العالم المتغير اليوم جلب معه همومه وآلامه ووضعها في حضننا الذي أصبح سلة مهملات تحتوي الكم الكبير من التلوث والكم الصغير من الطهر. البيئة تئن اليوم أمام وحش التلوث الذي تلون بأشكال وأنواع في محيط القرية العالمية.
“البيئة والصحة “ التقت الدكتور محمد نعيم الجابي المدرس في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق واستوضحت منه حول هذا الخطر الوشيك ..التلوث البصري ..
س: برز مؤخرا اصطلاح “ التلوث البصري “ .. فهل تعرفنا عليه من وجهة نظر علمية ؟
- إنه ببساطة أحد المفاهيم التي تصف تشوه الحالة البيئة والإضرار بها تماما مثل باقي أنواع التلوث فهناك تلوث سمعي وتلوث في المياه والتربة وغيرها.
أما مفهومه العلمي فهو انعدام الصورة الجمالية والإساءة للذوق العام لان الشيء الطبيعي للإنسان عندما يخرج من منزله أن يحس بالجمال في الفراغ المحيط به سواء كان طبيعيا أو صناعيا، أي أن البيئة الخارجية لابد أن تتصف بالجمال والجاذبية ولكن عندما يتم الإساءة لها يحدث ما يسمى بالتلوث البصري.
وعلميا فإن جميع العناصر المحيطة مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا وكل شيء موجود في الشوارع أو في الفضاءات التابعة للمدن يشكل في النهاية كيان أسرة أو عائلة واحدة , ولهذا يجب المحافظة عليها بشكل منتظم ومنسجم فمثلا في الشارع هناك ما يسمى بفرش الطرقات وهي العناصر التي يحتويها الشارع ويفترض أن تشكل أسرة واحدة منسجمة.
س: ما أبرز مظاهره التلوث في المدن السورية ؟
- يمكن حصرها بعدة عوامل منها سوء التخطيط العمراني للأبنية من حيث الفراغات وشكل البناء ، وأعمدة الإنارة في الشوارع كثيرا ما تكون ذات ارتفاعات عالية في حين يجب أن تكون وفق دراسة ومعايير علمية ، وكذلك حاويات القمامة حيث لا ينطبق عليها مفهوم ( الأمان) الذي يراعي كيفية تموضعها و كيفية تصميمها إذ يتم أحيانا بشكل زاوية حادة وهذا قد يؤذي الكثير من الناس , عدا عن عدم تخصيص قسما منها للنفايات الخطرة آو التي يعاد الاستفادة منها كالزجاج والبلاستيك , كذلك بالنسبة لأجهزة التكييف فلا يوجد قانون في بلدنا يلزم الأشخاص بالتقيد بموضع تركيبها وملحقاتها .
أيضا التوسع العمراني العشوائي في كل مكان حيث توجد أماكن جبلية مخيفة منطقة عش الورور ، وفي بعض المناطق توجد مقابر قريبة من البيوت و متراكبة فوق بعضها البعض لدرجة انك قد تجد بعضها في وسط المقبرة آو قريبا جدا منها ، إضافة إلى اللافتات واللوحات الإعلانية والتي تجدها موزعة ومنتشرة في كل مكان وتشوه جمال المدينة .
س - هل هناك أمثلة على ذلك ؟
- الأمثلة كثيرة فمثلا نلاحظ مباني كثير مهدمة ومتروكة ربما يكون لها سنة آو أكثر دون أن يسال عليها أحد وهناك المباني التي تتم إشادتها حديثا لماذا لا تحاط بسياج يخفيها حتى الانتهاء منها وهذا تلوث بصري أيضا عدا الغبار والضجيج ،
وقد نجد سيارة معطوبة ومتروكة على الطريق يوم ويومين وأكثر ويأتي من يعبث بها من الأولاد وربما تتم سرقة بعض القطع ورغم ذلك تبقى موجودة , ومثلا هناك مركز انطلاق البولمان في القابون إلى جانبه أبنية مهدمة فالمفروض أن توضع حواجز من الأشجار تسد هذا المنظر الذي يسئ بصريا للمواطن والسائح.
س: برأيكم كيف يمكن تنظيم الإعلانات بشكل لا تشوه المواقع الأثرية آو غيرها ؟
- اللافتات الوظيفية لا بد أن يكون لها ضابط ونظام يحدد لكل محام آو دكتور آو بقال ....الخ بإلزامه بقواعد مثل المساحة والحجم واللون والمادة مع اعتبار عوامل الطقس والمناخ وحركة المرور العامة والتوزع الجغرافي للأبنية. هناك تجربة ناجحة في شارع الحمراء يمكن أن تعمم.
أما اللوحات الإعلانية فيجب أن تراعي حركة السيارات بحيث لا تشكل عنصر تشويش بصري كإعلانات (المطرقة) التي تتكرر. وكذلك أن لا تحجب الأبنية الأثرية وتسئ إلى رونقها. و يجب أن توزع ضمن الشوارع وفق ميزان ضبط بحيث لا يزيد عن حد معين من حيث المساحة ومن غير المنطق مثلا أن نرى إعلانا لمنتج تافه كورق التواليت أكبر من حجم الشخص نفسه أو البناء كاملا في شارع مزدحم. مثل هذه الإعلانات تخصص لها أماكن على طرق السفر مثلا.
س - وماذا عن تجميل الأسطح والواجهات والأسواق التجارية ؟
- بالنسبة للأسطح نجد الانتشار العشوائي للستلايت أدى إلى تشوه المنظر العام للمدينة وعوضا عن ذلك يمكن استخدام نظام الكيبل من قبل شركة مختصة تختار 30 آو 40 محطة وتوصلها عبر الكابلات الأرضية للمنازل والأبنية. وكذلك يمكن الاستعاضة عن عشرات الصحون اللاقطة بصحن واحد لكل بناء وهذا مايتم تطبيقه تدريجيا من خلال تعاون سكان البنية الحديثة كما هو الحال بضاحية دمر السكنية .
بالنسبة لواجهات الأبنية فعملية اكسائها بالحجر يعطي رونقا جميلا للمدينة ونلاحظ مدينة حلب تهتم بذلك مما يكسبها جمالية وزخرفة رائعة كما تذكرنا بالواجهات القديمة فلماذا لا يتم ذلك في مدينة دمشق ولو بشكل (قسري) لطالما النتيجة أبنية أجمل ؟
أما الأسواق القديمة والحديثة فتنظيمها يعتمد على تنسق اللافتات والقارمات بشكل طبيعي ومتوازن مثال ذلك شارع الحمراء حيث تم تنظيم اللافتات بشكل جميل ولكنه لا يكفي فما زال هناك الكثير من الأسواق عشوائية وتحتاج إلى تنظيم , فالإصلاح لا يجب أن يكون جزئيا بل إصلاح عاما كما يجب إصدار كتيب يضم مجموعة شروط تقيد جميع المواطنين بالالتزام بها دون استثناء .
س: للقانون "49" جوانب تتعلق بجمال المدن .. هل بالإمكان تطبيقها أم إن الوقت مازال باكرا ؟
- القانون يعد خطوة مهمة وجيدة ولكن ما هي آلية تنفيذه . هل سيتم خروج دوريات وبالتالي تسجيل مخالفات أم لا ؟ فهذا أسلوب غير حضاري .
لذلك يجب أن نقوم بحملة توعية عن طريق الإعلام ليكون التغيير من الأسرة أولا وصولا إلى المجتمع ككل, إضافة إلى ضرورة وجود مراكز بيئية تتم فيها ندوات ونشاطات تكلل بالعديد من الجوائز التحفيزية مثال : البيت المثالي , الشرفة المثالية , الحارة المثالية وتخصيص الدولة مخصصات لهذا الشأن وكذلك أفضل رئيس بلدية وبالتالي فهذا الأسلوب سوف يعطي ثماره بشكل أفضل . وبرأيي أحد أركان المشكلة هو عدم الإصرار على التنسيق بين كليتي الفنون الجميلة العمارة ومحافظة دمشق فمن المفيد إجراء اجتماعات دورية جدية بين المحافظة وبين أساتذة الكليتين وأن تعتمد مؤسسات القطاع العام في تنفيذ مشاريعها التي تضم جانبا جماليا على طلاب وأساتذة كلية الفنون الجميلة وليس على المهندسين المفرزين عشوائيا والمناقصات والمسابقات المطبوخة سلفا. هذا الأمر الهام هو الذي جعل لمسات المعمارين والفنانين المبدعين تغيب عن شوارع دمشق وأبنيتها.
“البيئة والصحة “ التقت الدكتور محمد نعيم الجابي المدرس في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق واستوضحت منه حول هذا الخطر الوشيك ..التلوث البصري ..
س: برز مؤخرا اصطلاح “ التلوث البصري “ .. فهل تعرفنا عليه من وجهة نظر علمية ؟
- إنه ببساطة أحد المفاهيم التي تصف تشوه الحالة البيئة والإضرار بها تماما مثل باقي أنواع التلوث فهناك تلوث سمعي وتلوث في المياه والتربة وغيرها.
أما مفهومه العلمي فهو انعدام الصورة الجمالية والإساءة للذوق العام لان الشيء الطبيعي للإنسان عندما يخرج من منزله أن يحس بالجمال في الفراغ المحيط به سواء كان طبيعيا أو صناعيا، أي أن البيئة الخارجية لابد أن تتصف بالجمال والجاذبية ولكن عندما يتم الإساءة لها يحدث ما يسمى بالتلوث البصري.
وعلميا فإن جميع العناصر المحيطة مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا وكل شيء موجود في الشوارع أو في الفضاءات التابعة للمدن يشكل في النهاية كيان أسرة أو عائلة واحدة , ولهذا يجب المحافظة عليها بشكل منتظم ومنسجم فمثلا في الشارع هناك ما يسمى بفرش الطرقات وهي العناصر التي يحتويها الشارع ويفترض أن تشكل أسرة واحدة منسجمة.
س: ما أبرز مظاهره التلوث في المدن السورية ؟
- يمكن حصرها بعدة عوامل منها سوء التخطيط العمراني للأبنية من حيث الفراغات وشكل البناء ، وأعمدة الإنارة في الشوارع كثيرا ما تكون ذات ارتفاعات عالية في حين يجب أن تكون وفق دراسة ومعايير علمية ، وكذلك حاويات القمامة حيث لا ينطبق عليها مفهوم ( الأمان) الذي يراعي كيفية تموضعها و كيفية تصميمها إذ يتم أحيانا بشكل زاوية حادة وهذا قد يؤذي الكثير من الناس , عدا عن عدم تخصيص قسما منها للنفايات الخطرة آو التي يعاد الاستفادة منها كالزجاج والبلاستيك , كذلك بالنسبة لأجهزة التكييف فلا يوجد قانون في بلدنا يلزم الأشخاص بالتقيد بموضع تركيبها وملحقاتها .
أيضا التوسع العمراني العشوائي في كل مكان حيث توجد أماكن جبلية مخيفة منطقة عش الورور ، وفي بعض المناطق توجد مقابر قريبة من البيوت و متراكبة فوق بعضها البعض لدرجة انك قد تجد بعضها في وسط المقبرة آو قريبا جدا منها ، إضافة إلى اللافتات واللوحات الإعلانية والتي تجدها موزعة ومنتشرة في كل مكان وتشوه جمال المدينة .
س - هل هناك أمثلة على ذلك ؟
- الأمثلة كثيرة فمثلا نلاحظ مباني كثير مهدمة ومتروكة ربما يكون لها سنة آو أكثر دون أن يسال عليها أحد وهناك المباني التي تتم إشادتها حديثا لماذا لا تحاط بسياج يخفيها حتى الانتهاء منها وهذا تلوث بصري أيضا عدا الغبار والضجيج ،
وقد نجد سيارة معطوبة ومتروكة على الطريق يوم ويومين وأكثر ويأتي من يعبث بها من الأولاد وربما تتم سرقة بعض القطع ورغم ذلك تبقى موجودة , ومثلا هناك مركز انطلاق البولمان في القابون إلى جانبه أبنية مهدمة فالمفروض أن توضع حواجز من الأشجار تسد هذا المنظر الذي يسئ بصريا للمواطن والسائح.
س: برأيكم كيف يمكن تنظيم الإعلانات بشكل لا تشوه المواقع الأثرية آو غيرها ؟
- اللافتات الوظيفية لا بد أن يكون لها ضابط ونظام يحدد لكل محام آو دكتور آو بقال ....الخ بإلزامه بقواعد مثل المساحة والحجم واللون والمادة مع اعتبار عوامل الطقس والمناخ وحركة المرور العامة والتوزع الجغرافي للأبنية. هناك تجربة ناجحة في شارع الحمراء يمكن أن تعمم.
أما اللوحات الإعلانية فيجب أن تراعي حركة السيارات بحيث لا تشكل عنصر تشويش بصري كإعلانات (المطرقة) التي تتكرر. وكذلك أن لا تحجب الأبنية الأثرية وتسئ إلى رونقها. و يجب أن توزع ضمن الشوارع وفق ميزان ضبط بحيث لا يزيد عن حد معين من حيث المساحة ومن غير المنطق مثلا أن نرى إعلانا لمنتج تافه كورق التواليت أكبر من حجم الشخص نفسه أو البناء كاملا في شارع مزدحم. مثل هذه الإعلانات تخصص لها أماكن على طرق السفر مثلا.
س - وماذا عن تجميل الأسطح والواجهات والأسواق التجارية ؟
- بالنسبة للأسطح نجد الانتشار العشوائي للستلايت أدى إلى تشوه المنظر العام للمدينة وعوضا عن ذلك يمكن استخدام نظام الكيبل من قبل شركة مختصة تختار 30 آو 40 محطة وتوصلها عبر الكابلات الأرضية للمنازل والأبنية. وكذلك يمكن الاستعاضة عن عشرات الصحون اللاقطة بصحن واحد لكل بناء وهذا مايتم تطبيقه تدريجيا من خلال تعاون سكان البنية الحديثة كما هو الحال بضاحية دمر السكنية .
بالنسبة لواجهات الأبنية فعملية اكسائها بالحجر يعطي رونقا جميلا للمدينة ونلاحظ مدينة حلب تهتم بذلك مما يكسبها جمالية وزخرفة رائعة كما تذكرنا بالواجهات القديمة فلماذا لا يتم ذلك في مدينة دمشق ولو بشكل (قسري) لطالما النتيجة أبنية أجمل ؟
أما الأسواق القديمة والحديثة فتنظيمها يعتمد على تنسق اللافتات والقارمات بشكل طبيعي ومتوازن مثال ذلك شارع الحمراء حيث تم تنظيم اللافتات بشكل جميل ولكنه لا يكفي فما زال هناك الكثير من الأسواق عشوائية وتحتاج إلى تنظيم , فالإصلاح لا يجب أن يكون جزئيا بل إصلاح عاما كما يجب إصدار كتيب يضم مجموعة شروط تقيد جميع المواطنين بالالتزام بها دون استثناء .
س: للقانون "49" جوانب تتعلق بجمال المدن .. هل بالإمكان تطبيقها أم إن الوقت مازال باكرا ؟
- القانون يعد خطوة مهمة وجيدة ولكن ما هي آلية تنفيذه . هل سيتم خروج دوريات وبالتالي تسجيل مخالفات أم لا ؟ فهذا أسلوب غير حضاري .
لذلك يجب أن نقوم بحملة توعية عن طريق الإعلام ليكون التغيير من الأسرة أولا وصولا إلى المجتمع ككل, إضافة إلى ضرورة وجود مراكز بيئية تتم فيها ندوات ونشاطات تكلل بالعديد من الجوائز التحفيزية مثال : البيت المثالي , الشرفة المثالية , الحارة المثالية وتخصيص الدولة مخصصات لهذا الشأن وكذلك أفضل رئيس بلدية وبالتالي فهذا الأسلوب سوف يعطي ثماره بشكل أفضل . وبرأيي أحد أركان المشكلة هو عدم الإصرار على التنسيق بين كليتي الفنون الجميلة العمارة ومحافظة دمشق فمن المفيد إجراء اجتماعات دورية جدية بين المحافظة وبين أساتذة الكليتين وأن تعتمد مؤسسات القطاع العام في تنفيذ مشاريعها التي تضم جانبا جماليا على طلاب وأساتذة كلية الفنون الجميلة وليس على المهندسين المفرزين عشوائيا والمناقصات والمسابقات المطبوخة سلفا. هذا الأمر الهام هو الذي جعل لمسات المعمارين والفنانين المبدعين تغيب عن شوارع دمشق وأبنيتها.