انها الرابعة بعد الزوال ،والجو لا يزال حارا حارقا خارج المنزل ،كرهت الخروج في هذا الوقت ،و لكن ليس باليد حيلة لامفر من الذهاب . ارتديت ملابسي في همة مصطنعة وحملت عدتي دون ان انسى قنينة الماء المثلج .هذه الساعة ليست للخمول , فتحت الباب لتعانقني لفحات الجو الحار و اشعة الشمس الحارقة ,كيف لا انه الصيف و المدينة داخلية و هذا الاسبوع بالذات يتميز بالحرارة القصوى....ارتميت في احضان الجو الساخن و اسرعت الخطى......
اجتزت باحة السوق الاسبوعي المترامية الاطراف لاقصر المسافة ...نظرت يمينا و يسارا لا وجود لاي كائن حي سواي , انتابني نوع من الخوف و الرهبة , الحرارة ألزمت الجميع منازلهم حتى الحيوانات , لا أرى كلبا و لا قطا و لاحتى عصافير على الاشجار ما الذي دهانا نحن النساء لنقبل بهذا التوقيت الغير المناسب ....؟
فجأة دوى صوت خرق السكون , ورفع درجة حرارة الجو المشحون .. ارتجفت له اوصالي , ارتفع نبض قلبي ,و صب العرق في جنون.......
" اختاااااااي".......
و كانني لم اسمع شيئا زدت من سرعتي دون ان التفت,
"واختااااااااااااااااي..........عفاااااااااك...... " مرة اخرى,
انه صوت امرأة وان بدا للوهلة الاولى انه صوت رجل ... التفت فاذا بها هناك في المكان الوحيد المظلل في ساحة السوق الفارغة, انها تنادي من رحبة الجزارين , طويلة القد, ممشوقة القوام , وقد بدأت أنامل النحافة تصقل جسدها , و ريشة اشعة الشمس قد صبغت بشرتها و اكسبتها سمرة حجبت بياض بشرتها الطبيعي , شعثاء الرأس ,متسخة الملابس ,حافية القدمين .....انني أعرفها "نعيمة لهبيلة " انه اسمها الذي تعرف به من جميع سكان المدينة الصغيرة . و رغم ذلك اعتراني الخوف ,فالمجنون مجنون غير مسؤول عن تصرفاته ,سألتها عما تريده و انا احلي نفسي بالشجاعة و احاول ان اتحمل مسؤولية مروري من باحة السوق الخاوية ,من بعيد و بأعلى صوت اجابتني :
"و اختاااااي ....عفااااك ....واحد الدرهم..."
بصوت مرتفع اخبرتها انني لا أحمل نقودا , يبدو انها لم تسمع, غادرت مكانها متجهة نحوي...لن انتظر وصولها فالمجنون مجنون .... مشيت عكس اتجاهها , فاحسست بها تسرع الخطى ...فاسرعت الخطى ايضا.... فاذا بها تهرول ...فهرولت ايضا... ولم لا أبدأ التسخين من الآن.
"واختاااي... تسناي.... تسناي ...ما تخافيش..." قالت ذلك و يبدو انها اقتربت مني ...الافضل ان اقف, ووقفت بدورها لاهثة .... انها المرة الاولى التي أراها عن قرب. لم تكن بشعة ولكن كيف لتقاسيم جمالها ان تظهر من بين نسيج الخذلان ....خدلها اهلها و ألقوا بها خارجا بعد ان فقدت رشدها و قد كانت شابة جميلة ,نشيطة, مرحة و محبوبة ...استقبلتها الذئاب البشرية بحبور و انشراح , نحثوا باظافرهم جسمها وامتصوا بانيابهم دم جوفها و علموها ما لم تكن تعلم:الادمان بكل اشكاله و الوانه و تركوها......لضباع بشرية ترضى ببقايا الذئاب.
ابتسمت وليتها لم تفعل انفرجت شفتاها الزرقاوان المشققتان عن اسنان علاها...............الصدأ.
"السلم " قالت متوددة,
"وعليكم السلام و رحمة الله"اسرعت بالاجابة وقد أملت خيرا من هذه البداية.
"لبسا اختاي بزاف دلحوايج.... اه ولا اخوانية"يبدو ان حجابي اثار فضولها لم اعلق وقفت انظر اليها حذرة منتبهة لاي تصرف مجنون قد يصدر عنها,
"ايوا اعطيني اختاااي شي درهم ..."
" لواحمل معي نقودا لاعطيتك اكثر من درهم..."
"او فين غادة فهاد الوقت...."
"قاعة الرياضة "و اضفت في خاطري :لاتعجبي فانا احمق منك.
"شوف اختاااي واش كاينة ش درهم ".......قالت وكانها لم تطرح هذا السؤال من قبل وقد انتبهت الى الحقيبة التي احمل على كتفي
"اش هازا فهاد الصاك؟؟؟؟ لم تمهلني لاجيب مدت يدها لتاخذ الحقيبةالصغيرة... رجعت خطوات الى الوراء لابتعد عن مرمى يدها, و في محاولة لاتحكم بزمام الامور قلت في حدة:
"نعيمة ......هل تريدين ملابس ؟
"ألا......"في غضب
"هل تريدين صابونا؟
"ألا......"في غضب وانفعال حاد
"هل تريدين ماءا مثلجا "....ربما توافق فالجو حار
"ألا......"في غضب و جنون
"هذا كل ما يوجد في الحقيبة"
نظرت الي و كلها أمل:
"هل توجد سيجارة .....سيجارة واحدة فقط"
"ألا......"في غضب.....و انفعال حاد ..... وجنون ..... أجبتها
كل علامات اليأس ارتسمت على وجهها, استسلمت بعد ان وعدتها ان اعطيها نقودا عند لقيانا مرة اخرى ....
ذهبت في حال سبيلها ولكنها لم تبارح تفكيري..... وواصلت طريقي.........