من الأوضاع العجيبة أن البحار والمحيطات التي بدأت فيها الحياة الأولى منذ بلايين السنين ، واستمرت الحياة قاصرة عليها لمدة تصل إلى 90% من تاريخ الحياة على الكرة الأرضية ، أصبحت الحياة فيها مهددة الآن ، نتيجة لنشاط أحد سكان الكوكب الأرضي الذي يعيش في اليابسة ؛ الإنسان الذي تكاثرت أعداده تكاثراً سريعاً ، خاصة في القرن العشرين أصبح هو المهدد للحياة البرية ... زيادته الرهيبة واستهلاكه المتصاعد وتوسعه الزراعي والصناعي والعمراني وخاصة في الأراضي الساحلية ، أدى إلى حدوث درجات من التدمير البيئي والتلوث الساحلي .
تبين من بعض الدراسات أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في القارات في حدود 100 كيلومتر من السواحل ، كما تبين أن معدلات الزيادة السكانية في المدن الساحلية تزيد عن معدلات الزيادة العالمية ، وأن أكثر المدن الجديدة تنشأ قريباً من السواحل . كذلك فقد وجد أن تسعة مدن من أكبر عشرة مدن في العالم هي مدن ساحلية ، وأن المدن الساحلية تزداد في الخلجان وعند مصبات الأنهار ، إذ أن تلك المناطق تتناسب مع إقامة الموانئ ورسو السفن .
يبدأ معظم التلوث في مياه البحار والمحيطات من مياه الأنهار التي تصب فيها ، والتي عادة ما تكون محملة بنواتج الصرف الصحي والصناعي والزراعي للمدن والقرى التي تمر عليها ، وكذلك من الصرف المباشر للتجمعات السكانية والصناعية على البحار والمحيطات . وقد قدر أن مخلفات الصرف الصحي التي تنتج عن مجمع سكاني به مليون شخص يزيد عن 250 ألف متر مكعب يومياً ، وأن اللتر الواحد من هذه المياه تحتوي على 2 إلى 3 بليون ميكروب ، ولك أن تتصور مدى التلوث الميكروبي الحادث ، ومدى تأثير ما بتلك المياه من ميكروبات مرضية على القاطنين بالسواحل والمصطافين ، خاصة أن كثيراً من الميكروبات المرضية تلوث بعض الكائنات البحرية التي قد تؤكل نيئة كبعض الأصداف والمحارات البحرية .
نتيجة لهذا التلوث الميكروبي تتضح مدى الخطورة في انتقال ميكروبات الكوليرا والتيفود ومسببات الإسهال إلى الإنسان من المياه الساحلية لحوض البحر الأبيض المتوسط ، والذي يقطن سواحله حوالي 100 مليون شخص ، أي أن صرفهم الصحي يقدر بأكثر من 25 مليون متر مكعب يومياً ، والذي يصرف معظمه في البحر ، وأن 33% من هذه المياه غير معاملة بتاتاً . فمن المعروف أن حوالي 120 مدينة مطلة على سواحل البحر الأبيض المتوسط تصب مياه صرفها الصحي دون معالجة أو بمعالجة مبدئية فقط في مياه البحر . تجذب شواطئ البحر الأبيض المتوسط سنوياً من 100 مليون إلى 150 مليون سائح ، أي بما يعادل 35% من مجمل السياحة العالمية . لا تقتصر أضرار التلوث بالبحر الأبيض المتوسط ، وهو بحر شبه مغلق ، عن طريق النشاط الإنساني بالأراضي الساحلية على الصرف الصحي ، بل يتعداه إلى الصرف الصناعي الناتج عن نشاط حوالي 150 ألف منشأة تصب مياهها في البحر ، وتقدر مياه الصرف الصناعي التي تصب بالبحر بما يزيد عن مليون طن يومياً .
لو أردنا شن حرب على البحار والمحيطات لإحداث أكبر تدمير حيوي لها ، لوجهنا جل اهتماماتنا التدميرية ، وما نملكه من أسلحة دمار شامل إلى الشواطئ الساحلية حيث يحدث أكبر نشاط بيولوجي مكثف ، سواء في الأراضي القريبة من الشاطئ أو في المياه الساحلية . هذا ما يعمله الإنسان ... ليس عمداً بالطبع ، ولكن إزدحامه وتجمهره قرب السواحل ، حيث تتدفق إلى الشواطئ مخلفات المدن والصناعات والزراعات ... وحيث تتجمع السحب وتحمل بنفايات غازية وجسيمات دقيقة نتجت عن نشاطات الإنسان ... وحيث تصب الأمطار ومعها حمولاتها من الملوثات الناتجة عن غسيل الهواء .
وفي الماء ، قريباً من السواحل ، تأتي حاملات البترول متجهة إلى مراكز تحميل البترول وبخزاناتها حمولة توازن من ماء ملوث ببقايا بترول ، فتفرغ حمولتها من ماء التوازن ، قبيل وصولها إلى ميناء التحميل ، في ماء البحر استعداداً لملئ خزاناتها بحمولة جديدة من البترول . وتقدر كمية ما يحتويه ماء التوازن من البترول بحوالي 1 إلى 1.5 % من حمولتها السابقة بالبترول . إضافة إلى التلوث البترولي الناتج عن تفريغ ماء التوازن فإن هناك تلوث آخر ناتج عن حفارات البترول وما يتسرب منها ، والتي يكثر إقامتها في المياه قريباً من السواحل وكذلك التلوثات البحرية الناتجة عن حوادث ناقلات البترول ، والتسرب الطبيعي من وقود وزيوت البواخر وعوادم تشغيلها . وقد قدر ما يصل إلى المياه البحرية من مواد بترولية بما يتراوح ما بين 1 إلى 10 مليون طن سنوياً ، وأن حوالي ثلث هذه الكمية تلوث حوض البحر الأبيض المتوسط .
مما سبق يتضح لنا مدى التلوث الحادث نتيجة للنشاط الإنساني على السواحل البحرية ، ونتيجة لما ترسله الأنهار إلى البحار من حمولتها من مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي ، وما ينتج عن الاستخدام المباشر لمياه السواحل في الاستحمام والنظافة والغسيل وإلقاء الفضلات . وزيادة عما سبق فإن التدمير الذي يحدث للبحار نتيجة ما تفعله بعض المدن من توسع في مساحة أراضيها ناحية البحر بالردم . كل هذه التصرفات التي تحدث قرب السواحل البحرية تهدد بيئة البحار .
يحق لنا أن نتساءل . لماذا تكمن الخطورة على البحار والمحيطات من تصرفات الإنسان قرب الشواطئ ؟
بادئ ذي بدء ، نذكر أن المحيطات تمثل حوالي 71 من مساحة سطح الكرة الأرضية وأنها تحمل حوالي 97% من ماء الكوكب وحوالي عشرة آلاف ضعف حجم الماء العذب في الأنهار والبحيرات . يقدر حجم ماء البحار والمحيطات بحوالي 1320 مليون كيلومتر مكعب ، وأن أحياء البحار تقطن حوالي 90% من المساحة المسكونة بالكرة الأرضية . يتزاحم سكان البحار والمحيطات ، من حيوانات ونباتات ، قريباً من الشواطئ ، في المساحات غير العميقة المحيطة بالقارات ، والمعروفة بالأرصفة القارية . تختلف مسافات امتداد الرصيف القاري من موقع إلى آخر ، لكنه يمتد في المتوسط حوالي 70 كليومتراً من السواحل ، وتمثل مساحاتها حوالي 10% من مساحة المحيطات . من مياه الأرصفة القارية نحصل على حوالي 20% من إنتاج المحيطات وبخاصة من الأسماك ، التي تمون سكان الأرض بأعلى معدل من البروتين ، حيث يمثل الصيد البحري حوالي 16% من الاستهلاك العالمي من البروتين ، فمعظم سكان السواحل والجزر يعتمدون على الأسماك كمصدر أساسي للبروتين ، ففي آسيا وحدها تقدر أعداد من يعتمدون في تغذيتهم على الأسماك كمصدر للبروتين يزيد عن بليون شخص .
سؤال آخر :
هل الحرب الموجهة إلى السواحل بأفعالنا والضارة بنا ، لا تتعدى آثارها المناطق الساحلية ؟
كلا وألف مرة كلا ، فما نوجهه من سموم إلى السواحل البحرية ينتقل منها إلى أعالي البحار في أواسط المحيطات ، كما تنتقل تلك السموم إلى قطبي الكرة الأرضية ؛ الشمالي الجنوبي ، حيث يكاد ينعدم التواجد السكاني ، كما تنتقل السموم أيضاً من الأسطح إلى الأعماق . التيارات المائية تقلب المياه من أسفل إلى أعلى ، ومن أعلى إلى أسفل ، كما أن هناك تيارات موسمية تحرك المياه في اتجاهات مختلفة فتنتقل معها الملوثات التي يبعثها الإنسان إلى مختلف الاتجاهات .
لا تقتصر مهمة توزيع الملوثات في مياه البحار والمحيطات على التيارات المائية ، بل إن أحياء البحار تقوم بالتوزيع بكفاءة أفضل وبسرعة أكبر ، فالطحالب وأحياء الماء الأخرى تأخذ الملوثات مباشرة مع ما تتناوله من ماء البحر ، وكثيراً ما تحتفظ بالملوث وتتخلص من الزيادة المائية فيزداد تركيز الملوث بها عن تركيزه في الوسط المائي الذي تعيش فيه . فإذا تغذيت كائنات حيوانية بحرية عشبية التغذية على الطحالب الملوثة ازدادت نسبة الملوث بأجسامها عن نسبته في الطحالب . وإذا تغذت كائنات حيوانية بحرية حيوانية التغذية على حيوانات بحرية ملوثة انتقل الملوث إليها وازدادت تركيزه بها ، فإذا تغذت طيور بحرية على الأحياء البحرية انتقلت إليها المواد الملوثة وازدادت تركيزاتها بها . وبتحركات الطيور والحيوانات البحرية وخاصة الأنواع المهاجرة منها تنتقل الملوثات في طول البحار وعرضها ومن أسطحها إلى أعماقها .
تلويث البحار والمحيطات ليس قاصراً على المناطق الساحلية ، بل يمتد أيضاً إلى أعالي البحار ، حيث الحركة الكثيفة للسفن المدنية والحربية ، الصغيرة والكبيرة والعملاقة ، خاصة حاملات البترول وما ينتج عن تحركاتها من عوادم وقود تشغيلها ومن زيوت محركاتها التي تلقي في تلك المياه ، إضافة إلى مخلفات بحاراتها وركابها من فضلات طعام وفضلات إخراج . في السنين الأخيرة ازدادت حركة البواخر مع ازدياد التجارة العالمية ، وستزداد أكثر بعد تحرير التجارة العالمية .
من أخطر الملوثات البحرية ، المنتجات البترولية ، وخاصة في المناطق التي تصب فيها مياه التوازن السابق الحديث عنها ، وما يصل إلى المياه عن طريق حوادث البواخر الحاملة للبترول ، حيث تلقي أطنان من حمولتها في الماء تاركة بقع زيتية كبيرة تضر بأحياء الماء ضرراً بليغاً وتلوث الشواطئ التي كانت أماكن استجمام فأصبحت من كثرة ما برمالها من قطران مصدر إزعاج للمترددين عليها ، فعليهم بعد استحمامهم في الماء أن ينظفوا أنفسهم مما علق بأجسامهم من قطران ، وغالباً ما يستخدمون ملوثاً بترولياً آخر لإذابة القطران وإزالته ، وقد يكون الكيروسين أو البنزين مع ما لهما من أضرار صحية .
ومن أخطر حوادث التلوث البحري بالبترول ما حدث في الخليج العربي في أوائل عام 1991 أثناء حرب الخليج من صب متعمد في مياه الخليج قدرت كميته بحوالي 250 مليون جالون بترول ، وقد نتج عن ذلك تكون بقعة زيت عرضها حوالي خمسة كيلومترات وطولها حوالي ثلاثين كيلومتراً ، مؤثرة تأثيراً ضاراً على الحياة البحرية وعلى الطيور التي تعيش على الأحياء البحرية ، وتسببت ، حسب أحد التقديرات ، في موت حوالي مليونين من الطيور .
ولا ننسى أن دول الخليج العربي تعتمد إعتماداً رئيسياً في الحصول على ماء عذب عن طريق إزالة ملوحة ماء البحر . وقد أثر تلوث مياه الخليج بالبترول في حرب الخليج على كفاءة عمليات إزالة الملوحة وعلى مواصفات الماء العذب الناتج . وقد سبق هذا التلوث البترولي بثمان سنوات في عام 1983 ، حدوث تدفق سابق للبترول في الخليج وكان هذا التدفق الملوث لمياه الخليج من البترول الإيراني بسبب عمليات عسكرية تمت في الحرب العراقية الإيرانية نتج عنها تدفق حوالي نصف مليون برميل ( 1 ) بترول ، أي حوالي 79500 طن خلال مدة الثلاثة أشهر الأولى من بدء التدفق ، واستمر التدفق ولكن بدرجة أقل لمدة ستة أشهر أخرى .
(1 ) البرميل = 42 جالون أمريكي = 159 لتر .
تؤثر طبقة الزيت الطافية على الحياة البحرية نتيجة لتكوينها لطبقة عازلة فوق سطح الماء ، تمنع وصول أكسوجين الهواء الجوي إلى الماء ، فتضر بذلك الأحياء البحرية التي تحتاج إلى الأكسوجين لتنفسها . كذلك فإن طبقة الزيت تتأكسد بفعل أشعة الشمس وبعض الكائنات الدقيقة مستفيدة في ذلك بالأكسوجين الذائب في الماء ، فيزداد النقص في أكسوجين الماء . أيضاً فإن الزيت الطافي يحجب أشعة الشمس الضرورية لنمو العالقات النباتية ولتثبيتها لغاز ثاني أكسيد الكربون وتكوينها للمواد الكربوإيدراتية ، والتي تعتبر الخطوة الأولى في السلم الغذائي للأحياء البحرية . إضافة إلى ما سبق فإن الزيت الطافي يلوث الكائنات البحرية وأجنحة الطيور ويعوقها عن الحركة .
عد فترة من طفو الزيت على أسطح الماء ، تتطاير بعض مكوناته ملوثة الهواء ، فتزداد كثافة باقي مكونات الزيت ، فتتساقط نحو القاع ، ويلتصق بعضه بخياشيم وأجسام الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية مما يضر بنشاطاتها الفسيولوجية . كذلك فإن بعض المكونات البترولية تذوب في مياه البحر ثم تتجمع في أجسام الأحياء البحرية ، وبعض تلك المكونات البترولية من المسببات الضارة بصحة الإنسان عند التغذية على الأحياء البحرية الملوثة بتلك المنتجات أو عند شرب المياه المحملة بها بعد إزالة ملوحتها .
تستخدم حالياً للتخلص من البقع الزيتية مواد مستحلبة ، ترش على بقع زيت البترول فتعمل على تفتيت البقع وتناثرها وإذابة بعضها ، فتتلاشى بفعل الأمواج والرياح ، وقد إتضح أن لتلك المستحلبات تأثيرات سامة على الأحياء البحرية ، وقد تزيد أضرارها عن ضرر البقع الزيتية .
تعتبر مياه البحر الأبيض المتوسط من أكثر المياه المالحة تلوثاً ، ذلك أن هذا البحر يعتبر حوضاً مائياً ، يكاد يكون مغلقاً ، حيث يتصل في جانبه الشرقي الجنوبي عن طريق قناة السويس ببحر آخر أكثر إنغلاقاً هو البحر الأحمر ، كما يتصل من جانبه الغربي بالمحيط الأطلسي عن طريق مضيق جبل طارق ، وقد وجد أنه يحتاج إلى حوالي 80 سنة لتجديد مياهه . إضافة إلى ما سبق الحديث عنه من كثرة ما به من مدن ومنشآت صناعية وكثافة سكانية ، فإن هذا البحر تمر به معظم حاملات البترول الآتية من دول الخليج النفطية ومحملة بخمس نفط العالم .
التلوث البحري قد يكون آجلاً وفتاكاً ، ضرره لا يظهر في الحال ، بل بعد مرور عشرات أو مئات ، وقد يصل إلى آلاف السنين ، إذا ما اعتبرت أعماق المحيطات مقلباً تلقى فيه النفايات المشعة المتخلفة عن استخدامات الطاقة الإشعاعية في الأغراض المدنية أو العسكرية ، وذلك بعد حفظها في أوعية مغلقة مقاومة للتحلل ، إلا أنها مهما أحكم إغلاق تلك الأوعية ، فإنه في يوم ما ، قرب أو بعد ، سيحدث تحلل لجزء منها أو كلها ، عندئذ تحدث الكارثة التي قد تؤدي إلى نهاية الحياة في تلك المياه ، خاصة إذا علمنا أن بعض العناصر المشعة مثل بلوتونيم 239 يصل نصف عمره الإشعاعي إلى 24400 سنة ، مثل هذا العنصر يحتاج إلى حوالي نصف مليون سنة ليصبح آمناً .
كما ينتج عطب البحار من كثرة تدفق الملوثات عبر الأنهار والمصارف ، فإن إيقاف تدفق مياه الأنهار بإقامة السدود والحواجز تؤثر تأثيراً ضاراً على الحياة البحرية ، فإقامة الحواجز لمنع وصول مياه الأنهار إلى البحار كان له تأثير كبير على كثير من الأسماك المهاجرة التي تقضي جزءاً من حياتها في الماء المالح وجزءاً آخر في المياه العذبة . وقد حدث ذلك لأسماك السلمون عند عدم تمكنها من الوصول إلى أماكن وضع البيض في بعض الأنهار . وفي مصر عندما أنشئ السد العالي وتوقف النيل عن تدفقه وإرسال بعض طميه إلى البحر سنة 1965 نقص تركيز العوالق النباتية phytoplankton's (1) بمقدار 90% وقل محصول صيد السردين من متوسط 18000 طن سنة 1960 إلى 1200 طن سنة 1966 ثم إلى 600 طن فقط سنة 1969 .
(1 ) العوالق النباتية هي كائنات حية نباتية ، أي تحتوي على كلوروفيل ، لا تتحرك حركة ذاتية أو تتحرك حركة ذاتية ضعيفة لا تمكنها من مقاومة التيارات المائية ، معظمها وحيدة الخلية .
التلوث البحري ، أيا كان مصدره فهو من فعل الإنسان ، الذي يعيش طبيعياً على اليابسة ، ويتجول بسفن وبوارجه في البحار ... في حياته اليابسة يصدر ملوثات للبحر تقدر بحوالي 77% من مجمل الملوثات التي تصل منه إلى البحر ، والباقي وهو حوالي 23% من الملوثات يصدرها الإنسان للبحار أثناء تجواله بها ، ويمكن تصنيف مصادر التلوث كما يأتي :
44% ملوثات الصرف من البر إلى البحر .
33% ملوثات تصل إلى الهواء فوق البحار من النشاط البري للإنسان .
12% ملوثات تنتج عن سير البواخر .
10% ملوثات تلقى في المحيطات ، حيث تستخدم بعض الدول الصناعية المناطق العميقة من المحيطات لدفن النفايات العسكرية والنووية والسامة ، رغم المنع الدولي لذلك .
1% ملوثات تنتج عن التعدين البحري وتشمل حفارات البترول البحرية في المياه القريبة من الشواطئ .
تتسبب كافة الملوثات البحرية في نقص المحصول السمكي العالمي بحوالي 20% عن المعتاد .
بجانب كافة التلوثات السابق الحديث عنها ، فإن الإنسان أحدث أضراراً أخرى بالبيئة البحرية نتيجة إدخاله أنواع من الأحياء غريبة عن المنطقة التي أدخلت بها ... يستوردها من مكان ويدخلها في مكان آخر غريب عنها وسط أحياء مختلفة عن مخالطيها في بيئتها الأصيلة فيخل بالتوازن بين الأحياء البحرية ، مما يعتبر هذا تلوثاً وراثياً . وقد أدى فتح قناة السويس وإتصال مياه البحرين الأحمر والأبيض المتوسط إلى ظهور حوالي 250 نوع من أحياء البحر الأحمر في مياه البحر الأبيض المتوسط ، من ذلك نوع قنديل البحر روبيليما نوماديكا Rhopilema nomadica والذي قلل من المحصول السمكي بشرق البحر الأبيض المتوسط وأثر تأثيراً واضحاً على سياحة الشواطئ .
لم يكتف الإنسان بإحداثه أضرار بالحياة البحرية عن طريق تلويثه لمياهها ، بل زاد الطين بله بما يقوم به من صيد جائر أكثر من قدرة النوع على تعويض خسائره ، مما تسبب في تناقص أعداد بعض الأحياء البحرية وإبادة بعض الأنواع البطيئة التكاثر ، من ذلك حوت المحيط الأطلسي الرمادي الذي اختفى منذ عام 1730 وحيوان المنك البحري sea mink الذي اختفى منذ سنة 1880 . أما الحوت الأزرق ، أكبر أحياء كوكبنا فقد تناقصت أعداده تناقصاً واضحاً ، فبعد أن كان تعداده حوالي 200.000 سنة 1950 أصبح حالياً حوالي 2000 فقط .
ولو استمر الحال على هذا المنوال لوصلنا إلى درجة تصحير البحار ، وذلك كما يحدث في اليابسة في كثير من المناطق الجافة من رعي زائد تسبب في تصحير كثير من المراعي بالعالم ، فكذلك فإن الصيد الزائد سوف يؤدي إلى ندرة الحياة في مناطق الصيد الكثيف بالبحار .
تبين من بعض الدراسات أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في القارات في حدود 100 كيلومتر من السواحل ، كما تبين أن معدلات الزيادة السكانية في المدن الساحلية تزيد عن معدلات الزيادة العالمية ، وأن أكثر المدن الجديدة تنشأ قريباً من السواحل . كذلك فقد وجد أن تسعة مدن من أكبر عشرة مدن في العالم هي مدن ساحلية ، وأن المدن الساحلية تزداد في الخلجان وعند مصبات الأنهار ، إذ أن تلك المناطق تتناسب مع إقامة الموانئ ورسو السفن .
يبدأ معظم التلوث في مياه البحار والمحيطات من مياه الأنهار التي تصب فيها ، والتي عادة ما تكون محملة بنواتج الصرف الصحي والصناعي والزراعي للمدن والقرى التي تمر عليها ، وكذلك من الصرف المباشر للتجمعات السكانية والصناعية على البحار والمحيطات . وقد قدر أن مخلفات الصرف الصحي التي تنتج عن مجمع سكاني به مليون شخص يزيد عن 250 ألف متر مكعب يومياً ، وأن اللتر الواحد من هذه المياه تحتوي على 2 إلى 3 بليون ميكروب ، ولك أن تتصور مدى التلوث الميكروبي الحادث ، ومدى تأثير ما بتلك المياه من ميكروبات مرضية على القاطنين بالسواحل والمصطافين ، خاصة أن كثيراً من الميكروبات المرضية تلوث بعض الكائنات البحرية التي قد تؤكل نيئة كبعض الأصداف والمحارات البحرية .
نتيجة لهذا التلوث الميكروبي تتضح مدى الخطورة في انتقال ميكروبات الكوليرا والتيفود ومسببات الإسهال إلى الإنسان من المياه الساحلية لحوض البحر الأبيض المتوسط ، والذي يقطن سواحله حوالي 100 مليون شخص ، أي أن صرفهم الصحي يقدر بأكثر من 25 مليون متر مكعب يومياً ، والذي يصرف معظمه في البحر ، وأن 33% من هذه المياه غير معاملة بتاتاً . فمن المعروف أن حوالي 120 مدينة مطلة على سواحل البحر الأبيض المتوسط تصب مياه صرفها الصحي دون معالجة أو بمعالجة مبدئية فقط في مياه البحر . تجذب شواطئ البحر الأبيض المتوسط سنوياً من 100 مليون إلى 150 مليون سائح ، أي بما يعادل 35% من مجمل السياحة العالمية . لا تقتصر أضرار التلوث بالبحر الأبيض المتوسط ، وهو بحر شبه مغلق ، عن طريق النشاط الإنساني بالأراضي الساحلية على الصرف الصحي ، بل يتعداه إلى الصرف الصناعي الناتج عن نشاط حوالي 150 ألف منشأة تصب مياهها في البحر ، وتقدر مياه الصرف الصناعي التي تصب بالبحر بما يزيد عن مليون طن يومياً .
لو أردنا شن حرب على البحار والمحيطات لإحداث أكبر تدمير حيوي لها ، لوجهنا جل اهتماماتنا التدميرية ، وما نملكه من أسلحة دمار شامل إلى الشواطئ الساحلية حيث يحدث أكبر نشاط بيولوجي مكثف ، سواء في الأراضي القريبة من الشاطئ أو في المياه الساحلية . هذا ما يعمله الإنسان ... ليس عمداً بالطبع ، ولكن إزدحامه وتجمهره قرب السواحل ، حيث تتدفق إلى الشواطئ مخلفات المدن والصناعات والزراعات ... وحيث تتجمع السحب وتحمل بنفايات غازية وجسيمات دقيقة نتجت عن نشاطات الإنسان ... وحيث تصب الأمطار ومعها حمولاتها من الملوثات الناتجة عن غسيل الهواء .
وفي الماء ، قريباً من السواحل ، تأتي حاملات البترول متجهة إلى مراكز تحميل البترول وبخزاناتها حمولة توازن من ماء ملوث ببقايا بترول ، فتفرغ حمولتها من ماء التوازن ، قبيل وصولها إلى ميناء التحميل ، في ماء البحر استعداداً لملئ خزاناتها بحمولة جديدة من البترول . وتقدر كمية ما يحتويه ماء التوازن من البترول بحوالي 1 إلى 1.5 % من حمولتها السابقة بالبترول . إضافة إلى التلوث البترولي الناتج عن تفريغ ماء التوازن فإن هناك تلوث آخر ناتج عن حفارات البترول وما يتسرب منها ، والتي يكثر إقامتها في المياه قريباً من السواحل وكذلك التلوثات البحرية الناتجة عن حوادث ناقلات البترول ، والتسرب الطبيعي من وقود وزيوت البواخر وعوادم تشغيلها . وقد قدر ما يصل إلى المياه البحرية من مواد بترولية بما يتراوح ما بين 1 إلى 10 مليون طن سنوياً ، وأن حوالي ثلث هذه الكمية تلوث حوض البحر الأبيض المتوسط .
مما سبق يتضح لنا مدى التلوث الحادث نتيجة للنشاط الإنساني على السواحل البحرية ، ونتيجة لما ترسله الأنهار إلى البحار من حمولتها من مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي ، وما ينتج عن الاستخدام المباشر لمياه السواحل في الاستحمام والنظافة والغسيل وإلقاء الفضلات . وزيادة عما سبق فإن التدمير الذي يحدث للبحار نتيجة ما تفعله بعض المدن من توسع في مساحة أراضيها ناحية البحر بالردم . كل هذه التصرفات التي تحدث قرب السواحل البحرية تهدد بيئة البحار .
يحق لنا أن نتساءل . لماذا تكمن الخطورة على البحار والمحيطات من تصرفات الإنسان قرب الشواطئ ؟
بادئ ذي بدء ، نذكر أن المحيطات تمثل حوالي 71 من مساحة سطح الكرة الأرضية وأنها تحمل حوالي 97% من ماء الكوكب وحوالي عشرة آلاف ضعف حجم الماء العذب في الأنهار والبحيرات . يقدر حجم ماء البحار والمحيطات بحوالي 1320 مليون كيلومتر مكعب ، وأن أحياء البحار تقطن حوالي 90% من المساحة المسكونة بالكرة الأرضية . يتزاحم سكان البحار والمحيطات ، من حيوانات ونباتات ، قريباً من الشواطئ ، في المساحات غير العميقة المحيطة بالقارات ، والمعروفة بالأرصفة القارية . تختلف مسافات امتداد الرصيف القاري من موقع إلى آخر ، لكنه يمتد في المتوسط حوالي 70 كليومتراً من السواحل ، وتمثل مساحاتها حوالي 10% من مساحة المحيطات . من مياه الأرصفة القارية نحصل على حوالي 20% من إنتاج المحيطات وبخاصة من الأسماك ، التي تمون سكان الأرض بأعلى معدل من البروتين ، حيث يمثل الصيد البحري حوالي 16% من الاستهلاك العالمي من البروتين ، فمعظم سكان السواحل والجزر يعتمدون على الأسماك كمصدر أساسي للبروتين ، ففي آسيا وحدها تقدر أعداد من يعتمدون في تغذيتهم على الأسماك كمصدر للبروتين يزيد عن بليون شخص .
سؤال آخر :
هل الحرب الموجهة إلى السواحل بأفعالنا والضارة بنا ، لا تتعدى آثارها المناطق الساحلية ؟
كلا وألف مرة كلا ، فما نوجهه من سموم إلى السواحل البحرية ينتقل منها إلى أعالي البحار في أواسط المحيطات ، كما تنتقل تلك السموم إلى قطبي الكرة الأرضية ؛ الشمالي الجنوبي ، حيث يكاد ينعدم التواجد السكاني ، كما تنتقل السموم أيضاً من الأسطح إلى الأعماق . التيارات المائية تقلب المياه من أسفل إلى أعلى ، ومن أعلى إلى أسفل ، كما أن هناك تيارات موسمية تحرك المياه في اتجاهات مختلفة فتنتقل معها الملوثات التي يبعثها الإنسان إلى مختلف الاتجاهات .
لا تقتصر مهمة توزيع الملوثات في مياه البحار والمحيطات على التيارات المائية ، بل إن أحياء البحار تقوم بالتوزيع بكفاءة أفضل وبسرعة أكبر ، فالطحالب وأحياء الماء الأخرى تأخذ الملوثات مباشرة مع ما تتناوله من ماء البحر ، وكثيراً ما تحتفظ بالملوث وتتخلص من الزيادة المائية فيزداد تركيز الملوث بها عن تركيزه في الوسط المائي الذي تعيش فيه . فإذا تغذيت كائنات حيوانية بحرية عشبية التغذية على الطحالب الملوثة ازدادت نسبة الملوث بأجسامها عن نسبته في الطحالب . وإذا تغذت كائنات حيوانية بحرية حيوانية التغذية على حيوانات بحرية ملوثة انتقل الملوث إليها وازدادت تركيزه بها ، فإذا تغذت طيور بحرية على الأحياء البحرية انتقلت إليها المواد الملوثة وازدادت تركيزاتها بها . وبتحركات الطيور والحيوانات البحرية وخاصة الأنواع المهاجرة منها تنتقل الملوثات في طول البحار وعرضها ومن أسطحها إلى أعماقها .
تلويث البحار والمحيطات ليس قاصراً على المناطق الساحلية ، بل يمتد أيضاً إلى أعالي البحار ، حيث الحركة الكثيفة للسفن المدنية والحربية ، الصغيرة والكبيرة والعملاقة ، خاصة حاملات البترول وما ينتج عن تحركاتها من عوادم وقود تشغيلها ومن زيوت محركاتها التي تلقي في تلك المياه ، إضافة إلى مخلفات بحاراتها وركابها من فضلات طعام وفضلات إخراج . في السنين الأخيرة ازدادت حركة البواخر مع ازدياد التجارة العالمية ، وستزداد أكثر بعد تحرير التجارة العالمية .
من أخطر الملوثات البحرية ، المنتجات البترولية ، وخاصة في المناطق التي تصب فيها مياه التوازن السابق الحديث عنها ، وما يصل إلى المياه عن طريق حوادث البواخر الحاملة للبترول ، حيث تلقي أطنان من حمولتها في الماء تاركة بقع زيتية كبيرة تضر بأحياء الماء ضرراً بليغاً وتلوث الشواطئ التي كانت أماكن استجمام فأصبحت من كثرة ما برمالها من قطران مصدر إزعاج للمترددين عليها ، فعليهم بعد استحمامهم في الماء أن ينظفوا أنفسهم مما علق بأجسامهم من قطران ، وغالباً ما يستخدمون ملوثاً بترولياً آخر لإذابة القطران وإزالته ، وقد يكون الكيروسين أو البنزين مع ما لهما من أضرار صحية .
ومن أخطر حوادث التلوث البحري بالبترول ما حدث في الخليج العربي في أوائل عام 1991 أثناء حرب الخليج من صب متعمد في مياه الخليج قدرت كميته بحوالي 250 مليون جالون بترول ، وقد نتج عن ذلك تكون بقعة زيت عرضها حوالي خمسة كيلومترات وطولها حوالي ثلاثين كيلومتراً ، مؤثرة تأثيراً ضاراً على الحياة البحرية وعلى الطيور التي تعيش على الأحياء البحرية ، وتسببت ، حسب أحد التقديرات ، في موت حوالي مليونين من الطيور .
ولا ننسى أن دول الخليج العربي تعتمد إعتماداً رئيسياً في الحصول على ماء عذب عن طريق إزالة ملوحة ماء البحر . وقد أثر تلوث مياه الخليج بالبترول في حرب الخليج على كفاءة عمليات إزالة الملوحة وعلى مواصفات الماء العذب الناتج . وقد سبق هذا التلوث البترولي بثمان سنوات في عام 1983 ، حدوث تدفق سابق للبترول في الخليج وكان هذا التدفق الملوث لمياه الخليج من البترول الإيراني بسبب عمليات عسكرية تمت في الحرب العراقية الإيرانية نتج عنها تدفق حوالي نصف مليون برميل ( 1 ) بترول ، أي حوالي 79500 طن خلال مدة الثلاثة أشهر الأولى من بدء التدفق ، واستمر التدفق ولكن بدرجة أقل لمدة ستة أشهر أخرى .
(1 ) البرميل = 42 جالون أمريكي = 159 لتر .
تؤثر طبقة الزيت الطافية على الحياة البحرية نتيجة لتكوينها لطبقة عازلة فوق سطح الماء ، تمنع وصول أكسوجين الهواء الجوي إلى الماء ، فتضر بذلك الأحياء البحرية التي تحتاج إلى الأكسوجين لتنفسها . كذلك فإن طبقة الزيت تتأكسد بفعل أشعة الشمس وبعض الكائنات الدقيقة مستفيدة في ذلك بالأكسوجين الذائب في الماء ، فيزداد النقص في أكسوجين الماء . أيضاً فإن الزيت الطافي يحجب أشعة الشمس الضرورية لنمو العالقات النباتية ولتثبيتها لغاز ثاني أكسيد الكربون وتكوينها للمواد الكربوإيدراتية ، والتي تعتبر الخطوة الأولى في السلم الغذائي للأحياء البحرية . إضافة إلى ما سبق فإن الزيت الطافي يلوث الكائنات البحرية وأجنحة الطيور ويعوقها عن الحركة .
عد فترة من طفو الزيت على أسطح الماء ، تتطاير بعض مكوناته ملوثة الهواء ، فتزداد كثافة باقي مكونات الزيت ، فتتساقط نحو القاع ، ويلتصق بعضه بخياشيم وأجسام الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية مما يضر بنشاطاتها الفسيولوجية . كذلك فإن بعض المكونات البترولية تذوب في مياه البحر ثم تتجمع في أجسام الأحياء البحرية ، وبعض تلك المكونات البترولية من المسببات الضارة بصحة الإنسان عند التغذية على الأحياء البحرية الملوثة بتلك المنتجات أو عند شرب المياه المحملة بها بعد إزالة ملوحتها .
تستخدم حالياً للتخلص من البقع الزيتية مواد مستحلبة ، ترش على بقع زيت البترول فتعمل على تفتيت البقع وتناثرها وإذابة بعضها ، فتتلاشى بفعل الأمواج والرياح ، وقد إتضح أن لتلك المستحلبات تأثيرات سامة على الأحياء البحرية ، وقد تزيد أضرارها عن ضرر البقع الزيتية .
تعتبر مياه البحر الأبيض المتوسط من أكثر المياه المالحة تلوثاً ، ذلك أن هذا البحر يعتبر حوضاً مائياً ، يكاد يكون مغلقاً ، حيث يتصل في جانبه الشرقي الجنوبي عن طريق قناة السويس ببحر آخر أكثر إنغلاقاً هو البحر الأحمر ، كما يتصل من جانبه الغربي بالمحيط الأطلسي عن طريق مضيق جبل طارق ، وقد وجد أنه يحتاج إلى حوالي 80 سنة لتجديد مياهه . إضافة إلى ما سبق الحديث عنه من كثرة ما به من مدن ومنشآت صناعية وكثافة سكانية ، فإن هذا البحر تمر به معظم حاملات البترول الآتية من دول الخليج النفطية ومحملة بخمس نفط العالم .
التلوث البحري قد يكون آجلاً وفتاكاً ، ضرره لا يظهر في الحال ، بل بعد مرور عشرات أو مئات ، وقد يصل إلى آلاف السنين ، إذا ما اعتبرت أعماق المحيطات مقلباً تلقى فيه النفايات المشعة المتخلفة عن استخدامات الطاقة الإشعاعية في الأغراض المدنية أو العسكرية ، وذلك بعد حفظها في أوعية مغلقة مقاومة للتحلل ، إلا أنها مهما أحكم إغلاق تلك الأوعية ، فإنه في يوم ما ، قرب أو بعد ، سيحدث تحلل لجزء منها أو كلها ، عندئذ تحدث الكارثة التي قد تؤدي إلى نهاية الحياة في تلك المياه ، خاصة إذا علمنا أن بعض العناصر المشعة مثل بلوتونيم 239 يصل نصف عمره الإشعاعي إلى 24400 سنة ، مثل هذا العنصر يحتاج إلى حوالي نصف مليون سنة ليصبح آمناً .
كما ينتج عطب البحار من كثرة تدفق الملوثات عبر الأنهار والمصارف ، فإن إيقاف تدفق مياه الأنهار بإقامة السدود والحواجز تؤثر تأثيراً ضاراً على الحياة البحرية ، فإقامة الحواجز لمنع وصول مياه الأنهار إلى البحار كان له تأثير كبير على كثير من الأسماك المهاجرة التي تقضي جزءاً من حياتها في الماء المالح وجزءاً آخر في المياه العذبة . وقد حدث ذلك لأسماك السلمون عند عدم تمكنها من الوصول إلى أماكن وضع البيض في بعض الأنهار . وفي مصر عندما أنشئ السد العالي وتوقف النيل عن تدفقه وإرسال بعض طميه إلى البحر سنة 1965 نقص تركيز العوالق النباتية phytoplankton's (1) بمقدار 90% وقل محصول صيد السردين من متوسط 18000 طن سنة 1960 إلى 1200 طن سنة 1966 ثم إلى 600 طن فقط سنة 1969 .
(1 ) العوالق النباتية هي كائنات حية نباتية ، أي تحتوي على كلوروفيل ، لا تتحرك حركة ذاتية أو تتحرك حركة ذاتية ضعيفة لا تمكنها من مقاومة التيارات المائية ، معظمها وحيدة الخلية .
التلوث البحري ، أيا كان مصدره فهو من فعل الإنسان ، الذي يعيش طبيعياً على اليابسة ، ويتجول بسفن وبوارجه في البحار ... في حياته اليابسة يصدر ملوثات للبحر تقدر بحوالي 77% من مجمل الملوثات التي تصل منه إلى البحر ، والباقي وهو حوالي 23% من الملوثات يصدرها الإنسان للبحار أثناء تجواله بها ، ويمكن تصنيف مصادر التلوث كما يأتي :
44% ملوثات الصرف من البر إلى البحر .
33% ملوثات تصل إلى الهواء فوق البحار من النشاط البري للإنسان .
12% ملوثات تنتج عن سير البواخر .
10% ملوثات تلقى في المحيطات ، حيث تستخدم بعض الدول الصناعية المناطق العميقة من المحيطات لدفن النفايات العسكرية والنووية والسامة ، رغم المنع الدولي لذلك .
1% ملوثات تنتج عن التعدين البحري وتشمل حفارات البترول البحرية في المياه القريبة من الشواطئ .
تتسبب كافة الملوثات البحرية في نقص المحصول السمكي العالمي بحوالي 20% عن المعتاد .
بجانب كافة التلوثات السابق الحديث عنها ، فإن الإنسان أحدث أضراراً أخرى بالبيئة البحرية نتيجة إدخاله أنواع من الأحياء غريبة عن المنطقة التي أدخلت بها ... يستوردها من مكان ويدخلها في مكان آخر غريب عنها وسط أحياء مختلفة عن مخالطيها في بيئتها الأصيلة فيخل بالتوازن بين الأحياء البحرية ، مما يعتبر هذا تلوثاً وراثياً . وقد أدى فتح قناة السويس وإتصال مياه البحرين الأحمر والأبيض المتوسط إلى ظهور حوالي 250 نوع من أحياء البحر الأحمر في مياه البحر الأبيض المتوسط ، من ذلك نوع قنديل البحر روبيليما نوماديكا Rhopilema nomadica والذي قلل من المحصول السمكي بشرق البحر الأبيض المتوسط وأثر تأثيراً واضحاً على سياحة الشواطئ .
لم يكتف الإنسان بإحداثه أضرار بالحياة البحرية عن طريق تلويثه لمياهها ، بل زاد الطين بله بما يقوم به من صيد جائر أكثر من قدرة النوع على تعويض خسائره ، مما تسبب في تناقص أعداد بعض الأحياء البحرية وإبادة بعض الأنواع البطيئة التكاثر ، من ذلك حوت المحيط الأطلسي الرمادي الذي اختفى منذ عام 1730 وحيوان المنك البحري sea mink الذي اختفى منذ سنة 1880 . أما الحوت الأزرق ، أكبر أحياء كوكبنا فقد تناقصت أعداده تناقصاً واضحاً ، فبعد أن كان تعداده حوالي 200.000 سنة 1950 أصبح حالياً حوالي 2000 فقط .
ولو استمر الحال على هذا المنوال لوصلنا إلى درجة تصحير البحار ، وذلك كما يحدث في اليابسة في كثير من المناطق الجافة من رعي زائد تسبب في تصحير كثير من المراعي بالعالم ، فكذلك فإن الصيد الزائد سوف يؤدي إلى ندرة الحياة في مناطق الصيد الكثيف بالبحار .