الرد على مقال
(هدم التماثيل من منظور إسلامي)
لكاتبه / سليمان بن عبدالله التركي
كتبه
ناصر بن حمد الفهد
محرم 1422
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد قرأت المقال الذي كتبه المدعو (سليمان بن عبد الله التركي) في جريدة الوطن العدد (179) يوم الثلاثاء 2 محرم 1422هـ بعنوان (هدم التماثيل من منظور إسلامي) حاول فيه تسويغ ترك الأصنام التي تعبد من دون الله بمبررات واهية وأساليب ملتوية قد سبق إليها–وهي شنشنة نعرفها من أخزم - ، ولم يأت بجديد إلا زيادة في التلبيس والدجل تظهر لمن قرأ هذا الرد، وقد رأيت أن أبين فساد كلامه في هذه الأوراق لئلا ينطلي كلامه على أحدٍ من العامة، والله المستعان .
والحقيقة أنني لم أر أكثر جرأة على الكذب والتلبيس والتناقض من هذا الكاتب ؛ وسوف أذكر أولاً كذبه وتناقضه على وجه الإجمال قبل الرد التفصيلي عليه ليتبين (معيار) علمه و صدقه ، فأقول :
أما كذبه :
1- فقد كذب أولاً على الفاتحين الأوائل حينما زعم أنهم لم يهدموا من الأصنام إلا في البلاد التي افتتحوها عنوة لا صلحاً !!.
2- وكذب على ابن سبكيتكين –وابن كثير المؤرخ- حينما زعم أنه ترك صنمي بوذا وهو يقدر عليهما ؛ لأنه قدر على كسر الصنم الأعظم للهند وهو على وصف ابن كثير أعظم من ذينك الصنمين!!.
3- وكذب على أهل العلم حينما زعم أن البلاد التي تفتح صلحاً فإنه يسمح للكفار بإظهار معبوداتهم وأصنامهم !!.
4- وكذب على الصحابة رضي الله عنهم حينما زعم أنهم رأوا الأصنام التي يقدرون على كسرها وتركوها!!.
وأما تناقضه :
1- فقد ذكر في مقدمة حديثه أنه لا نزاع في حرمة التماثيل واتخاذها للزينة أو للتجارة ؛ ثم أخذ يقرر بعد ذلك أن التماثيل إذا كانت غير معدة للعبادة فلا بأس بها و لا تكسر ، فنقض ما حرّره أولاً!!.
2- أنه ذكر أن المشروع فيما فتحه المسلمون من البلاد عنوة وحرباً فلهم تحطيم أصنامها مطلقاً ، ثم أخذ يقرر بعد ذلك أنه إذا %محمداً e بعث بالتوحيد وإزالة الشرك وآثاره ، وهدم الأوثان واوة كما قرره أولاً!!.
وإليك تفصيل الرد على ما قاله هذا الكاتب :
أولا : قال (إن أغلب الأطروحات كانت تؤيد حركة طالبان ولست أثرب على المؤيدين فلهم أدلتهم واجتهادهم، لكن يؤخذ عليهم ابتسار المسألة واختزالها وتصويرها معركة بين المنافحة عن الإسلام والمنافحة عن الأصنام وهذا ما جيّش عواطف العوام وأنصاف المثقفين وجماهير الملتزمين لتأييد حركة طالبان) .
قلت :
إن الكاتب هنا يحاول إظهار نفسه بمظهر المنصف – وشتان ما بين اليزيدين في الندى- ، فذكر هذا المأخذ على مؤيدي هدم الأصنام وهم قلة وصوتهم ضعيف لا يكاد يسمع من ضجيج الشجب والاستنكار، وأما الذين هاجموا هذا الفعل وهم رجال الصحافة والإعلام والقنوات والهيئات والمنظمات والدول وقد قاموا على قدم وساق ينافحون عن الأصنام ويتهمون من يحاول هدمها بشتى التهم ، ويرمونهم بالنقائص ، و قاموا بحملة مسعورة على اختلاف أديانهم ونحلهم وبلدانهم ، فهؤلاء لم ير عليهم مأخذاً ، ومن مظاهر إنصافه أنه وصف مؤيدي هدم الأصنام بأنهم (العوام) و (أنصاف المثقفين) ، وأما (المثقفون (فُل) كامل!!! ) فمعه في مذهبه ، فنتيجة المقال معروفة مسبقاً لمن قرأ الأسطر الأولى لهذا الكاتب.
ثانياً : قال (وقد غفل أولئك المؤيدون أن المسألة فيها تفصيل مبني على استقراء نصوص الشريعة وعمل الصحابة) .
قلت :
لا والله ما غفلوا ، وما جهلوا ، وقد استقرأوا النصوص واستدلوا بها ، وعملوا بما عمله الصحابة ، واتبعوا آثارهم ، وساروا على دربهم وطريقهم ، وانظر إلى استدلالاتهم تجدها مليئة بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة ومن بعدهم ، وانظر إلى استدلالات المخالفين تجدها مليئة بقرارات (اليونسكو) وبيانات (الأمم المتحدة) والهيئات (السياحية) في وجوب حفظ التراث، وأنها ملك للبشرية ، وأنها طريق اقتصادي ، ولكن عيب المؤيدين لهدم الأصنام أنهم أتوا بما لا يريده المنهزمون ، و لا تجد أحداً من أهل العلم له قدم صدق في الإسلام إلا وهو يقول بقولهم ، وسوف نرى تفصيله العجيب الذي غفل عنه الناس حتى انبرى له هذا الكاتب وبينه!!.
ثالثا : قال : (أولاً : لا خلاف أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وحرب الشرك، وقد رأيت المؤيدين أطالوا في هذا، وليس هذا محل نزاع بين الفريقين) .
قلت :
وهذا من جهل الكاتب ، فالكلام على وجوب هدم الأصنام مبني على هذه المقدمة :
فمن سلمها وجب عليه التسليم بنتيجتها .
ومن لم يسلمها خرج من الإسلام .
ومن سلم هذه المقدمة وخالف في النتيجة فقد تناقض ، وحسبك بهذا مبطلاً لقوله .
فإذا عُلِم أن محمداً e بعث بالتوحيد وإزالة الشرك وآثاره ، وهدم الأوثان والأصنام بنفسه، وبعث من يهدمها ، وأمر بذلك كل مسلم ، فإن النتيجة هي وجوب إزالة هذه الأوثان والأصنام.
رابعاً : قال : (ثانياً : لا خلاف في حرمة صناعة التماثيل واتخاذها للزينة أو التجارة وقد رأيت المؤيدين أطالوا في تبيان هذا أيضاً وهو ليس محل نزاع بين الفريقين) .
قلت :
والجواب من وجهين :
الأول: أن يقال : ومن قال إنه ليس محل نزاع بين الفريقين؟؟!!
ألم تقرأ مقالات المدعو (فهمي هويدي) وتبجحه بتماثيل (الزينة) التي بثها في بيته ؟!!.
وفتاوى عبد الرءوف الأزهري وتبشيره للذين يتخذون التماثيل للزينة بأنه لا حرج عليهم فيها؟؟!! .
وهذه المقالات وغيرها بثتها الصحف في حملتها المسعورة شفقة على أصنام (بوذا) .
فإن كنت قرأتها –وهو ما أرجحه- فلم تلبس على المسلمين وتدعي عدم وجود خلاف في هذه المسألة؟؟!!.
وإن كنت لم تقرأها فكيف تأتي لتحل إشكالاً لم تعرف أصل النزاع فيه؟؟!!
الثاني : أن الكاتب تناقض في هذا ، فهاهو يقرر أن التماثيل هذه محرمة ، ثم أخذ يقرر فيما بعد أنها إذا كانت لا يخشى منها على عقائد المسلمين فإنه لا بأس بها!!!.
خامساً : قال (وعليه فالخلاف في مسألتين :
المسألة الأولى : هل يجب تحطيم الأصنام التي يعبدها غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ؟ والإجابة على هذا السؤال تستلزم التفريق بحسب موطن العبادة، فموطن العبادة ينقسم إلى مكانين:
أولاً : جزيرة العرب وهذه لا يجوز إبقاء عبادة أخرى غير الإسلام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) وقد أخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه اليهود من الجزيرة، وعليه فلا يجوز إبقاء صنم يعبد فيها مطلقا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبا سفيان وغيرهم لتحطيم الأصنام، وليس لأهلها إلا الإسلام أو السيف أو الهجرة عنها .
ثانياً : بقية المواطن غير الجزيرة العربية وهذه الحكم فيها قسمان :
القسم الأول : ما فتح عنوة وحرباً، فهذا حكمه للمسلمين يتصرفون فيه حسب حكم أهل الحل والعقد سبياً وقتلاً وعفواً وتحطيم أصنامٍ وهدم بيوت عبادة وكل ما استشهد به المؤيدون للهدم إنما هي وقائع حصلت في الحروب كاستشهادهم بفعل قتيبة بن مسلم ومحمود بن سبكتكين، والدليل على ذلك أن محمود بن سبكتكين قد هدم أعظم أصنام الهندوس بعد قتالٍ مرير معهم، وفي المقابل ترك أصنام بوذا التي هدمتها طالبان وهو يسكن بجوارها، وليس صحيحاً أنّ المسلمين تركوها عجزاً عن هدمها لأن الصنم الذي هدمه محمود بن سبكتكين في الهند أعظم من ذينك الصنمين اللذين هدمتهما طالبان كما وصفه ابن كثير في تاريخه )
قلت : والكلام على هذا من وجوه :
الوجه الأول : أن قوله (الخلاف في مسألتين) جهل منه ، فالخلاف أعم وأوسسخرى للمؤيدين .
سادساً : قال : ( القسم الثاني: البلاد التي فتحت صلحاً، فهذه يؤمن أهلها على ما صولحوا عليه من أديانهم، %أو للتجارة ونحوها .
الوجه الثاني : أن كلامه على (جزيرة العرب) صحيح ، ولكنه أراد به باطل ، فهو يريد أن يقصر هدم الأوثان على خصوص جزيرة العرب –كما سيأتي إبطاله إن شاء الله تعالى-.
الوجه الثالث : قوله (وكل ما استشهد به المؤيدون للهدم إنما هي وقائع حصلت في الحروب كاستشهادهم بفعل قتيبة بن مسلم ومحمود بن سبكتكين) .
قلت :
و هذا من تلبيسه وكذبه –وقد تكرر هذا الفعل منه- ، والكلام هنا على فعل (قتيبة بن مسلم) لأنه فتح سمرقند صلحاً لا عنوة سنة ثلاث وتسعين –في وقت الصحابة رضوان الله عليهم فإن آخر الصحابة موتاً كانت وفاته سنة 110 – وأحرق أصنامهم كما في (البداية والنهاية) 9/86 ، فهو هنا أحرق أصنامهم بعد افتتاح (سمرقند) صلحاً لا عنوة .
وكذلك فتح (عبدالرحمن بن سمرة) رضي الله عنه –وهو من الصحابة- لجبل (الزون) من (سجستان) ؛ فإنه افتتحه صلحاً ودخل على صنمهم وأخذ الياقوت من عينيه وقطع يديه ، كما في (فتوح البلدان) 386 .
فهذان مثالان فقط للدلالة على تلبيس الكاتب وكذبه على القراء .
الوجه الرابع : قوله (وليس صحيحاً أنّ المسلمين تركوها عجزاً عن هدمها لأن الصنم الذي هدمه محمود بن سبكتكين في الهند أعظم من ذينك الصنمين اللذين هدمتهما طالبان كما وصفه ابن كثير في تاريخه) .
قلت : والرد عليه في هذا من وجهين :
الوجه الأول : -المنع- فنمنع ما ذكره من قدرته عليها وقد رأينا بأعيننا كيف صمدت هذه الأصنام أمام الصواريخ والمتفجرات والأسلحة الحديثة ، أفنسلّم للكاتب بعد هذا قوله بقدرة المسلمين الأوائل عليها بمجرد قوله (وليس صحيحاً)؟؟!! .
وأما ما ذكره عن الصنم الأعظم الذي هدمه ابن سبكتكين وأنه أعظم من ذينك الصنمين فهو من كيس الكاتب وتلبيسه وكذبه المتكرر ، وإلا فلماذا لم يذكر وصفه الذي استدل به على أنه أعظم منهما؟؟!!! ، فإن ابن كثير رحمه الله تعالى ذكر أن هذا الصنم عظيم ولم يصفه ويقارن بينه وبين هذه الأصنام ، وإنما وصف تعظيم الهنود والوثنيين له ، لذلك لم يذكر هذا الكاتب نص كلام ابن كثير حتى لا ينكشف كذبه وتلبيسه ، وأعظم وصفٍ لهذا الصنم المدعو (سومنات) هو أن طوله (خمسة أذرع) –كما ذكره ابن الأثير في (الكامل) 8/150، أفيقارن بين (خمسة أذرع) وأكثر من خمسين متراً منحوتة على الجبال لولا الكذب والهوى؟؟!!.
الوجه الثاني : -التسليم- فلو سلمنا له ما ذكره عن ابن سبكتكين رحمه الله تعالى فذكر المؤيدين لهدمه الأصنام هو من باب الاستئناس لا الاحتجاج ، فإن احتججتَ بفعله في ترك أصنام (بوذا) –على فرض قدرته عليها- فاحتج بفعله على هدم الأصنام الأخرى –و سيرته معروفة في هدمه للأصنام-، وإن لم تر الاحتجاج بفعله على هدم الأصنام فلا حجة لك في تركه لأصنام (بوذا) –وهذا كله على سبيل التنزل والتسليم بأنه قادر على هدمها-، فننظر للأدلة الأخرى للمؤيدين .
سادساً : قال : ( القسم الثاني: البلاد التي فتحت صلحاً، فهذه يؤمن أهلها على ما صولحوا عليه من أديانهم، روى ابن أبي شيبة في مصنّفه (6/471) عن أبيّ بن عبدالله قال: ( جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز لا تهدم بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار صولحوا عليه ) ولا يجوز إكراههم على الإسلام لقوله تعالى (لا إكراه في الدين ) قال ابن كثير : ( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح، جلية دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحدٌ على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً ) تفسير ابن كثير (1/310).
وهذا ما يفسر بقاء الكنائس وفيها تماثيل لعيسى عليه السلام ولمريم عليها السلام في مصر والشام وقد وقفت بنفسي على شيء من ذلك، ومثلها بقاء دور عبادة النار وأصنام البوذيين والهندوس ومعابد الصابئة، وبقاء تلك الديانات في بلاد الإسلام مع قدم العهد بدخول الإسلام لتلك الديار ، هذا تحرير القول في هذه المسألة ) .
قلت :
وهذا كلام لبس فيه الحق بالباطل ، وبيانه كما يلي :
أولاً : أن ما صولح عليه الكفار من كنائس ومعابد ونحوها فإنها تترك لهم بما فيها من تماثيل وأصنام وتصاوير ، ولكن بشرط عدم إظهار ذلك :
ففي الشروط العمرية المشهورة على أهل الذمة ( (وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً…وألا نخرج صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين) وانظر شرحها لابن القيم (أحكام أهل الذمة) 2/719 .
فإذا قاموا بإظهار شئ من أصنامهم أو صلبانهم ونحوها فإنها تكسر ، وإليك النقول عن العلماء وقد ذكرتها في (إقامة البرهان) على ترتيب المذاهب :
فمن الحنفية :
قال أبو بكر الكاساني الحنفي في (بدايع الصنايع) 7/114 :
(لا يمكنون من إظهار صليبهم في عيدهم ; لأنه إظهار شعائر الكفر , فلا يمكنون من ذلك في أمصار المسلمين , ولو فعلوا ذلك في كنائسهم لا يتعرض لهم وكذا لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم القديمة لم يتعرض لذلك ; لأن إظهار الشعائر لم يتحقق , فإن ضربوا به خارجاً منها لم يمكنوا منه لما فيه من إظهار الشعائر).
وقال كمال الدين بن الهمام في (فتح القدير) 6/60 :
(إنهم –أي أهل الذمة- إذا حضر لهم عيد يخرجون فيه صلبانهم وغير ذلك فليصنعوا في كنائسهم القديمة من ذلك ما أحبوا , فأما أن يخرجوا ذلك من الكنائس حتى يظهر في المصر فليس لهم ذلك , ولكن ليخرجوا خفية من كنائسهم) .
ومن المالكية :
قال الحطاب في (التاج والإكليل) 4/602:
(قال ابن حبيب : يمنع الذميون الساكنون مع المسلمين إظهار الخمر والخنزير وتكسر إن ظهرنا عليها ويؤدب السكران منهم، وإن أظهروا صلبهم في أعيادهم واستسقائهم كسرت وأدبوا)
وقال الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير 2/316 :
(وكذا يكسر صليبه إن أظهره).
ومن الشافعية :
وقال الشافعي في (الأم) 4/210- في شرلاً : أظهرت أن المسلمين لم يهدموا الأصنام إلا إذا فتحوا البلاد صلحاً –وقد بينا كذبك على الفاتحين الأوائل-.
وثانياً : أظهرت أن الصنم الذي هدمه ابن سبكتين أعظم من هذين الصن%ربوا بناقوس , ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى ابن مريم , ولا في غيره لأحد من المسلمين).
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في (تحفة المحتاج) 9/302 :
(ويمنعون –أي أهل الذمة- من إظهار منكر بيننا ؛ نحو خمر , وخنزير , وناقوس : وهو ما يضرب به النصارى لأوقات الصلاة ، وعيد , ونحو لطم , ونوح , وقراءة نحو توراة, وإنجيل , ولو بكنائسهم ; لأن في ذلك مفاسد كإظهار شعار الكفر فإن انتفى الإظهار فلا منع , وتراق خمر لهم أظهرت , ويتلف ناقوس لهم أظهر ).
ومن الحنابلة :
وقال ابن مفلح الحنبلي في (الفروع) 6/276 :
(ويمنعون وجوباً من إظهار خمر وخنزير , فإن فعلا أتلفناهما وإلا فلا , نص عليه - وسبق أول الغصب -، وإظهار عيد وصليب وضرب ناقوس ورفع صوت بكتاب أو على ميت ، وقال شيخنا : ومثله إظهار أكل في رمضان , ونص أحمد : لا يضربون بناقوس , ومراده والله أعلم : إظهاره , قال في الروضة وغيرها : ويمنع من التعرض للذمة فيما لم يظهروا).
وقال السفاريني في غذاء الألباب 1/240:
(وما أظهروه من المحرمات في شرعنا تعين إنكاره عليهم , فإن كان خمرا جازت إراقته , وإن أظهروا صليبا أو طنبورا جاز كسره . وإن أظهروا كفرهم أدبوا على ذلك ، ويمنعون من إظهار ما يحرم على المسلمين).
ومن الظاهرية :
وقال ابن حزم رحمه الله في (المحلى) :
(الصغار هو أن يجري حكم الإسلام عليهم , وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم , ولا مما يحرم في دين الإسلام قال عز وجل : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله))
فتبين مما سبق الاتفاق على منع أهل الذمة من إظهار شئ من أصنامهم ومعبوداتهم وصلبانهم، وأنها إذا أظهرت بين المسلمين فإنها تتلف وتكسر ، فالكاتب لبسّ حين زعم أنهم يتركون كما شاءوا في إظهار أصنامهم.
ثانياً: أما قوله ( عن أبيّ بن عبدالله قال: ( جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز لا تهدم بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار صولحوا عليه ) . فإن هذا صحيح –كما سبق- بشرط عدم إظهار شئ من صلبانهم وأصنامهم ، وعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الذي كتب هذا ، هو نفسه الذي كتب إلى عدي بن أرطاة أن يمحو التماثيل المصورة –كما رواه أبو الشيخ الأصفهاني-.
ثالثاً: قوله (ومثلها بقاء دور عبادة النار وأصنام البوذيين والهندوس ومعابد الصابئة) ، فقد سبق ذكر اتفاق العلماء –على اختلاف مذاهبهم- بأنه لا يسمح لهم بإظهار أصنامهم ومعبوداتهم وأنها تكسر لو أظهرت بخلاف ما يفهم من قول الكاتب.
رابعاً: قوله (هذا تحرير القول في هذه المسألة) .
أقول : ما حررت بل لبست ودلست وكذبت:
فأولاً : أظهرت أن المسلمين لم يهدموا الأصنام إلا إذا فتحوا البلاد صلحاً –وقد بينا كذبك على الفاتحين الأوائل-.
وثانياً : أظهرت أن الصنم الذي هدمه ابن سبكتين أعظم من هذين الصنمين ، وقد بينا كذبك على ابن سبكتكين ، وعلى ابن كثير حين نسبت إليه أنه وصفه بما يبين أنه أعظم من أصنام بوذا.
وثالثاً : أظهرت أن أهل الذمة إذا صولحوا تركوا ليظهروا أصنامهم ، وقد بينا كذبك على العلماء .
فأين تحرير المسألة التي تزعم؟؟!!!
سابعاً : قال (ثم على القول بوجوب هدمها، ثمة سؤال مهم : هل يجب الهدم فوراً أم يجوز تأجيله ؟
الحق أنّ فعل النبي e يدل على جواز التأجيل إذا كان المسلمون في مرحلة ضعف فالرسول e مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً يطوف بالكعبة وعليها الأصنام نظراً لعدم قدرته والله تعالى يقول : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ) .
قلت :
أنه لا خلاف في جواز ترك الأصنام عند عدم القدرة عليها ؛ لأن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، لكن يجوز هدمها –ولو مع الضعف وعدم القدرة- بدليل فعل إبراهيم الخليل عليه السلام لما هدم أصنام قومه مع عدم قدرته على مجابهتهم –لذلك قذفوه في النار فنجاه الله سبحانه- ، وقد قال الله سبحانه وتعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)، ولم يستثن الله سبحانه من الائتساء بإبراهيم إلا قوله لأبيه (لأستغفرن لك) والاستثناء معيار العموم ؛ فدل على أنه أسوة لنا في فعله في هدم الأصنام حتى مع عدم القدرة على مجابهة الكفار ، وكما روى الإمام أحمد والحاكم وابن أبي شيبة وغيرهم على رضي الله عنه قال: انطلقت أنا والنبي e حتى أتينا الكعبة فقال لي رسول الله e اجلس ، وصعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى منى ضعفا فنزل وجلس لي نبي الله e وقال : اصعد على منكبي ، قال: فصعدت على منكبيه ، قال : فنهض بي ، قال : فإنه يخيل إلى أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت وعليه تمثال من نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله e : اقذف به فقذفت به ، فتكسر كما تتكسر القوارير ) ، فالوجوب إنما هو عند القدرة ، أما المشروعية فيشرع هدمها مطلقاً ؛ فإنه يشرع هدم الأصنام في كل زمان ومكان على أية حال ولكن لا يجب إلا عند القدرة عليها ، كما قال الملا علي القاري ( والمحو واجب حيث لا يجوز الجلوس في مشاهدته) مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة) .
الوجه الثالث :من النقول وقد سبقت .
ثامناً : قال (ويجوز تأجيله للمصلحة إعمالاً للقاعدة الشرعية وهي قاعدة ارتكاب أخف الضررين لقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) وقول بعض المؤيدين : إن مصلحة تحطيم الأصنام مقدمة على مفسدة سب الله، فيه اقتصار على صورة من صور المفسدة وإلا فثمة صور عديدة للمفسدة المترتبة على تحطيم الأصنام ومنها أن نقول : إن مفسدة تمزيق القرآن وإحراقه مقدمة على مصلحة تحطيم الأصنام، ولا شك في هذا، وغيرها من المفاسد على فرض وجوب تحطيمها كما أسلفنا) .
قلت :
والكلام على هذا من وجوه :
الوجه الأول : أن هؤلاء القوم من أبعد الناس عن قاعدة (سد الذرائع) ، لذلك تجدهم يحاولون إبطالها بشتى الطرق ؛ لأنها –كما يقولون - تحريم لوسيلة مباحة في الأصل ولكنها قد تؤدي إلى محرم ، فما بالهم هنا يريدون إعمالها –مع بطلان قولهم أولاً في الكلام على إبطال القاعدة ، وأخيراً في إعمالها في هذا الموضع- ؟!.
الوجه الثاني : أن إعمال القاعدة التي ذكرها ليس على هوى الناس ، بل وفق النصوص وما دلت عليه ، وقد دلت النصوص على أن من أعظم الأضرار ترك هذه الأصنام والأوثان عند القدرة على إزالتها ، فإن (ثقيفاً) سألوا رسول الله e أن يدع لهم (اللات) لا يهدمها ثلاث سنين ، فأبى رسول الله e عليهم ، فما برحوا يسألونه سنة سنة ، ويأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً بعد قدومهم ، فأبى عليهم أن يدعها شيئاً مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها فبعث المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب لهدمها (1) .
فتأمل المصالح التي ذكروها : فهم حدثاء عهد بإسلام فيحتاجون إلى التأليف، و خافوا من سفهاء قومهم ، وأرادوا تأليف قومهم وعدم ترويعهم حتى يدخلوا الإسلام.
فعلى قاعدة هذا الكاتب : فإن أخف الضررين –عنده- هو ترك (اللات) من أجل تأليف هؤلاء القوم على الإسلام ، ثم إذا تمكن الإسلام من قلوبهم هدمها !!!.
ومع ذلك كله فإن النبي e رأى أن المصلحة هي في هدم هذا الطاغية ، ولم يلتفت إلى ماذكروه .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (زاد المعاد) 3/506:
(ومنها –أي من فوائد هذه القصة- أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة) .
الوجه الثالث : أن قوله (قوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) وقول بعض المؤيدين : إن مصلحة تحطيم الأصنام مقدمة على مفسدة سب الله، فيه اقتصار على صورة من صور المفسدة وإلا فثمة صور عديدة للمفسدة المترتبة على تحطيم الأصنام ومنها أن نقول : إن مفسدة تمزيق القرآن وإحراقه مقدمة على مصلحة تحطيم الأصنام، ولا شك في هذا، وغيرها من المفاسد على فرض وجوب تحطيمها كما أسلفنا).
قلت :
إن الذي نزلت عليه هذه الآية ، هو الذي قام بهدم الأوثان والأصنام ، وهو الذي أرسل الصحابة لهدمها، وهو الذي أمر المسلمين بهدمها .
ففرق بين مجرد السب لآلهة المشركين إذا ترتب على ذلك سبهم لله سبحانه ، وبين هدم أوثانهم وأصنامهم ولو ترتب عليه ما ترتب .
فتأمل في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وهو أسوة لنا ، حيث قام بهدم أصنام قومه على الرغم من عدم المعين والمناصر .
ومن لوازم قول هذا الكاتب : أن لا يقوم المسلمون بهدم أي صنم أو وثن ما دام على الأرض من يعبده لأنه قد (يُمزق المصحف) و (يُشتم المسلمين) و(يُسب الله سبحانه ) ، ولم يقل به أحد قبل هؤلاء الحثالة .
انظر إلى فعل الرسول e في هدم أصنام (قريش) وقد بقي منهم مشركون لم يسلموا إلا بعد حنين .
وانظر إلى فعله في أصنام (ثقيف) مع بقاء مجموعة منهم على دينهم .
وانظر إلى أمره المطلق بكسر التماثيل والتصاوير .
وانظر إلى فعل الصحابة بالأصنام في الديار التي افتتحوها.
أفترى أولئك المشركين الذين هدمت أصنامهم رضوا عن هدمها وإزالتها وقرت بذلك أعينهم؟؟!!.
بل إن قول الكاتب ينقض هذا ؛ فإنه قال فيما سبق (ما فتح عنوة وحرباً، فهذا حكمه للمسلمين يتصرفون فيه حسب حكم أهل الحل والعقد سبياً وقتلاً وعفواً وتحطيم أصنامٍ وهدم بيوت عبادة) ، فالسؤال : أتظن أن الكفار أولئك الذين افتتحت ديارهم عنوة –ومن وافقهم في نحلتهم من الديار التي لم تفتتح- إذا بلغهم تحطيم أصنامهم سيشكرون المسلمين ويقبلون المصحف ويضعونه فوق رؤوسهم ؟؟!! .
ما الفرق بين (ردة فعل) أولئك الكفار إذا بلغهم أن المسلمين هدموا أصنامهم ، وبين (ردة فعل) هؤلاء ؟؟!!.
إذا كنت تجعل مفسدة تمزيق المصحف ونحوها من المفاسد أعظم من مصلحة تحطيم الأوثان والأصنام ، فلم قرّرت مشروعية تحطيم الأصنام إذا افتتحت البلاد عنوة مع بقاء أمم على عبادتها سيغضبون لها قطعاً؟؟!!.
وإن كنت تجعل فعل أولئك المسلمين في تحطيم الأوثان والأصنام مشروعاً –في البلاد المفتتحة عنوة كما هو تقريرك- فما الفرق بين فعل أولئك وفعل هؤلاء؟؟!!.
تاسعاً : قال (المسألة الثانية : هل يجب تحطيم الأصنام التي وجدت في ديار المسلمين من قبل الإسلام ولو كانت لا تعبد ؟؟
الحق إن كان يخشى منها على عقائد المسلمين فلا شك بوجوب هدمها قولاً واحداً فSPAN> (المشبهون بخلق الله) وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زمانا دون زمان ، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتظافرة بمعنى خيالي يمكن أن لايكون هو المرادP dir=rtl>
قلت :
ها قد أخذ الكاتب يقرر ويستشكل ، وكأن الشريعة ورث خلفه له أبوه ؟؟!!.
فهل مع قول الرسول e قول ؟ ومع بيانه بيان ؟ .
فهو لم يذهب إلى النصوص الشرعية ؛ لأنه يعلم أنها ليست على هواه ، وانظر إلى بعض الأدلة في وجوب هدم التماثيل مطلقاً عبدت أو لو لم تعبد من قوله e وفعله:
1- روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله e : (أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته).
وجه الدلالة : أنه قال له (لا تدع تمثالاً) و(تمثالاً) نكرة في سياق النفي فهو يدل على العموم ، فيجب هدم كل تمثال وطمسه عبد أو لم يعبد .
2- في الصحيحين عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله e وأنا متسترة بقرام فيه صورة فتلون وجهه فهتكه ثم قال : (إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذي يشبهون بخلق الله).
وجه الدلالة : أن هذه التصاوير –وهي أخف من التماثيل بالإجماع- قد هتكها الرسول e بعد أن تلوّن وجهه من الغضب ، ومن المحال أن يقال إنها كانت تعبد من دون الله تعالى ، أو أنه خشي أن تعبدها عائشة رضي الله عنها ، كيف وقد علّل هذا الفعل بقوله (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله) ، فلم يجعل العلة هنا العبادة بل مضاهاة خلق الله تعالى ولا دخل لها هنا بالاعتقاد ، وقد قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى في (أحكام الأحكام) 2/171 :
(وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال إن ذلك محمول على الكراهة ، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب العهد من الأوثان ، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد - هذا أو معناه- ، وهذا عندنا باطل قطعا ؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الأخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين ؛ فإنهم يقال لهم (أحيوا ما خلقتم) ، وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل ، وقد صرح بذلك في قوله e (المشبهون بخلق الله) وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زمانا دون زمان ، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتظافرة بمعنى خيالي يمكن أن لايكون هو المراد مع اقتضاء التعليل بغيره وهو التشبيه بخلق الله).
3- مارواه الترمذي - وصححه - وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e : (أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال ، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ، وكان في البيت كلب ، فمر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة ، ومر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن ، ومر بالكلب فيخرج ففعل رسول الله e ).
وجه الدلالة : أن جبريل عليه السلام أمر الرسول e بقطع رأس التمثال وتقطيع الستر ، أفيقول قائل: إن جبريل ظن أن هذا التمثال والتصاوير تعبد في بيت الرسول e ؟!.
أو يقول قائل : إن جبريل خشي على من في بيت النبي e أن يعبد هذا التمثال –حاشاه e وآله من ذلك - ؟؟!!. [1]
فماذا يقول الكاتب في هذه الأدلة الصريحة الواضحة الصحيحة ، وهاهنا يقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) !!!.
عاشراً : قال ( أما إذا لم يخش منها على عقائد المسلمين كتمثال أبي الهول وتماثيل الفراعنة فالأمر فيها مشكل فثمة نصوص عن بعض التابعين يرون هدم كل الأصنام وفي المقابل وجدنا تماثيل وأصناماً بقيت ولم يهدمها الصحابة الذين فتحوا تلك البلدان، مثل بلاد العراق وبلاد فارس والشام ومصر وغيرها مما يطول التفصيل فيه، ولكن لنقصر القول - من أجل الاختصار - على مصر وما فيها من التماثيل والأصنام الفرعونية، ومن الطرائف أن بعض المؤيدين لهدمها ادعى أن تلك التماثيل والأصنام الفرعونية كانت مطمورة بالرمال ولم تكن ظاهرة على وقت الصحابة !!، بل لم تظهر للعيان إلا قبل مئتين من السنين، وهذا القول منه قصور في التتبع لكتب التاريخ وإلا فكتب التاريخ مليئة بالأخبار التي تنص على معرفة المسلمين بها –ثم ذكر نصوصاً عن المؤرخين والأدباء كالجاحظ وياقوت تثبت وجود أبي الهول قديماً- ) .
قلت :
الكلام على هذا من وجوه :
الوجه اë> : أن تكون من القوة والإحكام بحيث لا يستطيعون هدمها.
الثالث : أن تكون مغمورة بالرمال أو مطمورة تحت الأرض .
ومن ادعى -SA> [2] ما يكفي للدلالة على عموم حرمة التماثيل والأصنام ووجوب إتلافها، فكيف تترك تلك النصوص الصحيحة الصريحة لمثل هذا الأمر التاريخي الذي قد لا تعرف ملابساته ، بل وقد جعل الكاتب الأمر فيها مشكلاً ! ، ولم يستطع أن يأتي بدليل واحد صحيح صريح على رؤيتهم ثم تركهم للأصنام ، ولكنه حاول التلفيق والتلبيس.
الوجه الثاني : لو سلمنا ما يقوله هذا الكاتب –بأن الصحابة اطلعوا على هذه التماثيل وتركوها- فإن الاحتجاج بقول أو فعل الصحابة رضي الله عنهم –عند من يقول به- يشترط فيه أن لا يكون معارضاً بنص ثابت ، و مسألتنا هذه فيها النصوص المتواترة الفعلية والقولية عن النبي e والتي تأمر بهدم وكسر الأوثان والتماثيل على اختلاف أصنافها ، فالحجة في قوله وفعله e بالإجماع ، فيسقط هذا القول.
الوجه الثالث : أن هؤلاء القوم يدورون مع الهوى لا مع الحق ، وبيان ذلك:
أنك لو احتججت عليهم –مثلاً- بفعل الصحابة وإجماعهم على ذم الغناء وتحريمه ؛ لقالوا : ثبت أن الرسول e سمع الغناء من الجاريتين ، ولا حجة لأحد معه [3] .
وإذا احتججت عليهم بقول الرسول e وفعله المتواتر عنه في هدم الأصنام لقالوا : لكن الصحابة تركوها ؟؟!!.
فهم يرون الصحابة حجة إذا وافق فعلهم هواهم ، ويتركونهم إذا خالف هواهم !!!.
الوجه الرابع : قوله ( وفي المقابل وجدنا تماثيل وأصناماً بقيت ولم يهدمها الصحابة الذين فتحوا تلك البلدان، مثل بلاد العراق وبلاد فارس والشام ومصر وغيرها مما يطول التفصيل فيه) .
أقول : يستطيع كل أحد أن يجازف بمثل هذه الأقوال ، وأن يدعي ما شاء ، وكما قيل: الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، فنطالب هذا الكاتب بدليله وإسناده على ترك الصحابة لما يدعيه ، وقد ذكرت في (إقامة البرهان) أن الأصنام والتماثيل التي تركوها لا تخرج عن ثلاثة أقسام هي باختصار :
الأول : أن تكون داخل معابدهم التي صولحوا عليها فتترك لهم بشرط عدم إظهارها.
الثاني : أن تكون من القوة والإحكام بحيث لا يستطيعون هدمها.
الثالث : أن تكون مغمورة بالرمال أو مطمورة تحت الأرض .
ومن ادعى غير هذا فعليه الدليل .
الوجه الخامس : قوله (ومن الطرائف أن بعض المؤيدين لهدمها ادعى أن تلك التماثيل والأصنام الفرعونية كانت مطمورة بالرمال ولم تكن ظاهرة على وقت الصحابة !!، بل لم تظهر للعيان إلا قبل مئتين من السنين، وهذا القول منه قصور في التتبع لكتب التاريخ وإلا فكتب التاريخ مليئة بالأخبار التي تنص على معرفة المسلمين بها –ثم ذكر نصوصاً عن المؤرخين والأدباء كالجاحظ وياقوت تثبت وجود أبي الهول قديماً- إلى أن قال : فقطعاً رأى بعض الصحابة ( وعددهم أربعمئة كما أسلفنا ) الأهرامات وأبا الهول) .
أقول :
أولاً : أنت لم تنقض هذه الدعوى إلا بما ذكرته عن أبي الهول ، وأبو الهول من القسم الثاني –وهو ما لا قدرة لهم على هدمه لو ثبتت رؤيتهم له- ، وقد حاول نابليون هدمه بالمدافع فلم يستطع كما يذكره مؤرخو مصر الحديثة ، فكيف بأصحاب السيف والرمح؟؟.
ولا تستطيع أن تنقض الدعوى إلا بأن تثبت أن هناك من الأصنام ما كان ظاهراً رآها الصحابة و وقدروا على إزالتها وتركوها –ولن تستطيع - .
ثانياً : أن صاحب ( النجوم الزاهرة)1/250 ذكر أن (يزيد بن عبد الملك بن مروان) الخليفة الأموي قد كتب إلى والي مصر يأمره بهدم جميع التماثيل والأصنام الموجودة في مصر فهدمت وأزيلت .
فهذا يدل على أحد أمرين :
1- إما أنهم لم يطلعوا على (أبي الهول) .
2- أو أنهم عجزوا عنه .
كما يدل على أن ما وجد من الآثار والأصنام كان مفقوداً وقتهم، وإلا لأزالوه.
ثالثاً : أن أكثر الأصنام الفرعونية الموجودة الآن –والتي في القدرة إزالتها- لم تكتشف إلا حديثاً ، وإليك بعض التواريخ :
1- معبد (أبي سمبل) –وهو من أكبر المعابد الفرعونية وأكثرها أصناماً- لم يكتشف إلا في عام 1813م –بالصدفة- تحت الرمال ، ومكثوا قرابة القرن في إزالة الرمال وإظهاره .
2- ما يسمى بـ(كنوز توت عنخ آمون) –ويجعلونها أعظم كشف تاريخي للآثار- لم تكتشف إلا عام 1922 .
3- آثار (ست هاتور) اكتشفت عام 1894 .
4- آثار (سنت سمبت) اكتشفت عام 1894 .
5- آثار (إتا) اكتشفت عام 1895.
6- ED هو أبعد الناس عن العلم ، فهو عبد اللطيف بن يوسف البغدادي أحد الفلاسفة الأطباء ، وانظر ترجمته في (طبقات الشافعية) 8/313 ، و(إنباه الرواة) 2/193 ، و (الإعلام) 4/61.
وDrtl> آثار (أبو رواش) اكتشفت عام 1913.
8- آثار (تونه الجبل) اكتشفت عام 1959.
9- آثار (سقارة) اكتشفت عام 1893.
وهكذا ، والآثار كثيرة ، وإنما ذكرت بعض الأمثلة –لأن الكاتب جعل ذكر اكتشاف هذه الآثار حديثاً طرفة أضحكته-، و هذه التواريخ مثبتة في تواريخ الآثار المصرية .
ولا يستطيع أن يأتي بمثال واحد ثابت يؤيد ما قاله ، والله المستعان .
حادي عشر : قال ( وهذا دليل على أن التماثيل التي لا تعبد ولا يخشى على عقيدة المسلمين منها لا يجب هدمها ) .
والجواب هو ما سبق ذكره أن الأدلة ظاهرة من قول الرسول e وفعله في وجوب إزالة الأوثان والتماثيل –سواء عبدت أم لا – وقد سبق ذكر طرف منها ، وهؤلاء القوم –كما سبق- يعلمون دلالة هذه الأحاديث والنصوص ، ولكنهم يعلمون أنه ليس لشفرتهم فيها محزاً ، لذلك لا يطيلون النظر فيها ، بل ذهبوا يتأملون التاريخ وينظرون في الفتوحات –لعلهم يجدون فيها ما يلبسون على المسلمين- كعادة أهل الضلال في اتباع المتشابه وترك المحكم ، وإلا فالمسألة فصل فيها الشارع ولم يتركها للرأي والبحث التاريخي ، والله المستعان .
ثاني عشر : قال (وقد حمل عبد اللطيف البغدادي - من علماء القرن السادس - على اللصوص المنقبين عن الكنوز الذين يحطمون تلك التماثيل فقال : ( وما زالت الملوك تراعي بقاء هذه الآثار وتمنع من العبث بها وإن كانوا أعداء لأربابها، وكانوا يفعلون ذلك لمصالح منها : لتبقى تاريخاً يتنبه بها على الأحقاب ومنها أن تكون شاهدةً للكتب المنزلة فإن القرآن العظيم ذكرها وذكر أهلها ففي رؤيتها خبر الخبر وتصديق الأثر ومنها أنها تدل على شيء من أحوال من سلف وسيرتهم وتوافر علومهم وصفاء فكرهم وغير ذلك، وهذا كله مما تشتاق النفس إلى معرفته وتؤثر الاطلاع عليه، أما في زماننا هذا فترك الناس سدى وسرحوا هملاً ..، فهم يحسبون كل علم يلوح لهم هو علم على مطلب، وكل صنم عظيم أنه حاصل لمال تحت قدميه، فصاروا يعملون الحيلة على تخريبه ويبالغون في تخريبه ويفسدون صور الأصنام إفساد من يرجو عندها المال ..) ص 106-107ولا أجد أجمل من كلمات هذا العالم لأختم بها هذا المقال والله المستعان) .
قلت :
ما أعظم تلبيس هذا الكاتب ودجله وكذبه على المسلمين ، فانظر إلى قوله عن (عبد اللطيف البغدادي) هذا (- من علماء القرن السادس -) وقوله (ولا أجد أجمل من كلمات هذا العالم لأختم بها هذا المقال) .
فإن هذا (العالم) الذي استشهد بقوله وأوهم أنه عالم شرعي هو أبعد الناس عن العلم ، فهو عبد اللطيف بن يوسف البغدادي أحد الفلاسفة الأطباء ، وانظر ترجمته في (طبقات الشافعية) 8/313 ، و(إنباه الرواة) 2/193 ، و (الإعلام) 4/61.
وأقوال العلماء –حقاً لا تلبيساً و تدليساً- في التماثيل قد سبق أن نقلتها لك ، والله المستعان وعليه والتكلان ، ولا حول ولا قوة إلا به ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه
ناصر بن حمد الفهد
يوم الأربعاء 3 / 1 / 1422
--------------------------------------------------------------------------------
(1) انظر (الطبقات) لابن سعد 5/505 ، (تاريخ الطبري) 2/180 .
[1] وقد فصلت الأدلة على حرمة التماثيل مطلقاً وعموم حرمتها ووجوب كسرها في (إقامة البرهان) فراجعه إن شئت.
[2] وانظرها بالتفصيل في البحث المشار إليه سابقاً .
[3] هذا مع أن استدلالهم بحديث غناء الجاريتين ونحوه لا يجيز الغناء المعهود الآن ، وإنما ذكرت هذا للتمثيل على هوى هؤلاء .
(هدم التماثيل من منظور إسلامي)
لكاتبه / سليمان بن عبدالله التركي
كتبه
ناصر بن حمد الفهد
محرم 1422
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد قرأت المقال الذي كتبه المدعو (سليمان بن عبد الله التركي) في جريدة الوطن العدد (179) يوم الثلاثاء 2 محرم 1422هـ بعنوان (هدم التماثيل من منظور إسلامي) حاول فيه تسويغ ترك الأصنام التي تعبد من دون الله بمبررات واهية وأساليب ملتوية قد سبق إليها–وهي شنشنة نعرفها من أخزم - ، ولم يأت بجديد إلا زيادة في التلبيس والدجل تظهر لمن قرأ هذا الرد، وقد رأيت أن أبين فساد كلامه في هذه الأوراق لئلا ينطلي كلامه على أحدٍ من العامة، والله المستعان .
والحقيقة أنني لم أر أكثر جرأة على الكذب والتلبيس والتناقض من هذا الكاتب ؛ وسوف أذكر أولاً كذبه وتناقضه على وجه الإجمال قبل الرد التفصيلي عليه ليتبين (معيار) علمه و صدقه ، فأقول :
أما كذبه :
1- فقد كذب أولاً على الفاتحين الأوائل حينما زعم أنهم لم يهدموا من الأصنام إلا في البلاد التي افتتحوها عنوة لا صلحاً !!.
2- وكذب على ابن سبكيتكين –وابن كثير المؤرخ- حينما زعم أنه ترك صنمي بوذا وهو يقدر عليهما ؛ لأنه قدر على كسر الصنم الأعظم للهند وهو على وصف ابن كثير أعظم من ذينك الصنمين!!.
3- وكذب على أهل العلم حينما زعم أن البلاد التي تفتح صلحاً فإنه يسمح للكفار بإظهار معبوداتهم وأصنامهم !!.
4- وكذب على الصحابة رضي الله عنهم حينما زعم أنهم رأوا الأصنام التي يقدرون على كسرها وتركوها!!.
وأما تناقضه :
1- فقد ذكر في مقدمة حديثه أنه لا نزاع في حرمة التماثيل واتخاذها للزينة أو للتجارة ؛ ثم أخذ يقرر بعد ذلك أن التماثيل إذا كانت غير معدة للعبادة فلا بأس بها و لا تكسر ، فنقض ما حرّره أولاً!!.
2- أنه ذكر أن المشروع فيما فتحه المسلمون من البلاد عنوة وحرباً فلهم تحطيم أصنامها مطلقاً ، ثم أخذ يقرر بعد ذلك أنه إذا %محمداً e بعث بالتوحيد وإزالة الشرك وآثاره ، وهدم الأوثان واوة كما قرره أولاً!!.
وإليك تفصيل الرد على ما قاله هذا الكاتب :
أولا : قال (إن أغلب الأطروحات كانت تؤيد حركة طالبان ولست أثرب على المؤيدين فلهم أدلتهم واجتهادهم، لكن يؤخذ عليهم ابتسار المسألة واختزالها وتصويرها معركة بين المنافحة عن الإسلام والمنافحة عن الأصنام وهذا ما جيّش عواطف العوام وأنصاف المثقفين وجماهير الملتزمين لتأييد حركة طالبان) .
قلت :
إن الكاتب هنا يحاول إظهار نفسه بمظهر المنصف – وشتان ما بين اليزيدين في الندى- ، فذكر هذا المأخذ على مؤيدي هدم الأصنام وهم قلة وصوتهم ضعيف لا يكاد يسمع من ضجيج الشجب والاستنكار، وأما الذين هاجموا هذا الفعل وهم رجال الصحافة والإعلام والقنوات والهيئات والمنظمات والدول وقد قاموا على قدم وساق ينافحون عن الأصنام ويتهمون من يحاول هدمها بشتى التهم ، ويرمونهم بالنقائص ، و قاموا بحملة مسعورة على اختلاف أديانهم ونحلهم وبلدانهم ، فهؤلاء لم ير عليهم مأخذاً ، ومن مظاهر إنصافه أنه وصف مؤيدي هدم الأصنام بأنهم (العوام) و (أنصاف المثقفين) ، وأما (المثقفون (فُل) كامل!!! ) فمعه في مذهبه ، فنتيجة المقال معروفة مسبقاً لمن قرأ الأسطر الأولى لهذا الكاتب.
ثانياً : قال (وقد غفل أولئك المؤيدون أن المسألة فيها تفصيل مبني على استقراء نصوص الشريعة وعمل الصحابة) .
قلت :
لا والله ما غفلوا ، وما جهلوا ، وقد استقرأوا النصوص واستدلوا بها ، وعملوا بما عمله الصحابة ، واتبعوا آثارهم ، وساروا على دربهم وطريقهم ، وانظر إلى استدلالاتهم تجدها مليئة بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة ومن بعدهم ، وانظر إلى استدلالات المخالفين تجدها مليئة بقرارات (اليونسكو) وبيانات (الأمم المتحدة) والهيئات (السياحية) في وجوب حفظ التراث، وأنها ملك للبشرية ، وأنها طريق اقتصادي ، ولكن عيب المؤيدين لهدم الأصنام أنهم أتوا بما لا يريده المنهزمون ، و لا تجد أحداً من أهل العلم له قدم صدق في الإسلام إلا وهو يقول بقولهم ، وسوف نرى تفصيله العجيب الذي غفل عنه الناس حتى انبرى له هذا الكاتب وبينه!!.
ثالثا : قال : (أولاً : لا خلاف أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وحرب الشرك، وقد رأيت المؤيدين أطالوا في هذا، وليس هذا محل نزاع بين الفريقين) .
قلت :
وهذا من جهل الكاتب ، فالكلام على وجوب هدم الأصنام مبني على هذه المقدمة :
فمن سلمها وجب عليه التسليم بنتيجتها .
ومن لم يسلمها خرج من الإسلام .
ومن سلم هذه المقدمة وخالف في النتيجة فقد تناقض ، وحسبك بهذا مبطلاً لقوله .
فإذا عُلِم أن محمداً e بعث بالتوحيد وإزالة الشرك وآثاره ، وهدم الأوثان والأصنام بنفسه، وبعث من يهدمها ، وأمر بذلك كل مسلم ، فإن النتيجة هي وجوب إزالة هذه الأوثان والأصنام.
رابعاً : قال : (ثانياً : لا خلاف في حرمة صناعة التماثيل واتخاذها للزينة أو التجارة وقد رأيت المؤيدين أطالوا في تبيان هذا أيضاً وهو ليس محل نزاع بين الفريقين) .
قلت :
والجواب من وجهين :
الأول: أن يقال : ومن قال إنه ليس محل نزاع بين الفريقين؟؟!!
ألم تقرأ مقالات المدعو (فهمي هويدي) وتبجحه بتماثيل (الزينة) التي بثها في بيته ؟!!.
وفتاوى عبد الرءوف الأزهري وتبشيره للذين يتخذون التماثيل للزينة بأنه لا حرج عليهم فيها؟؟!! .
وهذه المقالات وغيرها بثتها الصحف في حملتها المسعورة شفقة على أصنام (بوذا) .
فإن كنت قرأتها –وهو ما أرجحه- فلم تلبس على المسلمين وتدعي عدم وجود خلاف في هذه المسألة؟؟!!.
وإن كنت لم تقرأها فكيف تأتي لتحل إشكالاً لم تعرف أصل النزاع فيه؟؟!!
الثاني : أن الكاتب تناقض في هذا ، فهاهو يقرر أن التماثيل هذه محرمة ، ثم أخذ يقرر فيما بعد أنها إذا كانت لا يخشى منها على عقائد المسلمين فإنه لا بأس بها!!!.
خامساً : قال (وعليه فالخلاف في مسألتين :
المسألة الأولى : هل يجب تحطيم الأصنام التي يعبدها غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ؟ والإجابة على هذا السؤال تستلزم التفريق بحسب موطن العبادة، فموطن العبادة ينقسم إلى مكانين:
أولاً : جزيرة العرب وهذه لا يجوز إبقاء عبادة أخرى غير الإسلام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) وقد أخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه اليهود من الجزيرة، وعليه فلا يجوز إبقاء صنم يعبد فيها مطلقا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبا سفيان وغيرهم لتحطيم الأصنام، وليس لأهلها إلا الإسلام أو السيف أو الهجرة عنها .
ثانياً : بقية المواطن غير الجزيرة العربية وهذه الحكم فيها قسمان :
القسم الأول : ما فتح عنوة وحرباً، فهذا حكمه للمسلمين يتصرفون فيه حسب حكم أهل الحل والعقد سبياً وقتلاً وعفواً وتحطيم أصنامٍ وهدم بيوت عبادة وكل ما استشهد به المؤيدون للهدم إنما هي وقائع حصلت في الحروب كاستشهادهم بفعل قتيبة بن مسلم ومحمود بن سبكتكين، والدليل على ذلك أن محمود بن سبكتكين قد هدم أعظم أصنام الهندوس بعد قتالٍ مرير معهم، وفي المقابل ترك أصنام بوذا التي هدمتها طالبان وهو يسكن بجوارها، وليس صحيحاً أنّ المسلمين تركوها عجزاً عن هدمها لأن الصنم الذي هدمه محمود بن سبكتكين في الهند أعظم من ذينك الصنمين اللذين هدمتهما طالبان كما وصفه ابن كثير في تاريخه )
قلت : والكلام على هذا من وجوه :
الوجه الأول : أن قوله (الخلاف في مسألتين) جهل منه ، فالخلاف أعم وأوسسخرى للمؤيدين .
سادساً : قال : ( القسم الثاني: البلاد التي فتحت صلحاً، فهذه يؤمن أهلها على ما صولحوا عليه من أديانهم، %أو للتجارة ونحوها .
الوجه الثاني : أن كلامه على (جزيرة العرب) صحيح ، ولكنه أراد به باطل ، فهو يريد أن يقصر هدم الأوثان على خصوص جزيرة العرب –كما سيأتي إبطاله إن شاء الله تعالى-.
الوجه الثالث : قوله (وكل ما استشهد به المؤيدون للهدم إنما هي وقائع حصلت في الحروب كاستشهادهم بفعل قتيبة بن مسلم ومحمود بن سبكتكين) .
قلت :
و هذا من تلبيسه وكذبه –وقد تكرر هذا الفعل منه- ، والكلام هنا على فعل (قتيبة بن مسلم) لأنه فتح سمرقند صلحاً لا عنوة سنة ثلاث وتسعين –في وقت الصحابة رضوان الله عليهم فإن آخر الصحابة موتاً كانت وفاته سنة 110 – وأحرق أصنامهم كما في (البداية والنهاية) 9/86 ، فهو هنا أحرق أصنامهم بعد افتتاح (سمرقند) صلحاً لا عنوة .
وكذلك فتح (عبدالرحمن بن سمرة) رضي الله عنه –وهو من الصحابة- لجبل (الزون) من (سجستان) ؛ فإنه افتتحه صلحاً ودخل على صنمهم وأخذ الياقوت من عينيه وقطع يديه ، كما في (فتوح البلدان) 386 .
فهذان مثالان فقط للدلالة على تلبيس الكاتب وكذبه على القراء .
الوجه الرابع : قوله (وليس صحيحاً أنّ المسلمين تركوها عجزاً عن هدمها لأن الصنم الذي هدمه محمود بن سبكتكين في الهند أعظم من ذينك الصنمين اللذين هدمتهما طالبان كما وصفه ابن كثير في تاريخه) .
قلت : والرد عليه في هذا من وجهين :
الوجه الأول : -المنع- فنمنع ما ذكره من قدرته عليها وقد رأينا بأعيننا كيف صمدت هذه الأصنام أمام الصواريخ والمتفجرات والأسلحة الحديثة ، أفنسلّم للكاتب بعد هذا قوله بقدرة المسلمين الأوائل عليها بمجرد قوله (وليس صحيحاً)؟؟!! .
وأما ما ذكره عن الصنم الأعظم الذي هدمه ابن سبكتكين وأنه أعظم من ذينك الصنمين فهو من كيس الكاتب وتلبيسه وكذبه المتكرر ، وإلا فلماذا لم يذكر وصفه الذي استدل به على أنه أعظم منهما؟؟!!! ، فإن ابن كثير رحمه الله تعالى ذكر أن هذا الصنم عظيم ولم يصفه ويقارن بينه وبين هذه الأصنام ، وإنما وصف تعظيم الهنود والوثنيين له ، لذلك لم يذكر هذا الكاتب نص كلام ابن كثير حتى لا ينكشف كذبه وتلبيسه ، وأعظم وصفٍ لهذا الصنم المدعو (سومنات) هو أن طوله (خمسة أذرع) –كما ذكره ابن الأثير في (الكامل) 8/150، أفيقارن بين (خمسة أذرع) وأكثر من خمسين متراً منحوتة على الجبال لولا الكذب والهوى؟؟!!.
الوجه الثاني : -التسليم- فلو سلمنا له ما ذكره عن ابن سبكتكين رحمه الله تعالى فذكر المؤيدين لهدمه الأصنام هو من باب الاستئناس لا الاحتجاج ، فإن احتججتَ بفعله في ترك أصنام (بوذا) –على فرض قدرته عليها- فاحتج بفعله على هدم الأصنام الأخرى –و سيرته معروفة في هدمه للأصنام-، وإن لم تر الاحتجاج بفعله على هدم الأصنام فلا حجة لك في تركه لأصنام (بوذا) –وهذا كله على سبيل التنزل والتسليم بأنه قادر على هدمها-، فننظر للأدلة الأخرى للمؤيدين .
سادساً : قال : ( القسم الثاني: البلاد التي فتحت صلحاً، فهذه يؤمن أهلها على ما صولحوا عليه من أديانهم، روى ابن أبي شيبة في مصنّفه (6/471) عن أبيّ بن عبدالله قال: ( جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز لا تهدم بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار صولحوا عليه ) ولا يجوز إكراههم على الإسلام لقوله تعالى (لا إكراه في الدين ) قال ابن كثير : ( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح، جلية دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحدٌ على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً ) تفسير ابن كثير (1/310).
وهذا ما يفسر بقاء الكنائس وفيها تماثيل لعيسى عليه السلام ولمريم عليها السلام في مصر والشام وقد وقفت بنفسي على شيء من ذلك، ومثلها بقاء دور عبادة النار وأصنام البوذيين والهندوس ومعابد الصابئة، وبقاء تلك الديانات في بلاد الإسلام مع قدم العهد بدخول الإسلام لتلك الديار ، هذا تحرير القول في هذه المسألة ) .
قلت :
وهذا كلام لبس فيه الحق بالباطل ، وبيانه كما يلي :
أولاً : أن ما صولح عليه الكفار من كنائس ومعابد ونحوها فإنها تترك لهم بما فيها من تماثيل وأصنام وتصاوير ، ولكن بشرط عدم إظهار ذلك :
ففي الشروط العمرية المشهورة على أهل الذمة ( (وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً…وألا نخرج صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين) وانظر شرحها لابن القيم (أحكام أهل الذمة) 2/719 .
فإذا قاموا بإظهار شئ من أصنامهم أو صلبانهم ونحوها فإنها تكسر ، وإليك النقول عن العلماء وقد ذكرتها في (إقامة البرهان) على ترتيب المذاهب :
فمن الحنفية :
قال أبو بكر الكاساني الحنفي في (بدايع الصنايع) 7/114 :
(لا يمكنون من إظهار صليبهم في عيدهم ; لأنه إظهار شعائر الكفر , فلا يمكنون من ذلك في أمصار المسلمين , ولو فعلوا ذلك في كنائسهم لا يتعرض لهم وكذا لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم القديمة لم يتعرض لذلك ; لأن إظهار الشعائر لم يتحقق , فإن ضربوا به خارجاً منها لم يمكنوا منه لما فيه من إظهار الشعائر).
وقال كمال الدين بن الهمام في (فتح القدير) 6/60 :
(إنهم –أي أهل الذمة- إذا حضر لهم عيد يخرجون فيه صلبانهم وغير ذلك فليصنعوا في كنائسهم القديمة من ذلك ما أحبوا , فأما أن يخرجوا ذلك من الكنائس حتى يظهر في المصر فليس لهم ذلك , ولكن ليخرجوا خفية من كنائسهم) .
ومن المالكية :
قال الحطاب في (التاج والإكليل) 4/602:
(قال ابن حبيب : يمنع الذميون الساكنون مع المسلمين إظهار الخمر والخنزير وتكسر إن ظهرنا عليها ويؤدب السكران منهم، وإن أظهروا صلبهم في أعيادهم واستسقائهم كسرت وأدبوا)
وقال الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير 2/316 :
(وكذا يكسر صليبه إن أظهره).
ومن الشافعية :
وقال الشافعي في (الأم) 4/210- في شرلاً : أظهرت أن المسلمين لم يهدموا الأصنام إلا إذا فتحوا البلاد صلحاً –وقد بينا كذبك على الفاتحين الأوائل-.
وثانياً : أظهرت أن الصنم الذي هدمه ابن سبكتين أعظم من هذين الصن%ربوا بناقوس , ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى ابن مريم , ولا في غيره لأحد من المسلمين).
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في (تحفة المحتاج) 9/302 :
(ويمنعون –أي أهل الذمة- من إظهار منكر بيننا ؛ نحو خمر , وخنزير , وناقوس : وهو ما يضرب به النصارى لأوقات الصلاة ، وعيد , ونحو لطم , ونوح , وقراءة نحو توراة, وإنجيل , ولو بكنائسهم ; لأن في ذلك مفاسد كإظهار شعار الكفر فإن انتفى الإظهار فلا منع , وتراق خمر لهم أظهرت , ويتلف ناقوس لهم أظهر ).
ومن الحنابلة :
وقال ابن مفلح الحنبلي في (الفروع) 6/276 :
(ويمنعون وجوباً من إظهار خمر وخنزير , فإن فعلا أتلفناهما وإلا فلا , نص عليه - وسبق أول الغصب -، وإظهار عيد وصليب وضرب ناقوس ورفع صوت بكتاب أو على ميت ، وقال شيخنا : ومثله إظهار أكل في رمضان , ونص أحمد : لا يضربون بناقوس , ومراده والله أعلم : إظهاره , قال في الروضة وغيرها : ويمنع من التعرض للذمة فيما لم يظهروا).
وقال السفاريني في غذاء الألباب 1/240:
(وما أظهروه من المحرمات في شرعنا تعين إنكاره عليهم , فإن كان خمرا جازت إراقته , وإن أظهروا صليبا أو طنبورا جاز كسره . وإن أظهروا كفرهم أدبوا على ذلك ، ويمنعون من إظهار ما يحرم على المسلمين).
ومن الظاهرية :
وقال ابن حزم رحمه الله في (المحلى) :
(الصغار هو أن يجري حكم الإسلام عليهم , وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم , ولا مما يحرم في دين الإسلام قال عز وجل : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله))
فتبين مما سبق الاتفاق على منع أهل الذمة من إظهار شئ من أصنامهم ومعبوداتهم وصلبانهم، وأنها إذا أظهرت بين المسلمين فإنها تتلف وتكسر ، فالكاتب لبسّ حين زعم أنهم يتركون كما شاءوا في إظهار أصنامهم.
ثانياً: أما قوله ( عن أبيّ بن عبدالله قال: ( جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز لا تهدم بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار صولحوا عليه ) . فإن هذا صحيح –كما سبق- بشرط عدم إظهار شئ من صلبانهم وأصنامهم ، وعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الذي كتب هذا ، هو نفسه الذي كتب إلى عدي بن أرطاة أن يمحو التماثيل المصورة –كما رواه أبو الشيخ الأصفهاني-.
ثالثاً: قوله (ومثلها بقاء دور عبادة النار وأصنام البوذيين والهندوس ومعابد الصابئة) ، فقد سبق ذكر اتفاق العلماء –على اختلاف مذاهبهم- بأنه لا يسمح لهم بإظهار أصنامهم ومعبوداتهم وأنها تكسر لو أظهرت بخلاف ما يفهم من قول الكاتب.
رابعاً: قوله (هذا تحرير القول في هذه المسألة) .
أقول : ما حررت بل لبست ودلست وكذبت:
فأولاً : أظهرت أن المسلمين لم يهدموا الأصنام إلا إذا فتحوا البلاد صلحاً –وقد بينا كذبك على الفاتحين الأوائل-.
وثانياً : أظهرت أن الصنم الذي هدمه ابن سبكتين أعظم من هذين الصنمين ، وقد بينا كذبك على ابن سبكتكين ، وعلى ابن كثير حين نسبت إليه أنه وصفه بما يبين أنه أعظم من أصنام بوذا.
وثالثاً : أظهرت أن أهل الذمة إذا صولحوا تركوا ليظهروا أصنامهم ، وقد بينا كذبك على العلماء .
فأين تحرير المسألة التي تزعم؟؟!!!
سابعاً : قال (ثم على القول بوجوب هدمها، ثمة سؤال مهم : هل يجب الهدم فوراً أم يجوز تأجيله ؟
الحق أنّ فعل النبي e يدل على جواز التأجيل إذا كان المسلمون في مرحلة ضعف فالرسول e مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً يطوف بالكعبة وعليها الأصنام نظراً لعدم قدرته والله تعالى يقول : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ) .
قلت :
أنه لا خلاف في جواز ترك الأصنام عند عدم القدرة عليها ؛ لأن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، لكن يجوز هدمها –ولو مع الضعف وعدم القدرة- بدليل فعل إبراهيم الخليل عليه السلام لما هدم أصنام قومه مع عدم قدرته على مجابهتهم –لذلك قذفوه في النار فنجاه الله سبحانه- ، وقد قال الله سبحانه وتعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)، ولم يستثن الله سبحانه من الائتساء بإبراهيم إلا قوله لأبيه (لأستغفرن لك) والاستثناء معيار العموم ؛ فدل على أنه أسوة لنا في فعله في هدم الأصنام حتى مع عدم القدرة على مجابهة الكفار ، وكما روى الإمام أحمد والحاكم وابن أبي شيبة وغيرهم على رضي الله عنه قال: انطلقت أنا والنبي e حتى أتينا الكعبة فقال لي رسول الله e اجلس ، وصعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى منى ضعفا فنزل وجلس لي نبي الله e وقال : اصعد على منكبي ، قال: فصعدت على منكبيه ، قال : فنهض بي ، قال : فإنه يخيل إلى أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت وعليه تمثال من نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله e : اقذف به فقذفت به ، فتكسر كما تتكسر القوارير ) ، فالوجوب إنما هو عند القدرة ، أما المشروعية فيشرع هدمها مطلقاً ؛ فإنه يشرع هدم الأصنام في كل زمان ومكان على أية حال ولكن لا يجب إلا عند القدرة عليها ، كما قال الملا علي القاري ( والمحو واجب حيث لا يجوز الجلوس في مشاهدته) مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة) .
الوجه الثالث :من النقول وقد سبقت .
ثامناً : قال (ويجوز تأجيله للمصلحة إعمالاً للقاعدة الشرعية وهي قاعدة ارتكاب أخف الضررين لقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) وقول بعض المؤيدين : إن مصلحة تحطيم الأصنام مقدمة على مفسدة سب الله، فيه اقتصار على صورة من صور المفسدة وإلا فثمة صور عديدة للمفسدة المترتبة على تحطيم الأصنام ومنها أن نقول : إن مفسدة تمزيق القرآن وإحراقه مقدمة على مصلحة تحطيم الأصنام، ولا شك في هذا، وغيرها من المفاسد على فرض وجوب تحطيمها كما أسلفنا) .
قلت :
والكلام على هذا من وجوه :
الوجه الأول : أن هؤلاء القوم من أبعد الناس عن قاعدة (سد الذرائع) ، لذلك تجدهم يحاولون إبطالها بشتى الطرق ؛ لأنها –كما يقولون - تحريم لوسيلة مباحة في الأصل ولكنها قد تؤدي إلى محرم ، فما بالهم هنا يريدون إعمالها –مع بطلان قولهم أولاً في الكلام على إبطال القاعدة ، وأخيراً في إعمالها في هذا الموضع- ؟!.
الوجه الثاني : أن إعمال القاعدة التي ذكرها ليس على هوى الناس ، بل وفق النصوص وما دلت عليه ، وقد دلت النصوص على أن من أعظم الأضرار ترك هذه الأصنام والأوثان عند القدرة على إزالتها ، فإن (ثقيفاً) سألوا رسول الله e أن يدع لهم (اللات) لا يهدمها ثلاث سنين ، فأبى رسول الله e عليهم ، فما برحوا يسألونه سنة سنة ، ويأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً بعد قدومهم ، فأبى عليهم أن يدعها شيئاً مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها فبعث المغيرة بن شعبة وأبا سفيان بن حرب لهدمها (1) .
فتأمل المصالح التي ذكروها : فهم حدثاء عهد بإسلام فيحتاجون إلى التأليف، و خافوا من سفهاء قومهم ، وأرادوا تأليف قومهم وعدم ترويعهم حتى يدخلوا الإسلام.
فعلى قاعدة هذا الكاتب : فإن أخف الضررين –عنده- هو ترك (اللات) من أجل تأليف هؤلاء القوم على الإسلام ، ثم إذا تمكن الإسلام من قلوبهم هدمها !!!.
ومع ذلك كله فإن النبي e رأى أن المصلحة هي في هدم هذا الطاغية ، ولم يلتفت إلى ماذكروه .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (زاد المعاد) 3/506:
(ومنها –أي من فوائد هذه القصة- أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة) .
الوجه الثالث : أن قوله (قوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) وقول بعض المؤيدين : إن مصلحة تحطيم الأصنام مقدمة على مفسدة سب الله، فيه اقتصار على صورة من صور المفسدة وإلا فثمة صور عديدة للمفسدة المترتبة على تحطيم الأصنام ومنها أن نقول : إن مفسدة تمزيق القرآن وإحراقه مقدمة على مصلحة تحطيم الأصنام، ولا شك في هذا، وغيرها من المفاسد على فرض وجوب تحطيمها كما أسلفنا).
قلت :
إن الذي نزلت عليه هذه الآية ، هو الذي قام بهدم الأوثان والأصنام ، وهو الذي أرسل الصحابة لهدمها، وهو الذي أمر المسلمين بهدمها .
ففرق بين مجرد السب لآلهة المشركين إذا ترتب على ذلك سبهم لله سبحانه ، وبين هدم أوثانهم وأصنامهم ولو ترتب عليه ما ترتب .
فتأمل في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وهو أسوة لنا ، حيث قام بهدم أصنام قومه على الرغم من عدم المعين والمناصر .
ومن لوازم قول هذا الكاتب : أن لا يقوم المسلمون بهدم أي صنم أو وثن ما دام على الأرض من يعبده لأنه قد (يُمزق المصحف) و (يُشتم المسلمين) و(يُسب الله سبحانه ) ، ولم يقل به أحد قبل هؤلاء الحثالة .
انظر إلى فعل الرسول e في هدم أصنام (قريش) وقد بقي منهم مشركون لم يسلموا إلا بعد حنين .
وانظر إلى فعله في أصنام (ثقيف) مع بقاء مجموعة منهم على دينهم .
وانظر إلى أمره المطلق بكسر التماثيل والتصاوير .
وانظر إلى فعل الصحابة بالأصنام في الديار التي افتتحوها.
أفترى أولئك المشركين الذين هدمت أصنامهم رضوا عن هدمها وإزالتها وقرت بذلك أعينهم؟؟!!.
بل إن قول الكاتب ينقض هذا ؛ فإنه قال فيما سبق (ما فتح عنوة وحرباً، فهذا حكمه للمسلمين يتصرفون فيه حسب حكم أهل الحل والعقد سبياً وقتلاً وعفواً وتحطيم أصنامٍ وهدم بيوت عبادة) ، فالسؤال : أتظن أن الكفار أولئك الذين افتتحت ديارهم عنوة –ومن وافقهم في نحلتهم من الديار التي لم تفتتح- إذا بلغهم تحطيم أصنامهم سيشكرون المسلمين ويقبلون المصحف ويضعونه فوق رؤوسهم ؟؟!! .
ما الفرق بين (ردة فعل) أولئك الكفار إذا بلغهم أن المسلمين هدموا أصنامهم ، وبين (ردة فعل) هؤلاء ؟؟!!.
إذا كنت تجعل مفسدة تمزيق المصحف ونحوها من المفاسد أعظم من مصلحة تحطيم الأوثان والأصنام ، فلم قرّرت مشروعية تحطيم الأصنام إذا افتتحت البلاد عنوة مع بقاء أمم على عبادتها سيغضبون لها قطعاً؟؟!!.
وإن كنت تجعل فعل أولئك المسلمين في تحطيم الأوثان والأصنام مشروعاً –في البلاد المفتتحة عنوة كما هو تقريرك- فما الفرق بين فعل أولئك وفعل هؤلاء؟؟!!.
تاسعاً : قال (المسألة الثانية : هل يجب تحطيم الأصنام التي وجدت في ديار المسلمين من قبل الإسلام ولو كانت لا تعبد ؟؟
الحق إن كان يخشى منها على عقائد المسلمين فلا شك بوجوب هدمها قولاً واحداً فSPAN> (المشبهون بخلق الله) وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زمانا دون زمان ، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتظافرة بمعنى خيالي يمكن أن لايكون هو المرادP dir=rtl>
قلت :
ها قد أخذ الكاتب يقرر ويستشكل ، وكأن الشريعة ورث خلفه له أبوه ؟؟!!.
فهل مع قول الرسول e قول ؟ ومع بيانه بيان ؟ .
فهو لم يذهب إلى النصوص الشرعية ؛ لأنه يعلم أنها ليست على هواه ، وانظر إلى بعض الأدلة في وجوب هدم التماثيل مطلقاً عبدت أو لو لم تعبد من قوله e وفعله:
1- روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله e : (أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته).
وجه الدلالة : أنه قال له (لا تدع تمثالاً) و(تمثالاً) نكرة في سياق النفي فهو يدل على العموم ، فيجب هدم كل تمثال وطمسه عبد أو لم يعبد .
2- في الصحيحين عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله e وأنا متسترة بقرام فيه صورة فتلون وجهه فهتكه ثم قال : (إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذي يشبهون بخلق الله).
وجه الدلالة : أن هذه التصاوير –وهي أخف من التماثيل بالإجماع- قد هتكها الرسول e بعد أن تلوّن وجهه من الغضب ، ومن المحال أن يقال إنها كانت تعبد من دون الله تعالى ، أو أنه خشي أن تعبدها عائشة رضي الله عنها ، كيف وقد علّل هذا الفعل بقوله (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله) ، فلم يجعل العلة هنا العبادة بل مضاهاة خلق الله تعالى ولا دخل لها هنا بالاعتقاد ، وقد قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى في (أحكام الأحكام) 2/171 :
(وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال إن ذلك محمول على الكراهة ، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب العهد من الأوثان ، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد - هذا أو معناه- ، وهذا عندنا باطل قطعا ؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الأخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين ؛ فإنهم يقال لهم (أحيوا ما خلقتم) ، وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل ، وقد صرح بذلك في قوله e (المشبهون بخلق الله) وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زمانا دون زمان ، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتظافرة بمعنى خيالي يمكن أن لايكون هو المراد مع اقتضاء التعليل بغيره وهو التشبيه بخلق الله).
3- مارواه الترمذي - وصححه - وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e : (أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال ، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ، وكان في البيت كلب ، فمر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة ، ومر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن ، ومر بالكلب فيخرج ففعل رسول الله e ).
وجه الدلالة : أن جبريل عليه السلام أمر الرسول e بقطع رأس التمثال وتقطيع الستر ، أفيقول قائل: إن جبريل ظن أن هذا التمثال والتصاوير تعبد في بيت الرسول e ؟!.
أو يقول قائل : إن جبريل خشي على من في بيت النبي e أن يعبد هذا التمثال –حاشاه e وآله من ذلك - ؟؟!!. [1]
فماذا يقول الكاتب في هذه الأدلة الصريحة الواضحة الصحيحة ، وهاهنا يقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) !!!.
عاشراً : قال ( أما إذا لم يخش منها على عقائد المسلمين كتمثال أبي الهول وتماثيل الفراعنة فالأمر فيها مشكل فثمة نصوص عن بعض التابعين يرون هدم كل الأصنام وفي المقابل وجدنا تماثيل وأصناماً بقيت ولم يهدمها الصحابة الذين فتحوا تلك البلدان، مثل بلاد العراق وبلاد فارس والشام ومصر وغيرها مما يطول التفصيل فيه، ولكن لنقصر القول - من أجل الاختصار - على مصر وما فيها من التماثيل والأصنام الفرعونية، ومن الطرائف أن بعض المؤيدين لهدمها ادعى أن تلك التماثيل والأصنام الفرعونية كانت مطمورة بالرمال ولم تكن ظاهرة على وقت الصحابة !!، بل لم تظهر للعيان إلا قبل مئتين من السنين، وهذا القول منه قصور في التتبع لكتب التاريخ وإلا فكتب التاريخ مليئة بالأخبار التي تنص على معرفة المسلمين بها –ثم ذكر نصوصاً عن المؤرخين والأدباء كالجاحظ وياقوت تثبت وجود أبي الهول قديماً- ) .
قلت :
الكلام على هذا من وجوه :
الوجه اë> : أن تكون من القوة والإحكام بحيث لا يستطيعون هدمها.
الثالث : أن تكون مغمورة بالرمال أو مطمورة تحت الأرض .
ومن ادعى -SA> [2] ما يكفي للدلالة على عموم حرمة التماثيل والأصنام ووجوب إتلافها، فكيف تترك تلك النصوص الصحيحة الصريحة لمثل هذا الأمر التاريخي الذي قد لا تعرف ملابساته ، بل وقد جعل الكاتب الأمر فيها مشكلاً ! ، ولم يستطع أن يأتي بدليل واحد صحيح صريح على رؤيتهم ثم تركهم للأصنام ، ولكنه حاول التلفيق والتلبيس.
الوجه الثاني : لو سلمنا ما يقوله هذا الكاتب –بأن الصحابة اطلعوا على هذه التماثيل وتركوها- فإن الاحتجاج بقول أو فعل الصحابة رضي الله عنهم –عند من يقول به- يشترط فيه أن لا يكون معارضاً بنص ثابت ، و مسألتنا هذه فيها النصوص المتواترة الفعلية والقولية عن النبي e والتي تأمر بهدم وكسر الأوثان والتماثيل على اختلاف أصنافها ، فالحجة في قوله وفعله e بالإجماع ، فيسقط هذا القول.
الوجه الثالث : أن هؤلاء القوم يدورون مع الهوى لا مع الحق ، وبيان ذلك:
أنك لو احتججت عليهم –مثلاً- بفعل الصحابة وإجماعهم على ذم الغناء وتحريمه ؛ لقالوا : ثبت أن الرسول e سمع الغناء من الجاريتين ، ولا حجة لأحد معه [3] .
وإذا احتججت عليهم بقول الرسول e وفعله المتواتر عنه في هدم الأصنام لقالوا : لكن الصحابة تركوها ؟؟!!.
فهم يرون الصحابة حجة إذا وافق فعلهم هواهم ، ويتركونهم إذا خالف هواهم !!!.
الوجه الرابع : قوله ( وفي المقابل وجدنا تماثيل وأصناماً بقيت ولم يهدمها الصحابة الذين فتحوا تلك البلدان، مثل بلاد العراق وبلاد فارس والشام ومصر وغيرها مما يطول التفصيل فيه) .
أقول : يستطيع كل أحد أن يجازف بمثل هذه الأقوال ، وأن يدعي ما شاء ، وكما قيل: الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، فنطالب هذا الكاتب بدليله وإسناده على ترك الصحابة لما يدعيه ، وقد ذكرت في (إقامة البرهان) أن الأصنام والتماثيل التي تركوها لا تخرج عن ثلاثة أقسام هي باختصار :
الأول : أن تكون داخل معابدهم التي صولحوا عليها فتترك لهم بشرط عدم إظهارها.
الثاني : أن تكون من القوة والإحكام بحيث لا يستطيعون هدمها.
الثالث : أن تكون مغمورة بالرمال أو مطمورة تحت الأرض .
ومن ادعى غير هذا فعليه الدليل .
الوجه الخامس : قوله (ومن الطرائف أن بعض المؤيدين لهدمها ادعى أن تلك التماثيل والأصنام الفرعونية كانت مطمورة بالرمال ولم تكن ظاهرة على وقت الصحابة !!، بل لم تظهر للعيان إلا قبل مئتين من السنين، وهذا القول منه قصور في التتبع لكتب التاريخ وإلا فكتب التاريخ مليئة بالأخبار التي تنص على معرفة المسلمين بها –ثم ذكر نصوصاً عن المؤرخين والأدباء كالجاحظ وياقوت تثبت وجود أبي الهول قديماً- إلى أن قال : فقطعاً رأى بعض الصحابة ( وعددهم أربعمئة كما أسلفنا ) الأهرامات وأبا الهول) .
أقول :
أولاً : أنت لم تنقض هذه الدعوى إلا بما ذكرته عن أبي الهول ، وأبو الهول من القسم الثاني –وهو ما لا قدرة لهم على هدمه لو ثبتت رؤيتهم له- ، وقد حاول نابليون هدمه بالمدافع فلم يستطع كما يذكره مؤرخو مصر الحديثة ، فكيف بأصحاب السيف والرمح؟؟.
ولا تستطيع أن تنقض الدعوى إلا بأن تثبت أن هناك من الأصنام ما كان ظاهراً رآها الصحابة و وقدروا على إزالتها وتركوها –ولن تستطيع - .
ثانياً : أن صاحب ( النجوم الزاهرة)1/250 ذكر أن (يزيد بن عبد الملك بن مروان) الخليفة الأموي قد كتب إلى والي مصر يأمره بهدم جميع التماثيل والأصنام الموجودة في مصر فهدمت وأزيلت .
فهذا يدل على أحد أمرين :
1- إما أنهم لم يطلعوا على (أبي الهول) .
2- أو أنهم عجزوا عنه .
كما يدل على أن ما وجد من الآثار والأصنام كان مفقوداً وقتهم، وإلا لأزالوه.
ثالثاً : أن أكثر الأصنام الفرعونية الموجودة الآن –والتي في القدرة إزالتها- لم تكتشف إلا حديثاً ، وإليك بعض التواريخ :
1- معبد (أبي سمبل) –وهو من أكبر المعابد الفرعونية وأكثرها أصناماً- لم يكتشف إلا في عام 1813م –بالصدفة- تحت الرمال ، ومكثوا قرابة القرن في إزالة الرمال وإظهاره .
2- ما يسمى بـ(كنوز توت عنخ آمون) –ويجعلونها أعظم كشف تاريخي للآثار- لم تكتشف إلا عام 1922 .
3- آثار (ست هاتور) اكتشفت عام 1894 .
4- آثار (سنت سمبت) اكتشفت عام 1894 .
5- آثار (إتا) اكتشفت عام 1895.
6- ED هو أبعد الناس عن العلم ، فهو عبد اللطيف بن يوسف البغدادي أحد الفلاسفة الأطباء ، وانظر ترجمته في (طبقات الشافعية) 8/313 ، و(إنباه الرواة) 2/193 ، و (الإعلام) 4/61.
وDrtl> آثار (أبو رواش) اكتشفت عام 1913.
8- آثار (تونه الجبل) اكتشفت عام 1959.
9- آثار (سقارة) اكتشفت عام 1893.
وهكذا ، والآثار كثيرة ، وإنما ذكرت بعض الأمثلة –لأن الكاتب جعل ذكر اكتشاف هذه الآثار حديثاً طرفة أضحكته-، و هذه التواريخ مثبتة في تواريخ الآثار المصرية .
ولا يستطيع أن يأتي بمثال واحد ثابت يؤيد ما قاله ، والله المستعان .
حادي عشر : قال ( وهذا دليل على أن التماثيل التي لا تعبد ولا يخشى على عقيدة المسلمين منها لا يجب هدمها ) .
والجواب هو ما سبق ذكره أن الأدلة ظاهرة من قول الرسول e وفعله في وجوب إزالة الأوثان والتماثيل –سواء عبدت أم لا – وقد سبق ذكر طرف منها ، وهؤلاء القوم –كما سبق- يعلمون دلالة هذه الأحاديث والنصوص ، ولكنهم يعلمون أنه ليس لشفرتهم فيها محزاً ، لذلك لا يطيلون النظر فيها ، بل ذهبوا يتأملون التاريخ وينظرون في الفتوحات –لعلهم يجدون فيها ما يلبسون على المسلمين- كعادة أهل الضلال في اتباع المتشابه وترك المحكم ، وإلا فالمسألة فصل فيها الشارع ولم يتركها للرأي والبحث التاريخي ، والله المستعان .
ثاني عشر : قال (وقد حمل عبد اللطيف البغدادي - من علماء القرن السادس - على اللصوص المنقبين عن الكنوز الذين يحطمون تلك التماثيل فقال : ( وما زالت الملوك تراعي بقاء هذه الآثار وتمنع من العبث بها وإن كانوا أعداء لأربابها، وكانوا يفعلون ذلك لمصالح منها : لتبقى تاريخاً يتنبه بها على الأحقاب ومنها أن تكون شاهدةً للكتب المنزلة فإن القرآن العظيم ذكرها وذكر أهلها ففي رؤيتها خبر الخبر وتصديق الأثر ومنها أنها تدل على شيء من أحوال من سلف وسيرتهم وتوافر علومهم وصفاء فكرهم وغير ذلك، وهذا كله مما تشتاق النفس إلى معرفته وتؤثر الاطلاع عليه، أما في زماننا هذا فترك الناس سدى وسرحوا هملاً ..، فهم يحسبون كل علم يلوح لهم هو علم على مطلب، وكل صنم عظيم أنه حاصل لمال تحت قدميه، فصاروا يعملون الحيلة على تخريبه ويبالغون في تخريبه ويفسدون صور الأصنام إفساد من يرجو عندها المال ..) ص 106-107ولا أجد أجمل من كلمات هذا العالم لأختم بها هذا المقال والله المستعان) .
قلت :
ما أعظم تلبيس هذا الكاتب ودجله وكذبه على المسلمين ، فانظر إلى قوله عن (عبد اللطيف البغدادي) هذا (- من علماء القرن السادس -) وقوله (ولا أجد أجمل من كلمات هذا العالم لأختم بها هذا المقال) .
فإن هذا (العالم) الذي استشهد بقوله وأوهم أنه عالم شرعي هو أبعد الناس عن العلم ، فهو عبد اللطيف بن يوسف البغدادي أحد الفلاسفة الأطباء ، وانظر ترجمته في (طبقات الشافعية) 8/313 ، و(إنباه الرواة) 2/193 ، و (الإعلام) 4/61.
وأقوال العلماء –حقاً لا تلبيساً و تدليساً- في التماثيل قد سبق أن نقلتها لك ، والله المستعان وعليه والتكلان ، ولا حول ولا قوة إلا به ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه
ناصر بن حمد الفهد
يوم الأربعاء 3 / 1 / 1422
--------------------------------------------------------------------------------
(1) انظر (الطبقات) لابن سعد 5/505 ، (تاريخ الطبري) 2/180 .
[1] وقد فصلت الأدلة على حرمة التماثيل مطلقاً وعموم حرمتها ووجوب كسرها في (إقامة البرهان) فراجعه إن شئت.
[2] وانظرها بالتفصيل في البحث المشار إليه سابقاً .
[3] هذا مع أن استدلالهم بحديث غناء الجاريتين ونحوه لا يجيز الغناء المعهود الآن ، وإنما ذكرت هذا للتمثيل على هوى هؤلاء .