مفهوم الإسلام و تعريفه
د. علي بن عمر بادحدح
الدعوة هي بيان الإسلام وتبليغه والتدليل على ربانيته وكماله وإظهار محاسنه. والإسلام هو جوهر الدعوة ومنهجها وغايتها ومن هنا فلا بد من معرفته وفهمه، فالإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك. وهذه الكلمات تعلمناها وحفظناها صغاراً، والحقيقة أن تأملها واستيعابها يمثل قاعدة إيمانية وقناعة فكرية ووجداناً قلبياً وتسليماً نفسياً وإذعاناً سلوكياً، إن دلالة هذه الكلمات هي الخضوع الإنساني التام للإله الواحد، والإتباع المطلق لشريعته وأحكامه، وذلك يعني أن يكون الإنسان المسلم خاضعاً للخالق المدبر كما خضع الكون كله في كواكبه السائرة ونجومه الزاهرة { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون } إنه « لا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينته باله وصلاح حاله من الرجوع إلى منهج الله في ذات نفسه وفي نظام حياته وفي منهج مجتمعه، ليتناسق مع النظام الكوني كله» ذلك النظام الذي انتظم في الإسلام والاستسلام والخضوع للقدرة الإلهية والتسخير الرباني، « والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع الكون، مسلمة لربها إسلام كل شيء وكل حي فحين يخرج الإنسان بنظام حياته عن ذلك الناموس لا يصطدم مع الكون فحسب، إنما يصدم بفطرته التي بين جنبه فيشقى ويتمزق، ويحتار ويقلق » [ الظلال 1/421،422] .
وهذا الفهم مهم لقوة اعتقاد المسلم وتشبثه بإسلامه لأنه يدرك أن يتوافق بالاستسلام والخضوع مع الكون كله. ومن تمام الفهم اليقين بأن الإسلام دين الله جل وعلا.
{إن الدين عند الله الإسلام} قال الرازي في تفسيره (7/225): « وأما الإسلام ففي معناه في أصل اللغة ثلاثة أوجه : الأول: أنه عبارة عن الدخول في الإسلام أي في الانقياد والمتابعة قال تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم} أي من صار منقاداً لكم ومتابعاً لكم ، والثاني : من أسلم أي دخل في السلم كقولهم: أسني وأقحط واصل قولهم السلم والسلامة ، والثالث لابن الأنباري : المسلم معناه المخلص لله في عبادته من قولهم سلم الشيء لفلان أي خلص له فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى » .
وهذا يظهر أن الانقياد لأمر الله ومع التسلم التام هو الدين عند الله، وهو الذي ارتضاه، وهو دين المرسلين من لدن نوح عليه السلام الذي قال لقومه: {أمرت أن أكون من المسلمين} ومروراً بإبراهيم الذي قال: {وأنا أول المسلمين} وكذا سائر الأنبياء والمرسلين وإيضاحاً لاشتمال الإسلام على جملة تلك المعاني نمضي مع ابن تيمية في كلماته الجامعة المانعة حيث يقول عن الإسلام : « وهو يجمع معنيين أحدهما: الانقياد الاستسلام، والثاني: إخلاص ذلك وإفراده، وعنوانه قوله: (لا إله إلا الله) وله معنيان أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، والثالث: اختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والشرعة والمنهاج، وهو الشريعة والطريقة، وله مرتبتان: إحداهما من القول والعمل: وهي المباني الأركان الخمسة.
والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقاً للباطن، وهذا أعم من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، وبالتفسير الثاني يقال {إن الدين عند الله الإسلام} » [ مجموع الفتاوي 7/239،235 ] .
وبهذا الفهم تتسع الدائرة من حيث المعنى، فمن موافقة الكون في الاستسلام، تأتي موافقة صفوة الخلق من الرسل والأنبياء في هذا الإسلام والاستسلام، فيغدو المسلم منسجماً مع فطرته متوافقاً مع الكون، ثم يكون امتداداً لسلسة نورانية من الرسل وأتباع الرسل، فهم عريق في النسب الديني، وجذوره ضاربة في أعماق التاريخ، وفكرة ومعتقده مستبدل للنبوات، ومؤمن بالأنبياء، ومستيقن بتوحيدهم في التوحيد وسلامتهم بالإسلام.
{قولوا آمنا بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} فهو إذاً مستبطن لكل الديانات وجميع الشرائع باعتبار إيمانها برسلها واعتقاده بإسلامها وإن لم يعرف تفاصيل تشريعاتها، وهذا يجعله أحق بهؤلاء الرسل والأنبياء من أتباعهم الذين، حرفوا وبدلوا، أو قدسوا وألهموا، أو غدروا أو قتلوا، وهو بذلك درة الكائنات، ومقدم المخلوقات، ووارث الرسالات .
د. علي بن عمر بادحدح
الدعوة هي بيان الإسلام وتبليغه والتدليل على ربانيته وكماله وإظهار محاسنه. والإسلام هو جوهر الدعوة ومنهجها وغايتها ومن هنا فلا بد من معرفته وفهمه، فالإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك. وهذه الكلمات تعلمناها وحفظناها صغاراً، والحقيقة أن تأملها واستيعابها يمثل قاعدة إيمانية وقناعة فكرية ووجداناً قلبياً وتسليماً نفسياً وإذعاناً سلوكياً، إن دلالة هذه الكلمات هي الخضوع الإنساني التام للإله الواحد، والإتباع المطلق لشريعته وأحكامه، وذلك يعني أن يكون الإنسان المسلم خاضعاً للخالق المدبر كما خضع الكون كله في كواكبه السائرة ونجومه الزاهرة { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون } إنه « لا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينته باله وصلاح حاله من الرجوع إلى منهج الله في ذات نفسه وفي نظام حياته وفي منهج مجتمعه، ليتناسق مع النظام الكوني كله» ذلك النظام الذي انتظم في الإسلام والاستسلام والخضوع للقدرة الإلهية والتسخير الرباني، « والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع الكون، مسلمة لربها إسلام كل شيء وكل حي فحين يخرج الإنسان بنظام حياته عن ذلك الناموس لا يصطدم مع الكون فحسب، إنما يصدم بفطرته التي بين جنبه فيشقى ويتمزق، ويحتار ويقلق » [ الظلال 1/421،422] .
وهذا الفهم مهم لقوة اعتقاد المسلم وتشبثه بإسلامه لأنه يدرك أن يتوافق بالاستسلام والخضوع مع الكون كله. ومن تمام الفهم اليقين بأن الإسلام دين الله جل وعلا.
{إن الدين عند الله الإسلام} قال الرازي في تفسيره (7/225): « وأما الإسلام ففي معناه في أصل اللغة ثلاثة أوجه : الأول: أنه عبارة عن الدخول في الإسلام أي في الانقياد والمتابعة قال تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم} أي من صار منقاداً لكم ومتابعاً لكم ، والثاني : من أسلم أي دخل في السلم كقولهم: أسني وأقحط واصل قولهم السلم والسلامة ، والثالث لابن الأنباري : المسلم معناه المخلص لله في عبادته من قولهم سلم الشيء لفلان أي خلص له فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى » .
وهذا يظهر أن الانقياد لأمر الله ومع التسلم التام هو الدين عند الله، وهو الذي ارتضاه، وهو دين المرسلين من لدن نوح عليه السلام الذي قال لقومه: {أمرت أن أكون من المسلمين} ومروراً بإبراهيم الذي قال: {وأنا أول المسلمين} وكذا سائر الأنبياء والمرسلين وإيضاحاً لاشتمال الإسلام على جملة تلك المعاني نمضي مع ابن تيمية في كلماته الجامعة المانعة حيث يقول عن الإسلام : « وهو يجمع معنيين أحدهما: الانقياد الاستسلام، والثاني: إخلاص ذلك وإفراده، وعنوانه قوله: (لا إله إلا الله) وله معنيان أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، والثالث: اختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والشرعة والمنهاج، وهو الشريعة والطريقة، وله مرتبتان: إحداهما من القول والعمل: وهي المباني الأركان الخمسة.
والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقاً للباطن، وهذا أعم من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، وبالتفسير الثاني يقال {إن الدين عند الله الإسلام} » [ مجموع الفتاوي 7/239،235 ] .
وبهذا الفهم تتسع الدائرة من حيث المعنى، فمن موافقة الكون في الاستسلام، تأتي موافقة صفوة الخلق من الرسل والأنبياء في هذا الإسلام والاستسلام، فيغدو المسلم منسجماً مع فطرته متوافقاً مع الكون، ثم يكون امتداداً لسلسة نورانية من الرسل وأتباع الرسل، فهم عريق في النسب الديني، وجذوره ضاربة في أعماق التاريخ، وفكرة ومعتقده مستبدل للنبوات، ومؤمن بالأنبياء، ومستيقن بتوحيدهم في التوحيد وسلامتهم بالإسلام.
{قولوا آمنا بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} فهو إذاً مستبطن لكل الديانات وجميع الشرائع باعتبار إيمانها برسلها واعتقاده بإسلامها وإن لم يعرف تفاصيل تشريعاتها، وهذا يجعله أحق بهؤلاء الرسل والأنبياء من أتباعهم الذين، حرفوا وبدلوا، أو قدسوا وألهموا، أو غدروا أو قتلوا، وهو بذلك درة الكائنات، ومقدم المخلوقات، ووارث الرسالات .