البـــــوابـــة
قصدته في خلوته ،لم يكن بالشيخ الكبير الهرم،ولا بالشاب اليافع القوي ،بل كان وسطا بينهما،أو لعله الثاني ،غير أن سيماء الذبول البادية عليه
تنطق بغير ذلك،يعلو محياه اصفرار شبيه باصفرار الموتى،ونحول شديد يكاد يكشف عن العظام التي تتوارى خلف جلده الذي يبدو كالثوب الخلق.
قلت له:
-كيف تجدك سيدي؟
-سقيم عليل كما ترى.
-لعلك تشكو حزنا قديما،أوهما قريبا،أو لعل داء قد سكن جسدك فصيره إلى ما ترى،إن كان الحال كذلك فلما لا ترى لك طبيبا تجد عنده الدواء الشافي.
-كيف إذا كان دوائي هو علة الداء،وطبيبي هو من جرعني كأس المرض،وها هو ينحذر بي درجا بعد درج نحو مسالك الهلاك.
-إنك لتقول قولا غريبا أشبه بقول الشعراء الذين سلب العشق لب عقولهم فصاروا في كل واد يهيمون،لا تقل يا سيدي أن قلبك قد مسه
شيطان الهوى فصرت تهذي على لسانه كما الحال مع مجنون ليلى وكثير عزة وجميل بثينة وغيرهم كثير،أولئك شعراء صدقوا في حبهم وقد
قضى زمانهم نحبه فندبه أهله ودفنوه،فلا يصلح بك أن تنبش حرمة الأموات،وكدت أجزم أن لا وجود للحب في زماننا لولا الحال التي أراك عليها
إنك لتذكرني بقول جميل:
خليلاي فيما عشتما هل رأيتما قتيلا يبكي من حب قاتله قبلي
-إن لك لشأنا ،فقد عز ما تتحدث عنه في مثل هذا الزمان.وحبيبك هذا ألا يعودك؟أما من قلب رحيم بين ضلوعه فيرق لحالك ويأتي لوصالك؟
أليس له صدر حنون يشفق ويعطف عليك؟ أو يرضى لك هذا الذل وحيدا بين وحوش الغاب ،تضطجع على التراب،تأكل حشاش الأرض؟
-بل تعودني كل صباح أنسامه العليلة، وعند الهجيرة أطيافه الظليلة، وفي المساء أنواره الجميلة. كيف لا يكون رحيما من خلق الرحمة في السماء
التي تمطر،والأرض التي تخرج نبات كل شيء،كيف لا يرق لحالي من جعل للبلبل صوتا عذبا شذيا،وللقبرة لحنا رقيقا شجيا.أبدا لا يرضى لي
بالذل، بل أنا عاشق ولهان أبغي وصال الحبيب، وقلبي يشتعل نارا لفراقه،ونفسي احترقت بلظى الحزن خوفا من أن يكون رضى المحبوب
فاتني،وقد قيل لي أن الحبيب الذي ترجوه يأمرك أن تغلق القلب عمن سواه،وأن تصرف النظر إلا عن التأمل في ملكوته،وأن تطوي أياما،
وان لا تبغي غيره أنيسا ،وألا يتحرك لسانك إلا به،لأنه لا يرضى لأحبائه إلا الكمال،فلا يدخل جوفك إلا ما له صفة الخلود،ولا تلبس إلا
لباس الخلود،ولا تسكن إلا في جنان الخلد،ولا تأنس إلا بالحي الذي لا يموت.فكيف ألتذ بثماركم ،وأدع ثمارا دللت قطوفها تدليلا،كيف
أرضى بالحرير لباسا وحبيبي وعدني بالسندس والإستبرق،كيف أأنس بالنساء وعنده قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان.
وطفق ينشد هذه الأبيات:
كانت لقلبي أهواء مفرقة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
فصار يحسدني الذي كنت أحسده وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي
وهاجت أشجانه وهو يقول:
يا حبيب القلوب من لي سواك إرحم اليوم زائرا قد أتاكا
أنت سؤلي وبغيتي وسروري قد أبى القلب أن يحب سواكا
يا مناي وسيدي واعتمادي طال شوقي متى يكون لقاكا
ليس سؤلي من الجنان نعيما غير أني أريدها لأراكا
مع هذه الأبيات الأخيرة تأثر تأثرا شديدا،وشهق شهقة فاضت معها أنفاسه،والتحقت روحه الطاهرة ببارئها.
آه وكأنني في عالم روحاني سماوي،مع كل كلمة من كلماته كنت أزفر زفرات قويات،وأبكي لحالي :
لست أنت العليل بل أنا،لست المبتلى بل أنا ،لست السقيم بل أنا،أما أنت فمعافى وما بك من علة،وها أنت ترحب بك ملائكة السماء:
يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إل ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.
تنطق بغير ذلك،يعلو محياه اصفرار شبيه باصفرار الموتى،ونحول شديد يكاد يكشف عن العظام التي تتوارى خلف جلده الذي يبدو كالثوب الخلق.
قلت له:
-كيف تجدك سيدي؟
-سقيم عليل كما ترى.
-لعلك تشكو حزنا قديما،أوهما قريبا،أو لعل داء قد سكن جسدك فصيره إلى ما ترى،إن كان الحال كذلك فلما لا ترى لك طبيبا تجد عنده الدواء الشافي.
-كيف إذا كان دوائي هو علة الداء،وطبيبي هو من جرعني كأس المرض،وها هو ينحذر بي درجا بعد درج نحو مسالك الهلاك.
-إنك لتقول قولا غريبا أشبه بقول الشعراء الذين سلب العشق لب عقولهم فصاروا في كل واد يهيمون،لا تقل يا سيدي أن قلبك قد مسه
شيطان الهوى فصرت تهذي على لسانه كما الحال مع مجنون ليلى وكثير عزة وجميل بثينة وغيرهم كثير،أولئك شعراء صدقوا في حبهم وقد
قضى زمانهم نحبه فندبه أهله ودفنوه،فلا يصلح بك أن تنبش حرمة الأموات،وكدت أجزم أن لا وجود للحب في زماننا لولا الحال التي أراك عليها
إنك لتذكرني بقول جميل:
خليلاي فيما عشتما هل رأيتما قتيلا يبكي من حب قاتله قبلي
-إن لك لشأنا ،فقد عز ما تتحدث عنه في مثل هذا الزمان.وحبيبك هذا ألا يعودك؟أما من قلب رحيم بين ضلوعه فيرق لحالك ويأتي لوصالك؟
أليس له صدر حنون يشفق ويعطف عليك؟ أو يرضى لك هذا الذل وحيدا بين وحوش الغاب ،تضطجع على التراب،تأكل حشاش الأرض؟
-بل تعودني كل صباح أنسامه العليلة، وعند الهجيرة أطيافه الظليلة، وفي المساء أنواره الجميلة. كيف لا يكون رحيما من خلق الرحمة في السماء
التي تمطر،والأرض التي تخرج نبات كل شيء،كيف لا يرق لحالي من جعل للبلبل صوتا عذبا شذيا،وللقبرة لحنا رقيقا شجيا.أبدا لا يرضى لي
بالذل، بل أنا عاشق ولهان أبغي وصال الحبيب، وقلبي يشتعل نارا لفراقه،ونفسي احترقت بلظى الحزن خوفا من أن يكون رضى المحبوب
فاتني،وقد قيل لي أن الحبيب الذي ترجوه يأمرك أن تغلق القلب عمن سواه،وأن تصرف النظر إلا عن التأمل في ملكوته،وأن تطوي أياما،
وان لا تبغي غيره أنيسا ،وألا يتحرك لسانك إلا به،لأنه لا يرضى لأحبائه إلا الكمال،فلا يدخل جوفك إلا ما له صفة الخلود،ولا تلبس إلا
لباس الخلود،ولا تسكن إلا في جنان الخلد،ولا تأنس إلا بالحي الذي لا يموت.فكيف ألتذ بثماركم ،وأدع ثمارا دللت قطوفها تدليلا،كيف
أرضى بالحرير لباسا وحبيبي وعدني بالسندس والإستبرق،كيف أأنس بالنساء وعنده قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان.
وطفق ينشد هذه الأبيات:
كانت لقلبي أهواء مفرقة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي
فصار يحسدني الذي كنت أحسده وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي
وهاجت أشجانه وهو يقول:
يا حبيب القلوب من لي سواك إرحم اليوم زائرا قد أتاكا
أنت سؤلي وبغيتي وسروري قد أبى القلب أن يحب سواكا
يا مناي وسيدي واعتمادي طال شوقي متى يكون لقاكا
ليس سؤلي من الجنان نعيما غير أني أريدها لأراكا
مع هذه الأبيات الأخيرة تأثر تأثرا شديدا،وشهق شهقة فاضت معها أنفاسه،والتحقت روحه الطاهرة ببارئها.
آه وكأنني في عالم روحاني سماوي،مع كل كلمة من كلماته كنت أزفر زفرات قويات،وأبكي لحالي :
لست أنت العليل بل أنا،لست المبتلى بل أنا ،لست السقيم بل أنا،أما أنت فمعافى وما بك من علة،وها أنت ترحب بك ملائكة السماء:
يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إل ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.
