من خلال مذآراته
شارل ديغول رجل دولة فرنسي ومن أبرز رجالالات فرنسا في القرن العشرين. ولد
في مدينة ليل بالشمال الفرنسي سنة ١٨٩٠ في وسط عائلي محافظ، وهو ثالث طفل من بين
خمسة أخوة، لألأبٍبٍ عمل أستاذًاًا في التعليم الكاثوليكي، كان له دور مهم في تربية ابنه وتعليمه
لدى الألأخوة الجزويت. في سنة ١٩٠٨ اتجه للعمل في الجيش والتحق بمدرسة سان سير
وحصل على المرتبة الثالثة بين زملالائه في دفعته، وعين ضمن الكتيبة الثالثة Saint cyr
.Pétain والثلالاثين للمشاة تحت قيادة العقيد بيتان
رقي إلى رتبة ملازم أول، شارك في الحرب العالمية الأولى وجرح ثلاث مرات، ثم
وألقي عليه القبض من قبل الألمان وسجن في aineitCap ترقى مرة أخرى إلى رتبة نقيب
.scorde chez l'ennemidiLa : وفي سنة ١٩٢٤ نشر كتابه ،Ingolstadt حصن
ابنة أحد الصناعيين، وفي السنة e VendrouxnnYvo وفي ٧ أبريل سنة ١٩٢١ تزوج من
نفسها استدعي إلى مدرسة سان سيير لتعليم التاريخ العسكري فيها.
أرسل إلى لبنان سنة ١٩٢٩ وبقي هناك إلى سنة ١٩٣١ كقائد للمكتب الثاني والثالث
لأركان الحرب، وقد كتب كتابًا حول تجربته في منطقة الشرق الأوسط. وبعد عودته إلى
فرنسا عين في السكرتارية العامة للدفاع الوطني وبقي مدة ست سنوات مما سمح له بلقاء
.Le file de lépée : زعماء السياسة والحكم، وفي سنة ١٩٣٢ نشر كتابه
دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية التي كانت تحت قيادة أدولف
هتلر. في هذه الأثناء وجه ديغول بيانًا سياسيًا إلى ثماني شخصيات مدنية وعسكرية انتقد فيه
الاستراتيجية المطبقة من قبل أركان الحرب. دخل الجنرال الحرب وهو برتبة عقيد وقام
ببعض الهجمات المضادة الناجحة في شهر ماي من سنة ١٩٤٠ ورقي آنذاك إلى رتبة جنرال.
وفي ٥ جوان ١٩٤٠ استدعي إلى باريس وتقلد منصب نائب كاتب دولة للدفاع في الحكومة
.Paule Reymand المضيفة اثني عشر وزيرًا والتي كان يسيرها
بعد تكوين ديوان بيتان طار ديغول نحو لندن في ١٧ جوان حزيران ١٩٤٠ في
ومن هناك وجه نداءه .Pétain طائرة بعد أن رفض الهدنة الموقعة من قبل الجنرال
المشهور في ١٨ جوان حزيران ١٩٤٠ من خلال راديو إنكليزي من أجل المقاومة
ومواصلة الحرب إلى جانب بريطانيا ضد قوات المحور.
استطاع أن يفرض نفسه كرئيس لفرنسا الحرة بدعم من تشرشل منذ ٧ أوت آب
١٩٤٠ ، وقد جمع ديغول حوله مجموعة من الضباط العسكريين والسياسيين والجامعيين.
بداخل فرنسا والذي اعترف CNR " ونتيجة لاتصالاته أنشئ "المجلس الوطني للمقاومة
بديغول كرئيس لفرنسا الحرة. وانضم ديغول إلى الحلفاء إلى أن تم النصر على النازية، فعاد
إلى فرنسا وبقي رئيسًا للحكومة المؤقتة إلى أن استقالت سنة ١٩٦٤ ، وابتعد بعد ذلك عن
الحياة السياسية حتى سنة ١٩٥٨ حين استنجد به الفرنسيون لإنقاذ الوضع في الجزائر،
وأعطى فرنسا الدستور الذي أسس الجمهورية الخامسة، وأصبح أول رئيس لها، وأعيد انتخابه
سنة ١٩٦٥ ، ثم استقال بعد فشله في استفتاء سنة ١٩٦٩ من أجل سبر ثقة الفرنسيين، وانتقل
حيث واصل كتابة مذكراته، وتوفي فجأة Colomby les - deux églises إلى مسكنه ب
. في ٩ نوفمبر تشرين الثاني ١٩٧٠
يحمل هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحليله عنوان: "مذكرات الأمل التجديد ١٩٥٨
١٩٦٢ "، وهو جزء من مذكراته الخاصة بالحرب ومذكرات الأمل، ترجمه كل من سموحي
فوق العادة وأحمد عويدات، منشورات عويدات بيروت الطبعة الأولى ١٩٧١ . وهو يتكون من
٤٠٦ صفحات من الحجم العادي. ينقسم إلى قسمين: القسم الأول منهما تحت عنوان: "التجديد:
١٩٥٨ ١٩٦٢ "، ويحمل القسم الثاني عنوان: "الجهد: ١٩٦٢ ...".
أما ما يهمنا فهو القسم الأول ( ١٩٥٨ ١٩٦٢ ) حين كانت الثورة الجزائرية على
أشدها، وهي الفترة نفسها التي حكم فيها الجنرال ديغول فرنسا في جمهوريتها الخامسة.
ورد الحديث عن الثورة الجزائرية بهذا القسم في مبحثين: الأول تحت عنوان: "أقاليمنا فيما
وراء البحار". والثاني يحمل عنوان: "الجزائر".
فيما يخص المبحث الأول ابتدأه الجنرال ديغول بما يلي: "لما وليت وجهي شطر فرنسا،
كنت مصممًا على إنقاذها من الالتزامات التي تفرضها عل ي إمبراطوريتها.."( ١) ثم انتقل إلى
الحديث عما قامت به فرنسا من هجمات كبيرة لغزو الأقاليم التابعة لها ورفع مستواها. وأثنى
على بعض الشخصيات الفرنسية التي كان لها دور مهم في تثبيت أقدام فرنسا ونشر نفوذها
على الصعيد العالمي من أمثال بوجو، وفايديرب، وآرشينار، وبرازا، ودومر، وغالييني،
وليوتي، وغيرهم.
ولم يهمل الاعتراف بالجميل للشعوب التي شاركت إلى جانب فرنسا في الحربين
الكونيتين الأولى والثانية. وأثنى على مختلف قطاعات الحكم من جنود وحكام مدنيين
ومستوطنين ومعلمين ومبشرين ومهندسين، من الذين بذلوا جهودًا مضنية من أجل تحقيق
التنمية العصرية المحققة، وكأن تنمية تلك البلدان كانت بسبب الرجالات الفرنسيين الذين كان
غرضهم الأول والأخير هو خدمة فرنسا ولا شيء غير ذلك.
ويتأسف على هذه المناطق التي كان ينوي تركها، بقوله: "فيا لها من محنة معنوية
.( أتولى فيها انتقال سلطتنا، وأطوي أعلامنا وأطبق كتاب التاريخ الضخم"( ٢
ثم يلج ديغول ميدانًا آخر هو ال مبالغ الضخمة التي كانت تنفقها فرنسا في هذه البلدان
(المستعمرات) من نفقات متزايدة في كل القطاعات، في الوقت الذي كان يلاحظ رغبة سكان
هذه المناطق في التحرر. رغم أن فرنسا كما يقول منحتهم حضارتها وأنشأت نظامًا
مركزيًا يهيئ للدولة الوطنية بد ً لا من الانقسامات الفوضوية القديمة( ٣). وعلى أن فرنسا كونت
نخبة من الرجال المشبعين بالمبادئ الغربية المتصلة بحقوق الإنسان والحرية.
ويتعرض لظهور دعاة التحرر في مختلف البلدان وبخاصة ظهور الكتلة الشرقية التي
كانت تناصر حركات التحرر في العالم الثالث. وهو لا يدعو إلى قطع الصلة بهذه البلدان
الواقعة (ما وراء البحار) إذا حصلت على استقلالها، بل يدعو إلى العمل على مساعدتها لأنها
. 1) مذكرات ديغول "الأمل"، منشورات عويدات، بيروت، الطبعة الأولى ١٩٧١ ، ص: ٤٥ )
. 2) نفسه، ص: ٤٦ )
. 3) نفسه، ص: ٤٦ )
ستكون بحاجة إلى ذلك، لأن الرابطة التي أقامتها فرنسا عقودًا طوا ً لا كفيلة بربط هذه البلدان
بفرنسا، ويضيف: "فالواجب يقضي بمساعدتهم بمجرد أنهم يتكلمون لغتنا ويتقاسمون معنا
ثقافتنا.."( ٤) فالجنرال يجعل الرابطة الأساسية التي تربط فرنسا بهذه البلدان، في حالة
استقلالها، هي الرابطة اللغوية التي اعتبرتها بعض نخب هذه البلدان غنيمة حرب. ويبذل
الفرنسيون من أجلها كل غال ونفيس.
وبعد تعداد مختلف أوضاع هذه البلدان وحالة كل واحدة منها ونوع العلاقة مع فرنسا،
ينتقل إلى الجزائر ويقول: "والآن ما مصير الجزائر؟ لم نكن هنا أمام وضع يقتضي حله وديًا،
إنما كنا أمام مأساة كاملة، مأساة فرنسية ومحلية في آن واحد. لقد كانت الجزائر تحتل في
( حياتنا القومية أهمية لا مجال للموازنة بينها وبين بقية البلدان التي كانت تابعة لنا.." ( ٥
إذن فالجنرال ديغول يعترف بأن للجزائر وضعية خاصة غير بقية البلدان المستع مرة
الأخرى، ذلك أن حكمهم لها كان مباشرًا لأنها في نظرهم أرض فرنسية، عكس البلدان التي
تركوا فيها الحكام المحليين، كما أن قربها وأهميتها الإستراتيجية وقدم احتلالها جعلها تحتل
الصدارة بين البلدان الواقعة تحت حكمهم. وهو عندما يذكر المأساة يذكر أنها مأساة فرنسية
من جهة ومحلية من جهة أخرى، أي تمس الوضع الفرنسي والجزائري، أما حديثه عن الحل
الودي والمأساة فهو يفصل بين المعنيين؛ فالحل الودي هو التفاهم مع البلدان الراغبة في
الانفصال عن فرنسا، وهي البلدان الأخرى، أما الجزائر فهي التي يعبر عنها بالمأساة، أي هي
الحرب وهي الخسائر وهي الثورة، وهي إرغام فرنسا على الرضوخ لمطالب الثائرين قسرًا.
لقد كان غلاة الاستعمار يقولون: إن البحر المتوسط يقسم فرنسا مثلما يقسم نهر السين
مدينة باريس، وهو أمر كذبته الانتفاضات المتتالية التي قام بها الجزائريون تحت قيادة
زعامات دينية طيلة القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ثم جاءت الحركة السياسية
لتؤكد انفصال الشعب (الأهلي) عن الفئة المستعمِرة، وذلك طيلة النصف الأول من القرن
. العشرين إلى اندلاع الثورة التحريرية ثم انتصارها سنة ١٩٦٢
وديغول لا ينفي ذلك بل هاهو يذكر أن فرنسا قضت على عدة انتفاضات بعد جهود
مضنية بذلها كل من الخصمين. كما أنه لا يخفي أن احتلال الجزائر كان مدخ ً لا لاحتلال بقية
البلاد المغاربية والصحراء. إلا أنه وفي الوقت الذي يشير إلى استيطان مليون من الفرنسيين
الجزائر، يذكر أنه بفضلهم تم رفع مستوى الجزائر اقتصاديًا بإقامة منشآت هامة بوسائل تقنية
. 4) نفسه، ص: ٤٧ )
. 5) نفسه، ص: ٤٩ )
شارل ديغول رجل دولة فرنسي ومن أبرز رجالالات فرنسا في القرن العشرين. ولد
في مدينة ليل بالشمال الفرنسي سنة ١٨٩٠ في وسط عائلي محافظ، وهو ثالث طفل من بين
خمسة أخوة، لألأبٍبٍ عمل أستاذًاًا في التعليم الكاثوليكي، كان له دور مهم في تربية ابنه وتعليمه
لدى الألأخوة الجزويت. في سنة ١٩٠٨ اتجه للعمل في الجيش والتحق بمدرسة سان سير
وحصل على المرتبة الثالثة بين زملالائه في دفعته، وعين ضمن الكتيبة الثالثة Saint cyr
.Pétain والثلالاثين للمشاة تحت قيادة العقيد بيتان
رقي إلى رتبة ملازم أول، شارك في الحرب العالمية الأولى وجرح ثلاث مرات، ثم
وألقي عليه القبض من قبل الألمان وسجن في aineitCap ترقى مرة أخرى إلى رتبة نقيب
.scorde chez l'ennemidiLa : وفي سنة ١٩٢٤ نشر كتابه ،Ingolstadt حصن
ابنة أحد الصناعيين، وفي السنة e VendrouxnnYvo وفي ٧ أبريل سنة ١٩٢١ تزوج من
نفسها استدعي إلى مدرسة سان سيير لتعليم التاريخ العسكري فيها.
أرسل إلى لبنان سنة ١٩٢٩ وبقي هناك إلى سنة ١٩٣١ كقائد للمكتب الثاني والثالث
لأركان الحرب، وقد كتب كتابًا حول تجربته في منطقة الشرق الأوسط. وبعد عودته إلى
فرنسا عين في السكرتارية العامة للدفاع الوطني وبقي مدة ست سنوات مما سمح له بلقاء
.Le file de lépée : زعماء السياسة والحكم، وفي سنة ١٩٣٢ نشر كتابه
دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية التي كانت تحت قيادة أدولف
هتلر. في هذه الأثناء وجه ديغول بيانًا سياسيًا إلى ثماني شخصيات مدنية وعسكرية انتقد فيه
الاستراتيجية المطبقة من قبل أركان الحرب. دخل الجنرال الحرب وهو برتبة عقيد وقام
ببعض الهجمات المضادة الناجحة في شهر ماي من سنة ١٩٤٠ ورقي آنذاك إلى رتبة جنرال.
وفي ٥ جوان ١٩٤٠ استدعي إلى باريس وتقلد منصب نائب كاتب دولة للدفاع في الحكومة
.Paule Reymand المضيفة اثني عشر وزيرًا والتي كان يسيرها
بعد تكوين ديوان بيتان طار ديغول نحو لندن في ١٧ جوان حزيران ١٩٤٠ في
ومن هناك وجه نداءه .Pétain طائرة بعد أن رفض الهدنة الموقعة من قبل الجنرال
المشهور في ١٨ جوان حزيران ١٩٤٠ من خلال راديو إنكليزي من أجل المقاومة
ومواصلة الحرب إلى جانب بريطانيا ضد قوات المحور.
استطاع أن يفرض نفسه كرئيس لفرنسا الحرة بدعم من تشرشل منذ ٧ أوت آب
١٩٤٠ ، وقد جمع ديغول حوله مجموعة من الضباط العسكريين والسياسيين والجامعيين.
بداخل فرنسا والذي اعترف CNR " ونتيجة لاتصالاته أنشئ "المجلس الوطني للمقاومة
بديغول كرئيس لفرنسا الحرة. وانضم ديغول إلى الحلفاء إلى أن تم النصر على النازية، فعاد
إلى فرنسا وبقي رئيسًا للحكومة المؤقتة إلى أن استقالت سنة ١٩٦٤ ، وابتعد بعد ذلك عن
الحياة السياسية حتى سنة ١٩٥٨ حين استنجد به الفرنسيون لإنقاذ الوضع في الجزائر،
وأعطى فرنسا الدستور الذي أسس الجمهورية الخامسة، وأصبح أول رئيس لها، وأعيد انتخابه
سنة ١٩٦٥ ، ثم استقال بعد فشله في استفتاء سنة ١٩٦٩ من أجل سبر ثقة الفرنسيين، وانتقل
حيث واصل كتابة مذكراته، وتوفي فجأة Colomby les - deux églises إلى مسكنه ب
. في ٩ نوفمبر تشرين الثاني ١٩٧٠
يحمل هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحليله عنوان: "مذكرات الأمل التجديد ١٩٥٨
١٩٦٢ "، وهو جزء من مذكراته الخاصة بالحرب ومذكرات الأمل، ترجمه كل من سموحي
فوق العادة وأحمد عويدات، منشورات عويدات بيروت الطبعة الأولى ١٩٧١ . وهو يتكون من
٤٠٦ صفحات من الحجم العادي. ينقسم إلى قسمين: القسم الأول منهما تحت عنوان: "التجديد:
١٩٥٨ ١٩٦٢ "، ويحمل القسم الثاني عنوان: "الجهد: ١٩٦٢ ...".
أما ما يهمنا فهو القسم الأول ( ١٩٥٨ ١٩٦٢ ) حين كانت الثورة الجزائرية على
أشدها، وهي الفترة نفسها التي حكم فيها الجنرال ديغول فرنسا في جمهوريتها الخامسة.
ورد الحديث عن الثورة الجزائرية بهذا القسم في مبحثين: الأول تحت عنوان: "أقاليمنا فيما
وراء البحار". والثاني يحمل عنوان: "الجزائر".
فيما يخص المبحث الأول ابتدأه الجنرال ديغول بما يلي: "لما وليت وجهي شطر فرنسا،
كنت مصممًا على إنقاذها من الالتزامات التي تفرضها عل ي إمبراطوريتها.."( ١) ثم انتقل إلى
الحديث عما قامت به فرنسا من هجمات كبيرة لغزو الأقاليم التابعة لها ورفع مستواها. وأثنى
على بعض الشخصيات الفرنسية التي كان لها دور مهم في تثبيت أقدام فرنسا ونشر نفوذها
على الصعيد العالمي من أمثال بوجو، وفايديرب، وآرشينار، وبرازا، ودومر، وغالييني،
وليوتي، وغيرهم.
ولم يهمل الاعتراف بالجميل للشعوب التي شاركت إلى جانب فرنسا في الحربين
الكونيتين الأولى والثانية. وأثنى على مختلف قطاعات الحكم من جنود وحكام مدنيين
ومستوطنين ومعلمين ومبشرين ومهندسين، من الذين بذلوا جهودًا مضنية من أجل تحقيق
التنمية العصرية المحققة، وكأن تنمية تلك البلدان كانت بسبب الرجالات الفرنسيين الذين كان
غرضهم الأول والأخير هو خدمة فرنسا ولا شيء غير ذلك.
ويتأسف على هذه المناطق التي كان ينوي تركها، بقوله: "فيا لها من محنة معنوية
.( أتولى فيها انتقال سلطتنا، وأطوي أعلامنا وأطبق كتاب التاريخ الضخم"( ٢
ثم يلج ديغول ميدانًا آخر هو ال مبالغ الضخمة التي كانت تنفقها فرنسا في هذه البلدان
(المستعمرات) من نفقات متزايدة في كل القطاعات، في الوقت الذي كان يلاحظ رغبة سكان
هذه المناطق في التحرر. رغم أن فرنسا كما يقول منحتهم حضارتها وأنشأت نظامًا
مركزيًا يهيئ للدولة الوطنية بد ً لا من الانقسامات الفوضوية القديمة( ٣). وعلى أن فرنسا كونت
نخبة من الرجال المشبعين بالمبادئ الغربية المتصلة بحقوق الإنسان والحرية.
ويتعرض لظهور دعاة التحرر في مختلف البلدان وبخاصة ظهور الكتلة الشرقية التي
كانت تناصر حركات التحرر في العالم الثالث. وهو لا يدعو إلى قطع الصلة بهذه البلدان
الواقعة (ما وراء البحار) إذا حصلت على استقلالها، بل يدعو إلى العمل على مساعدتها لأنها
. 1) مذكرات ديغول "الأمل"، منشورات عويدات، بيروت، الطبعة الأولى ١٩٧١ ، ص: ٤٥ )
. 2) نفسه، ص: ٤٦ )
. 3) نفسه، ص: ٤٦ )
ستكون بحاجة إلى ذلك، لأن الرابطة التي أقامتها فرنسا عقودًا طوا ً لا كفيلة بربط هذه البلدان
بفرنسا، ويضيف: "فالواجب يقضي بمساعدتهم بمجرد أنهم يتكلمون لغتنا ويتقاسمون معنا
ثقافتنا.."( ٤) فالجنرال يجعل الرابطة الأساسية التي تربط فرنسا بهذه البلدان، في حالة
استقلالها، هي الرابطة اللغوية التي اعتبرتها بعض نخب هذه البلدان غنيمة حرب. ويبذل
الفرنسيون من أجلها كل غال ونفيس.
وبعد تعداد مختلف أوضاع هذه البلدان وحالة كل واحدة منها ونوع العلاقة مع فرنسا،
ينتقل إلى الجزائر ويقول: "والآن ما مصير الجزائر؟ لم نكن هنا أمام وضع يقتضي حله وديًا،
إنما كنا أمام مأساة كاملة، مأساة فرنسية ومحلية في آن واحد. لقد كانت الجزائر تحتل في
( حياتنا القومية أهمية لا مجال للموازنة بينها وبين بقية البلدان التي كانت تابعة لنا.." ( ٥
إذن فالجنرال ديغول يعترف بأن للجزائر وضعية خاصة غير بقية البلدان المستع مرة
الأخرى، ذلك أن حكمهم لها كان مباشرًا لأنها في نظرهم أرض فرنسية، عكس البلدان التي
تركوا فيها الحكام المحليين، كما أن قربها وأهميتها الإستراتيجية وقدم احتلالها جعلها تحتل
الصدارة بين البلدان الواقعة تحت حكمهم. وهو عندما يذكر المأساة يذكر أنها مأساة فرنسية
من جهة ومحلية من جهة أخرى، أي تمس الوضع الفرنسي والجزائري، أما حديثه عن الحل
الودي والمأساة فهو يفصل بين المعنيين؛ فالحل الودي هو التفاهم مع البلدان الراغبة في
الانفصال عن فرنسا، وهي البلدان الأخرى، أما الجزائر فهي التي يعبر عنها بالمأساة، أي هي
الحرب وهي الخسائر وهي الثورة، وهي إرغام فرنسا على الرضوخ لمطالب الثائرين قسرًا.
لقد كان غلاة الاستعمار يقولون: إن البحر المتوسط يقسم فرنسا مثلما يقسم نهر السين
مدينة باريس، وهو أمر كذبته الانتفاضات المتتالية التي قام بها الجزائريون تحت قيادة
زعامات دينية طيلة القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ثم جاءت الحركة السياسية
لتؤكد انفصال الشعب (الأهلي) عن الفئة المستعمِرة، وذلك طيلة النصف الأول من القرن
. العشرين إلى اندلاع الثورة التحريرية ثم انتصارها سنة ١٩٦٢
وديغول لا ينفي ذلك بل هاهو يذكر أن فرنسا قضت على عدة انتفاضات بعد جهود
مضنية بذلها كل من الخصمين. كما أنه لا يخفي أن احتلال الجزائر كان مدخ ً لا لاحتلال بقية
البلاد المغاربية والصحراء. إلا أنه وفي الوقت الذي يشير إلى استيطان مليون من الفرنسيين
الجزائر، يذكر أنه بفضلهم تم رفع مستوى الجزائر اقتصاديًا بإقامة منشآت هامة بوسائل تقنية
. 4) نفسه، ص: ٤٧ )
. 5) نفسه، ص: ٤٩ )