المراد من الأعراف
قال الله تعالى في سورة الأعراف { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين و نادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } (1) جاء في تفسير قوله تعالى { وعلى الأعراف رجال } ما المراد من هؤلاء الرجال عدة أقول نذكرها أو بعضها بعد بيان معنى الأعراف .
معنى الأعراف لغة: قال الخازن في تفسيره (الأعراف: جمع عرف وهو كل ما ارتفع من الأرض ومنه قيل عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من الجسد سمي بذلك لأنه بسبب ارتفاعه صار أعرف وأبين مما انخفض وقال السدي: إنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس) (2) فيكون الأعراف المذكور في الآية هو الشيء المرتفع المشرف كأن يكون جبلا بين الجنة والنار كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما .
آراء العلماء في صفة رجال الأعراف :
وقد اختلف العلماء في صفة الرجال الذين أخبر الله عنهم أنهم على الأعراف فقال بعضهم: أنهم أناس استوت حسناتهم وسيئاتهم وقد استندوا :
أ - إلى ما ورد عن حذيفة وابن عباس وابن مسعود فيما ذكره البغوي في تفسيره رواية عن حذيفة وابن عباس : أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته وهم آخر من يدخل الجنة (3) .
ب - واستندوا أيضا إلى ما رواه البغوي عن ابن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون .... } (4) (5) .
ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح ثم قال فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } إلى أن يقول { وكانوا آخر أهل الجنة دخولا } ثم ذكر البغوي أقوالا أخرى تدور حول هذا المعنى وهو أن أهل الأعراف هم رجال استوت حسناتهم وسيئاتهم .
قول الحسن في أهل الأعراف:
ثم ذكر البغوي قولا للحسن: وهو أن أهل الأعراف هم رجال من أهل الفضل من المؤمنين علوا على الأعراف فيطلعون على أهل الجنة وأهل النار جميعا ويطالعون أحوال الفريقين (6) .
الترجيح :
والذي يرجح القول الأخير هو عدة أمور منها:
أولا: إن الذي يقرأ الآيات ويتمعن في سياقها وأسلوبها ليرى من خلال كلام أهل الأعراف وخطابهم أنهم أناس مفوضون فوق المؤمنين لينادوا الطرفين فيوبخوا أهل النار ويكرموا أهل الجنة انظر إلى قولهم في الآيات { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } وانظر إلى دعائهم لأهل الجنة بالسلامة { أن سلام عليكم } فإنه لا يتفق هذا الأسلوب من الخطاب وهذه المنزلة التي هم فيها في خوف ووجل ماذا يفعل بهم فيما لو قلنا أنهم أناس مقصرون .
ثانيا: قوله تعالى { يعرفون كلا بسيماهم } قال الإمام الرازي في تفسيره: أي يعرفون في الدنيا أهل الخير والإيمان وأهل الكفر والمعصية فهو تعالى يجلسهم على الأعراف وهي الأماكن العالية الرفيعة ليكونوا مطلعين على الكل يشهدون على كل أحد بما يليق به .
فهذه الآية دليل على أنهم أي أهل الأعراف هم أهل الفضل من المؤمنين وأشرافهم ، ولا ينبغي أن تفسر الآية هذه بأن يقال يعرفون أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياضها لأنه كما قال الرازي أيضاً لو كان المراد هو هذا لما بقي لأهل الأعراف اختصاص بهذه المعرفة لأن كل أحد من الناس يعرف هذه الأحوال من أهل الجنة وأهل النار .
وإذا قيل إن قوله تعالى: { لم يدخلوها وهم يطمعون } ينافي هذا المعنى المرجح حيث إنه تعالى بيّن أنهم لم يدخلوا الجنة وهم يطعمون بدخولها وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء والشهداء وأهل الفضل يجاب على هذا الإيراد بأنه يقال لا يبعد أنه تعالى بين أن من صفات أهل الأعراف أن دخولهم الجنة يتأخر والسبب فيه أنه ميّزهم عن أهل الجنة وأهل النار وأجلسهم على الأعراف ليشاهدوا ويطمئنوا ثم بعد ذلك يدخلون الجنة فثبت أن كونهم غير داخلين أولاً لا يمنع من شرفهم وعلو درجاتهم فالمراد من الطمع اليقين ألا ترى أنه تعالى قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } وذلك الطمع كان طمع يقين فكذا هاهنا أي : لم يدخلوها للسبب الذي بيناه وهم يطمعون طمع يقين أنهم سيدخلونها أي: يوقنون .
_________________________________
(1) سورة الأعراف الآيات 46 – 49 .
(2) تفسير الخازن الجزء الثاني ص(232) طبعة دار الفكر
(3) تفسير البغوي المعروف بعالم التنزيل المرقوم على هامش الخازن
(4) سورة المؤمنون الآية 102
(5) نفس المصدر .
(6) تفسير الرازي التفسير الكبيرـ ج5 ص(248) و(249) طبعة دار إحياء التراث العربي إعداد مكتب التحقيق
بقلم: أحمد رشواني
جميع الحقوق محفوظة لموقع عالم القرآن الكريم
قال الله تعالى في سورة الأعراف { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين و نادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } (1) جاء في تفسير قوله تعالى { وعلى الأعراف رجال } ما المراد من هؤلاء الرجال عدة أقول نذكرها أو بعضها بعد بيان معنى الأعراف .
معنى الأعراف لغة: قال الخازن في تفسيره (الأعراف: جمع عرف وهو كل ما ارتفع من الأرض ومنه قيل عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من الجسد سمي بذلك لأنه بسبب ارتفاعه صار أعرف وأبين مما انخفض وقال السدي: إنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس) (2) فيكون الأعراف المذكور في الآية هو الشيء المرتفع المشرف كأن يكون جبلا بين الجنة والنار كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما .
آراء العلماء في صفة رجال الأعراف :
وقد اختلف العلماء في صفة الرجال الذين أخبر الله عنهم أنهم على الأعراف فقال بعضهم: أنهم أناس استوت حسناتهم وسيئاتهم وقد استندوا :
أ - إلى ما ورد عن حذيفة وابن عباس وابن مسعود فيما ذكره البغوي في تفسيره رواية عن حذيفة وابن عباس : أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته وهم آخر من يدخل الجنة (3) .
ب - واستندوا أيضا إلى ما رواه البغوي عن ابن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون .... } (4) (5) .
ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح ثم قال فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } إلى أن يقول { وكانوا آخر أهل الجنة دخولا } ثم ذكر البغوي أقوالا أخرى تدور حول هذا المعنى وهو أن أهل الأعراف هم رجال استوت حسناتهم وسيئاتهم .
قول الحسن في أهل الأعراف:
ثم ذكر البغوي قولا للحسن: وهو أن أهل الأعراف هم رجال من أهل الفضل من المؤمنين علوا على الأعراف فيطلعون على أهل الجنة وأهل النار جميعا ويطالعون أحوال الفريقين (6) .
الترجيح :
والذي يرجح القول الأخير هو عدة أمور منها:
أولا: إن الذي يقرأ الآيات ويتمعن في سياقها وأسلوبها ليرى من خلال كلام أهل الأعراف وخطابهم أنهم أناس مفوضون فوق المؤمنين لينادوا الطرفين فيوبخوا أهل النار ويكرموا أهل الجنة انظر إلى قولهم في الآيات { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } وانظر إلى دعائهم لأهل الجنة بالسلامة { أن سلام عليكم } فإنه لا يتفق هذا الأسلوب من الخطاب وهذه المنزلة التي هم فيها في خوف ووجل ماذا يفعل بهم فيما لو قلنا أنهم أناس مقصرون .
ثانيا: قوله تعالى { يعرفون كلا بسيماهم } قال الإمام الرازي في تفسيره: أي يعرفون في الدنيا أهل الخير والإيمان وأهل الكفر والمعصية فهو تعالى يجلسهم على الأعراف وهي الأماكن العالية الرفيعة ليكونوا مطلعين على الكل يشهدون على كل أحد بما يليق به .
فهذه الآية دليل على أنهم أي أهل الأعراف هم أهل الفضل من المؤمنين وأشرافهم ، ولا ينبغي أن تفسر الآية هذه بأن يقال يعرفون أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياضها لأنه كما قال الرازي أيضاً لو كان المراد هو هذا لما بقي لأهل الأعراف اختصاص بهذه المعرفة لأن كل أحد من الناس يعرف هذه الأحوال من أهل الجنة وأهل النار .
وإذا قيل إن قوله تعالى: { لم يدخلوها وهم يطمعون } ينافي هذا المعنى المرجح حيث إنه تعالى بيّن أنهم لم يدخلوا الجنة وهم يطعمون بدخولها وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء والشهداء وأهل الفضل يجاب على هذا الإيراد بأنه يقال لا يبعد أنه تعالى بين أن من صفات أهل الأعراف أن دخولهم الجنة يتأخر والسبب فيه أنه ميّزهم عن أهل الجنة وأهل النار وأجلسهم على الأعراف ليشاهدوا ويطمئنوا ثم بعد ذلك يدخلون الجنة فثبت أن كونهم غير داخلين أولاً لا يمنع من شرفهم وعلو درجاتهم فالمراد من الطمع اليقين ألا ترى أنه تعالى قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } وذلك الطمع كان طمع يقين فكذا هاهنا أي : لم يدخلوها للسبب الذي بيناه وهم يطمعون طمع يقين أنهم سيدخلونها أي: يوقنون .
_________________________________
(1) سورة الأعراف الآيات 46 – 49 .
(2) تفسير الخازن الجزء الثاني ص(232) طبعة دار الفكر
(3) تفسير البغوي المعروف بعالم التنزيل المرقوم على هامش الخازن
(4) سورة المؤمنون الآية 102
(5) نفس المصدر .
(6) تفسير الرازي التفسير الكبيرـ ج5 ص(248) و(249) طبعة دار إحياء التراث العربي إعداد مكتب التحقيق
بقلم: أحمد رشواني
جميع الحقوق محفوظة لموقع عالم القرآن الكريم