كانت عبير تسير على الدوام إلى المدرسة كونها قريبة من منزلها القاطن في إحدى الضواحي الصغيرة، وكل يوم تخرج بنشاط وحيوية بيدها حقيبتها المدرسية تلوح بها إلى الأمام وإلى الخلف بعفوية ومرح، كانت تقلبّ عينيها ترى البيوت البسيطة، فتلك أم عامر تنشر الغسيل، وأم علي تنثر الماء أمام منزلها، وأم هالة تطعم دجاجاتها، وترى ذلك المتشرد حسّان ينام في آخر الطريق متوشحا بعلبة كرتونية تحميه من البرد، ولكن عندما مرت على منزله اقشعر بدنها وأحست برهبة، علّـلت الأمر بهبوب ريح باردة؛ فهي الشجاعة التي لا تهاب حتى أكثر الكلاب ضراوة، وهي التي لا يطيق أحد لسانها السليط الذي إذا انطلق فإنه يصدح بشتى ألحان النشاز التي لا يحب أحد سماعها، لكنها تجرأت واسترقت النظر إلى تلك النافذة، التي لم تراها أبدا مغلقة، تتأرجح منها الستائر البيضاء كأنها تلك الأشباح التي تراها على شاشة التلفاز، وفجأة رأته !! .. رأت نصف وجه رجل يبادلها نظراتها الحائرة، نظرات تستهجن ما تقوم به من تدخل في أمور الآخرين، وكأنها تقول بلا كلمات :" كيف تتجرأين على التحديق بي؟، لماذا تتدخلين فيما لا يعنيك؟"، أشاحت بوجهها خوفا وبدأ العرق يلمع على جبينها، ومشت مسرعة إلى المدرسة.
وفي المدرسة في حصة علم النفس، شردت كعادتها فهي تكره هذه المادة كثيرا؛ إذ أنها لا تفهم شيئا مما يقال، وبينما هي في شرودها تفكر في ذلك المنزل الذي لطالما ظنّت أنه مهجور لا تسكنه سوى الصراصير والغربان السوداء، قاطعتها كلمة الأستاذة :" أليس هذا أمر غريب ؟!"، تكلمت بصوت عالٍ كعادتها :"نعم، إنه لأمر غريب، وغريب جدا !!"، انتبهت إليها وقالت: " إذاً، قولي لي لم هو غريب ؟"، ذهلت عبير لهذا السؤال المباغت؛ حيث أنها لا تعرف ما الذي كان بالأساس يدور من حولها، فأجابت كعادتها السيئة :" نعم، إنه أمر غريب أن ندرس مثل هذه الأشياء السخيفة"، ضحك جميع من في الفصل، واستشاطت الأستاذة غضباً وأمرتها بالذهاب على الفور إلى مكتب الناظر وأن تنتظر هناك حتى نهاية الحصة فتعطيها علقتها من العقاب.
جلست هناك بملل، تتأفف بضجر على هذا القرار المجحف بحقها فهي لم تكن تقصد، ولكن كان دفاعا عن نفسها من أن توقع نفسها في موقف قد يسبب لها إحراجا؛ فهي تملك سمعتها في كل أرجاء المدرسة بعدم القدرة على مجاراتها والتغلب عليها، ودق جرس انتهاء الحصة وبعد فترة دقائق دخلت الأستاذة مريم مكتب الناظر بعد أن مرّت على عبير بدون أن تعيرها أدنى اهتمام، وبعد بضع ثوانٍ خرجت ممسكة بالباب مفسحة المجال لدخولها، دخلت على الناظر بوجه غير راضٍ، كانت بيده أوراق يقرأها، وعندما رفع نظره قال:" أهلا وسهلا بالسيدة عبير"، ردت باستهجان :" أرجوك حضرة الناظر نادني بالآنسة عبير لو سمحت"، اتسع بؤبؤاه لهذه الجرأة، خلع نظارته بيديه وأطبقها ووضعها على الطاولة ثم أسند ذقنه على يديه المقبوضتان، أطلق تنهيدة عميقة ثم قال: " إذاً، ما المشكلة يا آنسة عبير؟"، قاطعت مريم هذا السؤال بجواب سريع:" لقد سخرت مني ومن مادتي وهذا أمر لا أقبل به بتاتا، فأرجو أن يتم التصرف معها وأن يتم نقلها إلى صف آخر"، رد المدير:" آنسة مريم أرجو أن تتكرمي بالخروج، أود أن أتكلم على انفراد مع الآنسة عبير"، أبدت انزعاجها مما قيل ثم خرجت بسرعة، أعاد سؤاله عليها، سكتت لبرهة ثم قالت: " صدقني يا سعادة المدير ... " وبررت موقفها بشكل دبلوماسي ينم عن ذكاء وخبرة، فأعجب المدير بهذا الرد وقال لها بعد أن قام من مكانه واقترب من نافذته المطلة على فناء المدرسة ينظر إلى الطلبة في ساحتها " سأقول لك بصدق لقد أقنعتني بحجتك ورأيك، لذلك سأقبل عذرك هذه المرة، لكن أتمنى أن تعتذري من الآنسة مريم وأفهميها أنك لم تكوني تقصدين بذلك إهانتها، واجتهدي وثابري واهتمي بدروسك فسأكون فخورا بك كثيرا إن كنت متفوقة ناجحة في حياتك بعد المدرسة"، "والآن هيا انصرفي إلى صفك"، خرجت عبير وعادت إلى صفها بعد أن اعتذرت لأستاذها وشرحت موقفها، فقبلت الاعتذار.
انتهى الدوام المدرسي، وفي طريق العودة إلى منزلها ......
سأعود مع الجزء الثاني قريبا ... " )
وفي المدرسة في حصة علم النفس، شردت كعادتها فهي تكره هذه المادة كثيرا؛ إذ أنها لا تفهم شيئا مما يقال، وبينما هي في شرودها تفكر في ذلك المنزل الذي لطالما ظنّت أنه مهجور لا تسكنه سوى الصراصير والغربان السوداء، قاطعتها كلمة الأستاذة :" أليس هذا أمر غريب ؟!"، تكلمت بصوت عالٍ كعادتها :"نعم، إنه لأمر غريب، وغريب جدا !!"، انتبهت إليها وقالت: " إذاً، قولي لي لم هو غريب ؟"، ذهلت عبير لهذا السؤال المباغت؛ حيث أنها لا تعرف ما الذي كان بالأساس يدور من حولها، فأجابت كعادتها السيئة :" نعم، إنه أمر غريب أن ندرس مثل هذه الأشياء السخيفة"، ضحك جميع من في الفصل، واستشاطت الأستاذة غضباً وأمرتها بالذهاب على الفور إلى مكتب الناظر وأن تنتظر هناك حتى نهاية الحصة فتعطيها علقتها من العقاب.
جلست هناك بملل، تتأفف بضجر على هذا القرار المجحف بحقها فهي لم تكن تقصد، ولكن كان دفاعا عن نفسها من أن توقع نفسها في موقف قد يسبب لها إحراجا؛ فهي تملك سمعتها في كل أرجاء المدرسة بعدم القدرة على مجاراتها والتغلب عليها، ودق جرس انتهاء الحصة وبعد فترة دقائق دخلت الأستاذة مريم مكتب الناظر بعد أن مرّت على عبير بدون أن تعيرها أدنى اهتمام، وبعد بضع ثوانٍ خرجت ممسكة بالباب مفسحة المجال لدخولها، دخلت على الناظر بوجه غير راضٍ، كانت بيده أوراق يقرأها، وعندما رفع نظره قال:" أهلا وسهلا بالسيدة عبير"، ردت باستهجان :" أرجوك حضرة الناظر نادني بالآنسة عبير لو سمحت"، اتسع بؤبؤاه لهذه الجرأة، خلع نظارته بيديه وأطبقها ووضعها على الطاولة ثم أسند ذقنه على يديه المقبوضتان، أطلق تنهيدة عميقة ثم قال: " إذاً، ما المشكلة يا آنسة عبير؟"، قاطعت مريم هذا السؤال بجواب سريع:" لقد سخرت مني ومن مادتي وهذا أمر لا أقبل به بتاتا، فأرجو أن يتم التصرف معها وأن يتم نقلها إلى صف آخر"، رد المدير:" آنسة مريم أرجو أن تتكرمي بالخروج، أود أن أتكلم على انفراد مع الآنسة عبير"، أبدت انزعاجها مما قيل ثم خرجت بسرعة، أعاد سؤاله عليها، سكتت لبرهة ثم قالت: " صدقني يا سعادة المدير ... " وبررت موقفها بشكل دبلوماسي ينم عن ذكاء وخبرة، فأعجب المدير بهذا الرد وقال لها بعد أن قام من مكانه واقترب من نافذته المطلة على فناء المدرسة ينظر إلى الطلبة في ساحتها " سأقول لك بصدق لقد أقنعتني بحجتك ورأيك، لذلك سأقبل عذرك هذه المرة، لكن أتمنى أن تعتذري من الآنسة مريم وأفهميها أنك لم تكوني تقصدين بذلك إهانتها، واجتهدي وثابري واهتمي بدروسك فسأكون فخورا بك كثيرا إن كنت متفوقة ناجحة في حياتك بعد المدرسة"، "والآن هيا انصرفي إلى صفك"، خرجت عبير وعادت إلى صفها بعد أن اعتذرت لأستاذها وشرحت موقفها، فقبلت الاعتذار.
انتهى الدوام المدرسي، وفي طريق العودة إلى منزلها ......
سأعود مع الجزء الثاني قريبا ... " )