العفّة في شعر أبي فراس الحمداني
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو فراس الحمداني هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي ، أمير ، شاعر ، فارس ، وهو ابن عمّ سيف الدولة ، وقد كان الصاحب بن عباد يقول : ( بدئ الشعر بملك ، وختم بملك ) وكان لأبي فراس وقائع كثيرة ، قاتل فيها بين يدي سيف الدولة ، وكان سيف الدولة يحبّه ويجله ، جرح في معركة مع الروم سنة (351) هـ ، وأُسر ثمّ فداه سيف الدولة بأموال عظيمة قتل سنة (357)هـ وله من العمر سبعة وثلاثون عاماً . ومن يتصفح ديوان أبي فراس الحمداني يجد استجابتة لسنّة الله في خلقه من ميل الرجل السويَّ للأنثى ، وتعلقهُ بها ، وشوقه إلى لقائها ووصالها لأن ذلك إشباعاً لغريزة طبيعية ينتج عنها حفظ النوع واستمرار الحياة البشرية . ولكنّ حب أبي فراس للأنثى كان له طعم خاص يميزه عن كثير من الشعراء حيث تبدو صفة العفاف واضحة جلية في كثير من قصائده ومن ذلك قوله في قصيدة بعنوان (لعل خيال العامرية زائر )
فيا نفس مالاقيت من لاعج الهوىوياقلب ماجرّتْ عليـك النواظـر
وياعفتـي مالـي ومالـك كلمـاهممت بأمر همّ لي منـك زاجـر
كأن الحجا والصوت والعقل والتقىلديّ ، لربات الخـدور ضرائـر
ففي هذه الأبيات يشتكي من لهيب الهوى ونار العشق ، ويشتكي من فعل العيون ، ويوضح أنه كلما همّ بأمر حرام فإن عفته تمنعه ومايتصف به من شرف ، وعقل وتقوى .. ضرائر للعاشقات اللواتي يطلبن المتعة . وفي أبيات أخرى يبيّن أنه يعشق ، ويحبّ ، ولكنّ العفة تمنعه من الكثير من لذاته فيقول :
ولي فيك من فرط الصبابة آمرودونك من حسن الصيانة زاجر
عفافُك غيٌّ إنمـا عفـة الفتـىإذا عفّ عن لذاته وهو قـادر
هكذا يقرر أن ادعاء العفاف باطل إذا تقوّله المرء بلسانه ولم يوضع على محك التجربة ، والعفيف الحق في نظره هو الذي يعفّ عن الفعل وهو قادر عليه .
رأيت الشيب لاح فقلت أهلاًوودعت الغوايـة والشبابـا
وماإن شبت من كبر ، ولكنرأيت من الأحبـة ماأشابـا
وكثير من الشعراء من اشتكى الشيب حين لاح في عارضيه ولكن أبا فراس - على خلاف هؤلاء الشعراء -يرحب بالشيب قائلاً هكذا يفصح قائلاً : مرحباً وأهلاً بالشيب ، غير عابئ بصدود المرأة وكرهها للشيب ، وقد ودّع الغواية ومافيها من طيش غير متأسف على ذلك وتوجه إلى حياة الشيوخ ومافيها من هدوء وحكمة ، وهذا يدلّ على عفته فهو لم يبكِ الشباب وأيامه . ويقول في قصيدة بعنوان (أما لجميل )
أمّـا لجمـيـل عنـدكـن ثــوابولالمـسـيء عنـدكـن مـتــاب
لقد ضلَّ من تحـوي هـواه خريـدةوقد ذَلّ مـن تقضـي عليـه كعـاب
ولكنـنـي ، والحـمـدلله حـــازمعزيـز إذا ذلّـت لـهـنّ رقــاب
ولاتملـك الحسنـاء قلـبـي كـلـهوإن شملتـهـا رقّــة وشـبــاب
وأجري فلا أعطي الهوى فضل مقوديوأهفـو ولايخفـى علـيَّ صــواب
إنه يعاتب النساء في هذه الأبيات قائلاً : إنكن تكفرنّ العشير ولا تقبلن عذراً من تائب ، ثم يتابع قائلاَ إنني مختلف عن كثير من الرجال ، فأنا لست ممن تزله الأنثى لأنني حازم عزيز النفس ولكن الطبيعة البشرية لابد أن تظهر وتجعل اللسان ينّد بكلمات تبوح عن خضوعه للأنثى بعض الشيء ،وإلا كيف نفسر قوله (ولاتملك الحسناء قلبي كله ).. إذاً لابد أن تملك قلبه ولو جزءاً منه ولكن مع موافقته لطبيعة الرجال إلا أنه يختلف عن الكثير منهم في أن عفته تجعله يملك أربه ، فلا تقوده شهواته إلى الرذائل وإنما يبقى متمكناً يعرف الحلال والحرام . وفي قصيدة أخرى بعنوان ( غيري يغيّره ) بقوله :
تعس الحريص ،وقلّ مايأتي بهعوضاً من الإلحاح والإلحـاف
إن الغنيّ هـو الغنـيُّ بنفسـهولو أنه عاري المناكب حـافِ
ماكل مافـوق البسيطـة كافيـاًفإذاقنعت فكـل شـيء كـافِ
وتعاف لي طمع الحريص أبوّتيومروءتي وقناعتـي وعفافـي
إننا امام نوع آخر من العفة وهو عفة الترفع عن حطام الدنيا ،وعفّة الحرص على المال .. إن تلك العفة جعلته يسخّر المال لما يرفع به ذكره ، وقد أتى بأبيات عن القناعة فيها حكمة الشيوخ وقال على سبيل الأمثال السائرة ( فإذا قنعت فكل شيء كافِ ) وهكذا عشنا مع أبي فراس الحمداني في بعض صور من عفافه وعفته فبدأ لنا شاعراً مالكاً لناصية شهواته وغرائزه لعلّه يكون قدوة لكثير من شبابنا حيث شغل نفسه بالفروسية ومعالي الأمر عن الملذات وحياة الترف .
الأخوة والأخوات أرجو أن قد وفقت فيما نقلته لكم عن هذا الشاعر الفارس
تقبلوا مني خالص التحية والتقدير
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو فراس الحمداني هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي ، أمير ، شاعر ، فارس ، وهو ابن عمّ سيف الدولة ، وقد كان الصاحب بن عباد يقول : ( بدئ الشعر بملك ، وختم بملك ) وكان لأبي فراس وقائع كثيرة ، قاتل فيها بين يدي سيف الدولة ، وكان سيف الدولة يحبّه ويجله ، جرح في معركة مع الروم سنة (351) هـ ، وأُسر ثمّ فداه سيف الدولة بأموال عظيمة قتل سنة (357)هـ وله من العمر سبعة وثلاثون عاماً . ومن يتصفح ديوان أبي فراس الحمداني يجد استجابتة لسنّة الله في خلقه من ميل الرجل السويَّ للأنثى ، وتعلقهُ بها ، وشوقه إلى لقائها ووصالها لأن ذلك إشباعاً لغريزة طبيعية ينتج عنها حفظ النوع واستمرار الحياة البشرية . ولكنّ حب أبي فراس للأنثى كان له طعم خاص يميزه عن كثير من الشعراء حيث تبدو صفة العفاف واضحة جلية في كثير من قصائده ومن ذلك قوله في قصيدة بعنوان (لعل خيال العامرية زائر )
فيا نفس مالاقيت من لاعج الهوىوياقلب ماجرّتْ عليـك النواظـر
وياعفتـي مالـي ومالـك كلمـاهممت بأمر همّ لي منـك زاجـر
كأن الحجا والصوت والعقل والتقىلديّ ، لربات الخـدور ضرائـر
ففي هذه الأبيات يشتكي من لهيب الهوى ونار العشق ، ويشتكي من فعل العيون ، ويوضح أنه كلما همّ بأمر حرام فإن عفته تمنعه ومايتصف به من شرف ، وعقل وتقوى .. ضرائر للعاشقات اللواتي يطلبن المتعة . وفي أبيات أخرى يبيّن أنه يعشق ، ويحبّ ، ولكنّ العفة تمنعه من الكثير من لذاته فيقول :
ولي فيك من فرط الصبابة آمرودونك من حسن الصيانة زاجر
عفافُك غيٌّ إنمـا عفـة الفتـىإذا عفّ عن لذاته وهو قـادر
هكذا يقرر أن ادعاء العفاف باطل إذا تقوّله المرء بلسانه ولم يوضع على محك التجربة ، والعفيف الحق في نظره هو الذي يعفّ عن الفعل وهو قادر عليه .
رأيت الشيب لاح فقلت أهلاًوودعت الغوايـة والشبابـا
وماإن شبت من كبر ، ولكنرأيت من الأحبـة ماأشابـا
وكثير من الشعراء من اشتكى الشيب حين لاح في عارضيه ولكن أبا فراس - على خلاف هؤلاء الشعراء -يرحب بالشيب قائلاً هكذا يفصح قائلاً : مرحباً وأهلاً بالشيب ، غير عابئ بصدود المرأة وكرهها للشيب ، وقد ودّع الغواية ومافيها من طيش غير متأسف على ذلك وتوجه إلى حياة الشيوخ ومافيها من هدوء وحكمة ، وهذا يدلّ على عفته فهو لم يبكِ الشباب وأيامه . ويقول في قصيدة بعنوان (أما لجميل )
أمّـا لجمـيـل عنـدكـن ثــوابولالمـسـيء عنـدكـن مـتــاب
لقد ضلَّ من تحـوي هـواه خريـدةوقد ذَلّ مـن تقضـي عليـه كعـاب
ولكنـنـي ، والحـمـدلله حـــازمعزيـز إذا ذلّـت لـهـنّ رقــاب
ولاتملـك الحسنـاء قلـبـي كـلـهوإن شملتـهـا رقّــة وشـبــاب
وأجري فلا أعطي الهوى فضل مقوديوأهفـو ولايخفـى علـيَّ صــواب
إنه يعاتب النساء في هذه الأبيات قائلاً : إنكن تكفرنّ العشير ولا تقبلن عذراً من تائب ، ثم يتابع قائلاَ إنني مختلف عن كثير من الرجال ، فأنا لست ممن تزله الأنثى لأنني حازم عزيز النفس ولكن الطبيعة البشرية لابد أن تظهر وتجعل اللسان ينّد بكلمات تبوح عن خضوعه للأنثى بعض الشيء ،وإلا كيف نفسر قوله (ولاتملك الحسناء قلبي كله ).. إذاً لابد أن تملك قلبه ولو جزءاً منه ولكن مع موافقته لطبيعة الرجال إلا أنه يختلف عن الكثير منهم في أن عفته تجعله يملك أربه ، فلا تقوده شهواته إلى الرذائل وإنما يبقى متمكناً يعرف الحلال والحرام . وفي قصيدة أخرى بعنوان ( غيري يغيّره ) بقوله :
تعس الحريص ،وقلّ مايأتي بهعوضاً من الإلحاح والإلحـاف
إن الغنيّ هـو الغنـيُّ بنفسـهولو أنه عاري المناكب حـافِ
ماكل مافـوق البسيطـة كافيـاًفإذاقنعت فكـل شـيء كـافِ
وتعاف لي طمع الحريص أبوّتيومروءتي وقناعتـي وعفافـي
إننا امام نوع آخر من العفة وهو عفة الترفع عن حطام الدنيا ،وعفّة الحرص على المال .. إن تلك العفة جعلته يسخّر المال لما يرفع به ذكره ، وقد أتى بأبيات عن القناعة فيها حكمة الشيوخ وقال على سبيل الأمثال السائرة ( فإذا قنعت فكل شيء كافِ ) وهكذا عشنا مع أبي فراس الحمداني في بعض صور من عفافه وعفته فبدأ لنا شاعراً مالكاً لناصية شهواته وغرائزه لعلّه يكون قدوة لكثير من شبابنا حيث شغل نفسه بالفروسية ومعالي الأمر عن الملذات وحياة الترف .
الأخوة والأخوات أرجو أن قد وفقت فيما نقلته لكم عن هذا الشاعر الفارس
تقبلوا مني خالص التحية والتقدير