "مَهْتَفَة" لنقابل بها téléboutique أي المكان الذي تكثر فيه "المـَهَاتِف" جمع "مَهْتِف" فمن القرارات التي اتخذها مجمع اللغة العربية بالقاهرة القرار التالي : " تصاغ "مَفْعَلَة" قياسا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان سواء كانت من الحيوان أم من النبات أم من الجماد ".
وعندما نعرب communication téléphonique بـ "مخابرة هاتفية" كما في "المنهل" أو "مكالمة هاتفية" كما هو شائع في المغرب فإننا نغفل عن اتخاذ وزن "مُفَاعَلة" من مادة "هَتَفَ" وإلا لكنا عرّبنا العبارة الفرنسية بلفظ "مُهَاتَفة"، ولجعلنا لفظ "مُهَاتِف" للمخاطب بالهاتف فنقول مثلا "مَنْ مُهَاتِفِي" أو "مَنِ المـُهاتِف؟" لإفادة معنى العبارة الفرنسية المتداولة : qui est à l'appareil؟
الأمثلة كثيرة على تقييدنا يدي لغتنا، وامتناعنا من إطلاقهما للعمل. وذلك بعدم اهتمامنا باستغلال كل إمكاناتها التي توفرها الأوزان عندما نهتدي إلى تعريب مصطلح أعجمي، فلا نشتق من مادة المصطلح العربي (الذي وضعناه قبالته) جميع ما يتصل به من إسم الآلة والحرفة والمكان الخ... مما تدعو الحاجة إلى تعريبه.
ونكتفي هنا بإيراد مثال واحد على سبيل البيان :
لقد استخرج أحد الغوّاصين في بحر اللغة درة ثمينة طالما اشتدت حاجة لغة الضاد إليها لتقابل بها المصطلح الأعجمي Dactylographierالذي كان يترجم بـ "ضرب على الآلة الكاتبة". وذلك عندما عثر في (المخصص) لابن سيده ضمن فصل الكتابة على فعل "رَقَنَ" مع شرحه : "رَقَنَ : كتب كتابة واضحة" فتقدم به إلى المعهد المغربي "معهد الدراسات والأبحاث للتعريب" بالرباط الذي عمل على نشره في المغرب وفي تونس، ولكن لم يشتق منه حتى الآن سوى لفظ "راقنة" ليقابل Une dactylographe ولفظ "رِقَانَة" ليقابل dactylographie، فلو أننا التفتنا إلى بقية الأوزان لأمدتنا باسم الآلة "مِرْقَنَة" (Machine à écrire) ولأمدتنا بوزن "فَعْلَة" للمرة في صيغة "رَقْنَة" ليقابل une frappe ولأمدتنا بالوزن المخصص للمكان "مَفْعَل" في صيغة "مَرْقَن" ليقابل عبارة Pool de dactylos ليعني المكان الذي يضم الراقنين والراقنات. وذكر ابن سيده في نفس الفصل "الرِّقان ما يُرْقَنُ به" فيمكن جعله قبالة Ruban pour machine à écrire ثم يمكننا أن نشتق منه على وزن "فَاعُول" أو "فَاعُولَة" اللذين تستعملهما العرب للدلالة على الآلة الكبيرة فنصوغ منه لفظ "رَاقُون" لنقابل به Télex . فمما جاء على هذا الوزن في كلام العرب "ناقوس" (ناقوس الكنائس الكبير)، و"ناعورة" ومن الموَلَّد على هذا الوزن "نَافُورَة".
كما يمكننا أن نصوغ منه فعل "رَاقَنَ" لنقابل به فعل Télexer ووزن المحترف "رَقَّان" ليقابل Télexiste وتبقى سائر الأوزان بالمرصاد لما يستجد ويحدث من مصطلحات أعجمية في هذا المضمار : مضمار الرقانة.
ومن عوامل طمس عبقرية اللغة الخلط بين بعض أوزانها الناجم عن توهّم الترادف فيما بينها، فنجعل الواحد مكان الآخر غافلين عن أننا عطّلنا وظيفة أحدهما أو كليهما وبذلك أحدثنا التباسا خطيرا أو فراغا اصطلاحيا فرضناه على اللغة فرضا جائرا. فَعَلَ" و"فَعَّلَ "
فقلَّما يعني "فَعَّل" المضعف العين ما يعنيه "فَعَل" المخفف العين سواء بسواء. فمن أقوال الصرفيين : "الزيادة في المبنى زيادة في المعنى". فَفَعَّل المضعف يعني المبالغة في "فَعَل" المخفف. فـ "كَسَّر" يعني بالغ في الكسر ومصدره "التكسير" و"قَطَّع" يعني بالغ في القطع، ومصدره "التَّقطيع" بخلاف "كَسَرَ" و"قَطَعَ" المخففين فهما لا يعنيان سوى مجرد الكسر والقطع بدون مبالغة ولا تكثير. وبشأنهما اتخذ "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة القرار التالي : " فَعَّل المضعف مقيس للتكثير والمبالغة" ولكن هذا لم يمنع الكثيرين من استعمال أحدهما مكان الآخر فـ "كَسَّر" المضعف يقابله في الفرنسية فعل briser و"كَسَر" المخفف يقابله فعل casser و"قَطَعَ" المخفف يقابله couperو"قَطَّع" المضعف يقابله Découper فعندما نستعملهما مترادفين قبالة couper مثلا كما هو جار به العمل.
فماذا يحدث ؟ الذي يحدث هو أننا نفقد مقابل découper فنضطر إلى استعمال عبارة كاملة لمقابلته مثل "قطع قطعا صغيرة" ثم نتحسر على "فقر" اللغة العربية التي "لا تملك" مقابلا للفظ Découper مكونا من لفظ واحد كما في الفرنسية.
ويتحسر مثل هذا التحسر من يشعر كذلك بـ "الفقر" الموهوم من يرادف أو يخلط بين " صَنَع " (Fabriquer) و" صَنَّع " (Industrialiser) أو بين مصدريهما "صُنْع"(Fabrication) و" تَصْنِيع" (Industrialisation) والأمثلة كثيرة.
ولا تنحصر عوامل طمس عبقرية اللغة في تجاهلنا الأوزان والإعراض عن توظيفها أو الخلط فيما بينها، بل عوامل الطمس متعددة ومتنوعة، وأكثر من أن تحصى فتذكر، ونكتفي منها بما يحضرنا عفوًا ساعة تحرير هذا البحث. تعجيم الأسلوب التعبيري
إن شدة حرص المترجمين على التشبث الأعمى بألفاظ العبارات الأعجمية أكثر من تشبثهم بمعانيها كاد أن يحدث خللا خطيرا في فصاحة اللسان العربي بما أدخل على عمل الترجمة من تعابير أعجمية المبنى خلاسية المعنى عربية الألفاظ فكثرت العجمة والرطانة وسرت العدوى إلى المحررين بلغة الضاد حتى أولئك الذين لا يعرفون لغة غيرها. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر. نكتفي منها بما يلي تزييف كاف التشبيه
نحن نعجِّم كاف التشبيه التي لا تعني في اللغة العربية سوى التشبيه عندما نستعملها لغير التشبيه، في مثل هذه العبارة : "عُيّن كوزير في الحكومة" أو "اشتغل كمراسل للصحيفة" وذلك لإفادة معنى العبارة الفرنسية :
"Il a été désigné comme ministre dans le gouvernement"
أو لإفادة معنى العبارة التالية :
"Il travaillait comme correspondant du journal" نقول : "اشتغل كمراسل للصحيفة".
فعندما نترجم هاتين العبارتين الفرنسيتين ومثيلاتهما على هذا النحو فإننا نأتي بترجمة خاطئة، لا تؤدي معنى العبارات المراد ترجمتها، وترجمة العبارتين الفرنسيتين المذكورتين هي على الأصح : "عُيِّن وزيرا في الحكومة" و"اشتغل مراسلا للصحيفة ".
لأن عبارة "عُيِّن كوزير" لا تعني في الفصحى أنه عين في منصب وزير بل في منصب شبيه بمنصب وزير. كما أن عبارة "اشتغل كمراسل" لا تعني أنه كان يقوم بعمل مراسل بل بعمل شبيه بعمل مراسل.
وترجمة هاتين العبارتين العربيتين إلى الفرنسية هي كما يلي : "Il a été désigné pour un poste semblable à celui de ministre"
و "Il exerçait un travail semblable à celui de correspondant du journal"
فالخطأ آت من حرص المترجم على إيجاد لفظ عربي مقابل للفظ الفرنسي comme الذي زيادة على معنى التشبيه له معان كثيرة جدا في اللغة الفرنسية مذكورة بتفصيل في معاجم (لاروس) و(بول روبير) ومن جملة معانيها إفادة الحال مثلما في العبارتين المذكورتين.
والترجمة الصحيحة تقتضي منا أن نترجمها في هاتين العبارتين بما يفيد الحال في العربية وهو جعل لفظي "وزير" و"مراسل" منصوبين على الحال, فلئن كان للفظ comme في الفرنسية معان كثيرة فكاف التشبيه في العربية لا تفيد إلا معنى واحدا وهو التشبيه, وفي استعمالها لإفادة الحال تعسف لا تقبله لغة العروبة ولن تستسيغه بتاتا. مؤلفات للكاتب
دواوين شعرية :
في شعاب الحرية (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
في رحاب الله (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
مع أزهار الحياة (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
الإسعاد (صدر عن مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء)
على الدرب
كتب باللغة العربية صدرت عن نفس المطبعة :
في اللغة
في التعريب
في الاصطلاح
مدخل لتعريب الطب
الفقه الواضح (كتاب الطهارة و الصلاة)
سفينة البحور الشعرية (في العروض)
معاجم :
معجم الطحانة والخبازة والفرانة (فرنسي – عربي)
المستدرك في التعريب (مصطلحات قام بتعريبها من الفرنسية) (مطبوع)
"معجم مهني" (فرنسي عربي لأعوان مكتب التسويق و التصدير مرقون في جزأين