بسم الله الرحمن الرحيم
تحديات التغيرات المناخية
من كيوتو الي مونتريال
دكتور / محسن زهران
أستاذ التخطيط – جامعة الإسكندرية
عقد في بداية ديسمبر الحالي في مدينة مونتريال بكندا ولمدة أسبوعين مؤتمر الأمم المتحدة عن التغيرات المناخية ، لمناقشة التغير المناخي الملحوظ حول العالم والمتسبب في تأزم ظاهرة الاحتباس الحراري ، والعمل علي التوصل الي توجه موحد بين وفود 190 دولة مشاركة ، وبلورة موقف فعال وسياسة مستدامة0 ذلك أن عام 2012هو موعد انتهاء بروتوكول كيوتو الذي تم التوصل إليه في التسعينات لمواجه التحديات والتهديدات والمخاطر الناجمة من ظاهرة الانبعاث الغازي والاحتباس الحراري 0
ولقد واجه المشاركون مصاعب كثيرة لإقرار صيغة توفيقية بسبب معارضة الدول الصناعية الكبري ، خاصة الولايات المتحدة ، والتي رفضت التوقيع علي بروتوكول كيوتو لآثاره السلبية علي الإنتاج الصناعي واستخدام المركبات المختلفة ، والتي تمثل الغازات الملوثة المنبعثة منها وخاصة ثاني أكسيد الكربون حوالي 25% من إجمالي الإنبعاثات الغازية حول العالم 0 وفي الساعات الأخيرة وبعد أسبوعين من النقاش وتأزم المواقف توصل المؤتمر الي صيغة موحدة وقاعدة مرنة مشتركة لمواجه التلوث اعتمدتها جميع الدول وصولا الي مواجهة التحديات المناخية التي تهدد البشرية جمعاء بعواقب وخيمة وكوارث عظيمة 0
ولقد نصت اتفاقية كيوتو علي التزام الدول الموقعة عليها بالتحكم بدءا من عام 2008 وحتى 2012 في معدلات الانبعاثات الغازية الصادرة عن النشاطات الصناعية وآلات الاحتراق في المركبات وغيرها ، بحيث لا تزيد عن المستويات المسجلة في عام 1994 0 ولقد أقرت 127 دولة برتوكول كيوتو من ضمنهـا مصـر ، والتي أقرها مجلس الشعب في بداية 2005 0إلا أن الولايات المتحدة لا زالت مصرة علي عدم التوقيع وعدم الالتزام بكيوتو وهي أكبر دولة ملوثة ، رغم موافقة الاتحاد السوفيتي عليها العام الماضي فقط ، وتشترط الاتفاقية علي أن تفعيل الاتفاقية يبدأ فور توقيع 55% من الدول الصناعية عليها خاصة أمريكا وروسيا، وهكذا يظل التحكم والاحتباس الحراري شبه مجمد أو معطل مما يزيد تأزم الموقف المناخي وزيادة الاحتباس الحراري وتعاظم الكوارث والمخاطر علي مناخ الأرض والإنسان 0
وقد انقسمت مواقف وفود المائة وتسعين دولة المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في مونتريال هذا الشهر، والذي اشتركت فيه مصر رسميا بوفد رأسه وزير البيئة – ماجد جورج – الي ثلاثة توجهات : الأول يشمل ثلاثين من الدول الصناعية الموقعة والملتزمة ببروتوكول كيوتو ، والثاني للدول الصناعية الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل ، والتي تنعم حاليا بمعدلات نمو اقتصادي وتقدم صناعي مرتفعة تزيد عن 8% سنويا ، وهي مهتمة باعتماد الوسائل والطرق المختلفة للتحكم في التلوث الناتج عن الغازات المنبعثة بدون إبطاء لعجلة التوسع النشط في التنمية الصناعية والاقتصادية ، والثالث يشمل دول العالم الثالث النامي النائم والتي تقل الانبعاثات الغازية الملوثة الصادرة منها عن المعدلات العالمية نظرا لتخلف تقنيات التقدم وبطء معدل النمو الاقتصادي وقصور النشاط الصناعي بها 0 وهذه الدول يمكن أن تبيع شهادات انخفاض الأنبعاثات فيها الي الدول الصناعية النشطة ذات المعدلات المرتفعة بمقابل مادي 0 ويمكن لمصر الاستفادة من هذه الميزة ، بعد أن تم إقرار الاتفاقية هذا العام ، ببيع الشهادات الي الدول ذات المعدلات العالية مما يعود عليها بعائد مالي يزيد عن 20 مليون دولار سنويا 0 كما أن التوقيع علي الاتفاقية سيتيح لمصر نقل التكنولوجيا النظيفة والاستفادة من الخبرات والإمكانات والمعلومات المتقدمة للتحكم في الإنبعاثات في أنشطتها الصناعية وكذلك بالنسبة لآلات الاحتراق بالمركبات باستخدام الوقود النظيف 0
إن الموقف العالمي الحالي للإنبعاثات الغازية والاحتباس الحراري قد أسهم بشكل ملحوظ في تغيير مناخ الأرض ورفع درجة حرارة المحيطات والبحار ، ولقد حذر علماء مركز الفضاء الأمريكيNASA وأنذر الخبراء بزيادة واستمرار تدهور الموقف علي وحول الأرض ، وأن معدل ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي في ازدياد مستمر ، مما سيؤدي مآلا ولا محالة الي اختفائهما تماما في نهاية هذا القرن نتيجة الزيادة السنوية المطردة في الانبعاثات الغازية ، ومن ثم الارتفاع التدريجى والمستمر لدرجة حرارة الأرض 0
إن مظاهر ودلائل التغير المناخي والاحتباس الحراري الخطير نعيشها ونرى تأثيرها المدمر ووقعها المؤثر متضاعفا عاما بعد عام في أنحاء المعمورة ، وهو يشمل التحديات والمخاطر الطبيعية الآتية :
- ان استمرار التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الجو وتفاقم مشكلة الاحتباس الحراري قد تسبب فى انتشار ظاهرة الصوبة الجوية في مختلف قارات العالم0 فنحن فى مركب واحدة نتقاسم نفس المصير والويلات العاصفة بالقرية الكونية 0
- زيادة كم ونوع الكوارث الطبيعية السنوية حول الكرة الأرضية مثل الفيضانات العارمة في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا 0
- زيادة عدد وشدة الإعصارات الخطيرة ، كما حدث هذا العام بسبب اعصار كاترينا وأعصار ريتا بأمريكا ومانتج عنها من كوارث وفيضانات ودمار وألوف الضحايا , وقبل ذلك موجة المد العاتية التسونامى التى عصفت بجنوبى شرق آسيا,مخلفة بعدها الدمار والهلاك والتشريد فى اندونيسيا, وتايلاندا, وسيريلانكا,والهند, وماليزيا وغيرها. --أستمرار ذوبان طبقات الجليد فى القطبين الشمالي والجنوبي وكذلك ذوبان وانهيار جبال الثليج العائمة في الشمال مما ينتج عنه مباشرة ارتفاع فى منسوب المياه في المحيطات والبحار ، وتهديد الحياة البحرية والجوية، الأمر الذي سينتج عنه أيضا إغراق السواحل المنخفضة ودلتا عدة انهار ، وما يستتبعه من دمار واختفاء العديد من المدن و القري الساحلية وتشريد الآلاف وضياع الكيانات العمرانية والطبيعية 0
- انتشار حرائق الغابات واحتراق آلاف الهكتارات من الأشجار التي تعتبر المصدر الرئيسي للأكسجين اللازم لاستمرار حياة الإنسان والحيـوان والنبـات ، كما شاهدنا في أمريكا وأوروبا وآسيا وأفريقيا 0
- انتشار ظاهرة التصحر واختفاء آلاف الهكتارات من المراعي والغابات والأراضي الزراعية المنتجة تحت كثبان الرمال المتحركة بسبب التغير المناخي ، وزيادة ارتفاع درجة حرارة الأرض وندرة سقوط الأمطار مما يهدد الحيـاة الحيوانـية ، والموارد الطبيعية ، والأراضي الزراعية الخصبة والمنتجة، مصدر رزق الملايين في أفريقيا وآسيا والأمريكتين0
- زيادة عدد وقوة الزلازل وتوابعها حول الأرض في القارات وتحت قاع المحيطات بالإضافة الي ثورات البراكين المدمرة في مختلف مناطق العالم ، مما يتسبب في الدمار والتشريد والتلوث ومئات الآلاف من الضحايا 0 ولا زالت آثار هذه الكوارث المريعة حية في الأذهان وصاعقة للوجدان وطاحنة للإنسان خاصة ما حدث مؤخرا في باكستان وإيران وتركيا واليونان وغيرها.
- استمرار واتساع ثقوب الأوزون ، خاصة فوق القطب الشمالي مما يهدد حياة وصحة الإنسان والحيوان والنبات في مختلف أرجاء العالم ويخل بالتوازن البيئي والدورة الحياتية الطبيعيةالمغلقة ويفجر الكوارث البيئية والتغيرات المناخية المهلكة 0
وبرغم أن الولايات المتحدة هي أكبر الدول المسببة لهذا التغير المناخي المهدد لمختلف مناحي الحياة ، لا زالت تصر علي رفض التوقيع علي كيوتو وتضع العراقيل أمام إجماع الدول في مونتريال ، إلا أن مراكز الأبحاث والعلماء بجامعاتها قد أكدوا أن التغير المناخي والاحتباس الحراري الناتج عنه سيتسبب في حدوث كوارث مدمرة حول الأرض ، وحذروا بأن الزيادة السنوية المستمرة لإنبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وهي ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والميثان والتي ستعجل لا مناص من انفجار القنبلة الموقوتة للدمار والضياع والهلاك ، بقوة ساحقة وتوابع ماحقة لا تبقي ولا تذر ، أشد بكثير و أدهي وأمر من تأثير أسلحة الدمار الشامل سواء نووية أو كيماوية وبيولوجية.
إنه لأمر محير لا يقبله أي عقل ويرفضه أي منطق, ذلك أن الدول الصناعية الكبري التي تنادي بالحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص ، وتؤكد علي ضرورة سيادة القانون وحقوق الأنسان والعلم والمنطق والسلام والحضارة والمدنية، تعاني من ازدواج المعايير، فهي نفسها التي تصر علي عدم الالتزام بكيوتو أو مونتريال ، وهي المسببة للاحتباس الحراري وما يتبعه من كوارث تهدد الغالبية العظمي من سكان العالم البالغ عددهم 6.5 مليار نسمة والمتوقع زيادته الي تسعة مليارات بعد ثلاثين عاما ، وإذا استمر الإهمال وبقيت الأحوال علي ما هي عليه فلن يجد الإنسان خلال العقود القادمة سكنا يحميه أو طعاما يأكله أو ماءا نقيا يشربه 0
وقد يعجب الإنسان من أن المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة قد أغفلت أو أهملت سواء في كيوتو أو مونتريال أو غيرها من المؤتمرات الدولية والإقليمية الأخري مثل قمة الأرض في ريودي جانيرو أو جوهانسبرج ، أن هناك كوارث ودواهي ومخاطر أخرى تهدد الإنسانية كالإحتباس الحراري بل أعظم وأدهى وأمر, مسئولةعنها الدول الصناعية الكبري أيضا ، وتسببت في التلوث والبوار وهلاك الملايين ودمار العمران مثل أسلحة الدمار الشامل النووية والكيمائية والبيولوجية التي اخترعتها واستخدمتها خلال القرن الماضي، وكذلك التلوث الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي والأخلاقي والبيئي ( تشرنوبل / الشيشان / ثري مايل ايلند 000 ) والصحي ( الايدز يحصد 9000 يوميا ويعاني منه 40 مليون نسمه معظمهم في أفريقيا والعلاج باهظ التكلفة ومتوفر فـي الغرب )... وكذلك التلوث العمراني والبصري والصوتي 0
وفى كافة أحوال وأنواع التلوث والدمار والبوار والعوار ، فإن معظم الضحايا أبرياء واغلبهم فقراء في دول العالم الفقير، المحتاج ، الجائع ، المريض المتطلع الي النماء وهو أيضا السوق الواسعة لبيع منتجات الأغنياء 0
والأمل معقود أن يحترم الجميع العهود وان يوفوا بالوعود وينضموا الي كيوتو ومونتريال لنواجه معا تحديات كوارث الاحتباس الحراري والتغير المناخي وغيرها الكثير من المنايا المهددة والمنذرة لحضارة الإنسان 0
والواجب يقضي أن نتصدي معا للمظاهر والمخاطر والمحاذير الأخرى المطبقة علي حياة الإنسان ومستقبل العمران من مظاهر التلوث وأسلحة الدمار الشامل بكافة أنواعها و أشكالها ومراميها ، من أجل مستقبل أكثرأنصافا وأمانا وأثري أخلاقا وإيمانا من أجل الحفاظ علي حياة وصحة وسعادة ورخاء الإنسان, كل الأنسان, ومستقبل الأجيال في كل مكان0
دكتور / محسن زهران
تحديات التغيرات المناخية
من كيوتو الي مونتريال
دكتور / محسن زهران
أستاذ التخطيط – جامعة الإسكندرية
عقد في بداية ديسمبر الحالي في مدينة مونتريال بكندا ولمدة أسبوعين مؤتمر الأمم المتحدة عن التغيرات المناخية ، لمناقشة التغير المناخي الملحوظ حول العالم والمتسبب في تأزم ظاهرة الاحتباس الحراري ، والعمل علي التوصل الي توجه موحد بين وفود 190 دولة مشاركة ، وبلورة موقف فعال وسياسة مستدامة0 ذلك أن عام 2012هو موعد انتهاء بروتوكول كيوتو الذي تم التوصل إليه في التسعينات لمواجه التحديات والتهديدات والمخاطر الناجمة من ظاهرة الانبعاث الغازي والاحتباس الحراري 0
ولقد واجه المشاركون مصاعب كثيرة لإقرار صيغة توفيقية بسبب معارضة الدول الصناعية الكبري ، خاصة الولايات المتحدة ، والتي رفضت التوقيع علي بروتوكول كيوتو لآثاره السلبية علي الإنتاج الصناعي واستخدام المركبات المختلفة ، والتي تمثل الغازات الملوثة المنبعثة منها وخاصة ثاني أكسيد الكربون حوالي 25% من إجمالي الإنبعاثات الغازية حول العالم 0 وفي الساعات الأخيرة وبعد أسبوعين من النقاش وتأزم المواقف توصل المؤتمر الي صيغة موحدة وقاعدة مرنة مشتركة لمواجه التلوث اعتمدتها جميع الدول وصولا الي مواجهة التحديات المناخية التي تهدد البشرية جمعاء بعواقب وخيمة وكوارث عظيمة 0
ولقد نصت اتفاقية كيوتو علي التزام الدول الموقعة عليها بالتحكم بدءا من عام 2008 وحتى 2012 في معدلات الانبعاثات الغازية الصادرة عن النشاطات الصناعية وآلات الاحتراق في المركبات وغيرها ، بحيث لا تزيد عن المستويات المسجلة في عام 1994 0 ولقد أقرت 127 دولة برتوكول كيوتو من ضمنهـا مصـر ، والتي أقرها مجلس الشعب في بداية 2005 0إلا أن الولايات المتحدة لا زالت مصرة علي عدم التوقيع وعدم الالتزام بكيوتو وهي أكبر دولة ملوثة ، رغم موافقة الاتحاد السوفيتي عليها العام الماضي فقط ، وتشترط الاتفاقية علي أن تفعيل الاتفاقية يبدأ فور توقيع 55% من الدول الصناعية عليها خاصة أمريكا وروسيا، وهكذا يظل التحكم والاحتباس الحراري شبه مجمد أو معطل مما يزيد تأزم الموقف المناخي وزيادة الاحتباس الحراري وتعاظم الكوارث والمخاطر علي مناخ الأرض والإنسان 0
وقد انقسمت مواقف وفود المائة وتسعين دولة المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في مونتريال هذا الشهر، والذي اشتركت فيه مصر رسميا بوفد رأسه وزير البيئة – ماجد جورج – الي ثلاثة توجهات : الأول يشمل ثلاثين من الدول الصناعية الموقعة والملتزمة ببروتوكول كيوتو ، والثاني للدول الصناعية الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل ، والتي تنعم حاليا بمعدلات نمو اقتصادي وتقدم صناعي مرتفعة تزيد عن 8% سنويا ، وهي مهتمة باعتماد الوسائل والطرق المختلفة للتحكم في التلوث الناتج عن الغازات المنبعثة بدون إبطاء لعجلة التوسع النشط في التنمية الصناعية والاقتصادية ، والثالث يشمل دول العالم الثالث النامي النائم والتي تقل الانبعاثات الغازية الملوثة الصادرة منها عن المعدلات العالمية نظرا لتخلف تقنيات التقدم وبطء معدل النمو الاقتصادي وقصور النشاط الصناعي بها 0 وهذه الدول يمكن أن تبيع شهادات انخفاض الأنبعاثات فيها الي الدول الصناعية النشطة ذات المعدلات المرتفعة بمقابل مادي 0 ويمكن لمصر الاستفادة من هذه الميزة ، بعد أن تم إقرار الاتفاقية هذا العام ، ببيع الشهادات الي الدول ذات المعدلات العالية مما يعود عليها بعائد مالي يزيد عن 20 مليون دولار سنويا 0 كما أن التوقيع علي الاتفاقية سيتيح لمصر نقل التكنولوجيا النظيفة والاستفادة من الخبرات والإمكانات والمعلومات المتقدمة للتحكم في الإنبعاثات في أنشطتها الصناعية وكذلك بالنسبة لآلات الاحتراق بالمركبات باستخدام الوقود النظيف 0
إن الموقف العالمي الحالي للإنبعاثات الغازية والاحتباس الحراري قد أسهم بشكل ملحوظ في تغيير مناخ الأرض ورفع درجة حرارة المحيطات والبحار ، ولقد حذر علماء مركز الفضاء الأمريكيNASA وأنذر الخبراء بزيادة واستمرار تدهور الموقف علي وحول الأرض ، وأن معدل ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي في ازدياد مستمر ، مما سيؤدي مآلا ولا محالة الي اختفائهما تماما في نهاية هذا القرن نتيجة الزيادة السنوية المطردة في الانبعاثات الغازية ، ومن ثم الارتفاع التدريجى والمستمر لدرجة حرارة الأرض 0
إن مظاهر ودلائل التغير المناخي والاحتباس الحراري الخطير نعيشها ونرى تأثيرها المدمر ووقعها المؤثر متضاعفا عاما بعد عام في أنحاء المعمورة ، وهو يشمل التحديات والمخاطر الطبيعية الآتية :
- ان استمرار التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الجو وتفاقم مشكلة الاحتباس الحراري قد تسبب فى انتشار ظاهرة الصوبة الجوية في مختلف قارات العالم0 فنحن فى مركب واحدة نتقاسم نفس المصير والويلات العاصفة بالقرية الكونية 0
- زيادة كم ونوع الكوارث الطبيعية السنوية حول الكرة الأرضية مثل الفيضانات العارمة في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا 0
- زيادة عدد وشدة الإعصارات الخطيرة ، كما حدث هذا العام بسبب اعصار كاترينا وأعصار ريتا بأمريكا ومانتج عنها من كوارث وفيضانات ودمار وألوف الضحايا , وقبل ذلك موجة المد العاتية التسونامى التى عصفت بجنوبى شرق آسيا,مخلفة بعدها الدمار والهلاك والتشريد فى اندونيسيا, وتايلاندا, وسيريلانكا,والهند, وماليزيا وغيرها. --أستمرار ذوبان طبقات الجليد فى القطبين الشمالي والجنوبي وكذلك ذوبان وانهيار جبال الثليج العائمة في الشمال مما ينتج عنه مباشرة ارتفاع فى منسوب المياه في المحيطات والبحار ، وتهديد الحياة البحرية والجوية، الأمر الذي سينتج عنه أيضا إغراق السواحل المنخفضة ودلتا عدة انهار ، وما يستتبعه من دمار واختفاء العديد من المدن و القري الساحلية وتشريد الآلاف وضياع الكيانات العمرانية والطبيعية 0
- انتشار حرائق الغابات واحتراق آلاف الهكتارات من الأشجار التي تعتبر المصدر الرئيسي للأكسجين اللازم لاستمرار حياة الإنسان والحيـوان والنبـات ، كما شاهدنا في أمريكا وأوروبا وآسيا وأفريقيا 0
- انتشار ظاهرة التصحر واختفاء آلاف الهكتارات من المراعي والغابات والأراضي الزراعية المنتجة تحت كثبان الرمال المتحركة بسبب التغير المناخي ، وزيادة ارتفاع درجة حرارة الأرض وندرة سقوط الأمطار مما يهدد الحيـاة الحيوانـية ، والموارد الطبيعية ، والأراضي الزراعية الخصبة والمنتجة، مصدر رزق الملايين في أفريقيا وآسيا والأمريكتين0
- زيادة عدد وقوة الزلازل وتوابعها حول الأرض في القارات وتحت قاع المحيطات بالإضافة الي ثورات البراكين المدمرة في مختلف مناطق العالم ، مما يتسبب في الدمار والتشريد والتلوث ومئات الآلاف من الضحايا 0 ولا زالت آثار هذه الكوارث المريعة حية في الأذهان وصاعقة للوجدان وطاحنة للإنسان خاصة ما حدث مؤخرا في باكستان وإيران وتركيا واليونان وغيرها.
- استمرار واتساع ثقوب الأوزون ، خاصة فوق القطب الشمالي مما يهدد حياة وصحة الإنسان والحيوان والنبات في مختلف أرجاء العالم ويخل بالتوازن البيئي والدورة الحياتية الطبيعيةالمغلقة ويفجر الكوارث البيئية والتغيرات المناخية المهلكة 0
وبرغم أن الولايات المتحدة هي أكبر الدول المسببة لهذا التغير المناخي المهدد لمختلف مناحي الحياة ، لا زالت تصر علي رفض التوقيع علي كيوتو وتضع العراقيل أمام إجماع الدول في مونتريال ، إلا أن مراكز الأبحاث والعلماء بجامعاتها قد أكدوا أن التغير المناخي والاحتباس الحراري الناتج عنه سيتسبب في حدوث كوارث مدمرة حول الأرض ، وحذروا بأن الزيادة السنوية المستمرة لإنبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وهي ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والميثان والتي ستعجل لا مناص من انفجار القنبلة الموقوتة للدمار والضياع والهلاك ، بقوة ساحقة وتوابع ماحقة لا تبقي ولا تذر ، أشد بكثير و أدهي وأمر من تأثير أسلحة الدمار الشامل سواء نووية أو كيماوية وبيولوجية.
إنه لأمر محير لا يقبله أي عقل ويرفضه أي منطق, ذلك أن الدول الصناعية الكبري التي تنادي بالحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص ، وتؤكد علي ضرورة سيادة القانون وحقوق الأنسان والعلم والمنطق والسلام والحضارة والمدنية، تعاني من ازدواج المعايير، فهي نفسها التي تصر علي عدم الالتزام بكيوتو أو مونتريال ، وهي المسببة للاحتباس الحراري وما يتبعه من كوارث تهدد الغالبية العظمي من سكان العالم البالغ عددهم 6.5 مليار نسمة والمتوقع زيادته الي تسعة مليارات بعد ثلاثين عاما ، وإذا استمر الإهمال وبقيت الأحوال علي ما هي عليه فلن يجد الإنسان خلال العقود القادمة سكنا يحميه أو طعاما يأكله أو ماءا نقيا يشربه 0
وقد يعجب الإنسان من أن المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة قد أغفلت أو أهملت سواء في كيوتو أو مونتريال أو غيرها من المؤتمرات الدولية والإقليمية الأخري مثل قمة الأرض في ريودي جانيرو أو جوهانسبرج ، أن هناك كوارث ودواهي ومخاطر أخرى تهدد الإنسانية كالإحتباس الحراري بل أعظم وأدهى وأمر, مسئولةعنها الدول الصناعية الكبري أيضا ، وتسببت في التلوث والبوار وهلاك الملايين ودمار العمران مثل أسلحة الدمار الشامل النووية والكيمائية والبيولوجية التي اخترعتها واستخدمتها خلال القرن الماضي، وكذلك التلوث الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي والأخلاقي والبيئي ( تشرنوبل / الشيشان / ثري مايل ايلند 000 ) والصحي ( الايدز يحصد 9000 يوميا ويعاني منه 40 مليون نسمه معظمهم في أفريقيا والعلاج باهظ التكلفة ومتوفر فـي الغرب )... وكذلك التلوث العمراني والبصري والصوتي 0
وفى كافة أحوال وأنواع التلوث والدمار والبوار والعوار ، فإن معظم الضحايا أبرياء واغلبهم فقراء في دول العالم الفقير، المحتاج ، الجائع ، المريض المتطلع الي النماء وهو أيضا السوق الواسعة لبيع منتجات الأغنياء 0
والأمل معقود أن يحترم الجميع العهود وان يوفوا بالوعود وينضموا الي كيوتو ومونتريال لنواجه معا تحديات كوارث الاحتباس الحراري والتغير المناخي وغيرها الكثير من المنايا المهددة والمنذرة لحضارة الإنسان 0
والواجب يقضي أن نتصدي معا للمظاهر والمخاطر والمحاذير الأخرى المطبقة علي حياة الإنسان ومستقبل العمران من مظاهر التلوث وأسلحة الدمار الشامل بكافة أنواعها و أشكالها ومراميها ، من أجل مستقبل أكثرأنصافا وأمانا وأثري أخلاقا وإيمانا من أجل الحفاظ علي حياة وصحة وسعادة ورخاء الإنسان, كل الأنسان, ومستقبل الأجيال في كل مكان0
دكتور / محسن زهران