--- الفرار إلى المجهول --- كان جالسا مع رفاقه يتأمل كرة الشمس النارية وهي تتأتب بلحاف مياه البحر الشاسع، الذي يحمله مع رفاقه الستة على متن هذا القارب إلى عالم مجهول لهم لكن يأملون أن يفتح أمامهم آفاقا أوسع، تنتشلهم من ضيق الإعسار والحرمان. بفكره تتزاحم الأسئلة والخواطر، وصورة أمه وفي عينيها صرخة مشنوقة من الوجد والألم، لكنها موقنة أن ابنها مراد رهن لما عزم، وكلمته بثغر شاحب باسم: إن تحقيق المنى بالجلاد والكفاح والصبر، فيا بني أبدا لا تستسلم.. بادره صاحبه بنبرة توحي بقلقه: أتعتقد يا مراد أننا سنوفق في الحصول على العمل بأوربا؟ رد عليه مراد: أكيد لن نكون هناك بمنأى عن مواجهة الكثير من المتاعب، لكن لا مانع من المحاولة، بعد أن سدت أمامنا كل السبل. ثم أضاف :لقد يئست من بقائي عالة على والدي، ومحاولاتي الكثيرة لإيجاد عمل رغم مؤهلاتي الجامعية. فقال آخر بقوة وبتفاؤل جلي على قسمات وجهه: رغم أن مستواي ليس جامعيا لكني قادر على عمل أي شيء المهم أن أعود للجزائر وأنا قد أمنت ما أستطيع به بناء حياتي. قال مراد: الحمد لله يبدو أننا أفلتنا من حرس السواحل، فاختيارنا لهذا التوقيت بالذات كان في صالحنا . رد آخر ضاحكا: طبعا فلا أحد يفوت مباراة للفريق الوطني. ها هو الليل قد بسط جناحيه على عبب البحر، التي ما فتئت تسمو في العلو شيئا فشيئا، وهديرها يشتد ويقوى، والبرق قد بدأ يمزق سدول الليل القاتمة من الحين لآخر، مما جعل التخوف والارتياب يأخذ حيزا كبيرا من نفوس كل أفراد الجماعة، وهذا باد على ملامحهم وبأصواتهم المناجية لله لطلب لطفه ومعونته لتجاوز هذه المحنة على خير . جو يخلق الرعب بصوت هطول المطر مع اشتداد الرياح، وتلاطم الأمواج التي أصبحت تتقاذف قاربهم في كل الاتجاهات، لم يبقى أمام الأصحاب السبعة إلا إشعال مفرقعة مضيئة تستعملها المراكب البحرية في هذه الحالات الطارئة للفت انتباه السفن القريبة علها تسرع لنجدتهم، مراد وأصحابه في حالة من الرهبة من المصير المحتوم الذي آلوا إليه، ورغم ذلك يقول لهم مراد وهو يستجمع شجاعته: لا تيأسوا من رحمة الله فهو غوثنا وملاذنا، وفجأة ترمي بهم الأمواج العاتية، لتحتضنهم مياه البحر بكل برودتها. هنا أيقن الأصدقاء السبعة مدى صعوبة الأمر، فتوقعوا أن تكون نهايتهم بغيابات البحر، وكل فرد منهم يقاوم بكل ما أوتي من قوة، وشريط الذكريات بحلوها ومرها يمر أمامهم بسرعة كأنها لحظة الوداع، ما كان يزيد من رباطة جأش مراد وإصراره على النجاة هو صوت أمه الذي يردد بأذنيه: لا تستسلم ولا تنسى أن لك أما تتمنى أن تراك في أعلى المناصب وتباهي بك الناس. بدأت ملامح الحلم تتلاشى وخيوط الأمل تتمزق، لولا بزوغ شعاع سنا من بين العنان الكثيفة. الضوء يقترب شيئا فشيئا وإذا به قارب سريع، وعند رؤيته بدأ الأصدقاء بالصراخ والتلويح مقارعين الأمواج وبرودة البحر بأجسادهم الكليلة، تدفعهم رغبتهم القوية في النجاة. صوب شعاع الضوء نحوهم، وسرعان ما توجه القارب حيالهم، وتمكن أخيرا ثلاثة منقذين من إنجادهم وجرهم إلى سطح القارب ولفهم بغطاء يقيهم شر القر. خيم على الأصحاب السكون، وهم يتغامزون فيما بينهم معتقدين أنهم وقعوا بيد شرطة خفر السواحل الإسبانية، لكن بعض الكلمات العربية التي يسمعونها جعلتهم يعيدون النظر في صمتهم، وبدؤوا يشيرون إلى مراد بضرورة التحدث إليهم. ألقى مراد عليهم السلام ليجر لسانهم فإن هم ردوا عليه فهذا دليل قطعي على أنهم عرب وسيطفئ نار الشك التي أيقظتها تلك الكلمات العربية التي تزاحم نظيرتها الإسبانية في كلامهم. رد اثنان منهم السلام بينما طلب الثالث من مراد أن يستريح ويطمئن هو وأصدقاؤه. ابتسم مراد بعدما اندثر خوفه، وأصر عليهم بالسؤال: من أين أنتم ؟ وكيف رأيتمونا ؟ أجاب أحدهم : نحن من المغرب، ولما رأينا المفرقعة المضيئة في السماء، علمنا أن هناك من هو في خطر، وألحينا على قبطان السفينة الإسباني أن نستعمل إحدى قوارب الطوارئ لاستطلاع الأمر . شكرهم مراد وسألهم عن وجهتهم الآن، وهل سيأخذونهم للسفينة، وكيف سيكون الحال إذا عرف القبطان الإسباني أنهم مهاجرون سريون ؟ قال لهم أحد المنقذين: لا تقلقوا إن المفرقعة ستكون دليلا لدى القبطان بأنكم من البحارة، وأن قاربكم غرق وغرقت معه كل الأوراق، منها بطاقات التعريف وشهادات العمل والرخص، وتبسم ضاحكا وهو يستحضر أنه مر من نفس التجربة. بقي سؤال يحير مراد وباقي أصدقائه، وهو وجهة السفينة التي يعمل فيها المنقذون، لم يستطع مراد طرح السؤال ولا أصحابه، لكن أحد المنقذين أحس بالأمر وبدأ يردد إلى إسبانيا إن شاء الله. تعالت ضحكاتهم جميعا، ولم ينسى أي واحد منهم أن يحمد الله ويشكره، لتبدأ قصة أخرى.. |
❶ الفرار إلى المجهول ❶ بقلـــ كلمة طيبة و عاشق درويش ــــم ..♥ღ خاص
GODOF- Admin
- عدد المساهمات : 10329
نقــــاط التمـــيز : 61741
تاريخ التسجيل : 08/04/2009
العمر : 33