السلام عليكم و رحمة الله
أهلا بيكم اعضاء و رواد منتدياتنا الأعزاء
أتيتكم اليوم بموضوع حول
دراسة |: المثقف العربي و المتغيرات |: ج3
--------------------------------------------------------------------------------
5 ـ إن صورة المواجهة القادمة بين أقوياء ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة، التي تجلت في مراحل ونتائج منها : الحرب الباردة ـ وحرب الخليج الثانية ـ واحتلال منابع النفط، والسيطرة على الطاقة والأسواق التجارية، لا سيما أسواق تجارة السلاح (، صورة تُحدد معالمها بالدرجة الأولى المقومات والاحتياجات الآتية :
ـ تأمين المصالح الرئيسة المتمثلة بالطاقة، لا سيما البترول، بالكميات والأسعار المطلوبة (9).
ـ تأمين الموارد البترولية اللازمة للتقدم الصناعي / إعادة الدولار البترولي إلى الولايات المتحدة الأميركية /.
ـ تأمين بعض النفوذ للحفاظ على الهيبة والمصالح والأسواق والهيمنة.
ـ المشاركة في القرار السياسي للآخرين : المالكين للقرار والمؤثرين فيه.
ـ الصراع الخفي لتوسيع دائرة المكاسب والمصالح، وتأمين السيطرة على الأسواق التجارية الواعدة (10)
ـ التوسع النسبي بامتلاك التَّقَانَة " التكنولوجيا " العالية، والتصنيع النووي، والقوة الاقتصادية.
ومن ذلك نستنتج أن الحروب القادمة سوف تكون حروباً اقتصاديه بالدرجة الأولى ـ ثقافية إعلامية بالدرجة الثانية ـ وتقوم قوة الردع في تلك الحروب على الأسلحة الاستراتيجية ( نووية وغير نووية) بالدرجة الأولى، وعلى الأسلحة التقليدية وذات القوة التدميرية العالية بالدرجة الثانية، ولكنها لا تستخدم إلاّ عند الضرورة. ومن أجل إبعاد شبح حرب بين الأقوياء بدأ تصنيع أعداء جدد، ورسم أهداف استراتيجية جديدة وخطط ذات بعد زمني مديد، ليتسنى للأقوياء الاستمرار في نهب الضعفاء أولاً، والتقليل من الاحتكاك المميت بين دوائر نفوذهم ثانياً؛ وإعادة ترتيب الأولويات في ضوء التعايش الفعال فيما بينهم، والاستمرار في خلق بؤر توتر وشياطين جدد، وأعداء مشتركين، تاريخيين أو غير تاريخيين، لتبقى هناك مسوّغات لترويج السلع السوداء، ولخلق مناخ تزدهر فيه تجارة الدم والسلاح والأسواق السود المرتفعة التكاليف من كل نوع. وكبعض المؤشرات على ذلك نذكر قول : دجرجيان مساعد وزير الخارجية الأميركي في 4/ 6/ 1993 إذ قال :" الإسلام هو الأيديولوجيا المعادية للغرب " غلاف مجلة الإيكونومست.
ولإبعاد شبح الحاجة والبطالة والتضخم والمجاعات والكوارث عنه، بدأ الغرب أو الشمال عموماً، بتأجيج صراعات والتسبب في خلق مشكلات وكوارث من أنواع مختلفة، وتشجيع أوضاع وتنفيذ خطط للقضاء على :
ـ القنابل السكانية المتفجرة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
ـ المزاحمة الاقتصادية الممكنة في بعض البلدان لا سيما اليابان ـ والنمور الأربعة ـ ( كوريا الجنوبية ـ تايوان ـ هونغ كونغ ـ ماليزيا.... الخ ). ومما لجأ إليه: ـ رفع وتائر تهديد الجوع والقهر والنهب المنظم، ليبيد الناس بعضهم بعضاَ، ولتنشأ صراعات مميتة، وكوارث تمحق غير الغربيين، ولا بأس، حسب وجهة نظرهم، من السكوت على انتشار الأمراض وتفشي أنواع البؤس ( على حد تعبير هنري لوبين اليميني الفرنسي مثلاً )، وذلك باللجوء إلى:
ـ تشديد الضغط على البلدان المتجهة نحو النمو، التي لا تستطيع تسديد فوائد ديونها للدول الغنية.
ـ نشر أشكال الفساد والانحلال الاجتماعي والخُلُقي .
ـ تخريب البيئة عن طريق دفن النفايات النووية، والتشجيع على قطع الغابات لسداد الديون، ونمو المرض والجهل، بهدف التخلص من أكبر قدر ممكن من البشر ما دام ذلك المد السكاني مستمراً بالانتشار.
ويمكن، من خلال قراءة الأرقام التالية، الوقوف على حالة العالم التي خلقها، أو تلك التي استمر في المحافظة عليها، النظام الذي يسمي نفسه عالمياً وجديداً.
* " يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1992 إلى أن 60% من سكان العالم يحصلون على 55، 5% من الدخل العالمي ويملكون 84ر4 % من التجارة العالمية. بينما يحصل خمس السكان في العالم على82,7% من الدخل العالمي وعلى 2،81%من التجارة العالمية وعلى 6، 94% من الإقراض التجاري. ويستهلك الشمال، حيث يوجد ربع سكان العالم فقط، يستهلك : 70% من طاقة العالم 75% من معادنه و 85% من أخشابه و 60% من غذائه " (11)
* " يبلغ دخل الفرد السنوي في دول الشمال 17000 دولاراً ولا يتجاوز دخل الفرد في البلدان النامية 340 دولاراً في العام " (12)
* "إن مجموع ديون البلدان النامية قفز من 650 مليار دولار عام 1980 إلى 1350 مليار دولار عام 1990 ولا تجد البلدان النامية سبيلاً إلى مقاومة أزمتها الاقتصادية سوى في تصدير السلع الأولية إلى دول الشمال التي لجأت بدورها إلى تخفيض الأسعار. وهكذا تقع الدول النامية في حلقة مفرغة فكلما ازدادت في دفع ديونها ازدادت هذه الديون " (13)
هذا فضلاً عن الأوضاع الناتجة عن استقطاب الطاقات العالمية وهجرة العقول وتفاقم الأوبئة والجوع والقهر في العالم المتفائل بالنمو.
6 ـ برزت بشكل جلي وفضَّاح ازدواجية المعايير والمكاييل في مجلس الأمن الدولي، ولدى الأقوياء الغربيين المسيطرين عليه، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وسوف أتوسع قليلاً في هذه النقطة لأنها أكثر ما يكشف حقيقة ما يسمى " النظام العالمي الجديد " وتوجهاته، وحقائق المتغيرات الدولية وانعكاساتها على العرب، وعلى الصراع العربي الصهيوني، والقضية الفلسطينية، وما يتصل بالأمة العربية والعالمين العربي الإسلامي بشكل عام.
لقد كان الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، منحازاً دائماً إلى جانب "إسرائيل"، وقد عمل ضد العرب بانحياز واضح، منذ أن فكرت بريطانيا في الأربعينيات من القرن الماضي بإنشاء كيان صهيوني في الوطن العربي، واستمر هذا الأمر إبّان فترة الاستعمار المباشر وبعدها. وحين أقيم الكيان الصهيوني رسمياً، على أرض فلسطين باعتراف دولي في الأمم المتحدة، كان الغرب يتسابق مع الشرق / الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خاصة/ لدعم ذلك الكيان، وكان كل من الشرق والغرب يتطلع إلى أن يكون ذلك الكيان أداته لتأمين أهدافه وسياساته ومصالحه وتطلعاته وأحلامه. ومنذ عام 1948 لم تحترم ""إسرائيل"" قراراً دولياً واحداً صدر عن الأمم المتحدة، ولم تنفذ شيئاً مما طلب إليها أن تنفذه، واستمر هذا الوضع مع استمرار حماية الغرب لها وتصاعد تلك الحماية، إلى أن أصبح كل قرار يصدر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة معروفة نتيجته مسبقاً، ومعروف موقف الولايات المتحدة الأميركية بالذات منه: فهي ضد العرب، وهي متعهدة تعهداً تاماً بحماية "إسرائيل" من القرارات " المؤذية "، ومتعهدة بحمايتها من تنفيذ أي قرار دولي ضدها، فضلاً عن استخدامها المستمر لحق النقض " الفيتو" لصالح "إسرائيل"؛ ونادراً ما استخدم قرار نقض من أية دولة ما، من الدول التي تتمتع بذلك الحق في مجلس الأمن الدولي لمصلحة العرب، وربما كان ذلك لأنهم كانوا دائماً يتقدمون بالشكاوى ويقفون على أبواب المنظمة الدولية ومجلس الأمن طالبين الإنصاف وتنفيذ القرارات ورفع العدوان والكف عن العبث بمقدَّراتهم، ومجلس الأمن مع الأقوياء وليس مع الضعفاء.
في 24/ 11/ 1953 صدر أول قرار إدانة لإسرائيل هو القرار رقم 101 " يحمل استنكاراً شديداً " لهجوم "إسرائيل" على قِبْيةَ وتوالت القرارات منذ ذلك التاريخ :
106 ـ 111 ـ 127 ـ 162 ـ 171 ـ 228 ـ 237 ـ 248 ـ 250 ـ 251 ـ 256 ـ 259 ـ 262 ـ265 ـ 267 ـ 270 ـ 271 ـ 279 ـ 280 ـ 285 ـ 298 ـ 313 ـ 316 ـ 317ـ 332ـ 337 ـ 425 ـ 427 ـ 444 ـ 446 ـ 450 ـ 452 ـ 465 ـ 467 ـ 468 ـ 469 ـ 471 ـ 476 ـ 478 ـ 484 ـ 487 ـ 497 ـ 498 ـ 501 ـ 509 ـ 515 ـ 517 ـ 518 ـ 520 ـ 573 ـ 587 ـ 592 ـ 607 ـ 608 ـ 636 ـ 641 ـ 672 ـ673ـ 681 ـ 694 ـ 726 ـ 799 .
إضافة إلى القرارين الشهيرين /242 ـ 338/ وهناك قرارات من بينها وافقت عليها الولايات المتحدة الأميركية ولكن أياً من هذه القرارات الـ 70/ الصادرة عن مجلس الأمن، والقرارت الصادرة قبل عام 1953 ابتداء من القرار 181/ لعام 1947 مروراً بالقرار 194 الذي ينص على حق العودة وعشرات القرارات الأخرى، أقول إن أيّاً من هذه القرارات لم ينفذ؛ ولم يصدر بحق "إسرائيل" قرار واحد على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لأن ذلك قد يقود إلى تنفيذ القرارات بالقوة الدولية ويجيز فرض عقوبات على من لا يحترم تنفيذها. وقد قامت الولايات المتحدة الأميركية باستخدام حق النقض " الفيتو" /30/ مرة لمنع اتخاذ قرارت إدانة شديدة " لإسرائيل " في مجلس الأمن. وقد منعت عرض موضوع المبعدين على مجلس الأمن بعد امتناع "إسرائيل" عن تنفيذ القرار 799 وفرضت على المعنيين صفقتها المعروفة مع "إسرائيل" حول هذا الموضوع، وقضت على القرار تماماً، وربما تم ذلك بتواطؤ بعض العرب معها، لتحقيق مكاسب أمنية وأهداف سياسية ضيقة، ولتنفيذ اتفاقيات هزيلة كانت تطبخ سراً في أوسلو كان من نتيجتها التصريحات والتحركات التالية، بعد أن ألغت الولايات المتحدة الأميركية قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية، وذلك بعد انعقاد مؤتمر مدريد :
ـ فقد صرح مايكل ماكوري، المتحدث باسم الخارجية الأميركية في 17 ـ 18 / 9/ 1993 بما يأتي : " إن الوقت قد حان لنرى إذا كانت هناك قرارات للأمم المتحدة تتضمن أشياء مكدرة بحق "إسرائيل" يمكن إلغاؤها وتعليقها " عن السفير 18/9/ 1993 صـ 1.
ـ ثم صرح الرئيس كلينتون بما يأتي : " إن السلام في تلك المنطقة، والمعزز كما يجب، من خلال إلغاء قرارات الأمم المتحدة القديمة، سيساعد على إطلاق الإمكانيات الاقتصادية الضخمة في تلك المنطقة، وسيهدئ أحد المصادر الدائمة للتوتر في الشؤون الدولية " عن السفير في 28/ 9/ 1993 صـ 11.
ـ وبوحي من ذلك، وتحت تأثيره وبدافع منه، عملت لجنة، شارك فيها: أميركيون، وإسرائيليون وفلسطينيون ومصريون على إلغاء /31/ قراراً للهيئة الدولية صدرت بحق "إسرائيل" جراء ممارسات بشعة قامت بها، وتم اتخاذ قرار من الهيئة الدولية بذلك. ونحن نلاحظ هنا إلى أي مدى يبلغ حرص الأميركيين على غسل ذاكرة الشعوب وتنظيف التاريخ من أية إدانات " لإسرائيل"، بينما يبقى الاتهام المفتعل بالإرهاب وممارسة العنف ـ أي مقاومة الاحتلال وهو أمر مشروع ـ مما يُلاحَق به العرب.
لقد كانت الولايات المتحدة الأميركية تدّعي أنها باتخاذها تلك المواقف في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة تبطِل محاولات الاتحاد السوفييتي نصرة حلفائه من العرب في أثناء الحرب الباردة، ولكنها على الرغم من وجود أصدقاء وحلفاء لها من العرب فإنها لم تنصرهم يوماً في قضية فلسطين ولو بقرار واحد ضد "إسرائيل"، اللهم إلاّ إذا كان أي من العرب لم يطالبها جدياً بذلك أو منعها من اتخاذ مثل ذلك الموقف؟! ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وغياب المنافس، لماذا بقيت الولايات المتحدة الأميركية على مناصرتها العمياء " لإسرائيل "، وحقدها المطلق على بعض العرب ؟! وفي وضع صارخ مثل وضع الحصار المفروض على الشعب العربي في العراق، والشعب العربي في ليبيا، نرى أن الولايات المتحدة قادت مجلس الأمن وفرضت عليه اتخاذ قرارات لا مثيل لها في تاريخه، وفرضت نصوص تلك القرارات، التي جاءت على أساس الفصل السابع من الميثاق، وسارعت إلى تنفيذ العقوبات وملاحقة تنفيذها بصرامة لا مثيل لها، ومثابرة وتقصّد للإذلال؛ وتابعت تهديد كل من يحاول التفكير في طرح موضوع رفع الحصار عن الشعب العربي في البلدين. وفي حالتي : حادث مثل لوكربي وحادث الطائرة الفرنسية، اللذين يُزعم أن الجماهيرية وراء إسقاط الطائرتين فيهما، نفذت القرارات على الجماهيرية تماماً، ويطلب اليوم زيادة العقوبات إلى حدود فرض مقاطعة على صادرات ليبيا من البترول؛ ولكن حوادث أخرى منها اختطاف "إسرائيل" لطائرتين عربيتين " ليبية وسورية "، وإسقاطها عمداً لطائرة ركاب ليبية وقتل جميع من فيها، في إطار ممارسة صريحة ومفضوحة لإرهاب الدولة، فإن الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً، بل باركت ذلك و سكتت عليه، ولم يتحرك مجلس الأمن لاتخاذ قرارات صارمة بشأن ذلك.
وكأنَّ إرهاب دولة "إسرائيل" أمرٌ مشروع لأنه يوافق المصالح الأميركية والغربية، ودفاع العرب عن أنفسهم أمر يخرج عن نطاق الشرعية الدولية لأنه يبقي للعرب حضوراً ما، والولايات المتحدة الأميركية لا تريد لهم ذلك الحضور لأن "إسرائيل" لا تريده ولا تطيقه وأميركا تنفِّذ لـ "إسرائيل" ما تريد. وإذا أخذنا حوادث القتل اليومي المستمر في فلسطين المحتلة، أو أخذنا الأوضاع المأساوية في لبنان، أو أخذنا القرار 425 القاضي بانسحاب "إسرائيل" الفوري من جنوب لبنان، أو القرار 799 القاضي بعودة المبعدين من مرج الزهور إلى ديارهم، نجد أن الدور الأميركي يمثل تواطؤاً لا نظير له ضد من أتى القرار لصالحهم، ويتواطأ ضد حقوق الإنسان التي تدعي الإدارات الأميركية المتعاقبة أنها تحافظ عليها؛ لا سيما في نطاق " النظام العالمي الجديد " الذي تصنعه وتقوده وتدعيه (؟!) ويصدق في هذه الحالة قول بول فندلي في كتابه " الخداع" : " إن ما يطغى على جميع التحديات على الرغم من من أهميتها، هو انتهاك "إسرائيل" المستمر لحقوق الإنسان العربي، وتواطؤ الولايات المتحدة مع هذه الممارسات ونفاقها فيما يتعلق بها " (14).
والولايات المتحدة الأميركية تزعم أنها : قائد للنظام العالمي الجديد وصانع له، وبهذه الصفة تحافظ أولاً على حقوق الإنسان وثانياً على الديمقراطية؛ ولكن يبدو أنها لا تحافظ إلاّ على مصالحها، ومصالح "إسرائيل" الحليف الاستراتيجي لها، ذلك لأنها، حقاً وفعلاً، لا تحترم حقوق الإنسان، وتزيّف الديمقراطية، وتكيل بأكثر من مكيال، ولا تحترم القيم الخلقية في العلاقات الدولية؛ وهي على استعداد للاستمرار في نهب الشعوب وتدميرها، وإفساد البيئة والمناخ والحياة، تحت اسم التقدم والمصلحة العليا لأميركا والغرب، وتحت شعارات إنسانية في بعض الحالات؟.
إن الولايات المتحدة الأميركية قالت في حرب الخليج الثانية على لسان الرئيس جورج بوش : "ليس هناك في العالم المتمدن مكان للقهر والإرهاب". ويبدو أنها تقول ذلك بجدية مطلقة، ولكن العالم المتمدن بالنسبة لها هو الغرب وإسرائيل فقط؛ أمّا الآخرون فبهائم الأرض تجوز إبادتهم، حسب المفهوم العنصري الذي يتبناه الصهاينة والمتصهينون في الغرب. ذلك أنه حين تمارس "إسرائيل" القهر والإرهاب المنظَّمَين ضد العرب، وتقوم بتدمير البيوت والأجساد والآمال، وتسكت أميركا على ذلك أو قد تباركه، فذلك يغدو فعلاً مشروعاً بنظر الغرب، لأنه لا يتم ضد العالم المتمدن الذي هو هم وحدهم، وإنما يتم ضد آخرين خارج دائرة الأنسنة بالمفهوم الغربي لها. ؟!
أهلا بيكم اعضاء و رواد منتدياتنا الأعزاء
أتيتكم اليوم بموضوع حول
دراسة |: المثقف العربي و المتغيرات |: ج3
--------------------------------------------------------------------------------
5 ـ إن صورة المواجهة القادمة بين أقوياء ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة، التي تجلت في مراحل ونتائج منها : الحرب الباردة ـ وحرب الخليج الثانية ـ واحتلال منابع النفط، والسيطرة على الطاقة والأسواق التجارية، لا سيما أسواق تجارة السلاح (، صورة تُحدد معالمها بالدرجة الأولى المقومات والاحتياجات الآتية :
ـ تأمين المصالح الرئيسة المتمثلة بالطاقة، لا سيما البترول، بالكميات والأسعار المطلوبة (9).
ـ تأمين الموارد البترولية اللازمة للتقدم الصناعي / إعادة الدولار البترولي إلى الولايات المتحدة الأميركية /.
ـ تأمين بعض النفوذ للحفاظ على الهيبة والمصالح والأسواق والهيمنة.
ـ المشاركة في القرار السياسي للآخرين : المالكين للقرار والمؤثرين فيه.
ـ الصراع الخفي لتوسيع دائرة المكاسب والمصالح، وتأمين السيطرة على الأسواق التجارية الواعدة (10)
ـ التوسع النسبي بامتلاك التَّقَانَة " التكنولوجيا " العالية، والتصنيع النووي، والقوة الاقتصادية.
ومن ذلك نستنتج أن الحروب القادمة سوف تكون حروباً اقتصاديه بالدرجة الأولى ـ ثقافية إعلامية بالدرجة الثانية ـ وتقوم قوة الردع في تلك الحروب على الأسلحة الاستراتيجية ( نووية وغير نووية) بالدرجة الأولى، وعلى الأسلحة التقليدية وذات القوة التدميرية العالية بالدرجة الثانية، ولكنها لا تستخدم إلاّ عند الضرورة. ومن أجل إبعاد شبح حرب بين الأقوياء بدأ تصنيع أعداء جدد، ورسم أهداف استراتيجية جديدة وخطط ذات بعد زمني مديد، ليتسنى للأقوياء الاستمرار في نهب الضعفاء أولاً، والتقليل من الاحتكاك المميت بين دوائر نفوذهم ثانياً؛ وإعادة ترتيب الأولويات في ضوء التعايش الفعال فيما بينهم، والاستمرار في خلق بؤر توتر وشياطين جدد، وأعداء مشتركين، تاريخيين أو غير تاريخيين، لتبقى هناك مسوّغات لترويج السلع السوداء، ولخلق مناخ تزدهر فيه تجارة الدم والسلاح والأسواق السود المرتفعة التكاليف من كل نوع. وكبعض المؤشرات على ذلك نذكر قول : دجرجيان مساعد وزير الخارجية الأميركي في 4/ 6/ 1993 إذ قال :" الإسلام هو الأيديولوجيا المعادية للغرب " غلاف مجلة الإيكونومست.
ولإبعاد شبح الحاجة والبطالة والتضخم والمجاعات والكوارث عنه، بدأ الغرب أو الشمال عموماً، بتأجيج صراعات والتسبب في خلق مشكلات وكوارث من أنواع مختلفة، وتشجيع أوضاع وتنفيذ خطط للقضاء على :
ـ القنابل السكانية المتفجرة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
ـ المزاحمة الاقتصادية الممكنة في بعض البلدان لا سيما اليابان ـ والنمور الأربعة ـ ( كوريا الجنوبية ـ تايوان ـ هونغ كونغ ـ ماليزيا.... الخ ). ومما لجأ إليه: ـ رفع وتائر تهديد الجوع والقهر والنهب المنظم، ليبيد الناس بعضهم بعضاَ، ولتنشأ صراعات مميتة، وكوارث تمحق غير الغربيين، ولا بأس، حسب وجهة نظرهم، من السكوت على انتشار الأمراض وتفشي أنواع البؤس ( على حد تعبير هنري لوبين اليميني الفرنسي مثلاً )، وذلك باللجوء إلى:
ـ تشديد الضغط على البلدان المتجهة نحو النمو، التي لا تستطيع تسديد فوائد ديونها للدول الغنية.
ـ نشر أشكال الفساد والانحلال الاجتماعي والخُلُقي .
ـ تخريب البيئة عن طريق دفن النفايات النووية، والتشجيع على قطع الغابات لسداد الديون، ونمو المرض والجهل، بهدف التخلص من أكبر قدر ممكن من البشر ما دام ذلك المد السكاني مستمراً بالانتشار.
ويمكن، من خلال قراءة الأرقام التالية، الوقوف على حالة العالم التي خلقها، أو تلك التي استمر في المحافظة عليها، النظام الذي يسمي نفسه عالمياً وجديداً.
* " يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1992 إلى أن 60% من سكان العالم يحصلون على 55، 5% من الدخل العالمي ويملكون 84ر4 % من التجارة العالمية. بينما يحصل خمس السكان في العالم على82,7% من الدخل العالمي وعلى 2،81%من التجارة العالمية وعلى 6، 94% من الإقراض التجاري. ويستهلك الشمال، حيث يوجد ربع سكان العالم فقط، يستهلك : 70% من طاقة العالم 75% من معادنه و 85% من أخشابه و 60% من غذائه " (11)
* " يبلغ دخل الفرد السنوي في دول الشمال 17000 دولاراً ولا يتجاوز دخل الفرد في البلدان النامية 340 دولاراً في العام " (12)
* "إن مجموع ديون البلدان النامية قفز من 650 مليار دولار عام 1980 إلى 1350 مليار دولار عام 1990 ولا تجد البلدان النامية سبيلاً إلى مقاومة أزمتها الاقتصادية سوى في تصدير السلع الأولية إلى دول الشمال التي لجأت بدورها إلى تخفيض الأسعار. وهكذا تقع الدول النامية في حلقة مفرغة فكلما ازدادت في دفع ديونها ازدادت هذه الديون " (13)
هذا فضلاً عن الأوضاع الناتجة عن استقطاب الطاقات العالمية وهجرة العقول وتفاقم الأوبئة والجوع والقهر في العالم المتفائل بالنمو.
6 ـ برزت بشكل جلي وفضَّاح ازدواجية المعايير والمكاييل في مجلس الأمن الدولي، ولدى الأقوياء الغربيين المسيطرين عليه، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وسوف أتوسع قليلاً في هذه النقطة لأنها أكثر ما يكشف حقيقة ما يسمى " النظام العالمي الجديد " وتوجهاته، وحقائق المتغيرات الدولية وانعكاساتها على العرب، وعلى الصراع العربي الصهيوني، والقضية الفلسطينية، وما يتصل بالأمة العربية والعالمين العربي الإسلامي بشكل عام.
لقد كان الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، منحازاً دائماً إلى جانب "إسرائيل"، وقد عمل ضد العرب بانحياز واضح، منذ أن فكرت بريطانيا في الأربعينيات من القرن الماضي بإنشاء كيان صهيوني في الوطن العربي، واستمر هذا الأمر إبّان فترة الاستعمار المباشر وبعدها. وحين أقيم الكيان الصهيوني رسمياً، على أرض فلسطين باعتراف دولي في الأمم المتحدة، كان الغرب يتسابق مع الشرق / الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خاصة/ لدعم ذلك الكيان، وكان كل من الشرق والغرب يتطلع إلى أن يكون ذلك الكيان أداته لتأمين أهدافه وسياساته ومصالحه وتطلعاته وأحلامه. ومنذ عام 1948 لم تحترم ""إسرائيل"" قراراً دولياً واحداً صدر عن الأمم المتحدة، ولم تنفذ شيئاً مما طلب إليها أن تنفذه، واستمر هذا الوضع مع استمرار حماية الغرب لها وتصاعد تلك الحماية، إلى أن أصبح كل قرار يصدر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة معروفة نتيجته مسبقاً، ومعروف موقف الولايات المتحدة الأميركية بالذات منه: فهي ضد العرب، وهي متعهدة تعهداً تاماً بحماية "إسرائيل" من القرارات " المؤذية "، ومتعهدة بحمايتها من تنفيذ أي قرار دولي ضدها، فضلاً عن استخدامها المستمر لحق النقض " الفيتو" لصالح "إسرائيل"؛ ونادراً ما استخدم قرار نقض من أية دولة ما، من الدول التي تتمتع بذلك الحق في مجلس الأمن الدولي لمصلحة العرب، وربما كان ذلك لأنهم كانوا دائماً يتقدمون بالشكاوى ويقفون على أبواب المنظمة الدولية ومجلس الأمن طالبين الإنصاف وتنفيذ القرارات ورفع العدوان والكف عن العبث بمقدَّراتهم، ومجلس الأمن مع الأقوياء وليس مع الضعفاء.
في 24/ 11/ 1953 صدر أول قرار إدانة لإسرائيل هو القرار رقم 101 " يحمل استنكاراً شديداً " لهجوم "إسرائيل" على قِبْيةَ وتوالت القرارات منذ ذلك التاريخ :
106 ـ 111 ـ 127 ـ 162 ـ 171 ـ 228 ـ 237 ـ 248 ـ 250 ـ 251 ـ 256 ـ 259 ـ 262 ـ265 ـ 267 ـ 270 ـ 271 ـ 279 ـ 280 ـ 285 ـ 298 ـ 313 ـ 316 ـ 317ـ 332ـ 337 ـ 425 ـ 427 ـ 444 ـ 446 ـ 450 ـ 452 ـ 465 ـ 467 ـ 468 ـ 469 ـ 471 ـ 476 ـ 478 ـ 484 ـ 487 ـ 497 ـ 498 ـ 501 ـ 509 ـ 515 ـ 517 ـ 518 ـ 520 ـ 573 ـ 587 ـ 592 ـ 607 ـ 608 ـ 636 ـ 641 ـ 672 ـ673ـ 681 ـ 694 ـ 726 ـ 799 .
إضافة إلى القرارين الشهيرين /242 ـ 338/ وهناك قرارات من بينها وافقت عليها الولايات المتحدة الأميركية ولكن أياً من هذه القرارات الـ 70/ الصادرة عن مجلس الأمن، والقرارت الصادرة قبل عام 1953 ابتداء من القرار 181/ لعام 1947 مروراً بالقرار 194 الذي ينص على حق العودة وعشرات القرارات الأخرى، أقول إن أيّاً من هذه القرارات لم ينفذ؛ ولم يصدر بحق "إسرائيل" قرار واحد على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لأن ذلك قد يقود إلى تنفيذ القرارات بالقوة الدولية ويجيز فرض عقوبات على من لا يحترم تنفيذها. وقد قامت الولايات المتحدة الأميركية باستخدام حق النقض " الفيتو" /30/ مرة لمنع اتخاذ قرارت إدانة شديدة " لإسرائيل " في مجلس الأمن. وقد منعت عرض موضوع المبعدين على مجلس الأمن بعد امتناع "إسرائيل" عن تنفيذ القرار 799 وفرضت على المعنيين صفقتها المعروفة مع "إسرائيل" حول هذا الموضوع، وقضت على القرار تماماً، وربما تم ذلك بتواطؤ بعض العرب معها، لتحقيق مكاسب أمنية وأهداف سياسية ضيقة، ولتنفيذ اتفاقيات هزيلة كانت تطبخ سراً في أوسلو كان من نتيجتها التصريحات والتحركات التالية، بعد أن ألغت الولايات المتحدة الأميركية قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية، وذلك بعد انعقاد مؤتمر مدريد :
ـ فقد صرح مايكل ماكوري، المتحدث باسم الخارجية الأميركية في 17 ـ 18 / 9/ 1993 بما يأتي : " إن الوقت قد حان لنرى إذا كانت هناك قرارات للأمم المتحدة تتضمن أشياء مكدرة بحق "إسرائيل" يمكن إلغاؤها وتعليقها " عن السفير 18/9/ 1993 صـ 1.
ـ ثم صرح الرئيس كلينتون بما يأتي : " إن السلام في تلك المنطقة، والمعزز كما يجب، من خلال إلغاء قرارات الأمم المتحدة القديمة، سيساعد على إطلاق الإمكانيات الاقتصادية الضخمة في تلك المنطقة، وسيهدئ أحد المصادر الدائمة للتوتر في الشؤون الدولية " عن السفير في 28/ 9/ 1993 صـ 11.
ـ وبوحي من ذلك، وتحت تأثيره وبدافع منه، عملت لجنة، شارك فيها: أميركيون، وإسرائيليون وفلسطينيون ومصريون على إلغاء /31/ قراراً للهيئة الدولية صدرت بحق "إسرائيل" جراء ممارسات بشعة قامت بها، وتم اتخاذ قرار من الهيئة الدولية بذلك. ونحن نلاحظ هنا إلى أي مدى يبلغ حرص الأميركيين على غسل ذاكرة الشعوب وتنظيف التاريخ من أية إدانات " لإسرائيل"، بينما يبقى الاتهام المفتعل بالإرهاب وممارسة العنف ـ أي مقاومة الاحتلال وهو أمر مشروع ـ مما يُلاحَق به العرب.
لقد كانت الولايات المتحدة الأميركية تدّعي أنها باتخاذها تلك المواقف في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة تبطِل محاولات الاتحاد السوفييتي نصرة حلفائه من العرب في أثناء الحرب الباردة، ولكنها على الرغم من وجود أصدقاء وحلفاء لها من العرب فإنها لم تنصرهم يوماً في قضية فلسطين ولو بقرار واحد ضد "إسرائيل"، اللهم إلاّ إذا كان أي من العرب لم يطالبها جدياً بذلك أو منعها من اتخاذ مثل ذلك الموقف؟! ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وغياب المنافس، لماذا بقيت الولايات المتحدة الأميركية على مناصرتها العمياء " لإسرائيل "، وحقدها المطلق على بعض العرب ؟! وفي وضع صارخ مثل وضع الحصار المفروض على الشعب العربي في العراق، والشعب العربي في ليبيا، نرى أن الولايات المتحدة قادت مجلس الأمن وفرضت عليه اتخاذ قرارات لا مثيل لها في تاريخه، وفرضت نصوص تلك القرارات، التي جاءت على أساس الفصل السابع من الميثاق، وسارعت إلى تنفيذ العقوبات وملاحقة تنفيذها بصرامة لا مثيل لها، ومثابرة وتقصّد للإذلال؛ وتابعت تهديد كل من يحاول التفكير في طرح موضوع رفع الحصار عن الشعب العربي في البلدين. وفي حالتي : حادث مثل لوكربي وحادث الطائرة الفرنسية، اللذين يُزعم أن الجماهيرية وراء إسقاط الطائرتين فيهما، نفذت القرارات على الجماهيرية تماماً، ويطلب اليوم زيادة العقوبات إلى حدود فرض مقاطعة على صادرات ليبيا من البترول؛ ولكن حوادث أخرى منها اختطاف "إسرائيل" لطائرتين عربيتين " ليبية وسورية "، وإسقاطها عمداً لطائرة ركاب ليبية وقتل جميع من فيها، في إطار ممارسة صريحة ومفضوحة لإرهاب الدولة، فإن الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً، بل باركت ذلك و سكتت عليه، ولم يتحرك مجلس الأمن لاتخاذ قرارات صارمة بشأن ذلك.
وكأنَّ إرهاب دولة "إسرائيل" أمرٌ مشروع لأنه يوافق المصالح الأميركية والغربية، ودفاع العرب عن أنفسهم أمر يخرج عن نطاق الشرعية الدولية لأنه يبقي للعرب حضوراً ما، والولايات المتحدة الأميركية لا تريد لهم ذلك الحضور لأن "إسرائيل" لا تريده ولا تطيقه وأميركا تنفِّذ لـ "إسرائيل" ما تريد. وإذا أخذنا حوادث القتل اليومي المستمر في فلسطين المحتلة، أو أخذنا الأوضاع المأساوية في لبنان، أو أخذنا القرار 425 القاضي بانسحاب "إسرائيل" الفوري من جنوب لبنان، أو القرار 799 القاضي بعودة المبعدين من مرج الزهور إلى ديارهم، نجد أن الدور الأميركي يمثل تواطؤاً لا نظير له ضد من أتى القرار لصالحهم، ويتواطأ ضد حقوق الإنسان التي تدعي الإدارات الأميركية المتعاقبة أنها تحافظ عليها؛ لا سيما في نطاق " النظام العالمي الجديد " الذي تصنعه وتقوده وتدعيه (؟!) ويصدق في هذه الحالة قول بول فندلي في كتابه " الخداع" : " إن ما يطغى على جميع التحديات على الرغم من من أهميتها، هو انتهاك "إسرائيل" المستمر لحقوق الإنسان العربي، وتواطؤ الولايات المتحدة مع هذه الممارسات ونفاقها فيما يتعلق بها " (14).
والولايات المتحدة الأميركية تزعم أنها : قائد للنظام العالمي الجديد وصانع له، وبهذه الصفة تحافظ أولاً على حقوق الإنسان وثانياً على الديمقراطية؛ ولكن يبدو أنها لا تحافظ إلاّ على مصالحها، ومصالح "إسرائيل" الحليف الاستراتيجي لها، ذلك لأنها، حقاً وفعلاً، لا تحترم حقوق الإنسان، وتزيّف الديمقراطية، وتكيل بأكثر من مكيال، ولا تحترم القيم الخلقية في العلاقات الدولية؛ وهي على استعداد للاستمرار في نهب الشعوب وتدميرها، وإفساد البيئة والمناخ والحياة، تحت اسم التقدم والمصلحة العليا لأميركا والغرب، وتحت شعارات إنسانية في بعض الحالات؟.
إن الولايات المتحدة الأميركية قالت في حرب الخليج الثانية على لسان الرئيس جورج بوش : "ليس هناك في العالم المتمدن مكان للقهر والإرهاب". ويبدو أنها تقول ذلك بجدية مطلقة، ولكن العالم المتمدن بالنسبة لها هو الغرب وإسرائيل فقط؛ أمّا الآخرون فبهائم الأرض تجوز إبادتهم، حسب المفهوم العنصري الذي يتبناه الصهاينة والمتصهينون في الغرب. ذلك أنه حين تمارس "إسرائيل" القهر والإرهاب المنظَّمَين ضد العرب، وتقوم بتدمير البيوت والأجساد والآمال، وتسكت أميركا على ذلك أو قد تباركه، فذلك يغدو فعلاً مشروعاً بنظر الغرب، لأنه لا يتم ضد العالم المتمدن الذي هو هم وحدهم، وإنما يتم ضد آخرين خارج دائرة الأنسنة بالمفهوم الغربي لها. ؟!