كما هو معروف فقد استطاع الأستاذ بتر جاكسون , مفاجئة الجمهور السينمائي بعمل جديد وفريد من نوعه , لكن هذه المرة تحت قيادة تلميذه المفضل -Neill Blomkamp- , الذي دائما ما يحاول مساعدته باعتبار انه معجب بالإمكانيات التي يملك كمخرج واعد , وقد حاول ذالك في احد الأعمال السابقة , وهو عبارة عن اقتباس من لعبة هالو -Halo- لكن لأسباب غامضة لم يكتب لهذا العمل الظهور , لكن بطبيعة الحال استمرت المساندة للامشروطة حتى يومنا هذا وبالضبط في فلم الحي 9 , الذي يعتبر حاليا من ابرز الأفلام الناجحة خلال هذه السنة , والذي لاق استحسان أغلبية الجماهير خصوصا المهتمين بالميدان السينمائي , وبطبيعة الحال استطاع وبجدارة انتزاع اهتمام الجميع حتى أصبح اسم المخرج يتردد في جميع الوسائل الإعلامية , ليضعونه رفقة مجموعة من المخرجين ذوي الأفكار الجديدة التي تتحرر من النمطية والكلاسيكية المعتمدة في انجاز الأفلام , والذين استطاعوا خلق موجة جديدة يمكن أن نقول أنها تمكنت من فرد ذاتها في الوسط الفني , كما أن شريحة كبيرة من المشاهدين استطاعوا وبسرعة تقبل هذه النوعية من الأفلام , والتي ظهرت وبشكل ملفت خلال السنتين الأخيرتين , ومن بين انجح الأفلام التي تعتمد هذه الرؤية الجديدة , الفلم الكوري الناجح -The Host- بالإضافة إلى فلم السنة الماضية -Coliverfil- . صراحة فأغلبية هذه الأفلام تمتاز بواقعية كبيرة إن لم نقل أنها نسخة طبق الأصل لطريقة عيش المجتمع , وبطبيعة الحال خالية من المواد الدرامية الدسمة , مما يجعلنا في أغلبية الأحيان نعتقد أن ما نشاهده ليس مجرد فلم عادي , وإنما فلم توثيقي لإحداث واقعية , بعد الاندماج مع معظم مشاهده , حتى أننا نقع في فخ واقعية الصورة , أي بمعنى أننا نعترف بان الفلم واقعي وليس من نسج الخيال السينمائي . الحي التاسع هو عبارة فلم وثائقي مزيف , ينتمي لمجموعة أفلام الخيال العلمي و الكائنات الفضائية , لكن بمفهوم مغاير جدا ويحكي الفلم قصة مليوني لاجئي من الكائنات الفضائية , التي تصل إلى كوكبنا عبر سفينة شبه مدمرة الشيء المميز في هذا المجتمع الجديد , أنهم كائنات لا تلك القدرة على التواصل حتى أن قواها شبه منعدمة , كان هدفهم الوحيد هو مواجهة خطر الموت بسبب الجوع الذي يهددهم , والجديد أيضا آن هذه المرة بلد الاستضافة لم يكن الولايات المتحدة الأمريكية , كما جرت العادة وهذا تحول جديد , بطبيعة الحال هنا لن أتكلم عن كون المخرج من أصول جنوب إفريقيا أي انه أراد تسليط الأضواء على بلده , لكن هذه كانت أيضا رسالة مشفرة لمنبع الأضواء - هوليود - تحمل العديد من المعاني في سطورها وأبرزها أن ليست أمريكا وحدها من تعيش في هذا الكوكب . نعود إلى مجريات الفلم , هذه السفينة الفضائية حطت الرحال بمدينة جوهانسبورغ , وبسب حيرة الحكومة وكذا نظرا لكون هذه الكائنات لا تشكل أي خطر نحوهم , قاموا باحتوائهم في منطقة منعزلة سميت بالحي التاسع , لكن مع مرور السينين حول هؤلاء -الحكومة- اجاد حل لهذه الكائنات , التي أصبح تواجدها بمرور الوقت مع الجنس البشري غير مرغوب فيه. استطاع المخرج بسبب تأثره بأفلام الخيال العلمي , أيضا لبراعته في ميدان المؤثرات البصرية , منحنا فلم من الطراز الرفيع , لكن كما ذكرنا سابقا برؤية فنية جديدة , تمكن بطريقته في تصوير الأحداث بان يكسر القوانين الاعتيادية لصناعة فلم سينمائي في جميع مشاهده , حيث يقع المشاهد في حيرة التفريق بين الخيال والواقع , حتى في نهاية الفلم ترك لنا الباب مفتوح لوضع نهاية خاصة بنا , أي محاولة إشراك المشاهدة في الفلم وهده الطريقة ليست مبتكرة وإنما مقتبسة من العهد القديم خصوصا من الأفلام الهيتشكوكية التي تمتاز بالغموض , وتميز الفلم كان في طريقة تصوير المشاهد التي ابتعدت عن النمطية , حيت استطاع مدير التصوير فرض نوع من الواقية والإثارة الجيدة , وفي الضبط في المشاهد التي تتعلق بالمطاردات وطريقة تصوير المعارك وتطاير الرصاص , صراحة كما لو انك ترى بعض المشاهد الحربية من قناة إخبارية , هذا بدل تضيع الوقت في إنشاء صور خيالية , أي من الأحسن الاندماج والتواجد في قلب الأحداث وهدا ما يعطي واقعية أكثر. تشكلت لوحة المخرج من ثلاث مكونات أساسية : أولها والاهم هي طريقة التصوير , حيث قام بجمع كل المشاهد الدرامية التي تتمحور حول قصة Wikus -الشخصية البطلة- , وهذه المشاهد تم تصويرها وبواسطة كاميرا ريبورتاجات وبعض التقنيات الأخرى لفرض نوع من الواقعية , ومثالا على ذالك قام مدير التصوير بوضع عشرات الكاميرات في مختلف الزوايا , بغية تصوير المشهد من زوايا وطرق مختلفة , دون الحاجة لإعادة المشهد عدة مرات , حتى انه استعان ببعض كاميرات المراقبة المخصصة لبعض الشركات , وهده الفكرة كانت جيدة حيث أننا عندما نرى مثل هذه المشاهد نصدق ما تتضمنه الصورة بشكل كبير جدا , ونحس بشعور غريب أثناء ذالك, وهذا هو من كان يرغبه المخرج , أي فرض طريقته وتميزها بشكل كبير. المكون الثاني وهو الاعتماد على المقاطع المكملة , و تتمثل في المشاهد الاستجوابات , التي قام بها الفريق مع العشرات من الأشخاص سواء كانوا ممثلين أو غير ممثلين , وبطبيعة الحال بالطريقة نفسيها تم مزج هده المشاهد مع أحداث القصة لإضفاء الواقعية في الأحداث و توهيم المشاهد انه أمام فلم توثيقي واقعي , وكذا الإجابة عن تساؤلات المشاهد باعتبار أن المخرج لم يعتمد على تسلسل الأحداث الكلاسيكي. المكون الثالث وهو المشاهد الواقعية والأصلية , المأخوذة من مجموعة من وكالات الأنباء والتي أخدت من الأرشيف , تم دمجها مع أحدات الفلم لمنحه الواقية التي يبحث عنها , هذه الطريقة طبعا معمول بها في العديد من الأفلام التي نرى في بعض المشاهد منها لقاء لصحفي مشهور أو ظهور مقطع مهم من برنامج معروف في بعض القنوات الأمريكية CNN أو NBC , لكن هذا الفلم تقريبا يتكون من نسبة كبيرة جدا من هذه المشاهد إن لم نقل أغلبية الفلم. بالنسبة للخدع السينمائية , التي إذا حاولنا عدم التعمق فيها تجعلنا نشعر كما لو أنها لا تشكل إي أهمية وأنها اعتيادية , لكن فور التعمق في طريقة وضعا نكتشف أن المخرج لم يريد تصوير كائناته الفضائية بشكل معروف لدى المشاهد , صحيح أنها في شكلها تتشابه مع سابقاتها , لكنها بطبيعة الحال وضعت بطريقة جديدة , مع ذالك لم يستطع الخروج على ما هو موجود , أي محاولة تشبيبها ببعض الكائنات المتواجدة على كوكبنا خصوصا الحشرات , ومن اجل خلق هده الكائنات تم الاعتماد على تقنيات متطورة من المؤثرات البصرية ذات الطابع الفيزيائي أي حركي واقعي , واعتقد تم اعتماد هده الطريقة من اجل تسهيل عملية تحريكها , والهدف من هذا كله أعطائها طابع حيوي , كما أن المخرج التجئ إلى المؤثرات البصرية الافتراضية , لمنح هده الكائنات سهولة في الحركية , وهذا في اعتقادي كان تحدي كبيير بالنسبة للفريق , باعتبار البنية الرقيقة التي تم اعتمادها لهذه الأخيرة , والذي بطبيعة الحال يصعب التحكم فيها بواسطة المؤثرات الحركية والماكياج فقط . الفكرة التي أثارت إعجابي , هي الطريقة التي تم اعتمادها في تصوير الدرع الآلي , وطريقة عمله صحيح أنها تقريبا متواجدة لكن المخرج استطاع أن يضيف أفكار جديدة , ومن بينها الطريقة التي تم بها دمج الآلة مع دماغ -Wikus- حيث انه أثناء اصطدامه بطلقات الرصاص يرسل هذا الدرع إشارات للدماغ من اجل إحساس مشغله بالألم , وهي طريقة جد مبتكرة أي محاولة جمح الكائن بالآلة وإشراكهم في الأحاسيس . الأجمل في الفلم طريقة تسلسل الإحداث , حيث شيئا فشيئا يتحول العمل من مجرد ريبورتاج لمراسل تلفيزيوني , إلى مطاردات و مشاحنات بين هذا الطرف وذاك مليئة بالوحشية والدموية , هنا كان التحول جد موفق حيث أننا أثناء مشاهدتنا لم نلحظ هذا , وأثناء بحثي اكتشفت أن الدقائق الأخيرة من الفلم استوحها المخرج من عمله الغير مكتمل Halo وهو كما ذكر سابقا اقتباس من لعبة فيديو تحمل نفس الاسم .
|