تحسست بطنها المعراة..تحت السرة بقليل..كانت تحس أن هناك شيئا غامضا..لا تعلم ما هو..تشعر به فحسب..ما هو يا ترى!..صعب على الإنسان تفسير الخيوط المتشابكة في صدره..حاصرت سرتها بين الإبهام والأوسط..في حين كانت اللمبة الصغيرة تكسب جلدها الأبيض لون الإخضرارالبسيط..وكانت بطنها الخفيفة توحي-حسب إحصائيات الجمال الدولي الأخيرة-بشيء من السحر.
من يومين تحديدا أتتها تلك الأفكار الغريبة..كان أول ما شعرت به أن للأشياء دلالات أخرى..أن لها معان غير ما تعرفه..معان غامضة..وفي نفس الوقت..ألحت روحها المتحدية عليها أن ترصدها وأن تعرف كل شيء عنها..ولو كلفها ذلك جهدا عنيفا لم تعتد بذل مثله من قبل..فمنذ أن رأت بعينها المجردة كل تفاصيل الحادث الغريب ورصدته من وجهة نظر لم يكن لها بها من قبل عهد..صارت ترى الأشياء خلال هذين اليومين تحديدا كأنها لم ترها من قبل..فما فات اليوم الأول إلا وتغيرت نظرات الناس إليها خاصة بعض الأصدقاء المقربين..وبالفعل وللمرة الأولى انتصرت على قرناء منهم في البراهين..تحدثت وقتئذ بطلاقة كأن لسانها فك أسره..أخذت تسترسل في الحديث والكل يصغي دهشا لا يدري ماذا حدث للكون!..هل يا ترى راحت الشمس وسقطت الكواكب وانفجرت البحار وصارت قوة لا ندريها تحرك الجميع بحركات حكيمة لا أخطاء فيها بلا استثناء؟!!!..الأمر خطير يا قوم..من أين كل تلك الثقافة؟!!!..هل كانت تختزلها أم نزل عليها الوحي الإلهي؟..ومن غرابة الأمر..لم يقدر أحد الأصدقاء المنصتين أن يحبس كلماته أكثر من ذلك..فقال على الفور..‘‘هل تضعين جهازا في أذنك..يبث لعقلك كل تلك الأفكار العميقة؟‘‘..وعلى إثرذلك التساؤل..بان الإهتمام في أعين الجميع..كأن القائل قرأ ما بداخلهم ونقله حرفيا بغير نقصان..شعرت المتحدثة ببعض النشوة..ولم تبالي بالجواب..واسترسلت من جديد في طرح البراهين التي حضرتها والتي تتبينها للتو..وفي كل لحظة تتجلى لها أخريات.
فتحت فم سرتها بنعومة..فلاحظت كما لو لم تلاحظ من قبل أوساخا سوداء تحتل أجزاء من المكان..مما جعلها تستنكر تنظيف جسدها بالكامل من الشعر وما يسببه من مشقة وعدم نزح تلك الأوساخ التي تتناقض مع جمالها وأناقتها الداخلية وهو الشيء البسيط الذي لا يتعدى الدقيقة من النزح الجاد..غاصت بإصبعها الأوسط قليلا تحف شيئا من الأوساخ..فتكون شيء أسود كالحصوة الدقيقة عليه..فركته بمساعدة إصبعها الأكبر..فأحست بشعور ما يجذب هذه الوسخة من أنفها فاستسلمت له..تبينت رائحتها الكريهة كما لو لم تكن شمتها من قبل..وبعد شمتين متباعدتين..أحست بعدم نفور من الوسخة والأخرتين اللتين استخرجتهما من ذلك البئر العميق على التوالي..حدثت نفسها..‘‘لم لم أنفر منها؟..هل هي عطرة كما أعيها الآن؟..ربما لأنها مني..وأنا أعشق أي شيء يصدر مني حتى ولو كان قذرا من وجهة نظر الآخرين‘‘..وفي تلك اللحظة ابتسمت ثم أردفت..‘‘امممممممممم..ها ها..حقا ليس من المستحيل أن أعمل في المجاري..فلم تعد تخيفني رائحة ملابس العمال الملطخة بالمياه النتنة الحقيرة..هئ هئ هئ‘‘..نظفت سرتها التي صارت ذات لون بنفسجي يميل للسواد تحت ضوء اللمبة الأخضر جيدا..ثم حكت إصبعها في منديل ورقي جاءت به من فوق الخوان الملاصق للسرير..وقبل أن تطوي المنديل وتخفيه..أحست بنفس الشعور الخفي الذي جذب الأوساخ من أنفها يجذبها لفمها..كان طعمها في اللحسة الأولى رديئا اصطحب ببصقة رقيقة وظلت الرداءة تقل إلى أن وصلت لطور الحسن فالرائع فالممتع..وهكذا لوكت بفيها وهي تقول..‘‘ما أروعها من قذارة!..لم أندم على المحاولة بل أشكر القدر الذي هدانيها‘‘.
مرت دقيقة..ولفظت ما بفمها من أوساخ دقيقة..قائلة..‘‘يع!..ما هذا القرف الذي أصنعه!..أنسيت أنني كنت أرجع ما بمعدتي وأستفرغ عندما فقط تشي إحدى صديقاتي بدال على ذلك العالم القبيح الذي أذدريه من صغري!..فقد كانت ماما تبعدني كل البعد عن كل ما شابه ذلك..وكانت تلومني كل اللوم عندما أخطئ خطأ طفوليا غير مقصود وأبلل ثوبي بمياه بولي العفوية..لعمري ما حيت قط على مثل ذلك النمط الحقير حتى تحول مع الزمن لشيء مبهم من العوالم الخفية كالجان والعفاريت وماهية الروح..فما بالي اليوم لا أشمئز من تلك الأوساخ!..ما بي يا ترى؟‘‘..بعد ثوان ولم يزل أثر بصقتها السابقة على شفتيها قربت إصبعها الأوسط من فمها ومصته بنهم كأنها تنتقم أو تتمرد على معتقد ما..مصته بشدة أكثر وهي تقول..‘‘لا بعد اليوم واللحظة بالتحديد شيء أخاف منه أو غموض يشق عليّ تتبعه ومعرفة فحواه..أوووف..طظ في التقاليد العقيمة التي تحرم علينا أشياء عملاقة أو تافهة من الحياة..ألا لكل تلك الأشياء من مدلول وجدت من أجله؟..ألا توحي تلك القذارة التي في فمي الآن بحكمة ما؟..على سبيل المثال..تبين مدى حقارة الإنسان وتفاهته..وتفضح أباطيل إدعائه الألوهية..وتوبخ المغرور منه أعظم توبيخ وتستهزئ منه بقسوة..وتثبط شهوته الجامحة في اقتطاف الجمال المستحق وغير المستحق..وتعرفه ما هو أسمى من حب الإنس للإنسية وأعز مكانة..وتساوي البشر..السيد بالعبد..والغني بالفقير..والجميل بالقبيح..فكلهم سواء ومهما بلغ الثراء والعناية بالجسد لا يمكن التخلص من مثل تلك الأوساخ الجوانية على مر العصور..وهذا أيضا رابط تاريخي مهم..يجمع بين الجد والحفيد والجالد والمجلود والظالم والمظلوم..إنه رابط من روابط البشر التي لا غنى عنها أبدا وإلى أن يسقط الزمن وينمحي المكان وتتبدل معاني الأشياء ثلاثمئة وستين درجة محورية..ستظل معاني الأوساخ قائمة وذات مدلولات تتزايد مع تزايد فهم الإنسان ووعيه‘‘.
بعد أسبوع..صارت كراسي قاعة مؤتمرات جامعية برؤوس مختلفة من ساعة إلا ثلث تقريبا..منصتة في ترتيبها المنظم المشهود الذي لا يشوبه إلا القليل من الثرثرة المنخفضة.
‘‘الطالبة: ماجدة إبراهيم عبد الرؤوف‘‘
:ماجدة..قومي قومي..دورك.
قامت مرتبكة تعيد شد ملابسها التي أرخاها الجلوس..تتقدم من المنصة..(يا له من موقف صعيب!..الوقوف أمام ذلك العدد الكبير من الجمهور.
:هروبا من المقدمات..أقتحم سرايا الموضوع مباشرة..صرت أؤمن إيمانا تاما بأهمية الأوساخ التي تخرجها أجسادنا خاصة وباقي الأوساخ عامة..لا تندهشوا من الأمر فبينكم الكثير من صديقاتي الأكبر دهشة لأنني ببساطة كنت من أسبوع فقط إذا ذكرت إحداهن أي شيء ولو تلميحا عنها تقيأت وأمضيت باقي اليوم في وجوم عارم..لاحظوا معي..إذا قمنا بحك تلك المنطقة من العضد..أترون بعد الحك عدة مرات ما يتساقط مني؟..ثم إذا قمنا بتجميع هذه الأوساخ سنبني مع الوقت طينة لازبة..وأظن نظريا حتى الآن..أنه تم خلق الإنسان من مثل هذه التي أفركها بيدي..وأنه من ترابها استطاع قارون تحويله بعلمه لذهب.
رفع الدكتور يده لمنظمة برنامج المؤتمر التي حاولت عبثا قطع فقرتها لتعديها وقتها المحدد.
استرسلت في عرض فكرتها بحماسة ومهارة جعلت الدكتور يدون اسمها عنده وجعلت صديقتها مها عوضين تنظر لها نظرة لوم لعدم إخبارها بكل ذلك وهي من هي صديقة عمرها من الطفولة.
:... وفي آخر الحديث..أحب قول أنه حدث لي حادث عجيب من تسعة أيام غيريني تغيرا تاما..أستغربه إلى الآن..وغير مهم عندي ماهية الحدث..المهم هاهنا نتائجه..فكثير منا لو لم يكن كلنا يحدث له في اليوم الواحد مئات الأشياء والحوادث..فلو فكر لدقيقة واحدة في حادث واحد فقط لرأى مع تكرار التجربة خيطا رفيعا موصولا من ورائه ومتجها لأمامه..فيمكننا إذن رؤية خيوط الأقدار..التي رأيتها بالفعل عدة مرات في الشوارع أثناء هرولة السيارات..ألم تسألوا أنفسكم مرة..لم السحرة يعقدون الخيط؟..شكرا لحسن استماعكم..سلام.