Research - Scripts - cinema - lyrics - Sport - Poemes

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Research - Scripts - cinema - lyrics - Sport - Poemes

عــلوم ، دين ـ قرآن ، حج ، بحوث ، دراسات أقســام علمية و ترفيهية .


    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:30

    الأعضاء والقوى

    ورابعها: الأعضاء فمنها مفردة كالعظم، والغضروف، والرباط، والعصب، والوتر، والغشاء، واللحم، والشحم، والسمين، والأوردة، والشرايين، وكلها يحدث عن المني إلا اللحم فانه يتولد من متين الدم، ويعقده الحر، وإلا السمين والشحم فانهما يتولدان مِن مائية الدم، ويعقدهما البرد، ولذلك يحلهما الحر، ومنها: مركبة إما تركيباً أولياً كالعضل، أو ثانياً كالعين أو ثالثاً كالوجه ثم الرأس مثلاً، ومن الأعضاء المركبة: أعضاء رئيسية، وأصل لقوى ضرورية، إما بحسب بقاء الشخص وهي ثلاثة: القلب ويخدمه الشرايين، والدماغ ويخدمه العصب، والكبد ويخدمها الأوردة، وإما بحسب بقاء النوع، وهي هذه الثلاثة، والاُنثيان ويخدمهما مجرى المني إلى مستقره.

    وخامسها: الأرواح، ولا نعني بها ما يسميه الفلاسفة النفس الناطقة، كما يراد بها في الكتب الإلهية، بل نعني بها جسماً لطيفاً، بخارياً، يتكون عن لطافة الأخلاط كتكون الأعضاء عن كثافتها، والأرواح هي الحاملة للقوى فكذلك أصنافها ثلاثة كأصنافها.

    وسادسها: القوى وهي: ثلاثة أجناس، أحدها: القوى الطبيعية فمنها: متصرفة في الغذاء لأجل بقاء الشخص وهي: الغاذية، أو لزيادة في أقطاره على نسبة يقتضيها نوعه وهي: النامية، ومنها: متصرفة في الغذاء لأجل بقاء النوع وهي: قوتان إحداهما تفصل من أمشاج البدن جوهر المني كل جزء منه لعضو مخصوص، وثانيتهما تشكل كل جزء منه بالشكل الذي يقتضيه نوع المنفصل عنه من التخطيط والتجويف وغيرهما وهي: المصورة، والقوة الغاذية يخدمها قوى أربع أحدها: الجاذبة له النافع، وثانيها: الماسكة له مدة طبخ الهاضمة له، وثالثها: الهاضمة للإحالة، ورابعها: الدافعة للفضلة. وهذه القوى الأربع تخدمها كيفيات أربع، أعني الحرارة والبرودة، والرطوبة، واليبوسة والغاذية تخدم النامية، وهما: يخدمان المولّدة.

    الجنس الثاني من القوى: هو القوى النفسانية فمنها: محرّكة، ومنها: مدركة، والمحرّكة منها: باعثة على الحركة، وتسمى: المشوقية، ويخدمها الشهوانية والغضبية ومنها: فاعلة للحركة بأن تشنج العضل فينجذب الوتر فينقبض العضو، أو تُرخي العضل فيمتد الوتر فينبسط العضو، تبارك الله أحسن الخالقين، وأما المدركة، فإما مدركة في الظاهر، أو في الباطن، أما المدركة في الظاهر فهي: قوى خمس كالجواسيس للمدركة في الباطن: قوة البصر، وموضعها: التقاطع الصليبي بين العصبتين الآتيتين إلى العينين ومن شأنها: إدراك الألوان، والأضواء، والأشكال. وقوة السمع، وموضعها: العصب المفروش على الصماخ من شأنها: إدراك الأصوات. وقوة الشم، وموضعها: العصبتان الزائدتان الشبيهتان بحلمتي الثدي من شأنها: إدراك الرائحة المتصعدة مع الهواء المستنشق وقوة الذائقة، وموضعها: العصب الذي في جرم اللسان من شأنها: إدراك الطعوم، وقوة اللمس، وموضعها: الجلد، وأكثر اللحم من شأنها: إدراك الملموسات في حرها، وبردها، ورطوبتها، ويبوستها وخشونتها، وملاستها، وصلابتها، ولينها وأما المدركة في الباطن فمنها: مدركة للصور الجزئية المحسوسة بإدراك الحواس الظاهرة وهي: الحس المشترك وموضعه: مقدم البطن المقدم من الدماغ، وخزانته: الخيال، وموضعه: مؤخر البطن المقدم. ومنها: مدركة للمعاني الجزئية القائمة بتلك الصور وهي: الوهم، وموضعها: البطن الأوسط، وخزانته: الحافظة، وموضعها: البطن المؤخر. ومنها: المتصرفة، وتسمى: ـ باعتبار استخدام النفس الناطقة لها ـ مفكرة، وـ باعتبار استخدام الوهم لها في الصور والمعاني الجزئية ـ متخيلة. والجنس الثالث من القوى هو: القوة الحيوانية وهي: القوة التي تعد الأعضاء لقبول القوة النفسانية.

    وسابعها: الأفعال، فمنها: مفردة تتم بقوة واحدة كالجذب والدفع ومنها: مركبة بقوتين فصاعداً كالإزدراد.

    (ورابعها) أي رابع الأمـــور السبعة الطبيعية: (الأعضاء) جمع عضو وهو على قسمين: مفرد، ومركب (فمنها مفردة) والمراد به الإضافي ليشمل المركب في الجملة كالوتر والغشاء المركب من العصب والرباط (كالعظم) وهو: عضو صلب بحيث لا يمكن تثنيته وهو أساس البدن (والغضروف) وهو شيء بين العظم وبين سائر الأعضاء من حيث الصلابة، فليس بصلابة العظم، ولا بلين اللحم ونحوه ويتوسط بين العظام، والأعضاء اللينة، لئلا يتأذى اللين بالعظم كالغضروف الذي على طرف عظم الكتف، كما أن من منفعة الغضروف أن يكون عماداً لأوتار بعض العضلات مثل عضل الجفن، وأن يتم به بعض الأعمال كالسمع، فإنه لو كان غاية في اللين لم يسمع صوت إذ الصوت إنما يحدث بقرع الهواء، ولو كان غاية في الصلابة لكان الصوت كريهاً لشدة القرع، فتأمل. ولغير ذلك من الفوائد (والرباط) وهو: عضو أبيض لدن ـ على وزن قفل ـ يأتي من العظم إلى العضل، أو إلى عظم آخر أو إلى عضو آخر، وله فوائد، منها: أن يتعلق به اللحم ليحتشي به الفرج، وأن تتفتل شظاياه مع شظايا العصب، ويتكون منهما الوتر، وان يستعان به في نسج الأغشية (والعصب) وهو: عضو أبيض ينعطف بسرعة، ولا يمكن قطعه إلا بشدة، ينبت من الدماغ أو النخاع فيوهي قوة الحس والحركة إلى الأعضاء، ويستعان به في تكوين الوتر والعضل والغشاء (والوتر) وهو عضو شبيه بالعصب مؤلف من العصب والرباط، وفائدته تدعيم العصب في تحريك الأعضاء (والغشاء) وهو: عضو نسج من ليف عصبي، أو رباطي أو منهما، ويفيد التحفظ على شكل العضو كغشاء المخ، وخفة الثقل في الأشياء المعلقة كالغشاء المحيط بالكلية، وإيجاد الحس لما لا حس فيه كغشاء الرئة فإن الرئة لا حس لها فغشاؤها يحس بدلاً عنها، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة (واللحم) وهو: واضح، وفائدته حفظ الأعضاء البسيطة لأنها ملفوفة به لتؤدي خدمتها، والجمال، وتسخين البدن وغير ذلك، (والشحم) وهو: جسم أبيض لين، أكثر ما يتولد على الأغشية والأعضاء العصبية، وفائدته: تليين الأعضاء التي يحتف بها وتنديتها، والإعانة على الهضم (والسمين) وهو: مثل الشحم إلا أنه أقل لينا منه، ويوجد على الأغشية التي تغشي العضل، وفائدته دفع نكاية البرد والحر الخارجيين، ودفع المصادمات، وتندية الأعضاء وتليينها، لئلا يسرع إليها الجفاف واليبس من جراء الحركة والحرارة (والأوردة) جمع وريد وهي: أجسام عصبية الجوهر مجوفة نابتة من الكبد، ساكنة، وفائدتها توزيع الدم على الأعضاء بعد تصفيته في الكبد (والشرايين) جمع شريان وهي: كالأوردة إلا أنها نابتة من القلب وتتحرك انقباضاً وانبساطاً، وفائدتها: ترويح القلب والروح ونفض البخار، وتوزيع الروح البخاري على الأعضاء. وهذه هي الــتي نحس بها عند أخذ النبض (وكلها) أي كل هذه الأعضاء المفردة (يحدث عن المني) فإن المني يكون مبدأها ثم تنمو بالدم والغذاء حتى تتخذ صورها الخارجية، وكل من مني الرجل والمرأة دخيل في ذلك (إلا اللحم فإنه يتولد من متين الدم) أي الدم الصالح (ويعقده) أي الدم (الحر) إذ يجفف رطوباته حتى يصبح لحماً (وإلا السمين والشحم فانهما يتولدان من مائية الدم) الدسمة (ويعقدهما البرد) إذ البرد يسبب التجميد: فيتجمد ماء الدم الدسم فيكون الأمتن منه سميناً والأرق منه شحماً (ولذلك) الذي ذكرنا من كونهما يعقدان بالبرد (يحلهما الحر) فيذوبان (ومنها): أي من الأعضاء (مركبة) من شيئين وأكثر (إما تركيباً أولياً) بأن يكون مركباً من المفردات (كالعضل) الذي هو مركب من اللحم والعصب والغشاء والرباط (أو) تركيباً (ثانياً) بأن كان مركباً من المركب (كالعين) المركبة من العضل وغيره (أو) تركيباً (ثالثاً) بالمعنى المذكور (كالوجه) المركب من العين وغيره (ثم) أن يكون مركباً تركيباً رابعاً، كـ: (الرأس مثلا) المركب من الوجه وغيره، وهكذا. (ومن الأعضاء المركبة: أعضاء رئيسية) سميت بذلك لإدارتها سائر الأعضاء بإعطاء الروح والقوى إليها بعد اكتسابها من الباري تعالى، (وأصل لقوى ضرورية) عطف على قوله ـ أعضاء ـ وبيان لكونها رئيسية، وهذه الأعضاء الرئيسية على قسمين، لأنها (إما) رئيسية (بحسب بقاء الشخص) حتى أن شخص زيد وعمر وبكر لا يبقى إلا بها، وإما رئيسية بحسب بقاء النوع، بمعنى أن النوع الإنساني لا يبقى طولياً إلا بها بحيث لو لم تمكن هذه الأعضاء الرئيسية لانقرض النوع الإنساني (وهي) أي الرئيسية بحسب بقاء الشخص (ثلاثة) الأول: (القلب) وهو: مركز القوة الحيوانية الباعثة على حياة البدن (ويخدمه الشرايين) النابتة منه، فإنها تنقل القوة من القلب إلى الأعضاء، وتروح عن القلب بالحركات الانقباضية والانبساطية (و) الثاني: (الدماغ) وهو: مركز القوة الإنسانية الباعثة على إدراك الكليات والتفكير، وسائر ما به يمتاز الإنسان عن الحيوان (ويخدمه العصب) فإن الأعصاب النابتة من الدماغ تنقل القوة الإنسانية منه إلى سائر الأعضاء (و) الثالث: (الكبد) وهي التي تغذي الأعضاء، فإن البدن ـ بسبب الحرارة الخارجية والداخلية ـ دار التحلل فيحتاج إلى بدل ما يتحلل، والكبد هي التي تقوم بقلب الغذاء دماً لتغذي الأعضاء (ويخدمها الأوردة) النابتة منها فإنها توصل الدم الصالح إلى الأعضاء (وأما) الرئيسية (بحسب بقاء النوع و) عدم انقطاع البشر عن الوجود فـ (هي: هذه الثلاثة) المذكورة القلب والدماغ والكبد (والاُنثيان) أي البيضتان، فإن المني الذي هو سبب بقاء النسل إنما يكمل نضجه ويستعد لقبول كونه مبدأ الإنسان في الاُنثيين. ولا يخصان بالرجال، بل هما موجودان في النساء أيضاً (ويخدمهما) أي يخدم الاُنثيين (مجرى المني) وهو في الرجل الإحليل والعروق المتوسطة بينه وبينهما، وفي المرأة عروق بين انثييها وبين محل الولد من الرحم (إلى مستقره) الذي هو الرحم.

    (وخامسها) أي خامس الأمور السبعة الطبيعية: (الأرواح، ولا نعني بها ما يسميه الفلاسفة) والحكماء (النفس الناطقة، كما يراد بها) أي بالأرواح هذا المعنى (في الكتب الإلهية) كالقرآن الحكيم قال سبحانه (يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) والمراد بالنفس الناطقة هي المدركة للكليات، وإنما سميت ناطقة لأن النطق من أظهر خواصها الخارجية، مقابل كون الحمار ناهقاً، والفرس صاهلاً، فإن هذه الأسماء إشارة إلى ذلك المعنى المودع في هذه الأنواع (بل نعني بها جسماً لطيفاً، بخارياً، يتكون عن لطافة الأخلاط) فإن الدم إذا دخل القلب ونضج فيه يتولد منه بخار لطيف هو الروح، ولذا يقوى عند تناول الغذاء، ويضعف عند قلّة الغذاء أو عدمه (كتكون الأعضاء عن كثافتها) أي كثافة الأخلاط لما عرفت من أن الدم يكون جزءاً للأعضاء بدل ما يتحلل منها، وهكذا سائر الأخلاط في الجملة (والأرواح هي الحاملة للقوى) الإنسانية والحيوانية والطبيعية (فكذلك) الذي ذكرنا من احتياج الأرواح إلى الحوامل يكون (أصنافها) أي أصناف الأرواح (ثلاثة كأصنافها) أي كأصناف القوى، فلكل قوة روح حامل، روح يحمل قوة إنسانية، وروح يحمل قوة حيوانية، وروح يحمل قوة طبيعية، لكن لا يخفى أن هذه هي أصول الأرواح والقوى، وإلا فلكل منها شُعب وفروع، وقد ذكروا أن القوى المودعة في البدن اثنا عشر ألف قوة.

    (وسادسها) أي سادس الأمور السبعة الطبيعية: (القوى) وهي: الطاقة التي تصدر منها الأفعال (وهي: ثلاثة أجناس) القوى الطبيعية التي لا تصاحب الشعور ولا تختص بالحيوان، والقوى الحيوانية التي لا تصاحب الشعور ولكنها تختص بالحيوان، والقوى النفسانية التي تصاحب الشعور بالإضافة إلى كونها مختصة بنوع خاص من الحيوان أي الإنسان (أحدها: القوى الطبيعية) ويشارك كل نامٍ في بعض هذه القوى مع الإنسان فإن النامية مثلاً موجودة في الشجر والحيوان والإنسان، والقوى الطبيعية هي المتصرفة في الغذاء إما لأجل بقاء الشخص، وإما لأجل بقاء النوع (فمنها: متصرفة في الغذاء) أي المأكولات والمشروبات (لأجل بقاء الشخص) وكماله (وهي) المسمات بـ (الغاذية) التي تغذي الأعضاء حتى يبقى الشخص ويكمل، وقد عرفت أن مبدأ هذه القوة الكبد (أو لـ) أجل (زيادة في أقطاره) أي أقطار الشخص الثلاث الطول والعرض والعمق (على نسبة يقتضيها نوعه) أي نوع ذلك الشخص كأن يزيد في طول اليد شبراً بينما يزيد في عرضها أنملة، وفي عمقها نصف أنملة مثلاً (وهي) المسمات بـ(النامية) والقياس المنمية، لكن كلا من اسمي الفاعل والمفعول يقوم مقام الآخر لأغراض، كقوله تعالى: (حجاباً مستوراً) مع أن الحجاب ساتر، وقوله تعالى (أإنا لمردودون في الحافرة) أي المحفورة، فإن القبر محفور لا حافر، وإنما عدل ههنا لأجل الشباهة بالغاذية لفظاً، ثم لا يخفى أن قوله: (أو لزيادة الخ) خاص بالنامية فلا يشمل السمن والورم فانهما لا يزيدان في الأقطار على نسبة يقتضيها النوع كما لا يخفى، والقوة النامية تصحب الإنسان إلى حد معين، ثم بعد ذلك تجف الأعضاء الأصلية جفافاً كاملاً لا تقبل معه من دخول أجزاء الغذاء بينها وتشكلها بشكلها حتى تنمو، كما انه ظهر بذلك الفرق بين الغاذية والنامية فإن الأولى تصحب الإنسان حتى الموت بخلاف الثانية (ومنها: متصرفة في الغذاء) الذي هو الأعم من الأخلاط والمني فانهما أيضاً غذاء وإن لم يكونا بالغذاء الأولى (لأجل بقاء النوع) وذلك بإيجاد شخص جديد من النوع (وهي: قوتان) مفصّلة ومشكّلة فـ (إحداهما: تفصل من أمشاج البدن) أي أخلاطه (جوهر المني) فإن الاُنثيين من الرجل ومن المرأة تجذب من الأخلاط المبثوثة في البدن المني وتعهده للقذف إلى الرحم ليكون إنساناً جديداً (كل جزء منه) أي من المني (لعضو مخصوص) فجزء للرباط، وجزء للعظم، وجزء للغشاء، وهكذا (وثانيتهما): وهي المشكّلة (تشكل كل جزء منه) أي من المني (بالشكل الذي يقتضيه نوع المنفصل عنه) فتجعل المقدار من المني الذي انفصل عن عظم الأب والأم عظماً، والمقدار من المني الذي انفصل عن رباطهما رباطاً وهكذا ـ هذا إن أراد بالنوع المنفصل عنه الأجزاء ـ أو أن المشكّلة تجعل مني الإنسان بشكل الإنسان، ومني الحمار بشكل الحمار، ومني المزدوج بين الكلب والذئب ـ مثلاً ـ بما يتوسط بين شكليهما ـ إن أراد بالنوع الأنواع المنطقية ـ وعلى كلٍّ، فالمشكّلة تشكل كل جزء حسب مقتضى ذلك (من التخطيط) لما يحتاج إلى التخطيط (والتجويف وغيرهما) كالمقدار والموضع والخشونة وغيرها (و) هذه القوة (هي) المسمات بـ (المصوّرة) وتبارك الله أحسن الخالقين (والقوة الغاذية) للأعضاء (يخدمها قوى أربع) أو هي مجموعة تلك القوى (أحدها: الجاذبة له) الغذاء (النافع) من محله إلى الموضع الذي يراد تغذيته كأن يجذب الدم من الكبد إلى رأس الأنملة التي يراد تغذيتها لإيجاد بدل ما يتحلل (وثانيها: الماسكة له) أي للنافع (مدة طبخ الهاضمة له) إذ الغذاء لابد أن يبقى مدة حتى يستحيل إلى صورة العضو فلابد من قوة تبقيه إلى وقت الاستحالة (وثالثها: الهاضمة) والحاجة إليها (للإحالة) أي إحالة الغذاء الوارد إلى صورة العضو المراد تغذيته (ورابعها: الدافعة للفضلة) الزائدة من الغذاء لاحتياج عضو آخر إلى الاغتذاء به، كأن تدفع الكف ما زاد عن غذائها إلى الإصبع مثلاً، أو المراد الدافعة لفضلات الغذاء حتى لا تبقى فتضر بالبدن فتخرج الفضلة بصورة الشعر والعرق والوسخ ونحوها (وهذه القوى الأربع تخدمها كيفيات أربع، أعني الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة) بتفصيل طويل ذكره الشارح فراجع (و) القوة (الغاذية) التي عرفتها (تخدم) القوة (النامية) إذ لولا التغذية لم يمكن التنمية، فإن النمو إنما يحصل بالزيادة في الأقطار الثلاثة على التناسب الطبيعي، والزيادة لا تكون إلا بالغاذية (وهما) أي الغاذية والنامية (يخدمان) القوة (المولّدة) فالغاذية توصل الغذاء الذي يمكن أن ينفصل منه أجزاء المني، والنامية تعظم الأعضاء وتوسع مجاريها حتى تصير إلى الهيئة الصالحة لتوليد المني.

    (الجنس الثاني من القوى: هو القوى النفسانية) المرتبطة بالنفس البــشرية، وهي تنقسم إلى محرّكة ومدركة، والمحرّكة تنقسم إلى باعثة وفاعلة، والمدركة تنقسم إلى مدركة في الظاهر، ومدركة في الباطن. فالأقسام أربعة (فمنها: محركة) أي لها مدخل في التحريك (ومنها: مدركة) للأشياء بمعنى أن لها مدخلاً في الإدراك (والمحركة منها باعثة على الحركة) فإذا ارتسم في ذهن الإنسان مطلوب بعثت القوة للتحرك نحوه، أو منفور بعثت القوة للتحرك للفرار منه (وتسمى: المشوقية) لاشتياق الإنسان لنحوه أو للفرار منه (ويخدمها الشهوانية) في المطلوبات (والغضبية) في المنفورات، فإن الإنسان إذا تصور محبوبه وجد في نفسه شوقاً نحوه، وإذا تصور أن ورائه سبعاً وجد في نفسه شوقاً نحو الفرار منه (ومنها: فاعلة للحركة بأن تشنج) تلك القوة (العضل فينجذب الوتر) فيزداد عرضاً وينقص طولاً (فينقبض العضو) الذي اتصل هذا الوتر به وتكون هناك نفرة وفرار (أو ترخي العضل فيمتد الوتر) فيزداد طولاً وينقص عرضاً (فينبسط العضو) ويكون هناك رغبة وإقبال، ومن المعلوم أن هاتين القوتين أي المحركة والفاعلة للحركة غير التصور، فإنا نجد من أنفسنا التصور أولاً، ثم الشوق نحو المتصور أو نحو الفرار عنه ثانياً، ثم الحركة للوصول أو الفرار ثلاثاً (تبارك الله احسن الخالقين) هذا في القسم الأول من القوى النفسانية التي هي المحركة (وأما المدركة، فإما مدركة في الظاهر) من البدن وهي: الباصرة، والسامعة، والشامة، واللامسة، والذائقة (أو) مدركة (في الباطن) ويراد بالباطن هنا الدماغ، وهي الحس المشترك، والخيال، والوهم. والحافظة، والمتصرفة (أما المدركة في الظاهر فهي: قوى خمس كالجواسيس) التي تأخذ الأخبار وتنتهي بها (للمدركة في الباطن) لتجلب النفع وتدفع الضرر وتتمتع بالمباهج، الأولى: (قوة البصر، وموضعها التقاطع الصليبي) أي التقاطع الشبيه بالصليب، الذي هو عبارة عن المشنقة وصورتها هكذا + (بين العصبتين) المجوفتين النابتتين من الدماغ (الآتيتين إلى العينين) فإنه نبت من يمين الدماغ عصب، ومن يساره عصب آخر، والعصب الأول يتياسر والعصب الثاني يتيامن، ثم يلتقيان على تقاطع صليبي، وفي كل منهما في موضع التقاطع ثقبة بحذاء ثقبة الآخر، وهنا محل الإبصار، ثم يأتي أحدهما إلى العين اليمنى والآخر إلى العين اليسرى (ومن شأنها) أي شأن هذه القوة البصرية (إدراك الألوان) الأحمر والأخضر والأبيض وغيرها (والأضواء) بمختلف ألوانها كضوء الشمس، وضوء القمر، وغيرهما (والأشكال) كالمربع والمخمس، والطويل والقصير، والحسن والقبيح.

    وقد اختلفوا في أن الإبصار هل هو بخروج الشعاع من العين إلى المرئي، أو بانطباع صورة المرئي في الباصرة وقد ذكرنا طرفاً من الكلام في كتابنا (القول السديد). (و) الثانية (قوة السمع، وموضعها: العصب المفروش على الصماخ) فإن ثقبة الأذن بعد الالتواء والاعوجاج تنتهي إلى فسحة فيها هواء راكد وسطحها الإنسي ـ الظاهر ـ مفروش بليف من العصب، وفي ذلك الليف قوة السمع و(من شأنها: إدراك الأصوات) فإن الهواء بسبب القرع والقلع يتموج، فيحمل الصوت إلى الصماخ، فيلاقي العصب ويؤثر فيه، فتدرك القوة المودعة هناك الصوت (و) الثالثة: (قوة الشم، وموضعها: العصبتان الزائدتان الشبيهتان بحلمتي الثدي) النابتتان في مقدم الدماغ و(من شأنها: إدراك الرائحة المتصعدة مع الهواء المستنشق) سواء قلنا بتكيف الهواء بالرائحة، أم قلنا بانفصال أجزاء صغار من المشموم، واختلاطها بالهواء ـ لاستحالة انتقال العرض ـ ولا يخفى أن مجرى الأنف عند أعلاه ينقسم إلى قسمين، قسم غليظ يتسع منحدراً إلى آخر فضاء الفم، ومنه ينفذ الهواء إلى الحنجرة وقصبة الرئة، وبه يتم التنفس من الأنف الذي هو أفضل صحياً من التنفس من الفم مباشرة في كثير من الأحيان، وقسم دقيق يصعد فيه الهواء حتى يصل إلى الزائدتين الشبيهتين بحلمتي الثدي فيتم إدراك المشموم (و) الرابعة: (قوة الذائقة، وموضعها: العصب الذي في جرم اللسان) و(من شأنها: إدراك الطعوم) بواسطة الرطوبة فإن أجزاء المطعوم الصغار تنتشر في الرطوبة فتحملها إلى الذائقة، وقيل بتكيف الرطوبة بالطعم، وهذا صحيح إن جوزنا انتقال العرض (و) الخامسة: (قوة اللمس، وموضعها: الجلد) المفروش على ظاهر بدن الإنسان (وأكثر اللحم) الذي تحت الجلد و(من شأنها: إدراك الملموسات في حرها، وبردها) كالتمييز بين النار والثلج (ورطوبتها ويبوستها) كالتمييز بين الأرض الندية وبين الأرض اليابسة (وخشونتها وملاستها) كالتمييز بين الثوب اللين والثوب الخشن (وصلابتها، ولينها) كالتمييز بين الحجر وبين الثوب، قيل وإنها هي التي تميز بين الصعود والهبوط، وبين الحركة والسكون في مثل ما إذا هبت ريح على الجسم.

    (وأما) القوى (المدركة في الباطن) فهي خمس أيضاً (فمنها: مدركة للصور الجزئية المحسوسة بـ) سبب (إدراك الحواس الظاهرة) والمراد بالصور هنا: ما يمكن إدراكها بالحواس الخمس الظاهرة، لا الصور المرئية فقط، فرائحة التفاح صورة وطعمه صورة، وصوت البلبل صورة، ونعومة الحرير صورة، كما أن شكل المذكورات صورة (وهي: الحس المشترك) سمي بذلك لاشتراك الحس فيه لجميع الصور فإن كل واحدة من الحواس الظاهرة تؤدي ما أدركته إلى هذا الحس، ثم لا يخفى أن الحس المشترك كما يدرك مع المشاهدة يدرك مع فقدها، ويسمى ذلك تخيلاً، كما لو فكر الإنسان في صورة زيد الغائب، أو حرارة النار المفقودة وهكذا، كما أن فائدة هذا الحس انه يجمع بين الأشياء فيدرك أن للتفاح شكلاً خاصاً ولوناً خاصاً وطعماً خاصاً ورائحة خاصة، ولذا إذا ذكر الإنسان التفاح أتى في ذهنه لونه وشكله وطعمه ورائحته. (وموضعه) أي موضع الحس المشترك (مقدم البطن المقدم من الدماغ) وإنما عرفوا بأن موضعه هناك لأنه إذا أصاب هذا الموضع آفة لم يدرك الإنسان الصور، كما أن مواضع سائر المدركات الباطنة عرف بذلك (وخزانته) أي خزانة الحس: (الخيال) بفتح الخاء فانه إذا غابت صورة شيء عن الحس المشترك لعدم حضوره فعلاً ولا تخيله، ارتسم ذلك الشيء في الخيال، حتى إذا احتاج الإنسان إلى صورته أخرجه من الخيال إلى الحسن المشترك، ولذا كلما أردنا تخيل شيء غائب تمكنا عليه، وهكذا إذ رأينا الشيء مرة ثانية عرفنا انه الشيء الأول الذي رأيناه كما عرفنا لوازمه الأُخر، ومن هنا نحكم بكون السكر المرئي ثانياً حلواً، وبكون هذا الشخص زيداً بعدما رأيناه مرة وعرفناه (وموضعه) أي موضع الخيال (مؤخر البطن المقدم) عقب الحس المشترك (ومنها) أي من القوى الخمس الباطنة المدركة (مدركة للمعاني الجزئية) والمراد بها: ما لا يمكن أن تدرك بالحواس الظاهرة، كمحبة زيد لولده، وكراهته لعدوه (القائمة) هذه المعاني (بتلك الصور) المدركة بالحس المشترك، فإن الحب والكراهية الجزئيين إنما يدركان بقوة أخرى (هي: الوهم، وموضعها) أي موضع هذه القوة (البطن الأوسط) من الدماغ (وخزانته) التي تخزن هذه المعاني الجزئية (الحافظة) فإذا رأى الإنسان ولده أدرك انه يحبه لأنه يجلب الحب المختزن في الحافظة بالنسبة إلى الولد إلى الوهم، وكذلك فيما إذا تفكر حول ولده، وهكذا بالنسبة إلى العداوة والكراهة وما أشبههما، وتسمى هذه القوة بالذاكرة أيضاً (وموضعها) أي موضع الحافظة (البطن المؤخر) من الدماغ.

    (ومنها) أي من القوى المدركة في الباطن: (المتصرفة) وهي التي تتصرف بالجمع بين الصور وبين المعاني، وبين صورة ومعنى، وبالعضل كأن يتصور إنساناً ذا رأسين، أو إنساناً بلا رأس، أو يتصور الصديق عدواً أو بالعكس، أو يتصور صداقة مع عداوة وهكذا، وحيث أن هذه القوة لا تدرك شيئاً ابتداءً، كان لابد أن يخدمها شيء مدرك آخر، فقد تستخدمها النفس الناطقة للمعاني الكلية كتصور الإنسان ناهقاً، وقد تستخدمها الواهمة للمعاني الجزئية كتصور إنسان بلا رأس (وتسمى) هذه القوة (باعتبار استخدام النفس الناطقة لها) في المعاني الكلية (مفكرة) لتصرفها في الأمور الراجعة إلى الفكر والنظر (و ـ باعتبار استخدام الوهم) والحس المشترك (لها في الصور والمعاني الجزئية ـ متخيلة) لتصرفها في الأمور الراجعة إلى الخيال، وقد عرفت أن خزانة الحس المشترك يسمى: خيالاً. (والجنس الثالث من القوى هو: القوة الحيوانية) ومقتضى النسق أن يقدمها على القوة النفسانية، لكن لا مشاحة في الترتيب كما لا يخفى (وهي: القوة التي تعد الأعضاء) أي تهيئها (لقبول القوى النفسانية) والمراد بالقوة الحيوانية: الحس والحركة الإرادية، فإنه لو لم تكن هذه القوة الحيوانية لم تفض على الأعضاء القوى النفسانية، فإن الإدراك وما أشبــه ـ من القوى النفسانية ـ فرع الحس والحركة، كما لا يخفى. (وسابعها) أي سابع الأمور السبعة الطبيعية: (الأفعال) وهي على قسمين (فمنها: مفردة تتم بقوة واحدة) وإن احتاجت إلى مقدمات (كالجذب) للغذاء (والدفع) للفضلات فإن الطبيعة تفعل الجذب بقوة واحدة هي الجاذبة، وكذلك الدفع والإمساك والهضم وما أشبه ذلك. (ومنها: مركبة يتم بقوتين فصاعداً) ثلاث قوى وأربع وهكذا (كالإزدراد) فإنه يتم بجذب المعدة للغذاء وبدفع الحلقوم وحواليه له إلى المعدة، وكالتغذية التي تتم بقوى ثلاث: المحصلة لجوهر البدل لما يتحلل، والملصقة له بالعضو، والمشبهة له بالمغتذي. وإلى هنا انتهى الجزء الأول من أجزاء الجزء النظري للطب.


    عدل سابقا من قبل godof في الثلاثاء 15 سبتمبر - 16:25 عدل 1 مرات
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:31

    مفسدات الشكل

    مفسدات الشكل: قد تكون من أصل الخلقة، لخلل في المصورة، أو عصيان المادة. أو يكون عند الانفصال من الرحم، لرداءة هيئة الانفصال، أو رداءة أخذ القابلة وقت الانفصال، أو يكون عند القميط، أو لسرعة الحركة قبل وقتها، أو لأسباب مرضية، وأسباب باقي الأمراض التركيبية الأولى بها ذكرُها في الكلام الجزئي.

    الجزء الرابع من أجزاء الجزء النظري، في العلامات: العلامة قد تكون على أمر ماض يذكر بما قد مضى فينتفع به الطبيب وحده، إذ قد يستدل بإدراكه لها على فضيلته دون المريض، وقد تكون على أمر حاضر فينتفع المريض وحده إذ قد يحصل بذلك الوقوف على حقيقة مرضه، وقد تكون على أمر مستقبل تقدم المعرفة فينفعهما معاً.

    والعلامات، منها: ما يدل على الأمزجة، ومنها: ما يدل على التركيب. وعلامات الأمزجة عشرة أجناس، أحدها: الملمس فالمساوي للمعتدل المزاج معتدل، والمخالف له مخالف خارج عنه في الجهة التي انفصل عنها.

    وثانيها: اللحم، والسمين، والشحم، فكثرته للرطوبة، وعدمه لليبوسة، وكثرة اللحم للرطوبة والحرارة، وكثرة السمين والشحم للرطوبة والبرودة.

    وثالثها: الشعر، وغلظه وجودته وسواده للحرارة واليبوسة، وأضداد ذلك للبرودة والرطوبة.

    ورابعها: البدن، فالبياض للبرد، وغلبة البلغم والحمرة: للحرارة ولغلبة الدم، وتركيبهما للاعتدال، والصفرة للحرارة وغلبة الصفراء، أو لقلة الدم كما في الناقهين. والكمد لإفراط البرد، والسوداء غير المحترقة.

    وخامسها: هيئة بنية الأعضاء، فسعة الصدر، والعروق، وظهورها، وعظم النبض، والأطراف، وظهور المفاصل للحرارة.

    وسادسها: كيفية الانفعال، فسرعة الانفعال عن أي كيفية كانت دليل غلبتها.

    وسابعها: الأفعال الطبيعية، الكاملة: للاعتدال، والناقصة والباطلة: للبرد والمشوشة: للحر، وبطؤها: للبرودة، وسرعتها: للحرارة.

    وثامنها: الفضول المندفعة، فحاد الرائحة قوى الصبغ: للحرارة، وضد ذلك للبرودة.

    وتاسعها: النوم واليقظة، فكثرة النوم للبرودة والرطوبة، وكثرة اليقظة: للحرارة واليبس، والمعتدل منهما: للاعتدال.

    وعاشرها: الانفعالات النفسانية، فقوتها وسرعتها وكثرتها: للحرارة، وتبلدها للبرودة، وثباتها: لليبوسة، وسرعة زوالها للرطوبة، والجبن دليل البرد، وضعف القلب، والقحة، والطيش، والجرأة، والحدة، وكثرة الكلام وسرعته واتصاله: للحرارة. وكثرة الحياء والرقاد: للبرودة. وأما علامات الأمزجة المركبة، فتعرف من تركيب علامات المفردة، فهذه علامات الأمزجة الجِبْلية، وأما الأمزجة العارضة فهذه العلامات عارضة،

    وتكون تلك الأمزجة ضارة بالأفعال.

    فإن كان المزاج مادياً دل على الصفراوي الوخز والنخس، وقليل ثقل، ودل على الدموي الثقل الزائد، والحمرة، والتمدد، وانتفاخ البدن. ودل على البلغمي البياض، وقلة العطش، وكثرة الريق، وكثرة النعاس، والثقل الزائد على الدموي، ودل على السوداوي: القحل، والسهر، وثقل أقل.

    والأحلام تدل على نوع المادة، فإن رؤية الخيالات الصُّفر، والنيران، والشعل، تدل على الصفراء، ورؤية الأشياء الحُمر تدل على الدم، ورؤية المياه، والبرد، والرعد، تدل: على البلغم، ورؤية الأشياء السود، والأدخنة، والمخاوف، تدل: على السوداء.

    وقد يدل على ذلك السن، والبلد، والفصل، والتدبير المتقدم.

    فصل ومنها: علامات أمراض التركيب، فمنها: جوهرية، كالاستدلال من الخِلقة، ومنها: عرضية، كالاستدلال من الجمال، ومنها: تمامية كالاستدلال من الأفعال، والأفعال إن كانت سليمة فالصحة تامة، وإن نقصت، أو بطلت دلت على البرودة، أو على رداءة التركيب، وإن تشوشت فللحرارة، أو رداءة التركيب.

    والعلامة، إما أن تدل على نفس الحالة كعلامات الورم، أو على سببها كالعلامات الدالة على كون الورم دموياً، أو على أينها كدلالة إفراط منشارية النبض ـ في ذات الجنب ـ على أن الورم حجابي، أو على وقتها كالعلامات الدالة على المنتهى، أو على الأحوال اللازمة لها كالعلامات الدالة على البحران، أو على تخصيص تلك الأحوال كالعلامات الدالة على أن البحران إسهالي.

    لما ذكر أسباب سوء المزاج شرع في بيان أسباب سوء التركيب، وحيث أن أول أسباب سوء التركيب سوء الشكل قدمها فقال: (مفسدات الشكل) هي: (قد تكون من أصل الخلقة، لخلل في) القوة (المصورة) ظاهراً، وعدم أمر الله سبحانه للملك المصور بالتصوير التام واقعاً (أو عصيان المادة) للولد عن قبول التصوير اللائق، كأن تكون المادة كثيرة فتزيد، أو قليلة فلا تكفي للإتمام، أو غليظة فتأبى عن قبول التصوير الدقيق، وهكذا (أو يكون) مفسد الشكل (عند الانفصال) للجنين (من الرحم لرداءة هيئة الانفصال) بأن يخرج الجنين من طرف رجله، فإن اللازم أن يخرج من طرف رأسه، وإنما يفسد شكله حينئذ لوقوع انفتال أو التواء أو انخلاع في بعض أعضائه (أو رداءة أخذ القابلة) للجنين (وقت الانفصال) كأن تمسك الأعضاء اللينة قوياً، فيؤثر فيها ويغير شكلها، فيفطس الأنف مثلاً، أو ينخسف اليافوخ، أو نحو ذلك، لأن الوليد لدن لين قابل للتأثر (أو يكون عند القميط) فيمد بعض الأعضاء زائداً، أو يلوي، أو نحو ذلك (أو لسرعة الحركة) أي حركة الطفل (قبل وقتها) فإنه إذا مشى قبل أن يستحكم كان معرضاً لاختلال توازن الأعضاء وانحراف الشكل (أو لأسباب مرضية) كالجدري الموجب لتشوه الشكل، أو الجذام الموجب لفطس الأنف وتعجير الوجه (وأسباب باقي الأمراض التركيبية) وهو باقي أمراض الخلقة، وأمراض العدد والمقدار والوضع (الأولى بها ذكرُها في الكلام الجزئي) المرتبط بالمعالجة، لا أن تذكر هنا في الموضع المرتبط بالكلام الكلي لكثرة تلك وتشعبها، فيوجب ذكرها هنا إطالة من غير طائل.

    (الجزء الرابع من أجزاء الجزء النظري) للطب (في العلامات) التي يُستدلّ بها على المرض السابق، أو المرض الحالي، أو المرض المستقبل: (العلامة قد تكون) دالّة (على أمر ماض) كالعرق الدال على حر سابق فـ (يذكر بما قد مضى) ويسمى: مذكراً (فينتفع به الطبيب وحده) لا المريض (إذ قد يستدل بإدراكه لها على فضيلته) وإنه ذو حذق وفهم (دون المريض) لأنه لا فائدة في أمر ماض، والقول بأنه يستكشف حال الحاضر من الحال السابق مردود، بأن الحال الحاضر له علامة حاضرة فتأمل. (وقد تكون) دالّة (على أمر حاضر) كشدة الحركة في النبض الدالة على الحمّى، ويسمى: دالاًّ (فينتفع) بها (المريض وحده) دون الطبيب (إذ قد يحصل بذلك الوقوف على حقيقة مرضه) فيعالج، أما الطبيب فلا يكون طبيباً إلا بذلك، فهو مقدم له لا فضيلة (وقد تكون) دالّة (على أمر مستقبل) كسوء القينة الذي يدل على الاستسقاء بعداً، ويسمى: (تقدم المعرفة) لأنه عرف مستقبلاً لم يأت بعد (فينفعهما معاً) الطبيب لظهور فضله، والمريض للوقوف على واجب تدبيره.

    (والعلامات، منها: ما يدل على الأمزجة) في أنها معتدلة أو غير معتدلة، وأن غير المعتدلة مائلة إلى الحرارة أو البرودة، وهكذا (ومنها: ما يدل على التركيب) وإن التركيب على ما ينبغي، أو ليس على ما ينبغي (وعلامات الأمزجة) التي يستفاد منها كيفية المزاج (عشرة أجناس) وتحت كل جنس أنواع (أحدها: الملمس) أي ما يلمس (فـ) الملمس (المساوي للمعتدل المزاج معتدل) فكما إنه لو لمسنا ماءاً معتدل الحرارة والبرودة فعرفنا اعتداله، ثم لمسنا ماءاً آخر فرأينا أنه مثله عرفنا اعتداله بالقياس، كذلك إذا أخذنا نبضاً وعرفنا اعتدال صاحبه، ثم أخذنا نبضاً آخر يشبهه عرفنا اعتدال صاحبه بالقياس (و) الملمس (المخالف له) أي للمعتدل (مخالف) للاعتدال (خارج عنه في الجهة التي انفصل عنها) العالم بالاعتدال، فكما إنه إذا لمسنا ماءاً ثانياً فرأيناه أبرد، دل ذلك على خروج الماء الثاني عن الاعتدال إلى البرودة، كذلك إذا أخذنا نبضاً ثانياً كان أسرع أو أبطأ من المعتدل، دل ذلك على خروج صاحبه عن الاعتدال إلى الجانب الذي يؤشر البطء أو السرعة إليه.

    (وثانيها) أي ثاني العلامات العشرة للأمزجة: (اللحم، والسمين، والشحم، فـ) إن (كثرة) ذلك (للرطوبة) لأن اللحم يُخلق من الدم والدم أرطب الأخلاط، والآخران يُخلقان من مائية الدم وهي أرطب أجزاء الدم (وعدمه لليبوسة) ولذا يكون الغالب في الضعفاء اليبس (وكثرة اللحم للرطوبة والحرارة) لأن الدم حار. وقد عرفت أن اللحم هو متين الدم (وكثرة السمين والشحم للرطوبة والبرودة) لأن البرودة هي التي تعقّد مائية الدم وتصوره بصورة الشحم والسمين.

    (وثالثها) أي ثالث العلامات العشرة للأمزجة: (الشعر) فإن البخار الدخاني المنفصل عن الأخلاط إذا وصل إلى مسام الجلد تلبّد وتجمد هناك وخرج بشكل الشعر من تلك المسام على قدر سعتها وهيئتها، ثم لا يزال يستمد ويطول بتواتر وصول البخار من الأخلاط إليه (وغلظه وجودته) أي التوائه (وسواده) الشديد (للحرارة واليبوسة) لأنه متولد من البخار الدخاني، والبخار لا يكون إلا من الحرارة، والدخان لا يكون إلا من اليبوسة، إذ معنى اليبوسة غلبة الأرضية على الخلط، فكلما كان البخار الدخاني أكثر كان الشعر أكثر وكان أجعد للجفاف الموجب للتجعيد، فإن الجاف الشديد يلتوي كما نرى في الحطب واللوح إذا جفّا، أما السواد فلأنه من الدخان وهو أسود، وكلما تزايد الدخان تزايد السواد لتراكم بعضه على بعض (وأضداد ذلك) أي القلة والرقة والسبوطة ـ التي هي نقيض الجعد ـ وعدم السواد كالحمرة والشقرة والصفرة والبياض (للبرودة والرطوبة) لأنها صفات تناسبها كما لا يخفى، ولذا نرى أن البلاد القريبة إلى الاستواء تتوفر فيها الصفات السابقة لشعور أهلها، بخلاف الإقليم السادس والسابع فالمتوفر الصفات اللاحقة.

    (ورابعها) أي رابع العلامات العشرة للأمزجة: (البدن، فالبياض) للبدن يكون علامة (للبرد) أي برد المزاج، لأن البرد يوجب قلة تولد الأخلاط الثلاثة الدم والصفراء والسوداء، فيظهر البياض الأصلي للجلد، الذي هو عضو عصباني أبيض اللون كسائر الأعضاء الأصلية الأخرى المتولدة من المني (و) لـ (غلبة البلغم) فإن البلغم لونه أبيض، لكن البياض المستند إلى البلغم يكون مع الترهّل والكسل، بخلاف البياض الذي يكون من البرد (والحمرة) للبدن علامة (للحرارة) إذ الحرارة ترقق الدم فينبسط في جميع البدن وتظهر حمرته من تحت الجلد (و) علامة (لغلبة الدم) لما عرفت، فإن الدم القليل لا ينتشر كثيراً تحت الجلد حتى تظهر حمرته (وتركيبهما) أي البياض والحمرة بأن يكون اللون وسائر الجلد أبيض مشرباً بالحمرة علامة (للاعتدال) لأنه يدل على اعتدال الدم، حيث ليس كثيراً حتى يغلب لونه لون الجسم، وليس قليلاً حتى يبلغ لون الجسم لونه (والصفرة) علامة (للحرارة) لأن الحرارة إذا غلبت أحالت المواد إلى الصفراء (و) لـ (غلبة الصفراء) إذ عند غلبتها يظهر لونها من تحت الجلد (أو) علامة (لقلة الدم) وإن لم يكن هناك صفراء (كما في الناقهين) فإن الدم إذا قل ظهر كأنه أصفر فإن الصفرة من المراتب النازلة للحمرة (والكمد) وهو ما يكون له سواد يسير غير مشرق علامة (لإفراط البرد) لأن البرد المفرط يقلل الدم ويجمد القليل منه، فيظهر مائلاً إلى السواد بدون إشراق، فإن الإشراق للدم الــصافي الرقيق (و) لـ (السوداء غير المحترقة) لأنها لو احترقت كانت مع الإشراق، للصفاء الحاصل من الاحتراق.

    (وخامسها) أي خامس العلامات العشرة للأمزجة: (هيئة بنية الأعضاء) أي بناءها وشكلها (فسعة الصدر، و) سعة (العروق، وظهورها) أي ظهور العروق وانتفاخها ونتوءها (وعظم النبض) بأن يلمس كأنه ضخم كبير (و) عظم (الأطراف) اليد والرجل وغيرهما. (وظهور المفاصل) بمعنى بروزها وامتيازها عن أطرافها كل ذلك علامة (للحرارة) لأن الحرارة إذا كثرت عملت الطبيعة أفعالها بكثرة، فيسع الصدر وكل ما هو قابل لأن يكبر بسبب كثرة التغذية، ويعظم النبض لذلك وللحاجة إلى هواء كثير للترويح، فيعظم لأخذ أكبر قدر ممكن من الهواء. وأما ظهور المفاصل فلأنها محل الحركة، فحيث تتحرك أكثر تظهر أكثر.

    (وسادسها) أي سادس العلامات العشرة للأمزجة: (كيفية الانفعال) للبدن عن الكيفيات الأربع في السرعة والبطء كأن ينفعل البدن بسرعة عن الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة، أو ينفعل عنها ببطؤ (فسرعة الانفعال عن أي كيفية كانت دليل غلبتها) أي غلبة تلك الكيفية، وذلك لأن إحدى الكيفيات لو غلبت استعد البدن لقبول مثلها، وذلك كما أن الماء الحار يقبل الحرارة بأسرع من قبول الماء البارد لها، فإذا كان البدن سريع الانفعال بأكل الحار بأن يكون أكله للغذاء الحار موجباً لظهور علائم الحرارة على اليد ـ مثلاً ـ دل ذلك على غلبة الحرارة على البدن، وهكذا بالنسبة إلى سائر الكيفيات.

    (وسابعها) أي سابع العلامات العشرة للأمزجة: (الأفعال الطبيعية) والمراد بها هنا الصادرة عن الإنسان سواء كانت طبيعية أو حيوانية أو إنسانية (فـ) الأفعال (الكاملة) الصحيحة علامة (للاعتدال) في المزاج، فإن المزاج لو اعتدل أتى بالفعل كاملاً، إذ الفعل مظهر من مظاهر المزاج، فالعين الصحيحة ترى كاملة بخلاف العين التي أخذ الماء ينزل فيها فإنها ترى ناقصة، وهكذا (و) الأفعال (الناقصة والباطلة) علامة (للبرد) إذ البرودة مقلصة للأعصاب، مانعة عن الانتشار في القوى، فذو البرد يأتي منه الفعل ناقصاً أو باطلاً، كما أن من يغمره الشتاء لا يتمكن من الكتابة الحسنة لعدم قدرة الأصابع على الإتيان بها كاملة (و) الأفعال (المشوشة) علامة (للحر) لأن التشويش عبارة عن حركة غير منتظمة، والحركة إنما تتولد من الحرارة (وبطؤها) أي بطء الأفعال علامة (للبرودة) إذ البطء من باب السكون، وكل ما هو كذلك كان لازماً للبرودة التي هي أيضاً توجب السكون (وسرعتها) أي الأفعال علامة (للحرارة) لعكس العلة المتقدمة.

    (وثامنها) أي ثامن العلامات العشرة للأمزجة: (الفضول المندفعة) من الإنسان من بول وغائط وعرق وغيرها (فحاد الرائحة قوى الصبغ) علامة (للحرارة) إذ الحرارة تحدث العفونة لسرعة الفساد إلى ما تعمل فيه الحرارة، ولذا تظهر عفونة الأبدان عند الصيف وفي الشمس، كما أن الحرارة توجب غلبة الدم والصفراء فيختلط شيء منهما مع الفضلة. والمراد بالصبغ هنا أعم من الاصفرار (وضد ذلك) أي قليل الرائحة ضعيف الصبغ، علامة (للبرودة) لعكس ما تقدم من الدليل.

    (وتاسعها) أي تاسع العلامات العشرة للأمزجة (النوم واليقظة، فكثرة النوم) علامة (للبرودة والرطوبة) لاسترخاء الأعصاب بهما، فتنسد مسالك الروح عن النفوذ إلى الظاهر، ويغلب النوم (وكثرة اليقظة) علامة (للحرارة واليبس) لأنهما يوجبان اشتعال الروح، وانفتاح المسام، فتسرع الروح إلى الظاهر، ولا حاجب لها عن ذلك، فتكثر اليقظة (والمعتدل منهما) أي من النوم واليقظة (للاعتدال) بين تلك الكيفيات الأربع،

    (وعاشرها) أي عاشر العلامات العشرة للأمزجة: (الانفعالات النفسانية، فقوتها) كالغضب القوي (وسرعتها) كأن يسرع إلى الغضب بمجرد إدراك غير الملائم (وكثرتها) بأن يكثر منه الغضب في كل أمر (للحرارة) وذلك لأن الحرارة توجب الاشتعال والحركة، وهذه الثلاثة من آثارهما، وكذلك سائر الكيفيات النفسانية من فرح وخوف وخجل وجرأة وما أشبهها (وتبلدها) أي الانفعالات النفسانية (للبرودة) لعكس ذلك، فإن البرد يوجب انسداد المسام، فلا تنفذ الروح فيها لتعمل الأعمال الكثيرة القوية السريعة (وثباتها) أي الانفعالات (لليبوسة) لأن اليبوسة حافظة لما ينطبع فيها (وسرعة زوالها) أي زوال الانفعالات النفسانية علامة (للرطوبة) كأن يندم عن غضبه سريعاً، لأن الرطوبة تترك ما تأخذ بسرعة (والجبن) الذي هو ضد الشجاعة (دليل البرد، وضعف القلب) لأن الحرارة وقوة القلب مستلزمان لرجاء الخلاص من المكروه، إذ الحار المزاج سريع، فيعتمد على نفسه في الخلاص بسرعة، بخلاف البارد الذي هو بطيءفلا يرجو الخلاص (والقحة) وهي: صفة تسبب أن يستهين الإنسان بفوت المدح وجلب الذم، ولذا يفعل الأشياء القبيحة المذمومة (والطيش) وهو: حالة تسبب سرعة الإنسان للقيام بالحركات فيما يكون البطء ممدوحاً (والجرأة) وهي الشجاعة وعدم المبالاة، وكأن الشجاعة أعم منها، فهي قسم خاص من الشجاعة (والحدة) بأن يكون الإنسان حاداً في أعماله وأقواله (وكثرة الكلام وسرعته واتصاله) والفرق بينهما أن المراد بالسرعة الإسراع في الكلام في كل مناسبة، وبالاتصال أن يأتي بالكلام الثاني متصلاً بالكلام الأول من دون فصل، وهكذا كل ذلك علامة (للحرارة) وذلك لما تقدم من كون الروح إذا كانت حارة أسرعت في الأعمال ولم تبالِ بالمحاذير لاعتمادها على سرعتها المنجية لها من المأزق (وكثرة الحياء) وهو ضد الوقاحة (والرقاد) وهو ضد الطيش علامة (للبرودة) لعكس ما ذكر، لكن لا يخفى أن هذه الأمور في الجملة لا كلية، كما لا يخفى.

    (وأما علامات الأمزجة المركبة، فتعرف من تركيب علامات) الأمزجة (المفردة، فهذه) الأمور التي ذكرناها (علامات الأمزجة الجِبْلية) أي الخلقية والفِطرية (وأما الأمزجة العارضة) بعد إن لم تكن، بأن عرضت بعض الأمزجة على الإنسان بسبب عارض (فـ) إنه تكون (هذه العلامات) المذكورة للأمزجة الجِبْلية (عارضة) فمثلاً: إذا عرض على الإنسان حرارة بعد ما كان طبعه بارداً، خفّ نومه وقل بعد أن كان عميقاً طويلا، لأن الخفة والقلة من علامات الحرارة (وتكون تلك الأمزجة) الجديدة (ضارة بالأفعال) الطبيعية.

    (فإن كان المزاج) الذي عرض على الإنسان بعد إن لم يكن (مادياً) أي مستنداً إلى الأخلاط، بأن زاد فيه خلط فحدث هذا المزاج الجديد، عرف ذلك بالأدلة و(دل على الصفراوي) أي المزاج الصفراوي العارض (الوخز) بأن يحس الشخص بحالة كوخز الإبرة (والنخس) بأن يحس بحالة كغرز الشوك، فإن الأبخرة الحارة الصفراوية تتحرك إلى ظاهر البدن، فتحدث الوخز والنخس لحرارتها (وقليل ثقل) في البدن، أما الثقل فلأن جميع المواد لا تخلو من ثقل، وأما قلته فللطافة الصفراء (ودل على) المزاج العارض (الدموي: الثقل الزائد) أي الأزيد من ثقل الصفراء، لأن الدم أغلظ وأكثر في البدن (والحمرة) لما تقدم من انتشار الدم في باطن الجلد، فتظهر حمرته (والتمدد) في العروق والجلد، لأنه بزيادته يوسع مجاريه التي هي العروق، والعروق توسع الجلد (وانتفاخ البدن) لأن الدم بحرارته يميل إلى الجلد، فينتفخ (ودل على) المزاج (البلغمي) العارض (البياض) الزائد على البياض الأصلي للجلد، لأن البلغم أبيض (وقلة العطش) لأن البلغم بارد رطب (وكثرة الريق) لكثرة الرطوبات التي تجتمع في الفم من الدماغ ومن سائر البدن (وكثرة النعاس) لما تقدم من أن النوم يكثر عند الرطوبة (والثقل الزائد على) المزاج (الدموي) لأن البلغم يكون بدون الحـــرارة، بخلاف الدم فإن حرارته تخففه (ودل على) المزاج (السوداوي) العارض (القحل) أي يبس البدن، لأن السوداء يابسة (والسهر) لتجفيف السوداء للدماغ، وقد تقدم أن النوم يحدث من رطوبة الدماغ (وثقل أقل) من البلغمي، ليبس السوداء بخلاف البلغم، والرطب أثقل لاختلاطه بالرطوبة.

    (والأحلام) جمع حلم، كعنق وقفل، ما يراه النائم (تدل على نوع المادة) الزائدة في البدن.

    قالوا: إن الرؤيا على ثلاثة أقسام، الأولى الصادقة وهي التي تتصل الروح فيها بالمبادئ العالية فتلقي عليها شيئاً فيرتسم ذلك في الحس المشترك ويحفظه الخيال ـ إذ هو خزانة الحس المشترك ـ فإذا قام الإنسان تذكره.

    الثانية: الكاذبة وتلك بسبب ارتسام شيء في الخيال أو الحافظة عند اليقظة، فيرتسم منه في الحس المشترك عند النوم صورة مماثلة لما عند اليقظة أو ملبسة بلباس آخر.

    الثالثة: ما تكون لتغير مزاج الروح ـ أعني بخار الدم ـ وهذه هي المقصود هنا، وهي التي تدل على المادة الزائدة في البدن (فإن رؤية الخيالات الصُّفر) كما لو رأى الإنسان إنساناً أو حيواناً أو شجراً أو داراً صفراء (و) رؤية (النيران، والشعل، تدل على الصفراء) لأن الروح تشتعل بحرارتها، وتنفصل عنها أبخرة متلونة بلون الصفراء، فيرى النائم تلك الصور (ورؤية الأشياء الحُمر) جمع أحمر (تدل على الدم) لما ذكر، فإن الروح تتلون بلون الدم وتكون أبخرتها حمراء (ورؤية المياه، والبرد، والرعد، تدل على البلغم) لأن البلغم بارد رطب، فتكون أبخرته كالمياه، والبرد والرعد إنما يكون لمناسبته لهما (ورؤية الأشياء السود، والأدخنة، والمخاوف، تدل على السوداء) لرؤية الروح الأبخرة السوداء، والمخاوف غالباً تلازم السواد.

    (وقد يدل على ذلك) أي نوع المادة (السن، والبلد، والفصل، والتدبير المتقدم) في الأسباب الستة الضرورية فسن الشيخ دليل غلبة اليبوسة، والبلد الواقع قرب الاستواء دليل السوداء، والصيف دليل الحرارة، وأكل الأشياء الرطبة دليل الرطوبة.

    قلنا أن العلامات منها ما يدل على الأمزجة، وقد تقدم (ومنها) ما يدل على التركيب في استوائه وعدم استوائه، فنقول: أما (علامات أمراض التركيب، فمنها: جوهرية) أي المأخوذة من جوهر الأعضاء (كالاستدلال من الخِلقة) على المرض والاستواء (ومنها: عرضية) أي المأخوذة من لوازم الأعضاء (كالاستدلال من الجمال) فإن الجمال يدل على اعتدال المزاج واستواء التركيب، إذ المراد بالجمال كون الأعضاء على أفضل ما ينبغي من المزاج والهيئة، لا الجمال بمعناه المعروف لدى الجمهور (ومنها: تمامية) أي تمامية الأفعال الصادرة من الإنسان، فإنها تدل على صحة المزاج (كالاستدلال من الأفعال، و) ذلك لأن (الأفعال إن كانت سليمة فالصحة تامة، وإن نقصت) كما لو ضعفت العين في الرؤية (أو بطلت) كما لو لم تر العين (دلت على البرودة) إذ البرودة مانعة عن الحركة الموجبة لتمامية الأفعال (أو على رداءة التركيب) كما لو ركبت العين بحيث لا ترى إلا قليلاً (وإن تشوشت) الأفعال (فللحرارة) لما تقدم من أن الحرارة توجب التشويش في الأفعال (أو رداءة التركيب) كما لو ركبت العين بحيث ترى مشوشة.

    (والعلامة، إما أن تدل على نفس الحالة) المرضية (كعلامات الورم) من الثقل والتمدد وزيادة حجم العضو، فإنها تدل على المرض وهو الورم نفسه، فإن نفس الورم هي هذه الأمور (أو) تدل العلامة (على سببها) أي سبب الحالة (كالعلامات الدالة على كون الورم دموياً) كالحمرة القانية مثلاً، فإنها تدل على أن الورم من الدم (أو) تدل العلامة (على أينها) أي موضع الحالة (كدلالة إفراط منشارية النبض ـ في ذات الجنب ـ على أن الورم حجابي) وسيأتي المراد بالمنشارية في أقسام النبض، والمراد بكون الورم حجابياً: أن الورم في الحجاب الحاجز ـ مثلاً ـ لا في العضل (أو) تدل العلامة (على وقتها) أي وقت الحالة (كالعلامات الدالة على المنتهى) فإن نفث الخلط الكامل النضج في ذات الجنب يدل على انتهاء المرض (أو) تدل العلامة (على الأحوال اللازمة لها) أي للحالة (كالعلامات الدالة على البحران) والمراد بالبحران: الوقت الذي يحارب المرض فيه مع المناعة البدنية، فإن غلب المرضُ تأخر المريض، وإن غلبت المناعة تقدم المريض نحو الصحة، مثل القلق والسهر والصداع في يوم البحران، فإن هذه علامات دالة على البحران الذي هو لازم للحالة المرضية (أو) تدل العلامة (على تخصيص تلك الأحوال) اللازمة للحالة بقسم خاص (كالعلامات الدالة على أن البحران إسهالي) كالقراقر، والرياح، والمغص، فإنها تدل على أن البحران الذي هو لازم الحالة، إنما هو هذا القسم الخاص منه.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:32

    أسباب الأمراض

    كل مرض متغير من الصحة إليه إما أن يظهر اشتداده، أو انتقاصه، أو لا يظهر واحد منهما، فالأول هو: وقت التزايد، والثاني هو: الانحطاط، والثالث إن كان قبل التزايد، فهو: وقت الابتداء، وإن كان بعده فهو: وقت الانتهاء.

    الجزء الثالث من أجزاء الجزء النظري: في الأسباب، السبب ما يكون أولاً، فيجب عنه وجود حالة من أحوال بدن الإنسان، أو ثباتها، ولكل واحد من الأحوال الثلاثة أسباب ثلاثة، لأن السبب إما أن لا يكون بدنياً كحرارة الشمس، وبرودة الهواء، والغضب، والفزع، ويسمى بادياً، أو يكون بدنياً، فإن أوجب الحالة بغير واسطة كإيجاب العفونة للحمى، يسمى: وأصلاً، وإن أوجبها بواسطة كإيجاب الامتلاء للحمّى العفنية يسمى: سابقاً.

    وفعل السبب إما بالذات كتبريد الماء البارد، أو بالعرض كتسخينه بحقن الحرارة، وكل سبب إما أن يكون ضرورياً، أو لا يكون، وغير الضروري قد يكون مضاداً للطبيعة، وقد لا يكون.

    والأسباب الضرورية ستة أجناس، أحدها: الهواء المحيط، ويضطر إليه لتعديل الروح بالاستنشاق، وإخراج فضلاته بردّ النفَس.

    وما دام معتدلاً صافياً لا يخالطه جوهر غريب مثل: بخار آجام، أو بخار بطائح، أو آسن الماء، أو نتن الجيف، أو أبخرة مباقل رديئة، أو أشجار خبيثة الجوهر، كالشوحط، والتين، أو غبار مترادف، أو دخان، كان حافظاً للصحة محدثاً لها.

    كل مرض متغير من الصحة إليه) احترز بذلك عن الأمراض الخلقية كالرأس المسفط (إما أن يظهر اشتداده، أو انتقاصه، أو لا يظهر واحد منهما فالأول) وهو ما يظهر وقت اشتداده (هو: وقت التزايد، والثاني) وهو ما يظهر وقت انتقاصه (هو) وقت (الانحطاط، والثالث) وهو ما لا يظهر واحد منهما فيه (إن كان قبل وقت التزايد، فهو: وقت الابتداء) كابتداء المرض (وإن كان بعده) أي بعد وقت التزايد (فهو: وقت الانتهاء) كانتهاء المرض. وبهذا انتهى الجزء الثاني من أجزاء الجزء النظري للطب فلنشرع في الجزء الثالث.

    (الجزء الثالث من أجزاء الجزء النظري) للطب: (في الأسباب) و(السبب) في اصطلاح الأطباء (ما يكون أولاً) أي مقدماً على الحالة الطارئة، فالنوم الذي هو سبب للراحة يسمى: سبباً لأنه أول، والراحة تتبعه، والسم الذي هو سبب للموت، يسمى: سبباً لأنه مقدم على الموت، وهكذا (فيجب عنه) أي يجب أن يكون متفرعاً عنه، أي عن السبب (وجود حالة من أحوال بدن الإنسان) الثلاثة، وهي: الصحة، والمرض، والمتوسط بينهما الذي ليس بصحة ولا مرض، كما تقدم (أو ثباتها) عطف على ـ وجود ـ أي السبب قد يقتضي إيجاد إحدى الأحوال الثلاثة، وقد يقتضي إبقاء تلك الحالة، فإن الأشياء كما توجد بالأسباب تبقى بها (ولكل واحد من الأحوال الثلاثة) للبدن من صحة ومرض وتوسط (أسباب ثلاثة) الأول: السبب الخارج عن البدن، الثاني: السبب البدني المؤثر بغير واسطة، الثالث: السبب البدني المؤثر مع الواسطة (لأن السبب إما أن لا يكون بدنياً كحرارة الشمس) التي توجب الصداع (وبرودة الهواء) التي توجب استرخاء الأعصاب (والغضب، والفزع) الموجبين للحمّى، فإنهما يردان على البدن من جهة النفس لا من جهة البدن (ويسمى) هذا القسم من السبب (بادياً) لأنه يبدو ويظهر للطبيب، أو من قبيل البــدو الذي يطلق على الخارجين عن المدن (أو يكون) السبب (بدنياً) ومنشأه نفس البدن (فإن أوجب) ذلك السبب البدني (الحالة) الطارئة (بغير واسطة) شيء (كإيجاب العفونة للحمّى، يسمى) السبب (واصلاً) لاتصال السبب بالحالة مباشرة (وإن) كان السبب (أوجبها) أي الحالة (بواسطة كإيجاب الامتلاء للحمّى العفنية) حيث أوجب الامتلاء العفونة، وهي أوجبت الحمى، فالامتلاء سبب بواسطة (يسمى) السبب (سابقاً) لأنه سابق على السبب المباشر.

    (وفعل السبب) للحالة (إما) أن يكون (بالذات) بأن تكون طبيعة السبب مقتضية لإيجاد حالة خاصة في البدن (كتبريد الماء البارد) فإن الماء بطبيعته مبرد (أو) يكون (بالعرض) بأن تكون طبيعته غير مقتضية للحالة، وإنما سبب الحالة لأمر عارض (كتسخينه) أي تسخين الماء للبدن (بحقن الحرارة) وحفظها، فإن الماء البارد حيث يبرّد يكثف الجلد ويقبضه، فتبقى الحرارة الغريزية في موضعها، فيكون الماء سبباً للحرارة بالعرض.

    (وكل سبب إما أن يكون ضرورياً) وهو الذي لا يمكن للإنسان أن يتفصّى عنه مدة حياته (أو لا يكون) ضرورياً بأن كان التفصّي عنه ممكناً (وغير الضروري قد يكون مضاداً للطبيعة) ومفسداً لها كالسم (وقد لا يكون) مضاداً لها، ويأتي تمثيله بالإندفان في الرمل الموجب للنشف.

    (والأسباب الضرورية ستة أجناس): الهواء، والأكل والشرب، والحركة والسكون البدنيان، والنفسيان، والنوم واليقظة، والاستفراغ والاحتباس (أحدها: الهواء المحيط، ويضطر) الإنسان (إليه لتعديل الروح) فإن حرارة الروح تحتاج إلى مبرّد، والهواء يقوم بهذا التبريد (بـ) سبب (الاستنشاق) بجذب الهواء إلى الرئة، ثم إخراجه وقد اصطحب حرارة ومواداً دخانية مما احترقت في الجسم بسب الحرارة، وبذلك يحفظ الجسم عن الاشتغال المؤدي إلى فساد المزاج (و) لـ (إخراج فضلاته) أي فضلات الروح التي هي الذرات الدخانية (بردّ النفَس) وإخراجه ويعود الدور بإدخال هواء نقي وإخراج هواء حار دخاني وهكذا، وهذه العملية تسمى الشهيق والزفير.

    (وما دام) الهواء (معتدلاً) غير مفرط في الحرارة والبرودة (صافياً) بأن (لا يخالطه جوهر غريب) خارج عن حقيقته مناف لمزاج الروح (مثل: بخار آجام) جمع أجمة ـ على وزن بقرة ـ وهي منبت القصب، فإن هواء الآجام متعفنة لاحتباس الأبخرة في خلال القصب لعدم نفوذ الهواء الكثير فيه (أو بخار بطائح) جمع بطحة، وهي الموضع الواسع الذي يجتمع فيه الماء ويحتبس ويكون فيه وفي حواليه أشجار، فإن هواءها يتوسخ بالأبخرة الحارة الغليظة التي تتصاعد منها لدوام تأثير المسخن فيها، والأشجار تمنع الهواء الطلق من اكتساحها (أو) بخار (آسن الماء) ـ آسن كفاعل، بمعنى المتعفن، فالمياه المتعفنة تولد أبخرة رديئة (أو) هواء (نتن الجيف) إذ الهواء يكتسب رائحة نتنة من مجاورة الجيفة (أو أبخرة مباقل رديئة) مباقل جمع ـ مبقل ـ وهو موضع البقل، فإن الهواء يتكيف برداءة البقل كمبقل الجرجير والكرنب (أو) أبخرة (أشجار خبيثة الجوهر كالشوحط) بالحاء والطاء المهملتين، قسم من أشجار الجبال (و) كـ (التين) فإن شجرهُ يفسد الهواء (أو) مثل (غبار مترادف) ترادف بعضه لبعض لكثرته (أو دخان) وهو يحصل من امتزاج الهواء بذرات الرماد وما أشبهه، (كان حافظاً للصحة) خبر قوله في أول الفصل: (وما دام) (محدثاً لها) أي للصحة، أي أن الهواء النقي يحفظ الصحة الموجودة في الإنسان، ويوجد الصحة إذا كانت مفقودة، وذلك لأنه يعدل الروح ويصلحها.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:33

    المأكول والمشروب

    وأما التغيرات المضادة للمجرى الطبيعي، فكالوباء.

    وثانيها: ما يؤكل ويشرب، وهو يؤثر في البدن

    إما بكيفيته فقط، وهذا هو: الدواء، أو بمادته فقط وهو: الغذاء،

    أو بصورته النوعية الحاصلة له من المزاج فقط، وهو ذو الخاصية الموافقة كالفادزهر، أو المخالفة كالسم، أو بمادته وكيفيته، وهو الغذاء الدوائي، أو بكيفيته وصورته، وهو الدواء الذي له خاصية، أو بمادته وصورته وهو الغذاء الذي له خاصية، أو بمادته وكيفيته وصورته، وهو الغذاء الدوائي الذي له خاصية.

    والغذاء قد يكون لطيفاً وقد يكون غليظاً، وقد يكون متوسطاً بينهما، وكل واحد منهما قد يكون صالح الكيموس، وقد يكون فاسده وكل واحد منها قد يكون كثير التغذية، وقد يكون قليلها، وقد يكون متوسطاً بينهما، والماء لا يغذو لبساطته، وإنما يستعمل لترقيق الغذاء.

    ذكرنا أن التغيرات إما لا تضاد المجرى الطبيعي على قسميه، وإما تضاده، وقد سبق البحث عن التغيرات التي لا تضاد المجرى الطبيعي (وأما التغيرات المضادة للمجرى الطبيعي، فكالوباء) فإنه يفسد الهواء بالعفونة، فإذا تنفس الإنسان وصل إلى القلب وسبب ذلك الوباء، ومثله: الطاعون، والحميات العمومية، وما أشبه ذلك.

    ذكرنا أن الأسباب الضرورية ستة أجناس، وقد سبق البحث عن أولها، وهو: الهواء (وثانيها: ما يؤكل ويشرب) فإن البدن بسبب الحرارة الخارجية والداخلية دائم التحلل، فاحتاج إلى بدل ما يتحلل وهو المأكولات، كما احتاج إلى المشروب لأجل طبخ المأكول وترقيقه وتنفيذه، وبدل ما يتحلل من الرطوبات (وهو) أي ما يؤكل ويشرب (يؤثر في البدن) والتأثير على سبعة أقسام، وبيان ذلك يحتاج إلى مقدمة، وهي أن كل ما يرد على البدن له ثلاثة أشياء: مادة وصورة وكيفية، فالمادة هي الجسمية فحسب، والصورة: هي العنوان الخاص الذي به صار الشيء شيئاً خاصاً، والكيفية: هي كونه حاراً أو بارداً، رطباً أو يابساً، فمثلاً التفاح جسم كسائر الأجسام، وبهذا الاعتبار يسمى: مادة وله عنوان التفاحية التي تميزه عن عنوان الرمانية والعنبية وما أشبههما، وإن اشترك الجميع في الجسمية، وبهذا الاعتبار يسمى صورة وله: حرارة أو برودة، رطوبة أو يبوسة مثلاً، وبهذا الاعتبار يسمى كيفية.

    والحاصل أن لكل شيء أصلاً، المادة، وصورة خاصة، وكيفية خاصة من حرارة وأخواتها. إذا عرفت ذلك قلنا أن تأثير الشيء في البدن على سبعة أقسام، لأنه إما أن يؤثر التأثير الظاهر بالمادة، أو بالكيفية، أو بالصورة، أو بالمادة والكيفية، أو بالمادة والصورة، أو بالصورة والكيفية، أو بالثلاثة. فإذا أكل الإنسان التفاح ـ مثلاً ـ صارت مادة التفاح جزء جسم الأجسام، وكانت الصورة التفاحية أي التفاح بما هو تفاح مفرحة للقلب، وأوجبت حرارة التفاح حرارة بدن الإنسان، فغذاء، ومفرح، ومسخن. ويعرف ذلك بالمقايسة، إذ هناك غذاء مسخن غير مفرح، أو غذاء مفرح غير مسخن، أو مفرح غير غذاء، وهكذا كما سيأتي في الأمثلة.

    التأثير للمأكول والمشروب (إما بكيفيته فقط) أي بحرارته وبرودته ورطوبته ويبوسته (وهذا هو: الدواء) فإن الدواء لا يغذي البدن، وإنما يصلحه بكيفيته الموجودة فيه (أو) يؤثر (بمادته فقط) أي بجسميته، بلا لحاظ كيفية وصورة (وهو: الغذاء) فإن كل واحد من التفاح والعنب والخبز وغيرها يكون جزءاً للبدن، ولا مدخلية لذلك في كونه تفاحاً أو خبزاً، وإنما المهم كونه جسماً يستحيل إلى جزء البدن (أو) يؤثر (بصورته النوعية الحاصلة له من المزاج فقط) فإن الماء والتراب والهواء والنار التي تجمعت بكميات مختلفة حتى صار التفاح من تركيبها تفاحاً حصل له صورة التفاحية الحاصلة من مزاج هذه الأربعة بعضها ببعض، والتأثير بالتفريح للقلب يكون لهذه الصورة الخاصة الموجودة في فرع التفاح، لكن ليعلم أن التمثيل بالتفاح هنا لمجرد المثال في تأثير الصورة، وإلا فالتفاح يؤثر بمادته وصورته كما يأتي. (وهو) أي المؤثر بصورته فقط (ذو الخاصية) وهو على قسمين: الخاصية (الموافقة) لبدن الإنسان (كالفادزهر) وهو شيء إذا أكله الإنسان قاوم السموم فلا تؤثر فيه، فإنه لا يكون جزءاً لبدن الإنسان حتى يكون تأثيره بالمادة، ولا أن حرارته أو برودته مثلاً تؤثران حتى يكون تأثيره بالكيفية، وإنما يقوي الطبيعة حتى تقاوم السموم فيكون تأثيره بالصورة النوعية، أي كونه فادزهراً لا بكونه جسماً أو حاراً (أو) الخاصية (المخالفة) لبدن الإنسان (كالسم) فإنه يفيد البدن، لا لكونه جسماً يصير جزءاً من البدن، ولا لكونه حاراً، وإنما لكونه سماً.

    ذكرنا في الفصل السابق كيفية تأثير المأكول والمشروب في البدن فما كان التأثير بواحد من الكيفية أو المادة أو الصورة. ونذكر في هذا الفصل بقية أقسام التأثير، وهي أربعة، ثلاثة منها مزدوجة، وواحدة منها تؤثر بالأمور الثلاثة (أو) يؤثر (بمادته وكيفيته) دون صورته (وهو: الغذاء الدوائي) كالخس الذي يكون جزءاً مغذياً لبدن الإنسان ويبرد بدن الإنسان، فباعتبار الأول غذاء وباعتبار الثاني دواء (أو) يؤثر (بكيفيته وصورته) دون مادته (وهو الدواء الذي له خاصية) كالسقمونيا الذي هو مسهل للصفراء ومسخن، فباعتبار كونه سقمونياً يكون مسهلاً، ولأجل حرارته يكون مسخناً. والحاصل أنه يسهل بصورته، ويسخن بكيفيته (أو) يؤثر (بمادته وصورته) دون كيفيته (وهو الغذاء الذي له خاصية) كالتفاح الذي يصيب جزءاً من بدن الإنسان بمادته، ويفرح بصورته (أو) يؤثر (بمادته وكيفيته وصورته، وهو الغذاء الدوائي الذي له خاصية) كماء العنب قبيل الإسكار، فإنه يغذو البدن بمادته، ويسخنه بكيفيته، ويفرح بصورته. ثم أن المراد بكون التأثير بأمر واحد أو باثنين، أنه هو الظاهر الغالب، لا أن التأثير منحصر في واحد فقط أو في اثنين، كما لا يخفى.

    (والغذاء قد يكون لطيفاً) وهو ما يستحيل إلى جوهر الأعضاء بسهولة، لتوليده دماً رقيقاً (وقد يكون غليظاً) وهو بالعكس، أي ما يستحيل إلى جوهر الأعضاء بصعوبة، لتوليده دماً غليظاً (وقد يكون متوسطاً بينهما) لتوليده دماً متوسطاً (وكل واحد منها) أي من الأقسام الثلاثة (قد يكون صالح الكيموس) وهو ما يتولد منه الدم والخلط الطبيعي (وقد يكون فاسدهُ) وهو الذي يتولد منه الدم مع خلط غير طبيعي، كأن يكثر فيه السوداء أو الصفراء أو البلغم (وكل واحد منها) أي من الأقسام الستة (قد يكون كثير التغذية) وهو الذي يستحيل أكثره إلى الدم (وقد يكون قليلها) أي قليل التغذية، لاستحالة أقله إلى الدم (وقد يكون متوسطاً بينهما) لاستحالة نصفه إلى الدم.

    (والماء لا يغذو لبساطته) والنادر، يلزم أن يكون مركباً (وإنما يستعمل) الماء (لترقيق الغذاء) حتى يمكن أكله، ولطبخه في المعدة، ولئلا يحترق الغذاء في المعدة، وليوصل الطعام إلى أجزاء البدن حتى ينفذ فيها، فيخرج قسم منه بالعرق، ويرجع قسم إلى الكبد، ولأن يختلط بالفضول فيرققها ليمكن إخراجها بالبول والعرق وما أشبههما، ولترطيب الأعضاء، ولتسكين حدة الحرارة، ولا يبدل ما يتحلل من الرطوبات.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:35

    التغيرات السماوية والأرضية

    وأما التغيرات غير الطبيعية، ولا المضادة لها، فتكون إما من أسباب سماوية، أو من أسباب أرضية. أما السماوية، فكما يجتمع مع الشمس كثير من الدراري، فيوجب تسخيناً حتى في الشتاء، وكما يحصل عند كسوف الشمس من بردٍ دُفعةً حتى في الصيف.

    والأرضية، فكما يكون بسبب اختلاف المساكن إما لأجل عروضها، أو لمجاورة الجبال والبحار لها، أو لوضعها، أو لتربتها والعرض، هو: مقدار البعد عن خط الاستواء الذي هو في غاية الاعتدال، وأكثر الإقليم الثاني والثالث مفرط الحرارة، والإقليم السادس والسابع مفرط البرودة، والخامس والرابع أقرب إلى الاعتدال. ومجاورة البحر ترطب الهواء، والبلد البحري يعتدل حره وبرده، لعصيان هوائه على المؤثر والجبل الشمالي يسخّن هواء البلد لمنعه هبوب الرياح الشمالية الباردة اليابسة، وحبسه الرياح الجنوبية الحارة الرطبة، وشعاع الشمس على البلد.

    والجبل الجنوبي بالعكس.

    والجبل المغربي خير من المشرقي، لستر المشرقي شعاع الشمس مدة، فينتقل أهل هذا البلد من برد الليل والغدوات إلى شمس قوية دفعةً، ولمنعه ريح المشرق وهي خير من الريح المغربية وإن قاربتا الاعتدال، لهبوب المشرقية أول النهار في الأكثر مصاحبة لحركة الشمس، وهبوب المغربية آخر النهار في الأكثر مضادة لحركتها. والبلد المرتفع هواؤه أصح وأبرد، والمستوي الوضع أصح.

    والتربة الكبريتية تجفف وتسخن الهواء. والتربة النزية ترطب وتعفن. والجبلية تصلب الأبدان.

    والهواء البارد: يشد البدن ويقويه، ويجود الهضم، ويحسن اللون. وأمراضه: الزكام، والنزلة، والصرع، والفالج، والرعشة.

    والحار: مرخٍ، مضعف، مسيء للهضم، مكدر للحواس، ومثقل للدماغ. وأمراضه: الخناق، والحميات.

    (وأما التغيرات غير الطبيعية، ولا المضادة لها) أي للطبيعة (فتكون إما من أسباب سماوية، أو من أسباب أرضية. أما) الأسباب (السماوية، فكما يجتمع مع الشمس كثير من الدراري) هي جمع دري، بمعنى: الكوكب، سواء كانت ثابتة أو سيارة، ومعنى اجتماعها أن يكون الخط الخارج من مركز العالم ماراً بمركز الشمس، ومركز ذلك الكوكب. لما هو معلوم من أن الشمس والكواكب في أفلاك متعددة، فيمكن اجتماعهما بهذا المعنى، ثم أن اجتماع الشمس بالكوكب السيار يكون بحركتها أو بحركته، أما اجتماعها مع الكوكب الثابت، فإنما يكون بحركتها (فيوجب) هذا الاجتماع بين الشمس وبينها (تسخيناً) في الجو (حتى في الشتاء) لاجتماع الحرارات المتعددة، فإن كان ذلك في الصيف اشتدت الحرارة وإن كان في الشتاء أحدث الحرارة، ثم أن طال الاجتماع قوي الحر، وإلا كانت موجة عابرة (وكما يحصل عند كسوف الشمس من بردٍ دُفعةً) لأن فصل القمر بين الشمس وبين الأرض يحول دون وصول أشعة الشمس إلى الأرض فتبرد (حتى في الصيف) لكن لما كان الكسوف لا يدوم، كان البرد غير معتد به، ومن جملة التغيرات السماوية ظهور ذات الذنب في الأفق، وكثرة النيازك، وما أشبه ذلك.

    (و) أما الأسباب (الأرضية) الموجبة لتغير الهواء تغيراً غير طبيعي ولا مضاد للطبيعة (فكما يكون بسبب اختلاف المساكن) باعتبار الهواء (إما لأجل عروضها) أي عروض المساكن، وعروض جمع عرض وهو: بعد المسكن عن خط الاستواء مقابل الطول الذي هو: عبارة عن بعد المسكن عن ـ جزائر الخالدات ـ على ما قالوا، فإن عرض المسكن كلما كان أبعد عن خط الاستواء كان أكثر برداً وأقل حراً، والعكس بالعكس (أو لـ ) أجل (مجاورة) المسكن (الجبال) سواءً كان عليها أو في طرفها (و) كذلك مجاورة (البحار لها) أي للمساكن سواءً كانت قريبة من البحر، أو في البحر على جزيرة طبيعية، أو مصطنعة (أو لوضعها) أي وضع المساكن بأن كانت في موضع مستوي كالأرض المستوية، أو موضع مختلف كالبلاد الواقعة على الجبال، (أو لتربتها) بأن كانت تربة الأرض كبريتية أو مبتلّة أو نحوهما.

    حيث ذكرنا أن اختلاف عروض البلاد من أسباب اختلاف هوائها، فلنشرح ذلك إجمالاً فنقول: (والعرض، هو: مقدار البعد) للبلد (عن خط الاستواء) المنصف لسطح الأرض (الذي هو) أي خط الاستواء (في غاية الاعتدال) لما مر سابقاً، وكلما ابتعد البلد عن الخط ـ وبالأخص ـ عن مدار رأس السرطان الذي هو الميل الكلي يكون أبرد. (وأكثر الإقليم الثاني، و) الإقليم (الثالث مفرط الحرارة) قد مر معيار الإقليم، وأن النصف الشمالي منقسم إلى سبعة أقاليم فراجع. وإنما كان الإقليمان، كثيري الحرارة لأنهما قبل الميل الكلي وبعده القريب منه، فتمر الشمس عليهما أو تقرب منهما. (والإقليم السادس والسابع مفرط البرودة) لدوام بعد الشمس عن رؤوسهم بعداً كثيراً. (والخامس والرابع أقرب إلى الاعتدال) لعدم دوام بعد الشمس كثيراً عنهما، ولا مسامتة الشمس لرؤوسهما، وإن كان الرابع أقرب، لأنه وسط بين الأقاليم.

    (ومجاورة) البلد لـ (البحر ترطب الهواء) لأن الماء يتبخر بواسطة الحرارة إلى الهواء فيرطب بالأبخرة (والبلد البحري) الذي يكون على شاطئ البحر أو في وسطه (يعتدل حره وبرده) حره في الصيف على مقدار برده في الشتاء (لعصيان هوائه على المؤثر) فإن هواءه كثيف بسبب الأبخرة، فلا يؤثر فيه المبرّد والمسخّن، ولذا لا يشتد حره وبرده.

    البلد الواقع في طرف الجبل على أقسام أربعة، لأن الجبل إما في الشمال، أو في الجنوب، أو في الشرق، أو في الغرب بالنسبة إلى البلد (والجبل الشمالي) الذي يكون في شمال البلد (يسخن هواء البلد) لوجوه، الأول: (لمنعه) أي منع الجبل عن البلد (هبوب الرياح الشمالية الباردة اليابسة) وكون الرياح الشمالية باردة لأجل مرورها على أراضٍ باردة كثيرة الثلوج والبرودة، وكونها يابسة لأن الحرارة قليلة فلا تبخر المياه الكثيرة لتختلط بالهواء ليكون رطباً (و) الثاني: لـ (حبسه) أي حبس الجبل (الرياح الجنوبية الحارة الرطبة) فإن الرياح إذا هبت من الجنوب نحو البلد صد الجبل لها عن الجواز فتبقى محتبسة في البلد، وكون رياح الجنوب حارة لأنها تمر بمداري الجدي والسرطان، أعني الميل الكلي الشمالي والجنوبي، فتكتسب الحرارة من هناك، وكونها رطبة فلأن البحار أكثرها جنوبية وهو ما يرطب الرياح بما يخالطها من الأبخرة المرطبة التي تتصاعد بسبب إشراق الشمس عليها (و) الثالث: لحبسه (شعاع الشمس على البلد) فإن الشمس تشرق من طرف الجنوب، فإذا وقع شعاعها على الجبل الشمالي انعكس الحر منه إلى البلد، فيكون الجبل سبباً لتسخين هواء البلد.

    (والجبل الجنوبي) الذي يكون في جنوب البلد (بالعكس) من الجبل الشمالي، فيبرّد هواء البلد، لمنعه هبوب الرياح الجنوبية الحارة، وحبسه الرياح الشمالية الباردة، وستره شعاع الشمس عن البلد.

    (والجبل المغربي) الذي يكون في مغرب البلد (خير من) الجبل (المشرقي) الذي يكون في مشرق البلد، وذلك لوجهين، الأول: (لستر) الجبل (المشرقي شعاع الشمس) عن البلد (مدة) عند طلوعها حتى إذا ارتفعت على قُلَل الجبل ظهرت على البلد دفعة واحدة، (فينتقل أهل هذا البلد من برد الليل و) برد (الغدوات إلى) حر (شمس قوية دفعة) فتتوارد الأضداد عليهم، وقد سبق أن توارد الحالات المتضادة يوجب الأمراض.

    لا يقال: وكذلك في الجبل المغربي، فإنه ينتقل أهل البلد من حر الشمس إلى برد الأصيل دفعة، لتستر الشمس بالجبل.

    لأنه يقال: إنه لا يوجب الانتقال من حر قوي إلى برد قوي، لأن البرد عند أول غيبة الشمس لا يكون قوياً، إذ الأرض متأثرة بطول إشراقها عليها من أول الصبح، (و) الثاني: (لمنعه) أي الجبل المشرقي (ريح المشرق) عن البلد.

    (وهي) أي الرياح المشرقية (خير من الريح المغربية وإن قاربتا) أي الريحان (الاعتدال) بالقياس إلى الرياح الشمالية والجنوبية. وإنما كانتا معتدلتين لأن الشمس في طول سيرها من المشرق إلى المغرب تفعل فعلاً واحداً، بخلاف الجنوب والشمال الذين يكونان مختلفين كما عرفت، فتختلف رياحهما وإنما كانت المشرقية خير من المغربية (لهبوب المشرقية أول النهار في الأكثر) من الأوقات (مصاحبة لحركة الشمس) إذ الريح تتولد من تمدد الهواء، الذي يكون بواسطة الحر الذي تثيره الشمس في الفضاء، فالشمس حينما تقبل تحرك الرياح وتصطحبان في الاتجاه نحو البلد، فتكون الرياح مؤثرة بالتلطيف والتعديل وتحليل الفصول كثيراً لاجتماع الحرين، الشمس والرياح (و) ذلك بخلاف الريح المغربية فإن (هبوب المغربية آخر النهار في الأكثر) من الأوقات (مضادة لحركتها) أي حركة الشمس، إذ الشمس تميل نحو الغروب، والريح الحادثة منها تهب نحو المشرق، فإن الشمس تثير الرياح في طرفيها، لكن عند الصبح تهب رياح الشمس المصطحبة لها على البلد، وعند المغرب تهب رياح الشمس المفارقة لها على البلد، ولذا تكون رياح المغرب أبرد من رياح الصبح لأنها، لا تصطحب مع حر الشمس.

    (والبلد المرتفع) الواقع على جبل أو أرض مرتفعة (هواؤه أصح وأبرد) فإن الهواء كلما كان أقرب إلى الأرض كان أعدل، بسبب اختلاطه بأبخرة الماء وذرات الأرض وحرارة الشمس المنعكسة عن الأرض، وكلما ابتعد تقللت فيه الأمور المذكورة فيكون أنقى من التراب والماء وأبرد، لعدم انعكاس الأشعة إليها إلا قليلاً (و) البلد (المستوي الوضع) من البلاد (أصح) من مختلف الوضع الذي يكون على الجبل ونحوه، مما يوجب ارتفاع بعض أجزاء البلد وانخفاض بعض أجزائه، وذلك لاتفاق هواء البلد المستوي، واختلاف هواء البلد المختلف وضعه بالبرودة لأجزائه المرتفعة، والحرارة لأجزائه المنخفضة، فيكون تحرك الهواء من هنا إلى هناك، أو تحرك الشمس معرضاً للإنسان لاختلاف الحالة الدفعية عليه. وقد عرفت أن توارد الأضداد دفعة يوجب الأمراض.

    (والتربة الكبريتية) التي تميل إلى الكبريت، فإن بعض الأراضي تكون كذلك (تجفف وتسخن الهواء) لاكتساب الهواء من الأرض حرارةً لاصطكاكه بها، وحيث أن الكبريت حار يابس يكون الهواء مجفف مسخن. (والتربة النزية) وهي التي تكون ذات نزّ، وتولد النزيز، وهو الرطوبة التي تخرج من الأرض تدريجاً (ترطب) الهواء لاختلاطها بالأبخرة المتصاعدة من النزيز واصطكاكها به (وتعفن) الهواء أيضاً لأن، الذرات المائية لاحتقانها في فرج الأرض تتعفن، فتعفن الهواء المختلط بها (و) الأرض (الجبلية) الواقعة على الجبل (تصلب الأبدان) لقلة الرطوبة في أرضها وهوائها، فلا تسترخي الأبدان بالرطوبة، بعكس الأرض النزّة.

    (والهواء البارد: يشد البدن ويقويه) لأنه يقبض مسام البدن، ويجمد الرطوبات، فلا يكون البدن مرتخياً بسبب التخلخل وبسبب الرطوبة، ولأنه يحفظ الروح الغريزية من الخروج حيــث المسام منسدة وهي منشأ الحس والحركة والقوة، (و) الهواء البارد (يجود الهضم) لبقاء الروح كثيراً في البدن، وهي توجب حسن الأفعال التي منها الهضم (ويحسن اللون) إذ أنه لو صلح الهضم تولد دم صالح نقي وكثرت الأرواح، فيشرق اللون ولسد الفُرَج المقبحة لانسداد المسام (وأمراضه) أي أمراض الهواء البارد (الزكام، والنزلة) لما تقدم، (والصرع) لاحتقان البلغم في البدن، والصرع إنما يتولد من البلغم (والفالج، والرعشة) للسبب المذكور أيضاً، إلى غير ذلك من الأمراض البلغمية.

    (و) الهواء (الحار: مرخٍ) لأنه يوسع الخلل والفرج، فتخرج الأرواح وتحلل الغذاء كثيراً، فلا يبقى في البدن المقدار الكافي للشدة والقوة، ولأنه يسيل الرطوبات إلى الأعضاء فترتخي (مضعف) للقوى لما ذكر (مسيء للهضم) لخروج كثير من الروح والحرارة الغريزية من مسام البدن المتخلخلة، فلا يبقى المقدار الكافي للهضم منها، ولارتخاء المعدة بسبب انصباب الرطوبات السائلة إليها (مكدر للحواس) لتحليل القوى الحساسة، وإرخاء آلاتها وبلّة الدماغ بالرطوبة السائلة إليه بسبب الحر، (ومثقل للدماغ) لتصعد الأبخرة والمواد إليه، وهو يقبلها لضعفه بسبب حر الهواء (وأمراضه: الخناق) لأن الغدد الواقعة في الحلق تقبل ـ لضعفها ـ ما ينصب إليها من المواد السائلة من الرأس (والحميات) لتوليد الهواء الحار المراد، وتعفنها لكثرتها وتراكمها، وهي تولد الحمّى.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:36

    أمراض الفصول

    فإن تغير، تغير حكمه، وتغيراته إما طبيعية، أو غير طبيعية، وغير الطبيعية إما مضادة للطبيعة، أو غير مضادة لها، والتغيرات الطبيعية هي التغيرات الفصلية.

    وكل فصل فإنه يورث الأمراض المناسبة له، ويزيد المضادة له، فإن الصيف يثير الصفراء، ويوجب أمراضها كالغب والمحرقة، والعطش، والكرب.

    والشتاء يوجب الزكام والنزلة والسعال، ويكثر فيه البلغم، ويكثر فيه أمراضه. والخريف يكثر فيه الأمراض لتغير الهواء فيه من برد الليل، والغدوات إلى حر الظهائر، ولتقدم الصيف المخلخل للبدن، المحلل للقوى، المثير للصفراء، المحرق للأخلاط. ولكثرة الفاكهة، ويكثر فيه السوداء، ويقل الدم فكأنه كافل للصيف بقايا أمراضه. والربيع تتحرك فيه الأخلاط المحتبسة في البدن شتاءاً، وتسيل إلى الأعضاء الضعيفة فتحدث فيه الخراجات، وأورام الحلق.

    ويتحرك فيه كل مرض ذو مادة ساكنة شتاءاً، وذلك لا لرداءته، بل لحره اللطيف، فإنه أصح الفصول، وأنسبها للحياة.

    (فإن تغير) الهواء عن الاعتدال بسبب امتزاجه بما ذكر (تغير حكمه) فيكون محدثاً للمرض وحافظاً له بعكس الهواء النقي (وتغيراته) أي تغيرات الهواء على أقسام ثلاثة، لأنها (إما طبيعية) كتغير الفصول (أو غير طبيعية، وغير الطبيعية) على قسمين (إما مضادة للطبيعة) الإنسانية كالوباء (أو غير مضادة لها) كالتغير بسبب الجبال ونزول الأمطار ونحوها (والتغيرات الطبيعية هي التغيرات الفصلية) فإن الهواء في كل فصل من الفصول الأربعة في الآفاق الحمائلية ومن الفصول الثمانية في الآفاق الدولابية ـ وإن كانت الثمانية هي الأربعة مزدوجة ـ يتكيف بتكيّف الفصل، فهواء الشتاء بارد، وهواء الصيف حار، وهكذا.

    (وكل فصل) من الفصول الأربعة (فإنه يورث الأمراض المناسبة له) أي للفصل ومعنى ـ إيراثه ـ أنه سبب أو مُعِدّ (ويزيل) الأمراض (المضادة له) من باب الشفاء بالضد، إذ تقع المقاومة بين الضدين ويغلب الأقوى منهما (فإن الصيف يثير الصفراء) إذ طبيعة الصيف حارة يابسة، وكذلك طبيعة الصفراء، فيولدها بالطبع (ويوجب أمراضها) أي الأمراض الصفراوية (كالغب) وهو حمّى يوم دون يوم (والمحرقة) الصفراوية (والعطش) لانصاب الصفراء في المعدة فيعطش الإنسان (والكَرْب) بسكون الراء بعد الفتح وهو شيء من الصفراء يلزق بجدار المعدة.

    (والشتاء يوجب الزكام) لارتفاع الأبخرة الباردة الغليظة إلى الرأس وانسداد المسام الرأسية (والنزلة) لانعكاس تلك الرطوبات إلى الأسافل (والسعال) لانصباب الرطوبات المتصاعدة ـ عند النزلة ـ إلى أعضاء الصدر (ويكثر فيه) أي في الشتاء (البلغم) لقلة الحركة، وكثرة النوم المولدتين له، ولغلظ الأغذية المستعملة فيه (ويكثر فيه) أي في الشتاء (أمراضه) أي أمراض البلغم.

    (والخريف يكثر فيه الأمراض) المختلفة: لوجوه، أحدها: (لتغير الهواء فيه من برد الليل و) برد (الغدوات إلى حر الظهائر) جمع ظهيرة، فإن توارد الأضداد على البدن يوجب تحيّر الطبيعة في عملها، ويكون الإنسان فيه كمن اُخرج من ماء حار وغُمس في ماء بارد وبالعكس، فتقف الطبيعة عن التحلل والإنضاج، وهما علة الصحة بصورة عامة، فإذا جمدا هاجت مختلف الأمراض على البدن (و) ثانيها: (لتقدم الصيف) على الخريف (المخلخل للبدن) بجعله خِللاً وفُرجاً له مما يوجب الإرخاء وتفتيح المسام (المحلل للقوى) لأن الصيف يحلل المواد، فتضعف القوى المحمولة لها (المثير للصفراء) لما تقدم من أن الصيف يثير الصفراء (المحرق للأخلاط) إذ الحر الشديد يحرق الأشياء السائلة بعد تبخير ما كان منها قابلاً للتبخير (و) ثالثها: (لكثرة الفاكهة) في الخريف الموجبة لكثرة استعمالها وهي توجب فساد الأخلاط لغلبة الرطوبة إذ الحرارة الغريزية لا تقوى على تحليلها وتجفيفها (ويكثر فيه) أي في الخريف (السوداء) إذ الخريف كالسوداء في الطبيعة بارد يابس (ويقل الدم) لمضادة الخريف لمزاج الدم الذي هو حار رطب، ولأن الدم إنما يتولد عند جودة الهضم والنضج، وهي منتفية في الخريف لما عرفت (فكأنه) أي الخريف (كافل للصيف) أي يضمن له (بقايا أمراضه) فيظهرها وينميها.

    (والربيع) وإن كان أحسن الفصول إلا أنه (تتحرك فيه الأخلاط المحتبسة في البدن شتاءً) لما عرفت من أن الشتاء لبرده يحبس الأخلاط، ويمنعها عن النضج والتحليل (وتسيل) لزوال البرد المجمد (إلى الأعضاء الضعيفة) سواءً كانت ضعيفة خلقةً كالإبط ووراء الأذن، أم عارضةً بسبب مرض ونحوه (فيحدث فيه) أي في الربيع (الخراجات) أي الدماميل والبثور، وذلك لانصباب المواد الحارة نحو الجلد (وأورام الحلق) لانصباب المواد إلى غدد الحلق الضعيفة، (ويتحرك فيه) أي في الربيع (كل مرض ذو مادة) التي كانت مادته (ساكنة شتاءاً) لجمودها ببرد الهواء (وذلك) الذي ذكرنا من تحرك الأمراض ذات المواد (لا لرداءته) أي رداءة الربيع (بل لحره اللطيف) الموجب لنضج المواد (فإنه) أي الربيع (أصح الفصول) لأنه معتدل بين الحر والبرد، وبين الرطوبة واليبوسة (وأنسبها للحياة) لأنه مع كونه معتدلاً يميل نحو الحرارة اللطيفة، والحرارة هي منبع الحياة.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:37

    الرياضة والحركة

    وثالثها: الحركة والسكون البدنيان، وتختلف الحركة بالشدة والضعف، والكثرة والقلة، والسرعة والبطؤ، فالسريعة القوية القليلة تسخن أكثر مما تحلل، والبطيئة الكثيرة الضعيفة بالعكس.

    وإفراط الحركة والسكون يبرد، والسكون أعون على الهضم، والحركة أعون على الانحدار.

    رابعها: الحركة والسكون النفسيان، والحركة النفسية يلزمها حركة الروح، إما إلى الخارج دفعة كما عند الفرح المفرط، أو الغضب المفرط، أو قليلاً قليلاً كما عند الفرح والغضب غير المفرط، أو إلى الداخل دفعة كما عند الفزع الشديد، أو قليلاً قليلاً كما عند الغم، أو إلى الداخل والخارج كما عند الخجل.

    ويلزم تلك الحركة سخونة ما تحركت الروح إليه، ويلزمه برودة ما تحركت الروح منه، والمفرط من ذلك قاتل، وإفراط السكون النفسي مبرد مبلد للذهن.

    وخامسها: النوم واليقظة، والنوم بالسكون أشبه، واليقظة بالحركة، والنوم يغور فيه الروح إلى داخل فيبرد الظاهر، ولذلك يحوج إلى دثار أكثر وإفراط النوم مرطب بإفراط فيبرد، وإذا وجد النوم خلاءً يبرد بانحلال الروح، وإن وجد غذاءً مستعداً للهضم هضمه فيسخن البدن، وإن وجد خلطاً أو غذاءً عاصياً على الهضم نشره فيبرد.

    والسهر المفرط يضعف الدماغ، ويسيء الهضم، بتحليل القوة، ويجوع بتحليل المادة.

    ونوم النهار رديء فهو يفسد اللون، ويضر الطحال، ويبخر الفم، ويرخي القوى النفسانية كلها فيبلد الذهن، وإذا اعتيد فلا يجوز تركه إلا بتدريج.

    والتحلل بين النوم والسهر رديء.

    (وثالثها) أي ثالث الأمور التسعة الضرورية: (الحركة والسكون البدنيان) مقابل النفسيان الآتي في الأمر الرابع. وضروريتهما للإنسان واضح لا يحتاج إلى البرهان (وتختلف الحركة بالشدة والضعف) والمراد بالشدة القوة، وهي غير السرعة، فإن القوة لازمها كون اقتضاء الحركة في المتحرك قوياً، كحركة الحديد من فوق إلى أسفل، فإنها قوية وإن كانت سريعة، بخلاف حركة تبنة فإنها وإن بلغت في السرعة مبلغ حركة الحديد إلا أنها ضعيفة (والكثرة والقلة) فالسير فرسخاً كثير، وميلاً قليل (والسرعة والبطء) فقطع فرسخ في ساعة سريع، وفي يوم بطيء (فالسريعة القوية القليلة تسخن أكثر مما تحلل) أما التسخين فلأنه يتولد من قوة الاحتكاك الحاصلة في هذه الحركة، وأما قلة التحلل فلأن التحليل إنما يكون بعد ترقيق المادة وتبخرها، وذلك يحتاج إلى زمان طويل (والبطيئة الكثيرة الضعيفة بالعكس) فتحلل أكثر مما تسخن لأنها لضعف الاحتكاك لا تسخن كثيراً، ولطول الزمان تحلل كثيراً. ومن هاتين يعرف سائر أقسام الحركة الحاصلة من ضرب كل شق في الأقسام الأُخر.

    (وإفراط الحركة والسكون يبرد) أما إفراط الحركة، فلأنه يحلل الرطوبة الغريزية ويبخرها فتتحلل بتحللها الحرارة الغريزية، وأما إفراط السكون، فلأنه يوجب احتباس الرطوبات فتنغمر الحرارة الغريزية فيها ويقل تسخينها (والسكون أعون على الهضم) للغذاء الذي في المعدة، لأن كل جزء من الغذاء يماس جزءاً من جدار المعدة طويلاً فيؤثر فيه الهضم الناشئ من المعدة، بخلاف الحركة إذ تلك تسبب حركة الغذاء في المعدة فلا تطول المماسة بين كل جزء من الغذاء وجزء من المعدة حتى تؤثر فيه طويلاً (والحركة أعون على الانحدار) للغذاء لأنها تحرك الغذاء والفضول فينحدران إلى الأسفل.

    (رابعها) أي رابع الأمور الستة الضرورية: (الحركة والسكون النفسيان) والمراد بهما حركة النفس إلى الخارج لغضب ونحوه، أو إلى الداخل لخوف ونحوه. ويقابلها السكون النفسي بأن لا تتحرك نحو خارج أو داخل لعدم وجود سبب للحركة (والحركة النفسية يلزمها حركة الروح) البخاري الذي يركب على الدم، فإن النفس إذا تنفرت من شيء هرب الروح إلى الداخل وبهروبه يتبعه الدم الذي هو مركوبه إلى الداخل، وإذا اشتاقت إلى شيء تحرك الروح إلى الخارج وباتجاهه نحو الخارج يتبعه الدم الذي هو مركوبه، وحركة النفس على خمسة أقسام، لأنها: (إما إلى الخارج دفعة) إن كان الملائم قوياُ (كما عند الفرح المفرط، أو) كانت قوة المقاومة على المنافر قوية كما عند (الغضب المفرط) ففي الأول ينبسط الروح نحو الخارج لإدراك الملائم الذي مصدره الخارج، وفي الثاني ينبسط الروح نحو الخارج لمقاومة المنافر الذي سبب الغضب، (أو) إلى الخارج (قليلاً قليلاً) إن لم يكن الملائم قوياً ولا المنافر مما يحتاج إلى قوة المقاومة (كما عند الفرح والغضب غير المفرط) فإن انبساط الروح ـ حينئذ ـ يكون تدريجياً، وتكون حالة النفس في ذلك حالة الحركة الخارجية حيث تكون بطيئة إذا كان الملائم أو المنافر غير ذي أهمية، بخلاف ما إذا كانا ذا أهمية فإن الحركة تكون سريعة عدوية (أو إلى الداخل دفعة) إن كان المنافر قوياً ويئس من المقاومة فإنه يهرب إلى الداخل (كما عند الفزع الشديد) والمخوف الهائل (أو) إلى الداخل (قليلاً قليلاً) حيث يكون المنافر ضعيفاً ولم يمكن دفعه (كما عند الغم) فإن المنافر قد وقع ولا يمكن دفعه ولذا يهرب الروح منه إلى الداخل لكنه قليلاً قليلاً لعدم قوة المنافر وهوله (أو) يتوجه الروح (إلى الداخل والخارج) لاجتماع الموجبين (كما عند الخجل) فإنه مركب من فزعين: فزع يظن أنه لا يمكن مقاومته فيهرب الروح إلى الداخل، ثم يتبين أنه ممكن المقاومة فيتوجه الروح إلى الخارج، ولذا يتبدل الحال فوراً.

    (ويلزم تلك الحركة) النفسانية إلى الداخل أو الخارج (سخونة ما تحركت الروح إليه) فإن تحركت نحو الداخل سخن الداخل، وإن تحركت نحو الخارج سخن الخارج إلى البشرة والأعضاء الظاهرة، وذلك لأن الروح لا يتحرك إلا مع مركوبه الذي هو الدم، وكلاهما حار، فإذا توجها إلى ناحية سخن ذلك الطرف (و) كذلك (يلزمه برودة ما تحركت الروح منه) فالحركة نحو الداخل توجب برودة البشرة، والحركة نحو الخارج توجب برودة القلب والداخل (والمفرط من ذلك) التحرك للروح، سواء كان إلى الداخل أو الخارج (قاتل) مهلك، أما قاتلية التحرك إلى الخارج، فلأنه يخلو القلب حينئذ عن الحرارة والدم فيقف عن الحركة، وهذا هو سر موت الإنسان بسبب الفرح المفرط. وأما قاتلية التحرك إلى الباطن فلأنه إذا اجتمع الدم الكثير في القلب والباطن اختنق الباطن من شدة الانحصار ويكون الموت، وهذا هو سر موت الإنسان من الخوف الكثير.

    (وإفراط السكون النفسي) بأن يطول عدم اعتراء الإنسان خوف وفرح وما أشبههما مما يوجب سكون النفس في حالة واحدة (مبرد) إذ الحركة توجب الحرارة، فمع عدم عدمها لا تكون حرارة (مبلد للذهن) إذ الفطنة إنما تكون من لطافة الروح الناشئة من حركتها، فإذا لم تتحرك الروح ذهبت لطافتها، وبذهاب اللطافة تذهب الفطنة والذكاء، وتكون بلادة وجمود.

    (وخامسها) أي خامس الأمور الستة الضرورية: (النوم واليقظة) فإنهما ضروريان للإنسان لا يتمكن من تركهما، ولو وجد فرد ناقص لا يعتريه أحدهما فهو شاذ لا يقاس عليه (والنوم بالسكون أشبه) فإن الروح والبدن في النوم ساكنان، ولذا نرى أن كلا من السكون والنوم يرطبان البدن ويزيلان الإعياء، وإن تفارقا بأن سكن بلا نوم، أو نام وهو متحرك (واليقظة بالحركة) لعكس ما تقدم، فإن الروح والبدن في اليقظة متحركان (والنوم يغور فيه الروح إلى داخل) البدن، ولذا تعطل الحواس (فيبرد الظاهر) لأن الحرارة والدم يتبعان الروح (ولذلك يحوج) النائم (إلى دثار أكثر) لتأثر البدن بالبرد الخارجي بغير مقاوم من حر داخلي، بخلاف حال اليقظة فإن البرد له مقاوم من الداخل.

    (وإفراط النوم مرطب) للبدن (بإفراط) أكثر من الرطوبة اللازمة لقلة التحلل واحتباس المواد التي تتحلل في اليقظة (فيبرّد) النوم البدن، لأن الرطوبة الحاصلة من النوم تغمر الحرارة الغريزية وتطفئها (وإذا وجد النوم خلاءً) بأن لم يكن في المعدة طعام تنشغل الروح بهضمه (يبرد بانحلال الروح) إذ الروح إذا توجهت إلى الباطن ولم تجد ما تحلله حللت الرطوبات الأصلية، وبتحليلها تتحلل الحرارة الغريزية، فيوجب ذلك البرودة (وإن وجد) النوم (غذاءً مستعداً للهضم هضمه) بسرعة وسهولة، لاشتغالها بذلك فقط، إذ لا مأرب لها في الخارج لتعطل الحواس (فيسخن البدن) لأنه إذا هضمه أحاله إلى الدم والدم حار ويتولد منه الروح البخاري (وإن وجد) النوم (خلطاً أو غذاءً عاصياً على الهضم نشره) في البدن لأنه يحللهما ويرققهما فينتشران في البدن (فيبرد) لكون المنتشر فجاً بارداً بالطبع. ومن هذا التفصيل ظهر أن تأثير النوم في البدن مختلف فتارة يبرد وتارة يسخن.

    (والسهر المفرط) الذي يكون أكثر من المعتاد (يضعف الدماغ) لأنه يوجب نهكه بسبب كثرة الإحساس والحركة (ويسيء الهضم) إذ الهضم يحتاج إلى القوة، والسهر يضعفها (بتحليل القوة) لأنه يصرفها في سائر الحركات والاحساسات، فلا يبقى منها القدر الكافي للهضم (ويجوع بتحليل المادة) التي من شأنها أن تنصرف لتغذية البدن، فإن السهر يصرفها في الحركة والحس لأنهما يحتاجان إلى الوقود.

    (ونوم النهار رديء) لأن الروح جوهر نوراني فتهش إلى الخارج لأن الجنس منجذب إلى مثله، فلا تنصرف إلى الباطن لتعمل أعمالها، فلا يترتب على نوم النهار فوائد النوم (فهو يفسد اللون) لأن الغذاء لا يتحلل كاملاً ـ لعدم توجه الروح إلى الباطن كي تهضم صحيحاً ـ وإذا لم يتحلل الغذاء كثرت فضوله واختلطت مع الدم فيغلظ، فلا يحصل للون إشراق الدم الصافي (ويضر الطحال) لأنه يجذب الأخلاط الغليظة فيكثر فيه تلك لكثرة الأخلاط الغليظة بسبب عدم الهضم الكامل الموجب لاستقامة الأخلاط (ويبخر الفم) لأن الغذاء يفسد في المعدة لعدم جودة الهضم، فيتصاعد منه أبخرة فاسدة إلى الفم (ويرخي القوى النفسانية كلها) لاحتباس الفضلات، وابتلال الأعصاب والدماغ الذين هما منشأ القوى النفسانية، فبارتخائها ترتخي القوى (فيبلد الذهن) بتكدر الروح ورطوبة الدماغ. وقد عرفت أن الذكاء من آثار الحرارة والخفة (وإذا اعتيد) نوم النهار (فلا يجوز تركه إلا بتدريج) لأن الطبيعة تعتاد حينئذ على الهضم في النهار، فإذا ترك النوم دفعة تحيرت الطبيعة، فلا تتمكن من الهضم الجيد إلا بعد اعتياد مخالف، وفي هذه الفترة يوجب الفساد في الهضم الموجب لانحراف القوى.

    (والتحلل) وهو التراوح (بين النوم والسهر) بأن ينام قليلاً ويسهر قليلاً وهكذا (رديء) لأنه موجب لتحيّر الطبيعة، فكلما توجهت إلى الباطن للهضم والراحة أزعجت بالسهر، وكلما توجهت إلى الظاهر للحس والحركة أزعجت بالنوم، فلا يتأتى منهما أي العملين على الوجه الصحيح.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:39

    الأغذية وحفظ الصحة

    الجملة الثانية: في قواعد الجزء العملي من الطب بقول كلي، والجزء العملي، ينقسم إلى: علم حفظ الصحة، وإلى: علم العلاج.

    ولنبتدئ بحفظ الصحة، والطبيب لا يلزمه إبقاء الشباب والقوة، ولا أن يبلغ كل شخص الأجل الأطول فضلاً عن أن يمنع الموت، وذلك لأن البدن لا يمكن تكونه إلا من رطوبة

    مقارنة لحرارة تنضجها وتغذوها وتدفع فضلاتها، فهي لا محالة تفعل في الرطوبة وتحللها، وإذا دام المؤثر الواحد في المتأثر الواحد اشتد تأثيره في كل وقت، وإذا كثر التحلل ضعفت الحرارة لقاء مادتها، وضعف الهضم، وقلّ إيراد البدل الذي لولاه لم يبق البدن مدة تكونه، فضلاً عن استكماله، ولا يزال كذلك حتى تفنى الرطوبة، وتنطفئ الحرارة، وذلك هو الموت الطبيعي المقدر أجله، لكل شخص بحسب مزاجه وقوته، فغاية فعل الطبيب أن يبلغ كل شخص منتهى الأجل، إن لم يتولد مفسد خارجي. وأن يحفظ صحة كل سن على ما يليق به، وذلك بحماية الرطوبة الغريزية عن العفونة، وحراستها عن التحلل الزائد عن المجرى الطبيعي. وملاك الأمر في ذلك هو تعديل الأسباب الضرورية، وقد بينا ذلك، وبينا ما هو الأفضل من الأهوية.

    تدبير المأكول: كل صحة أردنا حفظها على حالها، أوردنا عليها الغذاء الشبيه في الكيفية، وإن أردنا نقلها إلى أفضل منها، أوردنا عليها الضد، وليقتصر من الغذاء على الخبز النقي من الشوائب الرديئة كالشيلم، وعلى اللحم الحولي من الضأن، والعجول، والأجدية، والدجاج، والقبج، والطيهوج، والحلو الملائم. وليقتصر من الفواكه على التين، والعنب، وعلى الرطب، في البلاد المعتاد فيها أكله، وأما الأغذية الدوائية كلها، فلا يلتفت إليها إلا لتعديل مزاج، أو مأكول.

    ولا يأكل بلا شهوة، ولا يدافع الشهوة الهائجة، وليؤكل في الصيف الغذاء البارد بالفعل، وفي الشتاء الحار بالفعل.

    وإدخال طعام على طعام آخر لم ينهضم الأول رديء، ودونه إطالة زمان الأكل لما تختلف الهضوم، وتكثير الألوان محير للطبيعة، والغذاء اللذيذ أحمد لولا الإكثار منه.

    وملازمة التفه تسقط الشهوة وتكسل. والحامض يسرع الهرم، ويجفف الأعضاء، ويضر العصب بلدغه. والحلو يُرخي المعدة، ويحمي البدن. والمالح يجفف البدن ويهزله. فليدفع مضرة الحامض بالحلو، والحلو بالحامض، ومضرة التفه بالمالح والحريف، وهما به.

    وليترك الغذاء وفي النفس منه بقية شهوة، وملازمة الحمية تنهك البدن، بل هي في الصحة كالتخليط في المرض.

    ومراعاة العادة في الوجبات وغيرها واجبة، ومن اعتاد أن يستمرئ الأغذية الرديئة، فلا يغتر بها، فيولد على طول الأيام أمراضاً رديئة، فليترك ذلك بالتدريج.

    والصفراوي، غذاؤه مبرد مرطب، والدموي غذاؤه مبرد قامع، والبلغمي غذاؤه مسخن ملطف، والسوداوي غذاؤه مرطب مسخن.

    وقد نهى المجربون عن الجمع بين الأغذية، ويعسر علينا إثبات كثير منها بالقياس. قالوا: لا يجمع بين السمك الطري واللبن، فيولدان أمراضاً مزمنة كالجذام والفالج. ولا لبن مع حامض، حتى نهوا عن الجمع بين المضيرة والاجاصة.

    ولا السويق على الأرز باللبن، ولا العنب على الرؤوس، ولا الرمان على الهريسة.

    تدبير المشروب، قالوا: لا يجمع بين ماء النهر وماء البئر، ما لم ينحدر أحدهما. وأفضل المياه مياه الأنهار، وخصوصاً الجارية على تربة نقية فيتلخّص الماء من الشوائب، أو على الحجارة، وخصوصاً الجارية إلى الشمال، أو إلى المشرق، وخصوصاً المنحدرة إلى أسفل، وخصوصاً إذا بعد المنبع، فإن كان مع هذا خفيف الوزن يُخيّل لشاربه أنه حلو، ولا يحتمل الشراب منه إلا قليلاً، فذلك البالغ خصوصاً إذا كان مع هذه غمراً شديد الجري. وماء النيل قد جمع أكثر هذه المحامد.

    وماء العين لا يخلو من غلظ، وأردأ منه مياه القني، ثم ماء البئر، وماء النز أردأ من الجميع.

    وإنما ينبغي أن يستعمل الماء، بعد شروع الغذاء في الهضم، وأما عقيبه فيفجج، وفي خلاله أردأ، على أن من الناس من ينتفع بذلك، ومن الناس من تكون شهوته للغذاء ضعيفة، فإذا شرب قويت، وذلك لتعديله حرارة المعدة، وأما على الريق، وعقيب الحركة خصوصاً الجماع، وعقيب المسهل، وعقيب الحمام، وعلى الفاكهة، وخصوصاً البطيخ فرديء جداً، ماءاً كان المشروب أو شراباً.

    فإن لم يكن بَدٌّ، فقليل من كوز ضيق الرأس، امتصاصاً.

    وكثيراً ما يكون العطش من بلغم لزج، أو من بلغم مالح، وكلما روعي هذا العطش بالشرب ازداد، فإن صبر عليه، نضجت الطبيعة بالتسخين للمادة المُعطشة وإذابتها، ولهذا كثيراً ما يسكن بالأشياء الحارة كالعسل.

    (الجملة الثانية) من الفن الأول: (في قواعد الجزء العملي من الطب) حيث ذكرنا في أول الكتاب: أن الطب جزءان، نظري وقد تقدم، وعملي وهو هذا (بقول كلي) أي بيان القواعد الكلية للطب العملي (والجزء العملي ينقسم إلى: علم حفظ الصحة) وإنه كيف يمكن التحفظ على الصحة حتى لا تنحرف (وإلى: علم العلاج) وإن الصحة إذا انحرفت كيف يمكن إرجاعها.

    (ولنبتدئ بحفظ الصحة) لأنه أهم، حتى لا يقع الإنسان في الانحراف فيحتاج إلى العلاج (والطبيب لا يلزمه إبقاء الشباب والقوة) لأنهما خارجان عن قدرته، فلكل منهما أمد حسب ما جعل الله سبحانه إذا انتهى وقته انتقلا، نعم يتمكن الطبيب من تمديد شيء يسير منهما (ولا) يلزم الطبيب (أن يبلغ كل شخص الأجل الأطول) بأن يصير عمر الإنسان مائة وعشرين مثلاً، لأنه ليس باختياره أيضاً (فضلاً عن أن يمنع الموت) إلى الأبد (كلُّ نفسٍ ذائقةُ المَوت) (وذلك) الذي ذكرنا، من أنه لا يلزم الطبيب (لأن البدن لا يمكن تكونه إلا من رطوبة) هي المني من الرجل والمرأة، ودم الحيض (مقارنة) تلك الرطوبة (لحرارة تنضجها وتغذوها وتدفع فضلاتها) إذ بدون الحرارة لا يمكن شيء من ذلك (فهي) أي الحرارة (لا محالة تفعل في الرطوبة وتحللها) وتعدمها (وإذا دام المؤثر الواحد في المتأثر الواحد اشتد تأثيره في كل وقت) لأن المتأثر تقل مقاومته تدريجاً، وبمقدار ضعفه يقوى المؤثر أثراً (وإذا كثر التحلل) من الرطوبة (ضعفت الحرارة) الغريزية (لقاء مادتها) من المقدار الأصلي، إذ الحرارة أيضاً تقل بمرور الزمان وبالعمل، فإن العمل لا يكون إلا بصرف الطاقة (وضعف الهضم) الذي لا يكون إلا بالحرارة، فإنه إذا ضعفت الحرارة ضعف مفعولها (وقل) لضعف الهضم (إيراد البدل الذي لولاه) أي لولا ذلك البدل (لم يبق البدن مدة تكونه) أي كونه، فإن البدن إنما يبقى لوصول بدل ما يتحلل إليه (فضلاً عن استكماله) أي لولا بدل ما يتحلل لم يبق البدن أصلاً، فكيف يزيد في أقطاره الثلاثة وينمو (ولا يزال كذلك) تنعدم الرطوبة فالحرارة، فيقل الهضم، فيضعف البدن والقوة (حتى تفنى الرطوبة) بالكلية (وتنطفئ الحرارة) ويقع الموت (وذلك) الانطفاء (هو الموت الطبيعي المقدر أجله) أي وقته (لكل شخص بحسب مزاجه وقوته) اللذين ركبهما الله سبحانه وتعالى فيه، إذاً (فغاية فعل الطبيب) الذي يكون في متناوله وتحت قدرته (أن يبلغ كل شخص منتهى الأجل) الذي يقتضيه مزاجه وقوته، بأن لا يخترمه المرض، فيموت وقد بقي منهما في بدنه شيء (إن لم يتولد) أي للمزاج (مفسد خارجي) كأن يحترق، أو يغرق، أو ما أشبه ذلك. (وأن يحفظ) عطف على (أن يبلغ) (صحة كل سن على ما يليق به) لئلا يمرض ومزاجه قابل للصحة (وذلك) يكون (بحماية الرطوبة الغريزية عن العفونة، وحراستها) أي الرطوبة الغريزية (عن التحلل الزائد عن المجرى الطبيعي) وهما سبب كل مرض. (وملاك الأمر في ذلك) أي قوام الأمر في باب حفظ الرطوبة وحراستها (هو تعديل الأسباب) الستة (الضرورية، وقد بينا) سابقاً (ذلك) الأسباب الستة الضرورية (وبينا ما هو الأفضل من الأهوية) فنصرف الكلام إلى تدبير الخمسة الأُخر من الأسباب الضرورية.

    في (تدبير المأكول) لحفظ الصحة: (كل صحة أردنا حفظها على حالها) حتى لا تزول (أوردنا عليها الغذاء الشبيه في الكيفية) بالمزاج، فإن الشبيه للشيء يمده ويحفظه، وذلك بخلاف ما لو أوردنا عليه غذاءً مخالفاً له، فإنه يخرجه من الاعتدال والصحة إلى الانحراف والمرض، فإن المعتدل لو أوردنا عليه غذاءً بارداً أو حاراً أخرجه من الاعتدال إليهما، وهما يسببان الأمراض، وهكذا (وإن أردنا نقلها) أي الصحة (إلى أفضل منها) بأن مال المزاج إلى خلاف الاعتدال، فأردنا رد الاعتدال إليه (أوردنا عليها الضد) فإن مال المزاج المعتدل إلى البرودة، أوردنا عليه الغذاء الحار وبالعكس، فهذا الغذاء الضد يطرد الحالة الطارئة، ويرجع الصحة والاعتدال إلى نصابهما (وليقتصر) من أراد حفظ الصحة (من الغذاء على الخبز) المأخوذ من الحنطة، فهو حار باعتدال، كثير الغذاء، سريع الانهضام (النقي من الشوائب الرديئة كالشيلم) وهو حَب أسود في الحنطة، يوجب فساده، وقد اعتاد الطحانون على أخذه (وعلى اللحم الحولي من الضأن) أي الذي له حول منها، فإنه قريب إلى الاعتدال (والعجول) وهو ولد البقر (والأجدية) جمع جدي (والدجاج) مثلث الدال (والقبج، والطيهوج) فإن لحوم هذه الحيوانات ملائمة لبدن الإنسان، كما ثبت في المفردات (والحلو الملائم) فإن جميع أقسامه ملائم للبدن، لأن الأعضاء حلوة، نعم بعض أقسامه كالحلو، لا يلائم بعض الأمزجة، ولذا قيده المصنف (ره) (بالملائم). واستدلوا لكون البدن يحب الحلو، بأن الإنسان إذا أكل أطعمة مختلفة، ثم أكل شيئاً حلواً بعدها، ثم تقيأ، خرج الحلو آخر الأطعمة، مما يدل على شدة تعلق البدن به، حتى إنه لا يقذفه إلا في آخر زمان الاضطرار (وليقتصر من الفواكه على التين) فهو كثير الغذاء مخصب للبدن (والعنب) فهو كالتين، إلا أنه أقل غذاءً منه، وأسرع إلى التخصيب (وعلى الرطب) الطري، فهو مغذي مخصب للبدن (في البلاد المعتاد فيها أكله) وذلك لاعتياد الهاضمة له، أما سائر البلاد، فقالوا إنه يولد الدم الرديء المستعد للعفونة، وكأن سبب ذلك أن الهواء في هذه البلاد لا يُلائم الرطب، ولذا لا يخلق فيها. ومن المعلوم أن حكم داخل البدن وخارجه متساوٍ، إلا فيما سبب أمر خارجي الاختلاف.

    (وأما الأغذية الدوائية كلها) وقد تقدم تفسير الغذاء الدوائي (فلا يلتفت إليها) فإن حفظ الصحة، إنما يكون بإيجاد بدل ما يتحلل في الجسد، والغذاء الدوائي فيه الأجزاء الدوائية التي لا تصلح لكونها بدلاً، بالإضافة إلى أنها تولد كيفية زائدة، فتكون موجبة لانحراف الصحة (إلا لتعديل مزاج) بأن تكون الصحة قد انحرفت، فيستعمل الغذاء الدوائي لتعديل المزاج، وإرجاع الصحة إلى نصابها (أو) يستعمل لتعديل (مأكول) بأن يكون المأكول غير ملائم للبدن المعتدل، فيخلط به الغذاء الدوائي، ليلائم المأكول البدن، كما يخلط لحم الأوز بالخل، ليزول بذلك غلظه.

    (ولا يأكل) الإنسان الغذاء (بلا شهوة) حقيقية، إذ الشهوة دليل خلو المعدة، فعدمها دليل على امتلائها، فيكون الأكل من إدخال الطعام على الطعام، وذلك موجب للفساد، لتحير الطبيعة بين القديم والجديد، فلا يصلح الهضم، فإن الهضم المناسب للثاني يفسد الأول، والمناسب للأول يجعل الثاني نيّاً غير مهضوم. ومقابل الشهوة الحقيقية، الشهوة الكاذبة الحاصلة من المرض، فإنها لا اعتبار بها (ولا يدافع) الإنسان (الشهوة الهائجة) بأن يترك الأكل إذا تحركت الشهوة، فإن ذلك يضر بالبدن، إذ أن المعدة إذا لم تجد مأكلاً امتصت الرطوبات الأصلية وبالأخص الصفراء، وذلك يوجب يبساً وأمراضاً صفراوية.

    (وليؤكل في الصيف الغذاء البارد بالفعل) إذ حرارة الصيف توجب تحليل الحرارة الغريزية فإذا أكل الغذاء الحار تعاونا في إفناء الغريزية، وأما الغذاء البارد فهو يقاوم الحرارة الخارجية، ويحصر الغريزية في المعدة، فتجود الهضم.

    (و) ليوكل (في الشتاء) الغذاء (الحار بالفعل) إذ لو أكل الغذاء البارد اجتمع الباردان في توليد الفضول البلغمية وإخماد الحرارة الغريزية، بخلاف ما إذا كان الغذاء حاراً، فإنه يزيل جمود الدم ويرققه، فيتحرك نحو الخارج ليقاوم البرد. وقوله: (بالفعل) في المقامين، مقابل: بالخاصية.

    (وإدخال طعام على طعام آخر لم ينهضم الأول رديء) لما تقدم من أن الطبيعة تتحيّر بينهما، فإن هضمت الأول على قدره بقي الثاني نياً، وإن هضمت الثاني على قدره فسد الأول، وأيهما فسد أفسد الثاني (ودونه) أي دون الإدخال في الرداءة والسوء (إطالة زمان الأكل) وهذا غير ما يستلزم من تجويد المضغ، وإنما كان الإدخال والإطالة رديئين (لما تختلف الهضوم) كما تقدم، ومن المعلوم أن الإطالة أيضاً فرع عن الإدخال (وتكثير الألوان) من الأطعمة المختلفة في المزاج في أكلة واحدة (محيّر للطبيعة) إذ كل لون يحتاج إلى هضم خاص، لاختلاف الألوان في قبول الهضم، فإن أقبلت الطبيعة على بعضها دون بعض فسد الثاني وأفسد الأول، وإن أقبلت على الجميع فسد ما يحتاج إلى كثرة الهضم ونحوها وأفسد أيضاً (والغذاء اللذيذ أحمد) إذ الطبيعة تتلقاه بالقبول فتعمل فيه بكل نشاط وقوة (لولا الإكثار منه) فإن اللذيذ الموجب لإقبال الطبع، مغرٍ للإكثار وهو مضر.

    (وملازمة) الإنسان للطعام (التفه) الذي لا طعم له (تسقط الشهوة) إلى الأكل (وتكسل) لأن التافه يولد الرطوبة، فيسترخي فم المعدة، ولا تبقى على خشونتها الموجبة للشهوة، وتبتلّ الأعصاب برطوبته فيحدث الكسل، لأنه وليد الرطوبة كما تقدم (و) ملازمة الطعام (الحامض يسرع) إلى الإنسان (الهرم) لأن الحامض كثير البرودة واليبس، وهما يضادان الدم الحار الرطب، فيضعف الحار الغريزي، فيستولي الهرم (ويجفف الأعضاء) لما عرفت من يبوسة الحامض (ويضر العصب بلدغه) فإن الحامض يلدغ كما هو المحسوس (و) ملازمة الطعام (الحلو يرخي المعدة) لأن للحلو حرارة معتدلة، فيسبب سيلان الرطوبة الموجبة للارتخاء (ويحمي البدن) لأن الحلو مولد للدم والصفراء الحارين، فيسببان حرارة البدن (و) ملازمة الطعام (المالح يجفف البدن) لأن المالح يجفف الرطوبة، (ويهزله) إذ السمن إنما يتولد من الرطوبة، فإذا جفت هزل البدن (فليدفع) الإنسان المحافظ على صحته (مضرة الحامض بالحلو) فيأكلهما مخلوطاً أو معاً (و) مضرة (الحلو بالحامض) كذلك (و) ليدفع (مضرة التفه بالمالح والحريف) كالفلفل فإنهما ضدان للتفه، فيدفعان مضرته (و) ليدفع مضرتـ(هما) أي المالح والحريف (به) أي بالتفه، وذلك بخلط أحدهما بالآخر، أو الجمع بينهما في الأكل.

    (وليترك) الإنسان المحافظ على صحته (الغذاء) فلا يأكل، (وفي النفس منه بقية شهوة) إذ لو بقي بعض المعدة خالياً، لم يوجب هضم الغذاء، الموجب لانتفاخه وجعاً في المعدة، ولا إيذاءً لها، ولا عسر الهضم، وذلك بخلاف ما لو امتلأ، فإن الهضم يوجب ذلك كله، وذلك مفسد للغذاء موجب للأمراض الوليدة من سوء الهضم ونحوه (وملازمة الحمية) باجتناب بعض المآكل الطيبة والمواظبة على لطافة الغذاء وخلوه عمّا يضر بالمرض، (تنهك البدن) وتهزله، إذ القوى التي تأتي من مختلف الأطعمة ولطائفها قليلة القوة ضعيفة العمل، فيهزل البدن وتضعف قواه. (بل هي) أي الحمية (في الصحة) رديئة (كالتخليط في المرض) فإن عدم الحمية في المرض يوجب تكثير المواد في البدن، والطبيعة لضعفها بسبب المرض لا تتمكن من هضمها، فتحدث فضول توجب أمراضاً جديدة، أو زيادةً في المرض السابق. قال ابن الأعسم:

    لا تحتمي في صحة بلا غرض فهو كتــرك الاحتما حال المرض

    (ومراعاة العادة) السابقة (في الوجبات) للأكل، بأن يأكل كل يوم مرة، ومرات، في الأوقات المعينة (وغيرها) كالمآكل الغليظــة، أو اللطيفة الكثيرة، أو القليلة، أو ما أشبه ذلك (واجبة) إذ الطبيعة إذا اعتادت على شيء عملت بقدره، فإذا تُرك ذلك الشيء تصرفت الطبيعة في الأمر الجديد تصرفاً سيئاً، وذلك موجب للمرض، مثلاً: لو كان من عادة الإنسان الأكل صباحاً، كانت الطبيعة مستعدة للهضم القوي في هذا الوقت، فإذا لم يأكل، هضمت الرطوبات الأصلية، وهكذا بالنسبة إلى سائر الخصوصيات (ومن اعتاد أن يستمرئ الأغذية الرديئة) كأكل المالح، أو الغليظ، أو الفاسد من الفاكهة والطعام (فلا يغتر بها) ولا يظن أن طبيعته قد اعتادت على ذلك فلا يضر، إذ كثيراً ما يظهر الأثر بالتكرار (فيولد على طول الأيام أمراضاً رديئة) بسبب تراكم الفضول، أو ضعف الطبيعة تدريجاً، أو نحو ذلك (فليترك ذلك) الغذاء الرديء المعتاد (بالتدريج) لأن الترك الدفعي ربما أضر، بسبب عدم اعتياد الطبيعة لهذا الترك.

    الإنسان يجب أن يلاحظ غذاءه حسب مزاجه، حتى لا يضر الغذاء بمزاجه (و) على هذا فـ (الصفراوي) المزاج (غذاؤه) الصالح لمزاجه (مبرد مرطب) لأن الصفراء حارة يابسة، فيجب أن يكون الغذاء ضد حالــها لتعتدل (والدموي) المزاج (غذاؤه) الصالح لمزاجه (مبرد قامع) للرطوبة، لأن الدم حار رطب (والبلغمي) المزاج (غذاؤه) الصالح لمزاجه (مسخن ملطف) لأن البلغم بارد رطب (والسوداوي) المزاج (غذاؤه) الصالح لمزاجه (مرطب مسخن) لأن السوداء يابسة باردة، والأغذية المذكورة مخالفة لأمزجة هؤلاء، فتقربها نحو الصحة والاعتدال.

    (وقد نهى المجربون عن الجمع بين الأغذية) الآتية في وقت واحد (ويعسر علينا إثبات كثير منها بالقياس) إذ لم يدل ذلك على وجه النهي، وإن أي فساد يترتب على هذا الجمع، لكن ذكر بعضهم السبب. وكيف كان، فالتجربة كافية في الامتناع، لأن دفع الضرر المظنون بحكم العقل لازم (قالوا: لا يجمع بين) أكل (السمك الطري واللبن، فيولدان أمراضاً مزمنة كالجذام والفالج) لأنهما غليظان يسرع إليهما الفساد، فإن استحالا إلى الدخانية أولدا الجذام الوليد من السوداء، وإن استحالا إلى البلغم أولدا الفالج، فإنه في الأغلب وليد منه (ولا لبن مع حــامض، حتى نهوا عن الجمع بين المضيرة) المطبوخة باللبن (والاجاصة) التي فيها قليل حموضة، قالوا: لا الحموضة تجبن اللبن في المعدة، فيحدث القولنج ونحوه (ولا السويق على الأرز باللبن) فإنهما منفخين، فيولدان القولنج (ولا العنب على الرؤوس) لأن في العنب رطوبة، وفي الرؤوس بلغمية لزجة، فيتولد منهما مختلف الأرياح إن عملت الحرارة فيهما، ويوجبان بطلان الحرارة الغريزية وخمودها (ولا الرمان على الهريسة) لأن الرمان قابض نافخ، والهريسة غليظة لزجة، فإذا عملت القبوضة في الغليظة، أورث تجمداً وثقلاً على الهضم، ونحوه.

    في (تدبير المشروب) للتحفظ على الصحة (قالوا: لا يجمع) في الشرب (بين ماء النهر وماء البئر) لأن الأول لطيف، والثاني غليظ، فيحدثان أرياحاً كما هو المشاهد في الخارج إذا جمعا، إذ اللطيف يريد أن يخترق الغليظ ليصعد، ولذا إذا شربا معاً أحدثا قراقر ونفخاً، ولكن هذا (ما لم ينحدر أحدهما) عن المعدة، وإلا فلا بأس لرفع المحذور.

    (وأفضل المياه مياه الأنهار) لأن حركتها تلطفها وتطيبها، لكثرة مرور الهواء، وعبورها على الأرض التي تأخذ أدرانها (وخصوصاً الجارية على تربة نقية) لا وسخ فيها (فيتلخّص الماء) بسب الجريان عليها (من الشوائب) إذ يرسب قسم منها، وتلطّف الأرض القسم الآخر (أو) الجارية (على الحجارة) كما في الجبال ونحوها (وخصوصاً الجارية إلى الشمال) باللف والدوران غالباً، وإلا فالأنهار تجري إلى الجنوب لاصطدام الماء بنسيم الشمال اليابس فيلطفه، أكثر مما لو كان جارياً إلى الجنوب (أو) الجارية (إلى المشرق) لما عرفت سابقاً من أن الرياح المشرقية أفضل من المغربية، فإذا اصطدم الماء بها اكتسب طيباً (وخصوصاً) الأنهار (المنحدرة إلى أسفل) لأن حركتها تزداد بالانحدار فيكثر لطفها (وخصوصاً إذا بعد المنبع) لكثرة حركة الماء حينئذ الموجبة لكثرة لطافته (فإن كان) الماء (مع هذا) الوصف المذكور (خفيف الوزن) قليل الأملاح والمخالطات (يُخيّل لشاربه أنه حلو) وعن المصنف: سبب ذلك، أن مثل هذا الماء، بلطافته يرقق رطوبة الفم وينفذها في جرم اللسان، فيشبه في ذلك فعل الحلو في اللسان، فإن الحلو لحرارته المعتدلة يسيل رطوبات اللسان ويلينها، فتنفذ تلك الرطوبات إلى باطنه، فإذا فعل الماء ذلك خيل للحاسة أنه حلو أيضاً، فتأمل. (ولا يحتمل الشراب منه) أي من هذا الماء (إلا قليلاً) فإن مثل هذا الماء للطافته ينفذ في جميع أجزاء الشراب فيكسر قوته، بخلاف الماء الثقيل، فلأنه لا يكسر قوة الشراب إلا المقدار الكثير منه (فذلك) الماء الذي اتصف بالصفات المتقدمة، هو (البالغ) في الفضيلة (خصوصاً إذا كان معه هذه) الصفات (غمراً) أي كثيراً، لأن كثرته تمنع عن إفساد المفسد له، و(شديد الجري) لأن قوة الحركة تسبب دخول أجزاء الهواء فيه، فيزيد من لطافته (وماء النيل قد جمع أكثر هذه المحامد) والرافدان أفضل منه، والفرات منهما أفضل.

    (وماء العين لا يخلو من غلظ) لأن تجمع الماء تحت الأرض يورث تلوثه بالأبخرة الأرضية، إلا إذا كانت العين بعيدة، فيلطف بالجري، والشمس، والهواء (وأردأ منه مياه القني) لكثرة أبخرتها بطول مكثها تحت الأرض (ثم ماء البئر) لأنه بالإضافة إلى الأبخرة، راكد غير متحرك، فلا يلطف بالهواء والجري (وماء النز) الذي ينز من الأرض ويترشح (أردأ من الجميع) لتردده في مسام الأرض، واختلاطه بالأملاح والعفونات، وتعفنه بالأبخرة.

    (وإنما ينبغي أن يستعمل) الإنسان (الماء) لشربه (بعد شروع الغذاء في الهضم) لأن الماء يرققه حينئذ، لتعمل في الغذاء الهاضمة، ولو لم يستعمل حينئذ لاحترق لكثرة الحرارة (وأما) شرب الماء (عقيبه) أي عقيب الغذاء بلا فصل (فيفجج) لأنه يكتسب رطوبة وبرودة، فيصعب على الهاضمة العمل فيه (و) شربه (في خلله) أي وسط الغذاء (أردأ) لأنه يبرد المعدة، فيضعف الهضم، أو يبطله (على أن من الناس من ينتفع بذلك) أي باستعماله عقيب الغذاء أو في وسطه، وهو الحار المزاج، الذي إذا لم يرطب غذاءَه بالماء احترق الغذاء فــي معدته لكثرة الحرارة (ومن الناس من تكون شهوته للغذاء ضعيفة) لحرارة معدته، الموجبة لتطلبها بارداً لا غذاءً، والطبيعي يعرض عن خلاف مطلبها (فإذا شرب) الماء (قويت) شهوته (وذلك لتعديله) أي الماء (حرارة المعدة) فتتوجه المعدة إلى الطعام، لأنه قد قضى طلبها (وأما) شرب الماء (على الريق) قبل الأكل (وعقيب الحركة، خصوصاً الجماع) الموجب لتفتح المسام (وعقيب المسهل) الموجب لتطلب الجسد من التبريد (وعقيب الحمام) الحار (وعلى الفاكهة، وخصوصاً البطيخ، فرديء جداً) أما على الريق، فلأن الأعضاء الرئيسية بعد باقية على بردها، فالماء ينفذ فيها لعدم الغذاء المعاوق له عن النفوذ، إذ الغذاء لو كان موجوداً اختلط به الماء فلم يقدر على النفوذ، وإذا نفذ الماء في الأعضاء يُخشى من إطفائه الحرارة الغريزية، فيوجب الهلاك بغتةً أو الاستسقاء بوصوله إلى الكبد، وكلما كان أبرد كان أردأ. وأما بعد الحركة، والجماع، والحمام، فلجذب الأعضاء للماء حينئذ كثيراً، فيكون حاله حال الشرب على الريق. وأما بعد المسهل، فلأن إفراغ المسهل للرطوبة أوجب تطلب الأعضاء للماء كثيراً، فيحتمل حدوث الأمر السابق. وأما على الفاكهة، فلأنه تجتمع رطوبة الماء مع رطوبة الفاكهة، وخصوصاً البطيخ الذي هو أكثر الفواكه رطوبة وأسرعها فساداً، وذلك سبب لفساد الفاكهة في المعدة وعدم هضمها، ثم إنه لا فرق في المحذور المتقدم (ماءاً كان المشروب أو شراباً) والشراب أضر، كما لا يخفى.

    (فإن لم يكن بَدٌّ) من شرب الماء في الأحوال المتقدمة لعطش كثير (فقليل من كوز ضيق الرأس، امتصاصاً) إذ القليل خير من الكثير، وتضييق رأس الكوز يعين في عدم وصول الماء مرة إلى المعدة، لينجذب إلى الأعضاء، وإنما ينحدر تدريجاً مما يوجب كسر سورته، والامتصاص يوجب حرارة الماء بالفم والمجاري، فلا يرد على المعدة بارداً ليؤذي، وتقوى الحرارة الغريزية حينئذ على مقاومته لئلا يضر.

    (وكثيراً ما يكون العطش من بلغم لزج) في المعدة، فتطلب الطبيعة الماء ليحل البلغم ويزول، لكن الماء لا يقدر على حله لسرعة زوال الماء ونفوذه لرقته، فتطلب الماء ثانياً وثالثاً (أو من بلغم مالح) يلدغ المعدة، فتطلب الماء لإزالته (وكلما روعي هذا العطش بالشرب) للماء (ازداد) العطش، لأن الماء يزيد في غلظ ذلك البلغم فيزداد العطش، لأنه كلما كانت المادة أكثر كان المفعول أكثر (فإن صبر عليه) أي على العطش (نضجت الطبيعة بالتسخين للمادة المعطشة وإذابتها) إذ تعمل الطبيعة فيها وتهضمها وتذيبها، فيسكن العطش من نفسه. (ولهذا) الذي ذكرنا، من أن هذا العطش من البلغم (كثيراً ما يسكن بالأشياء الحارة كالعسل) لأن الحرارة تُزيل البلغم لمضادتها له، ثم لا يخفى أن المصنف قد تعرض هنا للشرابـ أي الخمر ـ بصورة مسهبة وحيث إنه محرم، خارج عن محل ابتلاء المسلم، أضربنا عنه صفحاً.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:41

    عوامل إدامة النشاط والصحة

    ومن المستفرغات المعتادة في حال الصحة: الحمام، والجماع، فلنقل فيهما: في الحمام، أفضله: ما كان قديم البناء، عذب الماء، واسع الفضاء، معتدل الحرارة. والبيت الأول: مبرد مرطب، والبيت الثاني: مسخن مرطب، والبيت الثالث:

    مسخن مجفف، ولا يدخل البيت الحار إلا بتدريج، فكيف الخروج وطول المقام فيه يوجب الغشي والكرب والخفقان.

    واليابس المزاج يستعمل الماء أكثر من الهواء، وقد يضطر إلى رش البيت بالماء، وصبه على أرض الحمام، ليكثر تبخره، فيرطب كما يفعل بالمدقوقين، ومرطوب المزاج يستعمل الهواء أكثر من الماء، وقد يضطر لزيادة التجفيف إلى إفراط العرق قبل استعمال الماء كما يفعل بالمستسقين، ومادام الجلد يربو فلا إفراط، فإذا أخذ البدن في الضمور والكرب في التزايد فقد أفرط.

    وليزد الدثار، وخصوصاً في الشتاء، لأن البدن ينتقل من هواء الحمام الحار إلى أبرد منه، ولأن ما يتشرّبه البدن من ماء الحمام تزول عنه الحرارة العرضية فيبرد ويبرد البدن.

    ولا يدخل الحمام من به ورم، وتفرق اتصال، أو حمّى عفنية لم تنضج مادتها، وقد يستعمل الحمام عقيب الغذاء فيسمن، ويخاف منه السدد، فليحترز عنها بالسكنجبين الساذج أو البزوري بحسب الأمزجة، وقد يغتذي عقيب الحمام، فيسمن باعتدال مع أمن من السدد، وكذلك استعمال الحمام بعد الهضم يسمن باعتدال وقد يستعمل الحمام على الخلاء فيهزل ويجفف، وقليل الرياضة ينبغي أن يستكثر من الحمام المعرق.

    والاغتسال بالماء البارد يقوي البدن، وينشط، ويجمع القوى ويقويها، وإنما يستعمل وقت الظهيرة في الصيف، لمن هو حار المزاج، معتدل اللحم، شاب ولذلك ينبغي أن يُمنع منه الصبي والشيخ، ومن به إسهال، أو تخمة، أو نزلة.

    والاغتسال بمياه الحَمّات الكبريتية، يحلل الفضول، وينفع من الفالج والرعشة والتشنج، ويزيل الحكة والجرب، وينفع من عرق النساء، وأوجاع الورك.

    في الجماع: أفضله ما وقع بعد الهضم الأول، وعند اعتدال البدن في حره وبرده، ويبوسته ورطوبته، وخلائه وامتلائه. فإن وقع خطأ، فضرره عند امتلاء البدن وحرارته ورطوبته، أسهل من ضرره عند خلائه وبرودته ويبوسته.

    وإنما ينبغي أن يجامع إذا قويت الشهوة، وحصل الانتشار التام، الذي ليس عن تكلف، ولا ذكره في مستحسن، ولا نظر إليه، بل إنما أهاجته كثرة المني، وشدة الشبق، وأن يحصل عقيبه الخفة والنوم. فالقصد المعتدل منه ينعش الحرارة الغريزية، ويهيئ البدن للإغتذاء، ويفرح، ويحطم الغضــب، ويزيل الفكر الرديء والوسواس السوداوي، وينفع أكثر الأمراض السوداوية والأمراض البلغمية.

    وربما وقع تارك الجماع في أمراض مثل: الدوار، وظلمة البصر، وثقل البدن، وورم الخصية والحالب، فإذا عاد إليه برئ بسرعة، والإفراط في الجماع يسقط القوة ويضر العصب، فيوقع في الرعشة والفالج والتشنج، ويضعف البصر جداً.

    وليجتنب جماع العجوز، والصغيرة جداً، والحائض والتي لم تجامع مدة طويلة، والمريضة، والقبيحة المنظر، والبكر، فكل ذلك يضعف الشهوة.

    وجماع المحبوب يسر، ويقل إضعافه مع كثرة استفراغه للمني.

    وأردأ أشكال الجماع: أن تعلو المرأة الرجل وهو مستلق على ظهره، ورداءته لتعسر خروج المني، وربما بقي بقية من المني فتعفن، بل ربما سال إلى الذكر رطوبات من الفرج.

    وأفضل أشكاله: أن يعلو الرجل المرأة رافعاً فخذيها، بعد الملاعبة التامة، ودغدغة الثدي، ودغدغة الحالب، ثم حك الفرج بالذكر، فإذا تغيرت هيئة عينيها، وعظم نفَسها، وطلبت التزام الرجل، أولج الذكر وصب المني، ليتعاضد المنيان.

    وذلك هو المحبل.

    ومما يُعين على الجماع: رؤية المجامعة، والنظر إلى تسافد الحيوانات، وقراءة الكتب المصنفة في الباه، وحكاية الأقوياء من المجامعين، واستماع الرقيق من أصوات النساء.

    وحلق العانة يهيج الشهوة، وإطالة العهد بترك الباه منسية للنفس، والاستمناء باليد يوجب الغم، وتضعف الشهوة.

    تدبير الفصول: وليتلقَّ الربيع بالفصد، والاستفراغ بالقيء واستعمال المصفيات ومسكنات المواد، ويجتنب المسخنات كالحركة المفرطة، والحمام، والشراب القوي، ويقلل الغذاء ويكثر الشراب الممزوج، ويلبس السنجاب، والمضربات الخفيفة.

    ويلزم في الصيف الهدوء والدعة، والظل، والأغذية الباردة القامعة للصفراء اللطيفة كالرمانية، وهجر كل ما يسخن، ويجفف، وينقص الأغذية، ويكثر من الفاكهة الرطبة كالاجاص، والبطيخ الرقي، والخيار، ويلبس فيه الكتان العتيق.

    ويجتنب في الخريف كل ما يجفف، وكثرة الجماع، والاغتسال بالماء البارد وشربه، وكشف الرأس، والاستكثار من الفواكه الرطبة. وأما القيء فيه فيجلب الحمّى ويحترز من برد الندوات وحر الظهائر.

    ويستقبل الشتاء بالدثار ولبس السنجب والنيفق. وأما الحواصل والدلق فمفرطان في التسخين، لا يحتملهما إلا المبرود والمرطوب، ويلزم الأغذية الغليظة كالهريسة، والاستكثار من اللحوم، واستعمال الملطفات كالرشاد والابزار الحارة، والشراب القوي. والقيء فيه يضعف والحركات القوية العنيفة فيه نافعة.

    في الحمام (ومن المستفرِغات) بصيغة الفاعل (المعتادة في حال الصحة) بل والمرض: (الحمام، و الجماع، فلنقل) أي نتكلم (فيهما) ولنقدم الكلام (في الحمام) فنقول: (أفضله: ما كان قديم البناء) لا تنفصل منه أبخرة الجص والنورة، وسائر أدوات البناء، كالسمنت في هذه الأيام، فإنها مضرة بالقلب، بخلاف الحمام الذي تقادم عهده، فإن هذه المواد قد كسرت سورتها، فلا تنفصل عنها أبخرة رديئة (عذب الماء) لأن الماء غير العذب قد خالطته أجسام غريبة كبريتية أو غيرها تضر بالصحة، بخلاف الماء العذب الذي يرطب البدن ويعدل يبسه (واسع الفضاء) لأن الفضاء الضيق تتجمع في هوائه الأنفاس والأبخرة والأوساخ، فيكون التنفس فيه بل الكون فيه مضراً، لما يتشرب البدن من الهواء بواسطة المسام والنبض (معتدل الحرارة) لا كثيرها، ليوجب الكرب ويجفف رطوبات البدن، ولا قليلها لئلا يحصل المقصود من الحمام الذي هو الترطيب والتسخين.

    ثم أن الحمامات السابقة كانت أربعة بيوت: المسلخ، وبيت النار، وبيتان بينهما، وكان كثيراً ما يكون في البيت الأول المرحاض، وفي الثاني بيوت النورة (والبيت الأول) من البيوت الداخلة في الحمام باستثــناء بيت المسلخ (مبرد مرطب) للبدن، لأنه بعيد عن بيت النار، قريب إلى الهواء الخارجي، فتأثيره إنما هو بالهواء البارد الخارجي والماء الرطب (والبيت الثاني مسخن مرطب) أما التسخين فلاقترابه من المستوقد، وأما الترطيب فلأجل الماء (والبيت الثالث) الذي هو بيت النار (مسخن مجفف) أما التسخين لأن فيه الموقد، وأما التجفيف فلفرط تحليل هوائه، بحيث لا يتداركه ترطيب الماء (ولا يدخل) الإنسان (البيت الحار إلا بتدريج) لئلا يكون الانتقال من البارد إلى الحار دفعةً، فيؤذي البدن بتوارد الأضداد عليه (فكيف الخروج) الذي هو أضر، إذا انتقل دفعةً من الحار إلى البارد، لتفتح المسام وتوسعها بسبب الحر، فينفذ فيها الهواء البارد الخارجي دفعةً، ويسبب الأمراض (وطول المقام فيه) أي في البيت الحار (يوجب الغشي والكرب والخفقان) للقلب لتسخن الروح بالهواء الحار المستنشق، فتضطرب ويختلج القلب لأجله، وكثيراً ما يورث الغشيان، لتحرك الأخلاط بسبب الحر وانصبابها إلى المعدة.

    (واليابس المزاج يستعمل الماء أكثر من الهواء) فيشرب الماء، ويبل جسده به، ويرش على الأرض ليستنشق الهواء المرطوب وذلك ليترطب مزاجه، ولا يزداد يبسه بحرارة المزاج والهواء، إذا استعمل الهواء كثيراً بتعريض نفسه للهواء كثيراً. هذا لو أراد الإطلاق، وإن أراد من الهواء البيت الهوائي، ومن الماء البيت المائي، فهو مصداق للكلي، وأنسب بالوضع، ولا يخفى انسياق هذا الكلام إلى آخر الفصل (وقد يضطر) اليابس المزاج لزيادة الترطيب (إلى رش البيت) أي داره ومحله (بالماء، وصبه على أرض الحمام) أيضاً إذا ذهب إليه (ليكثر تبخره، فيرطب) البدن (كما يفعل بالمدقوقين) أي المبتلون بمرض الدق (ومرطوب المزاج يستعمل الهواء أكثر من الماء) بعكس ذاك، ليجفف الرطوبات، ولا تزداد باستعمال الماء الكثير (وقد يضطر لزيادة التجفيف إلى إفراط العرق قبل استعمال الماء) في الحمام، فيجلس مدة في البيت الحار حتى يعرق عرقاً مفرطاً، ثم يستعمل الماء (كما يفعل بالمستسقين) لتجف الرطوبات الموجودة في بدنهم (و) إذا ذهب الإنسان إلى الحمام واستعمل الماء أحس أن جسمه يربو مدةً، وذلك للحرارة والرطوبة الواردتين على البدن، ثم إذا أطال المكث أحس أن جسمه يضمر بسبب الحرارة الزائدة الموجبة للضمور ـ كما نرى في اللحم إذا قرب من النار ـ فـ (ما دام الجلد يربو فلا إفراط) في المكث في الحمام ولا مانع منه، لأنه لا يضر (فإذا أخذ البدن في الضمور) الذي يدل على كثرة التحلل (و) أخذ (الكرب في التزايد) الذي يدل على سخونة الروح والقلب (فقد أفرط) في المكث، ويلزم الخروج فوراً.

    (وليزد) المستحم (الدثار) بعد الحمام (وخصوصاً في الشتاء، لأن البدن ينتقل من هواء الحمام الحار إلى أبرد منه) والمسام قد تفتحت وتوسعت، فإذا لم يزد من الدثار أثر الهواء البارد فيها، وأوجب الأمراض (ولأن ما يتشرّبه البدن من ماء الحمام تزول عنه) أي عن ذلك الماء المثبوت في جلد البدن (الحرارة العرضية) التــي اكتسبها بواسطة المسخن الخارجي (فيبرد) هو بنفسه (ويبرد البدن) فيجتمع على البدن برد الهواء وبرد الماء، ولذلك يجب التدثر كثيراً، لئلا يتأثر البدن بالبردين (ولا يدخل الحمام من به ورم) في أي مكان من بدنه كان، لأن الحمام يلطف المواد ويسيلها، فيزداد الورم مادةً بانسياب المواد إليه (و) من به (تفرق اتصال) بسبب قطع أو نحوه، لنفس السبب المتقدم، فيوجب التقيّح والألم (أو) من به (حمى عفنية لم تنضج مادتها) بعد، لأن بذلك تشتد الحرارة الغريبة، فتكون العفونة أكثر، ويزداد المرض (وقد يستعمل الحمام عقيب الغذاء، فيسمن) البدن، لأن تحليل رطوبات الجسد، يوجب جذب الغذاء على فجاجته إلى البدن، وذلك مخصب مرطب (و) لكن (يخاف منه السدد) لأن الغذاء غير المهضوم غليظ القوام، وذلك مما يُحدث السدد (فليحترز عنها) أي عن السدد (بالسكنجبين الساذج) وهو الخل والعسل فقط بدون البزور (أو البزوري) أي ما أُدخل فيه بزور حارة (بحسب الأمزجة) فالثاني، لمن ليس مزاجه حاراً، وإنما ينفع السكنجبين لأنه يحلل ويفتح السدد، والحار منه أقوى (وقد يغتذي) الإنسان (عقيب الحمام) فيأكل قبل أن يبرد جسمه (فيسمن باعتدال) لجذب البدن الحار الغذاء باعتدال، إذ ليس حرارة البدن حينئذ كحرارته داخل الحمام، حتى يكون الجذب قوياً (مع أمن من السدد) إذ الانجذاب لضعفه، إنما يكون بعد الهضم، ورقة القوام (وكذلك استعمال الحمام بعد الهضم) الأول للطعام (يسمن باعتدال) لانجذاب الغذاء المهضوم إلى الأعضاء كثيراً، وهو مأمون من السدة، لخروج الطعام بسبب الهضم الأول عن الفجاجة (وقد يستعمل الحمام على الخلاء) للمعدة والجوع (فيهزل ويجفف) بسبب تحليله الرطوبات الأصلية، ولا بدل يقوم مقامه لفرض خلاء المعدة (وقليل الرياضة ينبغي أن يستكثر من الحمام المعرق) بأن يستعمل الهواء كثيراً، ويطيل المكث في البيت الحار، وذلك لأن الفضلات المجتمعة في جسده تخرج بالعرق، وذلك بخلاف كثير الرياضة، فإن الفضلات تخرج بها، كما تقدم.

    (والاغتسال بالماء البارد يقوي البدن، وينشطه) لأنه يوجب انسداد بعض المسام وتكثيفها وتضيقها، فتحتقن الحرارة الغريزية في البدن، ولا تحلل كثيراً، وهي أصل التقوية والتنشيط (ويجمع القوى، ويقويها) لما ذكر (وإنما يستعمل وقت الظهيرة) أي حوالي نصف النهار (في الصيف) دون الشتاء وسائر الفصول (لمن هو حار المزاج) لا بارده (معتدل اللحم) لا القصيف ولا السمين (شاب) وذلك لأن وقت الظهر يكون الهواء حاراً، وخصوصاً إذا كان الزمان صيفاً، فلا تؤثر في البدن برودة الماء لتضر به. وبارد المزاج إذا استعمل غاص البرد إلى أعماق بدنه، لعدم معاون له، فيضر بالحار الغريزي، بخلاف حار المزاج والقصيف، تنفذ برودة الماء إلى أعماقه لهزاله، فتخمد الحرارة الغريزية. والسمين بارد المزاج، فلا يقوى على احتمال البرد، وحرارة الشاب تقاوم برد الماء (ولذلك ينبغي أن يُمنع منه الصبي والشيخ) لضعف حرارتهما عن المقاومة. وقد تقدم أن الشاب أقوى حرارة من الصبي (و) يُمنع (من به إسهال) فإن الماء يكثف الأعضاء الظاهرة، لإيجابه انسداد المسام، فيعصر المواد إلى الباطن، وذلك يزيد في الإسهال (أو تخمة) لأن البرد يوجب زيادة القبض، فتقوى التخمة (أو نزلة) إذ البرد يسد المسام ويقبض المواد، فيزيد في النزلة، لأنه يمنع المواد عن التحليل والانسياب.

    (والاغتسال بمياه الحَمّات) جمع حَمّة ـ بالفتح والتشديد، وزن مَدّة ـ وهي: العيون التي خالط ماءها شيء من الكبريت أو الملح أو البورق أو غيرها من سائر المعادن، وكل حَمّة تفيد شيئاً، فإن كل معدن نافع لمرض، تكون حَمّته أنفع و(الكبريتية) منها (يحلل الفضول) لفرط حرارة الكبريت الموجبة للتحليل (وينفع من الفالج والرعشة والتشنج) إذ تزيل حرارتها الأخلاط البلغمية اللزجة، المولدة لهذه الأمراض غالباً (ويزيل الحكة والجرب) وسائر الأمراض الجلدية، لأنها تحلل المواد اللازقة بالجلد، المسببة لهذه الأمراض (وينفع من عرق النساء، وأوجاع الورك) لأن الماء بحرارته ولطفاته المكتسبة، يغوص في العمق، فينفع من هذه الأمراض.

    ولكن لا يخفى أن الاستشفاء بهذه العيون مكروه في الشريعة الإسلامية، ولعل السر أن هذه الخليطات تضر بالصحة، أكثر مما تنفع بالمرض الخاص بعضو.

    القول (في الجماع) وقد عرفت أنه من الاستفراغات: (أفضله ما وقع بعد الهضم الأول) بأن لا تكون المعدة خالية ولا ممتلئة، لما سيأتي من ضررهما (وعند اعتدال البدن في حره وبرده) إذ لو كان البدن حاراً ازداد حرارةً بواسطة الحركات حال الجماع، وذلك موجب لتحليل القوى، ولو كان بارداً سبب زوال الحرارة الغريبة بعد الإتمام برداً مضاعفاً ببرودة البدن والبرودة الحاصلة، لانطفاء الحر العرضي، وسبب ذلك انطفاء الحرارة بالكلية (و) في (يبوسته ورطوبته) إذ الجماع يجفف الأعضاء بكثرة الحر الحاصلة من الحركات العنيفة، فإذا كان البدن يابساً ازداد يبوسة، وذلك مولد للأمراض المتولدة من اليبوسة، وإذا كان البدن رطباً رققها وأسالها، فتنصب على الأعصاب، وتصعد منها أبخرة إلى الدماغ ربما سببت حميات وأمراضاً (و) في (خلائه وامتلائه) إذ الجماع يسبب تجفيفاً شديداً، مما تجذب معه الأعضاءُ الطعامَ لبدل ما يتحلل منها، فإذا كانت المعدة خالية ذابت من الأعضاء الأصلية، وإذا كانت مليئة جذبت الطعام الفج، فيحدث السدد.

    (فإن وقع خطأ) أو أراد الإنسان أن يفعل في إحدى الحالات الرديئة (فضرره عند امتلاء البدن وحرارته ورطوبته، أسهل من ضرره عند خلائه وبرودته ويبوسته) فإن الجماع عند الخلاء واليبس يوجب سقوط القوة، وعند البرد يوجب انطفاء الحرارة الغريزية، وهما من أعظم المضار.

    (وإنما ينبغي أن يجامع إذا قويت الشهوة، وحصل الانتشار التام) للعضو (الذي ليس عن تكلف، ولا ذكره في مستحسن، ولا نظر إليه) إذ في هذه الحالات، لم تنضج المادة المنوية، فيكون إفراغها مضراً بالأعضاء (بل إنما أهاجته كثرة المني وشدة الشبق) أي الشهوة، فإن المني لدى كثرته في الأعضاء يتطلب الانفصال كالبول والبراز، فإذا تُرك ولم يُدفع بالجماع، خنق الحار الغريزي، وأذى الأوعية المنوية (وأن يحصل عقيبه الخفة) لأن المادة المنوية تثقل على البدن، بالإضافة إلى أن خنقها للحار الغريزي يضعف القوى عن عمل البدن، فإذا أُفرغ حصلت الخفة (و) أن يحصل (النوم) عقيبه لاستراحة الطبيعة، وذهاب الثقل والأذى الموجبين للقلق، وتطلب البدن للاستراحة بعد تعب الإفراغ.

    (فالقصد المعتدل منه) وهو يختلف، باختلاف الأفراد والازمان والأسنان (ينعش الحرارة الغريزية) لذهاب الثقل الذي كان كلاًّ عليها خانقاً لها (ويهيئ البدن للإغتذاء) إذ وجود المني في الأعضاء مانع عن الإغتذاء، فإذا أُفرغ خلت الأعضاء عن المادة، فتغذت بالقدر الصالح لها (ويفرح) لأنه مذهب لفضول الروح، الموجب للكسل (ويحطم الغضب) لأن الفضول إذا كانت في البدن، تبخرت وتسخنت بها الروح وتكدرت، والغضب دليل ذلك، فإذا استفرغ المني ذهب الغضب (ويزيل الفكر الرديء والوسواس السوداوي) لأنهما وليدا انقباض الروح وسخونتها، وبالإفراغ يحصل للروح فرح وحركة نحو الخارج، فتزول عنها الحرارة والانقباض (وينفع) الإفراغ للمني (أكثر الأمراض السوداوية) المتولدة من الأبخرة الدخانية المتحرقة، فإذا أفرغ المني أزيلت تلك الأبخرة المنوية عن القلب والدماغ، فزالت الأمراض (و) ينفع الإفراغ (الأمراض البلغمية) لأنه ينعش الحرارة الغريزية، فتطارد الأمراض البلغمية، بإذابة البلغم بسبب نضجه بالحرارة ودفعه.

    (وربما وقع تارك الجماع في أمراض مثل: الدوار) كغُراب، مرض الرأس (وظلمة البصر) فإن المني يفسد بالبقاء وتصعد منه أبخرة إلى الدماغ والعين لقربها منه وضعفها، تقبل الأبخرة الدخانية فتظلم (وثقل البدن) لما تقدم (وورم الخصية والحالب) وهو مجرى في أصل الفخذ، يجري منه البول من الكلية إلى المثانة، وإنما يورمان لامتلاء الأوعية بالمني، وتمددها بسبب الامتلاء، وذلك محدث للورم (فإذا عاد) المريض (إليه) أي إلى الجماع (برئ بسرعة) لزوال الموجب، إلا إذا أفسد طول البقاء للمني المحل، فإنه يحتاج إلى العلاج (والإفراط في الجماع يسقط القوة) لأنه يوجب إذابة الأعضاء الأصلية، وإفراغ الروح عند اللذة وكلاهما موجبان لإسقاط القوة (ويضر العصب) لإتعابه بالحركات العنيفة الجماعية (فيوقع) الشخص (في الرعشة، والفالج، والتشنج) لأنها أمراض عصبية (ويضعف البصر جداً) لأن بعض مادة المني تخرج من الدماغ والعينان، لرطوبتهما تشتركان مع الدماغ في الإفراغ فتضعفان.

    (وليجتنب جماع العجوز) لقلة رغبة النفس، وكثرة الرطوبات الفضلية في المكان، وسعة الموضع، مما يسبب انقلاع المني بمشقة، وذلك يسبب اضطراباً في الأعصاب (والصغيرة جداً) لعدم رغبة النفس، واضطرابها عند الجماع، مما يسببان اضطراباً في الأعصاب، كما تقدم (والحائض) لتنفّر النفس، وقذارة الموضع، وإن كان ضرر هذه أكثر جداً (والتي لم تجامع مدة طويلة) لكثرة الفضول في الموضع المنفرة للطبع (والمريضة) للتنفّر أيضاً (والقبيحة المنظر) لذلك، وهكذا القذرة وما شابههن (والبكر) لاضطرابها، وسيلان الدم، وهما موجبان لاضطراب الأعصاب (فكل ذلك يضعف الشهوة) إذ عدم اللذة في العمل، يوجب تنفر الطبيعة، فتكف عن توليد المني ولا تُنضج المتولد منه.

    (وجماع المحبوب يسر) أي يوجب السرور (ويقل إضعافه) لأنــه ينعش الروح، ويقوي الحرارة الغريزية للرغبة والسرور (مع كثرة استفراغه للمني) لأن الطبيعة تجود بما لديها لتلتذ أكثر، ويسبب توليد المني ونضجه، عكس ما سبق.

    (وأردأ أشكال الجماع: أن تعلو المرأة الرجل وهو مستلقٍ على ظهره) سواء تحركت هي أو هو، وإن كان الثاني أردأ (ورداءته لتعسر خروج المني) لأنه يخرج إلى فوق، (وربما بقي) في الذكر (بقية من المني فتعفن) وتوجب الورم والقرحة (بل ربما سال إلى الذكر رطوبات من الفرج) لتوسع ثقبة الإحليل فيوجب التعفن إذا بقي منها شيء في الذكر.

    (وأفضل أشكاله: أن يعلو الرجل المرأة) وهي مستلقية (رافعاً فخذيها) حتى يكون قعر الرحم نازلاً، والالتصاق أكثر (بعد الملاعبة التامة) ليتحرك المنيان عن محلهما (ودغــدغة الثدي) لتهييج الشهوة فيهما، وخصوصاً المرأة (ودغدغة الحالب) أي أصل الفخذ (ثم حك الفرج بالذكر) فإن ذلك كله موجب لتهييج الشهوة، خصوصاً فيها (فإذا تغيرت هيئة عينيها) إلى الاحمرار، بسبب اللذة المحركة للروح والدم نحو الخارج، فتظهر الحمرة على العين للطافتها (وعظم نفَسُها) لسخونة القلب وآلات التنفس، بسبب اشتعال الحرارة، فطلبت الهواء البارد لذلك (وطلبت التزام الرجل) للتدني من اللذيذ حين هيجان الشهوة (أولج الذكر، وصب المني، ليتعاضد المنيان) وتكون اللذة أكثر، لأن جذب كلٍّ صاحبه أكثر، والاقتراب كلما كان أكثر كان ألذ، وليحافظ المرء على أن لا يقضي حاجته قبل أن تقضي حاجتها، وإلا سبب ذلك الكراهية منها له، وربما أدى استمرار ذلك إلى التفرق (وذلك) الجماع الجامع لهذه الشرائط (هو المحبل) غالباً.

    (ومما يعين على الجماع: رؤية المجامعة، والنظر إلى تسافد الحيوانات) أي جماعها (وقراءة الكتب المصنفة في الباه) وأحواله وأشكاله وخصوصياته (وحكاية الأقوياء من المجامعين، واستماع الرقيق من أصوات النساء) بشرط أن يكون حلالاً، وإلا أوجب ناراً وعاراً. وسبب كون هذه الأمور معينة أن النفس بسبب الترغيب تميل نحو المرغب إليه، وتعينها الطبيعة في المقام على ذلك فتتحرك الشهوة.

    (وحلق العانة يهيج الشهوة) لأنه ينشط الأعصاب، ويزيل الوسخ المنفر، ويذكر النفس (وإطالة العهد بترك الباه منسية للنفس) فلا يبقى للطبيعة اهتمام بهذه القوة ولا بإيجاد المني (والاستمناء باليد يوجب الغم) لقلة الالتذاذ، فتنقبض النفس (وتضعف الشهوة) لعدم اعتناء الطبيعة بتوليد المني لقلة لذته، وكذلك يوجب أمراضاً أُخر كضعف البصر، واضطراب الأعصاب، وما إليهما.

    في (تدبير الفصول) وما ينبغي فيها: (وليتلقَّ) الإنسان (الربيع) أي يبادر في أوله (بالفصد والاستفراغ بالقيء) والحجامة، إذ الربيع يحرك المواد التي جمدها الشتاء، فيسبب الأمراض المناسبة لها، كما تقدم، فإذا استفرغ البدن منها لم يصب بأذى، والقيء يفرغ البلغم المتعلق بالمعدة وحواليها بسبب تجميد الشتاء له (واستعمال المصفيات) للدم، لتخرج الأخلاط الرديئة كشرب ماء العناب، وأكل الهندباء ونحوهما (ومسكنات المواد) لتقادم حركتها وغليانها وانصبابها إلى الأعضاء (ويجتنب المسخنات) لئلا تعاون الطبيعة الفصلية بتحريك المواد (كالحركة المفرطة، والحمام، والشراب القوي) والأشياء الحارة (ويقلل الغذاء) لأن الأخلاط بسبب تخلخلها بالحر تكون كبيرة الحجم، فاللازم أن يقلل من الغذاء الخارجي، حتى لا يسبب تمديد العروق والأوعية ولا يصدعها (ويكثر الشراب) المناسب كماء الزرشك، والليمون، ونحوهما خصوصاً (الممزوج) منه بالماء، ليكون أكثر رقة ونفوذاً (ويلبس السنجاب) لأن حره قليل (والمضربات الخفيفة) وهي الثياب المحشوة بالقطن القليل المندوف.

    (ويلزم في الصيف الهدوء والدعة) لئلا تزداد السخونة بحر الهواء وحر الحركة (و) يلزم (الظل) حتى لا تتعاون أشعة الشمس مع حرارة الهواء (والأغذية الباردة) لئلا تتعاون حرارة الداخل مع الخارج، وليسكن غليان الأخلاط (القامعة للصفراء) كالزرشك، لأنها في الصيف كثيرة (اللطيفة) لأن الهضم في الحر ضعيف، والغذاء الغليظ يحتاج إلى قوة في الهضم (كالرمانية) والليمونية ونحوهما (وهجر كل ما يسخن ويجفف) لما عرفت (وينقص الأغذية) لما تقدم من ضعف الهضم، ولأن حجم الأخلاط كبير بسبب تمديد الحر لها، فلا حاجة إلى طعام كثير (ويكثر من الفاكهة الرطبة كالاجاص، والبطيخ الرقي) منسوب إلى رقة الشام ـ كما قيل ـ وهو المسمى بالدابوعة، ويقال له بالفارسية: (هندوانه)، (والخيار) ليسكن الحرارة (ويلبس فيه الكتان العتيق) لأن الكتان أبرد الملابس، والعتيق منه أرق.

    (ويجتنب في الخريف كل ما يجفف) لئلا يتعاون المجفف مع طبيعة الفصل، فيوجبان يبوسة مضرة (و) يجتنب (كثرة الجماع) لأنه مستلزم لليبس بإفراغ المني (و) يجتنب (الاغتسال بالماء البارد) فإنه يوجب النزلة لتجميده المواد (وشربه) أي شرب الماء البارد، إذ اختلاف الهواء يوجب ضعف الصدر، واستعداده لقبول الأمراض، والماء البارد يمد ذلك (وكشف الرأس) في الأوقات الباردة، لئلا يوجب النزلة (والاستكثار من الفواكه الرطبة) فإنها كثيرة المائية، والهضم غير تام في هذا الفصل، فتوجب التعفن في المعدة والحميات.

    (وأما القيء فيه) أي في الخريف (فيجلب الحمّى) لأنه يهيج المواد التي في العروق، ولا يخرج شيء منها لغلظها، وإذا تحركت ازدادت حدة وحرارة، وفسدت وأفسدت الأخلاط الصالحة التي تختلط بها وأورثت الحمى (ويحترز من برد الندوات) بالتدثّر (وحر الظهائر) بالكشف، لئلا يتوارد الضدان على البدن.

    (ويستقبل الشتاء بالدثار ولبس السنجب) لما تقدم من كونه حاراً، وان لم يكن بالغ الــحرارة (والنيفق) وهو فرو الثعلب. (وأما الحواصل) وهي طيور في مصر، يصنع من ريشها الدثار (والدلق) حيوان يسمى بهذا الاسم، حار الطبيعة (فمفرطان في التسخين، لا يحتملهما إلا المبرود والمرطوب) غالباً (ويلزم) لفصل الشتاء (الأغذية الغليظة كالهريسة) فإن الهضم في الشتاء أقوى، لتوجه الروح إلى الباطن، ولأن الأخلاط ينقص حجمها بسبب تجميد الهواء لها، فالطبيعة تحتاج إلى غذاء كثير ودم غليظ، لتخلف عن ذلك النقص (والاستكثار من اللحوم) ليكثر الدم، ويحل محل النقص المذكور (واستعمال الملطفات كالرشاد والابزار الحارة) لأن الدم الحادث من الأغذية الغليظة غليظ، والبرد يزيده غلظاً، فيحتاج إلى الملطف لينفذ في المجاري، ولئلا يحدث السدد (والشراب) المناسب لهذا الفصل (القوي) كماء الزبيب ونحوه، مما يقاوم برد الهواء، ويسخن البدن. (والقيء فيه يضعف) لأن الأخلاط في الشتاء منجمدة، فإخراجها بالقيء يحتاج إلى حركات عنيفة، وذلك يوجب إرهاقاً وضعفاً، ولان ذلك موجب لعسر مرور الخلط من المجاري فيتعبها، وذلك موجب للضعف (والحركات القوية العنيفة فيه) أي في الشتاء (نافعة).
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:42

    كيفية المعالجة من الأمراض

    الجزء الثاني، من جزئي الجزء العملي من الطب: في معالجات المرضى بقول كلي: العلاج يتم بأجزاء ثلاثة: التدبير، والأدوية، وإعمال اليد. والتدبير هو: التصرف في الأسباب الستة الضرورية، وحكمه من جهة الكيفية حكم الأدوية، لكن للغذاء من جملته أحكام تخصه، فإنه قد يمنع كما في البحران، وعند المنتهى، لئلا تشتغل الطبيعة بهضمه عن دفع المرض، وعند النوب كذلك، ولئلا يكثر الكرب بحرارة الطبخ، وقد ينقص إما في كيفيته وإن كانت كميته كثيرة، كما يفعل بمن شهوته وهضمه قويتان وفي بدنه أخلاط كثيرة أو رديئة، فالغذاء الكثير يملأ المعدة، ويسد الشهوة وتشتغل المعدة، وبقلة تغذيته لا يزيد الأخلاط، وهذا مثل البقول والفواكه.

    وقد يعكس هذا كما يفعل بمن شهوته وهضمه ضعيفان وبدنه محتاج إلى التغذية، فبقلة مقداره يمكن هضمه واستمراؤه، وبكثرة تغذيته يقوي ويغذي، وقد ينقص كماً وكيفاً، كما إذا اجتمع مع ضعف الشهوة والهضم امتلاء بدني، وقد يكثر كماً وكيفاً كما يفعل بمن يُراد تهيئته للرياضة القوية.

    وقد يؤثر الغذاء اللطيف السريع النفوذ إذا لم تفِ القوة والمدة بهضم البطيء النفوذ، ويتوقاه بعد غذاء غليظ لئلا يهضم السريع النفوذ للطافته فلا يجد مسلكاً فيفسد ويُفسد، وقد يؤثر الغذاء الغليظ كما يفعل بمن يراد تبليد حس عضو منهيوجعه بأدنى سبب، ويتوقاه عند خوف السدد.

    والغذاء وإن كان صديق القوة، عدوها لصداقته المرض الذي هو عدوها، فلا يستعمل في المرض إلا ما لابد منه في التقوية، وكلما كان منتهى المرض أطول، كان الحاجة إلى قوة تحتمل المصارعات الكثيرة، فلهذا عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر، وكلما قرب المنتهى نقصنا الغذاء ثقةً بما سلف وتخفيفاً على القوة وقت جهادها. والأمراض التي منتهاها في الرابع وما دونه، الظاهر بقاء القوة هذه المدة، فلا حاجة فيها إلى التغذية. هذا إذا احتمل القوة، وإلا فلو ضعفت ولو في وقت البحران وجب الغذاء.

    وأما العلاج بالدواء، فله قوانين ثلاثة، أحدها: اختيار كيفيته، وذلك إنما يُهتدى إليه بعد معرفة نوع المرض ليعالج بالضد. وثانيها: اختيار وزنه ودرجة كيفيته، وذلك يحصل بالحدس من طبيعة العضو، ومقدار المرض، والجنس، والسن، والعادة، والفصل، والصناعة، والبلد، والسحنة، والقوة.

    أما طبيعة العضو فتتضمن أموراً أربعة: مزاجه، وخلقته، ووضعه، وقوته. فإذا تحققنا مزاج العضو الصحي ومزاجه المرضي، عرفنا كمية الخروج عن المزاج الصحي، فاخترنا من الدواء ما يقابله، وأما الخلقة: فمن الأعضاء ما يقنع بالدواء اللطيف إما لتخلخله، أو لأن له تجويفاً من جانبين، أو من جانب واحد.

    ومنها ما ليس كذلك، فيفتقر إلى الدواء القوي. وأما الوضع: فالعضو القريب يحتاج إلى ما قوته بقدر ما يقابل علته، والبعيد يحتاج إلى دواء أقوى. وأما القوة: فالعضو الذكي الحس أو الشريف أو الرئيس، لا يجسر عليه بدواء قوي، ولا تحلل مواده بغير قابض يخلط، ولا يورد عليه دواء له مخالفة كالزنجار، ولا يستفرغ مواده دفعة، وأما مقدار المرض: فالضعيف من المرض، يكفيه لا محالة الدواء الضعيف، والقوي يفتقر إلى الأقوى، وباقي العشرة ظاهر بالقياس إلى ما ذكر.

    وثالثها قانون وقته: وهو أن يعرف أن المرض في أي وقت من الأوقات الأربعة، مثلاً: الورم الحار إن كان في الابتداء، يستعمل عليه الرادع فقط، وإن كان في الانتهاء، المحلل وحده، وفيما بين ذلك، يمزج بينهما، وفي الانحطاط يقتصر على المحللات الصرفة.

    ومن المعالجات الجيدة المشتركة لأكثر الأمراض: الفرح، ولقاء من يسر به، وملازمة من يستحي المريض منه ويستأنس بحضرته، حتى ربما برئ المدنف من العشاق برؤية معشوقه بعد الخفاء دفعة، وكذلك الروائح اللذيذة، والأسماع الطيبة، وربما نفع الانتقال من هواء إلى هواء آخر، ومن مسكن إلى مسكن آخر، ومن فصل إلى فصل آخر. وقد ينفع تغير الهيئات، كما ينفع الانتصاب من وجع الظهر، والنظر الشزر إلى شيء يلوح من الحول. والمعالجات أمراض التركيب، وتفرق الاتصال الأولى تأخيرها إلى الكلام الجزئي.

    فلنتكلم في علاج أمراض سوء المزاج: وسوء المزاج إما مستحكم، وتدبيره المعالجة بالضد، والبارد سهل الزوال في ابتدائه، عسر في انتهائه. والحار بالضد والتجفيف أسهل وأقصر مدة من الترطيب، وأما في طريق أن يكون، وتدبيره التقدم بالحفظ بإزالة سببه، وأما في أول الكون، وتدبيره بهما معاً، وسوء المزاج إن كان ساذجاً كفى فيه التبديل، وإن كان مادياً استفرغت مادته، فإن تخلف بعده بدل.

    (الجزء الثاني، من جزئي الجزء العملي من الطب: في معالجات المرضى بقول كلي) وإعطاء قواعد كلية للغذاء والدواء والعمل، ليزداد الإنسان بها بصيرة في العلاج، فنقول: (العلاج يتم بأجزاء ثلاثة): إما بمجتمعها، أو ببعضها (التدبير) للغذاء وغيره (والأدوية) أي العقاقير ونحوها (وإعمال اليد) التي هي عبارة عن جبر العظم المكسور، ورد العظم المخلوع والربط للجرح ونحوه، والقطع للشيء الزائد، والكي بالنار، والخياطة.

    (والتدبير) في اصطلاح الطب (هو: التصرف في الأسباب الستة الضرورية) التي تقدم تفصيلها (وحكمه) أي حكم التدبير (من جهة الكيفية حكم الأدوية) فكما أن الأدوية تسخن وتحلل وهكذا، كذلك الغذاء والهواء ونحوهما (لكن للغذاء من جملته) أي من جملة التدبير (أحكام تخصه) من جهة الكمية، فيمنع تارة، ويعدل أخرى، ويقلل ثالثة، ويكثر رابعة (فإنه قد يمنع، كما في البحران) الذي هو التصادم للصحة مع المرض، كما تقدم (وعند المنتهى) للمرض (لئلا تشتغل الطبيعة بهضمه عن دفع المرض) فإن الطبيعة إذا عملت في الغذاء نقص عملها في دفع المرض، وذلك ضار في البحران (وعند النوب كذلك) أي لئلا تشتغل الطبيعة بالهضم عن الدفع للمرض (ولئلا يكثر الكرب بحرارة الطبخ) وتضاف على حرارة الحمى (وقد ينقص) الغذاء في الكيفية أو في الكمية أو فيهما (إما في كيفيته) بأن يكون قليل الغذائية (وإن كانت كميته كثيرة) بمعنى كبر حجمه (كما يفعل بمن شهوته) إلى الطعام (وهضمه) له (قويتان وفي بدنه أخلاط كثيرة) مما يكون معه ممتلئ الأوعية وإن كانت الأخلاط صالحة، فإه إذا أكل ما له كيفية كثيرة أوجب ذلك تمديد في الأوعية وربما شقا في بعضها (أو) أخلاط (رديئة) وإن كانت قليلة حتى تكون الأوعية ممتلئة بحسب القوة (فالغذاء الكثير) كميةً (يملأ المعدة ويسد الشهوة) إلى الطعام ويخمدها (وتشتغل المعدة) بهضمه (وبـ) سبب (قلة تغذيته لا يزيد الأخلاط) فيكون مأمون الضرر (وهذا) الغذاء القليل الكيفية (مثل البقول والفواكه) وما أشبهها.

    (وقد يعكس هذا) فيكون الغذاء قليل الكمية كثير الكيفية (كما يفعل بمن شهوته وهضمه ضعيفان) فلا يتطلبان غذاءاً كثيراً (وبدنه محتاج إلى التغذية) لضعف قوة ونحوه (فبقلة مقداره) أي مقدار الغذاء (يمكن هضمه واستمراؤه) لما يقوي الهاضمة على الهضم إذا كان الغذاء قليلاً (وبكثرة تغذيته يقوي ويغذي) وذلك كصفرة البيض النيمبرشت ومرق اللحم.

    (وقد ينقص) الغذاء (كماً وكيفاً، كما إذا اجتمع مع ضعف الشهوة والهضم امتلاء بدني) فالأول يسبب القلة كماً، والثاني القلة كيفاً (وقد يكثر) الغذاء (كماً وكيفاً، كما يفعل بمن يراد تهيئته للرياضة القوية) حتى لا يتحلل الغذاء، بسبب كثرته من الرياضة الموجبة لتحليل القوى.

    (وقد يؤثر الغذاء اللطيف) الذي يكون الخلط المتولد عنه رقيقاً (السريع النفوذ) في المجاري والأوعية (إذا لم تفِ القوة والمدة بهضم البطيء النفوذ) كما إذا كانت القوة ضعيفة لا تقدر على هضم الغليظ وإيصاله إلى الأعضاء، أو كانت المدة المحتاج إليها في هضم الغليظ كثيرةً، حتى أن نوبة الحمى تأتي ولما ينهضم بعد، فإنه يجتمع حينئذ حرارة الحمّى مع حرارة الطبخ، وذلك موجب لاشتعال الروح وإنهاكها (ويتوقاه) أي يتوقى الإنسان الغذاء اللطيف (بعد غذاء غليظ) فلا يأكله عقبه (لئلا يهضم السريع النفوذ للطفاته، فلا يجد مسلكاً) إلى المجاري والأوعية، لكون الغليظ واقفاً في طريقه، لأنه لم يهضم بعد (فيفسد) السريع لبقائه في المعدة بعد الهضم (ويُفسد) الغليظ أيضاً لاختلاطه به (وقد يؤثر الغذاء الغليظ، كما يفعل بمن يراد تبليد) من البلاد ضد الذكاء (حس عضو منه) فإنه إذا كان عضو (يوجعه) أي يوجع الإنسان (بأدنى سبب) لذكاء حسه، كان اللازم أن يأكل الإنسان الغذاء الغليظ ليتولد منه دم غليظ وهو موجب لإخماد الذكاء، إذ هو وليد الحركة السريعة ـ كما تقدم ـ فإذا صار الدم غليظاً تبلد ولم يتألم بمجرد سبب بسيط، كما يكون الرأس كذلك (ويتوقاه) أي الطعام الغليظ (عند خوف السدد) إذ الغليظ لا يسرع نفوذه في المجاري، فربما وقف في مضيق، فتحدث السدة.

    (والغذاء وإن كان صديق القوة) لأنه يولـــد الدم المولد للقوة، لكنه (عدوها) باعتبار آخر (لصداقته) أي صداقة الغذاء (المرض الذي هو عدوها) أي عدو القوة، فإن الغذاء كما يولد القوة كذلك يولد مادة المرض وقوته، والمرض عدو القوة فيكون الغذاء عدواً وصديقاً باعتبارين (فلا يستعمل في المرض إلا ما لابد منه في التقوية) لدفع المرض، ولبقاء الروح التي لابد منها في الحياة، بأن يترك الطفليات وما أشبهها (وكلما كان منتهى المرض أطول، كان الحاجة إلى قوة تحتمل المصارعات الكثيرة) ولو يدوم المرض شهراً، كان اللازم مراعاة الغذاء الذي يتمكن من مقاومة المرض شهراً، أما لو قلل الغذاء حتى ذهبت القوة المقاومة قبل شهر، يكون المرض في آخر الشهر أقوى من القوة المكافحة، فيغلب المرض وينتهي إلى العطب (فلهذا) الذي ذكرنا (عنايتنا) معاشر الأطباء (بالقوة في الأمراض المزمنة) التي تبقى مدة (أكثر) من عنايتنا بها في سائر الأمراض (وكلما قرب المنتهى) للمرض (نقصنا الغذاء ثقةً بما سلف) من القوة (وتخفيفاً على القوة) الصحية (وقت جهادها) مع المرض فلا تشتغل القوة بأمرين طبخ الغذاء وجهاد المرض، فتضعف في المقاومة (والأمراض التي منتهاها في الرابع وما دونه، الظاهر بقاء القوة هذه المدة فلا حاجة فيها) أي في القوة (إلى التغذية) لئلا نحمل الطبيعة هضم الطعام وهي مشغولة بالجهاد مع المرض، فتضعف عن المقاومة كما تقدم، و(هذا) الذي ذكرنا من عدم الغذاء (إذا احتمل القوة) لذلك، بأن لا تضعف من عدم الغذاء، أكثر من ضعفها بالهضم (وإلا فلو ضعفت) ضعفاً أكثر من ضعف الهضم (ولو في وقت البحران، وجب الغذاء) كما لا يخفى ترجيحاً لأخف المحذورين.

    ذكرنا أن العلاج بقول كلي يتم بأمور ثلاثة: التدبير، والأدوية، وإعمال اليد، وحيث انتهينا عن بيان الأول. فنقول في بيان الثاني: (وأما العلاج بالدواء فله قوانين ثلاثة، أحدها: اختيار كيفيته) أي كيفية الدواء من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة، وكونه مفتحاً أو قابضاً أو ما أشبه ذلك (وذلك) أن اختيار كيفية الدواء (إنما يُهتدى إليه بعد معرفة نوع المرض ليعالج بالضد) فإذا كان المرض حاراً عولج بالبارد، وإذا كان يابساً عولج بالرطب، وإذا كان مقبضاً عولج بالمفتح، والعكس بالعكس، وهكذا في سائر الخصوصيات. (وثانيها: اختيار وزنه) قليلاً أو كثيراً (و) اختيار (درجة كيفيته) أي درجة حرارة الدواء وبرودته. فقد ذكروا للأدوية درجات كما في كتب الطب (وذلك) الاختيار (يحصل بالحدس) حول المرض، فإن المرض إذا عرف، وأنه في أية رتبة من الحرارة والبرودة، شديدة أو ضعيفة، وهكذا سائر الصفات، تمكن الطبيب من اختيار الدواء الصالح، فمثلاً لو كانت طبيعة حارة جداً، احتاجت إلى مبرد قوي ذو درجة عالية في التبريد، وهذا الحدس إنما يحصل (من طبيعة العضو) فالقلب حار والشحم بارد (ومقدار المرض) لكون الحمى ذات حرارة شديدة أو خفيفة (والجنس) فالمريض ذكر أو أنثى (والسن) صغير أو كبير (والعادة) عادته الأكل كثيراً أو قليلاً، وشرب الماء بكثرة أم لا (والفصل) بكون المرض في الشتاء، أو الصيف، أو الربيع، أو الخريف (والصناعة) فمن يعمل في الجص يكون مزاجه جافاً، ومن يعمل في عصر الدهن يكون ليناً (والبلد) في الصحراء، أو على البحر (والسحنة) وهي بشرة الوجه وهيئته، فقد تدل على غلبة الصفراء إذا كانت صفراء وهكذا (والقوة) هل هو قوي المزاج ليحتمل الدواء القوي أم لا، وهكذا بعض الأمور الأُخر المرتبطة بالمرض.

    (أما طبيعة العضو فتتضمن أموراً أربعة: مزاجه) الحار أو البارد، أو نحوهما (وخلقته) أي شكله وخشونته ولينه ونحوها (ووضعه) قريب أو بعيد (وقوته) قوي أو ضعيف (فإذا تحققنا مزاج العضو الصحي ومزاجه المرضي، عرفنا كمية الخروج) أي مقدار خروج العضو (عن المزاج الصحي) إلى المزاج المرضي، وأنه كثير أو قليل (فاخترنا من الدواء ما يقابله) بحسب الكيفية والوزن، فإن كان المزاج الصحي بارداً والمرض حاراً، كان البعد كثيراً، واحتاج إلى دواء كثير كميةً، قوي كيفيةً، لترد الصحة، وإن كان المزاج والمرض كلاهما، حاراًً كان الانحراف إلى الحرارة الزائدة قليلاً، واكتفينا بالتبريد اليسير، فليقلل الدواء البارد كميةً وكيفيةً، وهكذا.

    (وأما الخلقة: فمن الأعضاء ما يقنع بالدواء اللطيف) أي الضعيف درجته، والقليل وزنه (إما لتخلخله) أي تخلخل العضو، فيصل الدواء القليل إليه سريعاً، كالرئة التي هي كالإسفنج (أو لأن له تجويفاً من جانبين) فهو واقع في فراغ، وفي باطنه تجويف، كالرئة أيضاً، فهي واقعة في تجويف الصدر، وفي باطنها تجاويف قصبة الرثة (أو من جانب واحد) بأن يكون العضو في تجويف، كأعصاب الصدر، التي هي في تجويف الصدر، أو يكون للعضو تجويف كالأوردة والشرايين التي لها تجاويف، وإنما يقنع ذو التجويف بالدواء القليل، لسرعة وصول الدواء إليه (ومنها) أي من الأعضاء (ما ليس كذلك) فلا يقنع بالدواء اللطيف، لكونه مصمتاً لا تجويف له (فيفتقر إلى الدواء القوي) كميةً وكيفيةً (وأما الوضع: فالعضو القريب) من مدخل الدواء كالحنجرة (يحتاج إلى ما قوته بقدر ما يقابل علته) أي الدواء الذي له قوة بقدر العلة، إذ الدواء يصل رأساً إليه، فلا يلزم أن يكون الدواء أقوى (والبعيد) من مدخل الدواء كالقلب (يحتاج إلى دواء أقوى) من العلة، بقدر ما ينكسر من قوة الدواء، بسبب تصرف الأعضاء، حتى يصل إلى العضو المريض، فمثلاً: لو كانت العلة تحتاج إلى ربع مثقال من الدواء، ولكن تصرف الأعضاء في الدواء إلى أن يصل إلى المرض يوجب ذهاب ثلاثة أرباعه، لزم شرب مثقال من الدواء لكي يصل ربعه إلى المرض. (وأما القوة: فالعضو الذكي الحس) كالعين (أو الشريف) كالرئة (أو الرئيس) كالقلب (لا يجسر عليه بدواء قوي) إذ ذكاوة العضو لا تكون إلا بسبب لطافته، والدواء القوي يوجب كبت اللطافة والإضرار بها، وشرافته ورئاسته توجبان الاهتمام بها، إذ الدواء القوي معرض للإخلال (ولا تحلل مواده) أي مواد الثلاثة (بغير قابض يخلط) بالمحلل حتى لا تتحلل قواه أجمع، فإن القابض يحفظ القوة، والمحلل يحلل المادة (ولا يورد عليه دواء له مخالفة) للطبيعة الإنسانية (كالزنجار) لخطر مثل هذا الدواء على الأعضاء الشريفة (ولا يستفرغ مواده دفعة) لأن الأرواح تفنى لدى الاستفراغ، وزهوق أرواح هذه الأعضاء ضار ومضر. (وأما مقدار المرض: فالضعيف من المرض) الذي يكون خروجه عن الاعتدال قليلاً كحرارة يسيرة (يكفيه لا محالة الدواء الضعيف) إذ الدواء يجب أن يكون بمقدار الداء (والقوي) من المرض الذي يكون خروجه عن الاعتدال كثيراً، كالحرارة الكثيرة (يفتقر إلى) الدواء (الأقوى) حتى يتمكن من مكافحة المرض القوي (وباقي العشرة) من الجنس، والسن، الخ (ظاهر بالقياس إلى ما ذكر) وقد ألمحنا إلى ذلك في شرح ألفاظها.

    ذكرنا أن الدواء من العلاج ـ الذي يتم بالتدبير، والدواء، وعمل اليد ـ له قوانين ثلاثة: اختيار الكيفية، واختيار الوزن، والوقت. وقد تقدم أمران منه، فنقول: (وثالثها) أي ثالث قوانين العلاج بالدواء (قانون وقته) أي وقت استعمال الدواء (وهو أن يعرف أن المرض في أي وقت من الأوقات الأربعة) الابتداء، والانتهاء، وما بينهما، والانحطاط (مثلاً: الورم الحار إن كان في الابتداء، يستعمل عليه الرادع فقط) فيستعمل الدواء المبرد للعضو ليثخن، فلا تنصب إليه العلل والمواد بسبب لطافته (وإن كان) الورم (في الانتهاء) بأن تم دور الورم، يستعمل (المحلل وحده) مع المرخي، بأن يرقق المادة، لتخرج أو تتبخر (وفيما بين ذلك) بأن كان في وقت التزايد، قبل الانتهاء وبعد الانتهاء (يمزج بينهما) أي بين الرادع ليمنع من الزيادة، والمحلل ليحلل المادة الموجودة (وفي الانحطاط) وبعد شروع الورم في الانتهاء مقابل التزايد (يقتصر على المحللات الصرفة) بدون المرخي لعدم الاحتياج إليه.

    (ومن المعالجات الجيدة المشتركة لأكثر الأمراض: الفرح ولقاء من يسر) المريض (به وملازمة من يستحي المريض منه، ويستأنس بحضرته) لأن ذلك كله موجب لانبساط النفس، فتؤثر على البدن بالصحة، كما ثبت في علم النفس (حتى ربما برئ المدنف من العشاق برؤية معشوقه بعد الخفاء دفعة) لما انشرحت نفسه وفرحت، فزال المدنف بالكلية، ولذلك قصص وشواهد (وكذلك) من المعالجات الجيدة المشتركة لأكثر الأمراض: (الروائح اللذيذة، والأسماع الطيبة) فإنهما بانشراحهما النفس يوجبان دفع الأمراض ولو في الجملة، لما تقدم من تأثير النفس في البدن (وربما نفع) المريض (الانتقال من هواء إلى هواء آخر) فإن الأهوية تختلف، فالمرطوب المزاج، إذا انتقل من هواء رطب إلى هواء حار نفعه، وهكذا (ومن مسكن إلى مسكن آخر) لتغير المساكن بسبب القدم والجدة، وبسبب اختلاف هوائها، وبسبب انشراح النفس في بعضها دون بعض، فتؤثر النفس في البدن (ومن فصل إلى فصل آخر) لما عرفت في اختلاف الهواء (قد ينفع) المريض (تغير الهيئات، كما ينفع الانتصاب من وجع الظهر) الحادث بسبب الانحناء وبالعكس (و) كما ينفع (النظر الشزر إلى شيء يلوح من الحول) بالنسبة إلى الصبيان الذين لم تتصلب بعد أعضاؤهم (ومعالجات أمراض التركيب، و) أمراض (تفرق الاتصال الأولى تأخيرها إلى الكلام الجزئي) لعسر ضبطها تحت قواعد كلية.

    (فلنتكلم في علاج أمراض سوء المزاج) لما لها من القواعد الكلية (و) القوانين المطردة، فنقول: (سوء المزاج) إما قبل الكون، وإما بعد الكون قبل الاستحكام، وإما بعد الاستحكام. فـ (أما مستحكم) بأن كمل حصوله (وتدبيره المعالجة بالضد) فالحار يعالج بالبارد، والبارد يعالج بالحار، وهكذا (و) سوء المزاج (البارد سهل الزوال في ابتدائه، عسر في انتهائه) لا المرض البارد، في أوله ضعيف، لوجود الحرارة الغريزية وقوتها، فإذا انضم إليها دواء حار تعاوناً في رفع البرودة، بخلاف آخر المرض فإن الغريزية تضعف بطول بقائه، فلا تتمكن من مناصرة الأداء الحار ليدفع البرودة (و) سوء المزاج (الحار بالضد) عسر الزوال في ابتدائه، سهل في انتهائه، إذ الحرارة الغريزية تعينه في أول الوقت فيعسر إزالته بالمبرد، وذلك بخلاف انتهائه، فإن الحرارة في أواخرها ضعيفة، لعدم معاون لها من الغريزية لضعفها بسبب طول المرض، فيكون سهل الزوال بمبرد ضعيف (والتجفيف أسهل وأقصر مدة من الترطيب) لأن التجفيف يعينه الحر الداخلي والخارجي، بخلاف الترطيب فإن الحرارتين تقاومانه (وأما في طريق أن يكون) عطف على (إما مستحكم) بأن تهيأ البدن له، لكنه لم يطرأ المرض بعد (وتدبيره التقدم بالحفظ) للصحة (بإزالة سببه) أي سبب المرض، يريد أن يطرأ في المستقبل (وأما في أول الكون) بأن طرأ لكنه لم يستحكم بعد (وتدبيره لهما) أي بالعلاج بالضد لما ورد منه، والتقدم بالحفظ لما يرد منه (معاً) لأنه ذو جزئين جزء آت، وجزء لم يأت (وسوء المزاج إن كان ساذجاً) أي لم يكن له مادة (كفى فيه التبديل) بأن يستعمل ما يضاده في الكيفية (وإن كان مادياً) بأن كان له مادة (استفرغت مادته) الموجبة لسوء المزاج أولاً (فإن تخلف بعده) شيء من السوء (بدل) لأنه حينئذ يكون ساذجاً، فإن ساء مزاج اليد بالحرارة لخراج، استفرغ الخراج، ثم بدل مزاج اليد بالمبردات، وهكذا.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:44

    الاستفراغ أحد الطرق العلاجية

    الأشياء التي يجب مراعاتها في كل استفراغ عشرة، الأول: الامتلاء فالخلاء لا محالة مانع، وثانيها: القوة والضعف، مانع إلا أنه ربما كان ضعف قوة الحركة أسهل كثيراً من ترك الاستفراغ ثم يقوي القوى، وثالثها: المزاج، فإفراط الحرارة واليبس، أو إفراط البرودة، وقلة الدم مانع، ورابعها: السحنة، فإفراط القصافة والتخلخل، وإفراط السمن مانع، وخامسها: الأعراض، فالاستعداد للذوب وقروع الأمعاء، وسادسها: السن، فالهرم والطفولية مانع، وسابعها: الوقت، فالقايض، وشديد البرد مانع، ثامنها: البلد، فالحار والبارد المفرطان مانع، وتاسعها: الصناعة، فالشديد التحليل كالمقيم في الحمام مانع، وعاشرها: العادة، فمن لم يعتد الاستفراغ لا يهجم على استفراغه بدواء قوي.

    وينبغي أن يقــــصد في كل استفراغ خمسة أمور، الأول: إخراج مــا يؤذي بكميته أو بكيفيته، الثاني: أن يكون بقدر محتمل،

    ولا تهولنك كثرة ما يخرج، بل مادام الاستفراغ مما ينبغي أن يستفرغ، والمريض متحمل له، فلا تخف من إفراطه، وإذا سقيت مسهلاً للصفراء فانتهى إلى البلغم فقد بالغ، فكيف إلى السوداء، وأما الدم فأمره خطر، والعطش والنعاس عقيب الإسهال، أو القيء، يدلان على النقاء. الثالث: أن يكون من جهة ميل المادة، والغثيان تنقى مادته بالقيء.

    والمغص ينقى بالإسهال. الرابع: أن يكون منه مخرجاً طبيعياً، وأن يكون العضو المنقول إليه المادة أخس، وأن يكون مشاركاً للمأوف كالباسليق الأيمن لعلل الكبد، وأن يكون صبوراً على ما يرد عليه. الخامس: أن يكون بعد الإنضاج، وجوباً في الأمراض المزمنة، واستحباباً في الحادثة، إلا أن تكون المادة مهتاجة، فيكون ضرر تركها أكثر من ضرر استفراغها غير نضجة.

    وقد تجذب المادة من عضو شريف، فيجب أن ينتحي عنه إلى أخس منه مخالف لجهته، وإن لم تستفرغ كما يفعل بالمحاجم، والجذب قد يكون إلى الخلاف القريب، وقد يكون إلى الخلاف البعيد، فيشترط فيه أن لا يتباعدا في قطرين، فإذا أورمت اليد اليمنى فلا تجذب إلى الرجل اليسرى، بل إما إلى الرجل اليمنى وهو أفضل لأنه أبعد، أو إلى اليد اليسرى.

    وينبغي أن لا تجذب المادة مع امتلاء، ولامع توجه مادة أخرى إليه، فيندفع إلى العضو ما يعسر دفعه إلى حيث يجذب عنه، ويسكن أولاً الوجع، فإنه جاذب فيتعارض جذبك وجذبه، وإذا أوجب الفصد والإسهال وكانت الأخلاط على النسبة الطبيعية بدء بالفصد، فإن غلب خلط استفرغ ذلك بما يوافقه، وإن لم يكن كذلك استفرغ الغالب أولاً ثم فصد، وليكن بينهما مهلة.

    وكثيراً ما أوقع شرب الدواء الواجب فيه الفصد في حمّى واضطراب، وقد يؤمر بالاستفراغ، لا لزيادة في كمية الأخلاط، بل لرداءة كيفيتها، أو للاستظهار، أو للتقدم بالحفظ لمن اعتاده مرض، وخصوصاً في الربيع، وقد يعاف عن الاستفراغ فيستبدل عنه بالصوم والنوم، فينبغي أن يتدارك سوء مزاج يوجبه، وقد يستفرغ البدن بالمجففات، كالنوم على الرمل للمستسقي، وقد يحتاج إلى أدوية تناسب الخلط في كيفيته، فيعدلها بتركيبها بما يوافقها في الإسهال ويعدل كيفيتها، كالإهليلج الأصفر لتعديل المحمودة، وهي حارة عند استفراغك الصفراء.

    وقد ينقلب المسهل مقيئاً إما لضعف المعدة، أو كون المستفـــرغ ذا تخم، أو ليبوسة الثفل، أو لكراهية الدواء، وقد ينقلب المقيئ مسهلاً، إما لشدة الجوع، أو لكون المتقيئ ذرباً، أو لكونه غير معتاد للقيء، والشاب أخلق بالقيء لصفراويته المطيعة للقيء، بخلاف السوداء، وأما البلغم فبين بين.

    والدواء يسهل بقوة جاذبيته لما يختص بها، لا لأنه يجذب الأرق أولاً، ولا للمشاكلة وإلا لجذب الذهب ذهباً يغلبه بالكثرة. وجالينوس يقول ذلك ويزعم: أن غير السمي من الأدوية، إذا لم يسهل، ولد الخلط الذي من شأنه أن يجذبه لأجل المشاكلة، وكذلك يكثر ذلك الخلط في البدن، والحق: إنه ليس كذلك وإن تلك الكثرة لتحرك ذلك الخلط وسيلانه واستحالة غيره إليه، بسبب غلبته عليه.

    والحمام قبل الدواء معين عليه، وبعده بيوم محلل لما بقي، ومـــعه قاطع لفعله، والأكل يقطع عمل أكثر الأدوية لاشتغال الطبيعة عن الدفع، ولاختلاط الدواء به فيكسر قوته، ومن لم يصبر على الاستفراغ على الريق أخذ قبل شرب الدواء شيئاً قليلاً، مثل ماء الشعير، وماء الرمان، وإن أخذ عقيب استعمال الدواء مثل الرمان، فربما أعان بعصره.

    والنوم على الدواء الضعيف يقطعه أو يضعفه، وعلى الدواء القوي يقوي فعله، والنوم بعد عملهما قاطع. ومن عاف الدواء فليمضغ الطرخون، وأبلغ منه ورق العناب، وقد يُخدر الذوق بالثلج. ومن تنفر عن رائحته سد منخريه، ومن خاف القذف شد أطرافه، وتناول بعده قابضاً مقوياً للمعدة، كالرمان، والريباس، والتفاح، والنعناع.

    والماء الحار يشرب منه قدراً يذيب وما يشبهه، وأما عند قطع عمل الدواء فقدر ما يخرجه، ومن وجد مغصاً فليتجرع ماءاً حاراً، وليمش خطوات، وأما عند قطع الدواء فليشرب المحرور بزر قطونا بشراب التفاح وسكر، والمعتدل المزاج يستعمل ذلك مع بزر ريحان، والمبرود قد يقتصر عليه، دون بزر قطونا.

    وليكن الغذاء بعد الإسهال والقيء شيئاً لذيذاً، جيد الجوهر، صالح الكيموس، كالفروج. وينقص الأكل عن المقدار المعتاد، فإن الأعضاء لخلوها، فإن عاونتها المعدة المثقلة حدثت سدد وصعب الأمر.

    ومن شرب الدواء ولم يسهله لضيق المجاري، وطالت المدة، وأمكن التسكين فعل، وإلا حرك بأكل القوابض، أو بالحقن اللينة، أو بالفتل المسهلة. وأما تحريكه بأن جمع مسهلين في يوم واحد فخطر، وربما احتيج إلى الفصد إن حصلت أعمال منكرة ومالت المواد إلى عضو رئيس، ومن أفرط عليه الدواء بالإسهال فليشد أطرافه ويسقى القوابض، ويضمد بها بطنه، ويطيب بالطيب البارد.

    حيث ذكرنا الاستفراغ، نقول: (الأشياء التي يجب مراعاتها في كل استفراغ عشرة) فإذا فات بعضها لم يجز الاستفراغ (الأول: الامتلاء) بأن تمتلئ الأوعية من الخلط أو المادة لكي يستفرغان (فالخلاء لا محالة مانع) لأنه موجب لخروج الخلط الصالح (وثانيها: القوة) للإنسان المريد للاستفراغ (والضعف مانع) لأنه يوجب وهناً على وهن، ويكون ضره أقرب من نفعه (إلا أنه ربما كان ضعف قوة الحركة أسهل كثيراً من ترك الاستفراغ) إذ ضرر الامتلاء عام لجميع البدن، بخلاف ضعف القوة، فيتقدم الاستفراغ (ثم يقوي القوى) بعده. ولا يخفى أن الضعف من الاستفراغ إنما يحصل في قوة الحركة لا في الحس، فإن الحس لا يضعف بالاستفراغ (وثالثها: المزاج، فإفراط الحرارة واليبس، أو إفراط البرودة، وقلة الدم مانع) عن الاستفراغ، لأن الرطوبات الغاذية فيهما تكون قليلة، فالاستفراغ يزيدها قلةً، وقلة الرطوبة مورثة للأمراض (ورابعها: السحنة) وهي حالة الإنسان (فإفراط القصافة) أي الهزال (والتخلخل) للبدن كما في الهواء الحار (وإفراط السمن مانع) عن الاستفراغ، أما القصيف، فلأن رطوباته الغاية قليلة، فالاستفراغ يوجب نفادها، أو قلة ضارة كما تقدم، وأما السمين، فلأن العروق إذا نقص ما فيها ضغط عليها اللحم والسمن لعدم المقاوم، وذلك يسبب انسدادها وضعف الروح فيها، وربما سبب انصباب بعض الفضول إلى الأعضاء (وخامسها: الأعراض) اللازمة (فالاستعداد للذوب) بزلق المعدة (وقروع الأمعاء) مانع عن الاستفراغ، فإن في الأول خوف أن لا ينقطع الاستفراغ لاستعداد الذرب له، وفي الثاني يخشى على الأمعاء من السجح والتجرح والخدش (وسادسها: السن، فالهرم والطفولية مانع) أما الهرم فلضعفه، فربما سبب الاستفراغ انطفاء قوته بالكلية، وأما الطفولية فلتضعيف الاستفراغ قواه ورطوباته، وهما مطلوبان فيه لأنه بصدد النشوء والارتقاء (وسابعها: الوقت، فالقايض) الشديد الحر (وشديد البرد مانع) أما الحر فلأن القوى فيه ضعيفة واهنة، فلا يُزاد على ضعفها ضعف المسهل، وأما البرد فلأن الأخلاط فيه جامدة للبرد، فهي لا تطاوع المسهل في الإخراج، ويكون موجباً للأذية (وثامنها: البلد، فالحار والبارد المفرطان مانع) لما ذكر في الوقت (وتاسعها: الصناعة، فالشديد التحليل كالمقيم في الحمام مانع) لأن المواد فيه ضعيفة فلا مورد للمسهل، وكذلك الذي يعمل في الثلج لأنه بعكسه مجمدة المادة، فلا تجاوب الأخلاط للمسهل (وعاشرها: العادة، فمن لم يعتد الاستفراغ لا يهجم على استفراغه بدواء قوي) لأن الطبيعة قد اعتادت التحليل بطرق أخرى، فالمسهل القوي يورث ضعفاً في القوى، لأنه على خلاف العادة.

    (وينبغي أن يقصد في كل استفراغ خمسة أمور، الأول: إخراج ما يؤذي) البدن (بكميته) بأن كانت الأخلاط زائدة على المتعارف (أو بكيفيته) بأن كانت رديئة، فإنه ينبغي إخراج الزائد في الأول، والرديء في الثاني (الثاني: أن يكون) الإخراج (بقدر محتمل) للبدن، فلو كان الكم زائداً، لكن كان إخراج جميع الزائد موجباً للضعف المفرط، لا يخرج جميع الزائد، بل القدر الذي يحتمل البدن إخراجه (ولا تهولنك كثرة ما يخرج) من الأخلاط، إذ ربما كثر قدر المخرج بما يوجب هول المريض، واحتماله أن بدنه يخلو من الدم مثلاً (بل ما دام الاستفراغ مما ينبغي أن يستفرغ) حسب تعيين الطبيب (والمريض متحمل له) لا يسبب له الاستفراغ ضعفاً مفرطاً، أو غشوة أو نحوهما (فلا تخف من إفراطه) لأنه ليس بمفرط واقعاً، وإن ظن كونه كذلك (وإذا سقيت مسهلاً للصفراء، فانتهى) الإسهال (إلى البلغم فقد بالغ) في تنقية البدن، لأنه نقى ما في البدن من الصفراء، الزائدة حتى انتهى إلى إخراج البلغم (فكيف) إذا انتهى الإسهال (إلى السوداء) فأخرجها فإنه يدل على إفراط المسهل، حتى إنه أخرج هذا الخلط العسر جداً (وأما الدم) إذا خرج بعد مسهل الصفراء (فأمره خطر) لأنه يدل على ضعف القوة، حتى أنها لم تتمكن من التحفظ على الدم والطيبعة ضنينة به لا تخرجه إلا بقدر وبقاهر. (والعطش والنعاس عقيب الإسهال، أو القيء، يدلان على النقاء) لأن الطبيعة إذا خلت من الرطوبة التابعة للخلط تطلبت الماء لتتحفظ على المعتاد من رطوبتها، هذا بالنسبة إلى العطش، وأما النوم فلأن الطبيعة لا تميل إليه وهي مشغولة بالتنقية للخلط الذي هو كَلّ عليها، فإذا فرغت منه طلبت الراحة، لتوفر على القوة والروح ما فقدتاه من الأجزاء حال الإسهال والقيء (الثالث) من مقاصد الاستفراغ الخمسة: (أن يكون) الاستفراغ (من جهة ميل المادة، فالغثيان تنقى مادته بالقيء) لأنه دليل على أن الطبيعة تميل إلى الاستفراغ من الجانب الأعلى. (والمغص) وهو وجع البطن والتواء الأمعاء (ينقى بالإسهال) لما تقدم، وإنما يخصص الإسهال بجهة ميل المادة، لأنه أسهل لتعاون الطبيعة والدواء على الإفراغ حينئذ، بخلاف العكس لتضادهما حينئذ، مما يوجب صعوبةً وعسراً (الرابع: أن يكون ما يخرج منه مخرجاً طبيعياً) قال في الشرح: كأعضاء البول لحدبة الكبد، والأمعاء لتقعيرها، فلو استفرغت مادة الحدبة من الأمعاء كان منافياً للأمر الطبيعي وتعارضه الطبيعة بالدفع (وأن يكون العضو المنقول إليه المادة أخس) من العضو المنقول منه، كتوجيه مادة النزلة إلى الأنف لتستفرغ منه، لا إلى الصدر فيستفرغ بالنفث، لأن الرئة أشرف (وأن يكون) العضو المنقول إليه المادة (مشاركاً للمأوف) فلا يستفرغ مادة الأمعاء من المثانة، لصعوبة ذلك جداً و(كالباسليق الأيمن لعلل الكبد) للتشارك القريب بينهما، بخلاف القيفال، فلا يستفرغ مادتها منه (وأن يكون) العضو المنقول إليه المادة (صبوراً على ما يرد عليه) فلا تستفرغ مادة النزلة من الصدر بسبب النفث، لعدم صبر الرئة على ذلك، لكونها ضعيفة المزاج شريفة (الخامس) من مقاصد الاستفراغ: (أن يكون) الاستفراغ (بعد الإنضاج) للمادة، بأن يشرب قبل الاستفراغ ما يجعل المادة ناضجة قابلة للاستفراغ (وجوباً في الأمراض المزمنة) لأن موادها عاصية لزجة، فلا تطاوع الإفراغ لو لم تنضج (واستحباباً في الحادثة) للجزم بالإفراغ بعد الإنضاج وعدم الجزم قبله، ولا ضرر في تأخير الاستفراغ فيها (إلا أن تكون المادة مهتاجة) في هيجان واضطراب وحركة من عضو إلى عضو (فيكون ضرر تركها) في البدن المحتمل لانصبابها على الأعضاء الشريفة (أكثر من ضرر استفراغها غير نضجة) إذ غاية ضرر الاستفراغ كذلك، أن يخرج مع المادة بعض الأخلاط الصالحة، وأن يبقى في البدن بعض المادة الغليظة، وذلك أهون من انصبابها على الأعضاء الشريفة.

    (وقد تجذب المادة من عضو شريف) لئلا تجتمع فيه وتفسد (فيجب أن ينتحي عنه إلى أخس منه) لا مثله ولا أشرف منه، لأن الأول بلا فائدة مع صعوبة الجذب، والثاني كالفرار من المطر إلى الميزاب (مخالف) ذاك الأخس (لجهته) أي جهة العضو الشريف، فوقاً وتحتاً، ويساراً وخلفاً وقداماً، وذلك لأن الموافق له في الجهة مرت لحركة المادة إليه، إذ المادة تستمر في التجمع فإذا كان الأخس موافقاً مرت المادة لدى التجمع من ذاك العضو الشريف (وإن لم تستفرغ) من المجذوب إليه، و(إن) وصلية، أي تجذب المادة وإن لم تستفرغ، إذ المطلوب خلاص العضو الشريف من المادة وذلك يحصل بالنقل (كما يفعل بالمحاجم) حيث تجمع المادة بها بدون الاستفراغ (والجذب قد يكون إلى الخلاف القريب) أي الجانب المخالف القريب إلى العضو الذي توجهت المادة إليه أولاً، كأن تنقل مادة اليد اليمنى إلى اليد اليسرى (وقد يكون إلى الخلاف البعيد) كأن تنقل مادة اليد اليمنى إلى الرجل اليمنى (فيشترط فيه) أي في النقل إلى المخالف البعيد (أن لا يتباعدا) أي العضوان المنقول إليه (في قطرين) أي جهتين من البدن (فإذا أورمت اليد اليمنى فلا تجذب) ورمه (إلى الرجل اليسرى) لأن البعد بينهما في قطرين (بل إما إلى الرجل اليمنى وهو أفضل لأنه أبعد) ولكونه مأموناً من مرور المادة على القلب (أو إلى اليد اليسرى) وهو مفضول كما عرفت.

    (وينبغي أن لا تجذب المادة) إلى عضو في صورتين، الأولى: (مع امتلاء) في البدن، إذ ذلك يوجب كثرة المادة في المنقول إليه، فيعسر تحليلها عنه. الثانية: (ولا مع توجه مادة أخرى إليه) أي إلى المنقول إليه، لأنه تجتمع فيه مادتان حينئذ، ويعسر تحليلهما عنه (فـ) إنه في الصورتين (يندفع إلى العضو ما يعسر دفعه) منه (إلى حيث يجذب عنه) كما ذكر (و) إذا أردت جذب المادة من عضو فاللازم أن (يسكن أولاً الوجع) الموجود فيه (فإنه) أي الوجع (جاذب) للمواد (فـ) إذا كان الوجع باقياً وأردت الجذب منه (يتعارض جذبك وجذبه) فأنت تريد الجذب عنه، والوجع يجذب إليه، وذلك يوجب تهيجاً للمادة (وإذا وجب الفصد والإسهال) للامتلاء بالأخلاط (وكانت الأخلاط على النسبة الطبيعية) لها، بأن كان كل خلط بمقدار كمه الطبيعي فكانت كمية الدم ـ مثلاً ـ أكثر من سائر الأخلاط وهكذا (بدء بالفصد) إذ الفصد يخرج الأخلاط كلها بنسبة واحدة. أما لو ابتدأ بالإسهال خرجت سائر الأخلاط إلا الدم، فاللازم الفصد لإخراجه ـ لأنا فرضنا الاحتياج إلى تقليل جميع الأخلاط ـ وإذا فصدنا خرج أيضاً سائر الأخلاط، فيكون نسبة الخارج من سائرها أكثر من نسبة الخارج من الدم، لأن الدم خرج مرة وسائر الأخلاط خرجت مرتين، وذلك يوجب الاضطراب في النسبة، وإذا فصدنا أولاً (فإن غلب خلط) بعد ذلك، كما لو كان في البدن بلغم كثير لزج تشبث بالأعضاء فلم يخرج بالفصد (استفرغ ذلك) الخــلط الغالب الباقي (بما يوافقه) والفرق دقيق فلا تغفل (وإن لم يكن كذلك) أي لم تكن الأخلاط على النسبة الطبيعية ـ كما لو كانت السوداء أكثر نسبة ـ (استفرغ الغالب أولاً) بقدر يصير الامتلاء في الأخلاط على النسبة الطبيعية (ثم فصد) لأنه يخرج بالفصد من الأخلاط بقدر النسبة (وليكن بينهما) أي بين الفصد والإسهال (مهلة) لتنعش القوة، ولا يحدث الضعف بالاستفراغين.

    (وكثيراً ما أوقع شرب الدواء) الشخص (الواجب فيه الفصد) أي الذي يجب فيه الفصد (في حمّى واضطراب) إذ الفصد يجب لكثرة الدم أو رداءته، والدواء يهيج الخلط ويسخنه، فيورث الحمّى والاضطراب بسبب هيجان الخلط (وقد يؤمر) المريض (بالاستفراغ) بالإسهال أو الفصد (لا لزيادة في كمية الأخلاط، بل لرداءة كيفيتها) حتى يخرج الخلط الرديء، الموجب للعفونة والأمراض، ويحل محله خلط صالح جديد (أو للاستظهار) بأن يكون البدن مستعد لمرض، فإذا استفرغ من الخلط أمن المرض المترقب (أو للتقدم بالحفظ) بأن تكون هناك مادة من شأنها أن تنصب في عضو، فإذا استفرغ الخلط أمن الانصباب لانعدام المادة. والاستظهار والحفظ إنما يكونان (لمن اعتاده مرض، وخصوصاً في الربيع) حيث تتحرك المواد وتنصب في الأعضاء بسبب حر الهواء المسيل لها (وقد يعاف عن الاستفراغ فيستبدل عنه بالصوم) فإن الصوم، لما يوجب خلو المعدة، ينقي البدن من الخلط، إذ تشتغل الحرارة بهضمه لتجعله بدل ما يتحلل من البدن (والنوم) لتجمع الروح في الباطن، فتنضج الأخلاط وتسهلها للخروج والتبخر (فينبغي أن يتدارك سوء مزاج يوجبه) بقاء الأخلاط في البدن مدة الصوم والنوم، لأن الاستفراغ يخرج الأخلاط دفعة، بخلافهما فإنهما يخرجانها تدريجاً، فهذه بقاؤها في البدن يوجب سوءاً يجب تداركه (وقد يستفرغ البدن بالمجففات) الخارجية (كالنوم على الرمل للمستسقي) فإن الرمل يجذب الرطوبات الكائنة في الجلد، وإذا خلى الجلد جذب الرطوبات من الأعماق، لعدم إمكان الخلاء (وقد يحتاج) في الاستفراغ (إلى أدوية تناسب الخلط في كيفيته) بأن كان المسهل حاراً ـ مثلا ـ والخلط حار، لكن حيث أن هذه المناسبة غير جائزة، إذ الدواء يجب أن يضاد المرض في الكيفية حتى يقلعه (فيعدلها) أي الأدوية المناسبة للخلط (بتركيبها بما يوافقها في الإسهال ويعدل كيفيتها) بما ينضم إليها مما هو مخالف للمرض في الكيفية. والأصل إذا كان الدواء موافقاً للخلط في الكيفية، نأتي بدواء آخر مسهل أيضاً، لكنه مخالف للخلط في الكيفية (كالأهليلج الأصفر) فإنــه بارد مسهل للصفراء (لتعديل المحمودة) وهي السقمونيا (وهي حارة) ومسهل (عند استفراغك الصفراء) فإن المحمودة وإن كانت مسهلاً إلا أنها حارة، والصفراء حارة، وإذا خلطنا بها الإهليلج صار الدواء مسهلاً بارداً، والمرض حاراً فيتمكن الدواء من قلعه.

    (وقد ينقلب المسهل مقيئاً، إما لضعف المعدة) فتنصب الفضول المجذوبة من البدن بواسطة الدواء إلى المعدة فتخرج بالقيء، لأن الأمعاء قوية لا تقبلها، والمعدة ضعيفة فتقبلها (أو كون المستفرغ ذا تخم) لضعف معدته بالثقل الحاصل فيه، فتقبل الفضول والأمعاء لا تقبلها (أو ليبوسة الثفل) فيكون دفع الفضول إلــى الأسفل أصعب من دفعها إلى الأعلى (أو لكراهة) الطبع (الدواء) فتقذفه المعدة بالقيء للخلاص منه (وقد ينقلب المقيئ مسهلاً إما لشدة الجوع) فإذا ورد الدواء على المعدة اشتمل عليه اشتمالاً شديداً وعملت فيه، فتندفع المواد إلى الأمعاء لعدم مجال لها إلى المعدة (أو لكون المتقيئ ذرباً) لين الطبيعة، فإن الأخلاط حينئذ تندفع إلى الأسفل بالطبع (أو لكونه) الشخص (غير معتاد للقيء) فإن الطبيعة إذا لم تعتد على دفع الفضول إلى المعدة، بل اعتادت على دفعها إلى الأمعاء، دفعت هذه المرة أيضاً إليها وخرجت بالإسهال، فإن في القيء تدفع الفضول إلى المعدة، وفي الإسهال تدفع الفضول إلى الأمعاء (والشاب أخلق) أي أجدر (بالقيء، لصفراويته المطيعة للقيء) فإن الصفراء خفيفة حارة، والخفيف والحار يميلان إلى فوق، ولذا تكون أسهل إطاعةً للقيء (بخلاف السوداء) فإنها غليظة أرضية، ولذا كانت أطوع للإجابة نحو الأسفل (وأما البلغم فبين بين) فهو ليس في لطافة الصفراء وخفتها، ولا في أرضية السوداء وغلظتها، ولذا يصح استفراغه بالقيء وبالإسهال على حد سواء.

    (والدواء يسهل بقوة جاذبيته لما يختص بها) أي أن كل مسهل يجذب إلى نفسه ما هو مجذوب له، فحال المسهل حال المغناطيس الذي يجذب الحديد، فإذا ورد المسهل في البدن جذب إلى نفسه الخلط المناسب له (لا لأنه) أي الدواء (يجذب الأرق) من المواد (أولاً) كما قيل بأن الدواء يجذب الأرق من الخلط ويدفعه، ولاستحالة الخلاء يتبع الأغلظ للأرق فيدفعه أيضاً، وإنما قلنا أنه ليس كذلك، لأن لازم هذا الكلام أن يخرج الخلط الرقيق أولاً، وليس كذلك، بل الأخلاط كلها تخرج دفعة واحدة (ولا للمشاكلة) بين الدواء والخلط كما قال جالينوس: بأن السقمونيا مثلاً مجانس للصفراء ولذا يجذبها، وهكذا لأن كل جنس يجذب جنسه (وإلا) فلو كانت المشاكلة سبباً للجذب مطلقاً (لجذب الذهب ذهباً يغلبه بالكثرة) وليس كذلك، فإن مطلق المشاكلة لا يسبب الجذب (وجالينوس يقول ذلك ويزعم: أن غير السمي من الأدوية إذا لم يسهل) واستمرأ (ولد الخلط الذي من شأنه أن يجذبه لأجل المشاكلة) فالسقمونيا إذا لم يسهل الصفراء ولد الصفراء وزادها (وكذلك يكثر ذلك الخلط في البدن) عند عدم إسهال المسهل. وهذا التوليد دليل الجذب للمسهل بسبب المشاكلة، لأنه حيث لم يتمكن من جذب الخلط إلى نفسه ليسهله، جذب من الأغذية الخلط المماثل وأزاده، وإنما قال (غير السمي) لأن السمي لا يولد خلطاً مطلقاً (والحق: إنه ليس كذلك) فليس الإسهال لأجل جذب الخلط، والدليل غير تام (وإن تلك الكثرة) من الخلط في البدن إذا لم يسهل المسهل ليس لأجل توليد المسهل له، بل (لتحرك ذلك الخلط) الذي أريد استفراغه بالدواء فلم يقدر عليه (وسيلانه واستحالة غيره) من الأخلاط التي في ممره (إليه، بسبب غلبته عليه) أي غلبة الخلط المراد استفراغه على الخلط الذي في ممره.

    (والحمام قبل الدواء) المسهل (معين عليه) لتفتيحه المسام، وانضاجة للخلط بسبب الحرارة، وإسالته له بالتلطيف (وبعده بيوم) أي في اليوم الثاني من شرب المسهل (محلل لما بقي) في البدن من الأخلاط (و) الحمام (معه) قبل إتمام عمله (قاطع لفعله) لأنه يجذب المواد إلى ظاهر البدن بسبب الحرارة، فيصرفها عن الخروج عن المجرى (والأكل يقطع عمل أكثر الأدوية) فيما إذا لم يكن قوياً جداً، وذلك لأن الأكل يصرف الطبيعة إلى الطعام لتهضمه، ولأنه يختلط بالدواء فيكسر سورته، وذلك ما بينه بقوله: (لاشتغال الطبيعة) بعد الأكل بهضم الغذاء (عن الدفع) للمواد (ولاختلاط الدواء به) أي بالغذاء في المعدة (فيكسر قوته) فيبطل عمله (ومن لم يصبر على الاستفراغ على الريق) لضعف مزاجه، أو كونه حار المزاج، مما يوجب المسهل عند الخلاء لديه كرباً وغثياناً (أخذ) وتناول (قبل شرب الدواء شيئاً قليلاً) من الأغذية اللطيفة (مثل ماء الشعير وماء الرمان) ليقوى البدن ولا يزداد الضعف والتحليل، وكونه لطيفاً لأجل أن لا يشغل الطبيعة بنفسه فيبطل عملها في المسهل (وإن أخذ) الإنسان الشارب للمسهل (عقيب استعمال الدواء، مثل الرمان) مما فيه تقوية وقبض (فربما أعان) الدواء (بعصره) فم المعدة، بسبب قبوضيته، فينزل ما في الفم وما يليه من المواد إلى المعدة، ليخرج بالإسهال.

    (والنوم على الدواء الضعيف يقطعه أو يضعفه) لأن النوم يسبب توجه الروح إلى الباطن، فتعمل في الدواء بحرارتها، ويبطل أو يضعف عمله لأن الحار يهضمه (و) النوم (على الدواء القوي يقوي فعله) لأن الطبيعة إذا عملت فيه خرجت قوة الدواء إلى الفعلية، وقوته مانعة عن كسر الطبيعة له ليضعف أو يبطل عمله (والنوم بعد عملهما) أي الدواء القوي والضعيف (قاطع) لعملهما، أما القوي فلأنه ضعف بالعمل فلا تبقى له قوة، وأما الضعيف فلعمل الطبيعة فيه وإبطالها له كما تقدم، فلا يعمل (ومن عاف الدواء) وكرهه (فليمضغ الطرخون) فإنه يخدر حس الفم فلا يشعر بالبشاعة التي في الدواء (وأبلغ منه) في التخدير (ورق العناب) فإن ماضغه لا يفرق بين الرمل والسكر، بعد مضغه مباشرة (وقد يخدر الذوق بالثلج) لأنه يسد المسام، فلا ينفذ الطعم إلى الذائقة (ومن تنفر عن رائحته) أي رائحة الدواء (سد منخريه) حتى لا يشم الرائحة (ومن خاف القذف) أي القيء بعد الدواء، لكراهته له (شد أطرافه) شداً مؤلماً فإن الألم في اليد والرجل المشدودة يجذب الخلط، فلا يتوجه إلى المعدة ليتقيأ (و) الخائف من القذف (تناول بعده) أي بعد الدواء المسهل (قابضاً مقوياً للمعدة، كالرمان، والريباس، والتفاح، والنعناع) لتنقبض المعدة، فلا تقذف، وتمنع عن توجه المواد إليها.

    (والماء الحار يشرب منه) بعد الدواء (قدراً يذيب، وما يشبهه) مما يحتاج إلى الإذابة، كالاموقات لينماع بسبب الماء فتتفرق قوتها في البدن (وأما عند قطع الدواء فـ) يشرب من الماء الحار (قدر ما يخرجه) من المعدة، ولذا الأفضل أن يكون كثيراً، ويشربه دفعة (ومن وجد مغصاً) في بطنه بسبب حدة الدواء اللاذعة للأمعاء ونحوه (فليتجرع ماءاً حاراً) فإنه يغسل المعدة والأمعاء ويرخيهما، ويكسر عادية الدواء ويزيله من مكانه اللاصق به (وليمش خطوات) لأن الحركة تعين على إخراج المواد المسمجة وإزالتها وإسهالها (وأما عند قطع الدواء فليشرب المحرور) المزاج (بزر قطونا) فإنه يسكن الحرارة ويحد من حدة الدواء ممزوجاً (بشراب التفاح) فإنه مقوي للقلب، ومتدارك ضعف الدواء (وسكر) فإنه موجب للتقوية وتحليل الأرياح (والمعتدل المزاج، يستعمل ذلك مع بزر ريحان) فإنه يقوي القلب ويحدر ما بقي في الأمعاء من بقايا الدواء، وحره موجب لتعديل برد بزر قطونا (والمبرود) المزاج (قد يقتصر عليه) أي على بزر ريحان (دون بزر قطونا) لأنه كما عرفت بارد، فلا يناسب المزاج البارد.

    (وليكن الغذاء بعد الإسهال والقيء شيئاً لذيذاً) لتقبل عليه الأعضاء بشغف، فيكون بدل ما تحلل من قواها (جيد الجوهر، صالح الكيموس) لئلا يضر بردائته، أو يكثر فضوله (كالفروج) وزن تنور، وسبوح: فرخ الدجاجة.

    (وينقص الأكل) بعد الإسهال (عن المقدار المعتاد، فإن الأعضاء لخلوها) من الأخلاط الذاهبة بالمسهل، تجذب الغذاء بقوة (فإن عاونتها المعدة المثقلة) فإن المعدة إذا صارت ممتلئة بالغذاء الكثير، دفعت الزائد إلى الأعضاء لتستريح، فإذا وقع الجذب من الأعضاء والدفع من المعدة بسبب الكثرة (حدثت سدد) إذ الأعضاء تجذب قبل الهضم، والمعدة تدفع كذلك (وصعب الأمر) بسبب حدوث أمراض السدد.

    (ومن شرب الدواء) المسهل (ولم يسهله، لضيق المجاري) أو لحر الهواء المفرط، أو برده كذلك (وطالت المدة) التي لم يعمل المسهل فيها (وأمكن التسكين) للأخلاط المهتاجة بسبب المسهل (فعل) التسكين حتى ينبطل عمل المسهل (وإلا) يمكن التسكين (حرك) الخلط بمحرك ثان (بأكل القوابض) كالسفرجل، لما تقدم من أن القابض يعصر فم المعدة وحواليها فيسرع الإسهال (أو بالحقن اللينة) كالدهن (أو بالفتل) جمع فتيلة (المسهلة) ليكون الثاني عوناً على المسهل في إخراج الفضول (وأما تحريكه) أي الخلط (بأن جمع مسهلين في يوم واحد فخطر) لأنه يوجب الضعف الشديد، وربما إبطال القوة لو عملا معاً، ولو لم يعملا تحركت مواد كثيرة لا يسع المجرى على دفعها، وذلك موجب لمختف الأمراض (وربما احتيج) عند عدم إسهال الدواء (إلى الفصد، إن حصلت أعمال منكرة) بسبب التحريك. والأعراض المنكرة، مثل جحوظ العين (و) ذلك لأن الخلط إذا تحرك ولم يجد منفذاً (مالت المواد إلى عضو رئيس) أو شريف، وإنما يفصد لأن مثل هذه الأعراض لا تكون إلا من مادة كثيرة، وليس في البدن مادة بكثرة الدم، فإذا فصد وخرجت المواد زالت الأعراض (ومن أفرط عليه الدواء بالإسهال فليشد أطرافه) يده ورجله، شداً مؤلماً كما تقدم، لتتوجه المواد من الأمعاء إلى الأطراف بسبب الألم، فإن الروح تهاجم موضع الألم لدفعه، وتتبعه المواد فتنصرف عن الأمعاء (ويسقى القوابض) لتضيق أفواه العروق، وتحفظ المعدة من الانصباب إليها (ويضمد بها) أي بالقوابض (بطنه) ليأتي بالتأثير من الداخل والخارج (ويطيب بالطيب البارد) ليعدل مزاجه الذي عرضت له الحرارة من المسهل، فيقوى على إمساك المواد في مواضعها، فإن المزاج المعتدل أقوى من المنحرف.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:46

    الاستفراغ والاحتباس

    وسادسها: الاستفراغ والاحتباس، والمعتدل منهما حافظ للصحة.

    وإفراط الاستفراغ يجفف البدن، ويضعف الحرارة إلا أن يكون المستفرَغ بارداً يابساً فيسخن ويرطب.

    وإفراط الاحتباس يلزمه السدد، والعفونة، وسقوط الشهوة، وثقل البدن.

    وأما الأسباب غير الضرورية ولا المضادة للطبيعة، فكالاندفان في الرمل، والتمرغ فيه، فينشف الرطوبة الغريبة، وينفع الاستسقاء والترهل، وكل ذلك ـ بالحقيقة ـ داخل في الاستفراغ، وكذلك الإدّهان بالزيت. والأدهان المحلّلة.

    ومن ذلك رش الماء البارد على الوجه، فإنه ينعش الحرارة الغريزية ويقويها، وينفع الغشي الحادث عن الكرب الحمامي وغيره، وأما الأسباب المضادة للمجرى الطبيعي، فكالغرق، وقطع السيف، وحرق النار، واستعمال السموم.

    ولنعدّ أسباباً جزئية، المسخنات: الحركة غير المفرطة، واستعمال المسخنات أغذيةً وأدويةً، داخلاً أو خارجاً بغير إفراط، والغذاء المطلق المعتدل والعفونة والتكاثف.

    المبردات: كل ما يسخن إذا فرط، والفجاجة، واستعمال المبردات أغذية وأدوية داخلاً وخارجاً.

    المرطبات: أغذية وأدوية من داخل أو خارج، والحمام المرطب، والدعة، وكثرة الغذاء، واجتناب المحللات، واستفراغ المجفف.

    المجففات: كل ما يفرط تحليله داخلاً أو خارجاً، وحبس الغذاء عن العضو، واستعمال المجففات. فهذه أسباب أمراض سوء الأمزجة المفردة، وعن تركيبها تعرف أسباب أمراض الأمزجة المركبة.

    (وسادسها) أي سادس الأمور الستة الضرورية: (الاستفراغ والاحتباس) بالنسبة إلى أي شيء من شأنه أن يستفرغ ويحتبس، فالمني والدم وغيرهما مما يمكن أن يستفرغ ويمكن أن يحتبس، يلزم أن يكون معتدلاً فلا يفرط في أحدهما، فإن الزيادة في ذلك يوجب أمراضاً وعللاً (والمعتدل منهما) بأن يكونا على قدر تطلب الطبيعة، فيستفرغ الفضول، ويحتبس ما يحتاج إليه البدن (حافظ للصحة) فإذا زاد الخلط استفرغه بالفصد والحجامة وما أشبه، وإذا نقص أنماه وأبقاه وحبسه، حتى تتأتى الأعمال الطبيعية على وجهها الملائم.

    (وإفراط الاستفراغ يجفف البدن) فإن الأخلاط أجسام رطبة، واستفراغ الرطوبات يجفف البدن، وكذلك بالنسبة إلى سائر ما يمكن أن يستفرغ (ويضعف الحرارة) إذ الحرارة الغريزية تضعف عند ضعف الرطوبة الغريزية بسبب الاستفراغ (إلا أن يكون المستفرَغ) بصيغة المفعول (بارداً يابساً) كالسوداء (فـ) استفراغه (يسخن ويرطب) لوضوح أنه إذا أفرغ البارد اليابس عمل ضدهما وهو الحار الرطب لأن انعدام أحد الضدين الذين لا ثالث لهما يوجب وجود الضد الآخر. (وإفراط الاحتباس) للأخلاط وغيرها (يلزمه السدد) لأن الفضلــة المحتبسة توجب غلق المجاري فتحدث السدة (و) يلزمه (العفونة) فإن الفضلة تتعفن بالبقاء بعد عدم اعتناء الطبيعة لها لاستغنائها عنها (و) يلزمه (سقوط الشهوة) إلى الأكل وما أشبه، لامتلاء البدن بالفضول، فلا مجال له للطلب، كالذي تمتلئ معدته من الروث فإنها لا تطلب غذاءً طيباً لعدم المجال (و) يلزمه (ثقل البدن) لوجود الفضلات الزائدة فيه.

    ذكرنا في أول الجزء الثالث من أجزاء الجزء النظري للطب أن الأسباب على ثلاثة أقسام: ضرورية وهي ستة، وغير ضرورية مضادة للطبيعة، وغير ضرورية غير مضادة لها، وقد ذكرنا القسم الأول فنقول: (وأما الأسباب غير الضرورية ولا المضادة للطبيعة، فكالاندفان في الرمل) إلى الرقبة أو إلى الحقو أو نحو ذلك (والتمرغ فيه) أي في الرمل كما تتمرغ الدابة على الأرض (فـ) إن هذا العمل (ينشف الرطوبة الغريبة) من أطراف الجلد، وإن كان التنشيف في الدفن أكثر لإحاطة الرمل بالجسم في حال واحد بخلاف التمريغ (وينفع الاستسقاء والترهل) لأنهما من الرطوبة، والدفن والتمريغ منشفان لها (وكل ذلك ـ بالحقيقة ـ داخل في الاستفراغ) لأنه استفراغ للرطوبة بهذا الشكل، لكنه حيث كان غير معتاد، جعل من الأسباب غير الضرورية. (وكذلك) من الأسباب غير الضرورية وغير المضادة للطبيعة (الإدّهان) أي تدهين البدن (بالزيت والأدهان المحللة) مثل دهن القسط وهو العود والبان، فإن ذلك ينفع التشنج وأوجاع المفاصل البلغمية.

    (ومن ذلك) أي من الأسباب غير الضرورية وغير المضادة للطبيعة (رش الماء البارد على الوجه فإنه ينعش الحرارة الغريزية ويقويها) لأن الماء البارد بتأذيته لأعصاب الوجه ينبه الحرارة الغريزية ويجمعها من أقطار البدن لدفع المؤذي (وينفع) الرش (الغشي الحادث عن الكرب الحمامي) أي الكرب الحاصل من حرارة الحمام (وغيره) كالكرب الحادث عن الحمى الحارة، إذ الحرارة الحاصلة من الحمام أو الحمّى الموجبة للغشي تُطفأ بالماء البارد، وإذا زالت الحرارة ارتفع الغشي، ولتنبيه الدماغ وتبريد الهواء الداخل بالشهيق إلى الرئة، ونحو الرش في إزالة بعض أقسام الغشي، ضرب وجه المريض صفعاً فإنه ينبه الدماغ والأعصاب.

    (وأما الأسباب) غير الضرورية (المضادة للمجري الطبيعي فـ) كل شيء يرِدُ على البدن مما يخالف طبعه (كالغرق، وقطع السيف، وحرق النار، واستعمال السموم) ولذع العقارب والحيات، والإلقاء من شاهق، أو إلقاء شيء على الإنسان، أو رميه بشيء، أو تلطيخه بمؤذٍ، وما أشبه ذلك.

    (و) حيث فصلنا الأقسام الثلاثة للأسباب، ضروريها وغير ضروريها، مضادها للطبيعة وغير مضادها فـ (لنعدّ أسباباً جزئية) بالنسبة إلى تلك الكليات، وإن كانت هذه الأسباب أيضاً كلية في نفسها وذلك يكون كالتمرين والتنبيه (المسخنات) جمع مسخن، وهو ما يوجب تسخين البدن وإيجاد الحرارة فيه هي: (الحركة غير المفرطة) قلةً وكثرةً، وقوةً وضعفاً، لأن الحركة المفرطة في طرف الضعف والقلة لا تحصل تسخيناً معتداً به، والمفرطة في طرف الكثرة والقوة توجب التبريد كما تقدم (واستعمال المسخنات أغذية وأدوية) أي ما كانت تزيد في حرارة البدن، سواء كان غذاءً كالتمر أو دواءً كالاسقنقور (داخلاً) في البدن بأن يشرب المسخن ويؤكل (أو خارجاً) بأن يطلى بالعضو الذي يسبب التسخين بما يجذب إليه من الدم (بغير إفراط) إذ الإفراط في جانب القلة لا يؤثر، والإفراط في جانب الكثرة يسبب التبريد كما تقدم (والغذاء المطلق) أي أيّ غذاء كان (المعتدل) لأنه يسبب الدم الذي يسخن، (والعفونة) لأن العفونة إنما تحدث بسبب غلبة الحرارة النارية على الرطوبة التي في الممتزج، فتنفصل عنها أبخرة حارة تسخن ما يجاورها (والتكاثف) في ظاهر البدن بسبب البرد الخارجي الموجب لانسداد المسام، فإن الأبخرة حينئذ تحتقن داخل البدن وتوجب الحرارة والتسخين.

    (المبردات) هي: (كل ما يسخن إذ فرط) فيها في طرف الزيادة كالحركة، وكالغذاء المسخن ونحوهما، لما تقدم من أن الحرارة الزائدة توجب التبخير الكثير للمواد المسخنة، فتقل الحرارة ويأخذ مكانها الضد الذي هو البرودة، وكذلك إذا فرط في البرد من الخارج، فإن شدة انسداد المسام توجب خنق الأبخرة المحتقنة وفنائها (والفجاجة) بأن يبقى الغذاء بحالة متوسطة، فلا يهضم ولا يخرج عن صلاحيته للهضم، فإن مثل هذا الغذاء يبرد لبرودة جوهره (واستعمال المبردات أغذية وأدوية داخلاً) بأن تدخل الجوف (وخارجاً) كأن يُطلى بها العضو. وإنما يبرد الغذاء الداخلي مع أنه إذا استحال إلى الدم كان سبباً للحرارة، لأن الدم المتولد منه يحمل أجزاء المبرد فيبرد، وإن كان يسبب حرارة في الجملة لصورته الدموية.

    (المرطبات) أي التي ترطب البدن هي: (أغذية) تولد الرطوبة لتوليدها الدم الرطب بما يحمل معه من أجزاء مرطبة (وأدوية من داخل) بأن يشرب (أو خارج) بأن يطلى بها (والحمام المرطب) لأنه يفيد الأعضاء رطوبة وبلّة ويتشرب الجلد منها مقداراً (والدعة) أي السكون والهدوء، لأنه تجتمع في البدن الرطوبات التي كانت تتحلل بالحركة (وكثرة الغذاء) لأنها بكثرتها توهن قوة الحرارة وتغمرها فتولد رطوبات وأبخرة رطبة (واجتناب المحللات) لزوال السبب المانع عن الرطوبة فتبقى (واستفراغ) الخلط (المجفف) لزوال المانع عن الترطيب، فتتولد الرطوبة وتبقى.

    (المجففات) هي: (كل ما يفرط تحليله) بأن يحلل البدن كثيراً (داخلاً) كان، كالأدوية الحارة القوية (أو خارجاً) كالهواء الحار، والجلوس على الأرض الحارة (وحبس الغذاء عن العضو) فإنه يتجفف بالتحليل الدائم، ولا يصل إليه بدل ما يتحلل ليسد مكان الرطوبة المتحللة (واستعمال المجففات) كالأغذية المجففة اليابسة، والأدوية كذلك داخلاً وخارجاً.

    (فهذه) المذكورات في ضمن الفصول السابقة (أسباب أمراض سوء الأمزجة المفردة، وعن تركيبها) أي تركيب هذه الأسباب المفردة (تعرف أسباب أمراض الأمزجة المركبة) كما لا يخفى.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:48

    في التقيؤ والفصد والحجامة

    واعلم: أن القيء ينقي المعدة ويقويها، ويحد البصر، ويزيل الثقل من الرأس، وينفع قروح الكلى والمثانة، وينفع الأمراض المزمنة كالجذام والاستسقاء والفالج والرعشة، وينفع اليرقان. وينبغي أن يستعمله في الشهر مرتين متواليتين، من غير حفظ دور، ليتدارك القيء الثاني ما قصر الأول، وأن ينقي فضلاً ينصب بسببه. والإكثار من القيء يضر المعدة، ولأنه يجعلها قابلة للفضول، ويضر الأسنان، وكذلك يضر البصر، ويضر السمع، وربما صدع عرقاً.

    ويجب أن يجتنبه من به ورم في الحلق، أو ضعف في الصدر، أو هو دقيق الرقبة، أو مستعد لنفث الدم، أو عسر الإجابة له. ومن الناس من يحب أن يمتلئ طعاماً لنهمه ثم لا يحتمله ويتقيأ، وذلك يعجّل هرمه، ويوقعه في أمراض رديئة، ويجعل القيء له عادة. والإسهال والقيء مع النقاء، أو يبوسة الثفل، أو ضعف الأحشاء، أو هزال المراق صعب خطر.

    ووقت القيء هو الصيف والربيع، دون الشتاء والخريف. والإسهال في الصيف يجلب الحمى. ويعسر لتعارض جذب الدواء وجذب الحر، وفي الشتاء أعسر لجمود الخلط، والربيع يتلوه الصيف المحلل فلا يستعمل فيه إلا ما لطف، وأما الخريف فهو الوقت. ويجب عند القيء أن يعصب العينان، ويقمط البطن، فإذا فرغ منه فليغسل الوجه بماء بارد، وقليل خل، ليمنع ثقلاً يحدث في الرأس، وليشرب مثل شراب التفاح، مع قليل مصطكي، وماء ورد. والقيء يجذب من تحت، والإسهال من فوق.

    وفصد الباسليق ينقي تنور البدن، وفصد القيفال وحبل الذراع نافع للرقبة وما فوقها، وفصد الأكحل شترك النفع، وفصد الاسيلم الأيمن لأوجاع الكبد، والأيسر لأوجاع الطحال، وفصد عرق النساء لأوجاع عرق النساء عظيم، وللدوالي والنقرس، وفصد الصافن لإدرار الحيض، ولمانع عرق النساء.

    والحجامة على الساقين تقارب الفصد، وتدر الطمث، وتنقي البدن، والحجامة على القفا للرمد والبخر والقلاع والصداع، خاصة في مقدم الرأس، ولكنها تورث النسيان، وأكثر الناس يكرهون في مقدم الرأس لأنها تضعف الحس وللحجامة فوائد، أحدها: تنقية العضو نفسه، وثانيها: قلة استفراغها لجوهر الروح، وثالثها: قلة تعرضها للأعضاء الرئيسية.

    والحقنة معالجة فاضلة في نفض الفضول، وفي الجذب من أعلى البدن، وفي القولنج. ووقتها الأبردان.

    (واعلم: أن القيء ينقي المعدة) من الفضول الموجود فيها (ويقويها) لأن الفضول التي كانت كَلاًّ على المزاج، لو أزيلت عادت القوة والنشاط (ويحد البصر) لأن ضعفه مستند للفضول الموجودة في المعدة أو الرأس لتصاعد الأبخرة منها إليه، فإذا نقيت المعدة ينقى الرأس تبعاً، فيحد البصر، سواء كانت الكدرة بسبب المعدة أو بسبب الرأس (ويزيل الثقل من الرأس) لما تقدم (وينفع قروح الكلى والمثانة) لأن القيء يجذب المواد، فتنصرف عنهما (وينفع الأمراض المزمنة كالجذام والاستسقاء والفالج والرعشة) فإن مواد هذه الأمراض باردة غليظة، والقيء لعنف حركته يسخن ويذيب المواد ويخرجها. هذا مضافاً إلى أن المقيئات غالباً حارة فتعين في إزالة مواد هذه الأمراض (وينفع اليرقان) لأنه يقلع السدة التي صارت في مجرى المرارة، لما تقدم (وينبغي أن يستعمله) أي القيء، الإنسان الصحيح (في الشهر مرتين متواليتين، من غير حفظ دور) أما أصله، فلأنه يدفع الفضول المجتمعة في المعدة بدون سمية الدواء المسهل، وأما في كل شهر، فلما دلت التجربة على أن التجمع يكون في كل شهر، وأما عدم حفظ الدور، فلئلا تتعود الطبيعة بصب الفضول في المعدة اتكالاً على إخراجها بالقيء، فيكون ضره أقرب من نفعه، وأما كونه مرتين (ليتدارك القيء الثاني ما قصر) القيء (الأول) عن إخراجه، فإنه قد لا ينقلع الغليظ من المواد بسبب الأول، لكنه ينقلع بالثاني لخفته بالقيء الأول (و) لـ (أن ينقي) الثاني (فضلاً ينصب بسببه) أي بسبب الأول في المعدة، إذ القيء لشدة تحريكه يجذب إلى المعدة بعض المواد من سائر الأعضاء، فيبقى فيها بعد تمامية الأول، فالثاني هو لتنقية هذا الفضل أيضاً (والإكثار من القيء يضر المعدة) فإن الحركة القوية تجذب المعدة إلى فوق فتتمدد، ويهلهل بسبب ذلك نسجها فتضعف (ولأنه) أي الإكثار (يجعلها) أي المعدة (قابلة للفضول) لأن الطبيعة تعتاد ما تكاثر عليها، فالمعدة تجمع الفضول وتجذبها مستمراً، وذلك ضار بالبدن (ويضر الأسنان) لأن القيء موجب لانصباب المواد إليها، وبينها والسن لطيف فتتأثر بذلك، خصوصاً بالحامض منه، لأنه يحدث فيها خشونة ويذهب بطلائها (وكذلك يضر البصر) لأنه يزعرع الحدقة بسبب تحريكه القوى، ويوسع الثقبة العنبية لحصر النفس، وذلك موجب لانتشار النور، ويوجه الأبخرة إليها وهي تكدر الإبصار (ويضر السمع) لتوجه الأبخرة الفضول إليه وتحريك أعصابه (وربما صدع) القيء (عرقاً) لأن الهواء إذا انحصر في الرئة توجه إلى العروق مستصحباً الأبخرة، فإذا اشتد وكان العرق ضعيفاً صدعه.

    (ويجب أن يجتنبه) أي القيء (من به ورم في الحلق) لأنه يجلب المواد من أعالي البدن، فإذا كان في الطريق عضو متورم قبلها وازداد الورم (أو ضعف في الصدر) لأنه يقبل حينئذ المواد المتوجهة إليه (أو هو دقيق الرقبة) لأن المجاري حينئذ ضيقة، فإخراج القيء منها يوجب تمديدها وربما انصدع عرق فيها (أو مستعد لنفث الدم) بسبب ضيق عرق صدره، فإنه حينئذ يكون معرضاً قريباً للانصداع (أو عسر الإجابة له) أي للقيء، بأن تكون المواد مائلة إلى السافل، لأنه يوجب عسراً وتحريكاً عنيفاً يخشى منهما الانصداع والهيجان في المادة (ومن الناس من يحب أن يمتلئ طعاماً لنهمه) أي في حرصه في الأكل (ثم لا يحتمله) لأن المعدة إذا تملت بالطعام تمددت، فأورثت إيلاماً وعسراً (ويتقيأ) لإزالة الثقل (وذلك يعجّل هرمه) لقلة الغذاء الواصل إلى الأعضاء بسبب التقيؤ (ويوقعه في أمراض رديئة) كسقوط القوة وضعف المعدة (ويجعل القيء له عادة) حتى أنه كلما أكل غذاءاً قذفته المعدة لاعتيادها ذلك (والإسهال والقيء مع النقاء) مع نقاء البدن من الفضول (أو يبوسة الثفل) الكائن في المعدة (أو ضعف الأحشاء) الداخلة (أو هزال المراق) وهو الغشاء المستبطن للأحشاء. وقال الشيخ: هو جلد البطن مع الغشاء والعضل الذي تحته (صعب خطر) إذ مع النقاء يوجبان إفراغ الخلط الصالح، وذلك موجب لهيجان الأبخرة والكرب، وتحرك الأخلاط، ومع اليبوسة تكون الأمعاء منسدة بالثفل اليابس، فإذا سالت المواد إليها بسببها حدث القولنج، ومع ضعف الأحشاء فإن الإسهال يوجب ورمها، لأن المواد إذا انصبت إليها مع ضعفها ثفلت قسماً منها، وأورث ذلك الورم، والقيء ببسب عنف التحرك يوجب خرق الأحشاء الضعيفة، ومع ضعف المراق يخشى من القيء أن يفرق اتصال المراق، ومع الإسهال يخشى من الورم كما سبق.

    (ووقت القيء هو الصيف والربيع) لأن المواد فيهما سائلة مطاوعة للخروج، والأحشاء وأعضاء الصدر قابلة للتمدد والتحرك للينها (دون الشتاء والخريف) لصلابة المادة فيهما، وعدم قابلية الأعضاء للتمدد لتجمدها بالبرد (والإسهال في الصيف يجلب الحمى) لتضاعف الحرارة بسبب الهواء والإسهال على البدن. (ويعسر) الإسهال في الصيف (لتعارض جذب الدواء) المواد إلى الداخل (وجذب الحر) المواد إلى الخارج (و) الإسهال (في الشتاء أعسر) من الإسهال في سائر الفصول (لجمود الخلط) وعدم استعداد الأعضاء كما تقدم (والربيع يتلوه الصيف المحلل) للأخلاط (فلا يستعمل فيه إلا ما لطف) من المسهلات، لأن المسهل إذا كان قوياً حلل القوة كثيراً، فإذا جاء الصيف والبدن ضعيف ازداد ضعفاً (وأما الخريف فهو الوقت) المناسب للإسهال، لعدم كونه كالشتاء في الجمود، ولا كالربيع والصيف في حر الفصل ليجتمع على الطبيعة حران ويكون التجاذب من الجانبين (ويجب عند القيء أن تعصب العينان) حتى لا يؤثر فيهما التحرك العنيف، فيسبب جحوظهما، فإن العين للطافتها بالرطوبات يسرع إليها التحرك والانحراف (ويقمط البطن) لئلا يحدث الفتق، بسبب التحرك العنيف، ولئلا تتحرك الأمعاء عن مواضعها (فإذا فرغ منه) أي من القيء (فليغسل الوجه بماء بارد) فإنه يمنع المواد المتوجهة إلى الوجه عن الوصول، لأنه يبرد سيلانها، ويكشف المسام، ويرد الأبخرة (وقليل خل) لأنه بحدته يوصل الماء البارد إلى أعماق الوجه والرأس (ليمنع ثقلاً يحدث في الرأس) حاصلاً من الأبخرة والمواد (وليشرب) بعد القيء (مثل شراب التفاح مع قليل مصطكي وماء ورد) فإنها تقوي المعدة والقلب وغيرهما مما حصل لها الضعف (والقيء يجذب) المواد (من تحت) من معا القولون المتصلة بالأعور (والإسهال) يجذب (من فوق) لأن التحريك ـ في القيء ـ يبتدئ من الأسفل، والإسهال يغسل من أول المجرى لمروره عليه.

    في أقسام من الفصد: (وفصد الباسليق) وهو وريد عند مجمع الذراع. والفصد مائل إلى أسفل الساعد من وسط إنسيه (ينقي تنور البدن) وهو ما اشتمل على الأحشاء. (وفصد القيفال) وهو وريد عند مجمع الساعد. والفصد على الجانب الوحشي، ما بين أعلا الساعد وإنسه (و) فصد (حبل الذراع) وهو الوريد الممتد من إنستي الساعد إلى أعلاه، ثم إلى وحشيه (نافع) هذان (للرقبة وما فوقها) لأنهما يستفرغان من الرقبة وما فوقها (وفصد الأكحل) وهو وريد دون القيفال أميل إلى أعلى الساعد من وسط إنسيه (مشترك النفع) بين تنور البدن والرأس، إذ هو مركب من القيفال والباسليق (وفصد الاسيلم) وهو وريد بين الخنصر والبنصر (الأيمن) ينفع (لأوجاع الكبد و) فصد الاسيلم (الأيسر) ينفع (لأوجاع الطحال، وفصد عرق النساء) وهو وريد ممتد على الفخذ من الجانب الوحشي إلى الكعب، ومحل فصده قريب الكعب فوقه أو تحته (لأوجاع عرق النساء) نافع (عظيم) لأنه يفرغ مادة المرض رأساً (و) نافع (للدوالي) وهو اتساع عروق الساق والقدم، لما ينزل إليها من الدم والبلغم الزائدان (والنقرس) وهو مرض معروف (وفصد الصافن) وهو وريد ممتد على الساق من الجانب الأيسر إلى الكعب (لإدرار الحيض) فيمن احتسب حيضها من النساء (ولمانع عرق النساء) وهو عرق تقدم معناه.

    (والحجامة على الساقين تقارب الفصد) في فضله وفائدته (وتدر الطمث) أي الحيض (وتنقي البدن) من الفضول الغليظة، فإنها تتوجه إلى الأسفل لثقلها، وموضع هذا الاحتجام فوق الكعب بشبر ودون الركبة بأربع أصابع (والحجامة على القفا) مؤخر العنق، عند النقرة نافع (للرمد والبخر) في الفم (والقلاع) وهو بثرات تكون في جلدة الفم واللسان (والصداع) وجع الرأس (خاصة) ما كان من الصداع (في مقدم الرأس، ولكنها) أي الحجامة على القفا (تورث النسيان) لأنها تجذب الدم من مركز القوة الحافظة التي في مؤخر الدماغ كما قالوا (وأكثر الناس يكرهون) الحجامة (في مقدم الرأس لأنها تضعف الحس) فإن أكثر الحواس في مقدم الرأس، فجذب الدم موجب لتضعيف الروح الحاسة هناك (وللحجامة فوائد) كثيرة ذكر بعضها المصنف (أحدها: تنقية العضو نفسه) من الفضلات والأخلاط (وثانيها: قلة استفراغها لجوهر الروح) فإن الخارج بها أقل من الخارج بسبب الفصد، إذ الثاني يخرج من جميع البدن، بخلاف الحجامة فإنها تأخذ من العضو (وثالثها: قلة تعرضها للأعضاء الرئيسية) فإنها تجذب من العروق الصغار في الموضع ولا يصل أثرها إلى تلك الأعضاء، بخلاف الفصد.

    (والحقنة معالجة فاضلة في نفض الفضول) وإخراجها، لأن أثرها يصل إلى الأمعاء مباشرة بدون انكسار قوتها (وفي الجذب) للفضول (من أعلى البدن) لأنها حيث تنقي السافل ينجذب إليه الخلط من العالي (وفي القولنج) فإنه يحدث من ثقل في الأمعاء، فإذا تنقاه الاحتقان كسر سورته (ووقتها) أي الحقنة (الأبردان) الصباح والمساء، لأنها توجب حرارة الباطن بالتحريك وصعود الأبخرة، فلو كان الهواء حاراً أورث اجتماع الحرارتين كرباً وغشياً واضطراباً.

    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:50

    أقسام النبض

    ولأن النبض والبول والبراز من العلامات الكلية الدالة على الأحوال البدنية، فلنقل فيها: القول في النبض، وهو حركة وضعية للشرايين قبضاً وبسطاً، لتعديل الروح بالنسيم، وإخراج فضلاتها. وأجناس أدلته عشرة.

    أحدها: المقدار، وأقسامه: تسعة، طويل، قصير، معتدل، عريض، ضيق، معتدل، مشرف، منخفض، معتدل، فإذا رُكِّبت كانت سبعة وعشرين نوعاً، لكن الزائد في الأقطار الثلاثة هو العظيم، والناقص فيها هو الصغير.

    وثانيها: كيفية قرع الحركة، إما قوى، أو ضعيف، أو متوسط.

    وثالثها: زمان الحركة، وهو أما سريع، أو بطيء، أو متوسط.

    ورابعها: الآلة، إما صلب، أو لين، أو متوسط.

    وخامسها: زمان السكون، وهو إما متواتر، أو متفاوت، أو متوسط.

    وسادسها: ملمس الآلة، وهو إما حار، أو بارد، أو متوسط.

    وسابعها: مقدار ما فيه من الرطوبة، وهو إما ممتلئ، أو خالٍ، أو متوسط.

    وثامنها: الاستواء في أحواله واختلافه فيها، وهو إما مستوي، أو مختلف.

    وتاسعها: الانتظام في الاختلاف، وعدم الانتظام فيه، وهو إما مختلف منتظم، أو مختلف غير منتظم، فهذا الجنس داخل تحت المختلف، فلهذا يجب أن تكون الأجناس تسعة.

    وعاشرها: الوزن، وهو: إما جيد الوزن حسنه، أو لا، وهو غير جيد الوزن سيئه، وأصنافه ثلاثة: مجاوز الوزن، كالصبي يكون له وزن نبض الشبان، ومباين الوزن، كالصبي يكون له وزن نبض الشيخ، وخارج الوزن، وهو أن لا يشبه وزنه وزن نبض البتة، وهو رديء.

    ولنقل في أسباب النبض: الحاجة إلى النبض هي الترويح الحار الغريزي، فإن زادت الحاجة إليه لزيادة في الحرارة وكانت الآلة مطاوعة، والقوة مساعدة، كان النبض عظيماً، وإن كانت الحاجة أزيد من ذلك، أسرع، وإن أفرطت، تواتر. وأما إن كانت الآلة عاصية، أسرع مع صغر، وإن كانت الحاجة أزيد، تواتر، وإن كانت القوة ضعيفة، أسرع، وإن كانت الحاجة أكثر، تواتر مع صغر أزيد من صغر الصلابة.

    وقد يصغر النبض لانضغاط القوة تحت المادة الغذائية، أو الخلطية، كما في أول النوب، وإن كانت القوة في أصلها قوية.

    لين النبض للرطوبة وصلابته لليبوسة، وقد يصلب في البحارين للتمدد يسبب اندفاع المادة، واختلافه مع ثبات القوة لثقل مادة، أو شدة ضعف فتعجز.

    والمفرط من ذلك يبطل النظام وحسن الوزن.

    وههنا أنواع من النبض ذات أسماء يجب أن نشير إليها، وقد ذكرنا: العظيم والصغير.

    النبض المنشاري: نبض سريع، متواتر، صلب، مختلف الأجزاء في الشهوق والغور، والتقدم والتأخر، والصلابة واللين.

    والموجي: يشبهه، إلا أنه ألين، والدودي يشبهه لكنه صغير.

    والنملي يشبه الدودي لكنه أصغر، وأشد تواتراً وضعفاً.

    ذنب الفار: نبض يأخذ من مقدار إلى أعظم منه، أو أصغر بالتدريج، ثم يرجع إلى مقداره الأول، وقد ينقطع دونــه، وذلك رديء.

    المطرقيّ: نبض يقرع الإصبع، ولا يكفي فيتم بأخرى.

    ذو الفترة: هو الذي يُتَوقع فيه حركة، فيكون سكون.

    الواقع في الوسط: هو الذي يُتَوقع فيه سكون، فيقع فيه حركة.

    (ولأن النبض والبول والبراز) الغائط (من العلامات الكلية الدالة على الأحوال البدنية) من الصحة والمرض والحالة التي ليست بصحة ولا مرض (فلنقل) أي نتكلم (فيها) أي في هذه الثلاثة: (القول في النبض، وهو حركة وضعية للشرايين) قد عرفت أن الشرايين هي العروق المجوفة النابتة من القلب، والمراد بالحركة الوضعية مقابل الحركة الانتقالية، ففي الأولى يأخذ المتحرك مكاناً واحداً ويتحرك باختلاف وضعه كحركة الدولاب، وفي الثانية ينتقل المتحرك من مكان إلى مكان كحركة الإنسان من كربلاء إلى النجف مثلاً (قبضاً وبسطاً) المراد بالقبض: الحركة المستقيمة من محيط الشريان إلى محوره، فيتقلص الشريان ويزيد امتداداً طولياً وينقص عرضاً، كالمطاط إذا مدوه، وبالبسط: عكس ذلك، فهو حركة من المحور إلى المحيط، فيمتد الشريان عرضاً وينقص طولاً، وهذه الحركة الانقباضية والانبساطية إنما هي (لتعديل الروح بالنسيم) فإذا قبض أخذ شيئاً من النسيم الملامس لجلد البدن من المسام الموجودة في الجلد، وبردت بذلك حرارة الروح لئلا تحترق، وإذا بسط قذف الهواء المسخن الذي خالطه مواد محترقة ليأخذ نسيماً ثانياً، وهكذا (وإخراج فضلاتها) أي فضلات الروح في الحركة الانبساطية. (وأجناس أدلته) أي أدلة النبض التي بها نعرف المزاج وأحوال البدن (عشرة).

    (أحدها) أي أحد أقسام النبض العشرة: (المقدار) أي مقدار ما يتحرك من الشريان (وأقسامه) أي أقسام المقدار (تسعة) وذلك لأن أقطار كل جسم ثلاثة: الطول والعرض والعمق، فطول النبض هو المقدار الذي يحس به الإنسان ممتداً من طرف الكف إلى طرف الذراع، وعرضه هو المقدار الذي يحس به في عرض الساعد عكس الأول، وعمقه هو الارتفاع الذي يحس به باصطدامه بالأنامل ارتفاعاً وانخفاضاً، ولكل من هذه الأقسام الثلاثة من النبض طرفا إفراط وتفريط، واعتدال، فتكون الأقسام تسعة: (طويل) و(قصير) و(معتدل) بينهما، و(عريض) و(ضيق) و(معتدل) بينما، و(مشرف) وهو الذي يرتفع كثيراً ويصطدم بالأنامل الحاسة شديداً، و(منخفض) عكسه، و(معتدل) بينهما.

    (فإذا رُكِّبت) هذه التسعة (كانت سبعة وعشرين نوعاً) حاصلة من ضرب الثلاثة الطولية في الثلاثة العرضية، والمجموع ـ وهي تسعة ـ في الثلاثة العميقة. فيكون لكل من الطويل والقصير والمعتدل تسعة أقسام (لكن الزائد في الأقطار الثلاثة) بأن يكون طويلاً عريضاً عميقاً (هو) المسمى بـ (العظيم، والناقص فيها) بأن يكون قصيراً ضيقاً منخفضاً (هو) المسمى بـ (الصغير) وسائر الأقسام السبعة والعشرين تسمى بالأسماء المركبة، فيقال ـ مثلاً ـ : طويل ضيق مشرف، وهكذا.

    (وثانيها) أي ثاني أقسام النبض العشرة: (كيفية قرع الحركة) أي قرع الشريان للأنامل الحاسة، وذلك (إما قوي) بأن يقرع النبض الأنامل قرعاً قوياً (أو ضعيف، أو متوسط) بينهما، ولا يخفى أن هذه الأحوال الثلاثة إنما تدرك عند الانبساط.

    (وثالثها) أي ثالث أقسام النبض العشرة: (زمان الحركة) للنبض (وهو إما سريع) بأن تكون حركة النبض التي يحس بها اللامس، في زمان سريع بالنسبة إلى معتدل المزاج (أو بطيء) عكسه (أو متوسط) وهو المعتدل.

    (ورابعها) أي رابع أقسام النبض العشرة: (الآلة) أي آلة الحركة، وهي الشريان (إما صلب) لا يقبل الغمز، كالحديد الذي لا يقبل الغمز مثلاً (أو ليّن) يقبلها بسهولة كالمطاط (أو متوسط) وهو المعتدل. والفرق بين الصلب والقوي الذي تقدم في القسم الثاني: أن القوي يدفع الأنامل الحاسة وإن قبل الغمز، والصلب لا يقبل الغمز وإن لم يكن قوياً يدفع الأنامل.

    (وخامسها) أي خامس أقسام النبض العشرة: (زمان السكون) مقابل زمان الحركة المتقدم، والمراد به هو الزمان الواقع بين الانبساطين (وهو إما متواتر) بأن يكون الزمان الذي يحس اللامس فيه بحركة الشريان أقصر منه بالنسبة إلى المعتدل (أو متفاوت) بأن يكون زمان السكون أطول من زمان المعتدل (أو متوسط) بينهما وهو المعتدل.

    (وسادسها) أي سادس أقسام النبض العشرة: (ملمس الآلة) أي ما يُحَس من الشريان عند اللمس (وهو إما حار، أو بارد، أو متوسط) وذلك واضح لا يحتاج إلى التوضيح.

    (وسابعها) أي سابع أقسام النبض العشرة: (مقدار ما فيه) أي في الشريان (من الرطوبة) أي الدم (وهو إما ممتلئ) بأن يكون الدم فيه أزيد من المتعارف (أو خالٍ) بأن يكون ما فيه أقل من المتعارف (أو متوسط) وهو المعتدل.

    (وثامنها) أي ثامن أقسام النبض العشرة: (الاستواء) بأن تكون قرعاته للأنامل الحاسة متشابهة (في أحواله) أي أحوال النبض (واختلافه فيها) أي في الأحوال، بأن تكون قرعاته غير متشابهة (وهو إما مستوي، أو مختلف) وليس بينهما حالة ثالثة، كما لا يخفى.

    (وتاسعها) أي تاسع أقسام النبض العشرة: (الانتظام في الاختلاف، وعدم الانتظام فيه) أي في الاختلاف، فالانتظام في الاختلاف، كأن يقرع النبض خمس نبضات سريعة، وخمس نبضات بطيئة وهكذا، وعكسه أن يقرع مختلفاً غير منتظم أصلاً، كأن يقرع مرة خمس سريعة، ومرة ثلاثة سريعة، ومرة عشرة سريعة وهكذا.

    ولهذين القسمين أقسام كما لا يخفى، وهذا هو معنى قوله: (وهو) أي النبض (إما مختلف منتظم، أو مختلف غير منتظم، فـ) لا يخفى أن (هذا الجنس) التاسع (داخل تحت المختلف) من الجنس الثامن (فلهذا يجب أن تكون الأجناس) للنبض (تسعة) لا عشرة، ويقسم المختلف في ـ الثامن ـ إلى منتظم، وغير منتظم.

    (وعاشرها) أي عاشر أقسام النبض العشرة: (الوزن) إعلم أن لكل نبضٍ ـ في كل حركة انقباضية وانبساطية ـ أربعة أزمنة: زمان حركته في القبض، وزمان سكونه على القبض، وزمان حركته في البسط، وزمان سكونه على البسط. والمراد بالوزن هنا: مقايسة زمان إحدى الحركتين بزمان الحركة الأخرى، أو زمان أحد السكونين بزمان السكون الآخر، أو زمان إحدى الحركتين بزمان أحد السكونين (وهو) أي النبض (إما جيد الوزن حسنه) بأن تكون النسبة التي بين الأزمنة الأربعة، أي زمان الانبساط والانقباض، والسكون المحيطي والمركزي، على المجرى الطبيعي. (أو لا) لا يكون جيد الوزن حسنه (وهو غير جيد الوزن سيئه، وأصنافه) أي أصناف سيء الوزن (ثلاثة) الأول: (مجاوز الوزن) وهو الذي يكون وزنه وزن سِن يلي سِن صاحبه (كالصبي يكون له وزن نبض الشبان) أو الشاب يكون له وزن نبض الكهل وهكذا (و) الثاني: (مباين الوزن) وهو الذي يكون وزنه وزن سِن لا يلي سن صاحبه (كالصبي يكون له وزن نبض الشيخ) فإن الشيخوخة لا تلي الصباوة، وإنما تلي الكهولة، كما تقدم في ترتيب الأسنان (و) الثالث: (خارج الوزن، وهو أن لا يشبه وزنه وزن نبض) سِن من الأسنان (البتة) مثل أن يكون مرتعشاً (وهو) أي الثالث من سيء الوزن (رديء) لأنه يدل على انحراف المزاج انحرافاً عظيماً.

    (ولنقل) أي نتكلم بعد ذكر أقسام النبض (في أسباب النبض) أي الأسباب التي من أجلها يكون النبض حاراً أو بارداً، منظماً، أو غير منظم، إلى غير ذلك: (الحاجة إلى النبض هي الترويح) والتبريد للحرارة (الحار الغريزي) الذي هو الروح (فإن زادت الحاجة إليه) أي إلى الترويح (لزيادة في الحرارة) بسبب عارض أوجبها (وكانت الآلة) التي هي الشريان (مطاوعة) لحركة أكثر، لعدم إصابتها بآفة (والقوة) المحركة للشريان (مساعدة) لتحريك أكثر (كان النبض عظيماً) أي طويلاً عريضاً مشرفاً، وذلك ليتمكن بالزيادة في أقطاره من جذب الهواء أكثر (وإن كانت الحاجة) إلى الترويح (أزيد من ذلك) أيضاً لزيادة حرارة، في الروح، مما لا يكفي النبض العظيم لترويحه (أسرع) النبض في الحركة، علاوة على عظمته (وإن أفرطت) الحاجة إلى الترويح، بأن لم تكفِ السرعة أيضاً (تواتر) النبض مع العظم والسرعة، ليجذب أكبر قدر ممكن من النسيم.

    (وأما إن كانت الآلة) أي الشريان (عاصية) لحركة أكثر، للصلابة (أسرع) النبض في الحركة (مع صغر) ليتدارك بالسرعة ما يفوته من العظم، فيقوم مرتان صغيرتان مقام مرة عظيمة مثلاً (وإن كانت الحاجة) إلى الترويح (أزيد) من السرعة وحدها (تواتر) مع السرعة ليتداركها (وإن كانت القوة) المحركة للنبض (ضعيفة) بحيث لم تتمكن من تحريك النبض العظيم (أسرع) النبض. وإن لم يكن الإسراع (وإن كانت الحاجة أكثر) من ذلك (تواتر) مع السرعة (مع صغر) في النبض (أزيد من صغر الصلابة) لأن ضعف المحرك للصغر أقوى من صلابة الآلة المقاومة له، فإن في صورة الضعف يكون القصور من ناحية المقتضي، بخلاف صورة الصلابة التي يكون القصور فيها من ناحية المانع، كما لا يخفى.

    (وقد يصغر النبض لانضغاط القوة تحت المادة الغذائية) فإن الغذاء إذا كثر أثقل على القوى، وأخمد الحرارة الكثيرة، فالقوة لا تقوى على تحريك النبض كثيراً، كما لا حاجة لأي ذلك لخمود الحرارة، فلا تحتاج إلى كثير ترويح (أو) تحت المادة (الخلطية، كما في أول النوب) فإن المادة الخلطية في أول النوبة مجتمعة في محل العفونة، فتثقل على القوة ولا تتمكن من التحريك للنبض العظيم (وإن كانت القوة) في هاتين الصورتين (في أصلها قوية) إذ المقتضي موجود بذاته، وإنما ضغطت عليه المادة.

    (لين النبض) بأن كان سهل الانغماز، فيه علامة (للرطوبة) إذ الرطوبة تهيئ النبض للتمدد والسهولة. (وصلابته) علامة (لليبوسة) لعكس ذلك، فإن اليابس لا يقبل التمدد والغمز (وقد يصلب) النبض (في البحارين) جمع بحران (للتمدد) الحادث في الأعضاء يوم البحران، وذلك (بسبب اندفاع المادة) فإن الطبيعة يوم البحران تقذف المادة نحو الرأس أو المعدة أو الأمعاء أو المثانة أو غيرها، وبذلك تتمدد العروق لمرور المادة، وإذا تمدد العرق صلب ولم يمكن غمزه بسهولة، كما هو واضح (واختلافه) أي النبض (مع ثبات القوة) أي الاختلاف الذي لم يكن لأجل خلل في القوة بذاتها، إنما هو (لثقل مادة) غذائية أو خلطية، لأن الطبيعة تتوجه مرة إلى الثقل لتهضمه فتقل الحركة، ومرة إلى النبض لتزيد من الترويح فتكثر الحركة وهكذا، وبذلك يحدث اختلاف في النبض منظم، أو غير منظم (أو) بسبب (شدة ضعف) في القوة (فتعجز) الطبيعة عن التحريك المستوي، فتروح فتعجز فتقف، ثم تروح وهكذا، كالإنسان الضعيف الذي لا يطيق المشي مستمراً، وإنما يقف أثناء المشي للاستراحة (والمفرط من ذلك) أي من ثقل المادة، أو من ضعف القوة (يبطل النظام وحسن الوزن) في النبض، لا المادة تمنع عن الاستواء الذي به يكون هذان.

    (وههنا أنواع من النبض) المركب من الحركات الطولية والعرضية والعميقة وسائر الصفات (ذات أسماء) خاصة (يجب أن نشير إليها) لما فيها من الفائدة (وقد ذكرنا) من جملتها سابقاً (العظيم والصغير) ولنذكر جملة أخرى منها.

    فنقول: (النبض المنشاري: نبض سريع، متواتر، صلب، مختلف الأجزاء في الشهوق والغور) بأن يكون بعض أجزائه شاهقاً وأكثر انبساطاً من بعض أجزائه الأُخر، فيكون البعض الآخر غير شاهق وأقل انبساطاً (و) في (التقدم والتأخر) بأن يتقدم جزء قبل وقت حركته، وجزء بعد وقت حركته (و) في (الصلابة واللين) فيكون بعض أجزائه أصلب من بعض أجزائه الأُخر، وإنما سمي بالمنشاري لشباهته بأسنان المنشار في ارتفاع بعض الأجزاء وانخفاضها.

    (و) النبض (الموجي: يشبهه) أي يشبه المنشاري (إلا أنه ألين) ويسمى: موجياً، لشباهة حركته بحركة موج البحر إذا ألقي فيه شيء صلب، فإنه يُحدث دائرة صغيرة ثم أكبر، ثم أكبر وهكذا، وكذلك هذا النبض فإن اللامس يحس فيه دوائر داخلها أصغر من خارجها وأبطأ حركة.

    (و) النبض (الدودي يشبهه) أي يشبه الموجي (لكنه صغير) في العرض والطول والعمق، ويسمى به تشبيهاً بحركة الدود الكثير الأرجل الذي يمشي قليلاً ويشوش ـ بأرجله الكثيرة ـ اللامس إذا مشى على الجلد.

    (و) النبض (النملي) وهو (يشبه الدودي لكنه أصغر، وأشد تواتراً وضعفاً) وسمى به تشبيهاً له بدبيب النمل.

    (ذنب الفار: نبض يأخذ) في القرع (من مقدار إلى أعظم منه، أو أصغر بالتدريج) حتى ينتهي إلى آخره الذي هو منتهى العظمة، أو منتهى الصغر (ثم يرجع) من العِظم أو الصِّغر (إلى مقداره الأول) الذي ابتدأ به (وقد ينقطع) بعد التراجع (دونه) أي دون المقدار الأول، كأن يبتدأ بالعِظم ثم يصغر ويتراجع إلى العظمة، لكن لا بمقدار عظمة الأول، ثم ينقطع (وذلك رديء) لأنه يدل على ضعف القوة أن تكمل الدور، ففي الأخذ تكون القوة زائدة، ثم تتعب فتقل، ثم تنشط إذا ابتدأ بالعِظم وبالعكس إذا ابتدأ بالصغر، فتكون القوة عاجزة وقللت الأخذ، ثم تضعف.

    (المطرقيّ: نبض يقرع الإصبع، ولا يكفي فيتم بأخرى) ففي كل مرة يقرع مرتين، وسمي به تشبيهاً له بالمطرقة التي تقرع السندان، ثم تقرعه مرة أخرى بدون إرادة القارع.

    النبض (ذو الفترة: هو الذي يتوقع فيه حركة، فيكون سكون) فمثلاً ينبض ثلاث نبضات، ويسكن في الرابعة عند موعدها وهكذا، وذلك بسبب تعب القوة المحركة، فتستريح بعد عدة قرعات.

    النبض (الواقع في الوسط: هو الذي يتوقع فيه سكون، فيقع فيه حركة) عكس ذو الفترة، فيقرع في الفترة بين القرعتين، وذلك وبسبب حرارة قوية تجبر الطبيعة إلى النبض للتزيد من النسيم.
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:53

    ما ينبغي على المعالج عمله

    ولنختم هذا الفن بوصف في أمر المعالجات: ينبغي للمعالج أن لا يعود الطبيعة الكسل، بأن يعالج كل انحراف في الصحة، ولا أن يجعل شرب المسهل والمقيئ ديدناً، وحيث أمكن التدبير بأسهل الوجوه فلا يعدل، ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى إذا لم يغن الأضعف، إلا أن يخاف فوت القوة وحينئذ يجب أن يبدأ بالأقوى، وأن لا يقيم في المعالجات على دواء واحد فتألفه الطبيعة، وأن لا يدوم على الغلط أو يهرب عن الصواب لتأخر أثرهما، ولا يجسر على الأدوية القوية في الفصول القوية، وحيث أمكن التدبير بالأغذية الدوائية فلا تعدل عنها إلى الأدوية لما ذكر، وإذا أشكل عليك المرض أحار هو أو بارد فلا تجربن بمفرط في الكيفية، واحذر من تغليط التأثير العرضي، وإذا اجتمعت أمراض فابدأ بما يخصه إحدى ثلاث خواص، أحدها: أن يكون برء الآخر موقوفاً على برئه، كالورم والقرحة، فابدأ بالورم، وثانيها: أن يكون أحدهما سبباً للآخر، كالسدة والحمى العفنية، فابدأ بإزالة السبب، وثالثها: أن يكون أحدهما أهم من الآخر، كالحاد والمزمن، فابدأ بالحاد، ومع هذا فلا تغفل عن الآخر، وإذا اجتمع مرض وعرض، فابدأ بالمرض إلا أن يكون العرض أقوى، كالقولنج الشديد الوجع، فسكن أولاً الوجع، ثم عالج السدة.

    (ولنختم هذا الفن بوصف في أمر المعالجات) يعم أثره فنقول: (ينبغي للمعالج أن لا يعود الطبيعة الكسل، بأن يعالج كل انحراف في الصحة) بمجرد الانحراف حتى تعتاد الطبيعة أن تكسل، ولا تطرد هي بنفسها المرض، انتظاراً للعلاج (ولا أن يجعل شرب المسهل والمقيئ ديدناً) وعادةً حتى تكسل الطبيعة ولا تدفع الفضول بنفسها، بل انتظرت العلاج والطارد الخارجي (وحيث أمكن التدبير بأسهل الوجوه فلا يعدل) إلى الأصعب من ذلك، فلو كان علاج الحمى الحارة الاستحمام بالماء البارد، فلا يعدل منه إلى شرب الدواء، فإن الأدوية مطلقاً وخصوصاً الأقوى منها ـ فيما دار الأمر بين الأقوى والأضعف ـ تنافي الطبيعة، إذ ما من دواء إلا ويهيج داءاً كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام (ويتدرج) في المعالجة (من الأضعف إلى الأقوى إذا لم يغن الأضعف) لما ذكر (إلا أن يخاف فوت القوة) بسبب إطالة المرض، أو صعوبة العلاج بسبب بقاء العلّة (وحينئذ يجب أن يبدأ بالأقوى) للتحفظ على القوة وسهولة العلاج (وأن لا يقيم في المعالجات على دواء واحد فتألفه الطبيعة) فلا يؤثر في الابلال. إذ الطبيعة إذا اعتادت شيئاً لم يؤثر فيها، فاللازم الانتقال من دواء إلى دواء آخر (وأن لا يدوم على الغلط أو يهرب عن الصواب لتأخر أثرهما) فإذا أعطى دواءاً غلطاً فلم ير أثراً شيئاً، فلا يدوم عليه، فلعله يظهر أثره بعد ذلك لوجود مانع فعلاً عن ظهور أثره، وكذلك إذا أعطى دواءاً صواباً فلم يظهر أثره، فلا يهرب منه بحجة أنه لم ينفع، فلعل أثره يظهر فيما بعد (ولا يجسر على الأدوية القوية في الفصول القوية) كالصيف والشتاء، إذ القويان الدواء والفصل إذا وردا على البدن أنهكاه، وربما سبب ذلك العطب (وحيث أمكن التدبير بالأغذية الدوائية) مما تقدم تعريفه (فلا تعدل عنها إلى الأدوية) في طرد المرض (لما ذكر) من أن الأدوية منافية للطبيعة ضارة بها، بخلاف الغذاء فإنه ملائم لا ضرر له (وإذا أشكل عليك المرض أحار هو أو بارد) وأردت أن تجرب المرض بإعطاء الدواء إلى المريض ليظهر أثره (فلا تجربن بـ) دواء (مفرط في الكيفية) فيسبب ذلك ضرراً كبيراً، بل جرب بدواء خفيف، فمثلاً إذا صارت السكتة ولم تعلم أنها باردة ـ كما هي البالغة ـ أم حارة فأعط دواء بارداً خفيفاً، فإن اشتد المرض دل على أنها باردة، وإن تحسن دل على أنها حارة (واحذر من تغليط التأثير العرضي) فإن الدواء قد يكون حاراً بالذات، لكنه يؤثر برودة بالعرض، وبالعكس فالماء البارد مسخن بالعرض لأنه يسد المسام الجلديــة فتحتقن الحرارة في الداخلة وتوجب حرارة عرضية (وإذا اجتمعت أمراض فابدأ) في العلاج (بما يخصه إحدى ثلاث خواص، أحدها: أن يكون برء الآخر موقوفاً على برئه، كالورم والقرحة، فابدأ بـ) علاج (الورم) لأن القرحة تندمل بعد اعتدال المزاج، وذلك لا يكون إلا بعد علاج الورم، فإن المزاج سيء ما دام الورم باقياً (وثانيها: أن يكون أحدهما سبباً للآخر، كالسدة والحمى العفنية) فإن السدة هي السبب في الحمى، لأنها تمنع التنفس والترويح، فتعفن المادة، وتورث الحمى (فابدأ بإزالة السبب) الذي هو السدة في المثال، إذ لا يذهب المعلول إلا بإزالة علته (وثالثها: أن يكون أحدهما أهم من الآخر) وأشد خطراً (كالحاد والمزمن) فإن الحاد أشد خطراً لإنهاكه القوى (فابدأ بالحاد، ومع هذا فلا تغفل عن الآخر) لكن صب جل اهتمامك على الأقوى (وإذا اجتمع مرض وعرض) كالحمى العفنية والصداع الحاصل من حر الشمس (فابدأ بالمرض) لأنه المرض الحقيقي، وأما العرض فهو شيء طارئ يزول بسرعة (إلا أن يكون العرض أقوى، كالقولنج الشديد الوجع فسكن أولاً الوجع) بالمخدرات ونحوها، لأنه يُخاف من الوجع أن ينهك القوى ويحلل البدن، فاللازم الإسراع في علاجه وإن كان عرضاً (ثم عالج السدة) الحاصلة في الأمعاء، مما سبب القولنج
    avatar
    GODOF
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 10329
    نقــــاط التمـــيز : 60761
    تاريخ التسجيل : 08/04/2009
    العمر : 32

    ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨► Empty رد: ↨مَبادِئُ الطّبْ↨ ◄↨الفــــهــ ــرس الشامل حصـــ ـ ــريا↨►

    مُساهمة من طرف GODOF الثلاثاء 15 سبتمبر - 15:59

    أحوال الأدوية والاصطلاحات الطبية

    الفن الثاني: يشتمل على جملتين، الأولى: في أحكام الأدوية والأغذية المفردة، وتشتمل على بابين، الأول: كلام كلي في الأدوية المفردة، كل ما يؤثر في البدن الإنساني بكيفيته، فإنه إذا ورد على البدن وانفعل عن الحرارة الغريزية، فإما أن لا يؤثر فيه كيفية زائدة على ما للإنسان وهو الدواء المعتدل، أو يؤثر فيه كيفية زائدة وهو الدواء الخارج عن الاعتدال، وذلك التأثير إن لم يكن محسوساً فهو في الدرجة الأولى، وإن أحس بذلك ولم يضر فهو في الدرجة الثانية، وإن أضر ولم يبلغ أن يقتل فهو في الدرجة الثالثة، وإن بلغ ذلك فهو في الدرجة الرابعة، ويسمى الدواء السمي.

    ومن الأدوية ما قوته مركبة، وهو الذي يكون تركبه عن أشياء ممتزجة، فحصل له مزاج ثان، وذلك إما تركيب طبيعي كاللبن، وإما صناعي كالترياق، فيؤثر كل واحد من تلك الممتزجات أثره، فقد يصدر عنه آثار متضادة كالحرارة والبرودة، كما في الورد.

    ثم قد يكون مستحكماً بحيث لا تحله النار فضلاً عن الطبخ، وقد يكون أضعف تحله النار دون الطبخ كالبابونج، فإن فيه قوة قابضة وقوة محللة لا يفترقان بالطبخ، وقد يكون أضعف بحيث يحله الطبخ دون الغسل كالعدس، فإن فيه قوة محللة تخرج بالطبخ في مائه ويبقى القوة القابضة في جرمه، وقد يكون أضعف بحيث يحلله الغسل كالهندباء، وجزؤه المفتح يزول بالغسل ويبقى الجزء المائي.

    وتأثير الدواء: إما أن يكون خارجاً فقط، كالبصل ضماداً مع السلامة عنه، وذلك إما لاختلاطه مع غيره المخالط معه من مأكول أو رطوبة بدنية، أو لأن الحرارة الغريزية تهضمه فتفرقه وتشتته، فلا يبقى في مكان واحد، إلا قليلاً، ويتحلل منه ما يؤثر ذلك، أو لأنه عند تأثير الحرارة فيه يتحلل منه ما يؤثر ذلك التقريح، وإما أن يكون داخلاً فقط، كالاسفيداج فإنه لا يقتل ضماداً ويقتل مشروباً، وذلك إما لغلظه فلا ينفذ، أو لأن حرارتنا لا تجذب منه ما ينفذ فيؤثر، وإما أن يكون داخلاً وخارجاً كتبريد الماء، وقد يكون تأثيره الخارجي مضاداً لتأثيره الداخلي، كالكزبرة فإنها تحلل الأورام إذا استعملت عليها من خارج حتى الخنازير، وإذا استعملت من الداخل غلظت وبردت.

    والأدوية تعرف قواها بطريقين، أحدهما: التجربة، والآخر: القياس.

    وإنما يعتقد صدق التجربة برعاية شروط، أحدها: إذا كانت التجربة على بدن الإنسان، ثانيها: إذا كان الدواء خالياً عن كل كيفية عرضية، ثالثها: إذا استعمل الدواء في علل متضادة، رابعها: إذا استعمل في علل بسيطة، خامسها: أن يكون استعمال الدواء بما يكون قوته مساوية لقوة العلة في الخروج، سادسها: أن يكون تأثيره أولياً، سابعها: أن يكون تأثيره دائماً أو أكثرياً.

    وأما القياس: فيدل بوجوه، أضعفها: اللون، ووجه الاستدلال به، أن البرد يبيض الجسم الرطب، ويسود اليابس، والحر بالعكس. ثم الرائحة، فالحادة للحرارة والندية، وعدم الرائحة للبرودة، ثم الطعم: ويختلف الطعم باختلاف المادة وباختلاف الفاعل، فالمادة: إما كثيفة أو لطيفة أو متوسطة بينهما، والفاعل: إما الحرارة أو البرودة أو الاعتدال بينهما، فالكثيف الحار مر، والبارد عفص، والمعتدل حلو، واللطيف الحار حريف، والبارد حامض، والمعتدل دسم، والمتوسط الحار مالح، والبارد قابض، والمعتدل تفه.

    وقد يقع بسبب الرائحة واللون والطعم غلط في الممتزج مزاجاً ثانياً، وذلك بأن يكون لأحد مفرداته طعم أو لون أو رائحة ويكون ذلك فيه قوياً غالباً، وتكون حرارته وبرودته ضعيفة مغلوبة لم تظهر، فيغلب على ذلك الممتزج طعم ذلك المفرد أو لونه أو رائحته، وتكون الكيفية التي هي الحرارة أو البرودة تابعة لمفرده الآخر. مثال ذلك: لو خلط رطل من اللبن مع مثقالين من الفرفيون، لكان المجموع حاراً جداً مع بياضه، ويكون مع ذلك البياض للبرد الموجود في أحد البسيطين، لا للمجموع.

    ومما يدل على كيفية الدواء: سرعة الانفعال وبطؤه إذا تساويا في اللطافة والكثافة، والتخلخل والفرج، فأيهما قبل الاشتعال أسرع، دل على أن الجزء الناري فيه أكثر، وأيهما قبل الحرارة أو البرودة أسرع، فتلك الكيفية فيه أقوى، بشرط أن يكون المؤثر والقرب منه متساويين.

    وقد تستعمل في الباب الثاني ألفاظ غير مشهورة، فنريد أن نشرحها: الدواء اللطيف: ما من شأنه التصغر عند فعل حرارتنا الغريزية فيه كالدارصيني، والكثيف: ما يقابله، واللزج: ما لا ينقطع عند الامتداد، والهش: ما يتفتت بأدنى مس كالصبر، والجامد: ما من شأنه أن يسيل، وهو في الحال مجتمع غير سيال كالشمع، والسائل: ما من شأنه أن تنبسط أجزاؤه إلى أسفل، واللعابي: ما تنفصل عنه إذا نقع في الماء أجزاء ويصير المجموع لزجاً كالخطمي، والدهني: ما في جوهره دهن كاللبوب، والمنشف: ما إذا لاقته مائية غاصت في مسامه الخفية، فلا يظهر فيه أثر منها كالنورة غير المصفاة، والملطف: ما يجعل قوام المادة أرق كالزوقاء، والمحلل: ما يهيئ المادة للتبخير كالجندبيدستر، والجالي: ما يجرد الرطوبة اللزجة عن فوهات مسامات العضو كالحموضات، والمخشن: ما يجعل أجزاء سطح العضو مختلفة الوضع بعد ملاسة طبيعية أو عارضة عن مادة لزجة، والمفتح: ما يخرج المادة السادة عن المجرى إلى خارج كالكرفس، والمرخي: ما يلين جرم العضو بحرارته المعتدلة وبرطوبته الملينة كالماء الحار، والمنضج: ما يعدل قوام الخلط ويهيئ للدفع، والهاضم: ما يفيد الغذاء سرعة إنضاج، والمحلل للرياح: ما يرقق قوام الريح لتندفع كالسذاب، والمقطع: ما يقسم المادة إلى أجزاء صغار ويفرق اتصالها وأن بقيت على غلظها، والجاذب: هو ما يحرك المادة إلى موضعه، واللاذع: ما يفرق بقوة نفاذة له اتصال العضو في مواضع كثيرة لا يحس بانفرادها، بل يحس بجملتها كالخردل، والمحمر: ما يجذب الدم بقوة إلى الجلد فيحمر اللون، والمحكك: خلطاً لذاعاً، والمقرح: ما يفني الرطوبة الأصلية، ويجذب مادة رديئة إلى ذلك الموضع حتى يقرح كالبلادر، والمحرق: ما يفني بحرارته لطيف الأخلاط، والأكّال: ما يبلغ تحليله إلى أن ينقص قدراً من جوهر اللحم كالزنجار، والمفتت: ما يصغر أجزاء الخلط المتحجر كالحجر اليهودي، والمعفن: ما يفسد مزاج الروح والرطوبة الأصلية حتى لا تصلح لما أعدت له كالزرنيخ، والكاوي: ما يحرق الجلد فيجففه ويجعله كالحممة كالقلقطار، والقاشر: ما يبلغ من فرط جلائه إخراج الجلد الفاسد كالقسط، والمقوي: ما يعدل مزاج العضو حتى لا يقبل الفضول كدهن الورد، والرادع: ضد الجاذب، والمغلظ: مضاد للملطف، والمفجج: مضاد للهاضم، والمخدر: ما يجعل بقوة برده الروح الحساس والروح المحرك للعضو غير قابل للتأثير النفساني كالافيون، والمنفخ: ما فيه رطوبة فضلية غليظة لا تقوى الحرارة على تحليلها، بل تستحيل رياحاً كاللوبيا، والغسال: ما ينحي المادة برطوبته وسيلانه عليها لا لجلائه كالماء، والموسخ للقروح: ما يرخيها برطوبته، والمزلق: ما يبل سطح الفضلة المحتبسة في المجرى فتنزلق بثقلها كالاجاص، والملمس: ما ينبسط على سطح عضو خشن فيستر خشونته، والمجفف: ما ينقي الرطوبة من البدن بتلطيفه وتحليله، والقابض: ما يجمع أجزاء العضو فيتكاثف، والعاصر: ما يبلغ قبضه إلى إخراج ما في تجويف العضو، والمسدد: ما يحتبس في المجرى لكثافته ويبوسته أو لتغريته فينسد، والمغري: دواء يابس ذو رطوبة لزجة يلتصق بها على الفوهات فيسدها، والمدمل: يجعل الرطوبة التي بين شفتي الجرح لزجة فتلتصق إحداهما بالأخرى مثل دم الأخوين، والمنبت للّحم: ما يعقد الدم الوارد على الجراحة لحماً، والخاتم: ما يجعل على سطح الجراحة خشكريسة تكنها عن الآفات، والترياق والفادزهر: كل ما يحفظ صحة الروح وقوتها لتتمكن من دفع ضرر السموم، بخاصية فيه.

    (الفن الثاني: يشتمل على جملتين) الجملة (الأولى: في أحكام الأدوية والأغذية المفردة، وتشتمل على بابين) الباب (الأول: كلام كلي في الأدوية المفردة) أما الأغذية، فقد مر الكلام فيها في الستة الضرورية (كل ما يؤثر في البدن الإنساني) من الأدوية (بكيفيته) أي حره، وبرده، ورطوبته، ويبوسته (فإنه إذا ورد على البدن وانفعل عن الحرارة الغريزية) التي تعمل فيه (فإما أن لا يؤثر) ذلك الدواء (فيه) أي في البدن (كيفية زائدة على ما للإنسان) بأن كان تأثيره مثل كيفية البدن تماماً (وهو الدواء المعتدل، أو يؤثر فيه) أي في البدن (كيفية زائدة) على ما للإنسان (وهو الدواء الخارج عن الاعتدال) إلى تلك الكيفية، فلو أثر في البدن حرارةً، كان الدواء حاراً، وهكذا (وذلك التأثير إن لم يكن محسوساً) واضحاً مباناً، وإن أثر واقعاً (فهو في الدرجة الأولى) من تلك الكيفية حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة (وإن أحس بذلك) التأثير بأن كان واضحاً ومبيناً (ولم يضر) البدن (فهو في الدرجة الثانية، وإن) أحس بالتأثير و(أضر) المستعمل له (ولم يبلغ أن يقتل فهو في الدرجة الثالثة وإن بلغ ذلك) بأن قتل (فهو في الدرجة الرابعة، ويسمى الدواء السمي) لأنه يقتل كالسموم، والفرق بين هذا وبين السم أن هذا يقتل بسبب كيفيته، والسم يقتل بسبب صورته النوعية، فمثل الدواء السمي مثل الماء الحار شديداً، إذا قتل الإنسان بسبب حرارته فإنه ليس بسم، وإنما يقتل بالكيفية.

    (ومن الأدوية ما قوته مركبة) من قوى بسيطة متعددة (وهو الذي يكون تركبه عن أشياء ممتزجة) يكون كل واحد منها ممزوجاً من العناصر وله كيفية خاصة (فحصل له) أي للمركب (مزاج ثان) غير مزاج مفرداته، كالسكنجبين الذي له مزاج دافع الصفراء، مع أن كل واحد من الخل والسكر ليس كذلك (وذلك) التركيب الحادث (إما تركيب طبيعي) من صنع الله سبحانه (كاللبن) المركب من الماء والجبن والسمن (وإما) تركيب (صناعي كالترياق) المركب من أدوية متعددة ذوات أمزجة، فإذا تركبت حصل للمجموع مزاج جديد (فيؤثر كل واحد من تلك الممتزجات) طبيعياً أو صناعياً (أثره) الخاص به (فقد يصدر عنه) أي عن المركب (آثار متضادة) لتضاد أمزجة أجزائه (كالحرارة والبرودة كما في الورد) فإنه يوجب الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، لتركبه من أجزاء لها هذه الكيفيات، وإن تعدلت بالكسر والانكسار (ثم) أن المزاج الثاني الذي حصل عليه المركب بسبب التركيب (قد يكون مستحكماً) لشدة التركيب وتداخل الأجزاء (بحيث لا تحله النار) مباشرة (فضلاً عن الطبخ) في الماء الذي يؤثر فيه النار بواسطة الماء، فالنار وإن فتتت أجزاءه لكنها تفتت أجزاء مركبة لا أنها تفرق البسائط بعضها عن بعض (وقد يكون) المزاج التركيبي (أضعف) من ذلك المستحكم ويسمى رخواً، وهو ثلاثة أقسام، الأول: ما (تحله النار دون الطبخ) فلا يحله الطبخ (كالبابونج، فإن فيه قوة قابضة وقوة محللة لا يفترقان بالطبخ) بل ينتقلان معاً إلى الماء المطبوخ فيه، لكن لو أحرقناه بالنار تفرقت كما تتفرق أجزاء الخشبة عند الاحتراق. (و) الثاني: (قد يكون) المزاج الثاني (أضعف) من هذا (بحيث يحله الطبخ دون الغسل كالعدس، فإنه فيه قوة محللة تخرج) تلك القوة (بالطبخ في مائه) حيث تنتقل إلى الماء الأجزاء التي تحمل القوة المحللة (ويبقى القوة القابضة في جرمه) أي جرم العدس، إلا أن يطبخ طبخاً شديداً جديداً، فأجزاؤه الأرضية تنحل، ولهذا يكتسب الماء كلتا القوتين. (و) الثالث: (قد يكون) المزاج الثاني (أضعف) من هذا (بحيث يحلله الغسل كالهندباء) فإن فيه قوة مفتحة، وقوة باردة (وجزؤه المفتح يزول بالغسل ويبقى الجزء المائي) البارد.

    (وتأثير الدواء: إما أن يكون خارجاً) أي في خارج البدن (فقط) دون داخله (كالبصل ضماداً) فإنه يقرح البدن (مع السلامة عنه) أي عن أثره وهو التقريح، مأكولاً (وذلك) أوجب التحيّر، فإنه إن كان البصل مقرحاً، فلماذا لا يفعل ذلك في الباطن؟ وإن لم يكن مقرحاً، فلماذا يفعل ذلك في الظاهر؟ ولهذا وجهوا لذلك توجيهات: (إما لاختلاطه مع غيره المخالط معه) فتكسر سائر الأطعمة التي تؤكل مع البصل سورته (من مأكول) ـ بيان: غيره ـ (أو رطوبة بدنية) موجودة في داخل البدن تمنع عن عمله، وهو التحريق (أو لأن الحرارة الغريزية تهضمه) وتغيره عن طبيعته سريعاً، فيستحيل عن الكيفية التقريحية (فتفرقه وتشتته) في البدن (فلا يبقى) بمجموعه (في مكان واحد) ليؤذي (إلا قليلا، ويتحلل منه ما يؤثر ذلك) التقريح فوراً (أو لأنه عند تأثير الحرارة) الغريزية (فيه، يتحلل منه ما يؤثر ذلك التقريح) ولو بقي في مكان واحد مجتمعاً، كما أن الماء يحلل الجزء المفتح من الهندباء بمجرد الغسل (وإما أن يكون) تأثير الدواء (داخلاً) أي في داخل البدن (فقط) دون خارجه (كالاسفيداج) وهو رماد الرصاص أو الإنك والانك: هو السرب (فإنه لا يقتل ضماداً ويقتل مشروباً).

    وقد وجهوا ذلك بتوجيهات: (وذلك إما لغلظه فلا ينفذ) في مسامات الجلد عند الضماد، حتى لو نفذ إلى الأعضاء الرئيسية لكان قاتلاً، بخلاف ما لو شرب، فإنه ينفذ إلى الأعضاء الرئيسية فيقتل (أو لأن حرارتنا) الغريزية (لا تجذب منه) عند الضماد (ما ينفذ) في البدن (فيؤثر) وإن كانت المسامات واسعة وهو غير غليظ (وإما أن يكون) تأثير الدواء (داخلاً وخارجاً) إما بكيفية واحدة أو بكيفيات مختلفة، فالأول (كتبريد الماء) فإنه سواء صب على الإنسان أو شرب منه برد (و) الثاني ما (قد يكون تأثيره الخارجي مضاداً لتأثيره الداخلي، كالكزبرة فإنها تحلل الأورام إذا استعملت عليها من خارج حتى الخنازير) التي لها مادة صعبة (وإذا استعملت من الداخل) بالأكل (غلظت) المواد وكثفتها (وبردت) وذلك لأنه مركب من جزء بارد وجزء حار، فإذا ضمد نفذ الجزء الحار في المسام لا البارد فتحلل، وإذا شربت أو أكلت حللت الحرارة الغريزية ـ لقوتها في الباطن ـ الجزء الحار قبل أن يؤثر، فعمل الجزء البارد عمله.

    (والأدوية تعرف قواها) الحارة والباردة وغيرها من سائر القوى (بطريقين، أحدهما: التجربة، والآخر: القياس) والتجربة، كأن يشرب فيعرف أنه حار، والقياس، كأن يرى لونه الأبيض مثلاً، فيعرف أنه بارد (وإنما يعتقد صدق التجربة برعاية شروط) إذ من المحتمل أن الكيفية إنما حصلت بأسباب خارجة، كما تقدم في إيجاد الماء البارد الحرارة (أحدها: إذا كانت التجربة على بدن الإنسان) فإن مزاج الإنسان مخالف لمزاج سائر الحيوانات، فالتجربة عليها لا تفيد للإنسان شيئاً (ثانيها: إذا كان الدواء خالياً عن كل كيفية عرضية) بأن لا يكون الدواء عفناً لطول بقائه، ولا اكتسب برودة أو حرارة من ثلج أو نار، لأنه حينئذ لا يعلم مدى تأثيره الواقعي (ثالثها: إذا استعمل الدواء في علل متضادة) كأن استعمل في المرض الحار فبرد، وفي المرض البارد فأزاده برودة، إذ لو استعمل في علة واحدة لم يعرف أن التأثير لذاته، أو لأنه في هذا المرض يؤثر هذا الأثر عرضاً (رابعها: إذا استعمل في علل بسيطة) لأنه إذا كان المرض مركباً ونفع الدواء أو ضر، لم يعلم أنه يؤثر لأمر في ذاته، أو أثر لتضاد الأمراض (خامسها: أن يكون استعمال الدواء بما) أي بقدر في الدرجة والكمية (يكون قوته مساوية لقوة العلة في الخروج) عن الاعتدال، فلو كان المرض حاراً في الدرجة الأولى شرب من الدواء الذي في الدرجة الأولى ـ لكنه لم يعلم حره وبره ـ بقدر مثقال مثلاً، إذ لو شرب ما في الدرجة الرابعة فمات فإنه لم يعلم أنه لحره أو لبرده، أو شرب عشر مثاقيل فازداد حرارة، فإنه لا يعلم أنه لحر الدواء أو لأن الدواء لكثرته أوجب انسداد المسام، فقويت الحرارة الغريزية مثلاً (سادسها: أن يكون تأثيره أولياً) بأن يؤثر بعد استعماله مباشرة تقريباً، لا بعد أن خرج من البدن بالهضم مثلاً، إذ لعل التأثير الثاني عرض، وربما كان الأمر بالعكس، كما أنه إذا شرب الإنسان الماء الحار يوجب الحرارة، لكنه بعد مدة تزول الحرارة من الماء ويوجب البرودة (سابعها: أن يكون تأثيره دائماً أو أكثرياً) لأن الطبيعة تؤثر كذلك، فلا عبرة بالتأثير النادر، لأنه يكون لأمر عرضي.

    (وأما القياس: فيدل) على قوى الأدوية وخواصها (بوجوه، أضعفها) أي أضعف تلك الوجوه: (اللون) أما أنه أضعف الوجوه، فلأن في كل جنس من الألوان أدوية متضادة، فالكافور البارد والفلفل الحار كلاهما أبيض وهكذا (ووجه الاستدلال به) أي باللون (أن البرد يبيض الجسم الرطب) لأنه يوجب تكثيف أجزائه وجمعها وقبضها، فيحدث فرج بينها تملأ بالأهواء فيُرى أبيض لانعكاس الضوء من داخل تلك السطوح الكثيرة، كما في الثلج (ويسود اليابس) لأن البرد يكثفه ويقبضه ويخرج ما بين أجزائه من الهواء (والحر بالعكس) يبيض اليابس، لأنه يخلخله بالإذابة، ويسود الرطب لأنه يجففه ويقل من سطوحه (ثم الرائحة) أقوى من اللون في الدلالة على مزاج الدواء، ووجه كونها أقوى أن أجزاءً منها تصل إلى الحاسة فتدرك خصوصياتها (فالحادة) من الرائحة (للحرارة) لأنها تلذع وتهيج (والندية) وزن: كنفه، التي فيها تسكــين للنفس والروح (وعدم الرائحة للبرودة) فإن البارد لا يلذع، بل تسكن إليه النفس (ثم الطعم) أقوى من الرائحة في الدلالة على مزاج الدواء، ووجه كونه أقوى، أن الرائحة إنما تنفصل من بعض أجزاء الجسم، بخلاف الطعم، فإنه يصل من جميع أجزائه أثر إلى القوى الذائقة، فتدركه بجميع أجزائه (ويختلف الطعم باختلاف المادة) الحاملة للطعم (وباختلاف الفاعل) للطعم والفاعل هو المزاج، فمثلاً للسكر مادة رملية ومزاج، والأول هي الحامل للحلاء، والثاني هو الذي يفعل الحلاء، ويعرف الفرق بالقياس: فالرمل له المادة المماثلة وليس له المزاج، والعسل ليس له المادة المماثلة وله المزاج (فالمادة: إما كثيفة، أو لطيفة، أو متوسطة بينهما) لا كثيفة ولا لطيفة (والفاعل: إما الحرارة، أو البرودة أو الاعتدال بينهما) فالأقسام تسعة (فالكثيف الحار مر) كالحنظل (و) الكثيف (البارد عفص) كالشب (و) الكثيف (المعتدل) بين الحرارة والبرودة (حلو) كالسكر (واللطيف الحار حريف) كالفلفل (و) اللطيف (البارد حامض) كالليمون (و) اللطيف (المعتدل) بين الحرارة والبرودة (دسم) كالدهن (والمتوسط) بين الكثيف واللطيف (الحار مالح) كالملح (و) المتوسط (البارد قابض) كالسفرجل (و) المتوسط (المعتدل) بين الحار والبارد (تفه) والكلام حول ذلك طويل نكتفي منه بهذا القدر.

    (وقد يقع بسبب الرائحة واللون والطعم غلط في الممتزج مزاجاً ثانياً) إذ الممتزج قد يغلب عليه لون البياض لجزئه الأبيض، فيظن أنه بارد، والحال أنه حار لجزئه الحار الذي لا لون له مثلا، وهكذا وذلك بخلاف البسيط الذي يعبر عنه بالممتزج امتزاجاً أولياً، لامتزاجه من العناصر الأربعة (وذلك) الغلط (بـ) سبب (أن يكون لأحد مفرداته طعم أو لون أو رائحة ويكون ذلك فيه قوياً غالباً) لم يتمكن المخالف له في المزاج إبطاله (وتكون حرارته وبرودته) المخالفة لذلك الظاهر من أحد الثلاثة (ضعيفة مغلوبة لم تظهر) فيكون الحار مزاجه أبيض، والبارد مزاجه أسود، وهكذا (فيغلب على ذلك الممتزج طعم ذلك المفرد) الغالب القوي (أو لونه أو رائحته، وتكون الكيفية) المزاجية (التي هي الحرارة أو البرودة) أو الرطوبة أو اليبوسة (تابعة لمفرده الآخر) فلا يدل الطعم واللون والرائحة على المزاج (مثال ذلك: لو خلط رطل من اللبن مع مثقالين من الفرفيون) وهو صمغ حار حاد يابس في الدرجة الرابعة (لكان المجموع حاراً جداً) لحرارة جزئه (مع بياضه) التابع لغلبة لون اللبن (ويكون مع ذلك) المزاج الحار (البياض للبرد الموجود في أحد البسيطين) وهو اللبن (لا للمجموع) وذلك دليل على أن اللون والطعم والرائحة غالبي لا دائمي.

    (ومما يدل على كيفية الدواء) وأنه حار أو بارد أو غيرهما (سرعة الانفعال) عن الحرارة الخارجية لدى إحراق الدواء أو طبخه (وبطؤه) لكن ذلك بشرط، وهو أنه (إذا تساويا) أي الدواءان اللذان نريد أن نعرف أيهما حار وأيهما أكثر حرارة (في اللطافة) أي رقة القوام (والكثافة) أي ضيق المسام (والتخلخل) أي سعة المسام (والفرج) عطف بيان للتخلخل (فأيهما قبل الاشتعال) بالنار عند إحراقه (أسرع) من الآخر (دل على أن الجزء الناري فيه أكثر) فيتعاضد الجزء الناري مع النار، فيشتعل أسرع (وأيهما قبل الحرارة) في صورة طبخ الدواء، أو اقترابه من النار بدون إحراقه (أو البرودة) المجمدة في صورة تقريبه من الثلج ونحوه (أسرع، فتلك الكيفية فيه أقوى) لأنه يتعاضد جزؤه الداخل مع الفاعل الخارجي، فيقبل الأثر أسرع (بشرط أن يكون المؤثر) فيهما (والقرب منه) أي من المؤثر (متساويين) بأن يلقيان في نار واحدة، أو يقربان من نار بحيث يكون الفصل بين كل وبين النار ذراعاً، وذلك واضح.

    (وقد تستعمل في الباب الثاني) الذي هو في أحوال الأدوية والأغذية المفردة (ألفاظ) اصطلاحية (غير مشهورة، فنريد) الآن (أن نشرحها) ليسهل على المبتدئ: (الدواء اللطيف: ما من شأنه التصغر) أي الانقسام إلى أجزاء صغيرة (عند فعل حرارتنا الغريزية فيه كالدارصيني) فإنه يتفتت إلى أجزاء صغار جداً عند الهضم (والكثيف: ما يقابله) أي يقابل اللطيف، فلا ينقسم إلى أجزاء صغار عند عمل الحرارة الغريزية فيه (واللزج: ما لا ينقطع عند الامتداد) كالمطاط الذي إذا امتد لا ينقطع كالعسل (والهش) عكسه فهو: (ما يتفتت بأدنى مس) ولو بدون التمديد (كالصبر) ولذا فهو لا يقابل اللزج تماماً (والجامد: ما من شأنه أن يسيل، وهو في الحال مجتمع غير سيال) أي ما له قابلية السيلان مع عدم فعليته (كالشمع) حال جموده (والسائل: ما من شأنه أن تنبسط أجزاؤه إلى أسفل) كالماء والحليب وسائر المايعات (واللعابي: ما تنفصل عنه إذا نقع في الماء أجزاء) تخلط بالماء (ويصير المجموع لزجاً كالخطمي) والصمغ (والدهني: ما في جوهره دهن كاللبوب) كلب الجوز والفستق وغيرها (والمنشف: ما إذا لاقته مائية غاصت) تلك المائية (في مسامه الخفية، فلا يظهر فيه أثر منها) أي من المائية (كالنورة غــير المصفاة) بخلاف المصفاة فليست كذلك (والملطف: ما يجعل قوام المادة) الموجودة في البدن (أرق) مما كانت عليه (كالزوقاء) وذلك ورق كالخطمي (والمحلل: ما يهيئ المادة للتبخير كالجندبيدستر) وهو خصية كلب الماء (والجالي: ما يجرد الرطوبة اللزجة عن فوهات مسامات العضو) ويزحزحها (كالحموضات) فإنها كذلك (والمخشن: ما يجعل أجزاء سطح العضو مختلفة الوضع) في الارتفاع والانحطاط، أي يجعله خشناً (بعد ملاسة طبيعية أو) ملاسة (عارضة) كما تمتس الرحم أو المعدة أحياناً (عن مادة لزجة) انبسطت على السطح فجعلته أملس كشحم الرمان (والمفتح: ما يخرج المادة السادة) أي المحتبسة (عن المجرى إلى خارج كالكرفس) فإنه مفتح لسدد (والمرخي: ما يلين جرم العضو بحرارته المعتدلة وبرطوبته الملينة) فإنهما يرخيان العضو (كالماء الحار) فإنه بحره ورطوبته يلين ويرخي (والمنضج: ما يعدل قوام الخلط) بتغليظ ما رق، وترقيق ما غلظ (ويهيئ للدفع) كالأدوية المركبة المستعملة قبل المسهل (والهاضم: ما يفيد الغذاء سرعة إنضاج) ليصلح للذهاب إلى الكبد، وينقلب دماً كالأبازير (والمحلل للرياح: ما يرقق قوام الريح) حتى تصير بعد التكاثف كالهواء الرقيق (ليندفع) عن البدن (كالسذاب) وزن سحاب، هو من الحشائش (والمقطع: ما يقسم المادة إلى أجزاء صغار ويفرق اتصالها وأن بقيت على غلظها) كالأدوية الحريفة (والجاذب: هو ما يحرك المادة إلى موضعه) المطلوب جذبها إليه، كالأدوية الحارة الجاذبة (واللاذع: ما يفرق بقوة نفاذة له) أي نفاذة في الجسم (اتصال العضو في مواضع كثيرة لا يحس) الإنسان (بانفرادها) أي كل موضع موضع منها، وإنما يحس بالألم في مجموع العضو، ولذا قال: (بل يحس) بالألم (بجملتها) وذلك (كالخردل) والخل (والمحمر: ما يجذب الدم بقوة إلى الجلد، فيحمر اللون) لانتشار الدم تحته كالدلك الشديد (والمحكك: خلطاً لذاعاً) كالصفراء، فيحس الإنسان باللذع في جلده، كالسقمونيا إذا شرب (والمقرح: ما يفني الرطوبة الأصلية) التي هي بين أجزاء الجلد (ويجذب مادة رديئة إلى ذلك الموضع حتى يقرح) وتحدث القرحة (كالبلادر) والبصل إذا ضمد (والمحرق: ما يفني بحرارته لطيف الأخلاط) بأن تذهب رطوبتها وتبقى أجساماً رمادية جامدة كالحر الشديد (والأكّال ما يبلغ تحليله إلى أن ينقص قدراً من جوهر اللحم) لا بسبب الإسقاط، بل بسبب التبخير (كالزنجار) الذي يأكل اللحم الزائد ونحوه (والمفتت: ما يصغر أجزاء الخلط المتحجر) كحصاة الكلية ونحوها (كالحجر اليهودي) الذي يفتت الخلط المتحجر، فيسهل إخراجه بسبب تصغيره إلى أجزاء (والمعفن: ما يفسد مزاج الروح والرطوبة الأصلية) الموجودة في الأعضاء (حتى لا تصلح) الروح (لما أعدت له) من الأعمال (كالزرنيخ) ويلزم من ذلك فساد العضو (والكاوي: ما يحرق الجلد فيجففه ويجعله كالحممة) حمم، على وزن صرد: الفحم (كالقلقطار) وهو الزاج الأصفر (والقاشر: ما يبلغ من فرط جلائه إخراج الجلد الفاسد كالقسط) هو بالضم دواء خشبي معروف (والمقوي: ما يعدل مزاج العضو) بأن يسخن البارد، ويبرد الساخن، حتى يكون كيفاً معتدلاً غير منحرف و(حتى لا يقبل الفضول) فإن العضو إذا صار منحرفاً ضعيفاً قبل الفضول (كدهن الورد) ونحوه (والرادع: ضد الجاذب) وهو ما يبرد العضو ويكثفه، ويجمد الفضول، فلا تنفذ في العضو، كالرمان المستعمل بعد الإسهال، لعدم انصباب الخلط إلى المعدة (والمغلظ: مضاد للملطف) فهو ما يجعل قوام الرطوبة أغلظ مما كان عليه كالتين (والمفجج: مضاد للهاضم) فهو ما يجعل الغذاء فجاً لا يطبخ، كشرب الماء أثناء الطعام (والمخدر: ما يجعل بقوة برده الروح الحساس والروح المحرك للعضو غير قابل للتأثير النفساني) فلا تؤثر النفس في الروحين حتى يعملان عملهما (كالافيون) وهو الترياك (والمنفخ: ما فيه رطوبة فضلية غليظة لا تقوى الحرارة على تحليلها) لغلظتها (بل تستحيل رياحاً كاللوبيا) الموجب للنفخ، ويوجد الرياح (والغسال: ما ينحي المادة) المشتبهة بالعضو (برطوبته وسيلانه عليها، لا لجلائه كالماء) فإن الجالي هو الذي يزحزح المادة بدون الرطوبة والسيلان (والموسخ للقروح: ما يرخيها برطوبته) الغليظة فتبقى في القرح، ويتسخ بسببه (والمزلق: ما يبل سطح الفضلة المحتبسة في المجرى) بسبب رطوبته الرقيقة التي تكون مغسلة للفضلة (فتنزلق) الرطوبة (بثقلها) الطبيعي لأنه إذا زال تشبثها بالعضو، تميل بسبب الدافعة (كالاجاص) وهو قسم من الفواكه (والملمس: ما ينبسط على سطح عضو خشن فيستر خشونته) لما فيه من الرطوبة اللزجة (والمجفف: ما ينقي الرطوبة من البدن بتلطيفه وتحليله) ولا يجذب الرطوبة إلى نفسه بخلاف المنشف ـ الذي سبق ـ (والقابض: ما يجمع أجزاء العضو فيتكاثف) وتنسد مجاريه فلا يمر فيه الغذاء ونحوه كالإهليلج (والعاصر: ما يبلغ قبضه إلى إخراج ما في تجويف العضو) من الرطوبات الرقيقة فهو أقوى من القابض (والمسدد: ما يحتبس في المجرى لكثافته ويبوسته) فلا يجري ويورث السدة (أو لتغريته) فإذا ورد على البدن صار لزجاً (فينسد) المجرى بسببه (والمغري: دواء يابس ذو رطوبة لزجة يلتصق بها) أي بسبب تلك الرطوبة اللزجة (على الفوهات) للمجاري (فيسدها) فيحتبس ما يسيل منها (والمدمل: يجعل الرطوبة التي بين شفتي الجرح لزجة) بسبب يبسه (فتلتصق إحداهما بالأخرى مثل دم الأخوين) وهو دواء وبذلك يحصل الاندمال (والمنبت للّحم: ما يعقد الدم الوارد على الجراحة لحماً) فقد عرفت أن اللحم إنما هو الدم المنعقد بسبب تحلل مائيته (والخاتم: ما يجعل على سطح الجراحة خشكريسة) وهي الجلية بسب تجفيفه للسطح الأعلى من الجرح (تكنّها) أي تكن الجلبة الجراحة (عن الآفات) إلى أن ينبت عليها اللحم والجلد (والترياق والفادزهر) اسمان لـ: (كل ما يحفظ صحة الروح وقوتها لتتمكن من دفع ضرر السموم، بخاصية فيه) وقد عرفت سابقاً معنى الخاصية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 3 مايو - 0:11