أصبحت الرّواية المغاربيّة منذ ثمانينيات القرن الماضي عنصرا رئيسا من عناصر المدوّنة الرّوائية العربية بفضل جهود جملة من الرّوائيين المغاربة الذين انشغلوا بالجنس الرّوائي وجعلوا منه خيارهم الإبداعي (1). ولئن اختلفت التجارب الروائية وتباينت مستويات الكتابة في الأقطار المغاربية، فإنها استطاعت في مجملها أن تُلفت انتباه القارئ العربي أينما كان. وقد تمكّنت الرّواية الجزائرية رغم تأخّر ظهورها -حيث ظهرت أوّل رواية فنيّة سنة 1971- (2) من تحقيق مكانة مرموقة داخل الفضاءين المغاربي والعربي، بل إنّنا لن نجانب الصواب إذا ما قلنا إنّها اكتسبت مكانة بين الرّواية العالمية بفضل اهتمام المترجمين والباحثين الغربيين بها وإفادتها من شقيقتها ذات اللسان الفرنسي؛ الرّواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية. تعلّقت الرواية العربية الجزائرية منذ نشأتها إلى اليوم بالواقع الاجتماعي الجزائري فكانت ترجمانا صادقا له، إذ انعطفت عليه ناقلة تحوّلاته محللة أزماته، ابتداء من مرحلة التأسيس (ما بعد الاستقلال) إلى مرحلة التسعينيات (المحنة) مرورا بمرحلة السبعينيات (المرحلة الاشتراكية).
وقد شهدت الرواية الجزائرية في التسعينيات تراكما كميّا لافتا ساهم فيه ظهور جيل روائي جديد هو جيل الشباب الذي اقتحم الكتابة الرّوائية وأراد أن يزاحم بنصوصه جيل السبعينيات الذي غابت بعض رموزه وتراجع إنتاج بعضه الآخر. غير أنّ كثيرا من وجوه هذا الجيل الجديد ضلّت الطريق عندما أرادت الاستفادة من المحنة الجزائرية (3) بعد أن تابع أدباء هذا الجيل نجاح بعض الرّوايات التي جعلت من المحنة مدارها، فخرج الرّوائيون الجدد إلى الشارع ناقلين أحداثه ب عدساتهم القلمية مستسهلين الإبداع الروائي، فتراكمت أعمال كثيرة تدّعي الانتساب إلى الجنس الرّوائي رغم افتقارها لأبسط شروطه ومتطلّباته الجمالية. وهذا ما دفع ببعض النقّاد والباحثين إلى عدّ المحنة سببا مباشرا في محنة كبرى للجنس الروائي في الجزائر (4). إذ اكتفى كثير من الرّوائيين ب التمعّش من مخلّفات الأزمة فانشغلوا بنقل جرائم الإرهاب وسديمية الواقع وغفلوا عن الجانب الفنّي للعمل الروائي وأهملوا الاشتغال على اللغة ولهثوا وراء الحدث فأخفقت رواياتهم حين أغفلت اللّب واكتسحها الشارع ولغته ، وانصهرت في الأزمة… واتّكأت على النسخ بمفهومه الآلي، الأمر الذي أبرز محدوديتها وانغلاقها على مستويات كثيرة: اللغة، الأساليب، القراءة، المتخيّل (5).
ويُرجع الباحث والقاص سعيد بوطاجين أزمة الرّواية الجزائرية إلى تمسّكها المفرط بالرّاهن والظرفي والمتحوّل وادّعائها التعليمية والتنويرية من خلال خطابها الأيديولوجي ممّا حوّلها إلى سرود استهلاكية لا تحمل بذرة الخلود أو العيش خارج الظرفية الزمنية التي أنتجتها. وهذه الصفة تجعلها خارج خانة الأدب الجيّد الذي لا يحقّ له أن يترك المرحلة تتحكم فيه… وليس من صلاحياته القيام بوظيفة مدرسية متخصّصة في محو الأميّة (6).
وفي مقابل تلك النصوص تنهض نصوص روائية أخرى مناوئة ترفض الإقامة الجبرية داخل فضاء المحنة وتدعو إلى كتابة روائيّة تنشغل انشغالا تاما بهموم الفن وبشعريّة العمل الرّوائي بعيدا عن سطوة تلك المحن الظرفية التي تمرّ بها الجزائر كل عقد تقريبا، ونمثّل لتلك الكتابة بأعمال الرّوائي والقاص الحبيب السائح الذي انكبّ على اللغة يُحاورها ويناورها من خلال استراتيجية التجريب والبحث الدؤوب عن جمالياتها التي طمستها الكتابات الانفعالية و الاستعجالية (7)، مما أكسب كتاباته -خاصة منها ما ظهر في التسعينيات- خصوصية داخل المشهد الرّوائي الجزائري المتخبّط بمحنته الفنيّة في المحن السياسية والاجتماعية.
وبين الكتابة الاستهلاكية التي مثّلها الشقّ الأول والكتابة الفنيّة التي يمثّلها الحبيب السائح تتموضع تجربة روائية فريدة أمكن لها أن توفّق -من دون تلفيق- بين التيّارين. وهي تجربة واسيني الأعرج الرّوائية، إذ انعطف هذا الرّوائي على الواقع الجزائري منذ الثمانينات يلاحق محنه وهزّاته السياسية والاجتماعية دون أن يُهمل الهاجس الفني فجاءت أعماله متجدّدة في أسلوبها ولغتها وتشكيلها، واختلفت خامات نسيجها مع تواصل التزام الرّوائي بقضايا وطنه، إذ نهضت ذاكرة المحنة جزءا من ذاكرة شعب يسعى واسيني الأعرج جاهدا لتسجيلها، وهذا ما أكسب تجربته خصوصية واضحة في زحمة النصوص المنشورة داخل الجزائر وخارجها. ومن هنا التفت النقاد والباحثون العرب مشرقا ومغربا إلى تجربة الأعرج الروائية منذ صدور روايته الأولى وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر ، وتضاعف ذلك الاهتمام مع صدور روايته نوار اللوز التي كانت موضوعا لعدد من الأطروحات الجامعية، ومثّل ذلك النصّ الرّوائي المنعرج الأساسي في الكتابة عند واسني الأعرج التي اتّخذ جانب منها وجهة التأصيل واتّخذ جانبها الآخر وجهة الكتابة الحداثيّة على النمط الغربي.
وقد وقفنا بعد عودتنا إلى مجموع أعمال الأعرج -ابتداء بتلك الرّواية التي نشرها متسلسلة في صحيفة المساء جغرافية الأجساد المحروقة حتى آخر رواياته المنشورة كتاب الأمير – على روايته حارسة الظلال لنجعلها مدار بحثنا: خصائص الكتابة الرّوائية عند واسيني الأعرج.
والحق أنّنا فضّلنا الاهتمام بهذا النصّ الرّوائي بالذّات لأنّه مثّل حالة استثنائية في مدوّنة الكاتب من حيث الظروف المحيطة بنشره من جهة، ومن حيث بنيته ونسيجه السردي من جهة أخرى، فقد صدرت رواية حارسة الظلال لأوّل مرة في ترجمتها الفرنسية قبل أن تصدر في نسختها الأصلية بالعربية. ونتج عن هذه الحادثة متغيّرات عدة في مسيرة الكاتب. إذ حظيت حارسة الظلال باستقبال جيّد في الغرب جعل منها منعرجا جديدا في تجربته وطالع خير على بقيّة نصوصه التي اعتنى بها بعض المترجمين والنقّاد في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا. إلاّ أنّ أهمّ ما شدّنا فعلا إلى هذه الرّواية هو أنّنا رأينا فيها جماع تجربة الرّوائي الجزائري على المستويين الفنّي والمضموني (.
تبيّن لنا أن العنوان في رواية واسيني الأعرج قد تغيّر في بعض الطّبعات، ففي الطبعة العربية ورد الكتاب تحت عنوان حارسة الظلال بينما حملت إحدى الطبعات الفرنسية للرواية عنوان .(Le ravin de la femme sauvage).
وتبيّن لنا أنّ الرّوائي كان قد أطلق علة نصّه عنوان منحدر السيدة المتوحّشة ثم عوّضه ب حارسة الظلال ، وبمزيد النظر في العنوان الجديد توضّح لدينا أن واسيني الأعرج قد اتّخذ عبارة دون كيشوت في الجزائر عنوانا فرعيّا لتلك الرّواية، وإن كان العنوان الرئيسي حارسة الظلال قد أشار إلى صلة المتن بأجواء الأسطورة والخرافة، فإنّ العنوان الفرعيّ قد لمّح إلى صلة ذلك المتن برواية الإسباني ميشال دي سرفانتس. وهذا من شأنه أن يدفع القارئ إلى تعميق النظر في دلالة العنوان الأول ودلالة العنوان الثاني لتحديد علاقاتهما بالنصّ.
وقد توضّح لنا أنّ الرّواية منفتحة بطابعها التناصّي على الموروث الشعبي المحلّي (الجزائري) والموروث الرّوائي الغربي ( كارمن لميريماي و دون كيشوت لسرفانتس)، ومن ثمّ فقد أعلنت طبيعة العنوان إحدى خصوصيات الكتابة في هذه الرّواية وهي استراتيجية التناصّ. وهذا ما عزّزته عناوين الفصول التي ألمح بعضها إلى ما خلّفته قراءة واسيني الأعرج لأدب أميركا اللاتينية من أثر في كتاباته في صياغة العناوين، فذكّرنا عنوان الفصل الثالث، مثلا، برواية الرّوائي الغواتيمالي ميشال أنغل استورياس ناس من ذرة الذي حوّله واسيني الأعرج إلى ناس من تبن ، غير أن الذي شدّنا أكثر في صياغة العناوين هو تلك العناوين الفرعية لعناوين الفصول والتي جاءت على شكل فقرات تلخّص ما سيأتي في ثنايا تلك الفصول. ومكّننا البحث من التوصّل إلى أنّ الرّوائي حاكى بهذه الفواتح فواتح الفصول في المدوّنة التراثية كالكتب الدينية والجغرافية والتاريخية.
إن دراسة الطبيعة الطوبوغرفاية لتلك الفواتح تكشف أثرها في تشكيل الفضاء النصّي للرواية ومدى تأثيرها في عملية التلقّي، أما وظائف تلك العناوين، فيبدو لنا أنها تشتغل مرّة كشارح لعنوان الفصل ومرّة تكون مربكة له، وتضطلع ساعات بوظيفة تلخيص الفصل وساعة بتمويه القارئ غير أنها في النهاية كانت ذات وظيفة رئيسية في توجيه عملية التلقّي وتأصيل النص الروائي في محيطه الحضاري.
والحق أنّ ظاهرة تأصيل النصّ الرّوائي ليست هاجسا من هواجس واسيني الأعرج الرئيسيّة، فقد صدرت له روايات اتّخذت الشكل الغربي نموذجا لها، لأنّ خصوصية الكتابة عنده لا تستقرّ حتى تؤسّس لنفسها خطابا روائيا مختلفا عماده الإدهاش: إدهاش القارئ.
أمّا التصدير، والذي جاء عبارة للشاعر أبولينير فيبدو تعبيرا عن الواقع الجزائري الذي ترصده الرواية، واقع التسعينيات، إذ جاءت القولة أو السطر الشعري، دالة على سديميّة الواقع وحالة الانكسار التي عاشها الشعب الجزائري أيام المحنة حتى أطلق على أدب تلك المرحلة أدب المحنة وسمّاه آخرون أدب سنين الجمر .
غير أن النظر في سيرة أبولينير تجعلنا نربط تلك العتبة بطبيعة التشكيل الروائي ل حارسة الظلال ، فأبولينير كان من كبار المدافعين عن الاتّجاه الفني الذي أسّسه بيكاسو وبراك، والذي سُمّي التكعيبية ، والتكعيبية هي التي رسّخت فنّ الكولاّج التشكيلي وجعلت منه فنّا متميّزا. فهل لهذا التصدير وصاحبه من أثر في النص الروائي؟.
هذا هو سؤالنا الذي يدعونا الى الانتباه ل توظيف الفنون الجميلة والصحافة في الرّواية الذي تكشفه أمارات دالة على توظيف الرواية لتقنيات تلك الفنون مثل عمليات الكولاج والمونتاج التي اعتمدها الروائي استراتيجية فنيّة شكّل بها نصّه الإبداعي.
يلاحظ القارئ أن المواد التي شملها هذا الأسلوب تمثلت خاصة في النصوص الصحفية (أخبار، مقالات، خطابات، تصريحات) إلى جانب حضور اللوحات التذكارية للمعالم الأثرية.
ونعتقد أن إقحام هذه النصوص في العمل الروائي أضفى عليه دينامية سردية متعدّدة الأوجه. فكانت هذه المواد معطلة للسرد ودافعة له في ذات الوقت، فحضورها الفضائي على الصفحة عطّل السرد وفعل القراءة لأنّ المتلقي يتوقّف عن متابعة الأحداث لينشغل بالتأمّل في طبيعة تلك النصوص وطريقة إقحامها ومساحات اشتغالها كما تطرح عنده أسئلة حول مدى واقعيّة تلك النصوص وصلاتها بالحقيقة، فإذا نظر إليها على أنها نصوص حقيقيّة فإنّها تتّخذ طابعا وثائقيا يدفع الرواية نحو انفتاح أعمق على الواقع الذي أنتجها فتشتغل كما لو كانت مرآة عاكسة. غير أن الوعي بالطبيعة الانتقائية لتلك النصوص يجعل الفعل الروائي ينأى عن هذه البراءة، فتتحوّل تلك النصوص التي اختارها الروائي بكل دقّة مؤشّرا على خلفية أيديولوجية تسكن النص الرّوائي.
أمّا النظر في هذه النصوص المقحمة على أنها نصوص شكّلها الكاتب على غرار الخطابات الصحفية واللوحات التذكارية، فإنّ العملية ستصبح مجرّد خدع تقنية وحيل فنيّة يتوسّل بها الرّوائي لإيهام المتلقّي بواقعيّتها من جهة ولتثوير نصّه الإبداعي من الداخل من جهة أخرى. وتبيّن لنا أن الرّوائي يتخذها في غالب الوقت ذريعة لتضمين حكايات جانبية من شأنها أن تغني الموضوع الرئيسي وتعمّق بعده الدّرامي. ولا يمكن أن نُغفل الإشارة إلى ما أحدثته تلك النصوص، بتنوّعها اللساني، من حواريّة داخل النص الرّوائي.
وبهذا الانفتاح على اللغة العربية بمستوياتها الفصيحة والعامية وعلى اللغتين الإسبانية والفرنسية تنوّعت الخطابات والأساليب واللغات في الرّواية وأمكن لها أن تتحاور في غير تنافر لتؤسّس وحدة الأثر الفنّي.
كما يمكن الاشارة إلى التناغم الذي حدث بين الفضاء النصّي للرّواية والفضاء الواقعي الذي تدور فيه الأحداث، فكلاهما فضاء انفجاري. الأوّل فجّرته التقنيات وعنف الخطاب والمتخيّل الرّوائي والثاني فجّره واقع الإرهاب وعنف الأحداث التي كانت تعيشها الجزائر في تسعينات القرن الماضي.
تغلغلت تلك التقنيات في ذهن الرّوائي لتنهض عنده رؤية للعالم، ومن ثمّ فإنّ الرّوائي كان ملحّا على حضورها عندما رسم تقاطيع المكان الرّوائي وشكّل الشخصيّات وضبط الأسماء. فالمكان في الرّواية مكان متشظّ رُكّب من المتنافرات مثلما تعرّضت الأشياء التي تؤثّثه إلى عمليات تحوير وتحويل وهو ما دلّنا على هاجس الكولاج الرّوائي الذي سكن واسيني الأعرج. ويمكن ملاحظته كذلك في رسم الشخصية الرّوائية التي تعرّضت إلى عمليات تقطيع والتقطيع كما بيّنا سابقا يمثّل إحدى المراحل الأساسية للعملية الفنية التي تسبق فعل الكولاج والمونتاج في كل من الرّسم والسينما.
وألصقت أسماء أبطال رواية دون كيشوت لصاحبها سرفانتيس بشخصيات رواية حارسة الظلال في عملية أشبه ما تكون بفن التلصيق/كولاج. كما أشرنا إلى مساهمة المونتاج في تنضيد النصّ السردي وترتيب الأحداث فلاحظنا أنّه شوّش نظامها في الحكاية وأكسب الرّواية طابعا فنيّا خرق السيولة الخطيّة للأحداث وعبر بها بحر العادة إلى شاطئ الكتابة التجريبية، تلك الكتابة الباحثة دائما عن آفاق جديدة بعيدا عن اليقينيات الزائفة والساعية إلى تفعيل دور القارئ وتحريره من وضعيّة التلقّي السلبي لتورّطه في الفعل الإبداعي من خلال المشاركة في إنتاج الدلالة والبحث عن أسرار الكتابة. وهذه إحدى خصائص الكتابة الروائيّة عند واسيني الأعرج الذي لا يتردّد في وصفها بأنّها بحث إبداعي (9).
إن رصد استراتيجية التناصّ أو ظاهرة التضافر النصّي تكشف لنا أن الرواية انفتحت على نصّين من الموروث الروائي الغربي، وهما رواية دون كيشوت للإسباني ميشال دي سرفانتيس، ورواية كارمن لميرماي، ولكن الغالب على الرّواية هو تضافرها النصّي مع رواية سرفانتيس. وقد حضر التناص في مفهومه الكريستيفي الذي تبنّاه جينيت في كتابه طوروس باعتباره نمطا من خمسة أنماط للتعالق النصّي وعرّفه بأنه حضور فعلي لنص داخل نص آخر عن طريق التضمين إمّا بشكل ظاهر أو خفي كالاستشهاد أو السرقة.. (10).
ويمكننا تحسس بعض مقتطفات من رواية دون كيشوت عمد واسيني الأعرج إلى إقحامها في نصّه الرّوائي من دون حذف أو تحوير (11)، وحضرت استراتيجيّة التناص في شكلها الأكثر تطوّرا من خلال تلك العلاقة الخاصة التي ربطت النص السابق بالنص اللاحق، فلم يكتف واسيني الأعرج بالتضمين أو الاستشهاد، بل نسج على منوال النص الإسباني نصّا روائيّا آخر من خلال تعمّده المحاكاة، غير أنّه من جانب آخر جعل من معارضة رواية دون كيشوت هدفا له، فحوّر في بناء الشخصيات وتصرّف في مصائرها معارضا بذلك تلك الصور التي ظهرت بها في النصّ السابق فخلّص الصحفي (بديل من دون كيشوت) من تعصّب سرفانتيس الديني وأكسب مايا (بديلة زريد) قوّة مكّنتها من أن تصمد في وجه الأزمات فتتمسّك بدينها ووطنها أمام إغراءات الآخر. وبذلك تحوّلت الرواية إلى فضاء للتسامح الديني ينهض معارضا الرواية الإسبانية التي ظلّت رهينة النظرة الأحادية التعصّبية.
وبمزيد من التأمّل في النص الروائي -حارسة الظلال- يمكننا أن نعثر على نصوص أخرى تضافرت مع نص الأعرج فالتفتنا إليها بالتحليل والمساءلة مثل رواية الطاهر وطّار الحوّات والقصر ورواية محمد برادة الضوء الهارب ، وبالرجوع إلى المتن الرّوائي للأعرج ننتبه إلى شكل آخر من التضافر النصّي مثّلته تلك العلاقات التي نسجها نصّه الروائي، موضوع الدرس، مع النصوص اللاحقة والسابقة للكاتب نفسه فوقفنا عند ما سمّاه ريكادو التناص الخاص أو النصّية الذاتية ، فاكتشفنا أنّ كثيرا من عوالم الرّواية مبثوث في رواية وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر و مصرع أحلام مريم الوديعة و سيدة المقام و المخطوطة الشرقية ، ويكفي أن نشير إلى حضور مريم الوديعة في جلّ أعمال واسيني حتى كأنّها غدت لازمة روائية إلى جانب دون كيشوت و كارمن و الموريسكي .
إنّ استراتيجية التناص مثّلت إحدى إستراتيجيات الكتابة الرّوائية عند واسيني الأعرج، فلا يمكن للقارئ أن يفكّ شفرة النص إلا بالعودة إلى تلك النصوص السابقة والمعاصرة التي استلهمها والتي كان لها بالغ الأثر في خطابه ودلالاته، إذ تنوّعت أغراض التناص ووظائفه من موقع إلى آخر، فمنه ما كان لغاية فنيّة جماليّة، ومنه ما كان استجابة لاقتناع إيديولوجيّ.
أما فيما يخصّ المسألة الأجناسية فبدا لنا أن واسيني الأعرج فتح نصّه على أنماط وأجناس أدبية متفرّعة عن الجنس الرّوائي، ومنها الرّواية البوليسية، واستفاد من الأسطورة والخرافة، مثلما انفتح النص على جنس اليوميات والسير والتراجم ووظّف السيرة الذاتية حين أقحم الرّوائي بعض تفاصيل حياته الشخصية في العمل الرّوائي.
لكن مع ذلك لم تكن تلك التلوينات الأجناسية سوى أمارات دالة على انخراطه في الجنس الرّوائي الذي يبقى الجنس الأدبي الوحيد القادر على امتصاص الخصائص الفنيّة للأجناس الأخرى وتوظيفها داخل نسيجه السردي من دون أن يفقد هويّته الأجناسية.
رغم كلّ ما قلناه سابقا عن التزام واسيني الأعرج بالشّروط الفنيّة للرّواية مع معالجة واقع المحنة الجزائرية، فإنّنا لا يمكن أن نغفل عن ذلك الحضور الصارخ لصوت المؤلّف في أعماله، إذ طغى ذلك الصوت على أصوات الشخصيات الرّوائية أحيانا وتلبّس بها لتصبح ناطقة بلسانه معبّرة عن أفكاره السياسية والفنية والإيديولوجية، وهذا من شأنه إذا ما تفاقم، أن يهزّ حواريّة النص الرّوائي ويدخله خانة الأعمال المونولوجية. إذ تبدو معاداة واسيني الأعرج للتيّار الإسلامي فجّة أحيانا، إذ يلجم المؤلّف صوت الآخر في أعماله ليجعل منه مجرّد إرهابي وقاتل. ولم يبحث في كل مؤلّفاته في خلفيّات مواقفه ولا في الأسباب والظروف التي دفعت به إلى الغلوّ، حتى إننا، أحيانا، نردّد بعد سعيد بوطاجين: ماذا لو كتب إرهابي رواية؟! من المؤكّد أنه سينظر إلى الأزمة بمرجعيات مختلفة، متناقضة (12).
لقد استطاع ياسمينة خضرا (محمد مولسهول)، على سبيل المثال ومن دون تقييم فنّي لأعماله، أن يخلق ذلك الحوار ويغوص بنصّه بمَ تحلم الذئاب (13) في نفسية الإرهابي ويحلّل أفكاره وآراءه ومواقفه، خلافا لنصوص واسيني الأعرج التي ظلّ فيها صوت الآخر مغيبا تماما. والحق أن هذا يتناقض كليّا مع ما تدّعيه نصوص الرجل وخاصة حارسة الظلال من أنّها نصوص داعية إلى التسامح الديني. فهل يؤكّد موقفنا هذا ما قرأناه في روايته شرفات بحر الشمال (14)، حيث يهاجر الرّاوي إلى الغرب احتجاجا على قانون الوئام المدني الذي أصدره الرئيس بوتفليقة والذي يسمح بعودة المطلوبين من الإسلاميين إلى ديارهم وذويهم والعفو عنهم؟.
إنّ الفكر اليساري (15) الجديد الذي يحرّك روايات واسيني الأعرج والذي يرفع شعار مقاومة التطرّف، قد يسقط في ذات التطرّف من خلال استراتيجية الإقصاء.
ولئن كان الإسلاموي يعمل على إقصاء المثقّف باستئصال حياته، فإنّ المثقّف -بدوره- يستأصل وجود ذلك الإسلاموي ويلغي حضوره في نصّه حتى لكأنّ استئصال الجماعة الإسلامية للسان الرّاوي (حسيسن) كانت ردّة فعل على تهميش المؤلّف لهذه الجماعة وتغييب صوتها في جميع مؤلّفاته، وبذلك يصبح المتلقّي أمام نصّين متطرّفين أحدهما إسلاموي سياسي والآخر يساري روائي، حيث جعل واسيني الأعرج من محاربة الجماعة الإسلامية همّه الأوّل في إبداعه وكرّس لمقاومتها جلّ تجربته الرّوائية بما في ذلك تلك الأعمال التي تبدو ذات هواجس فنيّة بحتة مثل روايتيه الليلة السابعة بعد الألف و المخطوطة الشرقية . وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: ألا تكون تلك المقوّمات الفنية التي ظهرت في روايات واسيني الأعرج والتي عددناها في بحثنا خصائص كتابة وعلامات دالة على جودتها وشعريّتها مجرّد محامل لمحمولات وهواجس أيديولوجية كانت وما تزال تسكن المؤلّف؟!.
وهل يمكن للكتابة أن تكون خارج الإيديولوجيا؟
وهل يمكن للمبدع أن يكون محايدا وهو يباشر نصّه؟ وما معنى أن يكون الكاتب محايدا؟ أليس المبدع جزءا من واقع ملتبس و ما نصّه سوى محاولة ما لفهمه؟
الهوامش (1) نذكر من علام الروائية المغاربية الرّوائيّين التونسيّين: البشير خريّف ومحمود المسعدي وحسن نصر وفرج لحوار وحبيب السالمي وصلاح الدين بوجاه وروائيّي المغرب الأقصى: عبد الكريم غلاّب وعبد الله العروي ومحمد زفزاف ومبارك ربيع وأحمد المديني وبن سالم حمّيش ومحمد برادة. والرّوائيين الجزائريّين: عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطّار وواسيني الأعرج والحبيب السائح وجلالي خلاص ورشيد بوجدرة ومرزاق بقطاش. والرّوائيين اللّيبيّين: إبراهيم الكوني وخليفة حسين مصطفى وصادق النيهوم وأحمد إبراهيم الفقيه، والرّوائي الموريتاني: أحمد ولد عبد القادر.
(2) رواية عبد الحميد بن هدوقة، ريح الجنوب ، 1971. (3) نستثني من الجيل الجديد بعض الأسماء التي أثبتت كفاءتها الإبداعية مثل عمارة لخوص و البشير مفتي وسفيان زدادقة وبوكفّة زرياب و ياسمينة صالح.
(4) انظر: سعيد بوطاجين: الرواية غدا، ضمن كتاب ملتقى عبد الحميد بن هدوقة الرابع ، وزارة الاتصال والثقافة، الجزائر، 2001، ص 38. (5) سعيد بوطاجين، الرّواية غدا، ص 40.
(6) سعيد بوطاجين، المصدر نفسه، ص 45. (7) انظر حوارنا مع الحبيب السائح، مجلة عمّان، الأردن، عدد 103، كانون الثاني 2004، ص 7.
( سنعود إلى هذه النقطة بالتفصيل في ثنايا البحث. (9) انظر عبد الله أبو هيف: استفتاء 9 روائيين، حوار مع واسيني الأعرج، مجلة المعرفة السورية، العدد 268، 1984، ص 131.
(10) G. Genette, Palimpsestes, p. 8. (11) انظر الرواية، ص 21 – 147 – .154،
(12) سعيد بوطاجين: الرواية غدا، ص 40. (13) ياسمينة خضرا: بم تحلم الذئاب؟ ترجمة أمين الزاوي، دار الغرب للنشر، الجزائر، 2002.
(14) انظر واسيني الأعرج: شرفات بحر الشمال، دار الآداب، 2002، ص 26. (15) يقول الروائي والباحث إبراهيم سعدي: أعمال واسيني الأعرج الأخيرة تنطوي على خلفية إيديولوجية تحيل إلى الاتجاه الحداثي، الجمهوري، وهو الاتجاه الجديد الذي صار الكثير من الشيوعيين الجزائريين السابقين يتبنّونه اليوم بعد انهيار الإيديولوجية الماركسية وبروز التيار الإسلامي . الرواية الجزائرية والراهن، ضمن كتاب ملتقى عبد الحميد بن هدوقة الثالث ، وزارة الاتصال والثقافة، الجزائر، 2000، ص 235.
* عن الرأي الأردنية . تقديم لكتاب مخطوط لكمال الرياحي عن تجربة واسيني الأعرج الروائية نشر المقال بجريدة الرأي بهذا العنوان استراتيجية التناص وحيادية الكاتب !
وقد شهدت الرواية الجزائرية في التسعينيات تراكما كميّا لافتا ساهم فيه ظهور جيل روائي جديد هو جيل الشباب الذي اقتحم الكتابة الرّوائية وأراد أن يزاحم بنصوصه جيل السبعينيات الذي غابت بعض رموزه وتراجع إنتاج بعضه الآخر. غير أنّ كثيرا من وجوه هذا الجيل الجديد ضلّت الطريق عندما أرادت الاستفادة من المحنة الجزائرية (3) بعد أن تابع أدباء هذا الجيل نجاح بعض الرّوايات التي جعلت من المحنة مدارها، فخرج الرّوائيون الجدد إلى الشارع ناقلين أحداثه ب عدساتهم القلمية مستسهلين الإبداع الروائي، فتراكمت أعمال كثيرة تدّعي الانتساب إلى الجنس الرّوائي رغم افتقارها لأبسط شروطه ومتطلّباته الجمالية. وهذا ما دفع ببعض النقّاد والباحثين إلى عدّ المحنة سببا مباشرا في محنة كبرى للجنس الروائي في الجزائر (4). إذ اكتفى كثير من الرّوائيين ب التمعّش من مخلّفات الأزمة فانشغلوا بنقل جرائم الإرهاب وسديمية الواقع وغفلوا عن الجانب الفنّي للعمل الروائي وأهملوا الاشتغال على اللغة ولهثوا وراء الحدث فأخفقت رواياتهم حين أغفلت اللّب واكتسحها الشارع ولغته ، وانصهرت في الأزمة… واتّكأت على النسخ بمفهومه الآلي، الأمر الذي أبرز محدوديتها وانغلاقها على مستويات كثيرة: اللغة، الأساليب، القراءة، المتخيّل (5).
ويُرجع الباحث والقاص سعيد بوطاجين أزمة الرّواية الجزائرية إلى تمسّكها المفرط بالرّاهن والظرفي والمتحوّل وادّعائها التعليمية والتنويرية من خلال خطابها الأيديولوجي ممّا حوّلها إلى سرود استهلاكية لا تحمل بذرة الخلود أو العيش خارج الظرفية الزمنية التي أنتجتها. وهذه الصفة تجعلها خارج خانة الأدب الجيّد الذي لا يحقّ له أن يترك المرحلة تتحكم فيه… وليس من صلاحياته القيام بوظيفة مدرسية متخصّصة في محو الأميّة (6).
وفي مقابل تلك النصوص تنهض نصوص روائية أخرى مناوئة ترفض الإقامة الجبرية داخل فضاء المحنة وتدعو إلى كتابة روائيّة تنشغل انشغالا تاما بهموم الفن وبشعريّة العمل الرّوائي بعيدا عن سطوة تلك المحن الظرفية التي تمرّ بها الجزائر كل عقد تقريبا، ونمثّل لتلك الكتابة بأعمال الرّوائي والقاص الحبيب السائح الذي انكبّ على اللغة يُحاورها ويناورها من خلال استراتيجية التجريب والبحث الدؤوب عن جمالياتها التي طمستها الكتابات الانفعالية و الاستعجالية (7)، مما أكسب كتاباته -خاصة منها ما ظهر في التسعينيات- خصوصية داخل المشهد الرّوائي الجزائري المتخبّط بمحنته الفنيّة في المحن السياسية والاجتماعية.
وبين الكتابة الاستهلاكية التي مثّلها الشقّ الأول والكتابة الفنيّة التي يمثّلها الحبيب السائح تتموضع تجربة روائية فريدة أمكن لها أن توفّق -من دون تلفيق- بين التيّارين. وهي تجربة واسيني الأعرج الرّوائية، إذ انعطف هذا الرّوائي على الواقع الجزائري منذ الثمانينات يلاحق محنه وهزّاته السياسية والاجتماعية دون أن يُهمل الهاجس الفني فجاءت أعماله متجدّدة في أسلوبها ولغتها وتشكيلها، واختلفت خامات نسيجها مع تواصل التزام الرّوائي بقضايا وطنه، إذ نهضت ذاكرة المحنة جزءا من ذاكرة شعب يسعى واسيني الأعرج جاهدا لتسجيلها، وهذا ما أكسب تجربته خصوصية واضحة في زحمة النصوص المنشورة داخل الجزائر وخارجها. ومن هنا التفت النقاد والباحثون العرب مشرقا ومغربا إلى تجربة الأعرج الروائية منذ صدور روايته الأولى وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر ، وتضاعف ذلك الاهتمام مع صدور روايته نوار اللوز التي كانت موضوعا لعدد من الأطروحات الجامعية، ومثّل ذلك النصّ الرّوائي المنعرج الأساسي في الكتابة عند واسني الأعرج التي اتّخذ جانب منها وجهة التأصيل واتّخذ جانبها الآخر وجهة الكتابة الحداثيّة على النمط الغربي.
وقد وقفنا بعد عودتنا إلى مجموع أعمال الأعرج -ابتداء بتلك الرّواية التي نشرها متسلسلة في صحيفة المساء جغرافية الأجساد المحروقة حتى آخر رواياته المنشورة كتاب الأمير – على روايته حارسة الظلال لنجعلها مدار بحثنا: خصائص الكتابة الرّوائية عند واسيني الأعرج.
والحق أنّنا فضّلنا الاهتمام بهذا النصّ الرّوائي بالذّات لأنّه مثّل حالة استثنائية في مدوّنة الكاتب من حيث الظروف المحيطة بنشره من جهة، ومن حيث بنيته ونسيجه السردي من جهة أخرى، فقد صدرت رواية حارسة الظلال لأوّل مرة في ترجمتها الفرنسية قبل أن تصدر في نسختها الأصلية بالعربية. ونتج عن هذه الحادثة متغيّرات عدة في مسيرة الكاتب. إذ حظيت حارسة الظلال باستقبال جيّد في الغرب جعل منها منعرجا جديدا في تجربته وطالع خير على بقيّة نصوصه التي اعتنى بها بعض المترجمين والنقّاد في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا. إلاّ أنّ أهمّ ما شدّنا فعلا إلى هذه الرّواية هو أنّنا رأينا فيها جماع تجربة الرّوائي الجزائري على المستويين الفنّي والمضموني (.
تبيّن لنا أن العنوان في رواية واسيني الأعرج قد تغيّر في بعض الطّبعات، ففي الطبعة العربية ورد الكتاب تحت عنوان حارسة الظلال بينما حملت إحدى الطبعات الفرنسية للرواية عنوان .(Le ravin de la femme sauvage).
وتبيّن لنا أنّ الرّوائي كان قد أطلق علة نصّه عنوان منحدر السيدة المتوحّشة ثم عوّضه ب حارسة الظلال ، وبمزيد النظر في العنوان الجديد توضّح لدينا أن واسيني الأعرج قد اتّخذ عبارة دون كيشوت في الجزائر عنوانا فرعيّا لتلك الرّواية، وإن كان العنوان الرئيسي حارسة الظلال قد أشار إلى صلة المتن بأجواء الأسطورة والخرافة، فإنّ العنوان الفرعيّ قد لمّح إلى صلة ذلك المتن برواية الإسباني ميشال دي سرفانتس. وهذا من شأنه أن يدفع القارئ إلى تعميق النظر في دلالة العنوان الأول ودلالة العنوان الثاني لتحديد علاقاتهما بالنصّ.
وقد توضّح لنا أنّ الرّواية منفتحة بطابعها التناصّي على الموروث الشعبي المحلّي (الجزائري) والموروث الرّوائي الغربي ( كارمن لميريماي و دون كيشوت لسرفانتس)، ومن ثمّ فقد أعلنت طبيعة العنوان إحدى خصوصيات الكتابة في هذه الرّواية وهي استراتيجية التناصّ. وهذا ما عزّزته عناوين الفصول التي ألمح بعضها إلى ما خلّفته قراءة واسيني الأعرج لأدب أميركا اللاتينية من أثر في كتاباته في صياغة العناوين، فذكّرنا عنوان الفصل الثالث، مثلا، برواية الرّوائي الغواتيمالي ميشال أنغل استورياس ناس من ذرة الذي حوّله واسيني الأعرج إلى ناس من تبن ، غير أن الذي شدّنا أكثر في صياغة العناوين هو تلك العناوين الفرعية لعناوين الفصول والتي جاءت على شكل فقرات تلخّص ما سيأتي في ثنايا تلك الفصول. ومكّننا البحث من التوصّل إلى أنّ الرّوائي حاكى بهذه الفواتح فواتح الفصول في المدوّنة التراثية كالكتب الدينية والجغرافية والتاريخية.
إن دراسة الطبيعة الطوبوغرفاية لتلك الفواتح تكشف أثرها في تشكيل الفضاء النصّي للرواية ومدى تأثيرها في عملية التلقّي، أما وظائف تلك العناوين، فيبدو لنا أنها تشتغل مرّة كشارح لعنوان الفصل ومرّة تكون مربكة له، وتضطلع ساعات بوظيفة تلخيص الفصل وساعة بتمويه القارئ غير أنها في النهاية كانت ذات وظيفة رئيسية في توجيه عملية التلقّي وتأصيل النص الروائي في محيطه الحضاري.
والحق أنّ ظاهرة تأصيل النصّ الرّوائي ليست هاجسا من هواجس واسيني الأعرج الرئيسيّة، فقد صدرت له روايات اتّخذت الشكل الغربي نموذجا لها، لأنّ خصوصية الكتابة عنده لا تستقرّ حتى تؤسّس لنفسها خطابا روائيا مختلفا عماده الإدهاش: إدهاش القارئ.
أمّا التصدير، والذي جاء عبارة للشاعر أبولينير فيبدو تعبيرا عن الواقع الجزائري الذي ترصده الرواية، واقع التسعينيات، إذ جاءت القولة أو السطر الشعري، دالة على سديميّة الواقع وحالة الانكسار التي عاشها الشعب الجزائري أيام المحنة حتى أطلق على أدب تلك المرحلة أدب المحنة وسمّاه آخرون أدب سنين الجمر .
غير أن النظر في سيرة أبولينير تجعلنا نربط تلك العتبة بطبيعة التشكيل الروائي ل حارسة الظلال ، فأبولينير كان من كبار المدافعين عن الاتّجاه الفني الذي أسّسه بيكاسو وبراك، والذي سُمّي التكعيبية ، والتكعيبية هي التي رسّخت فنّ الكولاّج التشكيلي وجعلت منه فنّا متميّزا. فهل لهذا التصدير وصاحبه من أثر في النص الروائي؟.
هذا هو سؤالنا الذي يدعونا الى الانتباه ل توظيف الفنون الجميلة والصحافة في الرّواية الذي تكشفه أمارات دالة على توظيف الرواية لتقنيات تلك الفنون مثل عمليات الكولاج والمونتاج التي اعتمدها الروائي استراتيجية فنيّة شكّل بها نصّه الإبداعي.
يلاحظ القارئ أن المواد التي شملها هذا الأسلوب تمثلت خاصة في النصوص الصحفية (أخبار، مقالات، خطابات، تصريحات) إلى جانب حضور اللوحات التذكارية للمعالم الأثرية.
ونعتقد أن إقحام هذه النصوص في العمل الروائي أضفى عليه دينامية سردية متعدّدة الأوجه. فكانت هذه المواد معطلة للسرد ودافعة له في ذات الوقت، فحضورها الفضائي على الصفحة عطّل السرد وفعل القراءة لأنّ المتلقي يتوقّف عن متابعة الأحداث لينشغل بالتأمّل في طبيعة تلك النصوص وطريقة إقحامها ومساحات اشتغالها كما تطرح عنده أسئلة حول مدى واقعيّة تلك النصوص وصلاتها بالحقيقة، فإذا نظر إليها على أنها نصوص حقيقيّة فإنّها تتّخذ طابعا وثائقيا يدفع الرواية نحو انفتاح أعمق على الواقع الذي أنتجها فتشتغل كما لو كانت مرآة عاكسة. غير أن الوعي بالطبيعة الانتقائية لتلك النصوص يجعل الفعل الروائي ينأى عن هذه البراءة، فتتحوّل تلك النصوص التي اختارها الروائي بكل دقّة مؤشّرا على خلفية أيديولوجية تسكن النص الرّوائي.
أمّا النظر في هذه النصوص المقحمة على أنها نصوص شكّلها الكاتب على غرار الخطابات الصحفية واللوحات التذكارية، فإنّ العملية ستصبح مجرّد خدع تقنية وحيل فنيّة يتوسّل بها الرّوائي لإيهام المتلقّي بواقعيّتها من جهة ولتثوير نصّه الإبداعي من الداخل من جهة أخرى. وتبيّن لنا أن الرّوائي يتخذها في غالب الوقت ذريعة لتضمين حكايات جانبية من شأنها أن تغني الموضوع الرئيسي وتعمّق بعده الدّرامي. ولا يمكن أن نُغفل الإشارة إلى ما أحدثته تلك النصوص، بتنوّعها اللساني، من حواريّة داخل النص الرّوائي.
وبهذا الانفتاح على اللغة العربية بمستوياتها الفصيحة والعامية وعلى اللغتين الإسبانية والفرنسية تنوّعت الخطابات والأساليب واللغات في الرّواية وأمكن لها أن تتحاور في غير تنافر لتؤسّس وحدة الأثر الفنّي.
كما يمكن الاشارة إلى التناغم الذي حدث بين الفضاء النصّي للرّواية والفضاء الواقعي الذي تدور فيه الأحداث، فكلاهما فضاء انفجاري. الأوّل فجّرته التقنيات وعنف الخطاب والمتخيّل الرّوائي والثاني فجّره واقع الإرهاب وعنف الأحداث التي كانت تعيشها الجزائر في تسعينات القرن الماضي.
تغلغلت تلك التقنيات في ذهن الرّوائي لتنهض عنده رؤية للعالم، ومن ثمّ فإنّ الرّوائي كان ملحّا على حضورها عندما رسم تقاطيع المكان الرّوائي وشكّل الشخصيّات وضبط الأسماء. فالمكان في الرّواية مكان متشظّ رُكّب من المتنافرات مثلما تعرّضت الأشياء التي تؤثّثه إلى عمليات تحوير وتحويل وهو ما دلّنا على هاجس الكولاج الرّوائي الذي سكن واسيني الأعرج. ويمكن ملاحظته كذلك في رسم الشخصية الرّوائية التي تعرّضت إلى عمليات تقطيع والتقطيع كما بيّنا سابقا يمثّل إحدى المراحل الأساسية للعملية الفنية التي تسبق فعل الكولاج والمونتاج في كل من الرّسم والسينما.
وألصقت أسماء أبطال رواية دون كيشوت لصاحبها سرفانتيس بشخصيات رواية حارسة الظلال في عملية أشبه ما تكون بفن التلصيق/كولاج. كما أشرنا إلى مساهمة المونتاج في تنضيد النصّ السردي وترتيب الأحداث فلاحظنا أنّه شوّش نظامها في الحكاية وأكسب الرّواية طابعا فنيّا خرق السيولة الخطيّة للأحداث وعبر بها بحر العادة إلى شاطئ الكتابة التجريبية، تلك الكتابة الباحثة دائما عن آفاق جديدة بعيدا عن اليقينيات الزائفة والساعية إلى تفعيل دور القارئ وتحريره من وضعيّة التلقّي السلبي لتورّطه في الفعل الإبداعي من خلال المشاركة في إنتاج الدلالة والبحث عن أسرار الكتابة. وهذه إحدى خصائص الكتابة الروائيّة عند واسيني الأعرج الذي لا يتردّد في وصفها بأنّها بحث إبداعي (9).
إن رصد استراتيجية التناصّ أو ظاهرة التضافر النصّي تكشف لنا أن الرواية انفتحت على نصّين من الموروث الروائي الغربي، وهما رواية دون كيشوت للإسباني ميشال دي سرفانتيس، ورواية كارمن لميرماي، ولكن الغالب على الرّواية هو تضافرها النصّي مع رواية سرفانتيس. وقد حضر التناص في مفهومه الكريستيفي الذي تبنّاه جينيت في كتابه طوروس باعتباره نمطا من خمسة أنماط للتعالق النصّي وعرّفه بأنه حضور فعلي لنص داخل نص آخر عن طريق التضمين إمّا بشكل ظاهر أو خفي كالاستشهاد أو السرقة.. (10).
ويمكننا تحسس بعض مقتطفات من رواية دون كيشوت عمد واسيني الأعرج إلى إقحامها في نصّه الرّوائي من دون حذف أو تحوير (11)، وحضرت استراتيجيّة التناص في شكلها الأكثر تطوّرا من خلال تلك العلاقة الخاصة التي ربطت النص السابق بالنص اللاحق، فلم يكتف واسيني الأعرج بالتضمين أو الاستشهاد، بل نسج على منوال النص الإسباني نصّا روائيّا آخر من خلال تعمّده المحاكاة، غير أنّه من جانب آخر جعل من معارضة رواية دون كيشوت هدفا له، فحوّر في بناء الشخصيات وتصرّف في مصائرها معارضا بذلك تلك الصور التي ظهرت بها في النصّ السابق فخلّص الصحفي (بديل من دون كيشوت) من تعصّب سرفانتيس الديني وأكسب مايا (بديلة زريد) قوّة مكّنتها من أن تصمد في وجه الأزمات فتتمسّك بدينها ووطنها أمام إغراءات الآخر. وبذلك تحوّلت الرواية إلى فضاء للتسامح الديني ينهض معارضا الرواية الإسبانية التي ظلّت رهينة النظرة الأحادية التعصّبية.
وبمزيد من التأمّل في النص الروائي -حارسة الظلال- يمكننا أن نعثر على نصوص أخرى تضافرت مع نص الأعرج فالتفتنا إليها بالتحليل والمساءلة مثل رواية الطاهر وطّار الحوّات والقصر ورواية محمد برادة الضوء الهارب ، وبالرجوع إلى المتن الرّوائي للأعرج ننتبه إلى شكل آخر من التضافر النصّي مثّلته تلك العلاقات التي نسجها نصّه الروائي، موضوع الدرس، مع النصوص اللاحقة والسابقة للكاتب نفسه فوقفنا عند ما سمّاه ريكادو التناص الخاص أو النصّية الذاتية ، فاكتشفنا أنّ كثيرا من عوالم الرّواية مبثوث في رواية وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر و مصرع أحلام مريم الوديعة و سيدة المقام و المخطوطة الشرقية ، ويكفي أن نشير إلى حضور مريم الوديعة في جلّ أعمال واسيني حتى كأنّها غدت لازمة روائية إلى جانب دون كيشوت و كارمن و الموريسكي .
إنّ استراتيجية التناص مثّلت إحدى إستراتيجيات الكتابة الرّوائية عند واسيني الأعرج، فلا يمكن للقارئ أن يفكّ شفرة النص إلا بالعودة إلى تلك النصوص السابقة والمعاصرة التي استلهمها والتي كان لها بالغ الأثر في خطابه ودلالاته، إذ تنوّعت أغراض التناص ووظائفه من موقع إلى آخر، فمنه ما كان لغاية فنيّة جماليّة، ومنه ما كان استجابة لاقتناع إيديولوجيّ.
أما فيما يخصّ المسألة الأجناسية فبدا لنا أن واسيني الأعرج فتح نصّه على أنماط وأجناس أدبية متفرّعة عن الجنس الرّوائي، ومنها الرّواية البوليسية، واستفاد من الأسطورة والخرافة، مثلما انفتح النص على جنس اليوميات والسير والتراجم ووظّف السيرة الذاتية حين أقحم الرّوائي بعض تفاصيل حياته الشخصية في العمل الرّوائي.
لكن مع ذلك لم تكن تلك التلوينات الأجناسية سوى أمارات دالة على انخراطه في الجنس الرّوائي الذي يبقى الجنس الأدبي الوحيد القادر على امتصاص الخصائص الفنيّة للأجناس الأخرى وتوظيفها داخل نسيجه السردي من دون أن يفقد هويّته الأجناسية.
رغم كلّ ما قلناه سابقا عن التزام واسيني الأعرج بالشّروط الفنيّة للرّواية مع معالجة واقع المحنة الجزائرية، فإنّنا لا يمكن أن نغفل عن ذلك الحضور الصارخ لصوت المؤلّف في أعماله، إذ طغى ذلك الصوت على أصوات الشخصيات الرّوائية أحيانا وتلبّس بها لتصبح ناطقة بلسانه معبّرة عن أفكاره السياسية والفنية والإيديولوجية، وهذا من شأنه إذا ما تفاقم، أن يهزّ حواريّة النص الرّوائي ويدخله خانة الأعمال المونولوجية. إذ تبدو معاداة واسيني الأعرج للتيّار الإسلامي فجّة أحيانا، إذ يلجم المؤلّف صوت الآخر في أعماله ليجعل منه مجرّد إرهابي وقاتل. ولم يبحث في كل مؤلّفاته في خلفيّات مواقفه ولا في الأسباب والظروف التي دفعت به إلى الغلوّ، حتى إننا، أحيانا، نردّد بعد سعيد بوطاجين: ماذا لو كتب إرهابي رواية؟! من المؤكّد أنه سينظر إلى الأزمة بمرجعيات مختلفة، متناقضة (12).
لقد استطاع ياسمينة خضرا (محمد مولسهول)، على سبيل المثال ومن دون تقييم فنّي لأعماله، أن يخلق ذلك الحوار ويغوص بنصّه بمَ تحلم الذئاب (13) في نفسية الإرهابي ويحلّل أفكاره وآراءه ومواقفه، خلافا لنصوص واسيني الأعرج التي ظلّ فيها صوت الآخر مغيبا تماما. والحق أن هذا يتناقض كليّا مع ما تدّعيه نصوص الرجل وخاصة حارسة الظلال من أنّها نصوص داعية إلى التسامح الديني. فهل يؤكّد موقفنا هذا ما قرأناه في روايته شرفات بحر الشمال (14)، حيث يهاجر الرّاوي إلى الغرب احتجاجا على قانون الوئام المدني الذي أصدره الرئيس بوتفليقة والذي يسمح بعودة المطلوبين من الإسلاميين إلى ديارهم وذويهم والعفو عنهم؟.
إنّ الفكر اليساري (15) الجديد الذي يحرّك روايات واسيني الأعرج والذي يرفع شعار مقاومة التطرّف، قد يسقط في ذات التطرّف من خلال استراتيجية الإقصاء.
ولئن كان الإسلاموي يعمل على إقصاء المثقّف باستئصال حياته، فإنّ المثقّف -بدوره- يستأصل وجود ذلك الإسلاموي ويلغي حضوره في نصّه حتى لكأنّ استئصال الجماعة الإسلامية للسان الرّاوي (حسيسن) كانت ردّة فعل على تهميش المؤلّف لهذه الجماعة وتغييب صوتها في جميع مؤلّفاته، وبذلك يصبح المتلقّي أمام نصّين متطرّفين أحدهما إسلاموي سياسي والآخر يساري روائي، حيث جعل واسيني الأعرج من محاربة الجماعة الإسلامية همّه الأوّل في إبداعه وكرّس لمقاومتها جلّ تجربته الرّوائية بما في ذلك تلك الأعمال التي تبدو ذات هواجس فنيّة بحتة مثل روايتيه الليلة السابعة بعد الألف و المخطوطة الشرقية . وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: ألا تكون تلك المقوّمات الفنية التي ظهرت في روايات واسيني الأعرج والتي عددناها في بحثنا خصائص كتابة وعلامات دالة على جودتها وشعريّتها مجرّد محامل لمحمولات وهواجس أيديولوجية كانت وما تزال تسكن المؤلّف؟!.
وهل يمكن للكتابة أن تكون خارج الإيديولوجيا؟
وهل يمكن للمبدع أن يكون محايدا وهو يباشر نصّه؟ وما معنى أن يكون الكاتب محايدا؟ أليس المبدع جزءا من واقع ملتبس و ما نصّه سوى محاولة ما لفهمه؟
الهوامش (1) نذكر من علام الروائية المغاربية الرّوائيّين التونسيّين: البشير خريّف ومحمود المسعدي وحسن نصر وفرج لحوار وحبيب السالمي وصلاح الدين بوجاه وروائيّي المغرب الأقصى: عبد الكريم غلاّب وعبد الله العروي ومحمد زفزاف ومبارك ربيع وأحمد المديني وبن سالم حمّيش ومحمد برادة. والرّوائيين الجزائريّين: عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطّار وواسيني الأعرج والحبيب السائح وجلالي خلاص ورشيد بوجدرة ومرزاق بقطاش. والرّوائيين اللّيبيّين: إبراهيم الكوني وخليفة حسين مصطفى وصادق النيهوم وأحمد إبراهيم الفقيه، والرّوائي الموريتاني: أحمد ولد عبد القادر.
(2) رواية عبد الحميد بن هدوقة، ريح الجنوب ، 1971. (3) نستثني من الجيل الجديد بعض الأسماء التي أثبتت كفاءتها الإبداعية مثل عمارة لخوص و البشير مفتي وسفيان زدادقة وبوكفّة زرياب و ياسمينة صالح.
(4) انظر: سعيد بوطاجين: الرواية غدا، ضمن كتاب ملتقى عبد الحميد بن هدوقة الرابع ، وزارة الاتصال والثقافة، الجزائر، 2001، ص 38. (5) سعيد بوطاجين، الرّواية غدا، ص 40.
(6) سعيد بوطاجين، المصدر نفسه، ص 45. (7) انظر حوارنا مع الحبيب السائح، مجلة عمّان، الأردن، عدد 103، كانون الثاني 2004، ص 7.
( سنعود إلى هذه النقطة بالتفصيل في ثنايا البحث. (9) انظر عبد الله أبو هيف: استفتاء 9 روائيين، حوار مع واسيني الأعرج، مجلة المعرفة السورية، العدد 268، 1984، ص 131.
(10) G. Genette, Palimpsestes, p. 8. (11) انظر الرواية، ص 21 – 147 – .154،
(12) سعيد بوطاجين: الرواية غدا، ص 40. (13) ياسمينة خضرا: بم تحلم الذئاب؟ ترجمة أمين الزاوي، دار الغرب للنشر، الجزائر، 2002.
(14) انظر واسيني الأعرج: شرفات بحر الشمال، دار الآداب، 2002، ص 26. (15) يقول الروائي والباحث إبراهيم سعدي: أعمال واسيني الأعرج الأخيرة تنطوي على خلفية إيديولوجية تحيل إلى الاتجاه الحداثي، الجمهوري، وهو الاتجاه الجديد الذي صار الكثير من الشيوعيين الجزائريين السابقين يتبنّونه اليوم بعد انهيار الإيديولوجية الماركسية وبروز التيار الإسلامي . الرواية الجزائرية والراهن، ضمن كتاب ملتقى عبد الحميد بن هدوقة الثالث ، وزارة الاتصال والثقافة، الجزائر، 2000، ص 235.
* عن الرأي الأردنية . تقديم لكتاب مخطوط لكمال الرياحي عن تجربة واسيني الأعرج الروائية نشر المقال بجريدة الرأي بهذا العنوان استراتيجية التناص وحيادية الكاتب !