د ر ا ســــــة ¦¦ الخطاب الآخر مقاربة لأبجدية الشاعر ناقداً (ج 2) ¦¦
التمهيد النقد.. والشاعر الناقد * في مفهوم النقد وطبيعته:
لا يبتعد مفهوم النقد اصطلاحاً كثيراً عن دلالته اللغوية: التمييز بين الجيد والرديء(1) الذي يتحقق في مجال الدراسات الأدبية من خلال طرائق إجرائية، تبتدئ بالاستجابة الذاتية والتذوق ثم التأمل والوصف والتحليل، لتنتهي بإظهار قيم النص الأدبي المعنوية والفنية والحكم عليها.
ويبدو أن النقد "لم يلقَ عبر العصور تعريفاً مطلقاً ولا منهجاً موحداً"(2)، مع وضوح دلالة المصطلح على جنسه الأدبي. ولعل مرد ذلك طبيعة النظر إلى طرائقه وأدواته وقيمة كل منها، وما تقدمه من نتائج وأحكام. وعبر تقديم هذه الوسيلة أو تلك والتوقف عند طريقة أو قيمة معينة وإبرازها، وضعت مناهج وقدمت نظريات. غير أن ذلك لم ينل من حقيقة أن النقد "حديث حول الأدب"(3) يقوم على تعريفه وتفسيره من خلال استحضار جملة مقومات تتحدد فيها شخصية من يتصدى للنقد، ولا تتوقف عند المنهج بل تتسع لتشمل: الموهبة والاستعداد الذهني والثقافة المتسعة التي استمدت من معاودة النظر في معارف وعلوم وتجارب مختلفة، والقدرة على صياغة الأفكار المتشعبة كياناً شمولياً متماسكاً(4)..
وتؤكد هذه المقومات التي ينبغي توافرها في الناقد خطورة المهمات التي يقوم بها، وهي طبقاً لتحديد بعض الباحثين(5):
ـ إيضاح المبهم فيما نقرأ، وتنظيم النص تنظيماً يخرجه من الفوضى التي ربما كانت تسوده..
ـ القيام بدور المرشد لمشاعرنا التي أثارها النص الأدبي.
ـ الربط بين الخبرات التي نستخلصها من الحياة وتلك التي يزودنا بها الأدب.
ولكن أيعني هذا أن النقد علم له سمات اليقيني المعرفي وقواعده؟..
يبدو أن القول بذلك أمر لا يمكن الركون إليه باطمئنان، يقول أميلي فوجيه: "أن النقد كسائر العلوم الإنسانية يرتكز في بعض أصوله على الظن والحدس وأنه معرفة ناقصة يتمازج فيها العلم والفن، وتعتمد أحياناً على البداهة والفطرية، فتفترض وتتخيل، ثم تحاول الاقتراب من العلم دون أن تستطيع بلوغه"(6)..
ويرى ا.آ. ريشاردز أن مهمة النقد تتلخص في أنه يجيب عن أسئلة محددة يدور معظمها حول: "ما الذي يضفي قيمة على تجربة قراءتنا لإحدى القصائد"(7).. وحين يتأكد له أن الإجابة عن هذا السؤال مما لا يتفق عليه الدارسون، فتعدد الإجابات طبقاً للرؤية النقدية وما تقوم عليه من منطلق خاص، يقرر: "إن نظريات النقد القائمة لا تتألف إلا من بعض التخمينات التي هي وليدة الذكاء والكثير من الأقوال الشعرية والبلاغية"(..
وهناك من يؤكد استحالة الوصول بالنقد إلى مستوى العلم، فسوف "يظل النقد الأدبي فناً لا علماً، والناقد الذي يحاول أن يحيل منهجه التطبيقي إلى اتباع منهج علمي صارم يقع في خطر كبير، وهو أنه يفوّت على نفسه وعلى قرّائه بلوغ الحيوية في الأثر الأدبي"(9).. ويعطي اليوت المسألة مدى أكبر حين يحذر من خطر الجري وراء النقد كما لو كان علماً(10)..
وإذا كان العلم ـ طبقاً لرأي برنارد شو ـ مخطئاً دائماً.. لأنه لا يكاد يحل طائفة من المشكلات حتى يخلق طائفة أخرى"(11)، فكيف تكون حال النقد الأدبي الذي يتعامل. مع عالم متغير بتغير الزمن؟.. ومن أي الجوانب ينظر إلى وجه يقينه وسمته التي تقترن بموضوعية علمية محددة؟..
يقول أحد النقاد العرب: "نحن في عصر التفكير العلمي، وإذا أردنا لفرع المعرفة الذي نهتم به وهو النقد الأدبي أن يحرز القيمة اللائقة فلابد أن نسعى إلى تقريبه من ركب العلم العام، بأن نجعل أدواته جميعاً علمية: منهجه ووسائله ولغته"(12)..
ومع أن لهذه الدعوة نصيباً كبيراً من الأهمية في إرساء أسس نقدية موضوعية يقود الإيمان بكونها تشمل النقد كله إلى مجافاة لصورة النقد المثلى التي تقوم على مكونات عدة، لا تنتهي عندما هو علمي منها، بل تتسع لتشمل الموهبة والاستعداد الفطري والذهنية التحليلية والذائقة الفنية. وإذا أخذ جانب من النقد وجهة الموضوعية العلمية، متمثلة بالمنهج، فإن ذلك لا يلغي المطالبة بتوافر النقد على سمات فنية، بما يجعله مهمة أدبية إبداعية وليس تنظيراً ذهنياً لا روح فيه.
* الشاعر الناقد.. لمحة تأريخية:
لعل الشاعر أول ممارس للعملية النقدية ـ منذ أن وجد من يعنى بهذه الصياغات اللفظية المتميزة التي تسمى الشعر ـ فلاشك في أنه يبذل جهداً مهماً ـ في المستوى الشخصي المتعلق بشعره، حين يسعى إلى بلوغ حد من النضج الذي يضع عمله الإبداعي فيه ليقدمه مطمئناً إلى متلقيه. ولكن هذه الممارسة الذاتية التقويمية التي تخص الشاعر وشعره وحدهما، لا يمكن النظر إليها بوصفها ممارسة نقدية مباشرة وكاملة تصدق عليها تسمية النقد، فليس الشاعر في ذلك بمختلف عن أي شخص آخر يريد لعمله بلوغ حالة من الجودة والقبول، في حدود أوسع من قناعته الشخصية، لأنه يطمح إلى نيل رضا الآخرين وإعجابهم، وإذا كما نشير إلى هذا المنحى من آفاق العملية الإبداعية في الشعر بوصفه نقداً محدود الفاعلية ـ لسماته التي تعكس وجهاً لممارسة ذاتية لابد منها ـ فإن هناك نمطاً من الشعراء الذين لم يتوقفوا عند حدودها، بل سعوا فضلاً عنها، إلى تقديم أفق من الكتابة النقدية التي تعكس وعياً وخبرة وثقافة، جعلتهم مؤهلين لوصف خاص بهم هو: الشعراء ـ النقاد..
ويبدو أن الشاعر ظل لآماد طويلة يمارس الإبداع ـ والنقد ضمناً ـ من دون أن يكون ذلك أمراً لافتاً للانتباه، حتى إذا ما اهتم المفكر والسياسي والفيلسوف بما يقدمه الشاعر، وراحوا يناقشون أبعاد هذا التعبير اللفظي ومساراته، أشير إلى ذلك بوصفه نقداً، فكان أرسطو مثلاً، في كتابه (فن الشعر) الرائد لمسار إنساني جاد لاحق تجربة الشاعر بالتفسير والتحليل والتقويم. ومع أن أرسطو أقام دعائم نقده على أساس من الاستقراء للنتاج الأدبي الذي وجده بين يديه، ظلت وجهة اهتمام النقد تشير إلى ريادته وحده وتتناسى الشعراء الذين قدموا له ما أقام أفكاره النقدية عليه.
لقد مثلّ أرسطو المرحلة الناضجة في دراسة الشعر ونقده من خلال كتابه. وقد سبقه أستاذه أفلاطون إلى شيء من ذلك، وكان الاثنان مسبوقين بسقراط. ويبدو أن اهتمام الفلاسفة الثلاثة بالملاحقة الجادة لدراسة الشعر واستكناه قوانينه مصدره قناعتهم بأن الشاعر مشغول بعملية إبداع الشعر وحدها. وهو خارج هذا الإطار، لا يكاد يكون مؤهلاً لتقديم خبرات نظرية مهمة، بل هو غير قادر على فهم تجربته الشعرية ذاتها. يقول سقراط: "لقد سألت كلاً منهم ـ يقصد الشعراء ـ عما عناه بشعره، فلم يكن منهم من استطاع الإجابة عن سؤالي هذا. ولقد جمعني وإياهم مجلس، ضم كثيراً من المعجبين بهم وبأشعارهم، فلم يكن بين الحضور رجل إلا وهو أقدر على التحدث عن تلك الأشعار من الشعراء أنفسهم"(13). ولكي يضع الشاعر في حدود موهبته وحدها ولا يمنحه فرصة الامتداد إلى مستوى الوعي بما يحيط بها، جعل سقراط المؤثرات التي تحرك الشاعر ليبدع شعره وليدة عوالم غيبية غير مدركة من الشاعر ذاته. وهذا يعني أنه يبعد الشاعر عن أن يكون قادراً على استحضار وعيه في التعامل مع تجربته الإبداعية. يقول: "لقد أدركت حينئذٍ أن الشعراء لا يكتبون الشعر لأنهم حكماء، بل لأن لديهم طبيعة أو هبة قادرة على أن تبعث فيهم حماسة"(14)..
ولاشك أن كلام سقراط هذا لا يبدو حكماً نهائياً على قابليات الشعراء وملكاتهم في مجالات تضاف إلى ما ابتدعوه من شعر. وربما كان مناسباً لنمط من الشعراء الذين عرفهم، ولكنه لا يعد مناسباً لكل عصر، إذ يجد المستقرئ لمسيرة الآداب أسماء كثيرة لشعراء، لم يكونوا قادرين على استيعاب أبعاد تجربتهم نظرياً، والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بها، بل مارسوا نقد الشعر وتحليله، وأنضجوا مستوى من الفكر النقدي النظري المهم الذي ربما كان موازياً لما قدموه من عطاء في الشعر، وبما كفل لهم مساحة واضحة من الشهرة في مجالي الشعر والنقد. ويمكن لمتتبع تأريخ الآداب المختلفة أن يتوقف عند أسماء بارزة من هؤلاء الشعراء ـ النقاد.
(1)
إذا كان النقد الأدبي ـ على مستوى النظرية وتطبيقاتها ـ بدأ واضحاً في نضجه بكتاب أرسطو (فن الشعر) فإن أول اسم نقدي تشير إليه ذاكرة التأريخ الأدبي الأوربي مع أرسطو هو اسم الشاعر الروماني هوراس (ت 8 ق.م)، بل لعل أوربا لم تعرف اسماً مهماً قام بنقد الشعر، وإن كان ذلك أرسطو نفسه، إلا من خلال إشارات هوراس إليه، فقد "كانت أقوال هوراس تقرأ وتدرس في الوقت الذي كانت فيه كتابات أرسطو مجهولة أو مهملة"(15). ويبدو أن ذلك قد استمر طويلاً فحتى مطلع عصر النهضة كان هوراس لا يزال هو المرجع الوحيد لمن يكتب في النقد الأوربي(16)..
وتشير كتب النقد الأوربي إلى أسماء كثيرة لشعراء مارسوا النقد وقدموا فيه جهداً طيباً، جعل أسماءهم تندرج ضمن تأريخ هذا النقد عبر عصوره كلها. ومن هذه الأسماء، منذ عصر النهضة الأوربية: دانتي (ت 1321) الشاعر الإيطالي الذي قامت شهرته على ملحمته الشعرية (الكوميديا الإلهية) وقد وضع في النقد كتابيه: (الوليمة) ودرس فيه الشعر الغنائي مهتماً بمضامينه الرمزية ودلالتها لدى الشاعر والمتلقي(17)، و(في اللسان العامي) الذي دافع فيه عن استعمال اللغة الشائعة التي يتداولها الناس بديلاً من اللغة اللاتينية(18) التي رأى أنها خلّفت تفاوتاً في مستويات الوعي الثقافي لأبناء المجتمع الإيطالي، حيث تتكلم النخبة لغة، ويتكلم عامة الشعب لغة أخرى، وقد سعى في كتابه إلى تثبيت دعائم آرائه في خلق لغة إيطالية تستمد مقوماتها من اللسان العامي الذي قام بوصف ألفاظه، ووضع لأشعاره وأغانيه صورها وأوزانها(19).
ويعد الشاعر الإنكليزي جون درايدن (ت 1700) من رواد النقد الإنكليزي، بل لقد عده بعضهم أباً لهذا النقد(20). وكان قد كتب فيه مقالته الشهيرة (الشعر الدرامي) فضلاً عن مقدماته الكثيرة لأشعاره ومسرحياته(21).
وألف الشاعرالفرنسي بوالو (ت 1711) منظومة نقدية أسماها (فن الشعر) عدت من المصادر المهمة لدراسة الشعر الكلاسيكي(22)..
وتساوقت الموهبة الشعرية مع الوعي النقدي لدى الشاعر الإنكليزي الكزندربوب (ت 1744) منذ مرحلة مبكرة في حياته، وله (مقال في النقد) قبل أن يبلغ العشرين من عمره، اهتم فيه بالنقد وشروط الناقد، جاعلاً المقدرة الإبداعية أساساً فيها(23)..
وظهر عدد من الشعراء النقاد مع ازدهار المذهب الرومانسي في أوربا، قدموا تجاربهم الأدبية الجديدة بإطار فكري يستوعبها، ويبرز مافيها من قيم إبداعية جديدة. ولعل أشهر هؤلاء الشعراء: كولردج (ت 1834) الذي لا يعد من الأسماء المهمة في النقد الإنكليزي بل الأوربي كله(24). وقد كتب كثيراً من المقالات النقدية، ظهر بعضها في كتابه (سيرة أدبية)(25). ووردزورن
(ت 1850) الذي ظهرت أنضج أفكاره النقدية في المقدمة النظرية للطبعة الثانية من ديوانه (قصائد غنائية)(26) التي عدت انطلاقة لمسار نقدي مهم برز في الشعر الإنكليزي، حتى أن أحد النقاد الغربيين ليسأل: "لو لم يكتب ورد زورث مقدمته المشهورة لديوان القصائد الغنائية أكان الشعر الإنجليزي يتخذ النهج الذي اتخذه" (27) وينظر إلى الشاعر فكتور هوجو (ت 1885)، على أنه أبرز الشعراء النقاد في الأدب الفرنسي، من خلال ما قدمه من عطاء أدبي خلاق عكس توجهاته الأدبية الفذة، وما كتبه من آراء نقدية مهمة تتعلق بالوظيفة الاجتماعية للأدب وعلاقة الأنواع الأدبية ومذاهبها بحركة الحياة وتطورها(28).
ولعل الشاعر ماثيو آرنولد ( ت 1888) من نقاد الأدب الإنكليزي المهمين في القرن التاسع عشر، وكان كتابه (وظيفة النقد) ذا مكانة مؤثرة في النقد الأوربي، حيث اهتم فيه بتأكيد القيم الأخلاقية التي ينبغي للأدب أن يحملها بوصفه نقداً للحياة(29)..
وكان بول فاليري (ت 1945) أحد شعراء فرنسا المتميزين منذ أوائل القرن العشرين. وقد تهيأت له إمكانات معرفية ناضجة تجلت في مؤلفاته العديدة التي أتاحت له أن يكون عضواً في الأكاديمية الفرنسية منذ عام 1925 وأستاذاً للشعر في (الكوليج دي فرانس) وهو كرسي جامعي أنشئ له خصيصاً (30). ولعل اليوت (ت 1965) من أهم الشعراء النقاد في الأدب الغربي، وكانت له ـ إلى جانب شاعريته التي اختط لها مساراً خاصاً ـ شهرة وأهمية وتأثير في النقد الأدبي الحديث بما قدمه من مؤلفات نقدية(31)، أضافت إلى النقد تجارب وأفكاراً، لعل من أشهرها ما كتبه عن التراث والموقف منه(32)، ونظريته في المعادل الموضوعي(33)، ودعوته إلى المسرح الشعري(34).
ولم تخل المراحل التالية في الأدب الغربي من أسماء شعراء نقاد مهمين توقفت الدراسات النقدية عند إضافاتهم في هذا المجال. وتبرز من بين هؤلاء الشعراء النقاد أسماء ثلاثة من الشعراء الأمريكيين هم: ارشيبالد مكلش وهو شاعر وأستاذ جامعي ورجل سياسة(35). ومن أهم مؤلفاته: (وقت للحديث) و(الشعر والفكرة) و(الشعر والتجربة)(36)..
ومنهم الشاعر جون كرو رانسوم الذي تخصص في دراسة الفلسفة، ثم ألف في النقد عدداً من الكتب، لعل أشهرها كتابه (النقد الجديد)(37).
أما الن تيت فهو شاعر وروائي وكاتب مقالة وأستاذ الأدب الإنكليزي في عدد من الجامعات الأمريكية. وله في النقد: (العقل في جنون) و(دراسات في النقد)(38)..
(2)
يمكن لمن يهتم بالجانب النقدي في شخصية الشاعر العربي أن يتوقف عند عدد كبير من الشعراء الذين توافرت شخصياتهم على مستوى من التعبير عن تجربة نقدية برزت فيها، ومن خلال ما دار حولها من تتبع نقدي لدى النقاد العرب القدماء ـ النظرية النقدية في أدبنا العربي القديم عبر عصوره..
لم تأتِ مع ما وصلنا من شعر عصر ماقبل الإسلام أو تسبقه ملاحظات نقدية ناضجة كنضجه. ويبدو ممابين أيدينا من هذه الملاحظات أن الشاعر العربي القديم متفرد بعملية إبداع الشعر والنظر المتأمل فيه وحده غالباً، مثلما تفرد بمكانته بوصفه صوتاً ينطق بما لا قدرة للآخرين على قوله، حتى أن الخطيب، على علو مكانته في قبيلته، لم يكن إلا ظلاً باهتاً أمام خصوصية المكانة وتميزها التي حظي الشاعر بها(39) والتي أدت إلى احتفاء القبائل العربية الباذخ بالشاعر الذي يظهر بين صفوفها(40).
ومن خلال هذه الخصوصية احتل الشاعر موقعه حكيماً مجرباً وصوتاً يعبر عما يختلج في النفوس، ومشرعاً أخلاقياً وسياسياً في بعض الأحيان، وصار شعره لأهل عصره "ديوان علمهم ومنتهى حكمهم، به يأخذون وإليه يصيرون"(41)، بل غاية علمهم "الذي لم يكن لهم علم أصح منه(42)".. وإذا كان الأمر كذلك فإن من المنطقي ألا يكون هناك من ناقد للشعر سوى الشاعر ذاته، ولم يكن ليجرؤ أحد على ذلك إلا نادراً، بل ماكان يتصدى لنقد الشعراء إلا شاعر مبرز، كالذي فعله النابغة، حين كان مجلسه النقدي في خيمته الحمراء بسوق عكاظ ملتقى الشعراء الذين يرنون إلى ما يقدمه عنهم من ملاحظات وآراء انطباعية في معظمها(43)...
ويبدو أن الاهتمام بالشاعر وحده لافتاً للانتباه، فهو على مستوى الثقافة والوعي والتجربة، لا يكاد ينماز عن أبناء قبيلته الآخرين كثيراً، فالتجارب متشابهة والمحيط الخارجي الذي يتدخل في تكوين الشخصية متقارب لدى الجميع وليس للشاعر من علامة فارقة إلا موهبته الإبداعية التي تبدو هي مصدر خصوصية الشاعر ومجال تفوقه. فهذه الموهبة عندهم شيء محير لا يدركون مصدره، ولذا نسبوه إلى عوالم غير مرئية، فقالوا بشياطين الشعر التي تسكن وادي (عبقر).
لقد كان الشاعر، في عصر ماقبل الإسلام ناقد شعره الذي يختط له ما يناسبه من مضمون ويرسم له أنماطه وأساليبه. وضمن هذا التوجه كانت ممارساته النقدية تأخذ طابع التطبيق المباشر لأفكاره على شعره وفيه، ساعياً إلى صقل تجربته الإبداعية وإتقان أسبابها. ولعل أصحاب (الحوليات): أوس بن حجر وزهير بن أبي سلمى وكعب بن زهير والحطيئة، الذين وصفهم الأصمعي بأنهم عبيد الشعر(44)، نمط من الشعراء الذين مارسوا النقد على وفق هذه الصيغة الخاصة بهم وبشعرهم التي قامت على القناعة بأن "خير الشعر الحولي المنقح المحكك"(45). طبقاً لقول الحطيئة.
أما خارج إطار التجربة الشعرية الذاتية لكل شاعر منهم فإن الملاحظات النقدية تبدو محدودة، تقوم على رؤية ذوقية تأثرية: تنفعل فتصدر الحكم النقدي من دون تبرير غالباً(46)..
إن الملاحظات والآراء النقدية التي جاءتنا من عصر ماقبل الإسلام ـ سواء من الشعراء أو غيرهم ـ لا تكاد تقدم صورة توازي ما وصل إلينا من شعر ذلك العصر. ولعل نزرة ذلك النقد لا يسوغها كون النقد الأدبي عند العرب كان في مرحلة بواكيره، قياساً على نضج الشعر وتكامل بنيانه. فهذا الرأي يحتاج إلى مايجعله مبرراً. ونظن أن الأمر مرتبط أساساً بطبيعة الوسيلة التي استخدمت في إيصال الأدب إلى المتلقي، وهي المشافهة والذاكرة الحافظة التي نقلته إلى العصور اللاحقة. وإذا علمنا أن ما وصل إلينا من شعر ذلك العصر لا يمثل كل ما قيل فيه من شعر(47) ـ مع أنه الكلام الذي يستقر في الذاكرة لخصوصيته الموسيقية ـ أدركنا مقدار النثر الأدبي الذي ضاغ عبر الزمن.
أحدث الدين الإسلامي تغييراً جذرياً في العقلية العربية وفي المعتقدات التي استوطنت النفس والشعور، وكان من نتائج هذا التغيير انفتاح الذات العربية على قيم أخلاقية وروحية جديدة، سرعان ما تم تمثلها فكراً وممارسة وأساساً لبناء اجتماعي وسياسي جديد. وقد انتقل كل ذلك إلى الإبداع الأدبي والشعر خاصة، إذ تبدلت القناعات الفكرية للشاعر الإسلامي، فكان لابد لمضمونه من أن ينسجم معها. أما الشكل الشعري فقد حافظ على أصوله لأنه لا يتناقض مع الدين وقيمه. وإذا كان الشاعر الإسلامي على وعي بحقيقة الإبداع الشعري وطبيعته التي تغاير في غالبيتها مساراً أخلاقياً يريده لشعره، إذ إن أعذب الشعر أكذبه(48)، فإن ذلك قاده إلى تناقض كبير بين قناعة فكرية مصدرها الدين الإسلامي ورغبة الشاعر في الوصول إلى أعذب الشعر الذي ليس له إلا أن يتركه ظهرياً. ولذا تخلى لبيد مثلاً عن نظم الشعر قائلاً أنه وجد في قراءة القرآن الكريم ما يغنيه عنه(49). ورأى شعراء آخرون في اقتراب الشعر من قيم أخلاقية كالصدق مقياساً نقدياً لتقويمه(50). غير أن أياً من شعراء هذا العصر ـ ومعهم قادته ورجالاته ـ لم يكن قادراً على غض الطرف عن الشعر الأصيل الذي كانت له سطوته قبل الإسلام. ومع أن هذا الشعر في كثير من أمثلته يعارض القيم الإسلامية على نحو أو آخر حظي أصحابه بتقدير كبير وتفضيل على الشاعر الإسلامي، عندما يكون الأمر المطلوب مواجهة نقدية للشعر. فكان النبي (ص) لا يرى شاعراً أحق بالتبريز بين الشعراء من امرئ القيس، فهو أشعر الشعراء من خلال القيمة الفنية لشعره. أما من الناحية الأخلاقية لمضامينه فإنه قائد الشعراء إلى النار(51). ويعد الخليفة عمر بن الخطاب الشاعر زهير بن أبي سلمى أفضل الشعراء لأنه "لا يعاظل بين الكلام ولا يتتبع حواشيه ولا يمدح الرجل إلا بما فيه(52).
وليس الأمر خاصاً بقادة المسلمين في النظر إلى الشعر، فقد كان ذلك موقف الشعراء أيضاً، فحين سئل لبيد عن أفضل الشعراء ذكر امرئ القيس وطرفة، ووضع نفسه في منزلة لاحقة بهما(53)..
ويبدو أن نظرة المجتمع إلى خصوصية مكانة الشعر ظلت سائدة، وحظي الشاعر بالمكانة الاجتماعية المتميزة، ولم ينافسه فيها الخطيب أو سواه. وأضفى الإسلام على الشاعر وشعره مسحة خاصة حين جعلهما صوتاً فاعلاً في مواجهة أعداء الدين وفي نشر الأفكار الإسلامية والتعجيل بإيصالها(54)..
لقد انتاب الوعي الفكري في المجتمع الإسلامي بعض التفاوت في مكوناته، تبعاً لطبيعة الصلة التي تربط الفرد بالدين: غير أن الشاعر ظل في الغالب مصدر التعبير عن التجربة الشعرية تحليلاً وتفسيراً وأحكاماً نقدية ـ أياً كانت طبيعتها ـ فحين عرضت على الخليفة عمر بن الخطاب مسألة هجاء الحطيئة للزبرقان بن بدر لم يلتفت إلى الصحابة ـ وهم من عرفوا برجاحة العقل وعمق الثقافة الإسلامية والعلم بآفاق الشعر وأساليبه ـ بل طلب الشاعر حسان بن ثابت وحكّمه في هذه المسألة(55). وكأن عمر انطلق من قناعة بأن الحكم النقدي الدقيق على الشعر لا يتوافر عليه إلا من كان شاعراً..
تطورت الحياة السياسية والفكرية للمجتمع العربي في العصر الأموي واتسعت جوانب المعرفة، وبرزت منطلقات رؤية جديدة في التعبير عن الفكر الديني وفي بنية المجتمع وعلاقاته، عززها ظهور تيارات سياسية متناقضة في مواقفها. ونهضت في الأدب مجالات تعبير أخرى ـ أهمها الخطابة ـ تنافس الشعر. وظهر مهتمون بالشعر وروايته، اختطوا للدراسات الأدبية واللغوية نهجاً تطورت فيه عبر المراحل اللاحقة. وقد عمق ذلك كله مكانة الشاعر ودوره في النظر إلى الشعر والتحكم في مساراته، تعينه فيه ثقافته بمصادرها المتعددة، وأبرزها حفظ الشعر القديم وروايته، استكمالاً لموهبته الشعرية. وهو ما أفصحت عنه الآراء والملاحظات النقدية التي نسبت إلى أشهر شعراء هذا العصر. جرير والفرزدق والأخطل وعمر بن أبي ربيعة وكثير ونصيب وسواهم(56). ويبدو أن للتيارات السياسية التي ظهرت في هذا العصر أثراً في طبيعة التوجه الشعري و النقدي، إذ أمسى الشاعر يدرك أبعاد الموقف الفكري الذي هو عليه، فيقدم رؤيته من خلال ما آمن به من قناعة يذود عنها بإزاء المواقف المضادة وشعرائها، وكان ذلك جزءاً أساساً في منطلقات الشاعر النقدية التي اتسمت بتمثل معايير الحياة السياسية والاجتماعية وتحكمها في وعي الشاعر ورؤيته(57).
يمكن أن نلاحظ أكثر من اتجاه في النقد العباسي، فقد مثل علماء اللغة في دأبهم بمتابعة مصادرها والعناية بلهجاتها وما يتعلق بها من شعر اتجاهاً بارزاً(58). وكان لمؤرخي الأدب اتجاههم الذي أنصب على مضامين الشعر ودلالتها لفهم الحدث التأريخي وتفسير بعض وقائعه(59). وكان الجهد الأدبي والنقدي الذي قدمه الأدباء والكتّاب(60) اتجاهً آخر ذا أهمية كبيرة في إنضاج سمات النظرية النقدية عند العرب. أما الشعراء فمثلوا اتجاهاً رابعاً بما قدموه من عطاء شعري ومحاولات نقدية(61)..
وتفصح الأفكار النقدية التي قدمها الشعراء عن أهمية خاصة لأنها اتجهت نحو دعاوى التطور ومحاولات التجديد في مسار الشعر العربي التي توافر عليها الشعراء العباسيون بدءاً بأبي نواس (ت 198هـ) الذي لم ير أحداً أقدر على فهم خصوصية التجربة الشعرية من الشعراء أنفسهم(62). والذي دعا شعراء عصره إلى الاستجابة لروح العصر وحضارته، فلم يرتض المطلع الشعري التقليدي المتهالك على بكاء الدمن والمقدمة المتغزلة ـ حقاً أو باطلاً ـ بحبيبة متوهمة. ونادى ببديل عصري، تمثل لديه بحديث الخمرة(63).
وإذا كانت دعوة أبي نواس شكلية في اتجاهها التجديدي فإن ما اهتم به أبو تمام ( ت 231هـ)، يندرج في مسار تجديدي مهم، حين يخضع البنية اللغوية للشعر لمستوى جديد من التعبير الذي يتجاوز الصياغات السائدة إلى آفاق فيها من وعي العصر ومستجداته المعرفية الشيء الكبير، بما أثار مواقف نقدية متباينة في نظرها إلى شعر أبي تمام وما قامت عليه شخصيته من تجربة ووعي وثقافة(64).
ولم يكتف أبو تمام بذلك، فقد صنع اختيارات شعرية من الشعر القديم، سماها (الحماسة)، قدمت نهجاً نقدياً مهماً في النظر إلى التراث، وتحولت إلى مسار خاص في النظر إلى الشعر القديم والاختيار منه على وفق رؤية خاصة بصاحبها، فظهرت في عصر أبي تمام وبعده مختارات شعرية كثيرة، حملت كلها اسم (الحماسة)(65).
وتعمقت صورة الشاعر الناقد من خلال شخصية ابن المعتز (ت 296هـ) الذي أتيح له من الثقافة والظرف الاجتماعي وخصوصية الرعاية ما مكنه من امتلاك أفق خاص في النظر إلى الشعر في كتابيه (البديع) و(طبقات الشعراء) ورسائله التي من أشهرها رسالته في شعر أبي تمام(66).
وربما كان أبو العلاء المعري (ت 449هـ) أبرز شاعر عربي قديم نتوقف عنده بوصفه شاعراً ناقداً. ولعله من أهم الشعراء النقاد في تراثنا الأدبي، إذ تجمعت في شخصيته جوانب علمية مختلفة، وكانت حياته، في معظمها، مسيرة معرفة وتأمل مستمرين، عمقهما لديه توقد ذهني وذاكرة يقظة، ألغت كل ما يمكن أن يحدثه فقدان البصر من تأثير فيها. وكانت رغبة التعويض هاجسه في إنضاج رؤية متفحصة لما حوله، مثلما كانت وراء العدد الكبير من الكتب والرسائل التي تعكس ثقافة موسوعية متعددة الاهتمامات(67).
(3)
قدم كثير من الشعراء العرب في العصر الحديث عطاءً نقدياً مهماً وكانوا في كثير من الأوقات حملة راية التجديد في الأدب العربي الحديث والمنادين به.
واتسم النقد الذي كتبه الشعراء بابتعاده عن أن يكون رؤية ذاتية متفردة، إذ تركت عوامل التقارب والالتقاء في التوجه الثقافي، وفي منطلق الرؤية الفكرية والسياسية، آثارها في ظهور اتجاهات أدبية، تجمع عدداً من الأدباء الذين يقدمون عطاءهم الإبداعي والنقدي من خلال هذه الرؤية المشتركة. ومن هذا المنطلق يمسي النظر إلى كتابات الشاعر النقدية غير مكتمل الصورة، مالم نضعه في اتجاه أو تيار أدبي معين، نفترض أنه تمثل رؤيته النقدية.
ولعل أبرز التجمعات الأدبية التي يشار إليها في الأدب العربي الحديث هي: جماعة الديوان والمهاجر وأبولو. وهي تجمعات قامت أساساً على تصورات شعراء نقاد، تقف عندهم ذاكرة النقد العربي الحديث باهتمام بيّن.
لعل الديوان أول تجمع أدبي ونقدي عربي في العصر الحديث كانت لأصحابه ملامح فكرية وفنية واضحة، ومستوى من الثقافة العصرية، لم تقف عند الموروث العربي وحده، بل استطاعت أن تنظر إلى مالدى الغرب من مذاهب واتجاهات وتستعين بجوانب منها، لتقديم رؤية جديدة تستوعب التجربة العصرية. ولم يكن أمام هذه الجماعة إلا أن تواصل الكتابة النقدية، بما يبرز التوجه الجديد لها، مع الاستمرار في تقديم المثال الشعري الذي يعكس الرؤية ذاتها، وكان عباس محمود العقاد أشهر أسماء هذا التجمع يؤكد ذلك حجم الإبداع الشعري والنقدي الذي قدمه وتنوعه، فضلاً عن كونه أسبق جماعته إلى الظهور في الحياة الأدبية وأغزرهم إنتاجاً(68).
لم يجد الإبداع الأدبي ـ شعراً ونثراً ـ عند أدباء المهاجر ما يوازيه من نشاط نقدي، لانشغالهم بالتعبير عن ذواتهم وما يتنازعها من مشاعر وإحساسات أكثر من أي شيء آخر(69). ولا يعني ذلك أن النقد الأدبي لاقى مجافاة منهم جميعاً، فقد اشتهرت بينهم أسماء لها أهميتها فيما توقفت عنده من آراء وملاحظات. ولعل ميخائيل نعيمة أبرزها، إذ استطاع في كتابه (الغربال)، الصادر عام 1923م، أن يسهم في إنضاج رؤية حديثة في الأدب العربي. ومع أن نعيمة كتب الغربال في سن مبكرة فقد ظهرت فيه شخصيته النقدية واضحة. وربما كان وراء نضجه الذهني تأريخ حياته الحافل بالتجارب والاطلاع، وتنقله طلباً للاستزادة من المعرفة والثقافات المتنوعة، مما جعله "يستقر على فلسفة نهائية في وظيفة الأدب وفي منهج النقد"(70)..
كان لجماعة أبولو أثرها في مسار التجربة الأدبية العربية المعاصرة بما تتضح سماته في توجه أصحابها إلى إيصال رؤيتهم الأدبية والنقدية إلى مساحة تتسع لعدد من أدباء الأقطار العربية وشعرائها الذين سعت الجماعة إلى استقطابهم، بما تنشره لهم من نتاج أدبي في مجلة (أبولو) الصادرة عام 1932م، التي صار اسمها عنواناً لهذا التجمع الأدبي الجديد(71).
وكان أبرز سمات الأدباء المنضوين تحت راية هذا التجمع سعيهم إلى تمثل التجارب الأدبية الغربية التي يعكسها المذهب الرومانسي. ويبدو أن اختيار هذه الجماعة الشاعر أحمد شوقي رئيساً لها في المرحلة الأولى كان محاولة لاختراق الوسط الأدبي من خلال الاتكاء على شهرة شوقي ومكانته(72).
وإذا كان شوقي قد ترأس هذا التجمع ومجلته في مرحلة التأسيس فإن الرئيس الفعلي له هو الشاعر أحمد زكي أبو شادي الذي كان لأفكاره النقدية التي حملتها بعض كتبه(73) ومقدمات دواوينه ومقالاته أثر كبير في مسيرة هذا التجمع لطبيعة ثقافته الحديثة وسعة اطلاعه على الأدب الغربي، لاسيما الأدب الإنكليزي(74).
* الشاعر الناقد... الرؤية، الدوافع، الوسائل:
(1)
تثير الملاحقة التأريخية لأسماء الشعراء النقاد ومعطيات نقدهم السؤال الآتي: ما الذي يدفع الشاعر إلى ممارسة النقد خارج إبداعه الشعري الذي يفترض أنه قد أتقن أسس التعامل الناضج معه، بما يتيح له فرصة الوصول به إلى صورة المثال الذي يبحث عنه فيما يقدمه من كتابة نقدية، لاسيما أن العمل الإبداعي قادر على إبراز رؤيته النقدية بهيئة أفضل مما هو الحال في التنظير لها؟ يرتبط بهذا سؤال آخر تستدعيه قيمة كتابة الشاعر للنقد نظرياً، خارج إطار الممارسة التطبيقية فيما يكتبه من شعر. وهو ما يقتضي البحث عن أوجه المغايرة والالتقاء بين هذين النمطين وهل يعكسان شخصية صاحبهما المبدع، أم يتقاطعان حتى ليبدو الشاعر كالبيت المنقسم على نفسه"(75).
إن الإجابة عن ذلك تستلزم إدراك موقف الشاعر من النقد وطبيعة نظرته إليه والمكانة التي يضعه فيها بإزاء تجربته الإبداعية، مثلما تتطلب النظر في موقف الناقد المتخصص من هذا المسعى الذي يريد الشاعر منافسته فيه.
ينطلق موقف معظم الشعراء في هذه المسألة من سبق الممارسة الإبداعية على النقد غالباً، وخصوصية تجربة المبدع، بما يجعله أقدر من سواه على فهم دقائقها والنظر إليها بوعي من عاناها، أليس الشعراء هم أمراء الكلام على رأي الفراهيدي؟(76).
وتبدو هذه القناعة مترسخة في ذات الشاعر عبر الزمان. ولعل البحتري كان منطلقاً منها حين ردد مقولة أبي نواس: "إنما يعرف الشعر من دفع إلى مضايقة"(77). ومن القناعة نفسها قال الشاعر الإنكليزي جونسن: "إن الحكم على الشعراء هو من اختصاص الشعراء، وليس كل الشعراء بل أفضلهم"(78)..
ورأى إليوت أن الشاعر وحده القادر على استيعاب التجربة الشعرية وتفسيرها بوصفها إبداعاً أدبياً، "فمن الأفضل دعوة النقاد التأريخيين والفلسفيين مؤرخين وفلاسفة"(79). وبرر إليوت ذلك من خلال مستوى الاستجابة التي يتصف بها المبدع وحده. وعنده أن هناك نمطين من الحساسية، يكمل أحدهما الآخر هما: حساسية المبدع، وحساسية القدرة على استكناه ماقدمه المبدع:"وبما أن الحساسية نادرة وغير شائعة ومرغوب فيها فإن من المنتظر أن يكون الناقد والفنان المبدع الشخص نفسه في كثير من الأحيان"(80)..
وإذا كان بعض الشعراء قد سعوا إلى حيازة التجربة النقدية بوصفها جزءاً من إمكانات الشاعر لم ينظر شعراء آخرون إلى النقد بالعين ذاتها التي نظرت إلى إبداع الشعر، بل إن ممارسة النقد لا تشكل عندهم قيمة مهمة لشخصية الشاعر ولا تمنحه تميزاً ذا بال، "فحين يتلفت الناقد وراءه لا يرى سوى ظل التابع، فمن يرضى أن يكون ناقداً إذا استطاع أن يصبح كاتباً"(81). ولأن الأدب يعكس وعياً إنسانياً متصلاً فهو أكثر خلوداً من النقد الذي يعبر عن رؤية تتصل بعصرها ومؤثراته" فكل جيل يختار ما يلائمه، لذلك نجد أن هناك شعراً خالداً، لكننا لا نجد نقداً خالداً"(82)...
وفي هذا الصدد يقول ورد زورث: "ليست القدرة على النقد عندي قيمة كبيرة. النقد ملكة من ملكات العقل أحط شأناً من ملكة الخلق والإبداع"(83)..
أما النقاد فيتطرف بعضهم في النظر إلى مايقدمه الشعراء من نقد، ولا يعدونه ذا قيمة في هذا المسار لأن "اتحاد الناقد والشاعر هو في الأغلب اتحاد قلق..... لا يعود بالخير على النقد أو الشعر"(84). ويردد بعضهم مقولة سقراط عن تدني إمكانات الشاعر في فهم التجربة الشعرية ولو كانت في حدود تجربته الذاتية، فالشاعر إنما "يخلق عملاً فنياً مجسداً، وأنه لا يعرف بالضرورة النشاط الذي يقوم به ولا يهمه أن يعرف. وقد لا يعرف أن يصوغ ما يعرف بمصطلحات فكرية"(85). ويصل (لاسل ابركرومبي) إلى النتيجة ذاتها فيقول: "إن المقدرة على تذوق الأدب تختلف عن المقدرة على تحليله منطقياً. وإن المقدرة على تذوق الشعر والقدرة على نظمه كلامهما منشؤه طبيعة خاصة في النفس"(86). ولا يلتفت معظم النقاد إلى الرأي الذي يقول: إن عجز الناقد عن أن يكون مبدعاً هو الذي يدفعه إلى النقد، أو إلى رأي أوسكار، وايلد إن "مايجعل الإنسان حكماً مناسباً على شيء ما هو عجزه عن خلقه"(87) ويعدون هذا القول مجافياً الدقة، من خلال التذكير بمسألة أساس تفصل بين الشاعر والناقد، تتمثل في تمسك الشاعر بذاتيته وهو يمارس تجربته الشعرية، وسعي الناقدإلى الانعتاق منها، لأنه يقدم رؤية موضوعية تتأمل ما يقدمه الشاعر وتعطي تصورهاعنه.ومن هذا المنطلق تنتفي عندهم أهمية أن يكون الناقد شاعراً أو لا يكون، بل إن من لا ينظم القصيدة قد يقرأ فيها أكثر مما أودعها ناظمها(88). ويؤكد آخرون أن عملية إبداع الشعر ذاتها هي مصدر إخفاق الشاعر في أن يكون ناقداً يشار إلى ما يكتبه بعين التقدير، لأنه سيكون غالباً أسير رؤيته الذاتية، وتمسي كتاباته النقدية "محاولة لمسايرة تجربته الإبداعية وتبريرها، وأغلب آرائه تعبيراً عن جداله مع نفسه حول ماذا ينبغي أن يفعل في المرحلة التالية وماذا يجتنب(89). ويقدم رينيه وليك الشواهد التأريخية على ضيق أفق الشاعر وتمركزه حول ذاته، فيقول: "انظروا كيف يدعو درايدن لاستعمال الشعر المرسل تارة والمقفى تارة أخرى بحجج متناقضة، حسب متطلبات حاجته الآنية ككاتب مسرحي، وانظروا كم كان ورد زورث مجحفاً بحق توماس غراي وكيتس لأنهما لم يتفقا ونظريته حول اللغة البسيطة"(90)..
ولعل من الممكن إزالة أوجه الافتراق التي تبدو في نظرة الشعراء إلى النقد الذي يمارسه سواهم، مثلما يمكن جعل موقف النقاد من كتابات الشعراء النقدية أكثر موضوعية، إذا ما تخلى كلا الطرفين عن ضيق الأفق الذي ينظر منه إلى ما يقدمه الطرف الآخر من تجارب نقدية. فلم لا يكون النقد كالشعر والرواية والمسرحية نتاجاً إبداعياً، يقدم وعياً وتجربة وثقافة، وليس بمقتصر على مساحة التفسير والتقويم وتسجيل الاستجابة أو عدمها؟ ولم لا ينظر إلى إبداع الأديب بوصفه ممثلاً لرؤية نقدية ومشيراً إلى آفاق تجربة إنسانية في كثير من خصائصه المضمونية والشكلية. وعبر هذا التصور يتوازن الأمر ونصل إلى القناعة بأن طريق النقد" هي طريق الإبداع ولكن بأن يسلكها الناقد باتجاه معاكس، فهو يبدأ من حيث ينتهي المؤلف، لينتهي من جديد حيث يبدأ"(91)، ويصبح ضرورياً أن يدخل في النقد قدر من الحس الفني، وأن تتطلب أشكال النقد مهارات فنية تأليفية وأسلوبية متميزة، تفضي بالنقد إلى ما سماه (أوسكار وايلد) (النقد الخلاق) الذي هو عنده نتاج لغزو الشعر للنقد كي يصبح نقطة انطلاق لخلق عمل فني جديد يكتبه الناقد(92)..
وعلى وفق هذه النظرة الموضوعية يمكن إضفاء أهمية خاصة على العمل النقدي الذي يقدمه الشاعر..
(2)
وتقف وراء اتجاه الشعراء إلى كتابة النقد في المراحل التأريخية المختلفة ـ سواء في ذلك الماضي والحاضر ـ مبررات كثيرة. ولعلهم كانوا في الغالب "يستجيبون لمؤثرات جديدة في حضارة أخذت تعي نفسها"(93). بما يستدعي تحديد الرؤية على نحو يعكس وضوحها وصواب منطلقاتها، ويجيب عن الأسئلة التي قد تثار من دون أن يقدم النتاج الإبداعي إجابة جلية عنها. غير أن هذا التوجه يبدو محكوماً بمبررات مختلفة، تستحضرها ذاكرة الشاعر على نحو أو آخر عند الممارسة النقدية، لعل أولها ما استقر في وعي الشاعر من قناعة بدوره الأساس في صنع مسار التجربة الأدبية، سواء أكان على صعيدي الذات أم في إطارها الإنساني العام، حيث لم تشهد بدايات النتاج الأدبي دوراً سابقاً لدور المبدع. وهذا يعني أن ملكة الإبداع أصلية، سبقت ملكة النقد التي يراها كرومبي ملكة مكتسبة(94). إذ لم يأخذ النقد مكانته خارج تجربة المبدع ذاتها إلا "حين انتقل الناس من التفضيل المبهم إلى الاختيار الذي يمكن تبريره بشكل معقول، أو بعبارة أخرى حين تسنى للناس الرجوع إلى قواعد عقلية"(95)..
ولعل في خصوصية الشعر الذي يقدمه الشاعر، بما يقوم عليه من تجربة وفكر ويتأسس عليه من بناء فني، ما يجعل صاحبه مصدراً مهماً عند النظر النقدي المتفحص لذلك الشعر، ويمكن أن نلمح هذا واضحاً في تراثنا الشعري، حين استند كثير من شراح الدواوين والنقاد إلى ماكان الشاعر يراه في شعره(96)..
وربما يكون وراء توجه الشاعر إلى النقد إبداعه، بما فيه من حداثة تتخطى السائد في ساحة الشعر، وتواجه بصدود النقاد، مما يدفع الشاعر إلى تقديم رؤيته والدفاع عن الجديد الذي توصل إليه. نجد ذلك في مرحلة ظهور الرومانسية اتجاهاً أدبياً جديداً، كان شعراؤه (ورد زورث وكولردج وشلي) وهم دعاته والمنافحون عنه الذين أرسوا له مساراته. ومثل ذلك نجده عند أصحاب المذهب الرمزي (مالارميه وفاليري)(97)..
ومثل هذا نجد في الأدب العربي الحديث لدى جماعة الديوان وأبولو، ثم لدى رواد الشعرالحر، وقد يتعرض الشعر وسواه من الفنون الإبداعية إلى نمط من التهجم والتشكيك في جدواه الاجتماعية والفكرية، بما يضع الشاعر في موقف المدافع عن قضيته، فقد وضع الشاعر فليب سدني (ت 1589م) مقالته (تسويغ الشعر) بسبب ما ألصقه المتطهرون بالشعر من كونه يفسد الأخلاق ويضعفها، وأنه يكذب ويغري بالنزوع إلى الملذات الحسية(98). ونشر شللي (ت 1822م) كتابه (دفاع عن الشعر) ليرد على ما تعرض له الشعر والشعراء من انتقادات بدعوى أن الشعر قد ذهبت فائدته، وأنه في عصر العلم والعقل لا يؤدي إلا إلى الخمول والخرافة(99) ويبقى دافع الشاعر إلى كتابة النقد، قبل كل شيء، يقينه بامتلاكه، مؤهلات معرفية وثقافية تسعفه لتقديم مستوى مهم من التنظير النقدي، يتداخل في أبعاد تجربته الإبداعية. يقول (بول فاليري) معبراً عن ذلك: "حينما عدت إلى نظم القصائد كان الفكر والمناهج وطريقة التفكير ـ التي أصبحت جوهرية بالنسبة إليّ ـ لا تستطيع إلا أن تظهر وإلا أن تعمل في نتاجي الأدبي"(100)..
(3)
إذا ما نظرنا إلى الوسائل التي يقدم بها الشاعر أفكاره النقدية نصل إلى القناعة بسعة ما لديه منها، بقدر ما يكاد يتهيأ للناقد الذي ليس أمامه في الغالب إلا أن يقدم أفكاره من خلال الكتابة النقدية وحدها ـ كتباً أو مقالات ـ أما الشاعر فلديه، فضلاً عن ذلك، وسائل أخرى، يمكن أن نشير منها إلى نقد الشعر شعراً والمختارات الشعرية(101)..
يعد نقد الشعر شعراً من أشكال النقد القديمة، ولا يمارسه إلا الشعراء(102). ولعل قصيدة هوراس (فن الشعر)(103) أول أمثلته البارزة، فهي تمثل "أقدم غزو نقدي لعالم الشعر، أو أقدم تحالف بين الشعر والنقد"(104). وقد اختط هوراس بها مساراً نقدياً استمر طويلاً بعده، نجده في (البويطيقا) لفيدا و(فن الشعر) لبوالو و(مقالة في النقد) لبوب(105). ويلاحق الناقد رينيه وليك هذا النوع النقدي تأريخياً فيراه قد اختفى قروناً طويلة(106) ثم عاد إلى الظهور في هذا القرن:
فالكتيب الذي هاجم فيه فرلين الأسلوب الخطابي تحت عنوان (فن الشعر) نظم نظماً... وقد أعاد هولدرين في ألمانيا التأكيد في الشعر على رسالة الشاعر.. وفي فرنسا كتب مالارميه قصيدة (النخب الحزين) أعاد فيها التأكيد.. على وظيفة الفن المخلدة"(107)
وتوقف الشاعر العربي في عصور شعرنا المختلفة عند هذه الوسيلة في تقديم أفكاره النقدية، ابتداء بامرئ القيس الذي اختط للشعراء منهجاً شعرياً موروثاً. في الوقوف على الأطلال بقوله:
عوجا على الطلل المحيل لعلنا نبكي الديار كما بكى ابن حذام(108)
وعنترة القائل: "هل غادرالشعراء من متردم"(109)..
وتكثر هذه الملاحظات النقدية عند الشعراء العرب القدامى في العصور كلها، ولعلهم لم يهتموا في الغالب بصيغة نقدية أخرى خارج إطار الوسيلة الشعرية.
وقد حاول بعض النقاد أن يجد للنقد المنظوم مبرراته، من خلال النظر إليه بوصفه صيغة من صيغ الشعر التعليمي الذي نظمت فيه الفلسفة وعلم الفلك والتأريخ(110).
وربما يكون هذا الرأي واحداً من مبررات لها أثرها في هذه الظاهرة النقدية لعل منها إتقان الشاعر للعملية الشعرية وقدرته على تطويعها لرؤيته النقدية وكأنه يسعى من خلالها إلى الحفاظ على سيماء شاعريته. ولكن عد هذا الشعر تعليمياً صفة غير مناسبة تماماً له، فالشعر التعليمي يهتم بحقائق معينة، يريد للمتلقي معرفتها وترديدها في حين أن ما يقدمه الشاعر من نقد منظوم غالباً ما يشير إلى رؤية ذاتية لصاحبه وحده، ويحتمل الصدق أو سواه.
وتمثل المختارات الشعرية وجهاً آخر لرؤية الشاعر النقدية، وتعكس نمطاً من القناعات التي استقرأ الشاعر في ضوئها شعر عصره أو العصور الماضية ليتوقف عندأمثلة شعرية منها، وجد فيها سمات رؤيته النقدية، بما يجعلنا من خلال هذه المختارات، قادرين على تبيان المستوى النقدي الذي يرتضيه.
فهي وسيلة نقدية لأنها تحقق لدى الشاعر الذي يقوم بصنعها إلى جانب الاستمتاع والفائدة الإبداعية، "طريقة في رؤية الشعر وتقديمه. وربما اختزل الشاعر وعي عصره النقدي من خلال مختاراته"(111)..
(1) جاء في المعجم "النقد والنقاد" تمييز الدراهم وإخراج الزّيف منها. ونقد الطائر الفخ ينقده بمنقاره: ينقره. ونقد: عاب واعتاب "ابن منظور" لسان العرب، مادة نقد). وعبر هذه الرؤية عرّف قدامة بن جعفر النقد أنه "علم جيد الشعر من رديئه"، نقد الشعر، تحقيق كمال مصطفى، القاهرة 1963، ص 13.
(2) ر.م. البيرس، الاتجاهات الأدبية في القرن العشرين، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت 1965م، ص 124.
(3) بول هير نادى، ماهو النقد، ترجمة سلافة حجاوي، بغداد 1989، من مقال رينيه وليك (النقد الأدبي نظرة تأريخية) ص 288.
(4) لمزيد من التفصيل عن مؤهلات الناقد ينظر:
علي جواد الطاهر، مقدمة في النقد الأدبي، بيروت 1979، ص 343 وما بعدها. ومقالات، بغداد 1962، ص 11، ومابعدها. وداود سلوم، مقالات في تأريخ النقد العربي، بغداد 1981، ص 19 ومابعدها. ومصطفى عبد اللطيف السحرتي، الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث، القاهرة 1948، ص 11 ومابعدها، وأحمد كمال زكي، النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، القاهرة 1972، ص 17 وماهدها. وعبد الرضا علي، نازك الملائكة الناقدة، بيروت 1995، ص 9.
(5) ينظر: رشاد رشدي، مختارات من النقد الأدبي المعاصر، القاهرة 1951، مقالة فيليبس . م. جونز، ص 117.
(6) روز غرّيب، تمهيد في النقد الحديث، بيروت ، 1971، ص 8.
(7) ا.آ. ريشاردز، مبادئ النقد الأدبي، ترجمة الدكتور مصطفى بدوي، القاهرة د.ت، ص 41.
( المصدر نفسه، ص 42.
(9) ديفيد ديتش، مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ترجمة: محمد يوسف نجم، بيروت ، 1967، ص 598.
(10) ينظر: رينيه وليك، مفاهيم نقدية، ترجمة محمد عصفور، الكويت 1987، ص 418.
(11) رينيه ديبو، رؤى العقل، ترجمة فؤاد صروف، بيروت ، 1962، ص 23.
(12) محمود الربيعي، في نقد الشعر، القاهرة، 1977، ص 5.
(13) لاسل ابركرومبي، قواعد النقد الأدبي، ترجمة: محمد عوض محمد، ط2، بغداد 1986، ص 1.
(14) المصدر نفسه، 2.
(15) المصدر نفسه، ص 142.
(16) ينظر: كرومبي، ص 155. ويؤيد كرومبي هذا الرأي بقوله: أن شاعراً كبيراً مثل دانتي لم يكن يعرف شيئاً عن أرسطو وأفكاره النقدية إلا من خلال قراءته لقصيدة هوراس، (كرومبي، ص 150)..
ويشير كولردج إلى أن كتاب هوراس كان حجة لنقاد عصر النهضة في إنكلترا، يرجعون إليه، ومصدراًلجل أحكامهم. (ينظر: محمد مصطفى بدوي، كولردج، القاهرة د.ت، ص 39).
(17) ينظر: كرومبي، ص 153.
(18) وهي عنده اللهجة الإيطالية التي أصبحت فيما بعد لغة مستقلة، ومثلت واحدة من السمات الأساس لحركة الوحدة القومية الإيطالية.
(19) ينظر: كرومبي، ص 150.
(20) ينظر ريتشاردز، ص 365.
(21) ينظر جورج واتسن، نقاد الأدب، ترجمة وتقديم وتعليق عناد غزوان وجعفر الخليلي، بغداد، 1979، ص 56.
(22)ينظر ريتشاردز، ص365.
(23) ينظر : واتسن: ص 83.
(24) ينظر: مصطفى بدوي، ص 7.
(25) ينظر: عبدالجبار المطلبي، مواقف في الأدب والفن، بغداد، 1980، ص 159.
(26) ينظر: ديتش، ص 143.
(27) روي كاودن، الأديب وصناعته، ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، بيروت 1962، مقالة ج.. دونالد آدامز: مسؤولية الأديب، ص 186.
(28) ينظر اميل فوجيه: مدخل إلى الأدب، ترجمة مصطفى ماهر، القاهرة 1958، ص139.
(29) ينظر واتسن: ص 173.
(30) ينظر: هاسكل بلوك وهرمان سالينجر، الرؤيا الإبداعية، ترجمة: سعد حليم، القاهرة 196، ص 20.
(31) ينظر: ف.أ. ماثيسن، ت.س. إليوت الشاعر الناقد، ترجمة إحسان عباس، بيروت ، 1965، ص 31.
(32) ينظر : ت.س. اليوت، مقالات في النقد الأدبي، ترجمة لطيفة الزيات، القاهرة، د.ت، ص 6 ومابعدها.
(33) ينظر ماثيسن، ص 129.
(34) ينظر: المصدر نفسه، ص 377.
(35) ينظر: ارشيبالد مكلش، الشعر والتجربة، ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي، بيروت 1963، ص 7.
(36) ينظر: منح خوري، الشعر بين نقاد ثلاثة، بيروت 196، ص 99.
(37) ينظر: وليك، ص 421.
(38) ينظر: الن تيت، دراسات في النقد، ترجمة عبد الرحمن ياغي، بيروت، 1961، ص 7.
(39) يقول الجاحظ: كان الشاعر أرفع قدراً من الخطيب، وهم إليه أحوج، لرده مآثر
التمهيد النقد.. والشاعر الناقد * في مفهوم النقد وطبيعته:
لا يبتعد مفهوم النقد اصطلاحاً كثيراً عن دلالته اللغوية: التمييز بين الجيد والرديء(1) الذي يتحقق في مجال الدراسات الأدبية من خلال طرائق إجرائية، تبتدئ بالاستجابة الذاتية والتذوق ثم التأمل والوصف والتحليل، لتنتهي بإظهار قيم النص الأدبي المعنوية والفنية والحكم عليها.
ويبدو أن النقد "لم يلقَ عبر العصور تعريفاً مطلقاً ولا منهجاً موحداً"(2)، مع وضوح دلالة المصطلح على جنسه الأدبي. ولعل مرد ذلك طبيعة النظر إلى طرائقه وأدواته وقيمة كل منها، وما تقدمه من نتائج وأحكام. وعبر تقديم هذه الوسيلة أو تلك والتوقف عند طريقة أو قيمة معينة وإبرازها، وضعت مناهج وقدمت نظريات. غير أن ذلك لم ينل من حقيقة أن النقد "حديث حول الأدب"(3) يقوم على تعريفه وتفسيره من خلال استحضار جملة مقومات تتحدد فيها شخصية من يتصدى للنقد، ولا تتوقف عند المنهج بل تتسع لتشمل: الموهبة والاستعداد الذهني والثقافة المتسعة التي استمدت من معاودة النظر في معارف وعلوم وتجارب مختلفة، والقدرة على صياغة الأفكار المتشعبة كياناً شمولياً متماسكاً(4)..
وتؤكد هذه المقومات التي ينبغي توافرها في الناقد خطورة المهمات التي يقوم بها، وهي طبقاً لتحديد بعض الباحثين(5):
ـ إيضاح المبهم فيما نقرأ، وتنظيم النص تنظيماً يخرجه من الفوضى التي ربما كانت تسوده..
ـ القيام بدور المرشد لمشاعرنا التي أثارها النص الأدبي.
ـ الربط بين الخبرات التي نستخلصها من الحياة وتلك التي يزودنا بها الأدب.
ولكن أيعني هذا أن النقد علم له سمات اليقيني المعرفي وقواعده؟..
يبدو أن القول بذلك أمر لا يمكن الركون إليه باطمئنان، يقول أميلي فوجيه: "أن النقد كسائر العلوم الإنسانية يرتكز في بعض أصوله على الظن والحدس وأنه معرفة ناقصة يتمازج فيها العلم والفن، وتعتمد أحياناً على البداهة والفطرية، فتفترض وتتخيل، ثم تحاول الاقتراب من العلم دون أن تستطيع بلوغه"(6)..
ويرى ا.آ. ريشاردز أن مهمة النقد تتلخص في أنه يجيب عن أسئلة محددة يدور معظمها حول: "ما الذي يضفي قيمة على تجربة قراءتنا لإحدى القصائد"(7).. وحين يتأكد له أن الإجابة عن هذا السؤال مما لا يتفق عليه الدارسون، فتعدد الإجابات طبقاً للرؤية النقدية وما تقوم عليه من منطلق خاص، يقرر: "إن نظريات النقد القائمة لا تتألف إلا من بعض التخمينات التي هي وليدة الذكاء والكثير من الأقوال الشعرية والبلاغية"(..
وهناك من يؤكد استحالة الوصول بالنقد إلى مستوى العلم، فسوف "يظل النقد الأدبي فناً لا علماً، والناقد الذي يحاول أن يحيل منهجه التطبيقي إلى اتباع منهج علمي صارم يقع في خطر كبير، وهو أنه يفوّت على نفسه وعلى قرّائه بلوغ الحيوية في الأثر الأدبي"(9).. ويعطي اليوت المسألة مدى أكبر حين يحذر من خطر الجري وراء النقد كما لو كان علماً(10)..
وإذا كان العلم ـ طبقاً لرأي برنارد شو ـ مخطئاً دائماً.. لأنه لا يكاد يحل طائفة من المشكلات حتى يخلق طائفة أخرى"(11)، فكيف تكون حال النقد الأدبي الذي يتعامل. مع عالم متغير بتغير الزمن؟.. ومن أي الجوانب ينظر إلى وجه يقينه وسمته التي تقترن بموضوعية علمية محددة؟..
يقول أحد النقاد العرب: "نحن في عصر التفكير العلمي، وإذا أردنا لفرع المعرفة الذي نهتم به وهو النقد الأدبي أن يحرز القيمة اللائقة فلابد أن نسعى إلى تقريبه من ركب العلم العام، بأن نجعل أدواته جميعاً علمية: منهجه ووسائله ولغته"(12)..
ومع أن لهذه الدعوة نصيباً كبيراً من الأهمية في إرساء أسس نقدية موضوعية يقود الإيمان بكونها تشمل النقد كله إلى مجافاة لصورة النقد المثلى التي تقوم على مكونات عدة، لا تنتهي عندما هو علمي منها، بل تتسع لتشمل الموهبة والاستعداد الفطري والذهنية التحليلية والذائقة الفنية. وإذا أخذ جانب من النقد وجهة الموضوعية العلمية، متمثلة بالمنهج، فإن ذلك لا يلغي المطالبة بتوافر النقد على سمات فنية، بما يجعله مهمة أدبية إبداعية وليس تنظيراً ذهنياً لا روح فيه.
* الشاعر الناقد.. لمحة تأريخية:
لعل الشاعر أول ممارس للعملية النقدية ـ منذ أن وجد من يعنى بهذه الصياغات اللفظية المتميزة التي تسمى الشعر ـ فلاشك في أنه يبذل جهداً مهماً ـ في المستوى الشخصي المتعلق بشعره، حين يسعى إلى بلوغ حد من النضج الذي يضع عمله الإبداعي فيه ليقدمه مطمئناً إلى متلقيه. ولكن هذه الممارسة الذاتية التقويمية التي تخص الشاعر وشعره وحدهما، لا يمكن النظر إليها بوصفها ممارسة نقدية مباشرة وكاملة تصدق عليها تسمية النقد، فليس الشاعر في ذلك بمختلف عن أي شخص آخر يريد لعمله بلوغ حالة من الجودة والقبول، في حدود أوسع من قناعته الشخصية، لأنه يطمح إلى نيل رضا الآخرين وإعجابهم، وإذا كما نشير إلى هذا المنحى من آفاق العملية الإبداعية في الشعر بوصفه نقداً محدود الفاعلية ـ لسماته التي تعكس وجهاً لممارسة ذاتية لابد منها ـ فإن هناك نمطاً من الشعراء الذين لم يتوقفوا عند حدودها، بل سعوا فضلاً عنها، إلى تقديم أفق من الكتابة النقدية التي تعكس وعياً وخبرة وثقافة، جعلتهم مؤهلين لوصف خاص بهم هو: الشعراء ـ النقاد..
ويبدو أن الشاعر ظل لآماد طويلة يمارس الإبداع ـ والنقد ضمناً ـ من دون أن يكون ذلك أمراً لافتاً للانتباه، حتى إذا ما اهتم المفكر والسياسي والفيلسوف بما يقدمه الشاعر، وراحوا يناقشون أبعاد هذا التعبير اللفظي ومساراته، أشير إلى ذلك بوصفه نقداً، فكان أرسطو مثلاً، في كتابه (فن الشعر) الرائد لمسار إنساني جاد لاحق تجربة الشاعر بالتفسير والتحليل والتقويم. ومع أن أرسطو أقام دعائم نقده على أساس من الاستقراء للنتاج الأدبي الذي وجده بين يديه، ظلت وجهة اهتمام النقد تشير إلى ريادته وحده وتتناسى الشعراء الذين قدموا له ما أقام أفكاره النقدية عليه.
لقد مثلّ أرسطو المرحلة الناضجة في دراسة الشعر ونقده من خلال كتابه. وقد سبقه أستاذه أفلاطون إلى شيء من ذلك، وكان الاثنان مسبوقين بسقراط. ويبدو أن اهتمام الفلاسفة الثلاثة بالملاحقة الجادة لدراسة الشعر واستكناه قوانينه مصدره قناعتهم بأن الشاعر مشغول بعملية إبداع الشعر وحدها. وهو خارج هذا الإطار، لا يكاد يكون مؤهلاً لتقديم خبرات نظرية مهمة، بل هو غير قادر على فهم تجربته الشعرية ذاتها. يقول سقراط: "لقد سألت كلاً منهم ـ يقصد الشعراء ـ عما عناه بشعره، فلم يكن منهم من استطاع الإجابة عن سؤالي هذا. ولقد جمعني وإياهم مجلس، ضم كثيراً من المعجبين بهم وبأشعارهم، فلم يكن بين الحضور رجل إلا وهو أقدر على التحدث عن تلك الأشعار من الشعراء أنفسهم"(13). ولكي يضع الشاعر في حدود موهبته وحدها ولا يمنحه فرصة الامتداد إلى مستوى الوعي بما يحيط بها، جعل سقراط المؤثرات التي تحرك الشاعر ليبدع شعره وليدة عوالم غيبية غير مدركة من الشاعر ذاته. وهذا يعني أنه يبعد الشاعر عن أن يكون قادراً على استحضار وعيه في التعامل مع تجربته الإبداعية. يقول: "لقد أدركت حينئذٍ أن الشعراء لا يكتبون الشعر لأنهم حكماء، بل لأن لديهم طبيعة أو هبة قادرة على أن تبعث فيهم حماسة"(14)..
ولاشك أن كلام سقراط هذا لا يبدو حكماً نهائياً على قابليات الشعراء وملكاتهم في مجالات تضاف إلى ما ابتدعوه من شعر. وربما كان مناسباً لنمط من الشعراء الذين عرفهم، ولكنه لا يعد مناسباً لكل عصر، إذ يجد المستقرئ لمسيرة الآداب أسماء كثيرة لشعراء، لم يكونوا قادرين على استيعاب أبعاد تجربتهم نظرياً، والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بها، بل مارسوا نقد الشعر وتحليله، وأنضجوا مستوى من الفكر النقدي النظري المهم الذي ربما كان موازياً لما قدموه من عطاء في الشعر، وبما كفل لهم مساحة واضحة من الشهرة في مجالي الشعر والنقد. ويمكن لمتتبع تأريخ الآداب المختلفة أن يتوقف عند أسماء بارزة من هؤلاء الشعراء ـ النقاد.
(1)
إذا كان النقد الأدبي ـ على مستوى النظرية وتطبيقاتها ـ بدأ واضحاً في نضجه بكتاب أرسطو (فن الشعر) فإن أول اسم نقدي تشير إليه ذاكرة التأريخ الأدبي الأوربي مع أرسطو هو اسم الشاعر الروماني هوراس (ت 8 ق.م)، بل لعل أوربا لم تعرف اسماً مهماً قام بنقد الشعر، وإن كان ذلك أرسطو نفسه، إلا من خلال إشارات هوراس إليه، فقد "كانت أقوال هوراس تقرأ وتدرس في الوقت الذي كانت فيه كتابات أرسطو مجهولة أو مهملة"(15). ويبدو أن ذلك قد استمر طويلاً فحتى مطلع عصر النهضة كان هوراس لا يزال هو المرجع الوحيد لمن يكتب في النقد الأوربي(16)..
وتشير كتب النقد الأوربي إلى أسماء كثيرة لشعراء مارسوا النقد وقدموا فيه جهداً طيباً، جعل أسماءهم تندرج ضمن تأريخ هذا النقد عبر عصوره كلها. ومن هذه الأسماء، منذ عصر النهضة الأوربية: دانتي (ت 1321) الشاعر الإيطالي الذي قامت شهرته على ملحمته الشعرية (الكوميديا الإلهية) وقد وضع في النقد كتابيه: (الوليمة) ودرس فيه الشعر الغنائي مهتماً بمضامينه الرمزية ودلالتها لدى الشاعر والمتلقي(17)، و(في اللسان العامي) الذي دافع فيه عن استعمال اللغة الشائعة التي يتداولها الناس بديلاً من اللغة اللاتينية(18) التي رأى أنها خلّفت تفاوتاً في مستويات الوعي الثقافي لأبناء المجتمع الإيطالي، حيث تتكلم النخبة لغة، ويتكلم عامة الشعب لغة أخرى، وقد سعى في كتابه إلى تثبيت دعائم آرائه في خلق لغة إيطالية تستمد مقوماتها من اللسان العامي الذي قام بوصف ألفاظه، ووضع لأشعاره وأغانيه صورها وأوزانها(19).
ويعد الشاعر الإنكليزي جون درايدن (ت 1700) من رواد النقد الإنكليزي، بل لقد عده بعضهم أباً لهذا النقد(20). وكان قد كتب فيه مقالته الشهيرة (الشعر الدرامي) فضلاً عن مقدماته الكثيرة لأشعاره ومسرحياته(21).
وألف الشاعرالفرنسي بوالو (ت 1711) منظومة نقدية أسماها (فن الشعر) عدت من المصادر المهمة لدراسة الشعر الكلاسيكي(22)..
وتساوقت الموهبة الشعرية مع الوعي النقدي لدى الشاعر الإنكليزي الكزندربوب (ت 1744) منذ مرحلة مبكرة في حياته، وله (مقال في النقد) قبل أن يبلغ العشرين من عمره، اهتم فيه بالنقد وشروط الناقد، جاعلاً المقدرة الإبداعية أساساً فيها(23)..
وظهر عدد من الشعراء النقاد مع ازدهار المذهب الرومانسي في أوربا، قدموا تجاربهم الأدبية الجديدة بإطار فكري يستوعبها، ويبرز مافيها من قيم إبداعية جديدة. ولعل أشهر هؤلاء الشعراء: كولردج (ت 1834) الذي لا يعد من الأسماء المهمة في النقد الإنكليزي بل الأوربي كله(24). وقد كتب كثيراً من المقالات النقدية، ظهر بعضها في كتابه (سيرة أدبية)(25). ووردزورن
(ت 1850) الذي ظهرت أنضج أفكاره النقدية في المقدمة النظرية للطبعة الثانية من ديوانه (قصائد غنائية)(26) التي عدت انطلاقة لمسار نقدي مهم برز في الشعر الإنكليزي، حتى أن أحد النقاد الغربيين ليسأل: "لو لم يكتب ورد زورث مقدمته المشهورة لديوان القصائد الغنائية أكان الشعر الإنجليزي يتخذ النهج الذي اتخذه" (27) وينظر إلى الشاعر فكتور هوجو (ت 1885)، على أنه أبرز الشعراء النقاد في الأدب الفرنسي، من خلال ما قدمه من عطاء أدبي خلاق عكس توجهاته الأدبية الفذة، وما كتبه من آراء نقدية مهمة تتعلق بالوظيفة الاجتماعية للأدب وعلاقة الأنواع الأدبية ومذاهبها بحركة الحياة وتطورها(28).
ولعل الشاعر ماثيو آرنولد ( ت 1888) من نقاد الأدب الإنكليزي المهمين في القرن التاسع عشر، وكان كتابه (وظيفة النقد) ذا مكانة مؤثرة في النقد الأوربي، حيث اهتم فيه بتأكيد القيم الأخلاقية التي ينبغي للأدب أن يحملها بوصفه نقداً للحياة(29)..
وكان بول فاليري (ت 1945) أحد شعراء فرنسا المتميزين منذ أوائل القرن العشرين. وقد تهيأت له إمكانات معرفية ناضجة تجلت في مؤلفاته العديدة التي أتاحت له أن يكون عضواً في الأكاديمية الفرنسية منذ عام 1925 وأستاذاً للشعر في (الكوليج دي فرانس) وهو كرسي جامعي أنشئ له خصيصاً (30). ولعل اليوت (ت 1965) من أهم الشعراء النقاد في الأدب الغربي، وكانت له ـ إلى جانب شاعريته التي اختط لها مساراً خاصاً ـ شهرة وأهمية وتأثير في النقد الأدبي الحديث بما قدمه من مؤلفات نقدية(31)، أضافت إلى النقد تجارب وأفكاراً، لعل من أشهرها ما كتبه عن التراث والموقف منه(32)، ونظريته في المعادل الموضوعي(33)، ودعوته إلى المسرح الشعري(34).
ولم تخل المراحل التالية في الأدب الغربي من أسماء شعراء نقاد مهمين توقفت الدراسات النقدية عند إضافاتهم في هذا المجال. وتبرز من بين هؤلاء الشعراء النقاد أسماء ثلاثة من الشعراء الأمريكيين هم: ارشيبالد مكلش وهو شاعر وأستاذ جامعي ورجل سياسة(35). ومن أهم مؤلفاته: (وقت للحديث) و(الشعر والفكرة) و(الشعر والتجربة)(36)..
ومنهم الشاعر جون كرو رانسوم الذي تخصص في دراسة الفلسفة، ثم ألف في النقد عدداً من الكتب، لعل أشهرها كتابه (النقد الجديد)(37).
أما الن تيت فهو شاعر وروائي وكاتب مقالة وأستاذ الأدب الإنكليزي في عدد من الجامعات الأمريكية. وله في النقد: (العقل في جنون) و(دراسات في النقد)(38)..
(2)
يمكن لمن يهتم بالجانب النقدي في شخصية الشاعر العربي أن يتوقف عند عدد كبير من الشعراء الذين توافرت شخصياتهم على مستوى من التعبير عن تجربة نقدية برزت فيها، ومن خلال ما دار حولها من تتبع نقدي لدى النقاد العرب القدماء ـ النظرية النقدية في أدبنا العربي القديم عبر عصوره..
لم تأتِ مع ما وصلنا من شعر عصر ماقبل الإسلام أو تسبقه ملاحظات نقدية ناضجة كنضجه. ويبدو ممابين أيدينا من هذه الملاحظات أن الشاعر العربي القديم متفرد بعملية إبداع الشعر والنظر المتأمل فيه وحده غالباً، مثلما تفرد بمكانته بوصفه صوتاً ينطق بما لا قدرة للآخرين على قوله، حتى أن الخطيب، على علو مكانته في قبيلته، لم يكن إلا ظلاً باهتاً أمام خصوصية المكانة وتميزها التي حظي الشاعر بها(39) والتي أدت إلى احتفاء القبائل العربية الباذخ بالشاعر الذي يظهر بين صفوفها(40).
ومن خلال هذه الخصوصية احتل الشاعر موقعه حكيماً مجرباً وصوتاً يعبر عما يختلج في النفوس، ومشرعاً أخلاقياً وسياسياً في بعض الأحيان، وصار شعره لأهل عصره "ديوان علمهم ومنتهى حكمهم، به يأخذون وإليه يصيرون"(41)، بل غاية علمهم "الذي لم يكن لهم علم أصح منه(42)".. وإذا كان الأمر كذلك فإن من المنطقي ألا يكون هناك من ناقد للشعر سوى الشاعر ذاته، ولم يكن ليجرؤ أحد على ذلك إلا نادراً، بل ماكان يتصدى لنقد الشعراء إلا شاعر مبرز، كالذي فعله النابغة، حين كان مجلسه النقدي في خيمته الحمراء بسوق عكاظ ملتقى الشعراء الذين يرنون إلى ما يقدمه عنهم من ملاحظات وآراء انطباعية في معظمها(43)...
ويبدو أن الاهتمام بالشاعر وحده لافتاً للانتباه، فهو على مستوى الثقافة والوعي والتجربة، لا يكاد ينماز عن أبناء قبيلته الآخرين كثيراً، فالتجارب متشابهة والمحيط الخارجي الذي يتدخل في تكوين الشخصية متقارب لدى الجميع وليس للشاعر من علامة فارقة إلا موهبته الإبداعية التي تبدو هي مصدر خصوصية الشاعر ومجال تفوقه. فهذه الموهبة عندهم شيء محير لا يدركون مصدره، ولذا نسبوه إلى عوالم غير مرئية، فقالوا بشياطين الشعر التي تسكن وادي (عبقر).
لقد كان الشاعر، في عصر ماقبل الإسلام ناقد شعره الذي يختط له ما يناسبه من مضمون ويرسم له أنماطه وأساليبه. وضمن هذا التوجه كانت ممارساته النقدية تأخذ طابع التطبيق المباشر لأفكاره على شعره وفيه، ساعياً إلى صقل تجربته الإبداعية وإتقان أسبابها. ولعل أصحاب (الحوليات): أوس بن حجر وزهير بن أبي سلمى وكعب بن زهير والحطيئة، الذين وصفهم الأصمعي بأنهم عبيد الشعر(44)، نمط من الشعراء الذين مارسوا النقد على وفق هذه الصيغة الخاصة بهم وبشعرهم التي قامت على القناعة بأن "خير الشعر الحولي المنقح المحكك"(45). طبقاً لقول الحطيئة.
أما خارج إطار التجربة الشعرية الذاتية لكل شاعر منهم فإن الملاحظات النقدية تبدو محدودة، تقوم على رؤية ذوقية تأثرية: تنفعل فتصدر الحكم النقدي من دون تبرير غالباً(46)..
إن الملاحظات والآراء النقدية التي جاءتنا من عصر ماقبل الإسلام ـ سواء من الشعراء أو غيرهم ـ لا تكاد تقدم صورة توازي ما وصل إلينا من شعر ذلك العصر. ولعل نزرة ذلك النقد لا يسوغها كون النقد الأدبي عند العرب كان في مرحلة بواكيره، قياساً على نضج الشعر وتكامل بنيانه. فهذا الرأي يحتاج إلى مايجعله مبرراً. ونظن أن الأمر مرتبط أساساً بطبيعة الوسيلة التي استخدمت في إيصال الأدب إلى المتلقي، وهي المشافهة والذاكرة الحافظة التي نقلته إلى العصور اللاحقة. وإذا علمنا أن ما وصل إلينا من شعر ذلك العصر لا يمثل كل ما قيل فيه من شعر(47) ـ مع أنه الكلام الذي يستقر في الذاكرة لخصوصيته الموسيقية ـ أدركنا مقدار النثر الأدبي الذي ضاغ عبر الزمن.
أحدث الدين الإسلامي تغييراً جذرياً في العقلية العربية وفي المعتقدات التي استوطنت النفس والشعور، وكان من نتائج هذا التغيير انفتاح الذات العربية على قيم أخلاقية وروحية جديدة، سرعان ما تم تمثلها فكراً وممارسة وأساساً لبناء اجتماعي وسياسي جديد. وقد انتقل كل ذلك إلى الإبداع الأدبي والشعر خاصة، إذ تبدلت القناعات الفكرية للشاعر الإسلامي، فكان لابد لمضمونه من أن ينسجم معها. أما الشكل الشعري فقد حافظ على أصوله لأنه لا يتناقض مع الدين وقيمه. وإذا كان الشاعر الإسلامي على وعي بحقيقة الإبداع الشعري وطبيعته التي تغاير في غالبيتها مساراً أخلاقياً يريده لشعره، إذ إن أعذب الشعر أكذبه(48)، فإن ذلك قاده إلى تناقض كبير بين قناعة فكرية مصدرها الدين الإسلامي ورغبة الشاعر في الوصول إلى أعذب الشعر الذي ليس له إلا أن يتركه ظهرياً. ولذا تخلى لبيد مثلاً عن نظم الشعر قائلاً أنه وجد في قراءة القرآن الكريم ما يغنيه عنه(49). ورأى شعراء آخرون في اقتراب الشعر من قيم أخلاقية كالصدق مقياساً نقدياً لتقويمه(50). غير أن أياً من شعراء هذا العصر ـ ومعهم قادته ورجالاته ـ لم يكن قادراً على غض الطرف عن الشعر الأصيل الذي كانت له سطوته قبل الإسلام. ومع أن هذا الشعر في كثير من أمثلته يعارض القيم الإسلامية على نحو أو آخر حظي أصحابه بتقدير كبير وتفضيل على الشاعر الإسلامي، عندما يكون الأمر المطلوب مواجهة نقدية للشعر. فكان النبي (ص) لا يرى شاعراً أحق بالتبريز بين الشعراء من امرئ القيس، فهو أشعر الشعراء من خلال القيمة الفنية لشعره. أما من الناحية الأخلاقية لمضامينه فإنه قائد الشعراء إلى النار(51). ويعد الخليفة عمر بن الخطاب الشاعر زهير بن أبي سلمى أفضل الشعراء لأنه "لا يعاظل بين الكلام ولا يتتبع حواشيه ولا يمدح الرجل إلا بما فيه(52).
وليس الأمر خاصاً بقادة المسلمين في النظر إلى الشعر، فقد كان ذلك موقف الشعراء أيضاً، فحين سئل لبيد عن أفضل الشعراء ذكر امرئ القيس وطرفة، ووضع نفسه في منزلة لاحقة بهما(53)..
ويبدو أن نظرة المجتمع إلى خصوصية مكانة الشعر ظلت سائدة، وحظي الشاعر بالمكانة الاجتماعية المتميزة، ولم ينافسه فيها الخطيب أو سواه. وأضفى الإسلام على الشاعر وشعره مسحة خاصة حين جعلهما صوتاً فاعلاً في مواجهة أعداء الدين وفي نشر الأفكار الإسلامية والتعجيل بإيصالها(54)..
لقد انتاب الوعي الفكري في المجتمع الإسلامي بعض التفاوت في مكوناته، تبعاً لطبيعة الصلة التي تربط الفرد بالدين: غير أن الشاعر ظل في الغالب مصدر التعبير عن التجربة الشعرية تحليلاً وتفسيراً وأحكاماً نقدية ـ أياً كانت طبيعتها ـ فحين عرضت على الخليفة عمر بن الخطاب مسألة هجاء الحطيئة للزبرقان بن بدر لم يلتفت إلى الصحابة ـ وهم من عرفوا برجاحة العقل وعمق الثقافة الإسلامية والعلم بآفاق الشعر وأساليبه ـ بل طلب الشاعر حسان بن ثابت وحكّمه في هذه المسألة(55). وكأن عمر انطلق من قناعة بأن الحكم النقدي الدقيق على الشعر لا يتوافر عليه إلا من كان شاعراً..
تطورت الحياة السياسية والفكرية للمجتمع العربي في العصر الأموي واتسعت جوانب المعرفة، وبرزت منطلقات رؤية جديدة في التعبير عن الفكر الديني وفي بنية المجتمع وعلاقاته، عززها ظهور تيارات سياسية متناقضة في مواقفها. ونهضت في الأدب مجالات تعبير أخرى ـ أهمها الخطابة ـ تنافس الشعر. وظهر مهتمون بالشعر وروايته، اختطوا للدراسات الأدبية واللغوية نهجاً تطورت فيه عبر المراحل اللاحقة. وقد عمق ذلك كله مكانة الشاعر ودوره في النظر إلى الشعر والتحكم في مساراته، تعينه فيه ثقافته بمصادرها المتعددة، وأبرزها حفظ الشعر القديم وروايته، استكمالاً لموهبته الشعرية. وهو ما أفصحت عنه الآراء والملاحظات النقدية التي نسبت إلى أشهر شعراء هذا العصر. جرير والفرزدق والأخطل وعمر بن أبي ربيعة وكثير ونصيب وسواهم(56). ويبدو أن للتيارات السياسية التي ظهرت في هذا العصر أثراً في طبيعة التوجه الشعري و النقدي، إذ أمسى الشاعر يدرك أبعاد الموقف الفكري الذي هو عليه، فيقدم رؤيته من خلال ما آمن به من قناعة يذود عنها بإزاء المواقف المضادة وشعرائها، وكان ذلك جزءاً أساساً في منطلقات الشاعر النقدية التي اتسمت بتمثل معايير الحياة السياسية والاجتماعية وتحكمها في وعي الشاعر ورؤيته(57).
يمكن أن نلاحظ أكثر من اتجاه في النقد العباسي، فقد مثل علماء اللغة في دأبهم بمتابعة مصادرها والعناية بلهجاتها وما يتعلق بها من شعر اتجاهاً بارزاً(58). وكان لمؤرخي الأدب اتجاههم الذي أنصب على مضامين الشعر ودلالتها لفهم الحدث التأريخي وتفسير بعض وقائعه(59). وكان الجهد الأدبي والنقدي الذي قدمه الأدباء والكتّاب(60) اتجاهً آخر ذا أهمية كبيرة في إنضاج سمات النظرية النقدية عند العرب. أما الشعراء فمثلوا اتجاهاً رابعاً بما قدموه من عطاء شعري ومحاولات نقدية(61)..
وتفصح الأفكار النقدية التي قدمها الشعراء عن أهمية خاصة لأنها اتجهت نحو دعاوى التطور ومحاولات التجديد في مسار الشعر العربي التي توافر عليها الشعراء العباسيون بدءاً بأبي نواس (ت 198هـ) الذي لم ير أحداً أقدر على فهم خصوصية التجربة الشعرية من الشعراء أنفسهم(62). والذي دعا شعراء عصره إلى الاستجابة لروح العصر وحضارته، فلم يرتض المطلع الشعري التقليدي المتهالك على بكاء الدمن والمقدمة المتغزلة ـ حقاً أو باطلاً ـ بحبيبة متوهمة. ونادى ببديل عصري، تمثل لديه بحديث الخمرة(63).
وإذا كانت دعوة أبي نواس شكلية في اتجاهها التجديدي فإن ما اهتم به أبو تمام ( ت 231هـ)، يندرج في مسار تجديدي مهم، حين يخضع البنية اللغوية للشعر لمستوى جديد من التعبير الذي يتجاوز الصياغات السائدة إلى آفاق فيها من وعي العصر ومستجداته المعرفية الشيء الكبير، بما أثار مواقف نقدية متباينة في نظرها إلى شعر أبي تمام وما قامت عليه شخصيته من تجربة ووعي وثقافة(64).
ولم يكتف أبو تمام بذلك، فقد صنع اختيارات شعرية من الشعر القديم، سماها (الحماسة)، قدمت نهجاً نقدياً مهماً في النظر إلى التراث، وتحولت إلى مسار خاص في النظر إلى الشعر القديم والاختيار منه على وفق رؤية خاصة بصاحبها، فظهرت في عصر أبي تمام وبعده مختارات شعرية كثيرة، حملت كلها اسم (الحماسة)(65).
وتعمقت صورة الشاعر الناقد من خلال شخصية ابن المعتز (ت 296هـ) الذي أتيح له من الثقافة والظرف الاجتماعي وخصوصية الرعاية ما مكنه من امتلاك أفق خاص في النظر إلى الشعر في كتابيه (البديع) و(طبقات الشعراء) ورسائله التي من أشهرها رسالته في شعر أبي تمام(66).
وربما كان أبو العلاء المعري (ت 449هـ) أبرز شاعر عربي قديم نتوقف عنده بوصفه شاعراً ناقداً. ولعله من أهم الشعراء النقاد في تراثنا الأدبي، إذ تجمعت في شخصيته جوانب علمية مختلفة، وكانت حياته، في معظمها، مسيرة معرفة وتأمل مستمرين، عمقهما لديه توقد ذهني وذاكرة يقظة، ألغت كل ما يمكن أن يحدثه فقدان البصر من تأثير فيها. وكانت رغبة التعويض هاجسه في إنضاج رؤية متفحصة لما حوله، مثلما كانت وراء العدد الكبير من الكتب والرسائل التي تعكس ثقافة موسوعية متعددة الاهتمامات(67).
(3)
قدم كثير من الشعراء العرب في العصر الحديث عطاءً نقدياً مهماً وكانوا في كثير من الأوقات حملة راية التجديد في الأدب العربي الحديث والمنادين به.
واتسم النقد الذي كتبه الشعراء بابتعاده عن أن يكون رؤية ذاتية متفردة، إذ تركت عوامل التقارب والالتقاء في التوجه الثقافي، وفي منطلق الرؤية الفكرية والسياسية، آثارها في ظهور اتجاهات أدبية، تجمع عدداً من الأدباء الذين يقدمون عطاءهم الإبداعي والنقدي من خلال هذه الرؤية المشتركة. ومن هذا المنطلق يمسي النظر إلى كتابات الشاعر النقدية غير مكتمل الصورة، مالم نضعه في اتجاه أو تيار أدبي معين، نفترض أنه تمثل رؤيته النقدية.
ولعل أبرز التجمعات الأدبية التي يشار إليها في الأدب العربي الحديث هي: جماعة الديوان والمهاجر وأبولو. وهي تجمعات قامت أساساً على تصورات شعراء نقاد، تقف عندهم ذاكرة النقد العربي الحديث باهتمام بيّن.
لعل الديوان أول تجمع أدبي ونقدي عربي في العصر الحديث كانت لأصحابه ملامح فكرية وفنية واضحة، ومستوى من الثقافة العصرية، لم تقف عند الموروث العربي وحده، بل استطاعت أن تنظر إلى مالدى الغرب من مذاهب واتجاهات وتستعين بجوانب منها، لتقديم رؤية جديدة تستوعب التجربة العصرية. ولم يكن أمام هذه الجماعة إلا أن تواصل الكتابة النقدية، بما يبرز التوجه الجديد لها، مع الاستمرار في تقديم المثال الشعري الذي يعكس الرؤية ذاتها، وكان عباس محمود العقاد أشهر أسماء هذا التجمع يؤكد ذلك حجم الإبداع الشعري والنقدي الذي قدمه وتنوعه، فضلاً عن كونه أسبق جماعته إلى الظهور في الحياة الأدبية وأغزرهم إنتاجاً(68).
لم يجد الإبداع الأدبي ـ شعراً ونثراً ـ عند أدباء المهاجر ما يوازيه من نشاط نقدي، لانشغالهم بالتعبير عن ذواتهم وما يتنازعها من مشاعر وإحساسات أكثر من أي شيء آخر(69). ولا يعني ذلك أن النقد الأدبي لاقى مجافاة منهم جميعاً، فقد اشتهرت بينهم أسماء لها أهميتها فيما توقفت عنده من آراء وملاحظات. ولعل ميخائيل نعيمة أبرزها، إذ استطاع في كتابه (الغربال)، الصادر عام 1923م، أن يسهم في إنضاج رؤية حديثة في الأدب العربي. ومع أن نعيمة كتب الغربال في سن مبكرة فقد ظهرت فيه شخصيته النقدية واضحة. وربما كان وراء نضجه الذهني تأريخ حياته الحافل بالتجارب والاطلاع، وتنقله طلباً للاستزادة من المعرفة والثقافات المتنوعة، مما جعله "يستقر على فلسفة نهائية في وظيفة الأدب وفي منهج النقد"(70)..
كان لجماعة أبولو أثرها في مسار التجربة الأدبية العربية المعاصرة بما تتضح سماته في توجه أصحابها إلى إيصال رؤيتهم الأدبية والنقدية إلى مساحة تتسع لعدد من أدباء الأقطار العربية وشعرائها الذين سعت الجماعة إلى استقطابهم، بما تنشره لهم من نتاج أدبي في مجلة (أبولو) الصادرة عام 1932م، التي صار اسمها عنواناً لهذا التجمع الأدبي الجديد(71).
وكان أبرز سمات الأدباء المنضوين تحت راية هذا التجمع سعيهم إلى تمثل التجارب الأدبية الغربية التي يعكسها المذهب الرومانسي. ويبدو أن اختيار هذه الجماعة الشاعر أحمد شوقي رئيساً لها في المرحلة الأولى كان محاولة لاختراق الوسط الأدبي من خلال الاتكاء على شهرة شوقي ومكانته(72).
وإذا كان شوقي قد ترأس هذا التجمع ومجلته في مرحلة التأسيس فإن الرئيس الفعلي له هو الشاعر أحمد زكي أبو شادي الذي كان لأفكاره النقدية التي حملتها بعض كتبه(73) ومقدمات دواوينه ومقالاته أثر كبير في مسيرة هذا التجمع لطبيعة ثقافته الحديثة وسعة اطلاعه على الأدب الغربي، لاسيما الأدب الإنكليزي(74).
* الشاعر الناقد... الرؤية، الدوافع، الوسائل:
(1)
تثير الملاحقة التأريخية لأسماء الشعراء النقاد ومعطيات نقدهم السؤال الآتي: ما الذي يدفع الشاعر إلى ممارسة النقد خارج إبداعه الشعري الذي يفترض أنه قد أتقن أسس التعامل الناضج معه، بما يتيح له فرصة الوصول به إلى صورة المثال الذي يبحث عنه فيما يقدمه من كتابة نقدية، لاسيما أن العمل الإبداعي قادر على إبراز رؤيته النقدية بهيئة أفضل مما هو الحال في التنظير لها؟ يرتبط بهذا سؤال آخر تستدعيه قيمة كتابة الشاعر للنقد نظرياً، خارج إطار الممارسة التطبيقية فيما يكتبه من شعر. وهو ما يقتضي البحث عن أوجه المغايرة والالتقاء بين هذين النمطين وهل يعكسان شخصية صاحبهما المبدع، أم يتقاطعان حتى ليبدو الشاعر كالبيت المنقسم على نفسه"(75).
إن الإجابة عن ذلك تستلزم إدراك موقف الشاعر من النقد وطبيعة نظرته إليه والمكانة التي يضعه فيها بإزاء تجربته الإبداعية، مثلما تتطلب النظر في موقف الناقد المتخصص من هذا المسعى الذي يريد الشاعر منافسته فيه.
ينطلق موقف معظم الشعراء في هذه المسألة من سبق الممارسة الإبداعية على النقد غالباً، وخصوصية تجربة المبدع، بما يجعله أقدر من سواه على فهم دقائقها والنظر إليها بوعي من عاناها، أليس الشعراء هم أمراء الكلام على رأي الفراهيدي؟(76).
وتبدو هذه القناعة مترسخة في ذات الشاعر عبر الزمان. ولعل البحتري كان منطلقاً منها حين ردد مقولة أبي نواس: "إنما يعرف الشعر من دفع إلى مضايقة"(77). ومن القناعة نفسها قال الشاعر الإنكليزي جونسن: "إن الحكم على الشعراء هو من اختصاص الشعراء، وليس كل الشعراء بل أفضلهم"(78)..
ورأى إليوت أن الشاعر وحده القادر على استيعاب التجربة الشعرية وتفسيرها بوصفها إبداعاً أدبياً، "فمن الأفضل دعوة النقاد التأريخيين والفلسفيين مؤرخين وفلاسفة"(79). وبرر إليوت ذلك من خلال مستوى الاستجابة التي يتصف بها المبدع وحده. وعنده أن هناك نمطين من الحساسية، يكمل أحدهما الآخر هما: حساسية المبدع، وحساسية القدرة على استكناه ماقدمه المبدع:"وبما أن الحساسية نادرة وغير شائعة ومرغوب فيها فإن من المنتظر أن يكون الناقد والفنان المبدع الشخص نفسه في كثير من الأحيان"(80)..
وإذا كان بعض الشعراء قد سعوا إلى حيازة التجربة النقدية بوصفها جزءاً من إمكانات الشاعر لم ينظر شعراء آخرون إلى النقد بالعين ذاتها التي نظرت إلى إبداع الشعر، بل إن ممارسة النقد لا تشكل عندهم قيمة مهمة لشخصية الشاعر ولا تمنحه تميزاً ذا بال، "فحين يتلفت الناقد وراءه لا يرى سوى ظل التابع، فمن يرضى أن يكون ناقداً إذا استطاع أن يصبح كاتباً"(81). ولأن الأدب يعكس وعياً إنسانياً متصلاً فهو أكثر خلوداً من النقد الذي يعبر عن رؤية تتصل بعصرها ومؤثراته" فكل جيل يختار ما يلائمه، لذلك نجد أن هناك شعراً خالداً، لكننا لا نجد نقداً خالداً"(82)...
وفي هذا الصدد يقول ورد زورث: "ليست القدرة على النقد عندي قيمة كبيرة. النقد ملكة من ملكات العقل أحط شأناً من ملكة الخلق والإبداع"(83)..
أما النقاد فيتطرف بعضهم في النظر إلى مايقدمه الشعراء من نقد، ولا يعدونه ذا قيمة في هذا المسار لأن "اتحاد الناقد والشاعر هو في الأغلب اتحاد قلق..... لا يعود بالخير على النقد أو الشعر"(84). ويردد بعضهم مقولة سقراط عن تدني إمكانات الشاعر في فهم التجربة الشعرية ولو كانت في حدود تجربته الذاتية، فالشاعر إنما "يخلق عملاً فنياً مجسداً، وأنه لا يعرف بالضرورة النشاط الذي يقوم به ولا يهمه أن يعرف. وقد لا يعرف أن يصوغ ما يعرف بمصطلحات فكرية"(85). ويصل (لاسل ابركرومبي) إلى النتيجة ذاتها فيقول: "إن المقدرة على تذوق الأدب تختلف عن المقدرة على تحليله منطقياً. وإن المقدرة على تذوق الشعر والقدرة على نظمه كلامهما منشؤه طبيعة خاصة في النفس"(86). ولا يلتفت معظم النقاد إلى الرأي الذي يقول: إن عجز الناقد عن أن يكون مبدعاً هو الذي يدفعه إلى النقد، أو إلى رأي أوسكار، وايلد إن "مايجعل الإنسان حكماً مناسباً على شيء ما هو عجزه عن خلقه"(87) ويعدون هذا القول مجافياً الدقة، من خلال التذكير بمسألة أساس تفصل بين الشاعر والناقد، تتمثل في تمسك الشاعر بذاتيته وهو يمارس تجربته الشعرية، وسعي الناقدإلى الانعتاق منها، لأنه يقدم رؤية موضوعية تتأمل ما يقدمه الشاعر وتعطي تصورهاعنه.ومن هذا المنطلق تنتفي عندهم أهمية أن يكون الناقد شاعراً أو لا يكون، بل إن من لا ينظم القصيدة قد يقرأ فيها أكثر مما أودعها ناظمها(88). ويؤكد آخرون أن عملية إبداع الشعر ذاتها هي مصدر إخفاق الشاعر في أن يكون ناقداً يشار إلى ما يكتبه بعين التقدير، لأنه سيكون غالباً أسير رؤيته الذاتية، وتمسي كتاباته النقدية "محاولة لمسايرة تجربته الإبداعية وتبريرها، وأغلب آرائه تعبيراً عن جداله مع نفسه حول ماذا ينبغي أن يفعل في المرحلة التالية وماذا يجتنب(89). ويقدم رينيه وليك الشواهد التأريخية على ضيق أفق الشاعر وتمركزه حول ذاته، فيقول: "انظروا كيف يدعو درايدن لاستعمال الشعر المرسل تارة والمقفى تارة أخرى بحجج متناقضة، حسب متطلبات حاجته الآنية ككاتب مسرحي، وانظروا كم كان ورد زورث مجحفاً بحق توماس غراي وكيتس لأنهما لم يتفقا ونظريته حول اللغة البسيطة"(90)..
ولعل من الممكن إزالة أوجه الافتراق التي تبدو في نظرة الشعراء إلى النقد الذي يمارسه سواهم، مثلما يمكن جعل موقف النقاد من كتابات الشعراء النقدية أكثر موضوعية، إذا ما تخلى كلا الطرفين عن ضيق الأفق الذي ينظر منه إلى ما يقدمه الطرف الآخر من تجارب نقدية. فلم لا يكون النقد كالشعر والرواية والمسرحية نتاجاً إبداعياً، يقدم وعياً وتجربة وثقافة، وليس بمقتصر على مساحة التفسير والتقويم وتسجيل الاستجابة أو عدمها؟ ولم لا ينظر إلى إبداع الأديب بوصفه ممثلاً لرؤية نقدية ومشيراً إلى آفاق تجربة إنسانية في كثير من خصائصه المضمونية والشكلية. وعبر هذا التصور يتوازن الأمر ونصل إلى القناعة بأن طريق النقد" هي طريق الإبداع ولكن بأن يسلكها الناقد باتجاه معاكس، فهو يبدأ من حيث ينتهي المؤلف، لينتهي من جديد حيث يبدأ"(91)، ويصبح ضرورياً أن يدخل في النقد قدر من الحس الفني، وأن تتطلب أشكال النقد مهارات فنية تأليفية وأسلوبية متميزة، تفضي بالنقد إلى ما سماه (أوسكار وايلد) (النقد الخلاق) الذي هو عنده نتاج لغزو الشعر للنقد كي يصبح نقطة انطلاق لخلق عمل فني جديد يكتبه الناقد(92)..
وعلى وفق هذه النظرة الموضوعية يمكن إضفاء أهمية خاصة على العمل النقدي الذي يقدمه الشاعر..
(2)
وتقف وراء اتجاه الشعراء إلى كتابة النقد في المراحل التأريخية المختلفة ـ سواء في ذلك الماضي والحاضر ـ مبررات كثيرة. ولعلهم كانوا في الغالب "يستجيبون لمؤثرات جديدة في حضارة أخذت تعي نفسها"(93). بما يستدعي تحديد الرؤية على نحو يعكس وضوحها وصواب منطلقاتها، ويجيب عن الأسئلة التي قد تثار من دون أن يقدم النتاج الإبداعي إجابة جلية عنها. غير أن هذا التوجه يبدو محكوماً بمبررات مختلفة، تستحضرها ذاكرة الشاعر على نحو أو آخر عند الممارسة النقدية، لعل أولها ما استقر في وعي الشاعر من قناعة بدوره الأساس في صنع مسار التجربة الأدبية، سواء أكان على صعيدي الذات أم في إطارها الإنساني العام، حيث لم تشهد بدايات النتاج الأدبي دوراً سابقاً لدور المبدع. وهذا يعني أن ملكة الإبداع أصلية، سبقت ملكة النقد التي يراها كرومبي ملكة مكتسبة(94). إذ لم يأخذ النقد مكانته خارج تجربة المبدع ذاتها إلا "حين انتقل الناس من التفضيل المبهم إلى الاختيار الذي يمكن تبريره بشكل معقول، أو بعبارة أخرى حين تسنى للناس الرجوع إلى قواعد عقلية"(95)..
ولعل في خصوصية الشعر الذي يقدمه الشاعر، بما يقوم عليه من تجربة وفكر ويتأسس عليه من بناء فني، ما يجعل صاحبه مصدراً مهماً عند النظر النقدي المتفحص لذلك الشعر، ويمكن أن نلمح هذا واضحاً في تراثنا الشعري، حين استند كثير من شراح الدواوين والنقاد إلى ماكان الشاعر يراه في شعره(96)..
وربما يكون وراء توجه الشاعر إلى النقد إبداعه، بما فيه من حداثة تتخطى السائد في ساحة الشعر، وتواجه بصدود النقاد، مما يدفع الشاعر إلى تقديم رؤيته والدفاع عن الجديد الذي توصل إليه. نجد ذلك في مرحلة ظهور الرومانسية اتجاهاً أدبياً جديداً، كان شعراؤه (ورد زورث وكولردج وشلي) وهم دعاته والمنافحون عنه الذين أرسوا له مساراته. ومثل ذلك نجده عند أصحاب المذهب الرمزي (مالارميه وفاليري)(97)..
ومثل هذا نجد في الأدب العربي الحديث لدى جماعة الديوان وأبولو، ثم لدى رواد الشعرالحر، وقد يتعرض الشعر وسواه من الفنون الإبداعية إلى نمط من التهجم والتشكيك في جدواه الاجتماعية والفكرية، بما يضع الشاعر في موقف المدافع عن قضيته، فقد وضع الشاعر فليب سدني (ت 1589م) مقالته (تسويغ الشعر) بسبب ما ألصقه المتطهرون بالشعر من كونه يفسد الأخلاق ويضعفها، وأنه يكذب ويغري بالنزوع إلى الملذات الحسية(98). ونشر شللي (ت 1822م) كتابه (دفاع عن الشعر) ليرد على ما تعرض له الشعر والشعراء من انتقادات بدعوى أن الشعر قد ذهبت فائدته، وأنه في عصر العلم والعقل لا يؤدي إلا إلى الخمول والخرافة(99) ويبقى دافع الشاعر إلى كتابة النقد، قبل كل شيء، يقينه بامتلاكه، مؤهلات معرفية وثقافية تسعفه لتقديم مستوى مهم من التنظير النقدي، يتداخل في أبعاد تجربته الإبداعية. يقول (بول فاليري) معبراً عن ذلك: "حينما عدت إلى نظم القصائد كان الفكر والمناهج وطريقة التفكير ـ التي أصبحت جوهرية بالنسبة إليّ ـ لا تستطيع إلا أن تظهر وإلا أن تعمل في نتاجي الأدبي"(100)..
(3)
إذا ما نظرنا إلى الوسائل التي يقدم بها الشاعر أفكاره النقدية نصل إلى القناعة بسعة ما لديه منها، بقدر ما يكاد يتهيأ للناقد الذي ليس أمامه في الغالب إلا أن يقدم أفكاره من خلال الكتابة النقدية وحدها ـ كتباً أو مقالات ـ أما الشاعر فلديه، فضلاً عن ذلك، وسائل أخرى، يمكن أن نشير منها إلى نقد الشعر شعراً والمختارات الشعرية(101)..
يعد نقد الشعر شعراً من أشكال النقد القديمة، ولا يمارسه إلا الشعراء(102). ولعل قصيدة هوراس (فن الشعر)(103) أول أمثلته البارزة، فهي تمثل "أقدم غزو نقدي لعالم الشعر، أو أقدم تحالف بين الشعر والنقد"(104). وقد اختط هوراس بها مساراً نقدياً استمر طويلاً بعده، نجده في (البويطيقا) لفيدا و(فن الشعر) لبوالو و(مقالة في النقد) لبوب(105). ويلاحق الناقد رينيه وليك هذا النوع النقدي تأريخياً فيراه قد اختفى قروناً طويلة(106) ثم عاد إلى الظهور في هذا القرن:
فالكتيب الذي هاجم فيه فرلين الأسلوب الخطابي تحت عنوان (فن الشعر) نظم نظماً... وقد أعاد هولدرين في ألمانيا التأكيد في الشعر على رسالة الشاعر.. وفي فرنسا كتب مالارميه قصيدة (النخب الحزين) أعاد فيها التأكيد.. على وظيفة الفن المخلدة"(107)
وتوقف الشاعر العربي في عصور شعرنا المختلفة عند هذه الوسيلة في تقديم أفكاره النقدية، ابتداء بامرئ القيس الذي اختط للشعراء منهجاً شعرياً موروثاً. في الوقوف على الأطلال بقوله:
عوجا على الطلل المحيل لعلنا نبكي الديار كما بكى ابن حذام(108)
وعنترة القائل: "هل غادرالشعراء من متردم"(109)..
وتكثر هذه الملاحظات النقدية عند الشعراء العرب القدامى في العصور كلها، ولعلهم لم يهتموا في الغالب بصيغة نقدية أخرى خارج إطار الوسيلة الشعرية.
وقد حاول بعض النقاد أن يجد للنقد المنظوم مبرراته، من خلال النظر إليه بوصفه صيغة من صيغ الشعر التعليمي الذي نظمت فيه الفلسفة وعلم الفلك والتأريخ(110).
وربما يكون هذا الرأي واحداً من مبررات لها أثرها في هذه الظاهرة النقدية لعل منها إتقان الشاعر للعملية الشعرية وقدرته على تطويعها لرؤيته النقدية وكأنه يسعى من خلالها إلى الحفاظ على سيماء شاعريته. ولكن عد هذا الشعر تعليمياً صفة غير مناسبة تماماً له، فالشعر التعليمي يهتم بحقائق معينة، يريد للمتلقي معرفتها وترديدها في حين أن ما يقدمه الشاعر من نقد منظوم غالباً ما يشير إلى رؤية ذاتية لصاحبه وحده، ويحتمل الصدق أو سواه.
وتمثل المختارات الشعرية وجهاً آخر لرؤية الشاعر النقدية، وتعكس نمطاً من القناعات التي استقرأ الشاعر في ضوئها شعر عصره أو العصور الماضية ليتوقف عندأمثلة شعرية منها، وجد فيها سمات رؤيته النقدية، بما يجعلنا من خلال هذه المختارات، قادرين على تبيان المستوى النقدي الذي يرتضيه.
فهي وسيلة نقدية لأنها تحقق لدى الشاعر الذي يقوم بصنعها إلى جانب الاستمتاع والفائدة الإبداعية، "طريقة في رؤية الشعر وتقديمه. وربما اختزل الشاعر وعي عصره النقدي من خلال مختاراته"(111)..
(1) جاء في المعجم "النقد والنقاد" تمييز الدراهم وإخراج الزّيف منها. ونقد الطائر الفخ ينقده بمنقاره: ينقره. ونقد: عاب واعتاب "ابن منظور" لسان العرب، مادة نقد). وعبر هذه الرؤية عرّف قدامة بن جعفر النقد أنه "علم جيد الشعر من رديئه"، نقد الشعر، تحقيق كمال مصطفى، القاهرة 1963، ص 13.
(2) ر.م. البيرس، الاتجاهات الأدبية في القرن العشرين، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت 1965م، ص 124.
(3) بول هير نادى، ماهو النقد، ترجمة سلافة حجاوي، بغداد 1989، من مقال رينيه وليك (النقد الأدبي نظرة تأريخية) ص 288.
(4) لمزيد من التفصيل عن مؤهلات الناقد ينظر:
علي جواد الطاهر، مقدمة في النقد الأدبي، بيروت 1979، ص 343 وما بعدها. ومقالات، بغداد 1962، ص 11، ومابعدها. وداود سلوم، مقالات في تأريخ النقد العربي، بغداد 1981، ص 19 ومابعدها. ومصطفى عبد اللطيف السحرتي، الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث، القاهرة 1948، ص 11 ومابعدها، وأحمد كمال زكي، النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، القاهرة 1972، ص 17 وماهدها. وعبد الرضا علي، نازك الملائكة الناقدة، بيروت 1995، ص 9.
(5) ينظر: رشاد رشدي، مختارات من النقد الأدبي المعاصر، القاهرة 1951، مقالة فيليبس . م. جونز، ص 117.
(6) روز غرّيب، تمهيد في النقد الحديث، بيروت ، 1971، ص 8.
(7) ا.آ. ريشاردز، مبادئ النقد الأدبي، ترجمة الدكتور مصطفى بدوي، القاهرة د.ت، ص 41.
( المصدر نفسه، ص 42.
(9) ديفيد ديتش، مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ترجمة: محمد يوسف نجم، بيروت ، 1967، ص 598.
(10) ينظر: رينيه وليك، مفاهيم نقدية، ترجمة محمد عصفور، الكويت 1987، ص 418.
(11) رينيه ديبو، رؤى العقل، ترجمة فؤاد صروف، بيروت ، 1962، ص 23.
(12) محمود الربيعي، في نقد الشعر، القاهرة، 1977، ص 5.
(13) لاسل ابركرومبي، قواعد النقد الأدبي، ترجمة: محمد عوض محمد، ط2، بغداد 1986، ص 1.
(14) المصدر نفسه، 2.
(15) المصدر نفسه، ص 142.
(16) ينظر: كرومبي، ص 155. ويؤيد كرومبي هذا الرأي بقوله: أن شاعراً كبيراً مثل دانتي لم يكن يعرف شيئاً عن أرسطو وأفكاره النقدية إلا من خلال قراءته لقصيدة هوراس، (كرومبي، ص 150)..
ويشير كولردج إلى أن كتاب هوراس كان حجة لنقاد عصر النهضة في إنكلترا، يرجعون إليه، ومصدراًلجل أحكامهم. (ينظر: محمد مصطفى بدوي، كولردج، القاهرة د.ت، ص 39).
(17) ينظر: كرومبي، ص 153.
(18) وهي عنده اللهجة الإيطالية التي أصبحت فيما بعد لغة مستقلة، ومثلت واحدة من السمات الأساس لحركة الوحدة القومية الإيطالية.
(19) ينظر: كرومبي، ص 150.
(20) ينظر ريتشاردز، ص 365.
(21) ينظر جورج واتسن، نقاد الأدب، ترجمة وتقديم وتعليق عناد غزوان وجعفر الخليلي، بغداد، 1979، ص 56.
(22)ينظر ريتشاردز، ص365.
(23) ينظر : واتسن: ص 83.
(24) ينظر: مصطفى بدوي، ص 7.
(25) ينظر: عبدالجبار المطلبي، مواقف في الأدب والفن، بغداد، 1980، ص 159.
(26) ينظر: ديتش، ص 143.
(27) روي كاودن، الأديب وصناعته، ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، بيروت 1962، مقالة ج.. دونالد آدامز: مسؤولية الأديب، ص 186.
(28) ينظر اميل فوجيه: مدخل إلى الأدب، ترجمة مصطفى ماهر، القاهرة 1958، ص139.
(29) ينظر واتسن: ص 173.
(30) ينظر: هاسكل بلوك وهرمان سالينجر، الرؤيا الإبداعية، ترجمة: سعد حليم، القاهرة 196، ص 20.
(31) ينظر: ف.أ. ماثيسن، ت.س. إليوت الشاعر الناقد، ترجمة إحسان عباس، بيروت ، 1965، ص 31.
(32) ينظر : ت.س. اليوت، مقالات في النقد الأدبي، ترجمة لطيفة الزيات، القاهرة، د.ت، ص 6 ومابعدها.
(33) ينظر ماثيسن، ص 129.
(34) ينظر: المصدر نفسه، ص 377.
(35) ينظر: ارشيبالد مكلش، الشعر والتجربة، ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي، بيروت 1963، ص 7.
(36) ينظر: منح خوري، الشعر بين نقاد ثلاثة، بيروت 196، ص 99.
(37) ينظر: وليك، ص 421.
(38) ينظر: الن تيت، دراسات في النقد، ترجمة عبد الرحمن ياغي، بيروت، 1961، ص 7.
(39) يقول الجاحظ: كان الشاعر أرفع قدراً من الخطيب، وهم إليه أحوج، لرده مآثر