نجم وفيلم
ذات يوم من عام 1992 في مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي، وكان ذلك في السابع من سبتمبر 1992، شاهدني الزميل الناقد عرفان رشيد (الحياة، مونت كارلو) ارتدي البدلة بالكامل مع ربطة العنق، مع ان فنيسيا يومها كانت تغرق بالرطوبة والحرارة.
فسأل: لمن كل هذه الاناقة الكاملة؟ فقلت: لحضور المؤتمر الصحافي الخاص بفيلم «غالنجري غلين روز» بطولة آل باتشينو وجاك ليمون، ويومها كان واحدا من امتع المؤتمرات الصحافية التي حضرتها في حياتي، حيث آل باتشينو لا يتحدث عن النجومية بل يتحدث عن الفن، وبالذات، عن العلاقة بين المسرح والسينما، لان النص اصلا مأخوذ عن نص مسرحي، كان قد قدمه آل في برودواي ليعيد تقديمه سينمائياً.
والان بعد هذه المقدمة، اول ما تبادر لذهني حينما شرعت بالتحضير لهذا الموضوع، سؤال «يحاصرني» كلما جاء الحديث عن «آل» بالذات، من عشاق فن التمثيل وطلبة المعاهد الفنية، حول من هو الاهم «آل» او «روبرت دونيرو» والاجابة على هذا السؤال «حقيقة» لا اعرفها، لاننا امام قطبين، يتفق الجميع على انهما الاهم في عالم فن التمثيل «وكل منهما يمتاز باسلوبه ومنهجه وحرفته، وبصمته التي يؤكد عليها.
كما ان لكل منهما جمهوره وعشاقه.. وانا شخصياً من عشاقهما، لان الكاميرا حينما تنفتح عليهما، فإنها تجد حالة ابداعية ثرية تستحق الرصد.. والاستمتاع، ولعل ذلك المشهد «الاهم» حينما طلب المخرج الكبير فرانسيس فورد كابولا في بداية الجزء الثاني من فيلم « العراب» من مدير التصوير ان يترك الكاميرا تتحرك بزوم مكتوب باحتراف بات لاحقا، يمثل منهجا.. ودرساً.. ولغة.. كاميرا تتحرك وملامح ممثل تقول الكثير.. الكثير..
وفي هذه المحطة، نتحدث عن آل وفيلمه التحفة «عطر امرأة، الذي يعتبر احد الدروس الرفيعة المستوى في فن التمثيل.
والذي نعود إليه، في هذا العرض الشمولي، عن نجم كلما كتبنا عنه، لا نوفيه حقه، فنحن امام نجم.. وتاريخ.. وانجازات كل منها يمثل بصمة وقيمة وابداعاً مقروناً بالثراء الفني والفكري.
فمن هو آل باتشينو؟
ممثل مسرحي وسينمائي اميركي من اصول ايطالية تعود الى جزيرة صقلية، واسمه «الفريد وجيمس باتشينو» ولد في 25 ابريل 1940 في حي البردنكس في نيويورك عاش (آل) الفريد وسط عائلة فقيرة، والده سنعاتور كان بائعاً متجولا، وامه روز باتشينو، ولزيادة جريمة الفقر والالم في حياته، ينفصل والده عن والدته، ويغادر ابوه المنزل ليتركه وحيداً مع امه وهو في الثانية من عمره فقط.. وهذا ما دفع امه لان تنتقل بدورها للعيش مع والدتها (جدة آل).
ومنذ طفولته ومراهقته لاحقا، وهو يولي اهتماما كبيراً للمسرح، حيث قدم العديد من الادوار والشخصيات باداء متميز، لافت، اثار اهتمام النقاد والجمهور إليه.
وكان حلمه ان ينطلق الى آفاق ابعد، عبر العمل في السينما، الا ان الفرص كانت ضيقة.. حتى جاءته الفرصة الذهبية والتي احدثت نقلة في مشواره وحياته ولربما حياة جميع الذين شاركوا في تلك التجربة وذلك الفيلم ونعني «العراب».
ومنذ مطلع السبعينيات، استطاع ان يصبح «ايقونة» في عالم السينما وفن التمثيل، عبر ما يمتلك من قدرات وفهم متجدد لفن التمثيل.
ولكن قبل ذلك، نشير الى مرحلة مهمة، ولعلها الفيصل في تجربته، حيث درس فن التمثيل في ستديو الممثل 1966 على يد اسطورة فن التمثيل لي ستراسبوغ، الذي تعلم منه، كما هو شأن روبرت دونيرو وهارفي كيتل وروبرت دوفال وعدد اخر في فن التمثيل.
في بداياته المسرحية والفنية، قدم مسلسل الهندي الذي ذهب الى البرونكس، و«عنها فاز بجائزة» اوبي، وايضا جائزة توني.
اول افلامه «يانكي ان ذا بانك» 1971.
وفي عام 1972 تأتي النقله مع فيلم «العراب» حيث جسد شخصية مايكل كورتيوني، ومنحه ذلك الدور الفرصة للقفز الى جوار اسماء معروفة في تلك الفترة مثل روبرت ردفورد ووارن بيتي وجاك نيكلسون وريان اونيل وروبرت دونيرو.
ويومها ترشح «آل» للاوسكار كافضل ممثل مساعد.
وتمضي المسيرة، ليقدم افلاماً مهمة كثيرة منها «سربيكو» 1973.
والتراجيديا في فيلم «ظهر يوم الاثنين 1975، وقد ترشح ثلاث مرات كأفضل ممثل.
ومن ابرز ما قدم «الوجه ذو الندبة» 1983، والثورة 1985،
وفي عام 1990 قد الجزء الثالث من «العراب» وفي ذات العام قدم اول فيلم كوميدي له «ديك تريسي».
وفي عام 1992 قدم جالنجري غلين روز «وعنه ترشح للاوسكار مجدداً.
وحينما شبع من الترشيحات وعدم الفوز.
جاء فيلم «عطر امرأة» ليفوز باول اوسكار عام 1992 ونظراً لأهمية هذه التجربة، دعونا نذهب الى الفيلم، لاننا امام قيمة يصعب اختصارها ببعض المفردات العابرة.
درس في التمثيل.. بل هو ابعد من ذلك درس عظيم في التمثيل.
من اخراج مارتن برست، فيل يذهب للتأكيد على مجموعة من القيم، والتأكيد على الدفاع عن القيم الانسانية، ومواجهة الافكار الانهزامية، حيث الانزلاق الى الموت والهزيمة.
فيلم يتحدث عن كولونيل متقاعد اعمى، انتهى به المطاف الى حقيقة ان الحياة لا يستحق البقاء فيها، بعد ان خرج من الحرب بالعمى، لهذا فهو يريد النهاية، الا انه يريد ان يعيش اللحظات المتبقية، حينما يطلب من مكتب التشغيل بالاستعانة بطالب جامعي يساعده على قضاء بعض احتياجاته، ومنها التنقل، بينما يمر الطالب بازمة مع جامعته، حيث المواجهة، فاما ان يوشى بصديقه، او يواجهه الطرد.
عالمان مختلفان.
كلاهما يتحرك في فلك مستقل، الاّ ان تلك العلاقة واللحظات، تغير اشياء كثيرة في ذهنية ووعي ذلك الكولونيل الاعمى، حيث البعد الفلسفي للاشياء، مواجهة بين العصابية والشفافية المفرطة.
دراسة في معنى الوجود.. دراسة في معنى المحافظة على القيم والتأكيد عليها، حيث الجامعة هي مكان القيم الحقيقية والتي يحرص ذلك الشاب المحافظة عليها، ويعمل الاعمى على دعمه لبلوغ ذلك المأرب.
وفي الفيلم مجموعة من المشهديات، ذات البعد الفلسفي، التي ما كان لها ان تتحقق لولا الاداء الرفيع والعالي المستوى للنجم الكبير آل باتشينو، وبالذات في مشهد الرقصة، التي تجمعه مع صبية شابة جميلة، جسدت الدور الممثلة غابرييلا انور ( ذات الاصول السورية).
وهناك ايضا مشهد محاولة انتحار الكولونيل وهو يرتدي بزته العسكرية الكاملة، وكانها موقف صريح من الحرب وويلاتها ونتائجها المدمرة..
وايضا مشهد قيادة الفيراري.
ثم يأتي المشهد الأهم، وهو المرافقة التي قام بها الكولونيل امام مجلس الجامعة، للدفاع عن الشاب الجامعي، حوار وأداء وقيم... لا يمكن اختصاره او تحليله بهذه العجالة، دروس كبيرة، ومعانٍ لا تحصد أو ترصد...
وقبل كل هذا أداء سخر لممثل أقل ما يمكن ان يقال عنه بانه «عبقري» مهتم شاهدتم ذلك العبقري في ذلك المشهد بالذات، والذي فاز عنه بالأوسكار.
تعابير انسانية لا يبلغها الا ممثل بكفاءة، واقتدار آل باتشينو.
انها ذات التعابير والقيم والمعاني، التي جعلت الكولونيل يرفض فكرة الانتحار، والتي دعته لان يدافع عن الشاب، لانه يؤمن بالقيم ويريد من يساعده للدفاع عنها.
تحفة سينمائية... تجعلنا حينما نذهب الى العوالم المتعددة التي يمتلكها «آل» نتوقف عندها دون سواه... رغم رصيده وانجازاته، كيف لا وهذا النجم بطل «العراب» و«سربيكيو» و«الوجه ذو الندبة» وكم ضخم من التحف.
ونعود لمسيرته...
في عام 1993 يقدم «طريقة كاريتو» ويأتي عام 1995 ليعود للقاء روبرت دونيرو، الذي كان قد التقاه في «العراب» ليجتمع معه في فيلم «هيت - الحرارة» اخراج مايكل مانن، وفي ذلك الفيلم مباراة أخرى في التمثيل، بل ان مايكل مانن، في مشهد اللقاء الأخير يترك الكاميرات لارتجالهما المتطور والذي يعمق معاني وقيم الفيلم.
ومن أعماله ايضا «محامي الشيطان» 1997 ثم «الداخلي مع او ليفرستون».وتمضي المسيرة والأعمال، وكل منهما يعمق قيمته ونهجه....
وتسألون عن الجوانب الشخصية، لمَ لا، لقد ظلت حياة هذا النجم تمتاز بالرصانة، له ابنة هي «جولي ماري» من مدرسة التمثيل الشهيرة جين تارانت، التي عاش معها أكثر من عشرة أعوام ايام الدراسة والعمل في ستديو الممثل.
كما انه عنده توأم مع صديقته بيفرلي دانجلو، وهو لا يكاد يفارقها منذ أكثر من عقدين.
كما ارتبط بعلاقة حب مع ديان كيتون ايام فيلم «العراب».
وتبقى الجوانب الشخصية، تظل دائما مقرونة بالرصانة، كرصانته في اختيار الشخصيات وتقديمها، وهو احد القلائل في هوليوود الذين لم يتزوجوا.
ونقترب أكثر...
في عام 1979، عرض فرانسيس فور كابولا على (آل) تقديم شخصية «كابتن ويلارد» في فيلم «أبو كاليبس ناو» التي قدمها مارتن شين لاحقا الا ان «آل» قال يومها.
أنا أذهب مع كابولا الى كل مكان يريده... الا الحرب.
لقد كان «آل» يمقت الحرب والحروب، ويعلن موقفه الرافض لكل الحروب، من فييتنام الى العراق.
وعلى صعيد المسرح، نذهب قليلا، لنشير الى انه ظل مرتبطا لسنوات طويلة مع مسرح دايفيد ويلر في بوسطن، ومعهم قدم مسرحيات «ريتشارد الثالث»، في بوسطن من ديسمبر 1972 الى يناير 1973 كما عمل مع «كورت تياتر» في نيويورك، ثم شارلز تياتر في بوسطن، ثم نيويورك ولندن وايضا لونج جراس تياتر في نيويورك 1977 كما عمل مع كبريات الفرق والشركات المسرحية، حصد أكبر عدد من الجوائز المسرحية، كأفضل ممثل دائما، وقلة الذين يعرفون انه يمتلك شركة انتاج تحمل اسم شال (Chal)
وهي اختصار لاسم صديقه شارلي لجنون (شا) واسمه (ال).
أقرب اصدقائه، هو الممثل جون غزال الذي درس معه في ستديو الممثل، ثم في «ظهر يوم لعين» 1975 و«العراب - 2» 1972 والعراب - 3» 1974، كما انه أحد القلائل في العالم، الذين ترشحوا للأوسكار عن الدور نفسه في فيلمين في «العراب» والعراب 2».
وعن زملاء المهنة يقول...
بالذات عن روبرت دونيرو، الذي يعتبره... «أهم ممثل في الكون» حيث يقول:
كيف سيكون فن التمثيل لو لم يكن روبرت دونيرو موجودا.؟
ممثل كبير، ونجم رائع، واحتراف عال المستوى، صفات من النادر ان تجتمع في شخص واحد، ثقافة عالية، وعمل دؤوب من أجل تطوير الحرفة، بالذات في المسرح والسينما، ولهذا تدين له حرفة التمثيل بكثير من الاحترام لما قدمه ويقدمه وما يؤكد عليه من معانٍ وقيم ابداعية عالية.
وسيظل العالم يتذكر له، تلك الصرخات التي يطلقها في جملة افلامه، والتي تجعل المشاهد يعتقد بان ما يشاهده حقيقة وليس تمثيلا، انها احدى الصفات التي يتفرد بها، «آل - حيث التقمص عنده يصل الى حد الذوبان التام في الشخصية... وهذا ما نلمسه بوضوح في أفلام «القتل المبرر» (2008) والبحث عن ريتشارد 1996 والحرارة 1995 و«عطر امرأة» 1992 وغيرها من الأفلام والشخصيات التي راحت كل منها تعمق جانبا من جوانب احتراف واقتدار هذا الفنان الذي حينما يذكر فن التمثيل يذكر اسمه... كيف لا وهو أحد أهم نجوم التمثيل بلا منازع في العالم.
ذات يوم من عام 1992 في مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي، وكان ذلك في السابع من سبتمبر 1992، شاهدني الزميل الناقد عرفان رشيد (الحياة، مونت كارلو) ارتدي البدلة بالكامل مع ربطة العنق، مع ان فنيسيا يومها كانت تغرق بالرطوبة والحرارة.
فسأل: لمن كل هذه الاناقة الكاملة؟ فقلت: لحضور المؤتمر الصحافي الخاص بفيلم «غالنجري غلين روز» بطولة آل باتشينو وجاك ليمون، ويومها كان واحدا من امتع المؤتمرات الصحافية التي حضرتها في حياتي، حيث آل باتشينو لا يتحدث عن النجومية بل يتحدث عن الفن، وبالذات، عن العلاقة بين المسرح والسينما، لان النص اصلا مأخوذ عن نص مسرحي، كان قد قدمه آل في برودواي ليعيد تقديمه سينمائياً.
والان بعد هذه المقدمة، اول ما تبادر لذهني حينما شرعت بالتحضير لهذا الموضوع، سؤال «يحاصرني» كلما جاء الحديث عن «آل» بالذات، من عشاق فن التمثيل وطلبة المعاهد الفنية، حول من هو الاهم «آل» او «روبرت دونيرو» والاجابة على هذا السؤال «حقيقة» لا اعرفها، لاننا امام قطبين، يتفق الجميع على انهما الاهم في عالم فن التمثيل «وكل منهما يمتاز باسلوبه ومنهجه وحرفته، وبصمته التي يؤكد عليها.
كما ان لكل منهما جمهوره وعشاقه.. وانا شخصياً من عشاقهما، لان الكاميرا حينما تنفتح عليهما، فإنها تجد حالة ابداعية ثرية تستحق الرصد.. والاستمتاع، ولعل ذلك المشهد «الاهم» حينما طلب المخرج الكبير فرانسيس فورد كابولا في بداية الجزء الثاني من فيلم « العراب» من مدير التصوير ان يترك الكاميرا تتحرك بزوم مكتوب باحتراف بات لاحقا، يمثل منهجا.. ودرساً.. ولغة.. كاميرا تتحرك وملامح ممثل تقول الكثير.. الكثير..
وفي هذه المحطة، نتحدث عن آل وفيلمه التحفة «عطر امرأة، الذي يعتبر احد الدروس الرفيعة المستوى في فن التمثيل.
والذي نعود إليه، في هذا العرض الشمولي، عن نجم كلما كتبنا عنه، لا نوفيه حقه، فنحن امام نجم.. وتاريخ.. وانجازات كل منها يمثل بصمة وقيمة وابداعاً مقروناً بالثراء الفني والفكري.
فمن هو آل باتشينو؟
ممثل مسرحي وسينمائي اميركي من اصول ايطالية تعود الى جزيرة صقلية، واسمه «الفريد وجيمس باتشينو» ولد في 25 ابريل 1940 في حي البردنكس في نيويورك عاش (آل) الفريد وسط عائلة فقيرة، والده سنعاتور كان بائعاً متجولا، وامه روز باتشينو، ولزيادة جريمة الفقر والالم في حياته، ينفصل والده عن والدته، ويغادر ابوه المنزل ليتركه وحيداً مع امه وهو في الثانية من عمره فقط.. وهذا ما دفع امه لان تنتقل بدورها للعيش مع والدتها (جدة آل).
ومنذ طفولته ومراهقته لاحقا، وهو يولي اهتماما كبيراً للمسرح، حيث قدم العديد من الادوار والشخصيات باداء متميز، لافت، اثار اهتمام النقاد والجمهور إليه.
وكان حلمه ان ينطلق الى آفاق ابعد، عبر العمل في السينما، الا ان الفرص كانت ضيقة.. حتى جاءته الفرصة الذهبية والتي احدثت نقلة في مشواره وحياته ولربما حياة جميع الذين شاركوا في تلك التجربة وذلك الفيلم ونعني «العراب».
ومنذ مطلع السبعينيات، استطاع ان يصبح «ايقونة» في عالم السينما وفن التمثيل، عبر ما يمتلك من قدرات وفهم متجدد لفن التمثيل.
ولكن قبل ذلك، نشير الى مرحلة مهمة، ولعلها الفيصل في تجربته، حيث درس فن التمثيل في ستديو الممثل 1966 على يد اسطورة فن التمثيل لي ستراسبوغ، الذي تعلم منه، كما هو شأن روبرت دونيرو وهارفي كيتل وروبرت دوفال وعدد اخر في فن التمثيل.
في بداياته المسرحية والفنية، قدم مسلسل الهندي الذي ذهب الى البرونكس، و«عنها فاز بجائزة» اوبي، وايضا جائزة توني.
اول افلامه «يانكي ان ذا بانك» 1971.
وفي عام 1972 تأتي النقله مع فيلم «العراب» حيث جسد شخصية مايكل كورتيوني، ومنحه ذلك الدور الفرصة للقفز الى جوار اسماء معروفة في تلك الفترة مثل روبرت ردفورد ووارن بيتي وجاك نيكلسون وريان اونيل وروبرت دونيرو.
ويومها ترشح «آل» للاوسكار كافضل ممثل مساعد.
وتمضي المسيرة، ليقدم افلاماً مهمة كثيرة منها «سربيكو» 1973.
والتراجيديا في فيلم «ظهر يوم الاثنين 1975، وقد ترشح ثلاث مرات كأفضل ممثل.
ومن ابرز ما قدم «الوجه ذو الندبة» 1983، والثورة 1985،
وفي عام 1990 قد الجزء الثالث من «العراب» وفي ذات العام قدم اول فيلم كوميدي له «ديك تريسي».
وفي عام 1992 قدم جالنجري غلين روز «وعنه ترشح للاوسكار مجدداً.
وحينما شبع من الترشيحات وعدم الفوز.
جاء فيلم «عطر امرأة» ليفوز باول اوسكار عام 1992 ونظراً لأهمية هذه التجربة، دعونا نذهب الى الفيلم، لاننا امام قيمة يصعب اختصارها ببعض المفردات العابرة.
درس في التمثيل.. بل هو ابعد من ذلك درس عظيم في التمثيل.
من اخراج مارتن برست، فيل يذهب للتأكيد على مجموعة من القيم، والتأكيد على الدفاع عن القيم الانسانية، ومواجهة الافكار الانهزامية، حيث الانزلاق الى الموت والهزيمة.
فيلم يتحدث عن كولونيل متقاعد اعمى، انتهى به المطاف الى حقيقة ان الحياة لا يستحق البقاء فيها، بعد ان خرج من الحرب بالعمى، لهذا فهو يريد النهاية، الا انه يريد ان يعيش اللحظات المتبقية، حينما يطلب من مكتب التشغيل بالاستعانة بطالب جامعي يساعده على قضاء بعض احتياجاته، ومنها التنقل، بينما يمر الطالب بازمة مع جامعته، حيث المواجهة، فاما ان يوشى بصديقه، او يواجهه الطرد.
عالمان مختلفان.
كلاهما يتحرك في فلك مستقل، الاّ ان تلك العلاقة واللحظات، تغير اشياء كثيرة في ذهنية ووعي ذلك الكولونيل الاعمى، حيث البعد الفلسفي للاشياء، مواجهة بين العصابية والشفافية المفرطة.
دراسة في معنى الوجود.. دراسة في معنى المحافظة على القيم والتأكيد عليها، حيث الجامعة هي مكان القيم الحقيقية والتي يحرص ذلك الشاب المحافظة عليها، ويعمل الاعمى على دعمه لبلوغ ذلك المأرب.
وفي الفيلم مجموعة من المشهديات، ذات البعد الفلسفي، التي ما كان لها ان تتحقق لولا الاداء الرفيع والعالي المستوى للنجم الكبير آل باتشينو، وبالذات في مشهد الرقصة، التي تجمعه مع صبية شابة جميلة، جسدت الدور الممثلة غابرييلا انور ( ذات الاصول السورية).
وهناك ايضا مشهد محاولة انتحار الكولونيل وهو يرتدي بزته العسكرية الكاملة، وكانها موقف صريح من الحرب وويلاتها ونتائجها المدمرة..
وايضا مشهد قيادة الفيراري.
ثم يأتي المشهد الأهم، وهو المرافقة التي قام بها الكولونيل امام مجلس الجامعة، للدفاع عن الشاب الجامعي، حوار وأداء وقيم... لا يمكن اختصاره او تحليله بهذه العجالة، دروس كبيرة، ومعانٍ لا تحصد أو ترصد...
وقبل كل هذا أداء سخر لممثل أقل ما يمكن ان يقال عنه بانه «عبقري» مهتم شاهدتم ذلك العبقري في ذلك المشهد بالذات، والذي فاز عنه بالأوسكار.
تعابير انسانية لا يبلغها الا ممثل بكفاءة، واقتدار آل باتشينو.
انها ذات التعابير والقيم والمعاني، التي جعلت الكولونيل يرفض فكرة الانتحار، والتي دعته لان يدافع عن الشاب، لانه يؤمن بالقيم ويريد من يساعده للدفاع عنها.
تحفة سينمائية... تجعلنا حينما نذهب الى العوالم المتعددة التي يمتلكها «آل» نتوقف عندها دون سواه... رغم رصيده وانجازاته، كيف لا وهذا النجم بطل «العراب» و«سربيكيو» و«الوجه ذو الندبة» وكم ضخم من التحف.
ونعود لمسيرته...
في عام 1993 يقدم «طريقة كاريتو» ويأتي عام 1995 ليعود للقاء روبرت دونيرو، الذي كان قد التقاه في «العراب» ليجتمع معه في فيلم «هيت - الحرارة» اخراج مايكل مانن، وفي ذلك الفيلم مباراة أخرى في التمثيل، بل ان مايكل مانن، في مشهد اللقاء الأخير يترك الكاميرات لارتجالهما المتطور والذي يعمق معاني وقيم الفيلم.
ومن أعماله ايضا «محامي الشيطان» 1997 ثم «الداخلي مع او ليفرستون».وتمضي المسيرة والأعمال، وكل منهما يعمق قيمته ونهجه....
وتسألون عن الجوانب الشخصية، لمَ لا، لقد ظلت حياة هذا النجم تمتاز بالرصانة، له ابنة هي «جولي ماري» من مدرسة التمثيل الشهيرة جين تارانت، التي عاش معها أكثر من عشرة أعوام ايام الدراسة والعمل في ستديو الممثل.
كما انه عنده توأم مع صديقته بيفرلي دانجلو، وهو لا يكاد يفارقها منذ أكثر من عقدين.
كما ارتبط بعلاقة حب مع ديان كيتون ايام فيلم «العراب».
وتبقى الجوانب الشخصية، تظل دائما مقرونة بالرصانة، كرصانته في اختيار الشخصيات وتقديمها، وهو احد القلائل في هوليوود الذين لم يتزوجوا.
ونقترب أكثر...
في عام 1979، عرض فرانسيس فور كابولا على (آل) تقديم شخصية «كابتن ويلارد» في فيلم «أبو كاليبس ناو» التي قدمها مارتن شين لاحقا الا ان «آل» قال يومها.
أنا أذهب مع كابولا الى كل مكان يريده... الا الحرب.
لقد كان «آل» يمقت الحرب والحروب، ويعلن موقفه الرافض لكل الحروب، من فييتنام الى العراق.
وعلى صعيد المسرح، نذهب قليلا، لنشير الى انه ظل مرتبطا لسنوات طويلة مع مسرح دايفيد ويلر في بوسطن، ومعهم قدم مسرحيات «ريتشارد الثالث»، في بوسطن من ديسمبر 1972 الى يناير 1973 كما عمل مع «كورت تياتر» في نيويورك، ثم شارلز تياتر في بوسطن، ثم نيويورك ولندن وايضا لونج جراس تياتر في نيويورك 1977 كما عمل مع كبريات الفرق والشركات المسرحية، حصد أكبر عدد من الجوائز المسرحية، كأفضل ممثل دائما، وقلة الذين يعرفون انه يمتلك شركة انتاج تحمل اسم شال (Chal)
وهي اختصار لاسم صديقه شارلي لجنون (شا) واسمه (ال).
أقرب اصدقائه، هو الممثل جون غزال الذي درس معه في ستديو الممثل، ثم في «ظهر يوم لعين» 1975 و«العراب - 2» 1972 والعراب - 3» 1974، كما انه أحد القلائل في العالم، الذين ترشحوا للأوسكار عن الدور نفسه في فيلمين في «العراب» والعراب 2».
وعن زملاء المهنة يقول...
بالذات عن روبرت دونيرو، الذي يعتبره... «أهم ممثل في الكون» حيث يقول:
كيف سيكون فن التمثيل لو لم يكن روبرت دونيرو موجودا.؟
ممثل كبير، ونجم رائع، واحتراف عال المستوى، صفات من النادر ان تجتمع في شخص واحد، ثقافة عالية، وعمل دؤوب من أجل تطوير الحرفة، بالذات في المسرح والسينما، ولهذا تدين له حرفة التمثيل بكثير من الاحترام لما قدمه ويقدمه وما يؤكد عليه من معانٍ وقيم ابداعية عالية.
وسيظل العالم يتذكر له، تلك الصرخات التي يطلقها في جملة افلامه، والتي تجعل المشاهد يعتقد بان ما يشاهده حقيقة وليس تمثيلا، انها احدى الصفات التي يتفرد بها، «آل - حيث التقمص عنده يصل الى حد الذوبان التام في الشخصية... وهذا ما نلمسه بوضوح في أفلام «القتل المبرر» (2008) والبحث عن ريتشارد 1996 والحرارة 1995 و«عطر امرأة» 1992 وغيرها من الأفلام والشخصيات التي راحت كل منها تعمق جانبا من جوانب احتراف واقتدار هذا الفنان الذي حينما يذكر فن التمثيل يذكر اسمه... كيف لا وهو أحد أهم نجوم التمثيل بلا منازع في العالم.