أحبتي في الله! حتى نتمكن من فهم كلمة (السماء) في القرآن، ينبغي أن نعلم بأن الغلاف الجوي هو سماء بالنسبة لنا وفيه تتشكل الغيوم وينزل المطر، وأصحاب اللغة يعرفون السماء على أنها: "كل ما علاك فهو سماك" ، أي أن السماء هي كل شيء فوقك. فالغلاف الجوي هو سماء بالنسبة لنا، فهو يحوي الغيوم التي يهطل منها المطر، ولذلك قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) [المؤمنون: 18].
وتمتد السماء مليارات السنوات الضوئية لمسافة لا يعلم حدودها إلا الله تعالى، وكل ما نراه من مجرات وغبار كوني هو في السماء الدنيا التي زينها الله بهذه المجرات والنجوم.
والقرآن طرح أمراً منطقياً وعلمياً لم يكن أحد يتصوره زمن نزول القرآن وهو احتمال أن تقع السماء على الأرض، ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك علمياً؟
زمن نزول القرآن لم يكن أحد يتصور أن الغلاف الجوي للأرض له وزن ثقيل جداً، ولم يكن أحد يعلم شيئاً عن مخاطر زوال هذا الغلاف أو انهياره. ولكن القرآن عبَّر عن هذه الحقيقة المحتملة بآية عظيمة، حدثنا من خلالها عن نعمة من نعم الخالق تبارك وتعالى، فهو الذي يمسك هذا الغلاف فلا يتبدد ويزول.
في زمن نزول القرآن لم يكن احد يعلم أن الهواء له وزن، وإذا ما حسبنا وزن الغلاف الجوي للأرض نجده مساوياً 5 مليار مليار كيلو غرام! إذاً الغلاف الجوي الذي يعتبر سماء بالنسبة لنا، ثقيل جداً.
تصوَّروا لو أن حجراً وزنه 5 مليار مليار كيلو غرام سقط على الأرض ماذا سيفعل؟ إن الذي يمسك هذا الغلاف الجوي هو الله تعالى، يمسكه من خلال القوانين التي سخرها لتحكم هذا الغلاف. فمثلاً لو كانت كثافة الغلاف الجوي أقل مما هي عليه الآن لتبخر وهرب إلى الفضاء الخارجي. ولو أن جاذبية الأرض كانت أقل مما هي عليه الآن لم تتمكن الأرض من الإمساك بهذا الغلاف... ولذلك فإن الله تعالى اختار الحجم المناسب والوزن المناسب لكوكب الأرض بما يضمن بقاء الغلاف الجوي متماسكاً.
ومن هنا يمكننا أن نفهم معنى قوله تعالى في هذه الآية العظيمة: ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [الحج: 65]. ويمكن أن نفهم هذه الآية بطريقتين والعجيب أنه لا يوجد تناقض بين العلم والقرآن في كلتا الحالتين:
1- إذا فهمنا أن السماء تعني الغلاف الجوي فهذا صحيح، وإن سقوط الغلاف الجوي على الأرض وعدم بقائه متماسكاً في مكانه، يشكل كارثة تؤدي إلى زوال الحياة من على الأرض، ومن رحمة الله بعباده أنه يُبقي هذا الغلاف في مكانه، فهو الذي يمسكه سبحانه وتعالى.
2- إذا فهمنا أن السماء هي الفضاء الخارجي خارج الأرض، فهذا يعني أن أي اصطدام لجزء من أجزاء السماء، مثل مذنب أو كويكب أو نيزك عملاق، سوف يؤدي إلى كارثة عظيمة وزوال الحياة من على الأرض. ويؤكد العلماء أن احتمال اصطدام حجر نيزكي بالأرض هو أمر منطقي، يمكن أن نفهم الآية الكريمة على أنها تخبرنا بنعمة من نعم الله تعالى، وهي أنه عز وجل يمسك هذه الأجرام الكونية في مكانها، ولا يدعها تقترب من الأرض، وقد سخَّر القوانين اللازمة لضمان سلامة الأرض وبقائها بعيداً عن مدارات الكويكبات والنيازك والأحجار التي تسبح في فضاء المجموعة الشمسية.
ولا نملك إلا أن نحمد الله تعالى على هذه النعمة ونقدّر قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )، فالحمد لله!