أ.د.مي العبدالله
كلية الاعلام و التوثيق- الجامعة اللبنانية
إن صورة العالم العربي أعمق وأجمل وأكثر إغراء من تلك التي نراها اليوم في مختلف وسائل الثقافة السياحية و من أهمها وسائل الاعلام و الاتصال. إنها صورة ذات رصيد ثقافي وتراثي هائل، وإبداع متنوع وقيم إنسانية رفيعة، و الارتقاء بالمضامين و الأساليب الدعائية الاعلامية من شأنه أن يشجع توعية أكبر للسياح الوافدين كالمثقفين وذوي المستوى العلمي الرفيع، وأصحاب المال، وأن يدفع المستثمرين الأجانب إلى المساهمة في إثراء البنية التحتية الثقافية و زيادة مردودية الانتاج السياحي. إن معرفة دوافع السياح مثلا لزيارة أية منطقة يعد مهماً جداً، و من جهة ثانية لا بد من تطوير وتفعيل مشاركة المجتمعات المحلية في تطوير وتنظيم وإدارة العملية السياحية، و زيادة الوعي والتثقيف بالتركيز على التنمية الذاتية وليس التنمية المفروضة من خارج المناطق السياحية، لخلق مجموعات أو منظمات محلية تضم المهنين ورجال الأعمال والسياسيين وأنصار البيئة. وتلعب وسائل الاعلام و الاتصال دوراً مهماً في تنمية الريف، من خلال التركيز فيه على الخصوصية الطبيعية والتراثية والبشرية، فالريف يتميز بمحيط بشري وطبيعي وتراثي وثقافي تتعانق فيه كل العناصر لتقدم لوحة سياحية متميزة... لكي تتحول السياحة إلى سياحة ثقافية، لا بد اذا من تطوير المادة السياحية للزائر، وبالتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها المواقع السياحية.
و السياحة الثقافية في مفهومنا تاخذ شكلين: يتمثل الأول من خلال المعتقدات والتقاليد والعادات والمعارف والممارسات الاجتماعية والتفاعل الانساني، في حين يتمثل الثاني بأدوات ملموسة ومحددة للتراث يتم عرضها بشكل من أشكال الجذب السياحي، كالمصنوعات الحرفية والنشاطات الفنية والمعارض وغيرها.
إن العالم العربي بما له من رصيد حضاري، وتراكمات ابداعية ثقافية، وتقاليد سياحية عريقة، قادر على تجسيم هذه المعادلة الضرورية، فموروثه الحضاري يعتبر بكثافة وتنوع آثاره من أغنى المواريث في العالم وهو عنصر أساسي في مسيرته التنموية، وإن أرصدته الثقافية لا تتوقف عند موروثه الأثري والديني، إذ أن انتاجات مبدعيه في ميادين الثقافة أكدت حضوره في الساحة العالمية. ودون الاستعانة بالعنصر الثقافي ستبقى صورته منقوصة وباهته وغير قابلة للتسويق في عالم وحدته وسائل الاتصال المختلفة، وطغت عليه أساليب الدعاية المبهرة في أشكالها ومحتوياتها.
ما هو دور وسائل الاعلام و الاتصال اليوم في غياب القيم؟ ما هي أشكال و مستويات العلاقة بين الاعلام و الابداع الفني لا سيما الحرفي؟ ما هو واقع العلاقة بين أهل الفن الحرفي و الصناعات التقليدية و أهل الاعلام؟ ما هو الدور الذي يقوم به الاعلام العربي لدعم السياحة الثقافية و الانتاج الفي الحرفي، و ما هو الدور المطلوب منه؟ ما هو دوره في الملتقيات الفنية و هل يقوم بدوره؟ أسئلة مقلقة نحاول الرد عليها في هذه الورقة...
الاعلام و الثقافة البصرية
يتميز الاتصال الجماهيري بقدرته على توصيل الرسائل إلى جمهور عريض متباين الاتجاهات والمستويات، والى أفراد غير معروفين للقائم بالاتصال، تصلهم الرسالة في اللحظة نفسها وبسرعة مدهشة، مع مقدرة على خلق رأي عام، وعلى تنمية اتجاهات وأنماط من السلوك غير موجودة أصلا، والمقدرة على نقل المعارف والمعلومات.
وتشكل وسائل الإعلام الاتصال بالنسبة لملايين البشر، الوسيلة الأساسية للحصول على الثقافة وجميع أشكال التعبير الخلاق. كذلك فللاتصال دور في تدبير شؤون المعرفة وتنظيم الذاكرة الجماعية للمجتمع، وبخاصة جمع المعلومات ومعالجتها واستخدامها، وهو يستطيع إعادة صياغة القالب الثقافي للمجتمع. مع ذلك فإن التطور السريع للتكنولوجيا الجديدة ونمو البنى المصنعة ،التي تمد سيطرتها على الثقافة وعلى الإعلام يخلق في هذا المجال كما في سائر المجالات، مشكلات وأخطارا. وعلى الرغم من القدر الهائل من التغيير الثقافي، لا يزال يحتفظ الاتصال بأشكاله التقليدية القائمة على التبادل بين الأفراد. إنه من الجائز أيضاً القول بأن وسائل الإعلام الجماهيرية في العالم الحديث توفر الزاد الثقافي، وتشكل الخبرة الثقافية لملايين كثيرة من الناس.
أما بالنسبة للأجيال القادمة، فإنها تخلق لهم ثقافة جديدة ليس من السهل التعريف بطبيعتها، كما أنه من الصعب الحكم على قيمتها. فقد تم تقديم روائع الإبداع الخلاق من الماضي والحاضر على السواء، إلى الجماهير الجديدة على الصعيد الدولي والوطني، كما توفرت التسلية بأشكالها المتعددة على نحو أيسر من ذي قبل، وهي تستجيب بلا شك لاحتياجات ومطالب إنسانية.
ولا بد من التوقف عند مفهوم التكامل بين الثقافة والاتصال، فإذا استخدمنا مصطلح "الثقافة" عنينا مجموع إنجازات الإبداع الإنساني أي كل ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة، وإذا اعتبرنا مصطلح الثقافة تجسيداً لكل ما يسمو بالحياة الإنسانية ليضم كافة جوانب الحياة وكل طرائق التفاهم، على ضوء هذا فإن الاتصال، بين الناس والأمم على حد سواء ، عنصر أساسي في كافة نواحي الحياة ومن ثم في كل ثقافة. ويعتبر دور الاتصال والإعلام بمثابة دور الناقل الأساسي للثقافة، إذ ان وسائل الاتصال هي أدوات ثقافة تساعد على دعم المواقف أو التأثير فيها، وعلى تعزيز ونشر الأنماط السلوكية وتحقيق التكامل الاجتماعي، وهي تلعب أو يتعين عليها أن تلعب، دوراً أساسياً في تطبيق السياسات الثقافية، وفي تيسير إضفاء طابع ديمقراطي على الثقافة.
وتعتمد الخطة الاعلامية على جملة من المفاهيم الاساسية المتعلقة بدور الاعلام في المجتمع، وعلى تصور مهني ، للدور الذي يمكن ان تلعبه وسائل الاتصال، من منطلق التفهم لخصوصية المجتمع ، وفي ضوء الواقع العملي لتجربته الاجتماعية والسياسية ومقوماتها الوطنية. ومسئوولية الاعلام الاجتماعية، تنبع من دوره كأحد ادوات التغيير والتثقيف، واحد ادوات التكيف الاجتماعي المستمر، واحد الوسائل القادرة على تشكيل التفكير الاجتماعي وترشيده.
عندما يتعود الناس، التطلع الى وسائل اعلامهم، للحصول على الحقيقة، او لنقل الحقيقة اليهم، او من أفواههم، يتعزز دور الاعلام كمدافع عن القيم و عن معنى الخدمة العامة، او كموصل امين لمعناها. عندئذ يصبح الاعلام جسرا للتواصل والتفاهم بين قاعدته العريضة وبين قياداته.
والمعلوم أن الاهتمام الآن مركز في كافة البلدان المصنعة، وفي عدد متزايد من البلدان النامية على الفرص الجديدة التي تعرضها الابتكارات التكنولوجية في هذا المجال، ومع ذلك فإن هذه الفرص ليست بعد في متناول كل فرد، ويرجع ذلك إلى عوامل سياسية واقتصادية، لأن كثيراً من الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية قد توصل إليها عدد قليل من البلدان ومن الشركات غير الوطنية التي قد تستمر في السيطرة عليها لفترة طويلة قادمة. ومن ثم فمن الحيوي أن تحدد كيف يمكن أن يكون لهذه التطورات التكنولوجية أقصى فائدة لكل الأمم ولكل جماعة في داخل كل أمة، وفي نهاية المطاف لكل الرجال والنساء، وكيف تستطيع أن تساعد على التخفيف من ضروب التفاوت والظلم.
الفن الحرفي و الصحافة الفنية و الثقافية
للفن الحرفي بألوانه الابتكارية و التقليدية، مكانة هامة في الاعلام الفني، المكتوب و المرئي و المسموع و خصوصا في الصحافة الفنية و الثقافية كالدوريات المتخصصة، أو الأسبوعيات السياسية أو الجرائد اليومية، حيث يخصص القسم الفني أو الثقافي مساحة لمواكبة الحركة الفنية و مظاهرها، و ابداء الرأي النقدي في المحاولات الفنية و التجارب الأولى للفنانين الناشئين.
ويشمل مصطلح "الصحافة الثقافية و الفنية" الأشكال الاعلامية التالية:
- لتحرير في دورية فنية، ثقافية أو فكرية متخصصة.
- لتحرير في الصفحة الثقافية في الجريدة اليومية.
- في القسم الثقافي في المجلة الأسبوعية أو الشهرية السياسية.
- اعداد برنامج فني أو ثقافي في محطة اذاعية.
- اعداد برنامج فني أو ثقافي في محطة تلفزيونية.
لذلك يجب أن يكون الصحافي الثقافي الفني صاحب قدرة نقدية، و ذا ثقة فنية في التعبير، حيث يتمتع:
- بثقافة الكلمة، في الاعلام المطبوع، من خلال أسلوبه،
- وبثقافة اللفظة، في الاعلام المسموع، من خلال أدائه،
- بثقافة الصورة، في الاعلام المرئي، من خلال حضوره.
فالأسلوب و الأداء و الحضور، تختلف نسب و مستويات توفرها في كل فن من الفنون الاعلامية.
وتدخل طبعا في مفهوم الاعلام الثقافي و الفني تغطية الندوات و المناظرات و اللقاءات و المحاضرات و المهرجانات.
وغالبا ما يكون الصحافي الفني متخصصا بالكتابة عن هذه الأنواع من الابداعات، لأنها تتطلب ثقافة دقيقة في كل فن من الفنون التشكيلية، و معرفة بسر المهنة ولمسات الذوق التي غالبا ما تصاحب عملية الاهتمام بهذا النوع من الكتابة الاعلامية المتخصصة و التي من أبرز ميزاتها و خصوصياتها أنها تتطلب متابعة دائمة للحركة الفنية محليا و عالميا، حتى يتمكن الصحافي الناقد من تحديد مواطن النجاح أو الفشل في عمل فني تشكيلي محدد، و قياس مدى تطور الفن و الفنانين عموما، بالنسبة الى الحركة الحرفية العالمية، و تعريف القارىء بالملامح العامة لحركة التطور الفني، و اطلاعه على النظريات العامة الجمالية الرئيسية، و ما يرافقها من تبدل في المفاهيم العامة التي هي المنطلق الأساسي لفهم و تذوق العمل الفني و قراءته.
وقد ساعدت الصحافة الفنية، بموادها التعريفية و النقدية، بتكوين الرأي العام الفني الذي اتصل بالحركة في مراحلها المختلفة، ما ساهم باتساع رقعة الانتشار الفني و جعله من علامات الثقافة الحضارية و النوعية. و يعود انشاء أول معهد للفنون في العالم العربي، الى سنة 1908 حيث أنشئت في مصر مدرسة الفنون الجميلة و كان من أوائل طلابها محمد حسن، محمود مختار، يوسف كامل، راغب عياد و علي الأهواني.
الاعلام و ملتقيات الفن الحرفي
ولا يخفى على أحد بان للمعارض غايات واهداف تسعى الى تحقيقها من اجل الرقي بالفن الحرفي، ويعتمد نجاحها على مدى ما تحققه من الوصول الى هذه الاهداف.
ولا ننكر الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام في تغطية نشاطات معارض الفنون البصرية بكافة مجالاتها، و بذلك في تثقيف الجمهور والمساهمة في رفع الحس الفني والذوق الجمالي والاطلاع على الخبرات والتجارب والمهارات الفنية والاسهام في تبادل الآراء والافكار والتعرف من خلالها على كل ما هو جديد في مجال الفن البصري. ومن جانب آخر يأتي دور الفنان الحرفي في طرح قضاياه من خلال عرض اعماله الفنية التي تواكب العصر، وهذه الاعمال التي تتميز
باتجاهات ومدارس فنية لها خلفيات تاريخية تساعد المتذوق في البحث والمعرفة والولوج الى عالم الفن. و لا يقف دور المتلقي فقط عند مشاهدة الاعمال الفنية بل يتزود بثقافة بصرية كافية.
والاقبال بالكثافة الجماهيرية يعتبر من اهم مقومات نجاح المعرض، فلا نجاح بدون حضور وتفاعل من قبل المتذوقين. والفنانون بشكل عام لا يطالبون بأن يكون الجمهور مثقفا فنيا وانما وجوده معهم ودعمه لهم يعتبر انجازاً عظيماً، وبالتالي من خلال حضوره المستمر في المعارض سيتعرف عن قرب الى الفنانين المحليين والعالميين والى الاتجاهات والمدارس الفنية. فالأعمال الحرفية معترف بها تاريخياً، وتمتاز بالعمق التاريخي والرؤية المتكاملة التي تبث منها افكار العصر المتلاحم مع الاكتشافات العلمية الحديثة.
فلا يوجد مدرسة فنية قد تكون بعيدة عن فكر المتلقي، واذا طالبنا بأن يكون المتذوق مثقفاً في هذه الحالة سنركز فقط على فئة معينة وهي النخبة، وان ما يرغب به الفنانون هو ايصال هذه الفنون الى جميع شرائح المجتمع، لأن الفن جزء لا يتجزأ من حياة الانسان مثل جميع المهن الاخرى، وهو بالدرجة الاولى حرفة ابداعية في حياة الانسان وهذه الحرفة صادرة منه وله.
صحيح ان هناك اعمالاً فنية يستعصي على المتلقي استيعابها، ولكن تكرار مشاهدة الاعمال يساعد المتلقي على معرفة ماهيتها وفك طلاسمها، ويكفي الفنان فخراً ان يقف المتذوق امام عمله ويسأل، فمجرد المبادرة في الحوار ستساعد المتلقي على التثقيف وكسب المعرفة. هنا ايضاً يأتي الدور الاكبر للناقد الاعلامي باعتباره حلقة وصل بين الفنان والمتلقي، ويكون جسراً ومترجما للعمل الفني يحلله ويقربه من الجمهور ببساطة ليفهمه ويتذوقه, وبالتالي يساعد هذا الناقد الاعلامي كل من الفنان والمتلقي لتكوين علاقة الود والتواصل بينهما، حيث ان الفنان يقود المجتمع وما يقدمه من فن لصالح المجتمع للنهوض به الى مستويات اعلى، بدل أن يساير المجتمع وان ينجز اعمالا حسب رغبة المتلقي. ثم يأتي دور المعارض التي يجب ان تتميز بعامل الشد والجذب، وأن تكون مهيأة بكل التقنيات الحديثة من حيث الاضاءة وطريقة تقديم
اللوحة والفنان، لتكون الاجواء والمؤثرات الخارجية مساعدة في التأثير على المتلقي ونفسيته خصوصا عندما تنقلها و تغطيها وسائل الاعلام و الاتصال، لأن العامل السيكولوجي ايضا مهم للتشويق والاثارة والمتعة الجمالية، مما يساعد المتلقي على ارتياد المعارض بشكل مستمر حيث سيرى ضالته في هذه المعارض.
الاعلام و قضايا الفن الحرفي في الوطن العربي
ان الفن الحرفي لا يقل اهمية عن بقية مظاهر التطور التي شهدها الوطن العربي في شتى الميادين والاصعدة. منذ بزوغ فجر النهضة ورواد هذا المجال يفيضون بأحاسيسهم ومشاعرهم بثبات واقتدار مصورين بفرشاتهم مجد وحضارة هذه البلاد العريقة حالهم حال الادباء والشعراء، ولم يبخلوا بقدارتهم وامكانياتهم. إلا ان هناك فجوة واسعة بين ما عملته يد هذا الفنان والمتلقي او المشاهد وهذا ما يمكن ان نوعزه الى عدة أسباب: أولا احتضان الفن والفنانين لأكثر من جهة والبحث عن الربحية التجارية في الاعمال الفنية وثانيا عدم وجود صالات عرض جيدة وعدم وجود مكان مخصص لعرض الاعمال المتميزة بشكل دائم كالمتحف الفني، ثالثا ان الثقافة البصرية لدى المتلقي قد تكون غير موجودة للإلمام بالفن التشكيلي. و أخيرا لا تقوم المؤسسات المعنية بنقل و تعزيز الثقافة الفنية بواجباتها في هذا الشأن.
من ناحية الاعلام، ان الخطط الاعلامية في وطننا العربي هي شبه غائبة، فان وجدت فانها لا تطبق، و بالتالي لا يقوم الاعلام بواجبه داخل المجتمع بشكل منتظم و مدروس.
وحق الناس في الاطلاع على المعلومات الضرورية لحياتهم من خلال وسائل الاعلام و الاتصال هو حق طبيعي. لكن اخطر ما في الاعلام العربي، وبخاصة التلفزيون ، انه قد تحول الى مصدر غير تقليدي للقيم وانماط السلوك في مجتمعاتنا. ومن هنا جاءت اهمية واجب الاعلام في تحويل الافكار الايجابية الى معتقدات لدى الناس وتأكيد المعنى السامي للقيمة في الممارسة والسلوك.
ان اهم دور يمكن ان يلعبه الاعلام هو دوره كقناة اتصال وحوار بين فئات المجتمع كما وان الاعلام وسيلة لتقديم الخدمات و المعرفة للجمهور .
في الدول المتقدمة نرى المتلقي لا يعبأ بأن يقف ساعات في طابور طويل ويدفع مبلغ معين في سبيل الحصول على تذكرة لدخول صالة عرض ذات تميز، للمثول امام لوحة فنية مهما كانت نوعية العمل المعروض, وهذا يرجع الى الثقافة الفنية التي يتميز بها الفرد في تلك الدول بفضل وسائل الثقافة لاسيما وسائل الاعلام و الاتصال والجهات التي تتكاتف لتوصيل المعلومة الى الجميع .
نحن بحاجة الى تكثيف الجهود لإظهار اهمية الفن الحرفي والمعارض الفنية لجميع فئات المجتمع دون الاهتمام بشريحة معينة فقط ، وعلى الفنان ان يذهب الى الجمهور ان لم يأت الجمهور اليه. كما ان الفنان الحرفي ملزم بأن يقدم تجارب جديدة وعدم الوقوف عند تجربة معينة فقط، وأن تتميز اعماله بروح الابداع بحيث تساعد هذه التجارب في طرح مواضيع وقضايا العصر، وعدم تكرار تقديم مواضيع تافهة لا تمت بصلة الى الابداع و لا تهم بالتالي وسائل الاعلام و جمهورها...
وصحيح أن الحاسوب وشبكة الانترنت يؤمنان الفرصة امام الفنانين ليوصلوا همومهم و قضاياهم وحتى أعمالهم الى الجمهور الواسع، الا أن مشكلة الامكانيات المادية تطرح هنا من جديد. فاستخدام الوسائل الحديثة يحتاج الى الوقت و الامكانيات المعرفية و المادية ، و هو غير متاح لجميع الناس و لكل فئات الفانين.
من جهة أخرى يقدم الانترنت فرصا كبيرة لسرقة الآخرين و هنا تشكل هذه الوسيلة الاتصالية خطرا على انتاج و ابداع الفنان ، اذ يمكن من خلالها استخدام معدات تنتمي الى التيارات الفنية في العالم اجمع، ماضيا وحاضرا. والفنانون لا يختلفون في ذلك عن اسلافهم، فلقد كان من الطبيعي دائما استخدام افكار السابقين وجزء من اعمالهم. اما السرقة الادبية فهي شأن آخر.
يقدم الفيلسوف جاك سوليلو تعليقا نظريا لافتا حول هذه الظاهرة: "تأتي الصعوبة في تقديم البرهان على وجود انتحال في مجالي الفن والادب من عدم كفاية الادعاء بأن زيداً مثلا استوحى من عمر من دون ذكر مصادره عند اللزوم بل ايضا تقديم البرهان بأن عمر لم يستوح من احد. يفترض الانتحال، في الواقع، ان التراجع من زيد الى عمر يتوقف عند هذا الحد، اذ انه في حال تقديم برهان على ان عمر استوحى، وتالياً انتحل من شخص ثالث سابق في الزمن، فان اتهام زيد يصبح واهنا" .
من المشروع ان يحصل الفنانون على مردود عادل لاعمالهم. ويبدو ان حقوق المؤلفين تشكل اهم مصدر للدخل. بيد ان هذه الحقوق تتحول الى اضخم المنتجات التجارية في القرن الحادي والعشرين. فالنظام لم يعد قادرا على حماية مصالح الغالبية من الفنانين و يدفعهم هذا الواقع الى محاولة ايجاد سبل اخرى تؤمن لهم وسائل العيش من اعمالهم وتأمين الاحترام الذي يستحقونه لانجازاتهم. هنا أيضا نذكر أهمية دور الاعلام و الاتصال في ايصال هموم الفنان الى الحمهور الواسع و تسليط الضوء على قضاياه. فكيف ينتج الفنان و هو قلق و تشغله هموم الرزق و المادة، وتعترضه صعوبات كثيرة في نقل أعماله و تسجيلها و دفع الرسوم الجمركية و في المشاركة في المعارض ، الخ..
على وسائل الاعلام و الاتصال أن تساهم في راحة الفنانين الحرفيين و حماية طاقتهم الانتاجية و الابداعية لتحمي الفن الحرفي و مستواه في بلادنا. من هنا توصي ورقتي بأن تتشكل في أسرع وقت هيئة عربية لمراقبة التغطية الاعلامية لقضايا الفن و علاقة المؤسسات الفنية و نقابات الفن التشكيلي و الفنانين مع المؤسسات الاعلامية. هذه الهيئة يكون من واجباتها الحرص على ما يلي:
* أولا أن تتولى و زارات الثقافة و الاعلام بناء جسور بين وسائل الاعلام و الفنان الحرفي عبر تزويد وسائل الاعلام بكل المعلومات الضرورية لتغطية النشاطات و متابعة قضايا الفن التشكيلي، و نقل هذه القضايا الى المسؤولين المعننين بمعالحتها.
* ثانيا أن تشمل الخطط الاعلامية في الوطن العربي قضايا الفن الحرفي بحيث تحرص مؤسسات الدول، المعنية بمراقبة محتوى الاعلام، على أن تساهم وسائل الاعلام في التواصل بين الفنان و المتلقي و الحكومات بتخصيص منابر لهؤلاء يعبرون من خلالها عن حاجاتهم و يخبرون عن مشاريعهم، و على أن يواكب الاعلام العربي هموم و هواجس الفنانين العرب و يواكب أعمال هؤلاء الفنانين و انتاجاتهم و دون تمييز.
أهمية السياحة الثقافية
السياحة الثقافية هي ترويح للنفس وتهذيب للسلوك وزيادة للمعرفة والمتعة والترفيه
وهي تشكل جديدا في حياة الإنسان. وهناك ثلاث دعائم أساسية تقوم عليها السياحة الثقافية،
هي المكان والزمان والإنسان:
المقصود بالمكان المواقع الأثرية والتراثية.
والإنسان معناه وجود الفرد الواعي والمدرب والمؤهل .
أما الزمان فنقصد به قصة الموقع وعلاقة الإنسان به.
هذه العوامل تشكل مقومات السياحة الثقافية، و تشهد السياحة تحولاً من النمط التقليدي إلى نمط جديد، تلعب فيه الثقافة دوراً بارزاً لأن السياحة الثقافية هي المجال الأمثل لخلق الترابط بين الثقافة والتنمية، ولهذا يصحب ذلك تحول في المادة السياحية المقدمة للسائح.
وقد انصب الاهتمام في الماضي على زيارة الأقواس الدينية، بينما أصبح اليوم التركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها العديد من المدن والجهات، تلك الخصوصيات التي يمكن من خلالها دفع الانتاج السياحي وتطويره.
إن المحتوى الثقافي المميز الموجه للسياح لا يمكن أن تكون الغاية منه إلا غاية إنمائية للقطاع السياحي وتحقيقاً للتنمية الشاملة للبلد، ولتحقيق ذلك لابد أن تتوفر مجموعة من الأطر، التي يمكن من خلالها تقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية...
نحو خطة سياحية
يبدأ طرح خطة إعلامية لتسويق السياحة الثقافية من الآتي:
1- يجب ان نفهم جيدا أن وسائل الاعلام و الاتصال اليوم مع تطور تقنياتها ووصولها الى دول العالم يمكن أن تؤثر الى حد كبير في تكوين صورة عن البلد المعني و تاريخه و شعبه. لذلك فان كل البرامج الفضائية الاخبارية والترفيهية والتوثيقية و المسلسلات الدرامية لها الدور الأساسي في جذب الجمهور العالمي الى لبنان أو ابعاده عنه. لذلك ترتبط الخطة السياحية بالسباسة الاعلامية العامة للبلد الى حد بعيد، و في حال غيابها تشتت الأهداف و قصّرت أي خطة..
2- إن أهم وسيلة اعلام بالنسبة للسياحة هو ذلك السائح الذي يزور البلد، ثم يذهب إلى بلده، ويتكلم عن سروره لما وجده من حسن معاملة وضيافة وكرم أخلاق وتفهم و انفتاح لدى اللبنانيين، يعني أن الاتصال المباشر هو الوسيلة الثانية بعد الاتصال الفضائي في تطوير الساحة الثقافية.
3- التنسيق و التكامل بين المؤسسات الاعلامية الخاصة و العامة ووزارة السياحة و مختلف الا طراف المعنية بالسياحة في لبنان وسائل الإعلام في سبيل إبراز القطاع السياحي، لإعطاء صورة صحيحة عن المعالم السياحية بواسطة الأفلام الوثائقية و غيرها، وبشكل دوري تبعاً للمواسم السياحية.
4- استعمال المنشورات الإرشادية للإعلان عن السياحة في معظم شركات الطيران والمكاتب السياحية المتخصصة في الخارج لتسويق البلد ومميزاته السياحية، مع ضرورة تنويعها حسب رغبات السياح.
5- المشاركة الدائمة في المعارض السياحية الدولية ومواكبة حركة الاتصالات التي ترافق هذه المعارض.
6- زيادة موازنة وزارة السياحة، لأجل تمويل الحملات الإعلامية السياحية في الخارج.
7- توجيه الاهتمام في الإعلام السياحي إلى مكاتب السياحة والسفر وشركات نقل السياح، لأنهم يؤثرون على حركة اتجاه السياح.
8- قيام السفارات في الخارج باستطلاع الحركة السياحية في البلد التي تمثل فيه دولتها، لدراسة الإعلام المناسب الذي يؤثر في السياح، حتى يعطي الإعلام السياحي أحسن النتائج.
9- أي إعلام سياحي يجب أن يسبقه استقرار الحالة الأمنية في الوطن، لأنه من الطبيعي أن لا يعطي ثماراً إذا واكبته اعتداءات مستمرة، أو تعرضت الحالة الأمنية إلى انتكاسات معينة.
*********************
المراجع
* صالح أبو أصبع، الاتصال و الاعلام في المجتمعات المعاصرة، دار آرام للدراات و النشر و التوزيع، عمان 1995.
* حسن الحسن، التفاوض و العلاقات العامة، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت 1993.
* ٍأحمد محمد المصري، العلاقات العامة، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة و النشر، الاسكندرية 1985.
* صالح أبو أصبع، ادارة المؤسسات الاعلامية في الوطن العربي، دار آرام للدراسات و النشر و التوزيع، عمان 1997.
* La communication, Etat des savoirs, coordonne par Philippe Cabin, Ed.Sciences Humaines, Auxerre 1999.
* Bernard Lamizet, Les lieux de la comunication, Ed. Mardaga, Liege 1992.
* Eric Hazan, La propaganda du quotidian, LQR, Poche , Paris 2 Fév 2006•