تعريف الامتيازات
مجموعة الصلاحيات العرفية المضمنة أحيانا في قانون والتي يمتع بها حاكم ما ( الملك أو الرئيس، على سبيل المثال ) والتي لا تخضع إلى كبح أو نقض أو مراقبة من المحاكم على الرغم من أن هذه السلطات إذا مورست على نحو اعتباطي في دولة دستورية تؤدي دوما تقريبا إلى مشكلات سياسية . ويمكن نقل الصلاحيات الامتيازية في الواقع إلى أشخاص آخرين .
/ الامتيازات التي كانت تمنح للأجانب اعتباطاً بسخاء وكرم لا مبرر لهما بل كانت تمثل التفريط بحق الوطن في اقبح صورة ، فقد منحت الدولة العثمانية ، وهي في أوج عظمتها وسلطانها ، امتيازات لدول أجنبية جعلتها شبة شريكة معها في حكم البلاد . ولا أرى سبباً لهذا الاستهتار ألا الجهل وعدم تقدير الأمور قدرها الحقيقي وتقدير قوة ودهاء الدول التي منحت هذه الامتيازات والعاقل لا يستهين بعدوه مهما كان صغيراً وضعيفاً .
وهي من التساهلات التي يمكن أن تعد أخطاء نظراً لنتائجها التي ظهرت بعد حين وقد منحت تلك الحقوق للأجانب أولاً ثم لبعض السكان المحليين فيما بعد وقد أراد السلطان سليمان القانوني أن يعيد الطريق التجاري إلى البحر المتوسط بعد أن تحولت إلى رأس الرجاء الصالح وذلك بإعطاء امتيازات وعقد معاهدات مع الإيطاليين ثم الفرنسيين والإنكليز ليشجعهم على الإبحار عن هذه الطريق ولكن أولئك النصارى جميعاً كانوا يبدون للسلطان رغبتهم في التحول ويعملون على الكيد له في الخفاء . هذه الاتفاقيات ظنها السلطان سليمان لا قيمة لها ما دامت القوة بيده حيث يلغيها متى شاء ويمنحها متى أراد والواقع أن الضعف الذي أصاب الدولة قد جعل من هذه الاتفاقيات قوة لهؤلاء الأجانب أولاً ولرعاياهم النصارى من سكان ومواطني الدولة العثمانية ثانياً . وكانت الامتيازات في البدء بسيطة ولكن نجم عنها تعقيدات كثيرة فيما بعد .
( منظمة التجارة العالمية الآن بقوانييها التي سوف تحكم العالم تجعل من حق الشركات أن تقيم مصانعها في أية بقعة من العالم،وأن تأتي بالعمالة الرخيصة من أيه بقعة من العالم،وأن تخرج عوائدها إلى البلد الذي تريد ومن البلد الذي تريد…
وقد حولت الامتيازات إلى اتفاقات ثنائية فأصبح بإمكان السفن الفرنسية دخول الموانئ العثمانية تحت حماية العلم الفرنسي ومنح الزوار حرية زيارة الأماكن المقدسة والإشراف عليها وحرية ممارسة الطقوس الدينية هناك . ثم أصبح مع مرور الزمن وكأنها حقوق مكتسبة ثم توسعت وشملت بعض السكان المحليين كالإعفاء من الضرائب والاستثناء من سلطة المحاكم الشرعية العثمانية والتقاضي في محاكم خاصة سموها المحاكم المختلطة وقد لعبت دورا كبيرا فيما بعد . وأصبح لروسيا مثلاً بموجب معاهدة كينارجي حق بناء كنيسة باستانبول وحق حماية النصارى التابعين لمذهبها الأرثوذكسي من رعايا الدولة ، وفي عهد السلطان عبد المجيد تقرر منح أهالي لبنان حكومة مستقلة تحت سيادة الدولة العثمانية يكون حاكمها نصراني ويكون للباب العالي حماية مؤلفة من 300 جندي فقط ترابط على الطريق الموصل بين دمشق وبيروت ، وبذلك تشجعت أقليات أخرى ، وطالب النصارى في البوسنة بتحريض أجنبي الحصول على امتيازات فقاومتهم الدولة ولكنهم لم يركنوا للهدوء وازدادوا من عصيانهم بدعم أوروبا لهم . لقد ساعدت الامتيازات على إشعال بؤر الفتن وأربكت الدولة وشغلتها عهوداً طويلة واتخذت ذريعة لتدخل الدول بحجة حماية الرعايا وبالتالي الاحتلال والعدوان .
11/ الغرور الذي أصاب سلاطين بني عثمان الذين فتحت لهم الأرض أبوابها على مصراعيها يلجونها كما يشاءون . وإن من يقرأ كتاب الملك سليمان القانوني إلى ملك فرنساء لايجد فيه ما يشبه كتاب ملك إلى ملك أو إمبراطور عظيم إلى ملك صغير او حتى إلى أمير ، بل يجده وكأنة كتاب سيد الى مسود ومن يطالع صيغ المعاهدات ، في أوج عظمة الدولة ، وما كان يضفى فيها على سلاطين بني عثمان من ألقاب يكادون يشاركون بها الله تعالى في صفاته بينما تكون ألقاب الأباطرة والملوك عادية ، أقول إن من يطالع صيغ هذه المعاهدات يدرك إلى أي حد بلغ بهؤلاء السلاطين الجهل والغرور
12/الجيش الإنكشاري :
هو الجيش الذي أنشأه السلطان أو رخان باختيار أفراد ه من أبناء البلاد الأوروبية المفتوحة وتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي ووضعهم في ثكنات عسكرية خاصة وتدريبهم على فنون الحرب والقتال . ولقد أبلى ذلك الجيش بلاء حسنا في كافة المعارك التي خاضها العثمانيون إبان قوتهم فكانوا يندفعون كالأسود في ساحات القتال وكان لهم الفضل في ترجيح كفة النصر في المعركة الحاسمة يوم فتح القسطنطينية وغيرها من المعارك الشهيرة . ثم مع مرور الزمن بدأ الوهن يتسرب إلى صفوفهم عندما عاشوا بين المدنيين وكثرت تعدياتهم بصفتهم العسكر المختص بهم السلطان.
فما اختلط الجند بأهل المدن إلا وقد فسدت طبيعتهم وتغيرت أخلاقهم وتبدلت مهمتهم وأصبح البلاء في وجه الحكم منهم والعداء للسكان من أعمالهم وصاروا يتدخلون في شؤون الدولة وتعلقت أفئدتهم بشهوة السلطة وانغمسوا في الملذات والمحرمات وشق عليهم أن ينفروا في أوقات البرد الشديد ونظروا إلى العطايا السلطانية ومالوا إلى النهب والسلب حين غزو البلاد . فأثاروا الاضطرابات يريدون الحروب ولو كان جحيمها يصب فوق رؤوسهم ليواصلوا نهب البلاد المفتوحة، وأصبحوا ينقضون العهود ويخرقون الهدنة للذين تمت معهم عن طريق السلطان..
وبذلك نسوا الغاية التي وجدوا من أجلها . لقد كانت فاتحة أعمال السلطان مراد الثالث عام 982هـ . هي إصدار أمر بمنع شرب الخمور فهاجوا وماجوا حتى اضطروه لإباحته ضمن شروط لخوفه من نقمتهم .
وهكذا فإن الجيوش لا تهزم إلا حينما تترك عقيدتها ولا تلتزم بمبادئها .
إن وثوب الانكشارية إلى مركز القيادة في الدولة العثمانية جعلها في حالة خطيرة من الفوضى فصاروا هم الأمرون والناهون والسلطان ألعوبة بأيديهم فظهر الفساد وضاعت البلاد . ثاروا في استانبول والقاهرة وبودا ،يطالبون بإشعال الحروب حينما اقتضت المصلحة ألا تكون هناك حروباً . وقد أشار سنان باشا عام 997 هـ . إلى إشعالها بمحاربة المجرمين تحت إلحاح شديد من قبلهم وكانت النتيجة انهزام والي بودا العثماني ومقتل حسن باشا والي الهرسك وسقوط عدة قلاع عثمانية بأيدي النمسا . وفي عام 1027 هـ . حاول السلطان عثمان إبادتهم بإعداد العدة لحشد جيوش جديدة في ولايات آسيا الصغرى وتدريبها وتنظيمها ولما حاول ذلك خلعوه وقتلوه وأعادوا مصطفى الأول الذي خلعوه عام 1032 هـ .
أيضاً وهذه هي نهاية كثير من المصلحين حينما يتاح للجيوش الفاسدة أن تكتب أقدار الأمم .
واستمر الانكشارية في عهد السلطان مراد الرابع سنوات عشر سائرين في طريق الضلال سادرين في غيهم وطغيانهم فهم الذين نصبوه فالأمر والنهى يجب أن يكون لهم ما دام رأس الدولة بأيديهم . وهم الذين قاموا بقتل السلطان إبراهيم الأول خنقاً حينما حاول التخلص منهم ، وهم الذين اربكوا الدولة إذ وضعوها في حالة من الفوضى بقتلهم السلاطين وتولية أولادهم الصغار السن من بعدهم كالسلطان محمد الرابع ، فقام الإفرنج باحتلال أجزاء من البلاد فاضطر الصدر الأعظم والعلماء إلى عزله . ثم ثار الانكشارية في عهد السلطان سليمان الثاني ودخلت جيوش الأعداء بعضاً من أراضي الدولة واحتلتها . وخلع الانكشارية السلاطين مصطفى الثاني ، أحمد الثالث ، مصطفى الرابع ، إلى أن قيض الله للسلطان محمود الثاني عام 1241 هـ . التخلص منهم فقد هيأ لذلك وسلط عليهم المدفعية فدمرتهم وانتهى أمرهم .
13/ كما ان السلاطين العثمانيين تعوّد أغلبهم بعد عهود المجد والقوة أن لا يقودوا الجيوش بأنفسهم وتركوا الأمر لقواد قد يكون بعضهم غير كفء فانهزموا في مواقع كثيرة وتضاءل الحماس والحمية الدينية لغياب السلطان عن مركز قيادة الجيش كما كان يحدث سابقاً .
14/ احتجاب السلاطين وعدم ممارستهم السلطة بأنفسهم والاتكال على وزراء جهال . فقد كان سلاطين آل عثمان حتى السلطان سليم الأول يتولون قيادة الجيش بأنفسهم ، فيبعثون الحماسة والحمية في صدور الجنود ، ثم صار السلاطين يعهدون بالقيادة إلى ضباط فصار الجنود يتقاعسون ويتهاونون تبعاً للمثل القائل ’’ الناس على دين ملوكهم ‘‘
15/ وتسليم أمور الدولة إلى غير الأكفاء من الناس إذ كان طباخ القصر وبستانية وحاطبة والخصي والخادم يصلون إلى رتبة رئاسة الوزارة أو القيادة العامة للجيش . فماذا ينتظر من جاهل أن يفعل ؟
16/ زواج السلاطين بالأجنبيات وتسلط هؤلاء الأجنبيات على عواطف أزواجهن وتصريفهم في سياسة بلادهن الأصلية وتحكمهن بمقدرات الدولة . فكم من الملوك قتلوا أولادهم أو إخوانهم بدسائس زوجاتهم وارتكبوا أعمالاً تضر بمصلحتهم إرضاءً لزوجاتهم .هذا علاوة على زواج بعض السلاطين من الأوروبيات فيه إساءة للأمة.
17/ تعدد الزوجات والمحظيات اللواتي كان الأجانب والحكام يقدمونهن هدية للسلطان كأنهن السلع أو التحف واللواتي كان السلاطين إذا رأوا كثرتهن في قصورهم يهدونهن أحيانا إلى قادتهم أو خواصهم على سبيل التكريم . وكان من البديهي أن يحصل بين أولاد الأمهات وأمهات الأولاد ، سواءً أكانت الأمهات زوجات أو محظيات ، تحاسد وتباغض يؤديان إلى قتل السلاطين أولادهم وإخوانهم والى أمور غير معقولة ومقبولة عقلاً وشرعاً .(وسوف نوضح ذلك أكثر في النقطة التالية)
18/ تفكك روابط الأسرة السلطانية بسبب كثرة النساء حتى أصبحت عادة قتل السلطان إخوانه أو أولاده ، يوم يتولى العرش ، أمراً معروفاً ومألوفاً . وكأنه يضحي بخراف احتفاء بهذا اليوم من غير أن يشعر بوخز ضمير أو لسعة ألم .
قانون (قتل الأخوة)
أما العادة السيئة الأليمة وهي عادة قتل السلاطين لابنائهم وإخوانهم وهي المنافية للإنسانية وإن وجدت لها مبررات واهنة فقد أودت بأرواح الأطفال والأبرياء بلا ذنب ، سوى خوف المنازعة في الملك فيما بعد وحرمت الأمة من رجال قد يكون منهم أفذاذا وعباقرة ، فحل محلهم رجال احتلوا مناصب رفيعة في الدولة وفي قيادة الجيوش من بلاد أوروبا العثمانية تظاهر بعضهم الإسلام و أبطن الكفر وعاد بالدمار والهزيمة إلى البلاد
تمثل هذا الإجراء العرفي الذي اختطفه بايزيد الأول،وتحول على يد محمد الفاتح إلى قانون ثابت،ومفاد هذا القانون الإجازة للسلطان المتولي للعرش أن يقدم على تصفية الأمراء المنافسين وذلك بالاتفاق مع هيئة العلماء… وهذه سياسة قوامها تغليب المصلحة السياسية العليا للدولة المتمثلة بحفظ وحدة كيانها السياسي في مواجهة ما يترتب على اعتماد مبدأ وراثة الملك من إختلالات تكوينية توفر المناخ المناسب لا تجاه تفكيك كيان الدولة عند انتقال السلطة من الأب إلى الأبناء.
وبعد قرن من الزمان جرى استبداله بقانون آخر قضى بالتخلي عن سياسة التصفية الجسدية والاكتفاء بسياسة سجن جميع الأمراء ـ عداء أبناء السلطان الحاكم ـ في مقاصير خاصة ومنعهم من كل اتصال بالعالم الخارجي.
ثن تعرض هذا القانون لتعديل..حيث أوجب قانون جديد:إلزامية انتقال العرش حين خلوه إلى أكبر الأحياء من الذكور من الأسرة العثمانية. لقد ترتب على تنفيذ هذا القانون وخلال قرن ونيف إلى اعتلاء الأخوة والأعمام وأولاد العم منصب السلطان وهم غالبتهم من سجناء الأقفاص،وبالتالي فقد تبوأ مركز السلطان أفراد يفتقدون أبسسط شروط هذا المركز…
ولذا فقد كان أفراد الأسرة السلطانية يعيشون في خوف مستمر ويتربص بعضهم بالبعض الآخر الدوائر ولا يبالون بأن يشقوا عصا الطاعة في وجه السلطان سواءً أكان أخاً أم أباً أم ابناً وذلك ليس حباً بالسيطرة فقط بل لإنقاذ أعناقهم أحياناً من الغدر .
السلطان سليمان أثرت فيه زوجته (روكسلانا)
= تدخل نساء القصر بالسياسة وشفاعتهن لدى أزواجهن السلاطين برفع الخدم إلى منصب الوزراء أو إيصال المتزلفين إلى مراتب الحل والعقد ، كرئاسة الوزارة وقيادة الجيش . وفي كثير من الأحيان لا يكون لهؤلاء الرجال من ميزة يمتازون ألا تجسسهم لحسابهن .
يمكن أن نعد ما مر معنا أهم العوامل التي آلت بالدولة العثمانية إلى الزوجات الأجنبية التي تزوج بها بعض السلاطين كالسلطان سليمان وغيره إذ قامت تلك بحبك المؤامرات في الخفاء بغية تنفيذ أغراضها . والانغماس في الترف والشهوات . وفي عهد السلطان أحمد الثالث عام 1115 هـ. عندما حاصرت الجيوش العثمانية قيصر روسيا بطرس الأكبر وخليلته كاترينا من قبل بلطه جي محمد باشا حدث ان قامت كاترينا بإغراء القائد العثماني بالجواهر واستمالته إليها فرفع الحصار عنهما فأضاع فرصة ثمينة للقضاء على رأس الدولة التي كادت للعثمانيين ولعبت دورا كبيراً جداً في إضعاف وزوال دولتهم .
19/ بقاء أولياء العهد مسجونين في دور الحريم فلا يرون من الدنيا شيئاً ولا يعلمون شيئاً ، وكثيراً ما كانوا لا يتعلمون شيئاً أيضا لأنهم لم يكونوا يدرون إلى ما سيصيرون فإما أنهم سيذهبون ضحية مؤامرة قبل أن يصلوا إلى العرش وإما أنهم يصلون لى العرش لكي يجدوا فئة من الناس تسيطر عليهم وتتحكم بهم أو يسحبون عن العرش ويقتلون أو تسيرهم نساء القصر أو يسيرهم جهلهم .
= الاختلاط بالجواري والغلمان لم تكن تربية عسكرية .
= سياسة القفص لا شك أنها مدمرة …
20/ خيانة الوزراء ، إذ أن كثيرًا من الأجانب المسيحيين كانوا يتظاهرون بالإسلام ويدخلون في خدمة السلطان ويرتقون بالدسائس والتجسس حتى يصلون إلى أعلى المراتب ، وقد أبدى السلطان عبد الحميد استغرابه من وفرة الأجانب الذين تقدموا إلى القصر يطلبون عملاً فيه حتى ولو بصفة خصيان وقال : لقد وصلني في أسبوع واحد ثلاث رسائل بلغة رقيقة يطلب أصحابها عملاً في القصر حتى ولو حراساً للحريم ، وكانت الأولى من موسيقى فرنسي والثانية من كيميائي ألماني والثالثة من تاجر سكسوني . وعلق السلطان على ذلك بقولة : من العجب أن يتخلى هؤلاء عن دينهم وعن رجولتهم في سبيل خدمة الحريم . فهؤلاء وأمثالهم كانوا يصلون إلى رئاسة الوزراة ، ولذا فقد قال خالد بك مبعوث أنقرة في المجلس العثماني بهذا الصدد : لو رجعنا إلى البحث عن أصول الذين تولوا الحكم في الدولة العثمانية وارتكبوا السيئات والمظالم بأسم الشعب التركي لوجدنا تسعين في المائة منهم ليسوا اتراكاً .
21/ وكذلك وصل هذا الحال إلى المؤسسات الدينية: فبعد انخراط شيخ الإسلام داخل منطق السلطة غدا باستطاعته أن يستثمر ما تتيحه السلطة من إمكانيات ووسائل فعالة بغية حيازة الثروات،وتوريث المناصب…لقد أدّت هذه الوضعية إلى ضمور شرعية هذا المركز سواء في نظر مراكز القوى الأخرى أو في نظر قوى المجتمع المختلفة.ففي مطلع القرن الثامن عشر 1703 م حصلت انتفاضة شعبية في استانبول ضد شيخ الإسلام لاحتكاره الوظائئف العليا لعائلته وقد أدّت الانتفاضة إلى عزل شيخ الإسلام ومن ثم إعدامه…
فتسرب الفساد إلى طبقة العلماء،حيث كانوا يأتون في الرتبة الثانية في الدولة بعد السلطان. …وكان القضاء لا يسير إلا بالرشوة.
ما حصل من تفكك وتفسخ للهئيات الإسلامية أصبح موضوعًا ينبغي إصلاحه والتصدي لسلبياته المختلفة،فقد جاء في الرسالة الإصلاحية لقوجي بيك الموجهة إلى السلطان مراد الرابع عام 1630 م جملة من التنبيهات الكاشفة لوضعية هذه المؤسسة وما يخترقها من نقاط اختلال متعددة الأوجه. فقد جاء في هذه الرسالة:
… حسب القوانين القديمة في زمن السلاطين الأسلاف،كان الشخص الذي يحتل منصب المفتي أولاً ومنصب قاضي عسكر الرومللي أو الأناضول يتم اختياره من بين الأشخاص الأكثر علمًا والأشد إيمانًا بالله. وطالما كان المفتي يقوم بواجباته لم يكن ليخلع من منصبه أبدًا ؛ لأن هذه الدرجة هي الأعلى في العلوم،والاحترام الواجب تجاهها مختلف عن سواه.وقديمًا كان المفتون ،عداء عن كونهم مصدر العلم،لا يخفون الحقيقة أبدًا عن السلاطين…ولكن العلم انطفأ حاليًا.والقوانين قلبت… ومؤخرًا فإن منصب المفتي قد أعطي لأناس ليست لهم الكفاءة بالتضاد مع القوانين والأعراف التي كانت متبعة سسابقًا،وكذلك الأمر بالنسبة لقضاة العسكر.وبيع المناصب انتقلت عدواة إلى الملازمين الذين ليسوا إلا كتاب بسطاء وإلى غيرهم من الأشخاص الذين يصيرون بواسطة المال مدرسين وقضاة …
22/ تبذير الملوك حتى بلغت نفقات القصور الملكية في بعض الأحيان ثلث واردات الدولة
( ويرى بعض الكتاب أن قصور العثمانين رغم فخامتها إلا أنها كانت أقل من قصور أمراء أوروبا…)
23/ مشكلة الديون :التي أقرضتها الدول الأوروبية للدولة العثمانية بسبب كثرة الانفاقات على الإصلاحيات.وفائدتها التي أصبحت أضخم من قيمة القروض.
وفخ الديون منهج أنتهجه الأوروبيون لنصبه ضد الدول الإسلامية منذ القرن التاسع عشرم .
وفخ الاقتراض من الدول الأوروبية (اقتراض ربوي طبعًا) وما يسببه الربا من دمار لهذه الدول الإسلامية.
هذه الأسباب هي التي قضت على الدولة العثمانية أنزلتها من شامخ عزها إلى حضيض المذلة والهوان . وإن من يدرس ، بإنعام نظر ، كل سبب من هذه الأسباب المذكورة آنفاً ويرى مدى تأثيره الواسع في المحيط الدولي لا يعجب من انهيار هذه الدولة العظيمة تحت سياط هذه الضربات بل يعجب كيف استطاعت أن تعيش ستمائة سنة وهي تتحمل هذه الضربات القاسية …. ، ولكنها عاشت بفضل اختلاف أعدائها على تقسيمها فيما بينهم وبفضل إيمان أهلها وتمسكهم …………
سقوط الخلافة وبداية العلمانيين
يعد عام 1908 م / 1326 هـ عامًا حزينًا في ضمير كل مسلم غيور ؛لأنه عام تهدمت فيه حقيقة الخلافة الإسلامية المتمثلة بالخلافة العثمانية،نحن لا ننكر أن ثمة جهلاً وبدعًا وأخطاء وغباء في أواخر عهد هذه الخلافة ـ كما مرّ معنا في النقاط السابقة ـ التي أصبحوا يسمونها بالرجل المريض،ولكن هذا شيء وتغيير النظام الإسلامي وجلب النظام الغربي الوضعي شيء آخر،وقد كانت الصهيونية وراء هذا الهدم وذلك لأن السلطان (عبدالحميد)رفض أن يحقق أطماعها في فلسطين وقد وصل يهود الدونمة إلى مناصب عالية في دولة الخلافة،وكان هؤلاء يظهرون الإسلام ويبطنون اليهودية ومنهم (مدحت باشا)الصدر الأعظم وهو ابن حاخام مجري !! كما كان منهم جمهرة الصحفيين الذين كانوا يغطون تطور الأحداث بقلم مزيف الوقائع،ويظهر للناس أن عبدالحميد مستبد ظالم زيرنساء،وقد تابعهم للأسف كثير من المؤرخين المسلمين
أسباب تراجع العالم الاسلامي
إن الحضارة الإسلامية نشأت كرد فعل طبيعي لصلة المسلمين بقرآنهم، فالقرآن الكريم في حد ذاته كتاب هداية في مجالات العقيدة والأخلاق.
ولكنه من ناحية أخرى فتح أعين المسلمين على كثير من المسائل العلمية، ووضع بذور نشطة لمسائل كثيرة تتعلق بالبحث العلمي، وترك للمسلمين استنبات هذه البذور وتنميتها وإنضاجها حتى تؤتي ثمارها في المجتمع الإسلامي.
وهذا يطرح سؤال مهم يجب أن نجيب عليه، إذا كان عندنا هذا الرصيد الكبير لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟،
لقد تخلفنا لغياب المفهوم الإسلامي الصحيح عنا، كما نشأت في بلادنا العربية والإسلامية أجيال من الباحثين تلقوا العلم في بلاد غربية، ولم يلتفتوا إلى هذا التعريف المحدد من الحضارة الذي كان يجب عليه أن يتقنوا العلوم من مصادرها، والعلم شائع إلى الجميع فهو ليس ملكا لأمة دون أمة، فكل مسالة علمية الآن في أمريكا، أو أوروبا، أو الصين، شاركت فيها الحضارات الإنسانية كلها.
إن الأمة الإسلامية كانت تقوم على العلم بالرعاية من خلال مؤسسات كثيرة جدًا، وكانت الإدارة العليا في الدولة الإسلامية تقوم على رعاية العلم، وتدفع له الأموال، وتشد حولها العلماء وتحترم قيمتهم، وتضعهم في المكانة العليا في المجتمع، وبالتالي كان هناك بيئة حاضنة للعلم والبحث العلمي مما جعل هذا العلم يثمر.
أننا نحتاج إلى إعادة البيئة العلمية مرة أخرى، وإلى احتضان البحث العلمي، فميزانية البحث العلمي في بلادنا الآن ضعيفة، فنحن نمتلك كليات علوم في العالم الاسلامي بشكل محدود ، وخريجي هذه الكليات لا يعملون في البحث العلمي؛ لعدم وجود معامل تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الباحثين.
وبالتالي يسافر هؤلاء الخريجين إلى الخارج؛ لأنه يرى أن الذين عادوا لم يستطيعوا أن يستفيدوا مما درسوه؛ لعدم وجود الإنفاق الكافي، وعدم وجود المعامل الكافية، وعدم وجود الاحترام المطلوب للباحث العلمي، ومع ذلك نحن في حاجة إلى كفاحيين وفدائيين من أبناءنا الباحثين يعلموا أن المسئولية مسئولية عامة، وليست مسئولية خاصة، فلابد أن يكون هناك جيلاً يتحمل المسئوليات.
فماليزيا في عشرين عام أصبحت في مصف العالم تكنولوجيًا وحضارة واقتصادًا، فالطالب الماليزي في "الولايات المتحدة الأمريكية" قبل أن يتخرج بشهرين، ترسل الدولة إليه المكان الذي سيعمل فيه يعد عودته إلى "ماليزيا" للعمل، ولذلك لا يبقى طالب ماليزي في "الولايات المتحدة" بعد التخرج.
نحن نريد أن نرى هذه النماذج الناجحة في العالم الإسلامي، فالعلم هو القوة الحقيقية في المجتمعات الآن، وهو موطن الصراع، فالصراع الآن هو صراع علمي، وأعدائنا تفوقوا علينا بشيء من العلم، ولذلك يجب أن نعود إلى هذه القاعدة لننطلق منها وهي العلم والبحث العلمي.
منقول للأمانة
الامتيازات Prerogative
مجموعة الصلاحيات العرفية المضمنة أحيانا في قانون والتي يمتع بها حاكم ما ( الملك أو الرئيس، على سبيل المثال ) والتي لا تخضع إلى كبح أو نقض أو مراقبة من المحاكم على الرغم من أن هذه السلطات إذا مورست على نحو اعتباطي في دولة دستورية تؤدي دوما تقريبا إلى مشكلات سياسية . ويمكن نقل الصلاحيات الامتيازية في الواقع إلى أشخاص آخرين .
/ الامتيازات التي كانت تمنح للأجانب اعتباطاً بسخاء وكرم لا مبرر لهما بل كانت تمثل التفريط بحق الوطن في اقبح صورة ، فقد منحت الدولة العثمانية ، وهي في أوج عظمتها وسلطانها ، امتيازات لدول أجنبية جعلتها شبة شريكة معها في حكم البلاد . ولا أرى سبباً لهذا الاستهتار ألا الجهل وعدم تقدير الأمور قدرها الحقيقي وتقدير قوة ودهاء الدول التي منحت هذه الامتيازات والعاقل لا يستهين بعدوه مهما كان صغيراً وضعيفاً .
وهي من التساهلات التي يمكن أن تعد أخطاء نظراً لنتائجها التي ظهرت بعد حين وقد منحت تلك الحقوق للأجانب أولاً ثم لبعض السكان المحليين فيما بعد وقد أراد السلطان سليمان القانوني أن يعيد الطريق التجاري إلى البحر المتوسط بعد أن تحولت إلى رأس الرجاء الصالح وذلك بإعطاء امتيازات وعقد معاهدات مع الإيطاليين ثم الفرنسيين والإنكليز ليشجعهم على الإبحار عن هذه الطريق ولكن أولئك النصارى جميعاً كانوا يبدون للسلطان رغبتهم في التحول ويعملون على الكيد له في الخفاء . هذه الاتفاقيات ظنها السلطان سليمان لا قيمة لها ما دامت القوة بيده حيث يلغيها متى شاء ويمنحها متى أراد والواقع أن الضعف الذي أصاب الدولة قد جعل من هذه الاتفاقيات قوة لهؤلاء الأجانب أولاً ولرعاياهم النصارى من سكان ومواطني الدولة العثمانية ثانياً . وكانت الامتيازات في البدء بسيطة ولكن نجم عنها تعقيدات كثيرة فيما بعد .
( منظمة التجارة العالمية الآن بقوانييها التي سوف تحكم العالم تجعل من حق الشركات أن تقيم مصانعها في أية بقعة من العالم،وأن تأتي بالعمالة الرخيصة من أيه بقعة من العالم،وأن تخرج عوائدها إلى البلد الذي تريد ومن البلد الذي تريد…
وقد حولت الامتيازات إلى اتفاقات ثنائية فأصبح بإمكان السفن الفرنسية دخول الموانئ العثمانية تحت حماية العلم الفرنسي ومنح الزوار حرية زيارة الأماكن المقدسة والإشراف عليها وحرية ممارسة الطقوس الدينية هناك . ثم أصبح مع مرور الزمن وكأنها حقوق مكتسبة ثم توسعت وشملت بعض السكان المحليين كالإعفاء من الضرائب والاستثناء من سلطة المحاكم الشرعية العثمانية والتقاضي في محاكم خاصة سموها المحاكم المختلطة وقد لعبت دورا كبيرا فيما بعد . وأصبح لروسيا مثلاً بموجب معاهدة كينارجي حق بناء كنيسة باستانبول وحق حماية النصارى التابعين لمذهبها الأرثوذكسي من رعايا الدولة ، وفي عهد السلطان عبد المجيد تقرر منح أهالي لبنان حكومة مستقلة تحت سيادة الدولة العثمانية يكون حاكمها نصراني ويكون للباب العالي حماية مؤلفة من 300 جندي فقط ترابط على الطريق الموصل بين دمشق وبيروت ، وبذلك تشجعت أقليات أخرى ، وطالب النصارى في البوسنة بتحريض أجنبي الحصول على امتيازات فقاومتهم الدولة ولكنهم لم يركنوا للهدوء وازدادوا من عصيانهم بدعم أوروبا لهم . لقد ساعدت الامتيازات على إشعال بؤر الفتن وأربكت الدولة وشغلتها عهوداً طويلة واتخذت ذريعة لتدخل الدول بحجة حماية الرعايا وبالتالي الاحتلال والعدوان .
11/ الغرور الذي أصاب سلاطين بني عثمان الذين فتحت لهم الأرض أبوابها على مصراعيها يلجونها كما يشاءون . وإن من يقرأ كتاب الملك سليمان القانوني إلى ملك فرنساء لايجد فيه ما يشبه كتاب ملك إلى ملك أو إمبراطور عظيم إلى ملك صغير او حتى إلى أمير ، بل يجده وكأنة كتاب سيد الى مسود ومن يطالع صيغ المعاهدات ، في أوج عظمة الدولة ، وما كان يضفى فيها على سلاطين بني عثمان من ألقاب يكادون يشاركون بها الله تعالى في صفاته بينما تكون ألقاب الأباطرة والملوك عادية ، أقول إن من يطالع صيغ هذه المعاهدات يدرك إلى أي حد بلغ بهؤلاء السلاطين الجهل والغرور
12/الجيش الإنكشاري :
هو الجيش الذي أنشأه السلطان أو رخان باختيار أفراد ه من أبناء البلاد الأوروبية المفتوحة وتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي ووضعهم في ثكنات عسكرية خاصة وتدريبهم على فنون الحرب والقتال . ولقد أبلى ذلك الجيش بلاء حسنا في كافة المعارك التي خاضها العثمانيون إبان قوتهم فكانوا يندفعون كالأسود في ساحات القتال وكان لهم الفضل في ترجيح كفة النصر في المعركة الحاسمة يوم فتح القسطنطينية وغيرها من المعارك الشهيرة . ثم مع مرور الزمن بدأ الوهن يتسرب إلى صفوفهم عندما عاشوا بين المدنيين وكثرت تعدياتهم بصفتهم العسكر المختص بهم السلطان.
فما اختلط الجند بأهل المدن إلا وقد فسدت طبيعتهم وتغيرت أخلاقهم وتبدلت مهمتهم وأصبح البلاء في وجه الحكم منهم والعداء للسكان من أعمالهم وصاروا يتدخلون في شؤون الدولة وتعلقت أفئدتهم بشهوة السلطة وانغمسوا في الملذات والمحرمات وشق عليهم أن ينفروا في أوقات البرد الشديد ونظروا إلى العطايا السلطانية ومالوا إلى النهب والسلب حين غزو البلاد . فأثاروا الاضطرابات يريدون الحروب ولو كان جحيمها يصب فوق رؤوسهم ليواصلوا نهب البلاد المفتوحة، وأصبحوا ينقضون العهود ويخرقون الهدنة للذين تمت معهم عن طريق السلطان..
وبذلك نسوا الغاية التي وجدوا من أجلها . لقد كانت فاتحة أعمال السلطان مراد الثالث عام 982هـ . هي إصدار أمر بمنع شرب الخمور فهاجوا وماجوا حتى اضطروه لإباحته ضمن شروط لخوفه من نقمتهم .
وهكذا فإن الجيوش لا تهزم إلا حينما تترك عقيدتها ولا تلتزم بمبادئها .
إن وثوب الانكشارية إلى مركز القيادة في الدولة العثمانية جعلها في حالة خطيرة من الفوضى فصاروا هم الأمرون والناهون والسلطان ألعوبة بأيديهم فظهر الفساد وضاعت البلاد . ثاروا في استانبول والقاهرة وبودا ،يطالبون بإشعال الحروب حينما اقتضت المصلحة ألا تكون هناك حروباً . وقد أشار سنان باشا عام 997 هـ . إلى إشعالها بمحاربة المجرمين تحت إلحاح شديد من قبلهم وكانت النتيجة انهزام والي بودا العثماني ومقتل حسن باشا والي الهرسك وسقوط عدة قلاع عثمانية بأيدي النمسا . وفي عام 1027 هـ . حاول السلطان عثمان إبادتهم بإعداد العدة لحشد جيوش جديدة في ولايات آسيا الصغرى وتدريبها وتنظيمها ولما حاول ذلك خلعوه وقتلوه وأعادوا مصطفى الأول الذي خلعوه عام 1032 هـ .
أيضاً وهذه هي نهاية كثير من المصلحين حينما يتاح للجيوش الفاسدة أن تكتب أقدار الأمم .
واستمر الانكشارية في عهد السلطان مراد الرابع سنوات عشر سائرين في طريق الضلال سادرين في غيهم وطغيانهم فهم الذين نصبوه فالأمر والنهى يجب أن يكون لهم ما دام رأس الدولة بأيديهم . وهم الذين قاموا بقتل السلطان إبراهيم الأول خنقاً حينما حاول التخلص منهم ، وهم الذين اربكوا الدولة إذ وضعوها في حالة من الفوضى بقتلهم السلاطين وتولية أولادهم الصغار السن من بعدهم كالسلطان محمد الرابع ، فقام الإفرنج باحتلال أجزاء من البلاد فاضطر الصدر الأعظم والعلماء إلى عزله . ثم ثار الانكشارية في عهد السلطان سليمان الثاني ودخلت جيوش الأعداء بعضاً من أراضي الدولة واحتلتها . وخلع الانكشارية السلاطين مصطفى الثاني ، أحمد الثالث ، مصطفى الرابع ، إلى أن قيض الله للسلطان محمود الثاني عام 1241 هـ . التخلص منهم فقد هيأ لذلك وسلط عليهم المدفعية فدمرتهم وانتهى أمرهم .
13/ كما ان السلاطين العثمانيين تعوّد أغلبهم بعد عهود المجد والقوة أن لا يقودوا الجيوش بأنفسهم وتركوا الأمر لقواد قد يكون بعضهم غير كفء فانهزموا في مواقع كثيرة وتضاءل الحماس والحمية الدينية لغياب السلطان عن مركز قيادة الجيش كما كان يحدث سابقاً .
14/ احتجاب السلاطين وعدم ممارستهم السلطة بأنفسهم والاتكال على وزراء جهال . فقد كان سلاطين آل عثمان حتى السلطان سليم الأول يتولون قيادة الجيش بأنفسهم ، فيبعثون الحماسة والحمية في صدور الجنود ، ثم صار السلاطين يعهدون بالقيادة إلى ضباط فصار الجنود يتقاعسون ويتهاونون تبعاً للمثل القائل ’’ الناس على دين ملوكهم ‘‘
15/ وتسليم أمور الدولة إلى غير الأكفاء من الناس إذ كان طباخ القصر وبستانية وحاطبة والخصي والخادم يصلون إلى رتبة رئاسة الوزارة أو القيادة العامة للجيش . فماذا ينتظر من جاهل أن يفعل ؟
16/ زواج السلاطين بالأجنبيات وتسلط هؤلاء الأجنبيات على عواطف أزواجهن وتصريفهم في سياسة بلادهن الأصلية وتحكمهن بمقدرات الدولة . فكم من الملوك قتلوا أولادهم أو إخوانهم بدسائس زوجاتهم وارتكبوا أعمالاً تضر بمصلحتهم إرضاءً لزوجاتهم .هذا علاوة على زواج بعض السلاطين من الأوروبيات فيه إساءة للأمة.
17/ تعدد الزوجات والمحظيات اللواتي كان الأجانب والحكام يقدمونهن هدية للسلطان كأنهن السلع أو التحف واللواتي كان السلاطين إذا رأوا كثرتهن في قصورهم يهدونهن أحيانا إلى قادتهم أو خواصهم على سبيل التكريم . وكان من البديهي أن يحصل بين أولاد الأمهات وأمهات الأولاد ، سواءً أكانت الأمهات زوجات أو محظيات ، تحاسد وتباغض يؤديان إلى قتل السلاطين أولادهم وإخوانهم والى أمور غير معقولة ومقبولة عقلاً وشرعاً .(وسوف نوضح ذلك أكثر في النقطة التالية)
18/ تفكك روابط الأسرة السلطانية بسبب كثرة النساء حتى أصبحت عادة قتل السلطان إخوانه أو أولاده ، يوم يتولى العرش ، أمراً معروفاً ومألوفاً . وكأنه يضحي بخراف احتفاء بهذا اليوم من غير أن يشعر بوخز ضمير أو لسعة ألم .
قانون (قتل الأخوة)
أما العادة السيئة الأليمة وهي عادة قتل السلاطين لابنائهم وإخوانهم وهي المنافية للإنسانية وإن وجدت لها مبررات واهنة فقد أودت بأرواح الأطفال والأبرياء بلا ذنب ، سوى خوف المنازعة في الملك فيما بعد وحرمت الأمة من رجال قد يكون منهم أفذاذا وعباقرة ، فحل محلهم رجال احتلوا مناصب رفيعة في الدولة وفي قيادة الجيوش من بلاد أوروبا العثمانية تظاهر بعضهم الإسلام و أبطن الكفر وعاد بالدمار والهزيمة إلى البلاد
تمثل هذا الإجراء العرفي الذي اختطفه بايزيد الأول،وتحول على يد محمد الفاتح إلى قانون ثابت،ومفاد هذا القانون الإجازة للسلطان المتولي للعرش أن يقدم على تصفية الأمراء المنافسين وذلك بالاتفاق مع هيئة العلماء… وهذه سياسة قوامها تغليب المصلحة السياسية العليا للدولة المتمثلة بحفظ وحدة كيانها السياسي في مواجهة ما يترتب على اعتماد مبدأ وراثة الملك من إختلالات تكوينية توفر المناخ المناسب لا تجاه تفكيك كيان الدولة عند انتقال السلطة من الأب إلى الأبناء.
وبعد قرن من الزمان جرى استبداله بقانون آخر قضى بالتخلي عن سياسة التصفية الجسدية والاكتفاء بسياسة سجن جميع الأمراء ـ عداء أبناء السلطان الحاكم ـ في مقاصير خاصة ومنعهم من كل اتصال بالعالم الخارجي.
ثن تعرض هذا القانون لتعديل..حيث أوجب قانون جديد:إلزامية انتقال العرش حين خلوه إلى أكبر الأحياء من الذكور من الأسرة العثمانية. لقد ترتب على تنفيذ هذا القانون وخلال قرن ونيف إلى اعتلاء الأخوة والأعمام وأولاد العم منصب السلطان وهم غالبتهم من سجناء الأقفاص،وبالتالي فقد تبوأ مركز السلطان أفراد يفتقدون أبسسط شروط هذا المركز…
ولذا فقد كان أفراد الأسرة السلطانية يعيشون في خوف مستمر ويتربص بعضهم بالبعض الآخر الدوائر ولا يبالون بأن يشقوا عصا الطاعة في وجه السلطان سواءً أكان أخاً أم أباً أم ابناً وذلك ليس حباً بالسيطرة فقط بل لإنقاذ أعناقهم أحياناً من الغدر .
السلطان سليمان أثرت فيه زوجته (روكسلانا)
= تدخل نساء القصر بالسياسة وشفاعتهن لدى أزواجهن السلاطين برفع الخدم إلى منصب الوزراء أو إيصال المتزلفين إلى مراتب الحل والعقد ، كرئاسة الوزارة وقيادة الجيش . وفي كثير من الأحيان لا يكون لهؤلاء الرجال من ميزة يمتازون ألا تجسسهم لحسابهن .
يمكن أن نعد ما مر معنا أهم العوامل التي آلت بالدولة العثمانية إلى الزوجات الأجنبية التي تزوج بها بعض السلاطين كالسلطان سليمان وغيره إذ قامت تلك بحبك المؤامرات في الخفاء بغية تنفيذ أغراضها . والانغماس في الترف والشهوات . وفي عهد السلطان أحمد الثالث عام 1115 هـ. عندما حاصرت الجيوش العثمانية قيصر روسيا بطرس الأكبر وخليلته كاترينا من قبل بلطه جي محمد باشا حدث ان قامت كاترينا بإغراء القائد العثماني بالجواهر واستمالته إليها فرفع الحصار عنهما فأضاع فرصة ثمينة للقضاء على رأس الدولة التي كادت للعثمانيين ولعبت دورا كبيراً جداً في إضعاف وزوال دولتهم .
19/ بقاء أولياء العهد مسجونين في دور الحريم فلا يرون من الدنيا شيئاً ولا يعلمون شيئاً ، وكثيراً ما كانوا لا يتعلمون شيئاً أيضا لأنهم لم يكونوا يدرون إلى ما سيصيرون فإما أنهم سيذهبون ضحية مؤامرة قبل أن يصلوا إلى العرش وإما أنهم يصلون لى العرش لكي يجدوا فئة من الناس تسيطر عليهم وتتحكم بهم أو يسحبون عن العرش ويقتلون أو تسيرهم نساء القصر أو يسيرهم جهلهم .
= الاختلاط بالجواري والغلمان لم تكن تربية عسكرية .
= سياسة القفص لا شك أنها مدمرة …
20/ خيانة الوزراء ، إذ أن كثيرًا من الأجانب المسيحيين كانوا يتظاهرون بالإسلام ويدخلون في خدمة السلطان ويرتقون بالدسائس والتجسس حتى يصلون إلى أعلى المراتب ، وقد أبدى السلطان عبد الحميد استغرابه من وفرة الأجانب الذين تقدموا إلى القصر يطلبون عملاً فيه حتى ولو بصفة خصيان وقال : لقد وصلني في أسبوع واحد ثلاث رسائل بلغة رقيقة يطلب أصحابها عملاً في القصر حتى ولو حراساً للحريم ، وكانت الأولى من موسيقى فرنسي والثانية من كيميائي ألماني والثالثة من تاجر سكسوني . وعلق السلطان على ذلك بقولة : من العجب أن يتخلى هؤلاء عن دينهم وعن رجولتهم في سبيل خدمة الحريم . فهؤلاء وأمثالهم كانوا يصلون إلى رئاسة الوزراة ، ولذا فقد قال خالد بك مبعوث أنقرة في المجلس العثماني بهذا الصدد : لو رجعنا إلى البحث عن أصول الذين تولوا الحكم في الدولة العثمانية وارتكبوا السيئات والمظالم بأسم الشعب التركي لوجدنا تسعين في المائة منهم ليسوا اتراكاً .
21/ وكذلك وصل هذا الحال إلى المؤسسات الدينية: فبعد انخراط شيخ الإسلام داخل منطق السلطة غدا باستطاعته أن يستثمر ما تتيحه السلطة من إمكانيات ووسائل فعالة بغية حيازة الثروات،وتوريث المناصب…لقد أدّت هذه الوضعية إلى ضمور شرعية هذا المركز سواء في نظر مراكز القوى الأخرى أو في نظر قوى المجتمع المختلفة.ففي مطلع القرن الثامن عشر 1703 م حصلت انتفاضة شعبية في استانبول ضد شيخ الإسلام لاحتكاره الوظائئف العليا لعائلته وقد أدّت الانتفاضة إلى عزل شيخ الإسلام ومن ثم إعدامه…
فتسرب الفساد إلى طبقة العلماء،حيث كانوا يأتون في الرتبة الثانية في الدولة بعد السلطان. …وكان القضاء لا يسير إلا بالرشوة.
ما حصل من تفكك وتفسخ للهئيات الإسلامية أصبح موضوعًا ينبغي إصلاحه والتصدي لسلبياته المختلفة،فقد جاء في الرسالة الإصلاحية لقوجي بيك الموجهة إلى السلطان مراد الرابع عام 1630 م جملة من التنبيهات الكاشفة لوضعية هذه المؤسسة وما يخترقها من نقاط اختلال متعددة الأوجه. فقد جاء في هذه الرسالة:
… حسب القوانين القديمة في زمن السلاطين الأسلاف،كان الشخص الذي يحتل منصب المفتي أولاً ومنصب قاضي عسكر الرومللي أو الأناضول يتم اختياره من بين الأشخاص الأكثر علمًا والأشد إيمانًا بالله. وطالما كان المفتي يقوم بواجباته لم يكن ليخلع من منصبه أبدًا ؛ لأن هذه الدرجة هي الأعلى في العلوم،والاحترام الواجب تجاهها مختلف عن سواه.وقديمًا كان المفتون ،عداء عن كونهم مصدر العلم،لا يخفون الحقيقة أبدًا عن السلاطين…ولكن العلم انطفأ حاليًا.والقوانين قلبت… ومؤخرًا فإن منصب المفتي قد أعطي لأناس ليست لهم الكفاءة بالتضاد مع القوانين والأعراف التي كانت متبعة سسابقًا،وكذلك الأمر بالنسبة لقضاة العسكر.وبيع المناصب انتقلت عدواة إلى الملازمين الذين ليسوا إلا كتاب بسطاء وإلى غيرهم من الأشخاص الذين يصيرون بواسطة المال مدرسين وقضاة …
22/ تبذير الملوك حتى بلغت نفقات القصور الملكية في بعض الأحيان ثلث واردات الدولة
( ويرى بعض الكتاب أن قصور العثمانين رغم فخامتها إلا أنها كانت أقل من قصور أمراء أوروبا…)
23/ مشكلة الديون :التي أقرضتها الدول الأوروبية للدولة العثمانية بسبب كثرة الانفاقات على الإصلاحيات.وفائدتها التي أصبحت أضخم من قيمة القروض.
وفخ الديون منهج أنتهجه الأوروبيون لنصبه ضد الدول الإسلامية منذ القرن التاسع عشرم .
وفخ الاقتراض من الدول الأوروبية (اقتراض ربوي طبعًا) وما يسببه الربا من دمار لهذه الدول الإسلامية.
هذه الأسباب هي التي قضت على الدولة العثمانية أنزلتها من شامخ عزها إلى حضيض المذلة والهوان . وإن من يدرس ، بإنعام نظر ، كل سبب من هذه الأسباب المذكورة آنفاً ويرى مدى تأثيره الواسع في المحيط الدولي لا يعجب من انهيار هذه الدولة العظيمة تحت سياط هذه الضربات بل يعجب كيف استطاعت أن تعيش ستمائة سنة وهي تتحمل هذه الضربات القاسية …. ، ولكنها عاشت بفضل اختلاف أعدائها على تقسيمها فيما بينهم وبفضل إيمان أهلها وتمسكهم …………
سقوط الخلافة وبداية العلمانيين
يعد عام 1908 م / 1326 هـ عامًا حزينًا في ضمير كل مسلم غيور ؛لأنه عام تهدمت فيه حقيقة الخلافة الإسلامية المتمثلة بالخلافة العثمانية،نحن لا ننكر أن ثمة جهلاً وبدعًا وأخطاء وغباء في أواخر عهد هذه الخلافة ـ كما مرّ معنا في النقاط السابقة ـ التي أصبحوا يسمونها بالرجل المريض،ولكن هذا شيء وتغيير النظام الإسلامي وجلب النظام الغربي الوضعي شيء آخر،وقد كانت الصهيونية وراء هذا الهدم وذلك لأن السلطان (عبدالحميد)رفض أن يحقق أطماعها في فلسطين وقد وصل يهود الدونمة إلى مناصب عالية في دولة الخلافة،وكان هؤلاء يظهرون الإسلام ويبطنون اليهودية ومنهم (مدحت باشا)الصدر الأعظم وهو ابن حاخام مجري !! كما كان منهم جمهرة الصحفيين الذين كانوا يغطون تطور الأحداث بقلم مزيف الوقائع،ويظهر للناس أن عبدالحميد مستبد ظالم زيرنساء،وقد تابعهم للأسف كثير من المؤرخين المسلمين
أسباب تراجع العالم الاسلامي
إن الحضارة الإسلامية نشأت كرد فعل طبيعي لصلة المسلمين بقرآنهم، فالقرآن الكريم في حد ذاته كتاب هداية في مجالات العقيدة والأخلاق.
ولكنه من ناحية أخرى فتح أعين المسلمين على كثير من المسائل العلمية، ووضع بذور نشطة لمسائل كثيرة تتعلق بالبحث العلمي، وترك للمسلمين استنبات هذه البذور وتنميتها وإنضاجها حتى تؤتي ثمارها في المجتمع الإسلامي.
وهذا يطرح سؤال مهم يجب أن نجيب عليه، إذا كان عندنا هذا الرصيد الكبير لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟،
لقد تخلفنا لغياب المفهوم الإسلامي الصحيح عنا، كما نشأت في بلادنا العربية والإسلامية أجيال من الباحثين تلقوا العلم في بلاد غربية، ولم يلتفتوا إلى هذا التعريف المحدد من الحضارة الذي كان يجب عليه أن يتقنوا العلوم من مصادرها، والعلم شائع إلى الجميع فهو ليس ملكا لأمة دون أمة، فكل مسالة علمية الآن في أمريكا، أو أوروبا، أو الصين، شاركت فيها الحضارات الإنسانية كلها.
إن الأمة الإسلامية كانت تقوم على العلم بالرعاية من خلال مؤسسات كثيرة جدًا، وكانت الإدارة العليا في الدولة الإسلامية تقوم على رعاية العلم، وتدفع له الأموال، وتشد حولها العلماء وتحترم قيمتهم، وتضعهم في المكانة العليا في المجتمع، وبالتالي كان هناك بيئة حاضنة للعلم والبحث العلمي مما جعل هذا العلم يثمر.
أننا نحتاج إلى إعادة البيئة العلمية مرة أخرى، وإلى احتضان البحث العلمي، فميزانية البحث العلمي في بلادنا الآن ضعيفة، فنحن نمتلك كليات علوم في العالم الاسلامي بشكل محدود ، وخريجي هذه الكليات لا يعملون في البحث العلمي؛ لعدم وجود معامل تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الباحثين.
وبالتالي يسافر هؤلاء الخريجين إلى الخارج؛ لأنه يرى أن الذين عادوا لم يستطيعوا أن يستفيدوا مما درسوه؛ لعدم وجود الإنفاق الكافي، وعدم وجود المعامل الكافية، وعدم وجود الاحترام المطلوب للباحث العلمي، ومع ذلك نحن في حاجة إلى كفاحيين وفدائيين من أبناءنا الباحثين يعلموا أن المسئولية مسئولية عامة، وليست مسئولية خاصة، فلابد أن يكون هناك جيلاً يتحمل المسئوليات.
فماليزيا في عشرين عام أصبحت في مصف العالم تكنولوجيًا وحضارة واقتصادًا، فالطالب الماليزي في "الولايات المتحدة الأمريكية" قبل أن يتخرج بشهرين، ترسل الدولة إليه المكان الذي سيعمل فيه يعد عودته إلى "ماليزيا" للعمل، ولذلك لا يبقى طالب ماليزي في "الولايات المتحدة" بعد التخرج.
نحن نريد أن نرى هذه النماذج الناجحة في العالم الإسلامي، فالعلم هو القوة الحقيقية في المجتمعات الآن، وهو موطن الصراع، فالصراع الآن هو صراع علمي، وأعدائنا تفوقوا علينا بشيء من العلم، ولذلك يجب أن نعود إلى هذه القاعدة لننطلق منها وهي العلم والبحث العلمي.
منقول للأمانة