الاستاذ : لموسخ محمد
استاذ مساعد بجامعة قاصدي مرباح بورقلة
المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
مقدمة:
من المعروف أن المسؤولية الجنائية تقوم على مبدأ شخصية العقوبة وبمعنى أخر فانه من لا يساهم في الجرائم يكون بمنأى عن العقاب وتتحدد المسؤولية الجنائية عن الأفعال الإجرامية العقاب عليه والمجرمة في القانون سواء ارتكبت بصورة عمدية أو بصورة غير عمدية .
ونظرا لأهمية الشخص المعنوي خصوصا في الوقت الحاضر حيث اصبح يتولى العديد من الأعمال التي يقوم بها الشخص الطبيعي وفي مقابل ذلك اصبح الشخص المعنوي يرتكب العديد من الجرائم ، ومن مستلزمات ومقتضيات العدالة معاقبة الشخص المعنوي ، وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري في تعديله للقانون العقوبات رقم 04/15 بتاريخ 10/11/2004 وهذا ما سنحاوله التعرض له في هذه الدراسة وفقا للمواضيع التالية :
- معنى الشخص المعنوي ؟
- أسس مبررات مساءلة الشخص المعنوي ؟
- النظريات التي قيلت في المسؤولية للشخص المعنوي ؟
- موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ؟
- العقوبات المقررة للشخص المعنوي في قانون العقوبات الجزائري ؟
- المتابعة الجزائية للشخص المعنوي ؟
أولا : معنى الشخص المعنوي :
بالرجوع الى النصوص القانونية نجدها لم تعرف الشخص المعنوي بل اكتفت بذكره فقط، والعقوبات المقررة له خصوصا المادة 09 من قانون العقوبات
وبالرجوع الى الفقه نجد جملة من التعريفات تتخلص في ” الشخص المعنوي جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال تهدف الى تحقيق غرض معين ويعترف لها بالشخصية القانونية ” (1)
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن الشخص المعنوي يتكون من ثلاثة عناصر جوهرية هي استلزم مجموعة من الأشخاص و الأموال واستهدف غرض معين بهذه المجموعة أو بتلك الأموال ، واعترف المشرع لها بالشخصية القانونية .
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن ميلاد الشخص المعنوي ليست طبيعية بل قانونية ومادامت كذلك فان القانون لا يعترف بأشخاص بدون هدف أو غرض معين ومحدد مسبقا .
ثانيا : الأسس والمبادئ التي تقوم عليها مسؤولية الأشخاص المعنوية
نظرا لأهمية الشخص المعنوي في الحياة العامة وما تطلبه من ضرورة مساءلته وذلك نتيجة لجملة من المبررات منها 2)
- إن تطبيق مبدأ المساواة وتحقيق العدالة يتطلب مساءلة الشخص المعنوي على ما اقترفه من جرائم سواء كانت تامة أو منقوصة مثل الشخص الطبيعي تماما ، وان عدم فعل ذلك يعتبر مخالفة للعدل ومساءلة الشخص الطبيعي عما يرتكبه من فعل مجرم دون مساءلة الشخص المعنوي رغم ان الفعل يدخل في دائرة الأفعال التي يقترفها هذا الأخير .
- دخول الشخص المعنوي الحياة بصورة فعالة مما جعل إمكانية الانحراف والخطورة الإجرامية وتهديد المجتمع أمرا محتملا ، مما استوجب مساءلة الشخص المعنوي كالشخص الطبيعي ، وذلك نتيجة لوقوف المشرع موقفا سلبيا إزاء جرائم تهدد أمنه واستقراره.
- إن طبيعة الشخص المعنوي تختلف عن الشخص الطبيعي ، وعليه فان الشخص المعنوي قد يقوم ببعض التصرفات والأعمال التي لا يستطيع الشخص الطبيعي القيام بها إما نتيجة لمحدودية حياته أو لطبيعة هذه الأعمال والتصرفات .
ومن خلال ما تقدم وبالاعتراف بالشخصية القانونية للشخص المعني ثار جدال فقهي ولا يزال حول إمكانية مساءلة الشخص المعنوي ، غير أن السؤال الجوهري والأساسي هو : هل يسأل الشخص المعنوي باعتباره شخصا قانونيا متميزا عن ممثله وعن الأفعال المجرمة التي ارتكبها ؟ وهل يمكن توقيع العقوبات الجنائية عليه ؟ وما هي طبيعة هذه العقوبات ؟
ولقد انقسم فقهاء القانون الجزائي الى فريقين ، أحدهما يعارض والآخر يؤيد قيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي .
أ- الاتجاه المنكر للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي :
يرى جانب من الفقه بوجوب إنكار وعدم الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الطبيعيون باعتبارهم ممثليه او تابعيه او مسؤوليته لمصلحته ، وهم يرون ان المسؤولية الجنائية تقع على عاتق الشخص الطبيعي أي ممثل الشخص المعنوي او أحد القائم بأعماله ، وذلك على أساس أنها وقعت من طرفهم شخصيا وتنسب إليهم ولا يمكن أن توقع أو تنسب الى الشخص المعنوي وذلك بناءا على الأسس التالية:
- إن مساءلة الشخص المعنوي جنائيا فيها خرق لمبدأ شخصية العقوبة ، وذلك لان توقيع العقوبة على من لم يرتكب أصلا أي جريمة أو يشترك فيها،.
- إن الشخص المعنوي عديم الإرادة ، كما أن أهليته محددان بالغاية التي انشا من اجلها .
- إن طبيعة الشخص المعنوي افتراضية وصفته وهمية كما أن إرادته غير متسلقة على مسيره، وهو لا يستطيع القيام بالفعل المادي للجريمة كما أن المسؤولية تتطلب توافر الإرادة والإدراك والاختيار هذا لا يمكن تصوره في جميع الأحوال لدى الشخص المعنوي.
ب- الاتجاه المؤيد للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
يقوم أنصار هذا الرأي على الرد على مجموعة الحجج التي ناد بها المعارضون وعي في الأساس تتمثل فيما يلي :
- إن القول بان الشخص المعنوي افتراضي وغير عملي كلام مردود بحكم الواقع والمنطق حيث اثبت الفقه الحديث إن إرادة الشخص المعنوي موجودة بل ومستقلة على أعضائه وان الفقول بغير ذلك سيؤدي الى عدم إمكانية هدا الشخص المعنوي أساسا وعلية لا يتحمل حتى المسؤولية المدنية لانعدام الإرادة وهذا غير منطقي وعملي .
- إن أساس الاستدلال كون أهلية الشخص المعنوي مقترن أساسا بالهدف والغاية من إنشاءه غير صحيح وذلك لانه سيؤدي الى عدم مساءلة هذا الأخير على التعويض للمعمل غير المشروع لانه ليس هدف وغاية من نشاته.
- إن القول بان معاقبة الشخص المعنوي فيه خروج عن مبدأ شخصية العقوبة فيه خلط وعدم فهم للخلط بين أساس التجريم وطبيعة العقوبة وما يترتب على الفعل المجرم من نتيجة وما يترتب عن العقوبة بصورة مباشرة لها.
- إن الادعاء بعدم إمكانية معاقبة الشخص المعنوي بأنواع معينة من العقوبات مثل الإعدام والعقوبات السالبة للحرية يمكن دحضه من خلال :
• إن طبيعة الشخص المعنوي تستلزم طبيعة معينة من العقوبات مثل عقوبة الإعدام للشخص المعنوي تقابلها عقوبة الحل لدى الشخص المعنوي ، بالإضافة الى العديد من العقوبات التي تتلاءم والشخص المعنوي ومنها الغرامة والحرمان وسحب الرخصة والمصادرة ….الخ
• ان مجال البحث هو مدى إمكانية قيام الشخص المعنوي بأفعال مجرمة أي ارتكاب للفعل المادي وليس مجال بحثنا مدى إمكانية معاقبته لأنها تختلف باختلاف السياسة لجنائية المتبعة .
مع الملاحظة انه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي على الأفعال المجرمة المرتكبة من قبل الأشخاص الطبيعي ما لم يكن ممثلا قانونيا له من جهة ومن جهة أخرى أن يقوم بالفعل في حدود اختصاصه الوظيفي وفي إطار صلاحياته.
ثالثا: النظريات التي قيلت في المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي (3)
لقد ظهرت العديد من النظريات التي تبحث على مبررات لمساءلة الشخص المعنوي وسنحاول التركيز على أهم هذه النظريات ومنها :
أ- نظرية الشخصية الافتراضية :
تنطلق هذه النظرية من فكرة أن الشخص الطبيعي هو الوحيد الذي يتمتع بالشخصية الحقيقة والكاملة والتي تستمد مصدرها من طبيعة الإنسان ، وان دور القانون ما هو إلا كاشف لها وليس منشاء لها ..
وان إعطاء الشخص المعنوي الشخصية ماهو إلا افتراضي ومجازي وليس حقيقي وذلك بهدف إعطاءه جملة من الحقوق في قابل تحمله للالتزامات وذلك من اجل تحقيق أهدافه ومن ثم نقول بان القانون هو من يعطيه هذه الشخصية فهو منشئ لها
ومن الفقهاء الدين نادوا بهذه الفكرة نذكر( جيز وسافيني وغيرهما )
وتنتهى هذه النظرية الى الخلاصة التالية :
إن أحكام القانون الجنائي لا تخاصب إلا الإنسان لما يتمتع به مكن شخصية قانونية كاملة وقدرات مادية وذهنة يترتبها عناه تحمل المسؤولية الجنائية ، وفي المقابل فانه من غير المنطقي مساءلة شخص افتراضي جنائيا لانه من صنع وإنشاء القانون فقط.
النقد:
ان النظرية تقوم على مفهوم خاطئ وذلك لأنها تعتبر الإنسان الشخص القانوني الوحيد الذي يتمتع بالشخصية القانونية وفي هذا تناقض مع الواقع والمنطق فالكل يعتبر الدولة شخص قانونيا رغم أنها بدون جسد أو روح وان القول بخلاف ذلك يجعل تصرفاتها غير حقيقية .
كما ان هذه النظرية لم تقدم حلول وبقيت عاجزة عن تفسير المالك الحقيقي لاموال الشخص المعنوي إذا اعتبرنا أن الشخص المعنوي مستقل على القائمين بأعماله وكذلك مستقلة الذمة المالية عن ذممهم ، فلمن تكون هذه الأموال مملوكة إذا لم تكن للشخص المعنوي ؟؟
كما أن مبدا شخصية العقوبة يقتضي تسليط العقوبة على مرتكب الجريمة بالذات او من ساهم وشارك فيها وعليه فان الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي تجعلنا نعاقب أشخاص حقيقيين لهم مصالح في الشخص المعنوي .
ب- النظرية الاجتماعية ( نظرية النظم)
يرجع تأصيل هذه النظرية على أساس أن الشخصية المعنوية ما هي إلا مجموعة من النظم الحقيقية التي تكشف عنها الروابط الاجتماعية ويثبت لها ما يثبت لهذه النظم من واقعية وهذه النظرية تبحث عن التمييز بين المكونات الواقعية للشخص المعنوي وبين الشخصية القانونية والتي هي في الأساس أسلوب للتعبير عنها في الجانب القانوني.
ومن زعماء هذه النظرية الفقيه (موريس هوريو) لذي يرى أن ظهور الشخص المعنوي كان نتيجة منطقية لتطور الاجتماعي فهي كائنات اجتماعية مثل الإنسان وتتمته بطبيعة خاصة ولها شخصية حقيقية لم يخلها وينشأها المشرع بل دوره وجوب الاعتراف بها فقط على قبيل الاعتراف بالمواليد الطبيعيين للإنسان ، وعليه فبإمكان الشخص المعنوي بعد ميلاده ممارسة حياة طبيعية وحقيقية وقانونية عبد الاعتراف به
وان الواقع يثبت إمكانية ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم ، كما أن القانون المدني والقضاء المدني يعترف بالمسؤولية المدنية للشخص المعنوي ومن التناقض إنكار المسؤولية في القانون والقضاء الجزائي.
ج-نظرية الحق دون صاحب ( نظرية التخصيص)
تقوم هذه النظرية على مضمون ان الشخص المعنوي خيال وإلا الأموال التي بحوزته لا مالك لها وانه لا يسال جنائيا لانعدام الأهلية لانه محدود الغرض والهدف بحسب ما إنشاء من اجله ، فهو لم ينشا لارتكاب جرائم ، وعليه فما يقوم به من أعمال خاصة الغرض الأساسي من إنشائه يكون غير مؤهل وبالتالي لا يسال عليه .
النقد :
لقد وجهت لهذه النظرية العديد من الانتقادات أهمها :
- ان هذه النظرية وقعت في تناقض فهي تعترف بإمكانية الشخص المعنوي اكتساب الحقوق والأموال بين يديه دون مكوينيه من جهة ثم تقول بعدم وجوب صاحب لهذه الأموال من جهة ثانية ، وهذه تناقض واضح لان كل حق له صاحب يستأثر به .
- أن الانطلاق من فكرة ان الشخص المعنوي غير مؤهل غير منطقية لانه ارتكب الجرائم دون الغرض من نشأته لان حتى الشخص الطبيعي والحقيقي ينطبق عليه نفس القول .
- كما ان هذه النظرية لم تعطى تفسير للعلاقة بين الشركاء والقائمين بأعمال الشخص المعنوي فيما بينهم وعلاقتهم بالشخص المعنوي كذلك .
رابعا : موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ؟
لقد تأثر المشرع الجزائر بالنهج الذي تبناه المشرع الفرنسي في قانون العقوبات الذي كان يقوم على رفض الإقرار بالمسؤولية الجنائية المطلقة للشخص المعنوي وجاء في المادة 121/02 من قانون العقوبات الفرنسي (( أن الأشخاص المعنوية مسؤولة جزائيا . عن الجرائم المرتكبة من قبل هيئاتها وممثليها لحسابها )) ويقصد بعبارة لحسابها ان الشخص المعنوي لا يسال إلا عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحته او لفائدته كتقديم رشوة لتحصيل مؤسسة على صفقة .(4)
والمشرع الجزائري كان يرفض كليا الاعتراف بمسؤولية الشخص المعنوي إلا بعد التعديل الأخير كما استبعد المادة 647 من ق ا ج إمكانية توقيع العقوبة على الشخص المعنوي إلا بصفة استشنائية مع إمكانية اتخاذ تدابير أمن ضده وهو بذاك يكون قد تبنى توصيات المؤتمر السابع لقانون العقوبات الذي جاء فيه عدم مساءلة الشخص المعنوي بل يسال من يمثله جنائيا من أشخاص طبيعيين لان المسؤولية مبنية على الإرادة والإدراك الحر ، كما أن المؤتمر تبنى إمكانية اتخاذ تدابير وإجراءات وقائية تجاه الأشخاص المعنوية
وهو ما ذهبت إليه المادة 26 من ق ع الجزائري تطبيق لاحكام المادة 20 من نفس القانون التي تنص على تدابير الأمن العينية هي : مصادرة الأموال – إغلاق المؤسسة
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري قد استبعد المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
مع إمكانية توقيع تدابير آمن عليه .
ولكن بموجب القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتتم لقانون العقوبات قد تراجع المشرع عن موقفه بالنظر الى زيادة عدد ومخاطر واخطاء الأشخاص المعنوية مما توجب إخضاعهم لقانون العقوبات مع مراعاة الطبيعة الخاصة لهم ، مع مراعاة دور الأشخاص القائمين بأعمال والممثلين للشخص المعنوي من اجل تحقيق حماية جنائية فعالة للمجتمع .
وعليه وتماشيا مع هذا النهج والتطور فقد ادرج المشرع الجزائري جمله من العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي مع مراعاة الطبيعة الخاصة له.
خامسا:العقوبات المقررة للشخص المعنوي في قانون العقوبات الجزائري
لقد نص القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمم لقانون العقوبات أقر صراحة مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك ، محددا العقوبات المطبقة عليه تبعا لوصف الجريمة .
ونصت المادة 18 مكرر منه على أن (( العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح هي :
1- الغرامة التي تساوي من مرة (01) الى خمس مرات (05) الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة.
2- واحدة أو اكثر من العقوبات آلاتية :
– حل الشخص المعنوي
– غلق المؤسسة أو الفرع من فروعها لمدة لا تتجاوز05 سنوات
– الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات
– المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر او غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز 05 سنوات
– مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها
– نشر وتعليق حكم الإدانة
– الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات ، وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى الى الجريمة أو ارتكب الجريمة بمناسبته.
أما في مواد المخالفات فقد حددت المادة 18 مكرر 1 العقوبات وهي :
- الغرامة التي تساوي من مرة (01) الى خمس مرات (05) الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة ثم أجاز بإمكانية الحكم بمصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة او نتج عنها .
ملاحظة : وما يمكن ملاحظته أن المشرع الجزائري وبالرغم من معاقبة الشخص المعنوي وكذا الشخص الطبيعي باعتباره كفاعل اصلي او كشريك على نفس الأفعال إلا انه استثنى في المادة 51 مكرر الأشخاص المعنوية العامة ( الدولة والجماعات المحلية ) التي تخضع للقانون العام.
* غير أن المشرع أضاف تعديل للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي على جملة من الأفعال ويتعلق الأمر بالجرائم التالية :
– جريمة تكوين جمعية أشرار ( المواد 176 الى 177 مكرر01 قانون العقوبات )
– جريمة تبيض الأموال ( المواد 389مكرر الى 389 مكرر 07)
– جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ( المواد 394 مكرر الى 394 مكرر 07)
خاتمة :
أن اعتبار الشخص المعنوي كائن حقيقيا وله ارادة كاملة يستطيع التعبير عنها بكل الوسائل وما ينتج عنه من القيام او الامتناع عن القيام بأفعال ، وعليه باتت المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي امرا مفروضا وحقيقة واقعية استلزماتها متطلبات الحياة العصرية ومع ذلك يجب مراعاة خصوصية هذه الأشخاص وربط متابعتها جزائيا بوجود نص صريح يفيد بذلك ، مع العلم أن مسؤولية الشخص المعنوي لا تحجب متابعة الشخص الطبيعي فان مسؤوليته لا تستلزم بالضرورة متابعة الشخص الطبيعي
مع ضرورة التأكيد على الطبيعة الخاصة للعقوبة التي يتميز بها الشخص المعنوي المدان جزائيا .
الهوامش
1- احمد عبد الظاهر : الحماية الجنائية لحق الشخص المعنوي في الشرف والاعتبار ، طبعة الاولى ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2005 ص 15.
وانظر كذلك – محمدة محمد : المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي : مجلة المفكر ، جامعة محمد خيضر بسكرة سنة 2006 العدد الاول ص 41 وما بعدها
2-محمد عبد الرحمن بوزبر :المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتباريين عن جرائم غسيل الأموال، مجلة الحقوق ، جامعة الكويت ، العدد 03 سنة 2004 ص 13
وكذلك – احمد محمد قائد مقبل :المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2005 ،ص 2 وما بعدها
وكذلك – مبروك عبد الله النجار :المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، دار المعارف ، مصر ،1980 ص 29 وما بعدها كذلك حسينة شرون وعبد الحليم بن مشري :المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في التشريع الجزائري ،مجلة المنتدى القانوني ، قسم الكفاءة المهنية للمحاماة ، جامعة محمد خيضر بسكرة العد الثاني 2005 ص 12 وما بعدها
وكذلك – محمود نجيب حسني : شرح قانون العقوبات القسم العام ، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية ، مصر ،1977 ص 544 وما بعدها .
3- عقيدة محمد ابو العلا: الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد ، دار النهضة العربية ، مصر ،2004 ص 78 وما بعدها
4- المرجع نفسه ، ص 80و81 .
القوانين :
1- الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات
2- الآمر رقم 76-106 المؤرخ في 09/12/1976 المتضمن قانون الاجراءات الجزائية
3- القانون رقم 04-14 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمم لقانون العقوبات
4- القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمتم لقانون الاجراءات الجزائية
استاذ مساعد بجامعة قاصدي مرباح بورقلة
المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
مقدمة:
من المعروف أن المسؤولية الجنائية تقوم على مبدأ شخصية العقوبة وبمعنى أخر فانه من لا يساهم في الجرائم يكون بمنأى عن العقاب وتتحدد المسؤولية الجنائية عن الأفعال الإجرامية العقاب عليه والمجرمة في القانون سواء ارتكبت بصورة عمدية أو بصورة غير عمدية .
ونظرا لأهمية الشخص المعنوي خصوصا في الوقت الحاضر حيث اصبح يتولى العديد من الأعمال التي يقوم بها الشخص الطبيعي وفي مقابل ذلك اصبح الشخص المعنوي يرتكب العديد من الجرائم ، ومن مستلزمات ومقتضيات العدالة معاقبة الشخص المعنوي ، وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري في تعديله للقانون العقوبات رقم 04/15 بتاريخ 10/11/2004 وهذا ما سنحاوله التعرض له في هذه الدراسة وفقا للمواضيع التالية :
- معنى الشخص المعنوي ؟
- أسس مبررات مساءلة الشخص المعنوي ؟
- النظريات التي قيلت في المسؤولية للشخص المعنوي ؟
- موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ؟
- العقوبات المقررة للشخص المعنوي في قانون العقوبات الجزائري ؟
- المتابعة الجزائية للشخص المعنوي ؟
أولا : معنى الشخص المعنوي :
بالرجوع الى النصوص القانونية نجدها لم تعرف الشخص المعنوي بل اكتفت بذكره فقط، والعقوبات المقررة له خصوصا المادة 09 من قانون العقوبات
وبالرجوع الى الفقه نجد جملة من التعريفات تتخلص في ” الشخص المعنوي جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال تهدف الى تحقيق غرض معين ويعترف لها بالشخصية القانونية ” (1)
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن الشخص المعنوي يتكون من ثلاثة عناصر جوهرية هي استلزم مجموعة من الأشخاص و الأموال واستهدف غرض معين بهذه المجموعة أو بتلك الأموال ، واعترف المشرع لها بالشخصية القانونية .
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن ميلاد الشخص المعنوي ليست طبيعية بل قانونية ومادامت كذلك فان القانون لا يعترف بأشخاص بدون هدف أو غرض معين ومحدد مسبقا .
ثانيا : الأسس والمبادئ التي تقوم عليها مسؤولية الأشخاص المعنوية
نظرا لأهمية الشخص المعنوي في الحياة العامة وما تطلبه من ضرورة مساءلته وذلك نتيجة لجملة من المبررات منها 2)
- إن تطبيق مبدأ المساواة وتحقيق العدالة يتطلب مساءلة الشخص المعنوي على ما اقترفه من جرائم سواء كانت تامة أو منقوصة مثل الشخص الطبيعي تماما ، وان عدم فعل ذلك يعتبر مخالفة للعدل ومساءلة الشخص الطبيعي عما يرتكبه من فعل مجرم دون مساءلة الشخص المعنوي رغم ان الفعل يدخل في دائرة الأفعال التي يقترفها هذا الأخير .
- دخول الشخص المعنوي الحياة بصورة فعالة مما جعل إمكانية الانحراف والخطورة الإجرامية وتهديد المجتمع أمرا محتملا ، مما استوجب مساءلة الشخص المعنوي كالشخص الطبيعي ، وذلك نتيجة لوقوف المشرع موقفا سلبيا إزاء جرائم تهدد أمنه واستقراره.
- إن طبيعة الشخص المعنوي تختلف عن الشخص الطبيعي ، وعليه فان الشخص المعنوي قد يقوم ببعض التصرفات والأعمال التي لا يستطيع الشخص الطبيعي القيام بها إما نتيجة لمحدودية حياته أو لطبيعة هذه الأعمال والتصرفات .
ومن خلال ما تقدم وبالاعتراف بالشخصية القانونية للشخص المعني ثار جدال فقهي ولا يزال حول إمكانية مساءلة الشخص المعنوي ، غير أن السؤال الجوهري والأساسي هو : هل يسأل الشخص المعنوي باعتباره شخصا قانونيا متميزا عن ممثله وعن الأفعال المجرمة التي ارتكبها ؟ وهل يمكن توقيع العقوبات الجنائية عليه ؟ وما هي طبيعة هذه العقوبات ؟
ولقد انقسم فقهاء القانون الجزائي الى فريقين ، أحدهما يعارض والآخر يؤيد قيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي .
أ- الاتجاه المنكر للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي :
يرى جانب من الفقه بوجوب إنكار وعدم الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي عن الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الطبيعيون باعتبارهم ممثليه او تابعيه او مسؤوليته لمصلحته ، وهم يرون ان المسؤولية الجنائية تقع على عاتق الشخص الطبيعي أي ممثل الشخص المعنوي او أحد القائم بأعماله ، وذلك على أساس أنها وقعت من طرفهم شخصيا وتنسب إليهم ولا يمكن أن توقع أو تنسب الى الشخص المعنوي وذلك بناءا على الأسس التالية:
- إن مساءلة الشخص المعنوي جنائيا فيها خرق لمبدأ شخصية العقوبة ، وذلك لان توقيع العقوبة على من لم يرتكب أصلا أي جريمة أو يشترك فيها،.
- إن الشخص المعنوي عديم الإرادة ، كما أن أهليته محددان بالغاية التي انشا من اجلها .
- إن طبيعة الشخص المعنوي افتراضية وصفته وهمية كما أن إرادته غير متسلقة على مسيره، وهو لا يستطيع القيام بالفعل المادي للجريمة كما أن المسؤولية تتطلب توافر الإرادة والإدراك والاختيار هذا لا يمكن تصوره في جميع الأحوال لدى الشخص المعنوي.
ب- الاتجاه المؤيد للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
يقوم أنصار هذا الرأي على الرد على مجموعة الحجج التي ناد بها المعارضون وعي في الأساس تتمثل فيما يلي :
- إن القول بان الشخص المعنوي افتراضي وغير عملي كلام مردود بحكم الواقع والمنطق حيث اثبت الفقه الحديث إن إرادة الشخص المعنوي موجودة بل ومستقلة على أعضائه وان الفقول بغير ذلك سيؤدي الى عدم إمكانية هدا الشخص المعنوي أساسا وعلية لا يتحمل حتى المسؤولية المدنية لانعدام الإرادة وهذا غير منطقي وعملي .
- إن أساس الاستدلال كون أهلية الشخص المعنوي مقترن أساسا بالهدف والغاية من إنشاءه غير صحيح وذلك لانه سيؤدي الى عدم مساءلة هذا الأخير على التعويض للمعمل غير المشروع لانه ليس هدف وغاية من نشاته.
- إن القول بان معاقبة الشخص المعنوي فيه خروج عن مبدأ شخصية العقوبة فيه خلط وعدم فهم للخلط بين أساس التجريم وطبيعة العقوبة وما يترتب على الفعل المجرم من نتيجة وما يترتب عن العقوبة بصورة مباشرة لها.
- إن الادعاء بعدم إمكانية معاقبة الشخص المعنوي بأنواع معينة من العقوبات مثل الإعدام والعقوبات السالبة للحرية يمكن دحضه من خلال :
• إن طبيعة الشخص المعنوي تستلزم طبيعة معينة من العقوبات مثل عقوبة الإعدام للشخص المعنوي تقابلها عقوبة الحل لدى الشخص المعنوي ، بالإضافة الى العديد من العقوبات التي تتلاءم والشخص المعنوي ومنها الغرامة والحرمان وسحب الرخصة والمصادرة ….الخ
• ان مجال البحث هو مدى إمكانية قيام الشخص المعنوي بأفعال مجرمة أي ارتكاب للفعل المادي وليس مجال بحثنا مدى إمكانية معاقبته لأنها تختلف باختلاف السياسة لجنائية المتبعة .
مع الملاحظة انه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي على الأفعال المجرمة المرتكبة من قبل الأشخاص الطبيعي ما لم يكن ممثلا قانونيا له من جهة ومن جهة أخرى أن يقوم بالفعل في حدود اختصاصه الوظيفي وفي إطار صلاحياته.
ثالثا: النظريات التي قيلت في المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي (3)
لقد ظهرت العديد من النظريات التي تبحث على مبررات لمساءلة الشخص المعنوي وسنحاول التركيز على أهم هذه النظريات ومنها :
أ- نظرية الشخصية الافتراضية :
تنطلق هذه النظرية من فكرة أن الشخص الطبيعي هو الوحيد الذي يتمتع بالشخصية الحقيقة والكاملة والتي تستمد مصدرها من طبيعة الإنسان ، وان دور القانون ما هو إلا كاشف لها وليس منشاء لها ..
وان إعطاء الشخص المعنوي الشخصية ماهو إلا افتراضي ومجازي وليس حقيقي وذلك بهدف إعطاءه جملة من الحقوق في قابل تحمله للالتزامات وذلك من اجل تحقيق أهدافه ومن ثم نقول بان القانون هو من يعطيه هذه الشخصية فهو منشئ لها
ومن الفقهاء الدين نادوا بهذه الفكرة نذكر( جيز وسافيني وغيرهما )
وتنتهى هذه النظرية الى الخلاصة التالية :
إن أحكام القانون الجنائي لا تخاصب إلا الإنسان لما يتمتع به مكن شخصية قانونية كاملة وقدرات مادية وذهنة يترتبها عناه تحمل المسؤولية الجنائية ، وفي المقابل فانه من غير المنطقي مساءلة شخص افتراضي جنائيا لانه من صنع وإنشاء القانون فقط.
النقد:
ان النظرية تقوم على مفهوم خاطئ وذلك لأنها تعتبر الإنسان الشخص القانوني الوحيد الذي يتمتع بالشخصية القانونية وفي هذا تناقض مع الواقع والمنطق فالكل يعتبر الدولة شخص قانونيا رغم أنها بدون جسد أو روح وان القول بخلاف ذلك يجعل تصرفاتها غير حقيقية .
كما ان هذه النظرية لم تقدم حلول وبقيت عاجزة عن تفسير المالك الحقيقي لاموال الشخص المعنوي إذا اعتبرنا أن الشخص المعنوي مستقل على القائمين بأعماله وكذلك مستقلة الذمة المالية عن ذممهم ، فلمن تكون هذه الأموال مملوكة إذا لم تكن للشخص المعنوي ؟؟
كما أن مبدا شخصية العقوبة يقتضي تسليط العقوبة على مرتكب الجريمة بالذات او من ساهم وشارك فيها وعليه فان الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي تجعلنا نعاقب أشخاص حقيقيين لهم مصالح في الشخص المعنوي .
ب- النظرية الاجتماعية ( نظرية النظم)
يرجع تأصيل هذه النظرية على أساس أن الشخصية المعنوية ما هي إلا مجموعة من النظم الحقيقية التي تكشف عنها الروابط الاجتماعية ويثبت لها ما يثبت لهذه النظم من واقعية وهذه النظرية تبحث عن التمييز بين المكونات الواقعية للشخص المعنوي وبين الشخصية القانونية والتي هي في الأساس أسلوب للتعبير عنها في الجانب القانوني.
ومن زعماء هذه النظرية الفقيه (موريس هوريو) لذي يرى أن ظهور الشخص المعنوي كان نتيجة منطقية لتطور الاجتماعي فهي كائنات اجتماعية مثل الإنسان وتتمته بطبيعة خاصة ولها شخصية حقيقية لم يخلها وينشأها المشرع بل دوره وجوب الاعتراف بها فقط على قبيل الاعتراف بالمواليد الطبيعيين للإنسان ، وعليه فبإمكان الشخص المعنوي بعد ميلاده ممارسة حياة طبيعية وحقيقية وقانونية عبد الاعتراف به
وان الواقع يثبت إمكانية ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم ، كما أن القانون المدني والقضاء المدني يعترف بالمسؤولية المدنية للشخص المعنوي ومن التناقض إنكار المسؤولية في القانون والقضاء الجزائي.
ج-نظرية الحق دون صاحب ( نظرية التخصيص)
تقوم هذه النظرية على مضمون ان الشخص المعنوي خيال وإلا الأموال التي بحوزته لا مالك لها وانه لا يسال جنائيا لانعدام الأهلية لانه محدود الغرض والهدف بحسب ما إنشاء من اجله ، فهو لم ينشا لارتكاب جرائم ، وعليه فما يقوم به من أعمال خاصة الغرض الأساسي من إنشائه يكون غير مؤهل وبالتالي لا يسال عليه .
النقد :
لقد وجهت لهذه النظرية العديد من الانتقادات أهمها :
- ان هذه النظرية وقعت في تناقض فهي تعترف بإمكانية الشخص المعنوي اكتساب الحقوق والأموال بين يديه دون مكوينيه من جهة ثم تقول بعدم وجوب صاحب لهذه الأموال من جهة ثانية ، وهذه تناقض واضح لان كل حق له صاحب يستأثر به .
- أن الانطلاق من فكرة ان الشخص المعنوي غير مؤهل غير منطقية لانه ارتكب الجرائم دون الغرض من نشأته لان حتى الشخص الطبيعي والحقيقي ينطبق عليه نفس القول .
- كما ان هذه النظرية لم تعطى تفسير للعلاقة بين الشركاء والقائمين بأعمال الشخص المعنوي فيما بينهم وعلاقتهم بالشخص المعنوي كذلك .
رابعا : موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ؟
لقد تأثر المشرع الجزائر بالنهج الذي تبناه المشرع الفرنسي في قانون العقوبات الذي كان يقوم على رفض الإقرار بالمسؤولية الجنائية المطلقة للشخص المعنوي وجاء في المادة 121/02 من قانون العقوبات الفرنسي (( أن الأشخاص المعنوية مسؤولة جزائيا . عن الجرائم المرتكبة من قبل هيئاتها وممثليها لحسابها )) ويقصد بعبارة لحسابها ان الشخص المعنوي لا يسال إلا عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحته او لفائدته كتقديم رشوة لتحصيل مؤسسة على صفقة .(4)
والمشرع الجزائري كان يرفض كليا الاعتراف بمسؤولية الشخص المعنوي إلا بعد التعديل الأخير كما استبعد المادة 647 من ق ا ج إمكانية توقيع العقوبة على الشخص المعنوي إلا بصفة استشنائية مع إمكانية اتخاذ تدابير أمن ضده وهو بذاك يكون قد تبنى توصيات المؤتمر السابع لقانون العقوبات الذي جاء فيه عدم مساءلة الشخص المعنوي بل يسال من يمثله جنائيا من أشخاص طبيعيين لان المسؤولية مبنية على الإرادة والإدراك الحر ، كما أن المؤتمر تبنى إمكانية اتخاذ تدابير وإجراءات وقائية تجاه الأشخاص المعنوية
وهو ما ذهبت إليه المادة 26 من ق ع الجزائري تطبيق لاحكام المادة 20 من نفس القانون التي تنص على تدابير الأمن العينية هي : مصادرة الأموال – إغلاق المؤسسة
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري قد استبعد المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
مع إمكانية توقيع تدابير آمن عليه .
ولكن بموجب القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتتم لقانون العقوبات قد تراجع المشرع عن موقفه بالنظر الى زيادة عدد ومخاطر واخطاء الأشخاص المعنوية مما توجب إخضاعهم لقانون العقوبات مع مراعاة الطبيعة الخاصة لهم ، مع مراعاة دور الأشخاص القائمين بأعمال والممثلين للشخص المعنوي من اجل تحقيق حماية جنائية فعالة للمجتمع .
وعليه وتماشيا مع هذا النهج والتطور فقد ادرج المشرع الجزائري جمله من العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي مع مراعاة الطبيعة الخاصة له.
خامسا:العقوبات المقررة للشخص المعنوي في قانون العقوبات الجزائري
لقد نص القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمم لقانون العقوبات أقر صراحة مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك ، محددا العقوبات المطبقة عليه تبعا لوصف الجريمة .
ونصت المادة 18 مكرر منه على أن (( العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح هي :
1- الغرامة التي تساوي من مرة (01) الى خمس مرات (05) الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة.
2- واحدة أو اكثر من العقوبات آلاتية :
– حل الشخص المعنوي
– غلق المؤسسة أو الفرع من فروعها لمدة لا تتجاوز05 سنوات
– الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات
– المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر او غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز 05 سنوات
– مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها
– نشر وتعليق حكم الإدانة
– الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات ، وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى الى الجريمة أو ارتكب الجريمة بمناسبته.
أما في مواد المخالفات فقد حددت المادة 18 مكرر 1 العقوبات وهي :
- الغرامة التي تساوي من مرة (01) الى خمس مرات (05) الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة ثم أجاز بإمكانية الحكم بمصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة او نتج عنها .
ملاحظة : وما يمكن ملاحظته أن المشرع الجزائري وبالرغم من معاقبة الشخص المعنوي وكذا الشخص الطبيعي باعتباره كفاعل اصلي او كشريك على نفس الأفعال إلا انه استثنى في المادة 51 مكرر الأشخاص المعنوية العامة ( الدولة والجماعات المحلية ) التي تخضع للقانون العام.
* غير أن المشرع أضاف تعديل للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي على جملة من الأفعال ويتعلق الأمر بالجرائم التالية :
– جريمة تكوين جمعية أشرار ( المواد 176 الى 177 مكرر01 قانون العقوبات )
– جريمة تبيض الأموال ( المواد 389مكرر الى 389 مكرر 07)
– جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ( المواد 394 مكرر الى 394 مكرر 07)
خاتمة :
أن اعتبار الشخص المعنوي كائن حقيقيا وله ارادة كاملة يستطيع التعبير عنها بكل الوسائل وما ينتج عنه من القيام او الامتناع عن القيام بأفعال ، وعليه باتت المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي امرا مفروضا وحقيقة واقعية استلزماتها متطلبات الحياة العصرية ومع ذلك يجب مراعاة خصوصية هذه الأشخاص وربط متابعتها جزائيا بوجود نص صريح يفيد بذلك ، مع العلم أن مسؤولية الشخص المعنوي لا تحجب متابعة الشخص الطبيعي فان مسؤوليته لا تستلزم بالضرورة متابعة الشخص الطبيعي
مع ضرورة التأكيد على الطبيعة الخاصة للعقوبة التي يتميز بها الشخص المعنوي المدان جزائيا .
الهوامش
1- احمد عبد الظاهر : الحماية الجنائية لحق الشخص المعنوي في الشرف والاعتبار ، طبعة الاولى ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2005 ص 15.
وانظر كذلك – محمدة محمد : المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي : مجلة المفكر ، جامعة محمد خيضر بسكرة سنة 2006 العدد الاول ص 41 وما بعدها
2-محمد عبد الرحمن بوزبر :المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتباريين عن جرائم غسيل الأموال، مجلة الحقوق ، جامعة الكويت ، العدد 03 سنة 2004 ص 13
وكذلك – احمد محمد قائد مقبل :المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2005 ،ص 2 وما بعدها
وكذلك – مبروك عبد الله النجار :المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، دار المعارف ، مصر ،1980 ص 29 وما بعدها كذلك حسينة شرون وعبد الحليم بن مشري :المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في التشريع الجزائري ،مجلة المنتدى القانوني ، قسم الكفاءة المهنية للمحاماة ، جامعة محمد خيضر بسكرة العد الثاني 2005 ص 12 وما بعدها
وكذلك – محمود نجيب حسني : شرح قانون العقوبات القسم العام ، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية ، مصر ،1977 ص 544 وما بعدها .
3- عقيدة محمد ابو العلا: الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد ، دار النهضة العربية ، مصر ،2004 ص 78 وما بعدها
4- المرجع نفسه ، ص 80و81 .
القوانين :
1- الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات
2- الآمر رقم 76-106 المؤرخ في 09/12/1976 المتضمن قانون الاجراءات الجزائية
3- القانون رقم 04-14 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمم لقانون العقوبات
4- القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمتم لقانون الاجراءات الجزائية