نشأة هذا النبات : |
يعتقد أن نباتات المانجروف نشأت فى حقبة الكريستشيس من الزمن الجيولوجى الميزوزوك الذى يقدر عمره بحوالى 65 مليون سنة. وقد نشأت هذه النباتات فى مستنقعات وشواطئ البحار فى المناطق الاستوائية. وفى مصر يعتقد أن هذه النباتات ظهرت على ساحل البحر الأحمر فى زمن مقارب لزمن تكون هذا البحر (70 مليون نسمة) عندما انفصلت قارة أفريقيا عن آسيا .
الحزام العالمى للمناجروف : |
يجود نمو المانجروف بأنواعه (70 نوعاً) فى المناطق الاستوائية، ولكن هذا النمو يمتد شمالاً وجنوباً بحيث لا يتعدى خط عرض 30 ° شمالاً و 30 ° جنوباً .
الأنواع الموجودة فى مصر : |
بالرغم من وجود 70 نوعاً على مستوى العالم من المانجروف إلا أن الموجود بمصر نوعان فقط. وينتمى كل نوع إلى فصيلة نباتية، النوع الأول : يسمى الشورى أو أبن سينا أو القرم Avicennia marina ، النوع الثانى : هو الريزوفورا Rhizophora mucronata .
توزيع النبات فى مصر : |
ينتشر نبات الشورى فى مصر على ساحل البحر الأحمر (شكل 1)، فتتواجد منه تجمعات عديدة نباتية تمتد أولها من الشمال إلى الجنوب ابتداء من منطقة نبق ورأس محمد (جنوب سيناء) والجونة (25 كيلو شمال الغردقة) و 17 كيلو جنوب سفاجا وحماطة ووادى جمال ومرسى علم وشلاتين وحلايب، كما توجد بعض التجمعات على الجزر مثل جزيرة أبو منقار وسفاجا. أما نبات الريزوفورا فوجوده دائماً مرتبط بالجنوب حيث تتواجد أول تجمعاته فى الحميرة 40 كيلو شمال شلاتين، ويكثر تواجده على الحدود المصرية السودانية.
شكل (1) : أشجار الشورى Avicennia marina على ساحل البحر الأحمر
تاريخ المانجروف فى مصر : |
توجد بقايا أثرية لهذا النبات ترجع إلى ما قبل سنة 400 ميلادية، ولكن هناك شكوك حول موقع فى وادى الحيتان بمحمية وادى الريان بالفيوم يعتقد أن البقايا النباتية الموجودة هناك هى لنبات المانجروف، ولكن هذا لم يؤكد علمياً بالبحوث أو النشر، وكما هو معروف فإن عمر هذه المنطقة يرجع إلى 40 مليون سنة.
وهناك معلومات منقولة كتبها المؤرخ النباتى ثيوفوراستس عام 305 قبل الميلاد عن أن بذور وبادرات نبات الريزوفورا كانت تؤكل كمقوى جنسى، أما الفترة التى تم تسجيل أول عينات نباتية بناءً على الحفائر الأثرية فهى الفترة الرومانية-البيزنطية (400 - 700 ميلادية) فقد اكتشفت قلعة تسمى قلعة أبو شعر على ساحل البحر الأحمر 22 كيلو متر شمال الغردقة الحالية. أما عن هذه القلعة فكانت ملحقة بالميناء البحرى الهام فى هذه المنطقة حيث كانت المحطة الرئيسية للقوافل التجارية من أوروبا إلى سواحل أفريقيا الشرقية والهند وذلك بمرورها فى البحر المتوسط إلى الإسكندرية ثم نهر النيل ثم القلعة على ساحل البحر ثم جنوباً إلى أفريقيا والهند.
وكانت القوافل إلى أفريقيا غالباً لجلب العبيد وإلى الهند للتجارة، وكذلك كان هذا الميناء هو المحطة الرئيسية التى يمر بها الحجاج المسيحيون الأفارقة إلى فلسطين بعد عبور البحر الأحمر إلى ميناء الكيلانى المقابل لميناء أبو شعر فى منطقة الطور بسيناء .
وتأتى أهمية هذه القلعة بالنسبة لتاريخ المانجروف فى أن أعمدة وأبواب وأسوار وسلالم هذه القلعة تم عملها من أشجار المانجروف، وعلى وجه التحديد من نبات الشورى. وقد بلغت أقطار بعض السيقان المستخدمة لهذا الغرض 40 سم، وهذا القطر بالحسابات العلمية يمكن أن يكون لشجرة حجم النمو الخضرى لها 25 متراً مكعباً .إلا أن هذا النمو لا يتوافر حالياً بهذا الشكل فى هذه المنطقة، بينما قد نجده عند شلاتين ، وتوجد فى هذه المنطقة بعض الشجيرات الضعيفة التى تم رصدها عام 1991، والتى قد تم إزالتها بعد ذلك فى المشاريع السياحية بالمنطقة. وتثبيت كميات الأوراق والأفرع الصغيرة الهائلة التى وجدت فى الموقع، علاوة على أن أخشاب الشورى المستخدمة لبناء هذه القلعة كانت لأشجار نامية فى هذه المنطقة، كما أن هذا النبات ما زال ينمو فى منطقة الجونة، ويمكن أن نلخص القول بأن أشجار المانجروف كانت تنمو فى الفترة من 400-700 ميلادية بكثافة لا تتواجد الآن إلا فى جنوب مصر.
وفى العصور الإسلامية (الفترة من 1000-1300 ميلادية) ذكر المؤرخون أن قلف نبات الريزوفورا استخدم كثيراً فى عمليات الصباغة والأخشاب استخدمت فى صناعة الأثاث والقوارب لأن هذه الأخشاب مقاومة لسوس الخشب .
الحالة الحالية للمناجروف فى مصر : |
من الواضح كما سبق فإن المانجروف كان ينمو بكثافة على ساحل البحر الأحمر شمال أول موقع (الكيلو 17 كم جنوب سفاجا) يتواجد فيه بنسبة معقولة بطول 100 كم على الأقل. ومن هنا يفسر العلماء تراجع نمو هذا النبات إلى عدة عوامل بعضها طبيعية والأخرى نتيجة لتدخل الإنسان وسوف يأتى ذكرها لاحقاً .
أولاً - عوامل طبيعية أدت إلى تدهور نمو هذا النبات :
1- تعتبر العوامل الطبيعية هى السبب الرئيسى لتدهور نمو هذا النبات، ويأتى نقص كميات المطر على رأس هذه العوامل حيث أن الغردقة بما حولها من صحارى تصل معدلات المطر إلى 2 مم فى العام، وتنعدم الأمطار فى أوقات أخرى، وهذه الندرة تؤدى إلى نقص إمداد الماء العذب اللازم لنمو هذا النبات مما يسبب زيادة فى ملوحة البحر وفقد كميات الطمى الغنية بالمواد الغذائية التى كانت تنجرف من الصحارى إلى شاطئ البحر حيث ينمو هذا النبات، وهذا يؤدى بدوره إلى عدم قدرة البادرات على اختراق التربة لتثبيت نفسها ومواصلة النمو، كما تساهم ملوحة البحر فى تدهور نمو البادرات حتى إذا ما نبتت.
2- من ناحية درجات الحرارة فكما سبق ذكره فإن المانجروف نشأ فى المناطق الاستوائية فهى لا تزال البيئة المثالية لنموه. أى أن انخفاض درجات الحرارة وزيادة معدلات التغير فى درجات حرارة الماء بين الفصول يعوق النمو المثالى لهذا النبات فينمو متقزماً، كما هو الحال بين خطى عرض 25-28 شمالاً .
3- قلة حركة المد والجذر فى النصف الشمالى للبحر الأحمر تجعل نمو البادرات أمراً صعباً حيث تتنفس البادرات بواسطة الثغور الموجودة على الأوراق فتأخذ احتياجها من الأكسجين أثناء عملية الجذر وعند نقص عملية الجذر يغرق النبات ويموت، أما النبات الكبير فيأخذ احتياجه من الأكسجين من خلال إرسال جذور هوائية .
ثانياً- تهديدات بسبب تدخل الإنسان أدت إلى تدهور نمو هذا النبات :
1- تأتى على رأس هذه التهديدات عمليات التعمير والمشروعات السياحية على ساحل البحر الأحمر حيث تم رصف طريق موازى للساحل يربط ما بين القاهرة وشلاتين وحلايب. وهذا الطريق قد قطع أمام مياه الأمطار التى تتساقط على سلاسل جبال البحر الأحمر، وتتجمع لتصل إلى سواحله حيث تنمو نبات الشورى، وكذلك المتجمعات العمرانية على ساحل البحر الأحمر التى غيرت من الملامح الطبيعية للأودية، وبالتالى لا تصل المياه العذبة إلى ساحل البحر حيث تنمو مجتمعات الشورى.
2- التهديد الآخر هو تواجد كميات كبيرة من القمامة ناتجة عن عمليات التعمير والمشروعات السياحية على ساحل البحر الأحمر، وكذلك القمامة الناتجة عن النشاطات البحرية. ونخص بالذكر الأكياس البلاستيكية التى تلتف حول جذور وجذوع نبات الشورى وتسبب له الاختناق .
الأسباب التى كان لها تأثير فى الماضى وأصبحت الآن قيد التحكم : |
هناك بعض الأسباب التى كان لها تأثير فى الماضى وأصبحت الآن قيد التحكم من خلال إشراف جهاز شئون البيئة على هذه المناطق ومنشآتها. ومن هذه الأسباب :-
1- النشاطات المرتبطة باستخراج البترول والغاز الطبيعى، وهذه النشاطات ينتج عنها زيوت وشحوم وأبخرة تلوث مياه البحر تودى إلى موت البادرات، وأما السميك من زيوت البترول يتصلب حول جذور النبات مما يمنع تكاثره وتنفسه، كما حدث لنمو المانجروف عند الكيلو 17 جنوب سفاجاً .
2- نشاط الرعى الجائر حيث تأكل الجمال البادرات الصغيرة والبذور لأنها أقل ملوحة وأكثر غذاء وتفضلها الجمال لأنها تظهر فى شهور (أغسطس - سبتمبر - أكتوبر) حيث تجذب الصحراء ويقل الكلأ .
3- نشاط عمل الفحم من هذا النبات، وهو ما قل كثيراً بعد إشراف جهاز شئون البيئة على النبات فى هذه المناطق. كما أن الأهالى لا يفضلون هذا الفحم لرداءته .
اقتصاديات المانجروف : |
يمكن استغلال هذا النبات فى عدة أمور أهمها :
1- استزراع هذا النبات لتجميل الشاطئ وإضافة لمسة التنوع البيولوجى للمكان .
2- منع الشواطئ من التآكل نتيجة للأمواج .
3- يتكاثر فى بيئة هذا النبات عدد كبير من الطيور المهاجرة (الجدير بالذكر أن مصر تقع على أحد أهم ثلاثة طرق تسلكها الطيور من أوروبا إلى جنوب ووسط أفريقيا).
4- ينمو فى بيئات نبات المانجروف 35 نوعاً من الأسماك والقشريات التى لبعضها أهمية غذائية مثل الجمبرى والكابوريا والجندوفلى والبورى .
5- تستخدم الأفرع الصغيرة والبادرات والبذور كغذاء للجمال وقت الجفاف .
6- توفير فرص عمل للأهالى من خلال استغلال النبات للسياحة ومزارع أسماك .
7- استغلال الكائنات الدقيقة المصاحبة للمناجروف مثل البكتيريا المثبتة للنيتروجين .
8- فوائد أخرى تأتى كمرحلة ثانية مثل توطين البدو وارتفاع مستوى المعيشة وغيرها .
ورشة عمل عن نبات المانجروف : |
تم عقد ورشة عمل وطنية عن نباتات المانجروف فى مدينة الغردقة تحت رعاية الأستاذ الدكتور/ عاطف عبيد رئيس الوزراء وسيادة الوزير/ ممدوح رياض وزير الدولة لشئون البيئة، وذلك فى الفترة من 4-6/8/2002 . وقد تم مناقشة الموضوع من جميع الجوانب فى حضور مستشارين علميين من حوالى عشر دول أجنبية وعلى رأس هذه المجموعات المجموعة الاستشارية المشكلة من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. وذلك بالإضافة إلى الجهات المعنية داخل مصر من باحثين وأساتذة جامعين من المعاهد المختلفة والجامعات ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضى وهيئة تنشيط السياحة والمحميات الطبيعية وهيئة المجتمعات العمرانية وممثلون عن القرى السياحية والإعلام والجمعيات الأهلية وغيرها ..، كما قدمت أوراق عمل كثيرة وبعد المناقشات واستعراض أوراق العمل الذى ألقاها المحاضرون، وكذلك الزيارات الميدانية لمواقع المانجروف فى الغردقة وسفاجا، ولقد أوصت ورشة العمل بما يلى حتى نتمكن من حماية هذا النبات وتعظيم الاستفادة المستدامة منه.
التوصيات : |
1- التطبيق الفعال لقوانين البيئة.
2- تحديد منطقة محيطة بكل تجمع نباتى، وتشمل المنطقة مصبات الوديان التى تخدم نمو هذا النبات.
3- إيقاف البناء التقليدى والعشوائى فى الوديان وعلى امتداد ساحل البحر حتى لا تتأثر المجتمعات النباتية النامية هناك.
4- زيادة الوعى البيئى لدى الأهالى ومتخذى القرار بأهمية المانجروف .
5- تعليم الأهالى سبل جديدة للانتفاع بهذا النبات مثل استخدامه كمزارع للأسماك والقشريات وغيره مما يلفت انتباه الأهالى للمحافظة عليه .
6- عمل برنامج رصد بيئى للمانجروف.
7- تحديد المؤشرات البيئية التى يمكن من خلالها معرفة حالة المانجروف فى أى مجتمع نباتى.
8- إقامة بنك معلومات عن هذا النبات تشترك فيه الجامعات والمراكز البحثية والمشاريع التى تم تطبيقها على هذا النبات من قبل .
9- اختيار مواقع قياسية لنمو المانجروف فى مصر تؤخذ منه قياسات، ودلائل يمكن الاسترشاد بها فى المواقع الأخرى .
10- رصد عمليات التكاثر فى النبات وإنتاج البادرات ونجاح نموها فى المواقع المختلفة لنمو النبات.
11- إجراء دراسات جينية للمجتمعات النباتية المختلفة لتوضيح تداخل الظروف البيئية مع التركيب الوراثى للنبات .
12- دراسة الكائنات الدقيقة المصاحبة لهذا النبات وإمكانية الاستفادة منها.
13- تحديد أماكن تواجد هذا النبات فى السنوات السابقة مما يرشدنا إلى أماكن إكثاره.
14- دراسة أوجه النفع والضرر من السياحة البيئية على هذا النبات للحد من مخاطر الأضرار على نمو النبات .
15- دراسة أوجه الاستفادة المستدامة من هذا النبات للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
وأخيراً نتمنى من الله أن تنجح هذه البرامج فى المحافظة على هذه النباتات لضمان الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة .