ما هو البترول ؟
البترول سائل دهني ، زيتي ، لزج ، قابل للإشتعال ، يحتوي على طاقة مركّزة وعالية جدّا ، سهل الضخ والتخزين والنقل والإستعمال لأجل سيولته ، له ألوان مختلفة حسب المواقع وظروف التخلّق ، تتراوح بين الرمادي العميق القريب من الأسود ، والأصفر الباهت ، والأصفر . ويعطي عند التعرض إلى الضوء ألوانا مشعة تميل إلى الخضرة والزرقة .
تصنيفه
البترول مكوّن كيميائي من صنف الهيدروكربونات Hydrocarbures ، مركب من سلاسل طويلة من الكربون Carbone والهيدروجين Hydrogéne ـ ونسب ضئيلة من الكبريت والنتروجين والأكسيجين ـ تختلف في طريقة تلاحم ذراتها ، وتكسبه خصائص متميزة في كل حالة ، مكّنتْ من تصنيفه إلى ثلاث أنواع :
الهيدروكربونات البرافينية Paraffiniques .
الهيدروكربونات النافتية Naphteniques , bitumeux .
الهيدروكربونات الأروماتية Aromatiques .
والفرق بين أنواع البترول يكمن في نِسَب مقادير هذه الهيدروكربونات في المزيج النفطي ، ودورها في تحديد مواصفات جودته بالقياس إلى المنتوج بعد التكرير ، وإعداده للإستهلاك . ولا نريد الدخول في التفاصيل لأن الموضوع يتناول جانبا معقّدا من الكيمياء العضوية ، وهو ليس من أهداف هذا البحث .
وتتعدّى دراسة البترول والغاز المستفيضة حدود علم واحد إلى كل العلوم الطبيعية تقريبا . فلمعرفة أصله ، لا بدّ من الإستنجاد بعلوم الجيولوجيا ، وكيمياء البترول ، وعلم آثار النبات ، وكيمياء الأحياء ، والميكروبيولوجيا ، والبيوجيوكيمياء ، والكيمياء الفيزيائية ، والكيمياء العضوية . أما دراسة قوانين تجمّعه ، وحركته في باطن الأرض ، فتتطلّب منّا الإلتجاء إلى علوم أخرى ـ فوق ما ذكرناه ـ مثل الجيوفيزياء ، والهيدروجيولوجيا ، والهيدروديناميك الخ... .
تكوين البترول
تكوّن البترول Petroleum ـ وهي كلمة تعني باللاّتينية زيت الصخور ـ من بقايا حيوانية ونباتية (طحالب ، علق ، محار ) بعد أن فارقت الحياة ، وجرفتها المياه الجارية التي تصبّ في المحيطات والبحار والخلجان حيث ترسّبت بالقاع . وبحكم ضعف نسب الأكسجين الحر بالتجمعات المائية ، فإنّ تحلّل تلك الأجسام تمّ ببطئ ، ممّا سمح للمواد المترسّبة من تغطيتها قبل تَلَفِها الكامل . ومع مرور الزمن ، المحسوب بعشرات ملايين السنين ، تواصلت عملية تراكم الأتربة والأوحال ، ونمت الطبقة تلو الطبقة ، فزادت من عمق المكان الحاوي لتلك الكائنات ، وازداد معها الضغط المتولّد عن وزن التراكمات ومعه ارتفاع مطرد في الحرارة ، بالإضافة إلى النشاط البكتيري طيلة عملية التكوين .
عندما تصل درجة الحرارة بالباطن إلى 60 د ، وهو يتناسب مع عمق يتراوح بين 1500 م ـ 2000 م ، تبدأ المادة المتخمّرة في التحوّل إلى هيدروكربون . ثم يتواصل ارتفاعها بسرعة أكبر إلى حدود الـ 100 د ـ وهو ما يعادل عمقا بـ 3000 م ـ ، حينها يتمّ تخلّق البترول على هيئته المعلومة .
لقد تكوّن البترول في المكان نفسه من البداية إلى النهاية ، وبحكم ضعف كثافته الأقل من كثافة الصخور الحاضنة له ـ وتسمى الصخرة الأم Roche mère ـ والأقل كذلك من كثافة المياه الجوفية المرافقة له ، وتحت قوة الضغوط الهائلة ، يندفع البترول في هجرة طويلة ، عموديا وأفقيا ، عبر طبقات رسوبية ذات نفاذية عالية تسمح بسرَيانه كأنه وسط أنابيب ميكروسكوبية . ويستمر في رحلته حتى يلقى أحد المصيرين : فإما أنه يصل إلى مشارف سطح الأرض ، متّبعا شبكة من التصدعات والشقوق ، فيلتقي بالهواء فيتأكسد ويضيع ، وهذه الحالات تعتبر نادرة بالقياس إلى المألوف في هذا الميدان ذلك أن تلك القنوات لا يتوفر فيها التواصل الكامل من الأعماق البعيدة حتى السطح باطراد بحكم تكوّنها العشوائي . وإما أنه يصطدم بحائل ـ وتدعى اصطلاحا بالمصائد Piéges ـ يتعذر عليه إزاءها التقدم أكثر ، فيستقر في مكانه ، ويتجمع بداخل تلك الصخور التي كانت تُقِلّه ، ويُكَوِّنُ جيوبا تتّسع وتضيق حسب الطبيعة الجيولوجية لتك المنطقة ، وتُسمّى "خزّان" Reservoir . إنها خزانات الحقول النفطية التي نستغلّها اليوم .
أنواع المصائد
المصائد عقبات طبيعية أمام حركة البترول أثناء هجرته ، ولها أصناف كثيرة نكتفي بذكر نوعين منها لأنهما الأكثر وجودا .
1 ـ المصائد القبوية Anticlinaux .
ما يجب أن يعلمه القارئ الكريم هو أن القشرة الأرضية في حركة مستمرة ، وهيئة الطبقات الصخرية في تغيير دائم ، ويحدث أن تكون الحركة المذكورة على شكل هزّات تحرك قطعةً عظمى من القشرة ، كما ننفض البساط من أحد أطرافه لإزالة الغبار المتراكم عليه ، فتعطيها شكلا تموّجيا تحتفظ به بعد انتهاء الظاهرة . قد يهاجر البترول داخل طبقة تكون خضعت في مستوى من مستوياتها لتلك الظروف ، وعند وصوله إليها فإنه يتبع التعرّج الصاعد إلى الأعلى على شكل قبّة ، ويندفع الماء المصاحب له وراءه ويبقى من تحته بحكم فرق الكثافة ، فتنغلق عليه (أي البترول) جميع المسالك : سقف وأرض لا نفاذية في مادتهما ، وماء من كل أقطاره يمنعه من التقدم أو التأخر ، فتنتهي رحلته عند ذلك المكان ، ويبدأ بالتجمع .
غالبا ما ينضمّ إلى البترول والماء المحبوسين كميات من الغاز الحر أو المنبعث من النفط ، ويتراكم بأعلى القبة لأنه أخف الثلاثة
2 ـ المصائد الصدعية Failles
يحدث ، عند حركة الأرض العمودية ، أن يتصدّع جزء من القشرة الأرضية ذو نفس التكوين فتنزلق قطعة منه إلى الأسفل ، فيزول تواصل الطبقات ، وتتغيّر أوضاعها بعد انشطارها . فإذا صادف واستقرت واجهة طبقة لا نفاذية لها قبالة واجهة التي كانت تحتها ، وكانت هذه تحتوي على بترول مهاجر ، فإنه سيتوقف ويكوّن ـ عبر الزمن ـ خزانا