المقدمة:
إن سلمنا بان السلطة ظاهرة ملازمة للمجتمعات السياسية فإنها أيضا المعيار الحقيقي المميز للدولة عن غيرها من هذه المجتمعات السياسية كما نعتبر أهم مبدأ يستند إليه وجود الدولة ونظام الحكم فيها.
ولذلك نجد أن النظم الديمقراطية في الدول التي تخضع لبدأ سلطان القانون تجعل من الدستور الضمان القانوني لاقامة النظام السياسي والقانوني فيها، لكون أن الدستور السلطات المختلفة ويحدد اختصاصاتها وطبيعة العلاقة بينها كما ينظم مهامها ويقرر الحقوق والحريات العامة.
وثم كان الفصل بين السلطات عامل محفز لخضوع الدولة للقانون ومن هذا المنطلق تبنى المفكرين والفقهاء مبدأ الفصل بين السلطات بأساليب مختلفة تفاديا للاستبداد والتعسف وليد تجميع السلطات في يد واحدة إلا أن الفقه يكاد أن يجمع على ضرورة اللجوء لاستعمال حق الحل في الأنظمة التي تتبنى التعددية السياسية من اجل تجاوز الأزمات واستمرارية المصالح العامة للدولة فما هي مبررات ظهور مبدأ الفصل بين السلطات وغاياته؟.
وما موقع هذا المبدأ في ظل التجربة الدستورية في الجزائر؟.
وما مدى فعالية وتأثير الفصل بين السلطات؟ وهل تعتبر حقيقة واقعية مسلم بها ام حالة استثنائية لتجاوز الأزمات السايسية؟
كيف يمكن تقييم العلاقة التي تربط بين السلطات في الدولة؟
ذلك ما نجيب عنه في فصول هذا البحث.
الفصل التمهيدي
نشأة مبدأ الفصل بين السلطات وتتطوره
أن إشكالية ممارسة السلطة شغلت فكرة فقهاء السياسة والقانون بالرغم من نعدد حلول هذه الإشكالية فانه يمككنا تحديدي معيارين أساسيين هما:
أولا: المعيار الكمي: الذي يرى أصحابه انه يكفي أن يتعدد القائمون على السلطة لكي لا الاستبداد.
أما المعيار الثاني: فهو المعيار الكيفي: واصحاب هذا التصور لا يعنيهم عدد القائمين على السلطة بقدر ما يهمهم كيفية ممارسة السلطة وقد جاء هذا المعيار على أنقاض المعيار العددي الذي عمر طويلا إلى أن جاء الإسلام بمعياره الكيفي واساسه تقييد القائمين على السلطة في ممارسة مظاهرها بأحكام القران والسنة.
فما مضمون أفكار هذا المبدأ عبر العصور؟ وهل بقيت المجتمعات حبيسة تصور معين ام سارت الأفكار ممارسة السلطة تطور المجتمعات؟
المبحث الأول: نشأة مبدأ الفصل بين السلطات ومضمون أفكاره
فكر الفلاسفة من قديم الزمان في تقسيم وظائف الدولة ومما لاشك فيه أن ككل من أفلاطون وارسطو وجون لوكرسو وأيضا الفقيه الفرنسي مونتسكيو قد كانت لهم مساهمات هامة في هذا المجال.
ولا ريب أن الفضل الأكبر في صياغة مبدأ الفصل بين السلطات يرجع إلى مونتسيكيو .
وإذا كان المبدأ وجد الكثير من المؤيدين فان واجه أيضا الكثير من الانتقادات.( ).
المطلب الأول: أفكار مبدأ الفصل بين السلطات قبل ظهور نظرية مونتيسيكيو.
رغم اقتران المبدأ بمونتيسكيو إلا انه سبقه إلى ذلك الكثير من المفكرين انطلاقا من العهد اليوناني حيث نادى أفلاطون في كتاباته إلى ضرورة توزيع وظائف الدولة على عدة هيئات كما مهد أر سطو في العصور القديمة إلى هذا المبدأ ودعا إلى تقسيم وظائف الدولة وفقا لطبيعتها القانونية كما سبق وان دعا جون لوك إلى مبدأ الفصل بين السلطات.
الفرع الأول أفكار ارسطو لتقسيم وظائف الدولة
كان ارسطو يرى أن للدولة ثلاثة وظائف هي المداولة ويعني بها السلطة التشريعية والأمر ويعني به السلطة التنفيذية والعدالة ويعني بها السلطة القضائية أما السلطة التشريعية فتختص كما يرى ارسطو في إصدار القوانين وتولي أمور الحرب والسلم وعقد المعاهدات والتصديق على أحكام الإعدام وتقرير مصادرة الأموال والإشراف على تحسين سير الأعمال في المداولة.
أما السلطة التنفيذية فتختص كما ذهب ارسطو في تنفيذ القوانين أما السلطة القضائية فتختص في الفصل في الخصومات والجرائم ومن ذلك يتضح أن ارسطو كان ينظر إلى الوظيفة التشريعية نظرة أوسع من النظرة السائدة لها الان فقد خصصها بمهام عديدة يخرج البعض منها عن اختصاصاتها المقرر لها في العصور الحديثة.
وان كانت دعوة ارسطو لم تكن دعوة إلى الفصل بين السلطات بل إلى تقييم وظائفها الدولية وفقا لطبيعتها القانونية.( )
الفرع الثاني أفكار جون لوك في الفصل بين السلطات
دعا جون لوك إلى فكرتي تقسيم وظائف الدولة والفصل بين السلطات وذلك اعتبره العديد من المفكرين انه من رواد مبدأ الفصل بين السلطات بالرغم من العيوب التي اتسمت بها نظريته إلا أنها كانت في جوهرها مستقاة من أسس الفلسفة الديمقراطية الليبرالية.
فقد ذهب إلى أن أي نظام من نظم الحكم لا بد أن نقوم فيه سلطتان أحدهما تصنع القوانين والثانية تتولى تنفيذها مع ضرورة قيام سلطة ثالثة تتولى إدارة الشؤون الخارجية وأمور الحرب والسلم ويبرر لوك وجود السلطتين التشريعية والتنفيذية على أساس نظريته الشهيرة في العقد الاجتماعي كما يرى وجوب الفصل بين هاتين السلطتين على أساس ان تركز السلطتين في يد واحدة أو هيئة واحدة يؤدي إلى الاستبداد والطغيان ولاجتناب ذلك فهو يرى ضرورة توزيع السلطتين على هيئتين مختلفتين مع تحديدي اختصاصيات لكل منهما.
أما الحجة الثانية فتقوم على اعتبارات عملية ذلك أن مهمة السلطة التشريعية تنصب على وضع قوانين عامة ومجردة ومن ثم فانه ليس من الضروري أن تكون في حالة انعقاد دائم ومن ثم تتطلب وجود سلطة أخرى تتولى تنفيذها.
كما يعطي لوك السلطة التشريعية مكانة أسمى من تلك التي يعطيها للسلطة التنفيذية ففي نظره –أي السلطة التشريعية- سلطة عليا مقدسة ويرى انه يجب أن لا تكون لها سلطات أوسع وان تمارس اختصاصات ضمن قيود وضوابط.( )
المطلب الثاني: نظرية مونتيسيكيو
تلقى الفقيه مونتيسيكيو الأفكار السابقة عن مبدأ الفصل بين السلطات ممن سبقوه من فلاسفة ومفكرين أمثال أفلاطون وارسطو ثم صاغها صياغة جديدة حتى ارتبط المبدأ باسمه لكون أفكار الذين سبقوه لم ترقى إلي مستوى النظرية فهو يرى أن الضمانات الأساسية لتحقيق الحرية هي الفصل بين السلطات وتتضمن نظريته مبدأين:
الفرع الأول: مبدأ التخصص
لقد نادى بضرورة فصل الوظائف الكبرى للدولة إلى وظيفة تشريعية ووظيفة تنفيذية ووظيفة قضائية تمارس من قبل ثلاثة سلطات متميزة عن بعضها البعض.
الفرع الثاني: مبدأ الاستقلالية
أي فصل الأجهزة حيث كلا من هذه السلطات تكون مستقلة كلية عن الآخرين والأعضاء الذين يؤلفونها لا يعزلون أو يعينون من قبل سلطة أخرى وبتعبير آخر فلمبدأ الفصل بين السلطات بعدان فالأول تنظيمي ويتضمن الجانب الوظيفي والعضوي أما الثاني فهو قانوني ينظم العلاقة بين السلطات.
المبحث الثاني: موقف الفقه من مبدا الفصل بين السلطات
انطلاقا من أن المبدأ آلية تتضمن حركية ملحوظة في دواليب الجهاز السياسي وقاعدة لتنظيم وترتيب السلطات مما جعله بحق أحد معايير تصنيف الأنظمة السياسية وضمانة أكيدة للشرعية السياسية ولكنه رغم هذا لم يسلم من الانتقاد وتعرض لهجوم شديد كما تحفظ جانب من الفقهاء والسياسيين على بعض مبادئه.( )
على الرغم من أن هذه الانتقادات لا تنفي دوره في إحلال الديمقراطية وضمان حقوق وحريات الأفراد على مر التاريخ ولذلك فانه من الضروري وضع المبدأ في ميزان الفقه والقانون.
المطلب الأول: الفقه الرافض لتطبيقات المبدأ
من أهم الانتقادات التي وجهت إلى المبدأ هي الطابع النظري الصرف للمبدأ واستحالة تطبيقه كما صوره " مونتيسيكيو"
الفرع الأول: الانتقادات التقليدية
أن الانتقاد الأول أورده الأستاذ" ميشال مياي" حيث اعتبر المبدأ أسطورة وان المبدأ فكرة معقدة ونظام خارق يعمل لصالح النبلاء وقال أيضا << أن مونتيسيكيو يدرس الدستور ليصل في النهاية لتأمين هيمنة مصالح الطبقة التي ينتمي إليها كاتب التحليل وهو مونتيسيكيو بالطبع.
غير أن تحليل وتبور<< ميشال مياي>> كان سيكون صحيحا لو وضعت النظرية لظرف وزمن معينين واقتصر تطبيقها على تلك الفترة .إلا أن الواقع اثبت صحة النظرية لما تتصف به من العمومية والتجريد .
أما الانتقاد الثاني فأورده << دي مالبارغ>> في كتابه النظرية العامة للدولة وهو انتقاد الفقهاء الألمان الذي يتلخص في أن الفصل بين السلطات يستحيل تطبيقه في الواقع وإذا ما طبق فانه يؤدي إلى تفكيك وحدة الدولة لكن الواقع يؤكد أن مبدأ الفصل بين السلطات لم يكن يوما ليهدد وحدة الدولة بل أن اكثر الدول تماسكا أكثرها تطبيقا لمبدأ نظري يصعب تحقيقه في الواقع وان توزيع المسؤولية هي تفتيت للسلطة وهذا إضعاف شامل لمفاصلها فتشيع المسؤولية بين الهيئات والأفراد ويصبح من السهل التهرب من المسؤولية.
أما "كون درسيه" فقد فند فكرة الفصل بين السلطات حيث قال:<< إن التجارب في جميع الدول أثبتت أنها كالآلة المعقدة إذا ما وزعت السلطة فيها سرعان ما تتحطم من جراء الصراع بينها".
كما نجد العميد " ديجي" يرى أن وحدة الدولة تتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ورغم رجاحة بعض هذه الانتقادات فان بعضها لا تقلل من شأن المبدأ ومضمونه ودوره في ضمان حقوق وحريات الأفراد والقضاء على الاستبداد .
الفرع الثاني: الانتقادات التي وجهها الاتجاه الماركسي للمبدأ.
لقد هاجم الفكر الماركسي مبدأ الفصل بين السلطات إليه العديد من الانتقادات أهمها أولا:
- لانه مخالف لسيادة الشعب لكونه يعمل على إقامة التوازن بين السلطات وهذا يتنافى مع ما تتطلبه هذه النظرية من ضرورة خضوع جميع السلطات للشعب أو إلى الهيئة التي تمثله احسن تمثيل وهي الهيئة النيابية التي تتولى السلطة التشريعية.
- لانه مبدأ يقوم على النفاق لانه يكفل في الواقع حرية الطبقة البرجوازية لان السلطة في الدول الرأسمالية إنما تعمل لصالح الطبقات الممتازة.
وفي الواقع أن كل هذه الأوجه من النقد مرجعها إلى نقد الفكر الماركسي للنظام الرأسمالي ولا تنصب مباشرة على مبدأ الفصل بين السلطات والدليل على ذلك أن بعض الدول غير الماركسية مثل سويسرا لم تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات في حين نجد أن الفكر الماركسي للمبدأ مرده إلى الطبيعة الدكتاتورية لمرحلة البروليتاريا بحيث لا ينسجم مع الدكتاتورية إقامة نوع من التوازن بين السلطات.
المطلب الثاني: الفقه المؤيد لتطبيقات المبدأ
وللرد على الانتقادات التي وجهت إلى مبدأ الفصل بين السلطات في المطلب السابق وفروعه نورد آراء المؤيدين للمبدأ.
الفرع الأول: حجج ميشال مياي
أورد الكاتب ميشال مياي بعض مزايا المبدأ فقال << لهذا يجب توزيع السلطة السياسية بين أجهزة مختلفة بحيث لا تحتكر سلطة واحدة مختلف الوظائف وقد ولدت الحرية السياسية من هذه المقولة بالذات. ولهذا وجدت اقتراحاته صدى عظيما في أوساط البرجوازية عام 1788 والتي كانت تسعى للبحث من أجل تجاوز الدولة المطلقة.
الفرع الثاني: حجج الدارسين لنظرية مونتيسيكيو
فهم يرون أن الانتقادات الموجهة للمبدأ لا تنتقد مضمونه وانما تنتقد سوء استعماله فالدارس لنظرية مونتيسيكيو بتمعن يجد مونتيسيكيو نفسه لا يدعو إلى الفصل بين السلطات بل إلى الفصل المرن أي التعاون بينهما ويجيء تطبيق المبدأ عمليا ليؤكد هذه الافتراضات فان أيا من الأنظمة الليبرالية لم يمارس فصلا مطلقا.
الفرع الثالث: النموذج الأمريكي في تأييده للمبدأ
إذا كان المبدأ يتصف بالغموض لانه لم يجب عن طبيعة الفصل اهو الحاسم القاطع أم المرن المتوازن ***معا صوره انه يريد الفصل التام بين السلطات فأقرت بذلك الدساتير الأولى المكتوبة كالدستور الأمريكي عام 1787 فصلا كاملا رغم انه ليس من المؤكد أن القراءة صحيحة ورغم أن التراجع عن صرامة هذا الفصل كانت كبيرة على المستوى التطبيقي في نظام الولايات المتحدة الأمريكية.
- أن تطور مفهوم الدولة ومفهوم السلطة وطبيعة العلاقة بين السلطات قد صاحبة تطور مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات نفسه فهو صارم كامل مطلق في بداية ظهوره ليتطور إلى المرونة والتوازن.( ).
ولم يتوقف التطور في مفهومه عند هذا الحد بل اخذ صبغة أخرى في الفقه الأمريكي فاصبح يدعى<< تقاسم القوى>> أي تقاسم السلطات كما أكده << لويس فيشر>> في كتابة << سياسات تقاسم القوى>> أي الكونغرس والسلطة التنفيذية وسيبقى هذا المبدأ خير ضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم وهذا ما ينفذ حجج الرافضين للمبدأ.
المطلب الثالث: موقف الفقه الإسلامي من مبدأ الفصل بين السلطات
إن مبدأ الفصل بين السلطات هو قاعدة من قواعد فن السياسة أو الحكمة السياسة ومنه يجب أن توزع الاختصاصات العامة في الدولة على عدة هيئات ويجب أن يفصل بينها مع وجود قدر من التعاون والرقابة المتبادلة فهل عرف الفقه الإسلامي مثل هذه المعاني.
الفرع الأول: تطبيقات المبدأ في ظهور الإسلام
أهداف الفصل بين السلطات كانت متحققة في العصر الأول منذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي لوجود الرسول صلى الله عليه وسلم وان لو يوجد المبدأ ذاته حيث قامت دولة الإسلام على أساس التعاقد البيعة وقد ارتكزت الدولة على قواعد العدل وانه ليس من المنطقي أي تكون للإسلام شرعية ثم لا تكون له سلطة تطبق تلك الشريعة وتحمل الحاكم والمحكوم على العمل بها.
فالنظام الإسلامي لم ي***عن قاعدة الفصل بين السلطات رغم نظرته الخاصة حول تكوينها واختصاصاتها ومسؤولياتها.( ).
ولا الحكام وقد ازدادت السلطة القضائية وضوحا بعد أن دون المجتهدون اجتهاداتهم و أخذها رجال القضاء مرجعا بل قد نجد أحيانا أن أحد طرفي الخصومة هو الخليفة ذاته أو الأمير.
الفرع الثاني: مبدأ الفصل بين السلطات في عهد الخلافة الإسلامية
ويرى الدكتور << يحيى السيد الصباحي>> << إنما الفصل بدأ من عصر عمر بن الخطاب وخاصة بين السلطة التنفيذية والقضائية حيث وضع عمر بن الخطاب نظامين لتعيين القضاة ودستور للقضاء وقد اقتصر ذلك على فترة الخلافة الراشدة لكونها افضل نموذج جسد تعاليم الإسلام واحكامه لكن بعض خلفاء بني أمية وبني العباس ساروا في اتجاه ****معالم الإسلام وانفردوا بالسلطة ********وقفزوا على مبدأ الفصل بين الوظائف وفرضوا اجتهادا يتماشى مع أهوائهم وقناعاهم.
أما بشأن عدم الفصل بين سلطة التنفيذ والقضاء فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي بنفسه وكان مبعوثوه إلى الأمصار إلى جانب القضاء بالشؤون التنفيذية.
أما في عهد الخلافة الراشدة كان الخليفة يجمع بين سلطتي التنفيذ والقضاء ولم يستقل القضاة بالوظيفة القضائية فتقتصر عليهم دون أن يشاركهم فيها أحد من رجال التنفيذ وهذا لا عني الاندماج الوظيفي للقضاء فالقاضي في الإسلام مستقل في عمله لان القواعد التي يطبقها ليست من عمل السلطة التنفيذية بل هي مبادئ الاهية ( )
وتشريع الجهاز التنفيذي في اغلب النظم الوضعية المعاصرة وإضافة إلى التداخل بين السلطة القضائية إذ أن الكل يؤكد أن القضاء مستقل عن سلطتي التنفيذ والتشريع وهذا دليل على أن العلاقة بين السلطات في النظام الإسلامي لم تخضع للتنفيذ وانما ينبع من ذاته كنظام أصيل.
الفصل الأول: مظاهر استقلال السلطات في النظام الدستوري الجزائري
قبل التطرق إلى مظاهر الفصل بين السلطات في النظام الدستوري الجزائري ينبغي الإشارة إلى أن الفصل بين السلطات في الجزائر لم يكن مبدأ غريبا أو مجهولا إنما كان منذ بداية إرساء قواعد النظام السياسي طموحا بارزا في مواثيق حزب جبهة التحرير والمؤسسات المؤقتة للدولة الجزائرية فقد جاء في نص المادة الثانية في الوثيقة التي ورد بها هذا النص وهي الدستور المكتوب الأول في الجزائر والتي صدرت عن المجلس الوطني للثورة في اجتماعه بطرابلس بليبيا بتاريخ 16/12/1959 ما يلي << الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية العناصر الأساسية لكل ديمقراطية هي القاعدة في المؤسسات الجزائرية>>.
إلا أن النص لم يوضح معالم هذا الفصل وقد سادت بعد الاستقلال نظرية وحدة السلطة مما يدفعنا إلى القول أن النص المذكور لم يتعد حد الطموح.إضافة إلى ذلك نجد أن السلطة القضائية لها أسبقية الظهور على غيرها من السلطات فقد قيل<< أن الحاجة إلى القضاء العادل كانت تاريخا اسبق الحاجات العامة.
وكانت السلطة القضائية في شكلها الأول اسبق السلطات العامة إلى الظهور فظهرت في شكل تحكيم وتطبيق للقواعد العرفية الأولى السابقة على معرفة القانون.......>>
وإذا كانت دول الديمقراطيات الغربية قد اختلفت بشان تطبيق نظرية الفصل بين السلطات باعتماد الفصل الصارم من بعضها والفصل المرن من بعضها الآخر نظرا للغموض الذي يتسم به مضمون النظرية. فان المسألة تزداد تعقيدا بالنسبة لبلادنا لكون إشكالية الفصل بين السلطات في نظام الدستوري تطرح نفسها بحدة في الحياة السياسية ومن خلال مواقف عديدة عاشها صانعوا القرار السياسي ورجال الفكر وخاصة منذ التحول الجذري الذي عرفه النظام السياسي الجزائري في دستور 1989 الذي كان –بحق- أعلانا بميلاد نظام دستوري جديد وان هذا التحول لم يأت من فراغ و إنما هو نتاج تجربة عاشتها الجزائر من الاستقلال ففي خلال أربعة عقود عرفت الجزائر أربعة دساتير إضافة إلى الميثاق الوطني( ) وكذا بعض التعديلات الدستورية ورفضت الجزائر الأخذ بالنظام الرئاسي أو البرلماني نظامين كلاسيكيين لن يضمنا الاستقرار وهذا ما سنعالجه في ثلاثة مباحث كالأتي.
المبحث الأول: مظاهر استقلال السلطة التشريعية
قبل تحديد هذه ينبغي الرجوع إلى التجربة الدستورية في الجزائر ابتداء من دستور 1963 إلى دستور 1996 ففي بداية الأمر أسندت سلطة التشريع إلى المجلس التاسيسي الذي أوكلت مهمة التشريع باسم الشعب ليصبح بذلك مجال التشريع مطلقا وتفيد مجال التنظيم فبإمكان المجلس التاسيسي سن القوانين أو تعديلها أو إلغائها حسب الظرورة لضمان السير الحسن للمؤسسات وأجهزة الدولة.
أما دستور 1976 المتأثر بالمذهب الاشتراكي لم يخرج عن المنهجية التي جاء الدستور السابق بالرغم من اختلاف في بناء المؤسسات وتقسيم السلطات كما اختلت السلطة التشريعية نفس الترتيب المنهجي في دستور 89 عندما أعطى الأولوية في الترتيب للسلطة التنفيذية حيث تؤكد المادة 92 منه عن استقلال السلطة التشريعية في إعداد القوانين والمصادق عليها.
ويعتبر دستور 1996 هو أول دستور جزائري يكرس ازدواجية البرلمانية لاعتبارات مختلفة
المطلب الأول: الاستقلال العضوي
جاءت الوظيفة التشريعية في دستور 1989 في المرتبة الثانية بعد السلطة التنفيذية والهيئة التشريعية في الجزائر تأخذ اسم << المجلس الشعبي الوطني>> إلا أن بعد دستور 1996 اصبح البرلمان يتكون من غرفتين المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة( )
الفرع الأول:طريقة الانتخاب
انتخب أول مجلس شعبي وطني في 27 فيفري 1977 اثر إجراء انتخابات تشريعية وحدد عدد مقاعده ب 261 مقعدا وتمثيله ذو طابع وطني ومهمة النائب أو عضو مجلس الأمة وطنية وقابلة للتجديد طبقا لاحكام المادة 105 من دستور 1996 وبعد دخول الجزائر التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية طبقا لدستور 1989 أجريت الانتخابات التشريعية الرابعة بمشاركة الأحزاب والجمعيات السياسية واصبح عدد المقاعد المتنافس عليها 340 مقعدا بتاريخ 26-ديسمبر 1991.
أما بالنسبة لطريقة انتخاب النواب وعددهم وشروطهم قابليتهم للانتخاب فقد أرجعها الدستور لاحكام القانون المادة 130 من دستور 76 والمادة 97 من دستور 89 ( ).
ويرجعها دستور 1996 القانون العضوي المادة 130 منه بموجب الأمر رقم 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 الذي يتضمن قانون الانتخابات حيث تنص المادة 101 منه على ان ينتخب المجلس الشعبي الوطني لمدة 05 سنوات لطريقة الاقتراع المبني على القائمة وتجري الانتخابات في ظرف الأشهر الثلاثة السابقة لانقضاء المدة النيابية الجارية وتحدد الدائرة الانتخابية حسب الحدود الإقليمية للولاية.
كما تشترط المادة 107 من القانون العضوي( ) في المتر شح للمجلس الشعبي الوطني ما ياتي:
- أن يكون بالغا 28 سنة على الأقل يوم الاقتراع.
- أن يكون ذات جنسية جزائرية أصلية أو مكتسبة مدة 5 سنوات على الأقل
- أن يثبت أدائه أو إعفائه اتجاه الخدمة الوطنية.
- الدستور في الشروط المنصوص عليها في المادة 05 في نفس القانون السابق.
الفرع الثاني: العضوية في مجلس الأمة
خلافا لأعضاء م-ش-و الذين ينتخبون عن طريق الاقتراع السري والمباشر فان أعضاء مجلس الأمة مزدوج الاختيار بينما ثلث أعضائه منتخبون عن طريق الاقتراع غير المباشر والسري من بين ومن طرق أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولاية فان الثلث الآخر يعينه رئيس الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية حدد عدد أعضاء الغرفة الثانية بان لا يتجاوز نصف عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني طبقا لمادة 101 من الدستور( ) وهذا ما أهم ما جاء به دستور 1996 للحفاظ على استقرار الهيئة التشريعية رغم إمكانية حل م- ش- و دون مجلس الأمة طبقا لاحكام المادة 129 من الدستور علما أن تجدد تشكيلة مجلس الأمة بالنصف كل ثلاثة سنوات أي كل ثلاثة سنوات ينتخب ويعين نصف كل مجموعة من الأعضاء بينما يبقى النصف الأخر إلى غاية تجديده حسب المادة 102 الفقرة 03 من دستور 1996.
وحددت مهمة مجلس الأمة ب 06 سنوات حسب المادة 102 الفقرة 1 و 2 من الدستور.
كما أن الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب وللأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم البرلمانية المادة 109 من الدستور.
وينتخب رئيس مجلس الأمة بعد كل جزئي لتشكيلية المجلس حسب ما جاء في نص المادة 114 من دستور 1996 إلا إننا نجد أن المادة 181 الفقرة 02 منه( ) استثنت رئاسة مجلس الأمة ومنحت له فترة رئاسية لمدة 6 سنوات.
المطلب الثاني: الاستقلال الوظيفي
الفرع الأول: سلطته في إعداد النظام الداخلي
يحدد القانون العضوي رقم 99 –02( ) تنظيم المجلس الشعبي ومجلس الأمة وعملها كما تنص المادة 11 الفقرة 02 من الدستور على انه كلا من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة يعد نظامه الداخلي ويصادق عليه.
ويتكون المجلس الشعبي الوطني هيكليا في ظل دستور 1996 من
- رئيس المجلس الشعبي الوطني
- مكتب المجلس ويضم الرئيس والنواب الرئيس
- هيئة الرؤساء وتتكون من نواب الرئيس ورؤساء اللجان الدائمة
- هيئة التنسيق وتضم أعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ورؤساء المجموعات البرلمانية.
- اللجان الدائمة وعددها 15 لجنة.
-المجموعات البرلمانية وتتكون المجموعة البرلمانية من 15 نائبا على الأقل في حين أن عدد اللجان الدائمة في مجلس الأمة نجده 09 لجان وان المجموعة البرلمانية تتكون من 10 أعضاء على الأقل.
وما يلاحظ على دستور 1996 انه وسع في المجال الهيكلي مع ظهور التعددية الحزبية ولذلك من اجل توسيع دائرة التشاور بين مختلف التيارات الحزبية( ) علما أن اللجان الدائمة للمجلس تشكل في مستهل كل فصل تشريعي وعدد 10 لجان ويتكون من 12 إلى 20 عضوا وتنتخب كل لجنة مكتبها من رئيس ونائب له ومقرر وتختص كل لجنة بدراسة المشاريع واقتراحات القوانين التي تدخل ضمن اختصاصاتها( ).
الفرع الثاني: عملية إعداد التشريع
جاء الحديث عن الميثاق الوطني لعام 1986<< أن المجلس الشعبي الوطني بصفته مؤسسة تشريعية يتحمل مسؤولية تطوير التشريع الوطني واثرائه بقوانين يستوحي أصولها من هذا الميثاق والدستور وتطلعات الجماهير الشعبية>>( ).
في حين تنص المادة 98 من دستور 1996 على أنه يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين .........وله السيادة في إعداد القوانين والتصويت عليه في حين تنص المادة 122 من الدستور على انه يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور.
فإذا كانت السلطة التشريعية تمارس اختصاصا يتمثل في المبادرة باقتراح قوانين غير انه يتبين بان هناك عدم توازن بين المؤسسين في ممارسة المبادرة بالتشريع بحيث يحقق للحكومة الاعتراض على أي اقتراح قانون مخالف للمادة 114 من الدستور فالنص لا يتحدث عن المشاريع وانما على الاقتراحات التي يمكن أن تكون محلا لعدم القبول.
بحيث في حالة قبول اقتراح قانون من طرف مكتب المجلس الشعبي الوطني والذي يقوم بتقديره في مدة لا تتجاوز شهر بعد إيداع الاقتراح فيقوم بتسجيله في جدول أعمال الدورة المقبلة وفضلا عن ذلك فان اقتراحات القوانين ترسل إلى الحكومة فورى تسجيلها بغرض تمكينها من اعتراض عليها خلال 15 يوما وتقل أهمية الاقتراح في حالة ما إذا تقدم 20 نائبا فاكثر باقتراح في الأيام الأولى من دورة محددة فانه تؤجل إلى الدورة الموالية في حين نجد أن مشاريع الحكومة لا ترد عليها قيود مراعاة الأجل المعقول الذي يسمح للمجلس مناقشتها( ). وهي تتعلق بتمتع المتر شح بالحقوق المدنية والسياسية
أما فيما يتعلق بكيفية تحديد نتائج الانتخاب فقد تبنى المشرع الجزائري طريقة الاقتراع الن***على القائمة مع أفضلية الأغلبية في دور واحد وتوزيع المقاعد وفقا للمادة 62 من قانون الانتخابات( ).
وكما جاء في المادة 87 من قانون الانتخابات على ان يقدم المترشحون للمجلس الشعبي الوطني قائمة كاملة تساوي عدد المقاعد الواجب شغلها.
واما فيما بتوزيع المقاعد فقد جاء في المادة 62 << يترتب على هذا النمط من الاقتراع توزيع المقاعد كالاتي....>>( ) ونتيجة لتأجيل الانتخابات تمت اصلاحات وتقدمت الحكومة مشروع قانون يعدل بعض مواد قانون الانتخابات لا سيما المادة 62 منه والتي سبق ذكرها ، وأقر بموجب تعديل تلك المادة ما يلي:
أ- تتحصل القائمة التي فازت بالأغلبية المطلقة على الأصوات المعبرة عنها على عدد من المقاعد يتناسب والنسبة المؤوية للأصوات المحصل عليها المجبرة إلى العدد الصحيح للأعلى.
ب- وحالة عدم حصول أي قائمة على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر تفوز القائمة التي تجوز على أعلى تشبه بما يلي:
50% من عدد المقاعد المجبر للعدد الصحيح الأعلى في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها في الدائرة فرديا.
50% زائد واحد من عدد المقاعد في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها زوجيا.
ج- وفي كلتا الحالتين توزع المقاعد المتبقية بالتناسب على كل القوائم المتبقية التي حصلت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها على أساس النسبة المئوية للأصوات المحرزة بتطبيق الباقي الأقوى حتى تنتهي المقاعد الواجب شغلها وفي حالة بقاء مقاعد للتوزيع توزع على كل القوائم بالتناسب بما فيها القائمة الفائزة التي أحرزت على أعلى نسبة.
وفي حالة عدم حصول أي قائمة متبقية على 7% تحصل القائمة الفائزة على جميع المقاعد.
أما إذا حدث ان تعادل الأصوات بين القوائم التي حازت على أعلى نسبة فان القانون ينص على أن الفوز يكون لصالح القائمة التي يكون معدل السن لمرشحيها الأصليين اقل ارتفاعا.
إلا أن الدكتور بوشعير يبدي رأيا بشان طريقة توزيع المقاعد خاصة مع احتمال حصول قائمتين على نسبتين متقاربتين في الأصوات المعبر عنها مثل 30% و 29% ومع ذلك كفوز أحدهما وهي الأولى بالأغلبية المطلقة في المقاعد في حين تكتفي الثانية بأقسام المقاعد المتبقية مع القوائم التي أحرزت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها فهذه الطريقة لا تخدم الديمقراطية ولا التعددية السياسية( ).
المبحث الثاني: مظاهر استقلال السلطة التنفيذية
المطلب الأول: الاستقلال العضوي
الفرع الأول: انتخاب رئيس الجمهورية
يحتل رئيس الجمهورية في نظام الجزائري المركز الممتاز باعتباره منتخب من طرف الشعب بطريقة مباشرة وصاحب اختصاص تعيين رئيس الحكومة وإنهاء مهامه وله أن يحل المجلس الشعبي الوطني.
وينص دستور 1996 في مادته 70 على انه يجسد رئيس الجمهورية رئيس الدولة ووجده الأمة وهو صاحب الدستور ويجسد الدول داخل البلاد وخارجها له أن يخاطب الأمة مباشرة.
وينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري وبالأغلبية المطلقة( )
أما بالنسبة لشروط ترشح رئيس الجمهورية فحددها دستور 1976 في المادة 107 كالتالي:
- أن يحمل الجنسية الجزائرية أصلا.
- أن يدين بالإسلام
- أن يكون قد بلغ 40 سنة
- أن يتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية
أما المادة 73 من دستور 1996 حدد الشروط اللازمة للترشح لرئاسة الجمهورية حيث نجد أن الدستور يرفض ازدواجية الجنسية لرئيس الجمهورية وكذلك التجنس وان يثبت الجنسية الجزائرية لزوجه (هذا العنصر غاب في الدساتير السابقة)كما أضافت المادة 73 من نفس الدستور شرط المشاركة في ثورة أول نوفمبر 1954 للمولودين قبل جويلية 1942( )
أما مدة الرئاسة حددت بموجب المادة 108 من دستور 76 ب 6 سنوات في حين تؤكد المادة 74 من دستور 96 على أن المهة الرئاسية حددت ب 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وهنا نجد ان دستور 67 أكثر صرامة في الشروط خلافا للدساتير السابقة( ) ومن اختصاصات رئيس السلطة التنفيذية نجد أن الدستور خول لرئيس الجمهورية اختصاصات عديدة أهمها:
- إصدار القوانين جاء في المادة 117 من دستور 1989<< يصدر رئيس الجمهورية القانون في اجل ثلاثين يوما ابتداء من تسليم مهامه>> فسلطته للإصدار مستمدة من الدستور وهذا الاتجاه يؤيده الفقه الحديث الذي يرى في الإصدار هو اصفاء صفة القانون فعلى النص وان الإصدار لا ينشئ قاعدة إنما يلاحظها بإصدار مرسوم الإصدار( )، والاصدار يتم في صيغة تشكيلية اساسها الاعتماد على الدستور وموافقة البرلمان وهو تعبير عن العلاقة بين السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية فالى جانب اصدار القوانين خص رئيس الجمهورية بالنشر وسلطة التنظيم في المسائل غير المخصصة للقانون وسلطته التعيين وهي ضرورة ونتيجة منطقية إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية تولي مهمة تنفيذ القوانين وسلطته التنظيم إلا إذا منحت له الوسائل الضرورية من بينها سلطة التعيين .
كما خول المشرع الدستوري لرئيس السلطة التنفيذية حق الاعتراض على نص تشريعي تمت الموافقة عليه من قبل المجلس الشعبي الوطني سواء كان مشروعا او اقتراح قانون وهو افتراض مؤقت يهدف الى تعليق القانون الى حين ويسـتوجب ذلك تسبيب الاعتراض من قبل رئيس الجمهورية بهدف الفات نظر نواب المجلس حول ما جاء في << النص التشريعي>> من مخالفات للدستور او القوانين المعمول بها ومن ثم فان رئيس الجمهورية يحيل المجلس الوطني الشعبي طلب اجراء موالة ثانية في غضون 10 ايام التي تلي ابلاغه للنص التشريعي وعليه يبلغ رئيس المجلس النواب باعتراض الرئيس وبناء على ما تقدم يودع لدى لجنة صاحبه الاختصاص ما اعترض ما اعترض عليه رئيس الجمهورية لمناقشته وتعديله( )
أما من قبل دستور 89 نجد أن سلطات رئيس الجمهورية في مجال التعيين قد تقلصت نسبيا بحيث خول الدستور لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس الحكومة بينما مسالة اختيار الوزراء أسندت لرئيس الحكومة.
الفرع الثاني: رئيس الحكومة
تنص المادة 144 من دستور 76 على انه تمارس الحكومة الوظيفية التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية ويعين أعضاء الحكومة. أما دستور 89 حدد اختصاصات الحكومة ورئيس الحكومة كالآتي:
<< يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة وينهي مهامه المادة 74 الفقرة الحاسمة كما أن المادة 79 الفقرة 01 من دستور 1996 تشترط جراحة تقديم أعضاء الحكومة إلى رئيس الجمهورية لتعيينهم وتسهر الحكومة على تنفيذ القوانين والتنظيمات وهي مسؤولية أمام البرلمان ومن حق رئيس الجمهورية إنهاء مهام رئيس الحكومة ويتبع باستقالة أعضاءها.
وعلى الرغم من عدم وجود أي قيد دستوري يحد من حرية رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة إلا انه سياسيا وعمليا يراعي التوجه السياسي السائد واختيار الشعب وذلك لعدة أسباب أهمها.
ضمان الحصول على موافقة البرلمان على برنامج رئيس الحكومة الذي يتوقف استمرار بقاءه على مدى تجانسه مع الأغلبية البرلمانية.
إلا أن تعيين رئيس الحكومة من الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية من الناحية الدستورية لا يمنع رئيس الجمهورية من ذلك ولا يضره في شيء بل يكمله مهامه ويضمن تجانس عمل الحكومة مع توجهات الأغلبية البرلمانية.
أما فيما يتعلق باختيار الوزراء فقد جاء في المادة 75 من دستور 89<< يقدم رئيس الحكومة أعضاء حكومته الذين اختارهم لرئيس الجمهورية الذي يعينهم وهنا مثلما تصعب مهمة رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة الذي لا يتم تعيينه إلا بعد مشاورات واتصالات تصعب مهمة رئيس الحكومة في اختيار أعضاء حكومته التي تصبح ائتلافية.
ويمارس رئيس الحكومة زيادة عن السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى من الدستور كالآتي:
- يراس الحكومة.
- يسهر على تنفيذ القوانين والتنظيمات.
- يوقع المراسيم التنفيذية.
- يعين في الوظائف العمومية للدولة دون المساس بأحكام المادة 81 من الدستور.
- يوزع الصلاحيات بين أعضاء الحكومة مع احترام الأحكام الدستورية( ).
ونستخلص مما سبق في ظل دستور 89 انه يعيد صلاحية مراقبة نشاط الحكومة لرئيس الجمهورية والمجلس الشعبي الوطني يحق لرئيس الجمهورية إنهاء مهام رئيس الحكومة وبذلك تستقيل الحكومة وجوبا للمجلس الشعبي الوطني حق مناقشة حصيلة نشاطات الحكومة والتصويت على لائحة التماس الرقابة وبه تستقيل الحكومة ولرئيسها طلب التسويق بالثقة وهو ما أكده دستور 96( ).
المبحث الثالث: مظاهر استقلالية السلطة القضائية
يتضح لنا من نص الدستور 1976 أن القضاء اعتبر كوظيفة من وظائف الدولة إلى جانب الوظائف الأخرى أي أن الوظيفة القضائية غير مستقلة غير أن دستور 1989 جاء ليؤكد الصفة المستقلة للسلطة القضائية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية ( ) لكون أن هذا الدستور كرس مبدأ الفصل بين السلطات.
واخيرا دستور 1996 وانطلاق من المواد 138-139-148 نستنتج أن القضاء اصبح بموجب هذا الدستور مستقلا قضاة وسلطة.
المطلب الأول: الاستقلال العضوي
الفرع الأول: القانون العضوي للقضاء.
يحدد القانون رقم 89/21( ) المتضمن القانون الأساسي للقضاء حقوق وواجبات القاضي وكذلك قواعد تنظيم سير المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى المرسوم التشريعي رقم 92/05( ) وهو يضع القواعد التي تتعلق بتعيين القاضي وحقوقه في نطاق ممارسة وضيفته وخارجها وينص على أن التعيين الأول للقاضي يتم بمرسوم رئاسي بناء على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء.
في حين فيما يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيم عمله ضبطه القانون العضوي( ): كما يلي:<< يشكل مجلس الدولة من القضاة الآتية أسمائهم...>> في حين نجد أن اختصاصت محكمة التنازع وتنظيم عملها ينص عليه القانون العضوي رقم 98/03 في المواد 05 07-08-09 منه.
كما انشا مجلس الدولة بموجب المادة 152/02 في الدستور وصدر القانون العضوي رقم 98/01 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.
الفرع الثاني: سلطة رئيس الجمهورية
وفي المجال القضائي نجد أن رئيس الجمهورية يراس المجلس الأعلى للقضاء بناءا على نصوص من دستور 1996( ) والدساتير التي سبقته( ).
وإذا كان المجلس الأعلى للقضاء يقرر تعيين القضاة ونقلهم وسير سلمهم الوظيفي فان ذلك يكون بقيادة رئيس الجمهورية صاحب الاختصاص في تعيين القضاة بموجب مرسوم تنفيذي( )
كما اسند الدستور لرئيس الجمهورية حق إصدار العضو وتخفيض العقوبات أو استبدالا باعتباره القاضي الأول في البلاد إلا أن التساؤل حول الطبيعة القانونية هذا الإجراء فهل يعد المرسوم الصادر بذلك الشان عملا إداريا أم قضايا أم تشريعيا في حين يبقى أن مرسوم العفو يتخذ بصفة استقلالية من قبل رئيس الجمهورية مما يجعله غير قابل للطعن إلا أن الرأس الراجح يعده عملا تشريعيا ذو طبيعة فردية لكونه يحلل المحكوم عليه من سلطة القانون الذي بموجبه عوقب مما يحول تصرف رئيس الجمهورية إلى عمل من أعمال السادة غير قابل للطعن.
كما اعترفت المادة 174 من الدستور( ) لرئيس الجمهورية يحق المبادرة بالتعديل الدستوري بعد تصويت المجلس التشريعي عليه يعرض على الاستفتاء الشعبي خلال 50 يوما الموالية لاقراره ويصدر الجمهورية التعديل الدستور الذي صادر عليه الشعب إلا أن القانون المتضمن تعديل الدستور يصبح لاغيا إذا رفضه الشعب ولا يمكن عرضه من جديد على الشعب.
المطلب الثاني: الاستقلال الوظيفي
الفرع الأول: ازدواجية القضاء
إذا كان دستور 89 قد اخذ بوحدة القضاء واحدث من خلال تكريسه لمبدأ الفصل بين السلطات عدة تحولات عميقة في تنظيم مؤسسات الدولة.
فان دستور 28/11/96 قد أعاد تنظيمها بشكل محكم واعتنق مبدأ ازدواجية القضاء فنهج منهج المدرسة الفرنسية وذلك سعيا منه لابعاد العدالة من تأثيرات السلطة السياسية. والهدف من اخذ بازدواجية القضاء من اجل إرساء قواعد النظام القضائي الإداري إلى جانب القضاء العادي وهو امتياز جاء به هذا الدستور كما يعود تبني دستور 96 الازدواجية القضائية لمبررات مختلفة أهمها أن مركز الإدارة متميز ومن ثم يجب أن يكون لها قانون صاحب ينسجم مع طبيعة نشاطها ويجب أن تخضع لجهات القضاء الإداري المستقل حيث تؤكد المادة 147 انه<< لا يخضع القاضي إلا للقانون>> فضمن الفصل الثالث من الدستور( )<< السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون وهذا لا يختلف عن مضمون المادة 129 من دستور 89>>.
الفرع الثاني: الوظيفة القضائية
لقد اعتبر دستور 63 القضاء والعدالة من مبادئ النظام واخذ بمفهوم السلطة في تنظيم هياكل الدولة في حين اخذ غيره من الدساتير الأخرى بالمفهوم الوظيفي واعتبر الوظيفة القضائية من الوظائف الأساسية الهامة في الدولة غير أن دستور 89 أعاد لها صفة السلطة وادرجها في المرتبة الثالثة بعد السلطتين التنفيذية والتشريعية.
فنجد أن المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي يتولى الإشراف على عمل القضاة وحالاتهم الوظيفية والتأديبية بينما تختص المحكمة العليا بتقويم الأعمال القضائية لكل الجهات القضائية في البلاد بمعنى أنها الجهة الموحدة للاجتهاد القضائي.
كما تم استحداث مجلس الدولة كهيئة مقومة لاعمال الجهات القضائية الإدارية ومن ثم اصبح النظام القضائي مزدوج فالقضاء عادي وقضاء إداري ولذا ظهرت محاكم إدارية بعد ما كانت غرفا إدارية على مستوى المجالس.
ولمعالجة ظاهرة التنازع في الاختصاص بين الجهازين القضاء الإداري والقضاء العادي استحدث المشرع الجزائري محكمة التنازع.
كما أنشئت محكمة عليا للدولة تتولى النظر في الجرائم المتعلقة بشخص رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كما أبقي دستور 96 على المجلس الدستوري الذي يختص بالنظر مدى دستورية القوانين والتشريعات. عملا بمبدأ القانون فوق الجميع.
ويتبين لنا من خلال هذه النصوص القانونية أن هناك ضمانات أساسية للاستقلالية السلطة القضائية في أداء مهامها كما أن الحكم على مدى ديمقراطية النظام وسيادة القانون يتوقف على مكانة المؤسسة القضائية في الدولة ومدى كفاءتها.
الفصل الثاني: مظاهر التعاون والرقابة بين السلطات في النظام الدستوري الجزائري.
المبحث الأول: مظاهر التعاون بين السلطات
أن اعتماد مبدأ التعاون بين السلطات يعني بذلك أن إلية العمل هنا لا تعتمد مبدأ الفصل بين السلطات وانما مبدأ التعاون بين السلطات فتملك السلطة التشريعية في هذا النظام حق التدخل في أعمال السلطة التنفيذية وتوجيهها والتأثر فيها بمحاسبتها واستجوابها وسحب الثقة منها وفي ذات الوقت فان السلطة التنفيذية تملك من الوسائل ما يتيح لها حق التدخل في أعمال السلطة التشريعية من خلال اقتراح مشروعات قوانين عليها وان تطلب من رئيس الدولة حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة متى أدركت الوزارة أنها لا تستطيع التعامل مع المجلس.
المطلب الأول: علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية:
إن السلطة التنفيذية مجسدة هنا في شخص رئيس الجمهورية المجسد لرئاسة الدولة ووحدة الأمة الممارس للسلطتين السامية و التنظيمية في الجهاز التنفيذي وفقا للمواد 70 /72 في الدستور ثانيا في رئيس الحكومة باعتبار الرئيس التنفيذي ( ).
والمنسق الفعلي لهذه السلطة والمسؤول الحقيقي والمباشر على أنشطتها على أعمالها الحكومية سواء أمام رئيس الجمهورية الذي يعينه وينهي مهامه طبقا لاحكام المواد 77 الفقرة 05 والمادة 79 و 81 / 86 وغير من مواد دستور 96 أو أمام البرلمان لمجلسية فما هي الوسائل القانونية التي تؤثر بها السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية؟
الفرع الأول: المساهمة في التشريع
أن الميادين التي يمكن للرئيس الساعي للسلطة التنفيذية رئيس الجمهورية التي يمكن ان يشرع فيها بأوامر ترتيبا غير محددة بالرغم من أنها مقيدة من حيث الزمان أي في حالة شعور م ش و وبين دورتي البرلمان.
وفي الحالة الاستثنائية طبقا لنص المادتين 93/124 من دستور 96 والقول ان السلطة التشريعية مخولة للبرلمان أصبحت محصورة في مجالات قانونية حد دها الدستور على سبيل الحصر.
ينبغي أن يضاف إليه قول آخر وهو انه حتى في هذه المجالات المحددة لا يمكن للبرلمان الاقتصار على وضع المبادئ والقواعد العامة دون التطرق إلى التفاصيل طبقا لما هو معمول به في سن أي قانون وهذا من شانه أن يفسح الميدان واسعا أمام السلطة التنفيذية للمشاركة في التشريع من خلال ما تصدره من نصوص قانونية مراسيم وقرارات تبين وتوضح فيها كيفيات تطبيق تلك المبادئ والقواعد وتطبيق القوانين من صلاحيات الحكومة طبقا للمادة 125 من الدستور.( )
الفرع الثاني: الاعتراض على القوانين
إن الاعتراض على القوانين ولا سيما افتراض القوانين التي يقترحها أعضاء المجلس الشعبي الوطني وحدهم دون غيرهم لان أعضاء الفرقة الثانية ليس لهم الحق لا سيما اقتراحات القوانين التي يتقدم بها نواب م ش و بمقتضى كل من الدستور والقانون العضوي المتعلق بتنظيم غرفتي البرلمان وعملها وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة.
ولقد أجاز الدستور الساري المفعول لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كل فيما يخصه الاعتراض على القوانين لا سيما تلك المتأتية من البرلمان في شكل افتراظات قوانية سواء تعلقت بمواضيع خاصة كالنفقات العمومية و الحالية و الميزانية أو بغيرها من المواضيع العامة فالمادة 127 من الدستور تنص على انه يمكن لرئيس الجمهورية طلب إجراء مداولة ثانية في قانون تم التصويت عليه من قبل البرلمان في غضون 30 يوما الموالية لتاريخ إقراره وفي هذه الحالة يتم إقرار القانون المعني بالقراءة أو المداولة الثانية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني ( )
إن الاعتراض وان كان حقا لكل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية حق دستوري على النحو المذكور أعلاه فهو ليس حق مطلق بل هو حق مقيد بقيود محددة دستورية منها:
لا يكون الاعتراض على القوانين إلا إذا سنت أو شرعت في المجالات أو الميادين التنظيمية التي تعود لرئيس الحكومة بحكم الدستور أي إلا إذا شملت موضوعا من مواضيع القانون المخصصة دستورا أو كانت قوانين عادية وتحمل في طياتها أحكاما ومواضيع من اختصاص القوانين العضوية أو كانت تهدف من خلال مضامينها التخفيض من الموارد العمومية أو الزيادة في النفقات العمومية أو كانت أصلا غير مطابقة للدستور.
المطلب الثاني: علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية
الفرع الأول: مناقشة برنامج الحكومة.
تنشأ للعلاقة بين البرلمان بغرفتيه والحكومة بشان برنامج الحكومة من خلال ما قررته المادة 80 من الدستور التي تلزم رئيس الحكومة بان يقدم برنامج حكومته إلى م ش و لمناقشته ويقدم عرض عن البرنامج لمجلس الأمة.( ).
ويعرض رئيس الحكومة برنامجه على المجلس الشعبي الوطني خلال 45 يوما الموالية للتعيين الحكومة وتتم مناقشته من قبل نواب المجلس الشعبي الوطني الذي يمنح مهلة 7 أيام من تاريخ تبليغه للنواب ثم يقدم رئيس الحكومة عرضا لمجلس الأمة خلال 10 أيام من موافقة المجلس الشعبي الوطني ويجوز لمجلس الأمة أن يصدر لائحة بعد مناقشته موقفه من قبل 20 عضوا في مجلس الأمة
الفرع الثاني: بيان السياسية العامة للحكومة
تقدم الحكومة سنويا ابتداءا من المصادقة على برنامجها من قبل المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة تتناول فيه ما أنجزته من البرنامج طبقا للمادة 84 من الدستور وتعقب بيان السياسة العامة مناقشة تتمحور حول خطة عمل الحكومة ومدى التزامها بالبرنامج المصادق عليه ويمكن أن تختم هذه المناقشة بلائحة تقدم خلال 72 ساعة الموالية لاختتام المناقشة مع ضرورة توفر الشروط التالية من اللائحة
- يجب أن توقع من طرف 20 نائبا وتودع لدى مكتب المجلس.
- لا يمكن أن يوقع النائب الواحد على اكثر من اقتراح لائحة
- تعرض اقتراحات اللوائح للتصويت في حالة تعددها حسب تاريخ إيداعها.
- بمصادقة المجلس الشعبي الوطني على إحدى اللوائح بالأغلبية تصبح اللوائح الأخرى ملغاة.( )
المطلب الثالث: علاقة السلطة القضائية بالسلطتين التشريعية والتنفيذية
الفرع الأول: العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة التشريعية
إذا كانت السلطة التشريعية هي الهيئة الدستورية المسندة إليها مهمة تشريع القوانين المختلفة ال
إن سلمنا بان السلطة ظاهرة ملازمة للمجتمعات السياسية فإنها أيضا المعيار الحقيقي المميز للدولة عن غيرها من هذه المجتمعات السياسية كما نعتبر أهم مبدأ يستند إليه وجود الدولة ونظام الحكم فيها.
ولذلك نجد أن النظم الديمقراطية في الدول التي تخضع لبدأ سلطان القانون تجعل من الدستور الضمان القانوني لاقامة النظام السياسي والقانوني فيها، لكون أن الدستور السلطات المختلفة ويحدد اختصاصاتها وطبيعة العلاقة بينها كما ينظم مهامها ويقرر الحقوق والحريات العامة.
وثم كان الفصل بين السلطات عامل محفز لخضوع الدولة للقانون ومن هذا المنطلق تبنى المفكرين والفقهاء مبدأ الفصل بين السلطات بأساليب مختلفة تفاديا للاستبداد والتعسف وليد تجميع السلطات في يد واحدة إلا أن الفقه يكاد أن يجمع على ضرورة اللجوء لاستعمال حق الحل في الأنظمة التي تتبنى التعددية السياسية من اجل تجاوز الأزمات واستمرارية المصالح العامة للدولة فما هي مبررات ظهور مبدأ الفصل بين السلطات وغاياته؟.
وما موقع هذا المبدأ في ظل التجربة الدستورية في الجزائر؟.
وما مدى فعالية وتأثير الفصل بين السلطات؟ وهل تعتبر حقيقة واقعية مسلم بها ام حالة استثنائية لتجاوز الأزمات السايسية؟
كيف يمكن تقييم العلاقة التي تربط بين السلطات في الدولة؟
ذلك ما نجيب عنه في فصول هذا البحث.
الفصل التمهيدي
نشأة مبدأ الفصل بين السلطات وتتطوره
أن إشكالية ممارسة السلطة شغلت فكرة فقهاء السياسة والقانون بالرغم من نعدد حلول هذه الإشكالية فانه يمككنا تحديدي معيارين أساسيين هما:
أولا: المعيار الكمي: الذي يرى أصحابه انه يكفي أن يتعدد القائمون على السلطة لكي لا الاستبداد.
أما المعيار الثاني: فهو المعيار الكيفي: واصحاب هذا التصور لا يعنيهم عدد القائمين على السلطة بقدر ما يهمهم كيفية ممارسة السلطة وقد جاء هذا المعيار على أنقاض المعيار العددي الذي عمر طويلا إلى أن جاء الإسلام بمعياره الكيفي واساسه تقييد القائمين على السلطة في ممارسة مظاهرها بأحكام القران والسنة.
فما مضمون أفكار هذا المبدأ عبر العصور؟ وهل بقيت المجتمعات حبيسة تصور معين ام سارت الأفكار ممارسة السلطة تطور المجتمعات؟
المبحث الأول: نشأة مبدأ الفصل بين السلطات ومضمون أفكاره
فكر الفلاسفة من قديم الزمان في تقسيم وظائف الدولة ومما لاشك فيه أن ككل من أفلاطون وارسطو وجون لوكرسو وأيضا الفقيه الفرنسي مونتسكيو قد كانت لهم مساهمات هامة في هذا المجال.
ولا ريب أن الفضل الأكبر في صياغة مبدأ الفصل بين السلطات يرجع إلى مونتسيكيو .
وإذا كان المبدأ وجد الكثير من المؤيدين فان واجه أيضا الكثير من الانتقادات.( ).
المطلب الأول: أفكار مبدأ الفصل بين السلطات قبل ظهور نظرية مونتيسيكيو.
رغم اقتران المبدأ بمونتيسكيو إلا انه سبقه إلى ذلك الكثير من المفكرين انطلاقا من العهد اليوناني حيث نادى أفلاطون في كتاباته إلى ضرورة توزيع وظائف الدولة على عدة هيئات كما مهد أر سطو في العصور القديمة إلى هذا المبدأ ودعا إلى تقسيم وظائف الدولة وفقا لطبيعتها القانونية كما سبق وان دعا جون لوك إلى مبدأ الفصل بين السلطات.
الفرع الأول أفكار ارسطو لتقسيم وظائف الدولة
كان ارسطو يرى أن للدولة ثلاثة وظائف هي المداولة ويعني بها السلطة التشريعية والأمر ويعني به السلطة التنفيذية والعدالة ويعني بها السلطة القضائية أما السلطة التشريعية فتختص كما يرى ارسطو في إصدار القوانين وتولي أمور الحرب والسلم وعقد المعاهدات والتصديق على أحكام الإعدام وتقرير مصادرة الأموال والإشراف على تحسين سير الأعمال في المداولة.
أما السلطة التنفيذية فتختص كما ذهب ارسطو في تنفيذ القوانين أما السلطة القضائية فتختص في الفصل في الخصومات والجرائم ومن ذلك يتضح أن ارسطو كان ينظر إلى الوظيفة التشريعية نظرة أوسع من النظرة السائدة لها الان فقد خصصها بمهام عديدة يخرج البعض منها عن اختصاصاتها المقرر لها في العصور الحديثة.
وان كانت دعوة ارسطو لم تكن دعوة إلى الفصل بين السلطات بل إلى تقييم وظائفها الدولية وفقا لطبيعتها القانونية.( )
الفرع الثاني أفكار جون لوك في الفصل بين السلطات
دعا جون لوك إلى فكرتي تقسيم وظائف الدولة والفصل بين السلطات وذلك اعتبره العديد من المفكرين انه من رواد مبدأ الفصل بين السلطات بالرغم من العيوب التي اتسمت بها نظريته إلا أنها كانت في جوهرها مستقاة من أسس الفلسفة الديمقراطية الليبرالية.
فقد ذهب إلى أن أي نظام من نظم الحكم لا بد أن نقوم فيه سلطتان أحدهما تصنع القوانين والثانية تتولى تنفيذها مع ضرورة قيام سلطة ثالثة تتولى إدارة الشؤون الخارجية وأمور الحرب والسلم ويبرر لوك وجود السلطتين التشريعية والتنفيذية على أساس نظريته الشهيرة في العقد الاجتماعي كما يرى وجوب الفصل بين هاتين السلطتين على أساس ان تركز السلطتين في يد واحدة أو هيئة واحدة يؤدي إلى الاستبداد والطغيان ولاجتناب ذلك فهو يرى ضرورة توزيع السلطتين على هيئتين مختلفتين مع تحديدي اختصاصيات لكل منهما.
أما الحجة الثانية فتقوم على اعتبارات عملية ذلك أن مهمة السلطة التشريعية تنصب على وضع قوانين عامة ومجردة ومن ثم فانه ليس من الضروري أن تكون في حالة انعقاد دائم ومن ثم تتطلب وجود سلطة أخرى تتولى تنفيذها.
كما يعطي لوك السلطة التشريعية مكانة أسمى من تلك التي يعطيها للسلطة التنفيذية ففي نظره –أي السلطة التشريعية- سلطة عليا مقدسة ويرى انه يجب أن لا تكون لها سلطات أوسع وان تمارس اختصاصات ضمن قيود وضوابط.( )
المطلب الثاني: نظرية مونتيسيكيو
تلقى الفقيه مونتيسيكيو الأفكار السابقة عن مبدأ الفصل بين السلطات ممن سبقوه من فلاسفة ومفكرين أمثال أفلاطون وارسطو ثم صاغها صياغة جديدة حتى ارتبط المبدأ باسمه لكون أفكار الذين سبقوه لم ترقى إلي مستوى النظرية فهو يرى أن الضمانات الأساسية لتحقيق الحرية هي الفصل بين السلطات وتتضمن نظريته مبدأين:
الفرع الأول: مبدأ التخصص
لقد نادى بضرورة فصل الوظائف الكبرى للدولة إلى وظيفة تشريعية ووظيفة تنفيذية ووظيفة قضائية تمارس من قبل ثلاثة سلطات متميزة عن بعضها البعض.
الفرع الثاني: مبدأ الاستقلالية
أي فصل الأجهزة حيث كلا من هذه السلطات تكون مستقلة كلية عن الآخرين والأعضاء الذين يؤلفونها لا يعزلون أو يعينون من قبل سلطة أخرى وبتعبير آخر فلمبدأ الفصل بين السلطات بعدان فالأول تنظيمي ويتضمن الجانب الوظيفي والعضوي أما الثاني فهو قانوني ينظم العلاقة بين السلطات.
المبحث الثاني: موقف الفقه من مبدا الفصل بين السلطات
انطلاقا من أن المبدأ آلية تتضمن حركية ملحوظة في دواليب الجهاز السياسي وقاعدة لتنظيم وترتيب السلطات مما جعله بحق أحد معايير تصنيف الأنظمة السياسية وضمانة أكيدة للشرعية السياسية ولكنه رغم هذا لم يسلم من الانتقاد وتعرض لهجوم شديد كما تحفظ جانب من الفقهاء والسياسيين على بعض مبادئه.( )
على الرغم من أن هذه الانتقادات لا تنفي دوره في إحلال الديمقراطية وضمان حقوق وحريات الأفراد على مر التاريخ ولذلك فانه من الضروري وضع المبدأ في ميزان الفقه والقانون.
المطلب الأول: الفقه الرافض لتطبيقات المبدأ
من أهم الانتقادات التي وجهت إلى المبدأ هي الطابع النظري الصرف للمبدأ واستحالة تطبيقه كما صوره " مونتيسيكيو"
الفرع الأول: الانتقادات التقليدية
أن الانتقاد الأول أورده الأستاذ" ميشال مياي" حيث اعتبر المبدأ أسطورة وان المبدأ فكرة معقدة ونظام خارق يعمل لصالح النبلاء وقال أيضا << أن مونتيسيكيو يدرس الدستور ليصل في النهاية لتأمين هيمنة مصالح الطبقة التي ينتمي إليها كاتب التحليل وهو مونتيسيكيو بالطبع.
غير أن تحليل وتبور<< ميشال مياي>> كان سيكون صحيحا لو وضعت النظرية لظرف وزمن معينين واقتصر تطبيقها على تلك الفترة .إلا أن الواقع اثبت صحة النظرية لما تتصف به من العمومية والتجريد .
أما الانتقاد الثاني فأورده << دي مالبارغ>> في كتابه النظرية العامة للدولة وهو انتقاد الفقهاء الألمان الذي يتلخص في أن الفصل بين السلطات يستحيل تطبيقه في الواقع وإذا ما طبق فانه يؤدي إلى تفكيك وحدة الدولة لكن الواقع يؤكد أن مبدأ الفصل بين السلطات لم يكن يوما ليهدد وحدة الدولة بل أن اكثر الدول تماسكا أكثرها تطبيقا لمبدأ نظري يصعب تحقيقه في الواقع وان توزيع المسؤولية هي تفتيت للسلطة وهذا إضعاف شامل لمفاصلها فتشيع المسؤولية بين الهيئات والأفراد ويصبح من السهل التهرب من المسؤولية.
أما "كون درسيه" فقد فند فكرة الفصل بين السلطات حيث قال:<< إن التجارب في جميع الدول أثبتت أنها كالآلة المعقدة إذا ما وزعت السلطة فيها سرعان ما تتحطم من جراء الصراع بينها".
كما نجد العميد " ديجي" يرى أن وحدة الدولة تتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ورغم رجاحة بعض هذه الانتقادات فان بعضها لا تقلل من شأن المبدأ ومضمونه ودوره في ضمان حقوق وحريات الأفراد والقضاء على الاستبداد .
الفرع الثاني: الانتقادات التي وجهها الاتجاه الماركسي للمبدأ.
لقد هاجم الفكر الماركسي مبدأ الفصل بين السلطات إليه العديد من الانتقادات أهمها أولا:
- لانه مخالف لسيادة الشعب لكونه يعمل على إقامة التوازن بين السلطات وهذا يتنافى مع ما تتطلبه هذه النظرية من ضرورة خضوع جميع السلطات للشعب أو إلى الهيئة التي تمثله احسن تمثيل وهي الهيئة النيابية التي تتولى السلطة التشريعية.
- لانه مبدأ يقوم على النفاق لانه يكفل في الواقع حرية الطبقة البرجوازية لان السلطة في الدول الرأسمالية إنما تعمل لصالح الطبقات الممتازة.
وفي الواقع أن كل هذه الأوجه من النقد مرجعها إلى نقد الفكر الماركسي للنظام الرأسمالي ولا تنصب مباشرة على مبدأ الفصل بين السلطات والدليل على ذلك أن بعض الدول غير الماركسية مثل سويسرا لم تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات في حين نجد أن الفكر الماركسي للمبدأ مرده إلى الطبيعة الدكتاتورية لمرحلة البروليتاريا بحيث لا ينسجم مع الدكتاتورية إقامة نوع من التوازن بين السلطات.
المطلب الثاني: الفقه المؤيد لتطبيقات المبدأ
وللرد على الانتقادات التي وجهت إلى مبدأ الفصل بين السلطات في المطلب السابق وفروعه نورد آراء المؤيدين للمبدأ.
الفرع الأول: حجج ميشال مياي
أورد الكاتب ميشال مياي بعض مزايا المبدأ فقال << لهذا يجب توزيع السلطة السياسية بين أجهزة مختلفة بحيث لا تحتكر سلطة واحدة مختلف الوظائف وقد ولدت الحرية السياسية من هذه المقولة بالذات. ولهذا وجدت اقتراحاته صدى عظيما في أوساط البرجوازية عام 1788 والتي كانت تسعى للبحث من أجل تجاوز الدولة المطلقة.
الفرع الثاني: حجج الدارسين لنظرية مونتيسيكيو
فهم يرون أن الانتقادات الموجهة للمبدأ لا تنتقد مضمونه وانما تنتقد سوء استعماله فالدارس لنظرية مونتيسيكيو بتمعن يجد مونتيسيكيو نفسه لا يدعو إلى الفصل بين السلطات بل إلى الفصل المرن أي التعاون بينهما ويجيء تطبيق المبدأ عمليا ليؤكد هذه الافتراضات فان أيا من الأنظمة الليبرالية لم يمارس فصلا مطلقا.
الفرع الثالث: النموذج الأمريكي في تأييده للمبدأ
إذا كان المبدأ يتصف بالغموض لانه لم يجب عن طبيعة الفصل اهو الحاسم القاطع أم المرن المتوازن ***معا صوره انه يريد الفصل التام بين السلطات فأقرت بذلك الدساتير الأولى المكتوبة كالدستور الأمريكي عام 1787 فصلا كاملا رغم انه ليس من المؤكد أن القراءة صحيحة ورغم أن التراجع عن صرامة هذا الفصل كانت كبيرة على المستوى التطبيقي في نظام الولايات المتحدة الأمريكية.
- أن تطور مفهوم الدولة ومفهوم السلطة وطبيعة العلاقة بين السلطات قد صاحبة تطور مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات نفسه فهو صارم كامل مطلق في بداية ظهوره ليتطور إلى المرونة والتوازن.( ).
ولم يتوقف التطور في مفهومه عند هذا الحد بل اخذ صبغة أخرى في الفقه الأمريكي فاصبح يدعى<< تقاسم القوى>> أي تقاسم السلطات كما أكده << لويس فيشر>> في كتابة << سياسات تقاسم القوى>> أي الكونغرس والسلطة التنفيذية وسيبقى هذا المبدأ خير ضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم وهذا ما ينفذ حجج الرافضين للمبدأ.
المطلب الثالث: موقف الفقه الإسلامي من مبدأ الفصل بين السلطات
إن مبدأ الفصل بين السلطات هو قاعدة من قواعد فن السياسة أو الحكمة السياسة ومنه يجب أن توزع الاختصاصات العامة في الدولة على عدة هيئات ويجب أن يفصل بينها مع وجود قدر من التعاون والرقابة المتبادلة فهل عرف الفقه الإسلامي مثل هذه المعاني.
الفرع الأول: تطبيقات المبدأ في ظهور الإسلام
أهداف الفصل بين السلطات كانت متحققة في العصر الأول منذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي لوجود الرسول صلى الله عليه وسلم وان لو يوجد المبدأ ذاته حيث قامت دولة الإسلام على أساس التعاقد البيعة وقد ارتكزت الدولة على قواعد العدل وانه ليس من المنطقي أي تكون للإسلام شرعية ثم لا تكون له سلطة تطبق تلك الشريعة وتحمل الحاكم والمحكوم على العمل بها.
فالنظام الإسلامي لم ي***عن قاعدة الفصل بين السلطات رغم نظرته الخاصة حول تكوينها واختصاصاتها ومسؤولياتها.( ).
ولا الحكام وقد ازدادت السلطة القضائية وضوحا بعد أن دون المجتهدون اجتهاداتهم و أخذها رجال القضاء مرجعا بل قد نجد أحيانا أن أحد طرفي الخصومة هو الخليفة ذاته أو الأمير.
الفرع الثاني: مبدأ الفصل بين السلطات في عهد الخلافة الإسلامية
ويرى الدكتور << يحيى السيد الصباحي>> << إنما الفصل بدأ من عصر عمر بن الخطاب وخاصة بين السلطة التنفيذية والقضائية حيث وضع عمر بن الخطاب نظامين لتعيين القضاة ودستور للقضاء وقد اقتصر ذلك على فترة الخلافة الراشدة لكونها افضل نموذج جسد تعاليم الإسلام واحكامه لكن بعض خلفاء بني أمية وبني العباس ساروا في اتجاه ****معالم الإسلام وانفردوا بالسلطة ********وقفزوا على مبدأ الفصل بين الوظائف وفرضوا اجتهادا يتماشى مع أهوائهم وقناعاهم.
أما بشأن عدم الفصل بين سلطة التنفيذ والقضاء فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي بنفسه وكان مبعوثوه إلى الأمصار إلى جانب القضاء بالشؤون التنفيذية.
أما في عهد الخلافة الراشدة كان الخليفة يجمع بين سلطتي التنفيذ والقضاء ولم يستقل القضاة بالوظيفة القضائية فتقتصر عليهم دون أن يشاركهم فيها أحد من رجال التنفيذ وهذا لا عني الاندماج الوظيفي للقضاء فالقاضي في الإسلام مستقل في عمله لان القواعد التي يطبقها ليست من عمل السلطة التنفيذية بل هي مبادئ الاهية ( )
وتشريع الجهاز التنفيذي في اغلب النظم الوضعية المعاصرة وإضافة إلى التداخل بين السلطة القضائية إذ أن الكل يؤكد أن القضاء مستقل عن سلطتي التنفيذ والتشريع وهذا دليل على أن العلاقة بين السلطات في النظام الإسلامي لم تخضع للتنفيذ وانما ينبع من ذاته كنظام أصيل.
الفصل الأول: مظاهر استقلال السلطات في النظام الدستوري الجزائري
قبل التطرق إلى مظاهر الفصل بين السلطات في النظام الدستوري الجزائري ينبغي الإشارة إلى أن الفصل بين السلطات في الجزائر لم يكن مبدأ غريبا أو مجهولا إنما كان منذ بداية إرساء قواعد النظام السياسي طموحا بارزا في مواثيق حزب جبهة التحرير والمؤسسات المؤقتة للدولة الجزائرية فقد جاء في نص المادة الثانية في الوثيقة التي ورد بها هذا النص وهي الدستور المكتوب الأول في الجزائر والتي صدرت عن المجلس الوطني للثورة في اجتماعه بطرابلس بليبيا بتاريخ 16/12/1959 ما يلي << الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية العناصر الأساسية لكل ديمقراطية هي القاعدة في المؤسسات الجزائرية>>.
إلا أن النص لم يوضح معالم هذا الفصل وقد سادت بعد الاستقلال نظرية وحدة السلطة مما يدفعنا إلى القول أن النص المذكور لم يتعد حد الطموح.إضافة إلى ذلك نجد أن السلطة القضائية لها أسبقية الظهور على غيرها من السلطات فقد قيل<< أن الحاجة إلى القضاء العادل كانت تاريخا اسبق الحاجات العامة.
وكانت السلطة القضائية في شكلها الأول اسبق السلطات العامة إلى الظهور فظهرت في شكل تحكيم وتطبيق للقواعد العرفية الأولى السابقة على معرفة القانون.......>>
وإذا كانت دول الديمقراطيات الغربية قد اختلفت بشان تطبيق نظرية الفصل بين السلطات باعتماد الفصل الصارم من بعضها والفصل المرن من بعضها الآخر نظرا للغموض الذي يتسم به مضمون النظرية. فان المسألة تزداد تعقيدا بالنسبة لبلادنا لكون إشكالية الفصل بين السلطات في نظام الدستوري تطرح نفسها بحدة في الحياة السياسية ومن خلال مواقف عديدة عاشها صانعوا القرار السياسي ورجال الفكر وخاصة منذ التحول الجذري الذي عرفه النظام السياسي الجزائري في دستور 1989 الذي كان –بحق- أعلانا بميلاد نظام دستوري جديد وان هذا التحول لم يأت من فراغ و إنما هو نتاج تجربة عاشتها الجزائر من الاستقلال ففي خلال أربعة عقود عرفت الجزائر أربعة دساتير إضافة إلى الميثاق الوطني( ) وكذا بعض التعديلات الدستورية ورفضت الجزائر الأخذ بالنظام الرئاسي أو البرلماني نظامين كلاسيكيين لن يضمنا الاستقرار وهذا ما سنعالجه في ثلاثة مباحث كالأتي.
المبحث الأول: مظاهر استقلال السلطة التشريعية
قبل تحديد هذه ينبغي الرجوع إلى التجربة الدستورية في الجزائر ابتداء من دستور 1963 إلى دستور 1996 ففي بداية الأمر أسندت سلطة التشريع إلى المجلس التاسيسي الذي أوكلت مهمة التشريع باسم الشعب ليصبح بذلك مجال التشريع مطلقا وتفيد مجال التنظيم فبإمكان المجلس التاسيسي سن القوانين أو تعديلها أو إلغائها حسب الظرورة لضمان السير الحسن للمؤسسات وأجهزة الدولة.
أما دستور 1976 المتأثر بالمذهب الاشتراكي لم يخرج عن المنهجية التي جاء الدستور السابق بالرغم من اختلاف في بناء المؤسسات وتقسيم السلطات كما اختلت السلطة التشريعية نفس الترتيب المنهجي في دستور 89 عندما أعطى الأولوية في الترتيب للسلطة التنفيذية حيث تؤكد المادة 92 منه عن استقلال السلطة التشريعية في إعداد القوانين والمصادق عليها.
ويعتبر دستور 1996 هو أول دستور جزائري يكرس ازدواجية البرلمانية لاعتبارات مختلفة
المطلب الأول: الاستقلال العضوي
جاءت الوظيفة التشريعية في دستور 1989 في المرتبة الثانية بعد السلطة التنفيذية والهيئة التشريعية في الجزائر تأخذ اسم << المجلس الشعبي الوطني>> إلا أن بعد دستور 1996 اصبح البرلمان يتكون من غرفتين المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة( )
الفرع الأول:طريقة الانتخاب
انتخب أول مجلس شعبي وطني في 27 فيفري 1977 اثر إجراء انتخابات تشريعية وحدد عدد مقاعده ب 261 مقعدا وتمثيله ذو طابع وطني ومهمة النائب أو عضو مجلس الأمة وطنية وقابلة للتجديد طبقا لاحكام المادة 105 من دستور 1996 وبعد دخول الجزائر التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية طبقا لدستور 1989 أجريت الانتخابات التشريعية الرابعة بمشاركة الأحزاب والجمعيات السياسية واصبح عدد المقاعد المتنافس عليها 340 مقعدا بتاريخ 26-ديسمبر 1991.
أما بالنسبة لطريقة انتخاب النواب وعددهم وشروطهم قابليتهم للانتخاب فقد أرجعها الدستور لاحكام القانون المادة 130 من دستور 76 والمادة 97 من دستور 89 ( ).
ويرجعها دستور 1996 القانون العضوي المادة 130 منه بموجب الأمر رقم 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 الذي يتضمن قانون الانتخابات حيث تنص المادة 101 منه على ان ينتخب المجلس الشعبي الوطني لمدة 05 سنوات لطريقة الاقتراع المبني على القائمة وتجري الانتخابات في ظرف الأشهر الثلاثة السابقة لانقضاء المدة النيابية الجارية وتحدد الدائرة الانتخابية حسب الحدود الإقليمية للولاية.
كما تشترط المادة 107 من القانون العضوي( ) في المتر شح للمجلس الشعبي الوطني ما ياتي:
- أن يكون بالغا 28 سنة على الأقل يوم الاقتراع.
- أن يكون ذات جنسية جزائرية أصلية أو مكتسبة مدة 5 سنوات على الأقل
- أن يثبت أدائه أو إعفائه اتجاه الخدمة الوطنية.
- الدستور في الشروط المنصوص عليها في المادة 05 في نفس القانون السابق.
الفرع الثاني: العضوية في مجلس الأمة
خلافا لأعضاء م-ش-و الذين ينتخبون عن طريق الاقتراع السري والمباشر فان أعضاء مجلس الأمة مزدوج الاختيار بينما ثلث أعضائه منتخبون عن طريق الاقتراع غير المباشر والسري من بين ومن طرق أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولاية فان الثلث الآخر يعينه رئيس الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية حدد عدد أعضاء الغرفة الثانية بان لا يتجاوز نصف عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني طبقا لمادة 101 من الدستور( ) وهذا ما أهم ما جاء به دستور 1996 للحفاظ على استقرار الهيئة التشريعية رغم إمكانية حل م- ش- و دون مجلس الأمة طبقا لاحكام المادة 129 من الدستور علما أن تجدد تشكيلة مجلس الأمة بالنصف كل ثلاثة سنوات أي كل ثلاثة سنوات ينتخب ويعين نصف كل مجموعة من الأعضاء بينما يبقى النصف الأخر إلى غاية تجديده حسب المادة 102 الفقرة 03 من دستور 1996.
وحددت مهمة مجلس الأمة ب 06 سنوات حسب المادة 102 الفقرة 1 و 2 من الدستور.
كما أن الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب وللأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم البرلمانية المادة 109 من الدستور.
وينتخب رئيس مجلس الأمة بعد كل جزئي لتشكيلية المجلس حسب ما جاء في نص المادة 114 من دستور 1996 إلا إننا نجد أن المادة 181 الفقرة 02 منه( ) استثنت رئاسة مجلس الأمة ومنحت له فترة رئاسية لمدة 6 سنوات.
المطلب الثاني: الاستقلال الوظيفي
الفرع الأول: سلطته في إعداد النظام الداخلي
يحدد القانون العضوي رقم 99 –02( ) تنظيم المجلس الشعبي ومجلس الأمة وعملها كما تنص المادة 11 الفقرة 02 من الدستور على انه كلا من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة يعد نظامه الداخلي ويصادق عليه.
ويتكون المجلس الشعبي الوطني هيكليا في ظل دستور 1996 من
- رئيس المجلس الشعبي الوطني
- مكتب المجلس ويضم الرئيس والنواب الرئيس
- هيئة الرؤساء وتتكون من نواب الرئيس ورؤساء اللجان الدائمة
- هيئة التنسيق وتضم أعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ورؤساء المجموعات البرلمانية.
- اللجان الدائمة وعددها 15 لجنة.
-المجموعات البرلمانية وتتكون المجموعة البرلمانية من 15 نائبا على الأقل في حين أن عدد اللجان الدائمة في مجلس الأمة نجده 09 لجان وان المجموعة البرلمانية تتكون من 10 أعضاء على الأقل.
وما يلاحظ على دستور 1996 انه وسع في المجال الهيكلي مع ظهور التعددية الحزبية ولذلك من اجل توسيع دائرة التشاور بين مختلف التيارات الحزبية( ) علما أن اللجان الدائمة للمجلس تشكل في مستهل كل فصل تشريعي وعدد 10 لجان ويتكون من 12 إلى 20 عضوا وتنتخب كل لجنة مكتبها من رئيس ونائب له ومقرر وتختص كل لجنة بدراسة المشاريع واقتراحات القوانين التي تدخل ضمن اختصاصاتها( ).
الفرع الثاني: عملية إعداد التشريع
جاء الحديث عن الميثاق الوطني لعام 1986<< أن المجلس الشعبي الوطني بصفته مؤسسة تشريعية يتحمل مسؤولية تطوير التشريع الوطني واثرائه بقوانين يستوحي أصولها من هذا الميثاق والدستور وتطلعات الجماهير الشعبية>>( ).
في حين تنص المادة 98 من دستور 1996 على أنه يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين .........وله السيادة في إعداد القوانين والتصويت عليه في حين تنص المادة 122 من الدستور على انه يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور.
فإذا كانت السلطة التشريعية تمارس اختصاصا يتمثل في المبادرة باقتراح قوانين غير انه يتبين بان هناك عدم توازن بين المؤسسين في ممارسة المبادرة بالتشريع بحيث يحقق للحكومة الاعتراض على أي اقتراح قانون مخالف للمادة 114 من الدستور فالنص لا يتحدث عن المشاريع وانما على الاقتراحات التي يمكن أن تكون محلا لعدم القبول.
بحيث في حالة قبول اقتراح قانون من طرف مكتب المجلس الشعبي الوطني والذي يقوم بتقديره في مدة لا تتجاوز شهر بعد إيداع الاقتراح فيقوم بتسجيله في جدول أعمال الدورة المقبلة وفضلا عن ذلك فان اقتراحات القوانين ترسل إلى الحكومة فورى تسجيلها بغرض تمكينها من اعتراض عليها خلال 15 يوما وتقل أهمية الاقتراح في حالة ما إذا تقدم 20 نائبا فاكثر باقتراح في الأيام الأولى من دورة محددة فانه تؤجل إلى الدورة الموالية في حين نجد أن مشاريع الحكومة لا ترد عليها قيود مراعاة الأجل المعقول الذي يسمح للمجلس مناقشتها( ). وهي تتعلق بتمتع المتر شح بالحقوق المدنية والسياسية
أما فيما يتعلق بكيفية تحديد نتائج الانتخاب فقد تبنى المشرع الجزائري طريقة الاقتراع الن***على القائمة مع أفضلية الأغلبية في دور واحد وتوزيع المقاعد وفقا للمادة 62 من قانون الانتخابات( ).
وكما جاء في المادة 87 من قانون الانتخابات على ان يقدم المترشحون للمجلس الشعبي الوطني قائمة كاملة تساوي عدد المقاعد الواجب شغلها.
واما فيما بتوزيع المقاعد فقد جاء في المادة 62 << يترتب على هذا النمط من الاقتراع توزيع المقاعد كالاتي....>>( ) ونتيجة لتأجيل الانتخابات تمت اصلاحات وتقدمت الحكومة مشروع قانون يعدل بعض مواد قانون الانتخابات لا سيما المادة 62 منه والتي سبق ذكرها ، وأقر بموجب تعديل تلك المادة ما يلي:
أ- تتحصل القائمة التي فازت بالأغلبية المطلقة على الأصوات المعبرة عنها على عدد من المقاعد يتناسب والنسبة المؤوية للأصوات المحصل عليها المجبرة إلى العدد الصحيح للأعلى.
ب- وحالة عدم حصول أي قائمة على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر تفوز القائمة التي تجوز على أعلى تشبه بما يلي:
50% من عدد المقاعد المجبر للعدد الصحيح الأعلى في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها في الدائرة فرديا.
50% زائد واحد من عدد المقاعد في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها زوجيا.
ج- وفي كلتا الحالتين توزع المقاعد المتبقية بالتناسب على كل القوائم المتبقية التي حصلت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها على أساس النسبة المئوية للأصوات المحرزة بتطبيق الباقي الأقوى حتى تنتهي المقاعد الواجب شغلها وفي حالة بقاء مقاعد للتوزيع توزع على كل القوائم بالتناسب بما فيها القائمة الفائزة التي أحرزت على أعلى نسبة.
وفي حالة عدم حصول أي قائمة متبقية على 7% تحصل القائمة الفائزة على جميع المقاعد.
أما إذا حدث ان تعادل الأصوات بين القوائم التي حازت على أعلى نسبة فان القانون ينص على أن الفوز يكون لصالح القائمة التي يكون معدل السن لمرشحيها الأصليين اقل ارتفاعا.
إلا أن الدكتور بوشعير يبدي رأيا بشان طريقة توزيع المقاعد خاصة مع احتمال حصول قائمتين على نسبتين متقاربتين في الأصوات المعبر عنها مثل 30% و 29% ومع ذلك كفوز أحدهما وهي الأولى بالأغلبية المطلقة في المقاعد في حين تكتفي الثانية بأقسام المقاعد المتبقية مع القوائم التي أحرزت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها فهذه الطريقة لا تخدم الديمقراطية ولا التعددية السياسية( ).
المبحث الثاني: مظاهر استقلال السلطة التنفيذية
المطلب الأول: الاستقلال العضوي
الفرع الأول: انتخاب رئيس الجمهورية
يحتل رئيس الجمهورية في نظام الجزائري المركز الممتاز باعتباره منتخب من طرف الشعب بطريقة مباشرة وصاحب اختصاص تعيين رئيس الحكومة وإنهاء مهامه وله أن يحل المجلس الشعبي الوطني.
وينص دستور 1996 في مادته 70 على انه يجسد رئيس الجمهورية رئيس الدولة ووجده الأمة وهو صاحب الدستور ويجسد الدول داخل البلاد وخارجها له أن يخاطب الأمة مباشرة.
وينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري وبالأغلبية المطلقة( )
أما بالنسبة لشروط ترشح رئيس الجمهورية فحددها دستور 1976 في المادة 107 كالتالي:
- أن يحمل الجنسية الجزائرية أصلا.
- أن يدين بالإسلام
- أن يكون قد بلغ 40 سنة
- أن يتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية
أما المادة 73 من دستور 1996 حدد الشروط اللازمة للترشح لرئاسة الجمهورية حيث نجد أن الدستور يرفض ازدواجية الجنسية لرئيس الجمهورية وكذلك التجنس وان يثبت الجنسية الجزائرية لزوجه (هذا العنصر غاب في الدساتير السابقة)كما أضافت المادة 73 من نفس الدستور شرط المشاركة في ثورة أول نوفمبر 1954 للمولودين قبل جويلية 1942( )
أما مدة الرئاسة حددت بموجب المادة 108 من دستور 76 ب 6 سنوات في حين تؤكد المادة 74 من دستور 96 على أن المهة الرئاسية حددت ب 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وهنا نجد ان دستور 67 أكثر صرامة في الشروط خلافا للدساتير السابقة( ) ومن اختصاصات رئيس السلطة التنفيذية نجد أن الدستور خول لرئيس الجمهورية اختصاصات عديدة أهمها:
- إصدار القوانين جاء في المادة 117 من دستور 1989<< يصدر رئيس الجمهورية القانون في اجل ثلاثين يوما ابتداء من تسليم مهامه>> فسلطته للإصدار مستمدة من الدستور وهذا الاتجاه يؤيده الفقه الحديث الذي يرى في الإصدار هو اصفاء صفة القانون فعلى النص وان الإصدار لا ينشئ قاعدة إنما يلاحظها بإصدار مرسوم الإصدار( )، والاصدار يتم في صيغة تشكيلية اساسها الاعتماد على الدستور وموافقة البرلمان وهو تعبير عن العلاقة بين السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية فالى جانب اصدار القوانين خص رئيس الجمهورية بالنشر وسلطة التنظيم في المسائل غير المخصصة للقانون وسلطته التعيين وهي ضرورة ونتيجة منطقية إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية تولي مهمة تنفيذ القوانين وسلطته التنظيم إلا إذا منحت له الوسائل الضرورية من بينها سلطة التعيين .
كما خول المشرع الدستوري لرئيس السلطة التنفيذية حق الاعتراض على نص تشريعي تمت الموافقة عليه من قبل المجلس الشعبي الوطني سواء كان مشروعا او اقتراح قانون وهو افتراض مؤقت يهدف الى تعليق القانون الى حين ويسـتوجب ذلك تسبيب الاعتراض من قبل رئيس الجمهورية بهدف الفات نظر نواب المجلس حول ما جاء في << النص التشريعي>> من مخالفات للدستور او القوانين المعمول بها ومن ثم فان رئيس الجمهورية يحيل المجلس الوطني الشعبي طلب اجراء موالة ثانية في غضون 10 ايام التي تلي ابلاغه للنص التشريعي وعليه يبلغ رئيس المجلس النواب باعتراض الرئيس وبناء على ما تقدم يودع لدى لجنة صاحبه الاختصاص ما اعترض ما اعترض عليه رئيس الجمهورية لمناقشته وتعديله( )
أما من قبل دستور 89 نجد أن سلطات رئيس الجمهورية في مجال التعيين قد تقلصت نسبيا بحيث خول الدستور لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس الحكومة بينما مسالة اختيار الوزراء أسندت لرئيس الحكومة.
الفرع الثاني: رئيس الحكومة
تنص المادة 144 من دستور 76 على انه تمارس الحكومة الوظيفية التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية ويعين أعضاء الحكومة. أما دستور 89 حدد اختصاصات الحكومة ورئيس الحكومة كالآتي:
<< يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة وينهي مهامه المادة 74 الفقرة الحاسمة كما أن المادة 79 الفقرة 01 من دستور 1996 تشترط جراحة تقديم أعضاء الحكومة إلى رئيس الجمهورية لتعيينهم وتسهر الحكومة على تنفيذ القوانين والتنظيمات وهي مسؤولية أمام البرلمان ومن حق رئيس الجمهورية إنهاء مهام رئيس الحكومة ويتبع باستقالة أعضاءها.
وعلى الرغم من عدم وجود أي قيد دستوري يحد من حرية رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة إلا انه سياسيا وعمليا يراعي التوجه السياسي السائد واختيار الشعب وذلك لعدة أسباب أهمها.
ضمان الحصول على موافقة البرلمان على برنامج رئيس الحكومة الذي يتوقف استمرار بقاءه على مدى تجانسه مع الأغلبية البرلمانية.
إلا أن تعيين رئيس الحكومة من الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية من الناحية الدستورية لا يمنع رئيس الجمهورية من ذلك ولا يضره في شيء بل يكمله مهامه ويضمن تجانس عمل الحكومة مع توجهات الأغلبية البرلمانية.
أما فيما يتعلق باختيار الوزراء فقد جاء في المادة 75 من دستور 89<< يقدم رئيس الحكومة أعضاء حكومته الذين اختارهم لرئيس الجمهورية الذي يعينهم وهنا مثلما تصعب مهمة رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة الذي لا يتم تعيينه إلا بعد مشاورات واتصالات تصعب مهمة رئيس الحكومة في اختيار أعضاء حكومته التي تصبح ائتلافية.
ويمارس رئيس الحكومة زيادة عن السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى من الدستور كالآتي:
- يراس الحكومة.
- يسهر على تنفيذ القوانين والتنظيمات.
- يوقع المراسيم التنفيذية.
- يعين في الوظائف العمومية للدولة دون المساس بأحكام المادة 81 من الدستور.
- يوزع الصلاحيات بين أعضاء الحكومة مع احترام الأحكام الدستورية( ).
ونستخلص مما سبق في ظل دستور 89 انه يعيد صلاحية مراقبة نشاط الحكومة لرئيس الجمهورية والمجلس الشعبي الوطني يحق لرئيس الجمهورية إنهاء مهام رئيس الحكومة وبذلك تستقيل الحكومة وجوبا للمجلس الشعبي الوطني حق مناقشة حصيلة نشاطات الحكومة والتصويت على لائحة التماس الرقابة وبه تستقيل الحكومة ولرئيسها طلب التسويق بالثقة وهو ما أكده دستور 96( ).
المبحث الثالث: مظاهر استقلالية السلطة القضائية
يتضح لنا من نص الدستور 1976 أن القضاء اعتبر كوظيفة من وظائف الدولة إلى جانب الوظائف الأخرى أي أن الوظيفة القضائية غير مستقلة غير أن دستور 1989 جاء ليؤكد الصفة المستقلة للسلطة القضائية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية ( ) لكون أن هذا الدستور كرس مبدأ الفصل بين السلطات.
واخيرا دستور 1996 وانطلاق من المواد 138-139-148 نستنتج أن القضاء اصبح بموجب هذا الدستور مستقلا قضاة وسلطة.
المطلب الأول: الاستقلال العضوي
الفرع الأول: القانون العضوي للقضاء.
يحدد القانون رقم 89/21( ) المتضمن القانون الأساسي للقضاء حقوق وواجبات القاضي وكذلك قواعد تنظيم سير المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى المرسوم التشريعي رقم 92/05( ) وهو يضع القواعد التي تتعلق بتعيين القاضي وحقوقه في نطاق ممارسة وضيفته وخارجها وينص على أن التعيين الأول للقاضي يتم بمرسوم رئاسي بناء على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء.
في حين فيما يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيم عمله ضبطه القانون العضوي( ): كما يلي:<< يشكل مجلس الدولة من القضاة الآتية أسمائهم...>> في حين نجد أن اختصاصت محكمة التنازع وتنظيم عملها ينص عليه القانون العضوي رقم 98/03 في المواد 05 07-08-09 منه.
كما انشا مجلس الدولة بموجب المادة 152/02 في الدستور وصدر القانون العضوي رقم 98/01 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.
الفرع الثاني: سلطة رئيس الجمهورية
وفي المجال القضائي نجد أن رئيس الجمهورية يراس المجلس الأعلى للقضاء بناءا على نصوص من دستور 1996( ) والدساتير التي سبقته( ).
وإذا كان المجلس الأعلى للقضاء يقرر تعيين القضاة ونقلهم وسير سلمهم الوظيفي فان ذلك يكون بقيادة رئيس الجمهورية صاحب الاختصاص في تعيين القضاة بموجب مرسوم تنفيذي( )
كما اسند الدستور لرئيس الجمهورية حق إصدار العضو وتخفيض العقوبات أو استبدالا باعتباره القاضي الأول في البلاد إلا أن التساؤل حول الطبيعة القانونية هذا الإجراء فهل يعد المرسوم الصادر بذلك الشان عملا إداريا أم قضايا أم تشريعيا في حين يبقى أن مرسوم العفو يتخذ بصفة استقلالية من قبل رئيس الجمهورية مما يجعله غير قابل للطعن إلا أن الرأس الراجح يعده عملا تشريعيا ذو طبيعة فردية لكونه يحلل المحكوم عليه من سلطة القانون الذي بموجبه عوقب مما يحول تصرف رئيس الجمهورية إلى عمل من أعمال السادة غير قابل للطعن.
كما اعترفت المادة 174 من الدستور( ) لرئيس الجمهورية يحق المبادرة بالتعديل الدستوري بعد تصويت المجلس التشريعي عليه يعرض على الاستفتاء الشعبي خلال 50 يوما الموالية لاقراره ويصدر الجمهورية التعديل الدستور الذي صادر عليه الشعب إلا أن القانون المتضمن تعديل الدستور يصبح لاغيا إذا رفضه الشعب ولا يمكن عرضه من جديد على الشعب.
المطلب الثاني: الاستقلال الوظيفي
الفرع الأول: ازدواجية القضاء
إذا كان دستور 89 قد اخذ بوحدة القضاء واحدث من خلال تكريسه لمبدأ الفصل بين السلطات عدة تحولات عميقة في تنظيم مؤسسات الدولة.
فان دستور 28/11/96 قد أعاد تنظيمها بشكل محكم واعتنق مبدأ ازدواجية القضاء فنهج منهج المدرسة الفرنسية وذلك سعيا منه لابعاد العدالة من تأثيرات السلطة السياسية. والهدف من اخذ بازدواجية القضاء من اجل إرساء قواعد النظام القضائي الإداري إلى جانب القضاء العادي وهو امتياز جاء به هذا الدستور كما يعود تبني دستور 96 الازدواجية القضائية لمبررات مختلفة أهمها أن مركز الإدارة متميز ومن ثم يجب أن يكون لها قانون صاحب ينسجم مع طبيعة نشاطها ويجب أن تخضع لجهات القضاء الإداري المستقل حيث تؤكد المادة 147 انه<< لا يخضع القاضي إلا للقانون>> فضمن الفصل الثالث من الدستور( )<< السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون وهذا لا يختلف عن مضمون المادة 129 من دستور 89>>.
الفرع الثاني: الوظيفة القضائية
لقد اعتبر دستور 63 القضاء والعدالة من مبادئ النظام واخذ بمفهوم السلطة في تنظيم هياكل الدولة في حين اخذ غيره من الدساتير الأخرى بالمفهوم الوظيفي واعتبر الوظيفة القضائية من الوظائف الأساسية الهامة في الدولة غير أن دستور 89 أعاد لها صفة السلطة وادرجها في المرتبة الثالثة بعد السلطتين التنفيذية والتشريعية.
فنجد أن المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي يتولى الإشراف على عمل القضاة وحالاتهم الوظيفية والتأديبية بينما تختص المحكمة العليا بتقويم الأعمال القضائية لكل الجهات القضائية في البلاد بمعنى أنها الجهة الموحدة للاجتهاد القضائي.
كما تم استحداث مجلس الدولة كهيئة مقومة لاعمال الجهات القضائية الإدارية ومن ثم اصبح النظام القضائي مزدوج فالقضاء عادي وقضاء إداري ولذا ظهرت محاكم إدارية بعد ما كانت غرفا إدارية على مستوى المجالس.
ولمعالجة ظاهرة التنازع في الاختصاص بين الجهازين القضاء الإداري والقضاء العادي استحدث المشرع الجزائري محكمة التنازع.
كما أنشئت محكمة عليا للدولة تتولى النظر في الجرائم المتعلقة بشخص رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كما أبقي دستور 96 على المجلس الدستوري الذي يختص بالنظر مدى دستورية القوانين والتشريعات. عملا بمبدأ القانون فوق الجميع.
ويتبين لنا من خلال هذه النصوص القانونية أن هناك ضمانات أساسية للاستقلالية السلطة القضائية في أداء مهامها كما أن الحكم على مدى ديمقراطية النظام وسيادة القانون يتوقف على مكانة المؤسسة القضائية في الدولة ومدى كفاءتها.
الفصل الثاني: مظاهر التعاون والرقابة بين السلطات في النظام الدستوري الجزائري.
المبحث الأول: مظاهر التعاون بين السلطات
أن اعتماد مبدأ التعاون بين السلطات يعني بذلك أن إلية العمل هنا لا تعتمد مبدأ الفصل بين السلطات وانما مبدأ التعاون بين السلطات فتملك السلطة التشريعية في هذا النظام حق التدخل في أعمال السلطة التنفيذية وتوجيهها والتأثر فيها بمحاسبتها واستجوابها وسحب الثقة منها وفي ذات الوقت فان السلطة التنفيذية تملك من الوسائل ما يتيح لها حق التدخل في أعمال السلطة التشريعية من خلال اقتراح مشروعات قوانين عليها وان تطلب من رئيس الدولة حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة متى أدركت الوزارة أنها لا تستطيع التعامل مع المجلس.
المطلب الأول: علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية:
إن السلطة التنفيذية مجسدة هنا في شخص رئيس الجمهورية المجسد لرئاسة الدولة ووحدة الأمة الممارس للسلطتين السامية و التنظيمية في الجهاز التنفيذي وفقا للمواد 70 /72 في الدستور ثانيا في رئيس الحكومة باعتبار الرئيس التنفيذي ( ).
والمنسق الفعلي لهذه السلطة والمسؤول الحقيقي والمباشر على أنشطتها على أعمالها الحكومية سواء أمام رئيس الجمهورية الذي يعينه وينهي مهامه طبقا لاحكام المواد 77 الفقرة 05 والمادة 79 و 81 / 86 وغير من مواد دستور 96 أو أمام البرلمان لمجلسية فما هي الوسائل القانونية التي تؤثر بها السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية؟
الفرع الأول: المساهمة في التشريع
أن الميادين التي يمكن للرئيس الساعي للسلطة التنفيذية رئيس الجمهورية التي يمكن ان يشرع فيها بأوامر ترتيبا غير محددة بالرغم من أنها مقيدة من حيث الزمان أي في حالة شعور م ش و وبين دورتي البرلمان.
وفي الحالة الاستثنائية طبقا لنص المادتين 93/124 من دستور 96 والقول ان السلطة التشريعية مخولة للبرلمان أصبحت محصورة في مجالات قانونية حد دها الدستور على سبيل الحصر.
ينبغي أن يضاف إليه قول آخر وهو انه حتى في هذه المجالات المحددة لا يمكن للبرلمان الاقتصار على وضع المبادئ والقواعد العامة دون التطرق إلى التفاصيل طبقا لما هو معمول به في سن أي قانون وهذا من شانه أن يفسح الميدان واسعا أمام السلطة التنفيذية للمشاركة في التشريع من خلال ما تصدره من نصوص قانونية مراسيم وقرارات تبين وتوضح فيها كيفيات تطبيق تلك المبادئ والقواعد وتطبيق القوانين من صلاحيات الحكومة طبقا للمادة 125 من الدستور.( )
الفرع الثاني: الاعتراض على القوانين
إن الاعتراض على القوانين ولا سيما افتراض القوانين التي يقترحها أعضاء المجلس الشعبي الوطني وحدهم دون غيرهم لان أعضاء الفرقة الثانية ليس لهم الحق لا سيما اقتراحات القوانين التي يتقدم بها نواب م ش و بمقتضى كل من الدستور والقانون العضوي المتعلق بتنظيم غرفتي البرلمان وعملها وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة.
ولقد أجاز الدستور الساري المفعول لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كل فيما يخصه الاعتراض على القوانين لا سيما تلك المتأتية من البرلمان في شكل افتراظات قوانية سواء تعلقت بمواضيع خاصة كالنفقات العمومية و الحالية و الميزانية أو بغيرها من المواضيع العامة فالمادة 127 من الدستور تنص على انه يمكن لرئيس الجمهورية طلب إجراء مداولة ثانية في قانون تم التصويت عليه من قبل البرلمان في غضون 30 يوما الموالية لتاريخ إقراره وفي هذه الحالة يتم إقرار القانون المعني بالقراءة أو المداولة الثانية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني ( )
إن الاعتراض وان كان حقا لكل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية حق دستوري على النحو المذكور أعلاه فهو ليس حق مطلق بل هو حق مقيد بقيود محددة دستورية منها:
لا يكون الاعتراض على القوانين إلا إذا سنت أو شرعت في المجالات أو الميادين التنظيمية التي تعود لرئيس الحكومة بحكم الدستور أي إلا إذا شملت موضوعا من مواضيع القانون المخصصة دستورا أو كانت قوانين عادية وتحمل في طياتها أحكاما ومواضيع من اختصاص القوانين العضوية أو كانت تهدف من خلال مضامينها التخفيض من الموارد العمومية أو الزيادة في النفقات العمومية أو كانت أصلا غير مطابقة للدستور.
المطلب الثاني: علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية
الفرع الأول: مناقشة برنامج الحكومة.
تنشأ للعلاقة بين البرلمان بغرفتيه والحكومة بشان برنامج الحكومة من خلال ما قررته المادة 80 من الدستور التي تلزم رئيس الحكومة بان يقدم برنامج حكومته إلى م ش و لمناقشته ويقدم عرض عن البرنامج لمجلس الأمة.( ).
ويعرض رئيس الحكومة برنامجه على المجلس الشعبي الوطني خلال 45 يوما الموالية للتعيين الحكومة وتتم مناقشته من قبل نواب المجلس الشعبي الوطني الذي يمنح مهلة 7 أيام من تاريخ تبليغه للنواب ثم يقدم رئيس الحكومة عرضا لمجلس الأمة خلال 10 أيام من موافقة المجلس الشعبي الوطني ويجوز لمجلس الأمة أن يصدر لائحة بعد مناقشته موقفه من قبل 20 عضوا في مجلس الأمة
الفرع الثاني: بيان السياسية العامة للحكومة
تقدم الحكومة سنويا ابتداءا من المصادقة على برنامجها من قبل المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة تتناول فيه ما أنجزته من البرنامج طبقا للمادة 84 من الدستور وتعقب بيان السياسة العامة مناقشة تتمحور حول خطة عمل الحكومة ومدى التزامها بالبرنامج المصادق عليه ويمكن أن تختم هذه المناقشة بلائحة تقدم خلال 72 ساعة الموالية لاختتام المناقشة مع ضرورة توفر الشروط التالية من اللائحة
- يجب أن توقع من طرف 20 نائبا وتودع لدى مكتب المجلس.
- لا يمكن أن يوقع النائب الواحد على اكثر من اقتراح لائحة
- تعرض اقتراحات اللوائح للتصويت في حالة تعددها حسب تاريخ إيداعها.
- بمصادقة المجلس الشعبي الوطني على إحدى اللوائح بالأغلبية تصبح اللوائح الأخرى ملغاة.( )
المطلب الثالث: علاقة السلطة القضائية بالسلطتين التشريعية والتنفيذية
الفرع الأول: العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة التشريعية
إذا كانت السلطة التشريعية هي الهيئة الدستورية المسندة إليها مهمة تشريع القوانين المختلفة ال