إن التكامل الاقتصادي لا يمكن أن يحقق الهدف العام من تكوينه، إلا إذا توفرت لدى الدول المتكاملة كل المقومات المختلفة التي تجعل تكوينه والانطلاق في تطبيق خطط عمله، ولا يمكن كذلك أن يقوم هذا التكامل إلا إذا كانت للدول المتكاملة دوافع راسخة تدفعها إلى تبني هذا السلوك في إطار العمل الجماعي. فبالنسبة للمسألة الأولى المتعلقة بالمقومات، فهي كثيرة منها الاقتصادية والسياسية والثقافية والجيوسياسية، وإذا اقتصرنا على ذكر الاقتصادية فقط، فالأمر يتعلق بالتخصص وتقسيم العمل، وتوافر عناصر الإنتاج، وتوافر الموارد الطبيعية، وتوفر وسائل النقل والاتصال...إلخ، وهذا لا يعني البتة تجاهل المقومات الأخرى لما لها من دور فاعل في إحداث التكامل الاقتصادي. أما المسألة الثانية المتعلقة بالدوافع، فهي ترتكز أساسا على اقتناع الدول المتكاملة بالمزايا والمنافع التي يمكن أن تعود عليها مقارنة بما كانت تحصل عليه قبل تحقق التكامل، وكلما زاد الاقتناع بهذه المنافع كلما كان الدافع إلى التكامل أقوى، وهي كذلك منافع على مستويات عديدة نقتصر على ذكر الاقتصادية منها، والمتمثلة في اتساع حجم السوق، وزيادة معدلات التشغيل، وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وتطوير القاعدة التكنولوجية، وزيادة قدرة ومما سبق يتعين علينا ، أن نتساءل حول إمكانية مقارنة المقومات العربية بتلك التي تربط الدول الأوروبية أو الأمريكية والآسيوية التي ساهمت في تكريس كيانات عملاقة مثل الإتحاد الأوروبي، وتجمعات أخرى كالنافتا والآسيان والميركوسور. وعلى الرغم من تعدد القواسم المشتركة والعلاقات التاريخية التي تربط الشعوب العربية ببعضها كاللغة والدين والثقافة والتكوين والتاريخ، زيادة على عوامل طبيعية، وأخرى اقتصادية يحددها المستوى التنموي المتقارب، إلا أن مشروع التعاون الاقتصادي العربي لم يرق لمستوى تطلعات الشعوب العربية، وتصادم مع معوقات وانتكاسات حالت دون تحقيقه. وإذا ما تتبعنا المحاولات العربية لبلورة تكامل اقتصادي عن طريق التكتل والوحدة، لوجدنا مصيرها يتراوح بين الفشل والجمود،علي العموم ماعدا بعض الاستثناءات والتجارب التي تستدعي من جميعا كل حسب موقعه الالتفاف حولها والعمل علي تعميم نقاط نجاحها والاستفادة واخذ العيرة من عثرات اذا ما اردنا أنندفع بمسرة العمل العربي المشتر قدما نحو الامام
احتل موضوع التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدان العربية, حيزا بارزا في (الخطاب السياسي والاقتصادي), الذي ساد في هذا الجزء من العالم منذ فجر الحقبة الاستقلالية, أي منذ الخمسينيات من القرن المنصرم. بيد أن ما تحقق من الأهداف المعلنة التي تمخض عنها ذلك الخطاب, كان مخيبا للآمال على غير صعيد. فقد ووجهت حركة التعاون والتكامل هذه, بعقبات كأداء, على المستويين السياسي والاقتصادي, واختلط فيها فعل العوامل ذات الطابع الموضوعي مع فعل العوامل الذاتية الأبعاد, بشقيها الداخلي والخارجي. وقد بدا واضحا, على امتداد نصف قرن من مسيرة النمو الاقتصادي في هذه المنطقة, أن جزءا أساسيا من أسباب قصور هذه المسيرة - بالمقارنة مع ما حققته في هذا المضمار كتل رئيسية أخرى من بلدان العالم الثالث - يعود إلى عدم تبلور اتجاهات تعاون وتكامل وتداخل وتشابك راسخة بين اقتصادات البلدان العربية. وتتعاظم, في الظروف الراهنة, المخاوف التي ينطوي عليها فشل حركة التكامل الاقتصادي العربي, بسبب بروز تحديات العولمة, ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة. وهي تتزامن مع تحول البشرية من نظام الاستقطاب الثنائي إلى نظام الاستقطاب الواحد, الذي يمتلك قدرات غير محدودة لإحداث تغييرات جيو - سياسية واقتصادية عميقة في أنحاء المعمورة كافة, ولاسيما في الحلقات الضعيفة منها التي يكاد العالم العربي يحتل مركز الصدارة فيها. وليس ثمة شك في أن هذه التحديات تفرض على الدول العربية بلورة مقاربات من نوع جديد, في مجال التعاون والتكامل الاقتصادي, على نحو يحد من استمرار نهج التناحر والتعارض والتجزئة, ويوفر الفرصة لتعظيم الجوانب الإيجابية لتفاعل العالم العربي مع ظاهرة العولمة, ولتقليص جوانبها السلبية.
سوف يتناول هذا المقال -بإيجاز - ثلاثة محاور أساسية: الأول يعرض بعض مؤشرات التعاون الاقتصادي واتجاهاته, ويعالج الثاني أبرز العقبات والمعوقات التي تعترض هذا التعاون, ويتناول الثالث أثر (السياسي) و(الاقتصادي) في تشكيل محيط التكامل انطلاقا من تجربة العالم العربي وتجربة الاتحاد الأوربي, ليخلص من ذلك إلى استنتاجات وتوجهات مستقبلية.
وقائع واتجاهات
بالرغم من عشرات الاتفاقات التجارية والاقتصادية العربية الثنائية والمتعددة الأطراف, في مغرب العالم العربي ومشرقه, ومن العديد من الاتحادات القطاعية والمهنية العربية المشتركة, انطوت محصلة التعاون والتكامل العربي, على نتائج متواضعة, بالمقارنة مع ما تحقق في محيطات وكتل اقتصادية أخرى في العالم, خلال العقود القليلة المنصرمة, وبإيجاز شديد يمكن رصد اتجاهات هذه المحصلة كالآتي: .....
احتل موضوع التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدان العربية, حيزا بارزا في (الخطاب السياسي والاقتصادي), الذي ساد في هذا الجزء من العالم منذ فجر الحقبة الاستقلالية, أي منذ الخمسينيات من القرن المنصرم. بيد أن ما تحقق من الأهداف المعلنة التي تمخض عنها ذلك الخطاب, كان مخيبا للآمال على غير صعيد. فقد ووجهت حركة التعاون والتكامل هذه, بعقبات كأداء, على المستويين السياسي والاقتصادي, واختلط فيها فعل العوامل ذات الطابع الموضوعي مع فعل العوامل الذاتية الأبعاد, بشقيها الداخلي والخارجي. وقد بدا واضحا, على امتداد نصف قرن من مسيرة النمو الاقتصادي في هذه المنطقة, أن جزءا أساسيا من أسباب قصور هذه المسيرة - بالمقارنة مع ما حققته في هذا المضمار كتل رئيسية أخرى من بلدان العالم الثالث - يعود إلى عدم تبلور اتجاهات تعاون وتكامل وتداخل وتشابك راسخة بين اقتصادات البلدان العربية. وتتعاظم, في الظروف الراهنة, المخاوف التي ينطوي عليها فشل حركة التكامل الاقتصادي العربي, بسبب بروز تحديات العولمة, ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة. وهي تتزامن مع تحول البشرية من نظام الاستقطاب الثنائي إلى نظام الاستقطاب الواحد, الذي يمتلك قدرات غير محدودة لإحداث تغييرات جيو - سياسية واقتصادية عميقة في أنحاء المعمورة كافة, ولاسيما في الحلقات الضعيفة منها التي يكاد العالم العربي يحتل مركز الصدارة فيها. وليس ثمة شك في أن هذه التحديات تفرض على الدول العربية بلورة مقاربات من نوع جديد, في مجال التعاون والتكامل الاقتصادي, على نحو يحد من استمرار نهج التناحر والتعارض والتجزئة, ويوفر الفرصة لتعظيم الجوانب الإيجابية لتفاعل العالم العربي مع ظاهرة العولمة, ولتقليص جوانبها السلبية.
سوف يتناول هذا المقال -بإيجاز - ثلاثة محاور أساسية: الأول يعرض بعض مؤشرات التعاون الاقتصادي واتجاهاته, ويعالج الثاني أبرز العقبات والمعوقات التي تعترض هذا التعاون, ويتناول الثالث أثر (السياسي) و(الاقتصادي) في تشكيل محيط التكامل انطلاقا من تجربة العالم العربي وتجربة الاتحاد الأوربي, ليخلص من ذلك إلى استنتاجات وتوجهات مستقبلية.
وقائع واتجاهات
بالرغم من عشرات الاتفاقات التجارية والاقتصادية العربية الثنائية والمتعددة الأطراف, في مغرب العالم العربي ومشرقه, ومن العديد من الاتحادات القطاعية والمهنية العربية المشتركة, انطوت محصلة التعاون والتكامل العربي, على نتائج متواضعة, بالمقارنة مع ما تحقق في محيطات وكتل اقتصادية أخرى في العالم, خلال العقود القليلة المنصرمة, وبإيجاز شديد يمكن رصد اتجاهات هذه المحصلة كالآتي: .....