لابدّ من التفريق بين الالتزام السياسي الذي يجعل المحامي في الصفّ الأوّل المدافع عن علوية القانون وعن الحريات العامّة و الخاصّة وبين الالتزام الحزبي القائم على التوظيف واستعمال قطاع المحاماة في ما يخدم مصالح حزبه أوّلا و أخيرا.
يشهد قطاع المحاماة في تونس أزمة خانقة على جميع المستويات المادية و المعنوية والهيكلية و الاجتماعية.
ولئن اختلفت الآراء والمواقف والتحاليل حول أسباب هذه الأزمة و تحديد المسؤوليات في شأنها، فان العارفين بالشأن المهني يكادون يجمعون على أنّ ما تنتهجه الإدارة تجاه المحامين يمثّل السبب الرئيسي في وجودها وفى استفحالها.
و هذا السبب الرئيسي لا يجب أن يحجب وجود أسباب أخرى للأزمة لا يمكن تحت أيّ غطاء أو دافع التغاضي عنها أو التقليل من شأنها، و أهمّها ما تشهده المحاماة من تجاذب وصل درجة الحدّة بين مختلف التيارات السياسيّة التي و للأسف الشديد ساهمت في تحوّل المحاماة إلى ساحة للصراع السياسي المفتوح على حساب مصالح القطاع و المحامين.
هذه المصالح التي بات من الواضح أنّها بعيدة كلّ البعد عن أذهان و أجندات بارونات السياسة.
انه لمن الضروري ومن المتأكد أن يقف المحامون اليوم بكل جرأة وشجاعة على ما أفرزته عقلية التعاطي الحالية مع قطاع المحاماة من سلبيات جمة أهمها ظاهرة الإستقالة وعدم المبالاة والعزوف عن متابعة ما يحدث (يتجلى ذلك في هجران الجلسات العامة )،وكذلك تنامي ظاهرة العداوة المفرطة بين المحامين بسبب اختلافاتهم السياسية في قطاع من أهم سماته التضامن والشعور بالإنتماء الى عائلة واحد : كل ذلك يمثل النتيجة المباشرة للتوظيف السياسي ومحاولة تدجين القطاع .
إنّ الاهتمام بالشأن العام والإلتزام السياسي يعتبران من بديهيات الأمور لدى المحامي التواق دوما للحرية والمدافع بلا هوادة على الحريات العامّة والخاصّة ، حتى أنّ البعض يعتبر ذلك من صميم وظيفته ،وهنا لابدّ من التفريق بين الإلتزام السياسي الذي يجعل المحامي في الصفّ الأوّل المدافع عن علوية القانون وعن الحريات العامّة و الخاصّة و بين الإلتزام الحزبي القائم على التوظيف واستعمال قطاع المحاماة في ما يخدم مصالح حزبه أوّلا و أخيرا.
لقد بات ملموسا ان العقلية التي تسقط واقع الوضع السياسي والحريات بالبلاد على المحاماة قد اثبتت قصورها من حيث اساليبها ومن حيث نتائجها في التعامل مع قطاع المحاماة لما تذرعت بذلك الواقع .
ان المحاماة لا يمكن أن تتحمل ثقل المشاريع السياسية والأجندات المختلفة للأحزاب والفعاليات السياسية.
إنّ قدر المحاماة، و لا خلاف في ذلك، أن تتبوأ موقعا متقدّما في الدفاع عن الحريات في بلادنا، ولن يتسنّى لها ذلك إلاّ متى كانت موحّدة ومتضامنة ومستقلّة.
إنّنا نعتقد جازما أنّ المحاماة اليوم في مفترق الطرق، ولابدّ أن تتجاوز مرحلة الجزر التي تمرّ بها وذلك بـــــــ :
1 تغليب التوجّه المهني داخل المحاماة.
وهنا لابدّ من التأكيد على أنّ المهنيّة التي نقصد بعيدة كلّ البعد عمّا يروّج له البعض من مفهوم مبتذل يقتصر على المطلبيّة الماديّة الجزئيّة. إنّ أصحاب هذا الرأي يعتبرون أنّ المحاماة يجب أن تتخلّى عن الاهتمام بالشأن العام وان تنصرف إلى الأمور المهنيّة فقط. ومن هذا الباب يقع التشكيك في أي مطلب مهني يطالب به المحامون بدعوى أن ورائه مآرب سياسية. ( على غرار ملف القانون المتعلق بمعهد المحاماة).
إننا نعتبر أن هذا التعارض مصطنع ومن شأن الترويج لهذا المفهوم المبتذل أن يحيد بالمحاماة عن دورها.
2 العمل على تفعيل دور القاعدة العريضة من المحامين في اتجاه الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للقطاع والتصدّي لمحاولات الإحتواء و التدجين.
ولا يكون ذلك حسب اعتقادنا الا بالعمل على اعادة احياء تقاليد التضامن والإستقلالية والثقة بين عموم المحامين وبينهم وبين والهياكل المنتخبة. ولعلّ من أهم القيم التي التصقت بالأجيال المتعاقبة من المحامين لا في تونس فحسب بل في العالم،الشعور بالانتماء إلى عائلة واحدة وما يكرسه ذلك من قيم التضامن ذهنية و سلوكا،وهي قيم أصيلة متأصّلة أصالة رسالة الدفاع.
3 السعي إلى تكوين وبعث منبر اكاديمي للدراسات و البحوث المرتبطة بممارسة مهنة المحاماة منها ماهو متعلق بالتكوين العلمي والصناعي الصرف و منها ما هو متعلق بالتعمق في تقاليد و أخلاقيات المهنة و تاريخها.
إنّ المتمعن في واقع المحاماة اليوم يشهد التفكّك الذي تعيشه، كما يشهد الضعف الصناعي الذي يتفاقم باطّراد، و يشهد أيضا الجهل شبه الكلّي لنواميس هذه المهنة النبيلة و تاريخها المضيء الذي يمثل مصدر إلهام ثريّ و متنوّع. إنّ المحاماة بحاجة أكيدة لأن تحفظ ذاكرتها.
4 - السعي إلى تكوين جيل جديد من المسؤولين بالهياكل القادرين على التسيير الإداري الجدّي و الجيّد و على الحفاظ من موقعهم المتقدّم على مكاسب القطاع و على استقلاليته و تكريس مبادئه النبيلة.
وهنا لابد لمحترفي ولمقاولي الإنتخابات وخصوصا من كانت تجربتهم بالهياكل فاشلة أو لم تسجل أي اضافة تذكر أن يتخلوا عن أنانيتهم وغرورهم وأن يتركوا المجال لعديد الطاقات الصاعدة والمقموعة والتي بمقدورها الإضافة والإفادة. انه من الأحرى على البعض ممن يرفعون الشعار ويتشدقون بالمبادئ ويزايدون على الجميع بالنقاوة الثورية ، أن يعطوا المثل ويمارسوا سنة التداول.
5 – التفكير الجدي والعميق في رسم استراتيجية لعصرنة مهنة المحاماة على جميع الأصعدة : ادارةـ هياكل ـ مكاتب محامين ـ طرق العمل والتعامل ـ ......
اننا نؤكد في الأخير أن المحاماة ليست حزبا سياسيا معارضا ،وليست حلبة للصراعات أوللتحالفات السياسية،وعلى المحامين الإقلاع عن استقالتهم واستعادة دورهم وافتكاك زمام المبادرة .
الأستاذ فاخر القفصي
يشهد قطاع المحاماة في تونس أزمة خانقة على جميع المستويات المادية و المعنوية والهيكلية و الاجتماعية.
ولئن اختلفت الآراء والمواقف والتحاليل حول أسباب هذه الأزمة و تحديد المسؤوليات في شأنها، فان العارفين بالشأن المهني يكادون يجمعون على أنّ ما تنتهجه الإدارة تجاه المحامين يمثّل السبب الرئيسي في وجودها وفى استفحالها.
و هذا السبب الرئيسي لا يجب أن يحجب وجود أسباب أخرى للأزمة لا يمكن تحت أيّ غطاء أو دافع التغاضي عنها أو التقليل من شأنها، و أهمّها ما تشهده المحاماة من تجاذب وصل درجة الحدّة بين مختلف التيارات السياسيّة التي و للأسف الشديد ساهمت في تحوّل المحاماة إلى ساحة للصراع السياسي المفتوح على حساب مصالح القطاع و المحامين.
هذه المصالح التي بات من الواضح أنّها بعيدة كلّ البعد عن أذهان و أجندات بارونات السياسة.
انه لمن الضروري ومن المتأكد أن يقف المحامون اليوم بكل جرأة وشجاعة على ما أفرزته عقلية التعاطي الحالية مع قطاع المحاماة من سلبيات جمة أهمها ظاهرة الإستقالة وعدم المبالاة والعزوف عن متابعة ما يحدث (يتجلى ذلك في هجران الجلسات العامة )،وكذلك تنامي ظاهرة العداوة المفرطة بين المحامين بسبب اختلافاتهم السياسية في قطاع من أهم سماته التضامن والشعور بالإنتماء الى عائلة واحد : كل ذلك يمثل النتيجة المباشرة للتوظيف السياسي ومحاولة تدجين القطاع .
إنّ الاهتمام بالشأن العام والإلتزام السياسي يعتبران من بديهيات الأمور لدى المحامي التواق دوما للحرية والمدافع بلا هوادة على الحريات العامّة والخاصّة ، حتى أنّ البعض يعتبر ذلك من صميم وظيفته ،وهنا لابدّ من التفريق بين الإلتزام السياسي الذي يجعل المحامي في الصفّ الأوّل المدافع عن علوية القانون وعن الحريات العامّة و الخاصّة و بين الإلتزام الحزبي القائم على التوظيف واستعمال قطاع المحاماة في ما يخدم مصالح حزبه أوّلا و أخيرا.
لقد بات ملموسا ان العقلية التي تسقط واقع الوضع السياسي والحريات بالبلاد على المحاماة قد اثبتت قصورها من حيث اساليبها ومن حيث نتائجها في التعامل مع قطاع المحاماة لما تذرعت بذلك الواقع .
ان المحاماة لا يمكن أن تتحمل ثقل المشاريع السياسية والأجندات المختلفة للأحزاب والفعاليات السياسية.
إنّ قدر المحاماة، و لا خلاف في ذلك، أن تتبوأ موقعا متقدّما في الدفاع عن الحريات في بلادنا، ولن يتسنّى لها ذلك إلاّ متى كانت موحّدة ومتضامنة ومستقلّة.
إنّنا نعتقد جازما أنّ المحاماة اليوم في مفترق الطرق، ولابدّ أن تتجاوز مرحلة الجزر التي تمرّ بها وذلك بـــــــ :
1 تغليب التوجّه المهني داخل المحاماة.
وهنا لابدّ من التأكيد على أنّ المهنيّة التي نقصد بعيدة كلّ البعد عمّا يروّج له البعض من مفهوم مبتذل يقتصر على المطلبيّة الماديّة الجزئيّة. إنّ أصحاب هذا الرأي يعتبرون أنّ المحاماة يجب أن تتخلّى عن الاهتمام بالشأن العام وان تنصرف إلى الأمور المهنيّة فقط. ومن هذا الباب يقع التشكيك في أي مطلب مهني يطالب به المحامون بدعوى أن ورائه مآرب سياسية. ( على غرار ملف القانون المتعلق بمعهد المحاماة).
إننا نعتبر أن هذا التعارض مصطنع ومن شأن الترويج لهذا المفهوم المبتذل أن يحيد بالمحاماة عن دورها.
2 العمل على تفعيل دور القاعدة العريضة من المحامين في اتجاه الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للقطاع والتصدّي لمحاولات الإحتواء و التدجين.
ولا يكون ذلك حسب اعتقادنا الا بالعمل على اعادة احياء تقاليد التضامن والإستقلالية والثقة بين عموم المحامين وبينهم وبين والهياكل المنتخبة. ولعلّ من أهم القيم التي التصقت بالأجيال المتعاقبة من المحامين لا في تونس فحسب بل في العالم،الشعور بالانتماء إلى عائلة واحدة وما يكرسه ذلك من قيم التضامن ذهنية و سلوكا،وهي قيم أصيلة متأصّلة أصالة رسالة الدفاع.
3 السعي إلى تكوين وبعث منبر اكاديمي للدراسات و البحوث المرتبطة بممارسة مهنة المحاماة منها ماهو متعلق بالتكوين العلمي والصناعي الصرف و منها ما هو متعلق بالتعمق في تقاليد و أخلاقيات المهنة و تاريخها.
إنّ المتمعن في واقع المحاماة اليوم يشهد التفكّك الذي تعيشه، كما يشهد الضعف الصناعي الذي يتفاقم باطّراد، و يشهد أيضا الجهل شبه الكلّي لنواميس هذه المهنة النبيلة و تاريخها المضيء الذي يمثل مصدر إلهام ثريّ و متنوّع. إنّ المحاماة بحاجة أكيدة لأن تحفظ ذاكرتها.
4 - السعي إلى تكوين جيل جديد من المسؤولين بالهياكل القادرين على التسيير الإداري الجدّي و الجيّد و على الحفاظ من موقعهم المتقدّم على مكاسب القطاع و على استقلاليته و تكريس مبادئه النبيلة.
وهنا لابد لمحترفي ولمقاولي الإنتخابات وخصوصا من كانت تجربتهم بالهياكل فاشلة أو لم تسجل أي اضافة تذكر أن يتخلوا عن أنانيتهم وغرورهم وأن يتركوا المجال لعديد الطاقات الصاعدة والمقموعة والتي بمقدورها الإضافة والإفادة. انه من الأحرى على البعض ممن يرفعون الشعار ويتشدقون بالمبادئ ويزايدون على الجميع بالنقاوة الثورية ، أن يعطوا المثل ويمارسوا سنة التداول.
5 – التفكير الجدي والعميق في رسم استراتيجية لعصرنة مهنة المحاماة على جميع الأصعدة : ادارةـ هياكل ـ مكاتب محامين ـ طرق العمل والتعامل ـ ......
اننا نؤكد في الأخير أن المحاماة ليست حزبا سياسيا معارضا ،وليست حلبة للصراعات أوللتحالفات السياسية،وعلى المحامين الإقلاع عن استقالتهم واستعادة دورهم وافتكاك زمام المبادرة .
الأستاذ فاخر القفصي