وحدة
الأقاليم الكبرى
في العالم
أ. آ.ليفـــة حرم نحـال
العناصر المشكلة للإقليم
فيما يخص مصطلح الإقليم Région، فإنه حديث العهد ظهر نتيجة تطور الدراسات الأكاديمية، خاصة في مجال الجغرافية خلال القرنين الأخيرين.
إن الباحثين على مختلف اختصاصاتهم لم يتفقوا على تعريف موحد للإقليم، سوى أنهم حددوه بأنه مساحة من الأرض تتجانس فيه ظاهرة أو أكثر (دون تحديد نوعية الظاهرة) تجعل لهذه المساحة خاصية تميزها عن المساحات المجاورة.
أيا كانت الأقاليم التي تحدد، و لأي غرض من الأغراض، فإن تحديدها يحتاج عادة إلى شيء من التقريب عند تحديد حدودها .
للإقليم عشرات من التعريفات و المفاهيم منها:
1. هو جزء من سطح الأرض، متجانس داخليا ببعض الصفات والمميزات الواضحة التي تجعله متميزا عما يجاوره من الأجزاء الأخرى .
2. هو مساحة من الأرض، التقت فيها – و لكن بصورة غير طبيعية – مجموعة من الكائنات المتباينة، و لكنها استطاعت فيما بعد أن تحيا معا حياة مشتركة .
3. هو مزيج من عدة عناصر، تشمل الأرض والماء و الهواء و النبات و الإنسان، تؤلف في مجموعها و في علاقاتها بعضها ببعض جزءا محددا من سطح الأرض ذا خصائص مميزة .
4. هو مساحة على سطح الأرض، يختلف أو يتوافق بواسطة مميزات معينة أو مجموعة من المقاييس (المعايير)، إلا أن الأسس الكامنة لكل ميزة كثيرة لا تحصى .
5. هو وحدة مكانية تتجانس فيها الظواهر الجغرافية بصورة طبيعية
يتبين لنا من هذه التعاريف المتعددة للإقليم، أنها قد وضعت بناء على الخلفية العلمية لأصحابها، إلا أننا نستطيع أن نستنتج من التعريفات الخمسة ومن غيرها أن الإقليم هو وحدة مكانية محددة المساحة تتميز بوجود ظاهرة جغرافية أو أكثر تبرز شخصيته الخاصة به مما يجعله متميزا عما يجاوره من الوحدات المساحية الأخرى.
تنظيم المجال الاقليمي
تهدف الجغرافيا الإقليمية إلى تحديد شخصية الإقليم، وإبراز التباين الإقليمي في الوحدة المكانية المختارة، مثل العالم العربي، أو العالم الإسلامي، أو إقليم البحر المتوسط، وهي في ذلك تؤكد مبدأ الارتباط، الذي يثمر في فهم العلاقات التأثيرية والتأثرية، بين الإنسان وبيئته، بمعنى أن الجغرافيا الإقليمية تشتمل على دراسة كل الظاهرات الجغرافية الطبيعية والبشرية في إطار مساحة معينة من سطح الأرض، أو وحدة مكانية واحدة وهي الإقليم، الذي يمثل جزءاً من سطح الأرض، له مميزاته وخصائصه، التي يكتسبها من عدة عوامل جغرافية، تعمل مجتمعة على تكوين الشخصية الإقليمية للمكان، فتجعله يختلف عن سائر الأمكنة.
وتعد الأقاليم الجغرافية نتاجاً للعلاقة المتبادلة بين الإنسان وبيئته، سواء كانت أقاليم كبرى، أو أقاليم صغرى للغاية. وكلما كان الإقليم صغيراً كلما كان محدداً بدقة، بينما إذ تضخم الإقليم كان التعميم هو السمة الغالبة في تحليل الظاهرات المختلفة.
ويمكن تقسيم الأقاليم إلى نوعين رئيسين هما:
1. الإقليم المتجانس: ويُعرف بالإقليم المنتظم المنسق، وينتمي هذا الإقليم إلى الفروع الأصولية، التي تتناول بالدراسة تحليل وتوزيع الظاهرات الطبيعية أو البشرية فوق مساحة محددة من سطح الأرض، ومن أمثلته الأقاليم التضاريسية، أو النباتية، أو غير ذلك من الأقاليم التي تتجانس فيها الظاهرات الجغرافية، ولا ريب في أن تقسيم العالم إلى أقاليم متجانسة وسيلة لتسهيل دراسة العالم دراسة إقليمية، تأخذ في الاعتبار كل العناصر داخل الأقاليم المكونة لشخصيته، حيث يصبح من الممكن دراسة العالم دراسة إقليمية على أساس نوع من أنواع الأقاليم المتجانسة.
2. الإقليم الوظيفي: يتميز هذا النوع من الأقاليم بمجموعة خاصة من الظاهرات لا يشاركه فيها إقليم آخر. ومن أمثلة الإقليم الخاص: إقليم دلتا النيل في مصر، أو إقليم السهول الأطلسية في المغرب، أو إقليم أرض الجزيرة في السودان. ومن أبرز الأقاليم الوظيفية في الوقت الحاضر الأقاليم الحضارية أو أقاليم المدن.
إن علماء الشرق والغرب يؤكدون على أهمية التخطيط الإقليمي في إدارة الدولة ، وقد صرح أحد رواد التخطيط الإقليميCLAWDIS BETY الذي شغل منصب وزير الإنشاءات في فرنسا عدة سنوات ان التخطيط الإقليمي يعني بالفعل تخطيط مجتمعنا.
والهدف العام لكل الحكومات هو تطوير الاقتصاد ورفع مستوى معيشة السكان، غير أن الحكومات تختلف في طريقة تحقيق هذا الهدف فكيف تترجم التوجيهات السياسية الاستراتيجية العامة العليا للسلطة في قطر ما إلى استراتيجية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية لأقاليم القطر.
• تحقيق الوحدة الاقتصادية الوطنية كمرحلة أولى لتحقيق الوحدة الاقتصادية على نطاق واسع، وتتجلى الوحدة الوطنية في تكامل القطاعات وتكامل الأقاليم في القطر.
• التحرر الاقتصادي عن طريق بناء القواعد الإنتاجية الرئيسية الكافية والقادرة على تجديد وتطوير الإنتاج الوطني بوتيرة ملائمة لإمكانيات كل إقليم المدينة.
• تحقيق العدالة الاجتماعية في تأمين فرص العمل لجميع القادرين عليه وتأمين الخدمات الأساسية الضرورية لكافة المواطنين في مختلف أنحاء القطر وبالتالي تسوية الفروق الإقليمية في مستويات التطور الاقتصادي الاجتماعي.
وسائل تسوية الفروق الإقليمية
ويمكن تصنيف وسائل تسوية الفروق الإقليمية في النقطتين التاليتين:
الأولى: وسائل تنشيط اقتصاد الأقاليم المتخلفة عن طريق مشاريع التنمية الصناعية والزراعية والسياحية وغيرها الملائمة لإمكانيات كل إقليم والتي تحقق المردود الاقتصادي الأعلى.
الثانية: وسائل تأمين العدالة الاجتماعية في الخدمات الأساسية المقدمة للسكان في مختلف الأقاليم وفق مبدأ لكل إقليم حسب حاجاته.
وسائل تنشيط اقتصاد الأقاليم المتخلفة
الوسيلة الأولى: إن التصنيع أهم وسيلة لتطوير اقتصاد الأقاليم المتخلفة ويؤدي إنشاء مركز صناعي مثال مصفاة البترول وغيرها من المعامل في مدينة ما إلى خلق مركز للتنمية في الإقليم الزراعي المتخلف للأسباب التالية:
• إن هذا المركز الصناعي المستحدث سيؤدي إلى تنشيط إنتاج المناطق والمراكز التي تزوده بالمواد الخام، وإنتاج المناطق والمراكز التي تستفيد من منتجاته، مثال بسيط إن مصفاة البترول يمكن أن تولد صناعات عديدة مكملة لها مثل إنتاج الطاقة الكهروحرارية والأسمدة الأزوتية والكحول التركيبي والبلاستيك والخيوط الصناعية......إلخ.
• إن التصنيع سيؤدي إلى نمو المدن مثال لنفرض أنه سيعمل في مصفاة البترول1500 عامل وفي الصناعات المتولدة عنها1500 عامل أيضا وبالتالي سيزيد العمال في هذه الصناعة البتروكيميائية عن3000 عامل يعيلون 3000 أسرة مؤلفة من 15.000 نسمة وهذا التطور الصناعي والسكاني يستدعي تطوير الخدمات في مجال السكن والنقل والتعليم والصحة...إلخ
الوسيلة الثانية:تنشيط الزراعة في الأقاليم المتخلفة ويتم ذلك عن طريق زيادة المساحة المستصلحة والمزروعة أو عن طريق تكثيف الزراعة وزيادة الإنتاج .
الوسيلة الثالثة: يعتبر تطور الخدمات السياحية والعلاجية وسيلة تنشيط إذا توفرت الظروف الملائمة لها في الإقليم المتخلف ومثال ذلك تطوير الاصطياف بالمناطق الجبلية وتطوير مؤسسات السياحة والراحة والاستجمام في الساحل السوري.
الوسيلة الرابعة: تطوير المرافق العامة الأساسية لخدمة الإنتاج الإقليمي مثل شبكة الطرق والمياه والكهرباء والمؤسسات العلمية والتعليمية .
خلاصة: يعتمد التخطيط الإقليمي على مبدأ الجدوى الاقتصادية في توزيع مشاريع التنمية في مختلف الأقاليم والمراكز من جهة وعلى مبدأ المساواة الاجتماعية في التشغيل وفي تامين الخدمات الأساسية لكل السكان في مختلف الأقاليم من جهة ثانية وان الأولوية لتطوير المشاريع الإنتاجية التي تحقق ربحا وادخارا من اجل التطوير المقبل والمستمر للإنتاج والخدمات.
خصائص الإقليم الطبيعية
تعني الدراسة الإقليمية إمكانية تقسيم حقل الجغرافيا إلى أجزاء منفصلة اسمياً لكنها متصلة جوهرياً. وتختص الجغرافيا الإقليمية بدراسة أي إقليم على أنه وحدة جغرافية، بهدف إبراز شخصيته الجغرافية وتحديد السمات المميزة له. ولتحقيق ذلك تتم دراسة أي إقليم من خلال إطاره الطبيعي الممثل في الموقع، والتركيب الجيولوجي، وأشكال السطح، وعناصر المناخ، إضافة إلى الجانب البشري من حيث تأثيره في بيئته وتأثره بها.
والدراسة التالية توضح العوامل الطبيعية والبشرية، التي تتناولها الجغرافية الإقليمية عند دراسة أي إقليم.أو بعبارة أخرى خصائص الإقليم الطبيعية.
أ. العوامل الطبيعية
وتشتمل دراسة العوامل الطبيعية للإقليم على العناصر التالية:
1- الموقع:
من الأسس الطبيعية الرئيسية التي يهتم بها الجغرافي، وعادة ما يبدأ في دراسته لأي إقليم. وتتعدد أنماط المواقع الجغرافية ومن أهمها الموقع الفلكي، ويحدد هذا النمط من المواقع الخصائص المناخية السائدة في الإقليم، ويُعد الموقع الجغرافي من أهم أنماط المواقع، وترجع أهميته إلى أنه يؤثر بصورة مباشرة في المظاهر البشرية والحضارية، وبخاصة فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للسكان، وكثافتهم، وتراكيبهم، وتحركاتهم، ومستواهم، ونشاطهم الاقتصادي، ولتأكيد ذلك كان الموقع الجزري للجزر البريطانية دور كبير في تطور سكان هذه الجزر واختلافهم حضارياً بشكل واضح عن سكان جمهوريات آسيا الوسطى رغم وقوع النطاقين على نفس دوائر العرض تقريباً.
وتتباين طبيعة الموقع الجغرافي حتى في الدولة الواحدة، ففي المملكة العربية السعودية تختلف النطاقات المطلة على الخليج العربي في الشرق، حيث تتركز حقول النفط، عن الأجزاء الداخلية من البلاد، وخاصة في نطاق هضبة نجد. وفي جمهورية مصر العربية تختلف كذلك الأقاليم الواقعة في وادي النيل اختلافاً واضحاً، في كافة المظاهر الطبيعية والبشرية، عن الأقاليم البعيدة عن الوادي.
والموقع الجغرافي عنصر غير ثابت، حيث تتغير أهميته من فترة لأخرى نتيجة لعدة عوامل، أهمها تطور وسائل النقل المختلفة وبخاصة النقل البحري، الذي أعطى أهمية كبيرة لموقع المحيط الأطلسي وجنوب القارة الأفريقية، كذلك أكسب شق قناة السويس البحرين المتوسط والأحمر أهمية كبيرة، كما أعطى للعديد من الموانئ أهمية كبيرة، لموانئ بورسعيد، والسويس، وجدة، وعدن، ومالطة، وتغيرت كذلك أهمية موقع السواحل الغربية للأمريكتين بعد شق قناة بنما.
أمّا بالنسبة للموقع الإستراتيجي فهو ينقسم إلى قسمين:
موقع الدولة أو الإقليم وسط منطقة التوتر الدولي، مثل العالم العربي وأوروبا، وجنوب شرق آسيا، حيث يقوم الصراع بين الدول الكبرى على السيطرة عليها لما تتمتع به من موارد طبيعية ومصادر ثروة ضخمة من جهة، ولأهميتها في سهولة الخروج إلى البحار الدولية والمحيطات من جهة أخرى. ونتيجة لهذا، تعرضت هذه الأقاليم لحروب عدة، فقد شهدت أوروبا العديد من الحروب، أهمها الحربان العالميتان الأولى والثانية، ومر العالم العربي بحروب عديدة، وكذلك جنوب شرق آسيا، التي مرت بسلسلة من الحروب، استمرت ما يقرب من ثلاثين عاماً.
وتمثله المضايق البحرية، التي تصل بين مسطحين مائيين، مثل مضيق جبل طارق، وباب المندب، والبسفور، والدردنيل، وقناة السويس، وقناة بنما، ونظراً لأهميتها الإستراتيجية، أصبحت محط اهتمام الدول الكبرى، وبالتالي أصبحت الدول، التي تقع فيها هذه المضايق عرضة للغزو الاستعماري والاحتلال الطويل، مثل مضيق جبل طارق وقناة بنما.
وكان للموقع الجغرافي دور مباشر في تمتع العالم العربي بتكامل بيئي، أسهم في تحديد ملامح شخصيته الجغرافية، وفي تفاعله مع الأحداث والقوى العالمية طوال التاريخ.