استيقظت باكرا كعادتها.. تأملت الغرفة من حولها رغم أنها مذ ولدت وهي بها.. لكن كان ذلك
التأمل هو أول ما يحظى بتفكيرها صبيحه كل يوم، حيث أن لها من الذكريات ما تكون سيدة هذه
اللحظة في فكرها، نظرت هنا وهناك.. نفس المشهد كل يوم مع قليل من التغيير ، علها حركت
شيئا من أحد الأركان إلى غيره .. أضافت شيئا جديدا للغرفه ..أو عدلت من وضع ثيابها على تلك
الأريكة فهي لا تملك ما يحوي ثيابها غيرها تلك التي تقف في حزن بالغ الصمت وكأنها أطلال قصة
رويت وحفرت في حياتها وتأبى أن ترحل... في ذلك الركن الذي لطالما لعبت فيه مع ذلك الشخص
الذي ترك فراغا كبيرا في حياتها.. نعم.. داعبها كثيراعلى تلك الأريكة ،عانقها وجعلها تشعر بدفء
قلبه
طبع قبلاته بحنان على وجنتيها وكانت كلما غضبت منه ألقت بنفسها عليها حتى يأتي لها ذلك
الفارس ليسترضيها ويزيل عنها غضبها ثم... يعاودان اللعب.. لقد كان يدري دائما انها مكانها الأثير
ولا تعجبوا إن قلنا بأن تلك الأريكة كانت دوما رائعة المنظر وكأنها تبتسم وتعيش معهم لحظات
السعادة تلك ويسري بها ذاك الأحساس بالحب الصادق فقد كانت تشاركهم هذه اللحظات
بالفعل....
لم تكن ساعات المرح تطول وقتا لأنه كان يتركها برفق ويرتدي ثيابه مهرولا حتى لا يتأخر عن عمله
،كانت تلك اللحظه تشعرها بالأسى ولكن سريعا ما تتذكر لحظة عودته ثانية وتستعد لذلك
المشهد كيف ستقابله ؟ هل ستنتظره خلف الباب ؟؟ثم تفاجئه بحركة خفيفة وكأنها تنقض عليه
لتنال منه كما كانت ترى كثيرا في المسلسلات الكرتونية المفضلة إلى قلبها أم ستتظاهر بالنوم
حتى يذهب ليوقظها. أم . أم . لقد كانت تتفنن صغيرتنا في لحظة اللقاء تلك... كانت ميقنة من
شدة شوقه إلى شقاوتها وضحكتها الرائعة التي تسلبه عقله وهي أيضا لا تقل عنه شوقا،لذا
كانت تعد الدقائق والساعات حتى يعود لها ....
كل يوم كان يبدأ بيده الحانية تلاعب خصلات شعرها المرسلة على كتفيها وبرفق شديد يوقظها
حتى تقضي معه الوقت اليسير الذي يسبق وقت عمله، لقد كانت (رحيل) تحب والدها حبا جما
كان لها بمثابة صديقها المفضل لا ترى في هذه الدنيا غيره، هو كل شيء بالنسبة لها وككل
الأطفال كانت ترى والدها رمز القوة والحنان وهو القدوة لها في كل شيء،
كان لها الكثير من خيالاتها الطفولية التي كانت تسيطر على عقلها الصغير المليء ببراءة الأطفال
ولقد كانت تحيا بها....فلخيالاتها تلك جزء ليس باليسير من تلك الرأس الصغيرة...
ومرت الأيام عليهما على وتيرة واحدة.. يوقظها، تلعب معه، يذهب للعمل ثم يعود ويقضيان
يومهما في سعادة.. ثم يخلدان للنوم، سماؤهما كانت دوما زرقاء صافية ولا تهب عليهما سوى
رياح الصبا الهادئة..
وفي يوم بغيض إلى قلبها تلبدت السماء بالغيوم وهبت رياح هوجاء ولم تسمع للعصافير زقزقة ظلت
رحيل منتظرة والدها في صبرقد بلغ أقصاه تتنظر يده لتربت عليها، فقد استيقظت بمفردها، تعجبت
وتساءلت : " لماذا تأخر أبي ؟ أيعقل أنه نسي أن يوقظني ؟؟ أم أنه مازال في سريره متكاسلا ؟
"
استدركت مسرعه : " لا . لا . لا هذا ولا ذاك لا يمكن لأبي أن ينسى إيقاظي وإنه ليس
بالمتكاسل "
وفي تلك اللحظة تسرب قلق إلى قلبها الغض الطري، إنها لم تكن تدري ما هو القلق ولكنها
أحست به وأدركته حين ذكرت حالها حينها...فقد فهمت معناه حين تقدم بها العمر....
بدأت تتحرك بخطوات متثاقلة سريعه، وبخفة مثل تلك التي نراها في الأفلام والتي يتحرك بها
اللصوص حتى لا يحس بهم أحد... كانت المسكينة تريد أن تفاجئه وتعاتبه، فتحت الباب ببطء
وكتمت أنفاسها وهي خائفة من أن يكون قد رحل ...دون أن يخبرها، ولكنها تنفست الصعداء حين
وجدته مازال نائما..و... قفزت على بطنه
وأمسكته من أذنيه وصرخت :" هيا استيقظ ولا تتظاهر بالنوم ظنا منك أنني لن أقتلك بساعدي
القوي ،هيا هيا "ولكنه لم يحرك ساكنا وهنا دخلت والدتها الغرفة وحملتها برفق قائلة : " يا
حبيبتي اتركي والدك يرتاح إنه مريض "
"مريض!! والدي مريض !! كيف ذلك أيعقل أن أبي يصيبه سقم ؟!؟ لا . أمي لا تحاولي أن تستخفي
بي إنني بالفعل لازلت صغيرة ولكن الرجال لا يسقمون "قالتها بمنتهى الثقة وكأنها ليست ابنة
الخمس سنوات بل معهم عشر آخرون!
ولكن حقا يالعقل الصغار!! لهم من الخيالات ما يضحك ، ومنها ما يثير العجب ، لقد كانت المسكينة
تظن أن الرجال لا يسقمون ،كيف لوالدها القوى أن يكون مريضا ..إما أنه ليس قويا كفاية ، أو أنها
مجرد مزحه لقد كانت حقا صدمة أصابت خيالها ، كانت ترى أن منتهى القوة عند والدها وأنه لا
يقهر، فكيف بها تراه مريضا دون حراك، ترددت قليلا ...وتساءلت هل تصدق والدتها ؟ وهل تسلم
بأن والدها أيضا يسقم ؟ربما لأنه بالفعل ليس قويا ؟ أم تيقن بأن خيالها هو عين الصواب ؟ بالطبع
لن تتخلى عن خيالها إنه عناد الأطفال!! أو ربما رغبتها في كون والدها سليما ...قررت (رحيل)
الإنتظار حتى ينتهي والدها من هذا التظاهر الذي سيصيبها بالملل لو طال ،..مر الوقت بطيئا جدا
وهي جالسه على أريكتها تنتظر قدوم والدها وبين الفينة والأخرى تذهب لتلقي عليه نظره وهوا لا
يزال مستلقيا على فراشه
وتخاطب نفسها حينها قائلة :" ياله من ممثل بارع ولكنه أيضا لن يخدعني " وتمط شفتيها في
امتعاض وتغادر الغرفة بدون أن تدرك شعورها في تلك اللحظات، لم تكن تدري أهي على صواب أم
أن هناك مالا تدركه ؟ولكن الصغار لا يكترثون بمثل هذه الأفكار ولذلك كانت تعود مسرعه لغرفتها
لتزاول الانتظار..
إنها هناك.. لا تزال تنتظر حتى غلبها النعاس وهي على ذلك الوضع ولم تدرك شيئا مما دار حولها
، وفجأة ...وجدت يدا رفيقة تحركها... أحست لبرهة بكم سعادة لا يوصف إذ كانت ميقنة بأنه
والدها... ، ولكن سرعان ما تلاشت سعادتها حين وجدت أنها إمرأة متشحه بالسواد لم تتبين
شخصها ..حملتها بين ذراعيها ومرت بها من أمام غرفة والدها ...و , ما هذا ؟؟! لقد وجدتها فارغه
!! أين ذهب والدي ؟
خاطبت نفسها :" لا بد وأنه مختبئ مني في مكان ما لأنه خائف " ولكن مالذي حل ببيتنا ؟ من
هؤلاء ؟ ومن هذه التي تحملني ؟؟
أسئلة كثيرة وحيرة وقعت فيها الصغيرة وهي تحاول أن تجيب على نفسها ولكن عجزت عن تفسير
ما تراه...لم يستوعب عقلها الصغير كل ذلك... ويالكآبة المنظر! سواد هنا وهناك... بكاء يملأ
المكان . وهي تحاول أن تلمح والدها وسط هذا اللون الذي غطى أرجاء
المنزل ، ولكن دون جدوى .. في الخارج كان المطر غزيرا والريح تعصف وكأنما أرادت السماء أن
تشارك هؤلاء الذين يملؤؤن البيت النحيب والنواح ، سمعت الجميع يتمتم ب ( لا حول ولا قوة إلا بالله
...إنا لله وإنا إليه راجعون ...)...وبالكاد رأت وسط هؤلاء النساء أمها ،حملتها واحتضنتها وانهمرت
دموعها على وجهها وبصورة لا إرادية وجدت رحيل نفسها تمسح دموع أمها وتبكي دون أن
تشعر... كان بالفعل منظرا لا ينسى حفر في مخيلة تلك الطفلة وهو ما بقي لها من ذكرى والدها
الذي رحل دون أن يخبرها،... مسكينة حقا تلك الصغيرة!! ..لقد كانت تنتظر استيقاظ والدها من
ذلك المشهد التمثيلي الذي تحول إلى اختفاء تام .. فقد كان سقمه شديدا ولم تطل شدته ...
لقد ....لقد....فارق الحياة!!دون أن تودعه رحيل....ودون حتى أن تلقي عليه نظرة واحدة..وكأنما
غالبها النوم حتى لا تعيش تلك اللحظة القاسية ...
لم تدرك حينها ( رحيل ) معنى الرحيل ظنت أن اختفاء والدها قصير المدة وأنه سيعود ولكن يالها
من محطمات كثيرة لخيالاتها فبعد أن أسلمت أمرها وخالفت خيالها وسلمت بأن فكرة مرض
والدها قد تكون حقيقة فوجئت بشيء جديد وهو أن ذلك القوى قد رحل!! رحل ولم يسقم فقط !!
هل سيعود؟؟ لقد أخبرت بأنه مات ،حاولت أن تعي مع خيالها الصغير معنى الموت.. هذا المصطلح
الذي أثقل كاهل تفكيرها ..ولكن دون جدوى، كل ما علمت في ذلك الوقت بأن والدها سوف يعود
وهذا ما أخبرتها به أمها وما اكتشفت خلافه بعد حين ..ودعوا منزلهم ورحلوا ولكنهم عادوا مرة
أخرى بعد أن زالت عنه وحشة الموت قليلا.... بالطبع لم تنسى الطفلة والدها ،ولكن حقيقة
واحدة أدركتها (رحيل ) و رسخت في ذهنها وهي أنه ليس هناك منتهى للقوة.... ولا بد للقوى
ممن يقهره !!
وفجأة تفيق (رحيل) من تأملاتها ..وتشيح بنظرها عن تلك الأريكة التي تثير في نفسها تلك
الذكريات التي مضى عليها حوالي العشر سنوات.. وتنهض ببطء من على فراشها وقد امتلأت
عيناها بالدموع، وتنطق شفتاها بالدعاء لذلك الوالد الراحل ...
التأمل هو أول ما يحظى بتفكيرها صبيحه كل يوم، حيث أن لها من الذكريات ما تكون سيدة هذه
اللحظة في فكرها، نظرت هنا وهناك.. نفس المشهد كل يوم مع قليل من التغيير ، علها حركت
شيئا من أحد الأركان إلى غيره .. أضافت شيئا جديدا للغرفه ..أو عدلت من وضع ثيابها على تلك
الأريكة فهي لا تملك ما يحوي ثيابها غيرها تلك التي تقف في حزن بالغ الصمت وكأنها أطلال قصة
رويت وحفرت في حياتها وتأبى أن ترحل... في ذلك الركن الذي لطالما لعبت فيه مع ذلك الشخص
الذي ترك فراغا كبيرا في حياتها.. نعم.. داعبها كثيراعلى تلك الأريكة ،عانقها وجعلها تشعر بدفء
قلبه
طبع قبلاته بحنان على وجنتيها وكانت كلما غضبت منه ألقت بنفسها عليها حتى يأتي لها ذلك
الفارس ليسترضيها ويزيل عنها غضبها ثم... يعاودان اللعب.. لقد كان يدري دائما انها مكانها الأثير
ولا تعجبوا إن قلنا بأن تلك الأريكة كانت دوما رائعة المنظر وكأنها تبتسم وتعيش معهم لحظات
السعادة تلك ويسري بها ذاك الأحساس بالحب الصادق فقد كانت تشاركهم هذه اللحظات
بالفعل....
لم تكن ساعات المرح تطول وقتا لأنه كان يتركها برفق ويرتدي ثيابه مهرولا حتى لا يتأخر عن عمله
،كانت تلك اللحظه تشعرها بالأسى ولكن سريعا ما تتذكر لحظة عودته ثانية وتستعد لذلك
المشهد كيف ستقابله ؟ هل ستنتظره خلف الباب ؟؟ثم تفاجئه بحركة خفيفة وكأنها تنقض عليه
لتنال منه كما كانت ترى كثيرا في المسلسلات الكرتونية المفضلة إلى قلبها أم ستتظاهر بالنوم
حتى يذهب ليوقظها. أم . أم . لقد كانت تتفنن صغيرتنا في لحظة اللقاء تلك... كانت ميقنة من
شدة شوقه إلى شقاوتها وضحكتها الرائعة التي تسلبه عقله وهي أيضا لا تقل عنه شوقا،لذا
كانت تعد الدقائق والساعات حتى يعود لها ....
كل يوم كان يبدأ بيده الحانية تلاعب خصلات شعرها المرسلة على كتفيها وبرفق شديد يوقظها
حتى تقضي معه الوقت اليسير الذي يسبق وقت عمله، لقد كانت (رحيل) تحب والدها حبا جما
كان لها بمثابة صديقها المفضل لا ترى في هذه الدنيا غيره، هو كل شيء بالنسبة لها وككل
الأطفال كانت ترى والدها رمز القوة والحنان وهو القدوة لها في كل شيء،
كان لها الكثير من خيالاتها الطفولية التي كانت تسيطر على عقلها الصغير المليء ببراءة الأطفال
ولقد كانت تحيا بها....فلخيالاتها تلك جزء ليس باليسير من تلك الرأس الصغيرة...
ومرت الأيام عليهما على وتيرة واحدة.. يوقظها، تلعب معه، يذهب للعمل ثم يعود ويقضيان
يومهما في سعادة.. ثم يخلدان للنوم، سماؤهما كانت دوما زرقاء صافية ولا تهب عليهما سوى
رياح الصبا الهادئة..
وفي يوم بغيض إلى قلبها تلبدت السماء بالغيوم وهبت رياح هوجاء ولم تسمع للعصافير زقزقة ظلت
رحيل منتظرة والدها في صبرقد بلغ أقصاه تتنظر يده لتربت عليها، فقد استيقظت بمفردها، تعجبت
وتساءلت : " لماذا تأخر أبي ؟ أيعقل أنه نسي أن يوقظني ؟؟ أم أنه مازال في سريره متكاسلا ؟
"
استدركت مسرعه : " لا . لا . لا هذا ولا ذاك لا يمكن لأبي أن ينسى إيقاظي وإنه ليس
بالمتكاسل "
وفي تلك اللحظة تسرب قلق إلى قلبها الغض الطري، إنها لم تكن تدري ما هو القلق ولكنها
أحست به وأدركته حين ذكرت حالها حينها...فقد فهمت معناه حين تقدم بها العمر....
بدأت تتحرك بخطوات متثاقلة سريعه، وبخفة مثل تلك التي نراها في الأفلام والتي يتحرك بها
اللصوص حتى لا يحس بهم أحد... كانت المسكينة تريد أن تفاجئه وتعاتبه، فتحت الباب ببطء
وكتمت أنفاسها وهي خائفة من أن يكون قد رحل ...دون أن يخبرها، ولكنها تنفست الصعداء حين
وجدته مازال نائما..و... قفزت على بطنه
وأمسكته من أذنيه وصرخت :" هيا استيقظ ولا تتظاهر بالنوم ظنا منك أنني لن أقتلك بساعدي
القوي ،هيا هيا "ولكنه لم يحرك ساكنا وهنا دخلت والدتها الغرفة وحملتها برفق قائلة : " يا
حبيبتي اتركي والدك يرتاح إنه مريض "
"مريض!! والدي مريض !! كيف ذلك أيعقل أن أبي يصيبه سقم ؟!؟ لا . أمي لا تحاولي أن تستخفي
بي إنني بالفعل لازلت صغيرة ولكن الرجال لا يسقمون "قالتها بمنتهى الثقة وكأنها ليست ابنة
الخمس سنوات بل معهم عشر آخرون!
ولكن حقا يالعقل الصغار!! لهم من الخيالات ما يضحك ، ومنها ما يثير العجب ، لقد كانت المسكينة
تظن أن الرجال لا يسقمون ،كيف لوالدها القوى أن يكون مريضا ..إما أنه ليس قويا كفاية ، أو أنها
مجرد مزحه لقد كانت حقا صدمة أصابت خيالها ، كانت ترى أن منتهى القوة عند والدها وأنه لا
يقهر، فكيف بها تراه مريضا دون حراك، ترددت قليلا ...وتساءلت هل تصدق والدتها ؟ وهل تسلم
بأن والدها أيضا يسقم ؟ربما لأنه بالفعل ليس قويا ؟ أم تيقن بأن خيالها هو عين الصواب ؟ بالطبع
لن تتخلى عن خيالها إنه عناد الأطفال!! أو ربما رغبتها في كون والدها سليما ...قررت (رحيل)
الإنتظار حتى ينتهي والدها من هذا التظاهر الذي سيصيبها بالملل لو طال ،..مر الوقت بطيئا جدا
وهي جالسه على أريكتها تنتظر قدوم والدها وبين الفينة والأخرى تذهب لتلقي عليه نظره وهوا لا
يزال مستلقيا على فراشه
وتخاطب نفسها حينها قائلة :" ياله من ممثل بارع ولكنه أيضا لن يخدعني " وتمط شفتيها في
امتعاض وتغادر الغرفة بدون أن تدرك شعورها في تلك اللحظات، لم تكن تدري أهي على صواب أم
أن هناك مالا تدركه ؟ولكن الصغار لا يكترثون بمثل هذه الأفكار ولذلك كانت تعود مسرعه لغرفتها
لتزاول الانتظار..
إنها هناك.. لا تزال تنتظر حتى غلبها النعاس وهي على ذلك الوضع ولم تدرك شيئا مما دار حولها
، وفجأة ...وجدت يدا رفيقة تحركها... أحست لبرهة بكم سعادة لا يوصف إذ كانت ميقنة بأنه
والدها... ، ولكن سرعان ما تلاشت سعادتها حين وجدت أنها إمرأة متشحه بالسواد لم تتبين
شخصها ..حملتها بين ذراعيها ومرت بها من أمام غرفة والدها ...و , ما هذا ؟؟! لقد وجدتها فارغه
!! أين ذهب والدي ؟
خاطبت نفسها :" لا بد وأنه مختبئ مني في مكان ما لأنه خائف " ولكن مالذي حل ببيتنا ؟ من
هؤلاء ؟ ومن هذه التي تحملني ؟؟
أسئلة كثيرة وحيرة وقعت فيها الصغيرة وهي تحاول أن تجيب على نفسها ولكن عجزت عن تفسير
ما تراه...لم يستوعب عقلها الصغير كل ذلك... ويالكآبة المنظر! سواد هنا وهناك... بكاء يملأ
المكان . وهي تحاول أن تلمح والدها وسط هذا اللون الذي غطى أرجاء
المنزل ، ولكن دون جدوى .. في الخارج كان المطر غزيرا والريح تعصف وكأنما أرادت السماء أن
تشارك هؤلاء الذين يملؤؤن البيت النحيب والنواح ، سمعت الجميع يتمتم ب ( لا حول ولا قوة إلا بالله
...إنا لله وإنا إليه راجعون ...)...وبالكاد رأت وسط هؤلاء النساء أمها ،حملتها واحتضنتها وانهمرت
دموعها على وجهها وبصورة لا إرادية وجدت رحيل نفسها تمسح دموع أمها وتبكي دون أن
تشعر... كان بالفعل منظرا لا ينسى حفر في مخيلة تلك الطفلة وهو ما بقي لها من ذكرى والدها
الذي رحل دون أن يخبرها،... مسكينة حقا تلك الصغيرة!! ..لقد كانت تنتظر استيقاظ والدها من
ذلك المشهد التمثيلي الذي تحول إلى اختفاء تام .. فقد كان سقمه شديدا ولم تطل شدته ...
لقد ....لقد....فارق الحياة!!دون أن تودعه رحيل....ودون حتى أن تلقي عليه نظرة واحدة..وكأنما
غالبها النوم حتى لا تعيش تلك اللحظة القاسية ...
لم تدرك حينها ( رحيل ) معنى الرحيل ظنت أن اختفاء والدها قصير المدة وأنه سيعود ولكن يالها
من محطمات كثيرة لخيالاتها فبعد أن أسلمت أمرها وخالفت خيالها وسلمت بأن فكرة مرض
والدها قد تكون حقيقة فوجئت بشيء جديد وهو أن ذلك القوى قد رحل!! رحل ولم يسقم فقط !!
هل سيعود؟؟ لقد أخبرت بأنه مات ،حاولت أن تعي مع خيالها الصغير معنى الموت.. هذا المصطلح
الذي أثقل كاهل تفكيرها ..ولكن دون جدوى، كل ما علمت في ذلك الوقت بأن والدها سوف يعود
وهذا ما أخبرتها به أمها وما اكتشفت خلافه بعد حين ..ودعوا منزلهم ورحلوا ولكنهم عادوا مرة
أخرى بعد أن زالت عنه وحشة الموت قليلا.... بالطبع لم تنسى الطفلة والدها ،ولكن حقيقة
واحدة أدركتها (رحيل ) و رسخت في ذهنها وهي أنه ليس هناك منتهى للقوة.... ولا بد للقوى
ممن يقهره !!
وفجأة تفيق (رحيل) من تأملاتها ..وتشيح بنظرها عن تلك الأريكة التي تثير في نفسها تلك
الذكريات التي مضى عليها حوالي العشر سنوات.. وتنهض ببطء من على فراشها وقد امتلأت
عيناها بالدموع، وتنطق شفتاها بالدعاء لذلك الوالد الراحل ...