الفقر ..هل هو سبب كاف ليبيع
العراقي اعضاءه؟!...
(النور) تفتح ملف تجارة الاعضاء البشرية والقانون العراقي لاينصف ضحايا
سراقها
العراقي اعضاءه؟!...
(النور) تفتح ملف تجارة الاعضاء البشرية والقانون العراقي لاينصف ضحايا
سراقها
شؤون سياسية - 21/03/2009 - 8:32 pm
النور/ عدوية الهلالي
كشفت معلومات توافرت لـ (النور) عن وجود شبكات إجرامية متخصصة بالبحث عن
الأعضاء البشرية وخصوصا الكلى التي قد يتبرع بها بعض الناس ممن تضطرهم
الحاجة المادية الى ذلك، اذ تتراوح أسعار الكلى بين 5000- 10000 دولار
إعتماداً على حاجة المشتري ومستواه المادي وأيضا على عمر المتبرع وصحته.
وكشفت المصادر إن هذه العمليات لا تستثني الأطفال والنساء، حيث قام أحد
الآباء ببيع كلية إبنته الصغيرة مقابل مبلغ من المال لسد رمق عائلته
المكونة من خمسة أولاد.
وعن كيفية إجراء مثل هذه الصفقات، كشف مصدر رفض ذكر إسمه ، خوفا من مافيا
بيع الاعضاء البشرية،إن هذه العملية تتم بعد إيجاد الضحية من قبل متعهدين
مهمتهم البحث عن الفقراء والمعوزين وهؤلاء المتعهدون فروع لشبكة مافيا
كبيرة يقودها شخص واحد يدعى عادة بـ (الشيخ)، ينتشرون بشكل منظم في مناطق
بغداد المختلفة للبحث عن ضحاياهم، وإقناعهم ببيع أعضائهم البشرية ليتم أخذ
المتبرع بعد ذلك الى إحدى المستشفيات الأهلية حيث يقوم طبيب متخصص، وبسرية
تامة، بإجراء الفحوصات اللازمة على المتبرع وإجراء العملية له التي تقيد في
السجلات الطبية على إنها عملية إستئصال زائدة أو أي نوع آخر من العمليات.
كانت ندى في السابعة عشر من عمرها فقط حين اقنعها والدها بضرورة التبرع
بكليتها لشقيقتها الكبرى (اسماء ) التي تعاني من عجز كلوي حاد ..اقدمت ندى
على التبرع بشجاعة لاتناسب سنها بهدف انقاذ شقيقتها وعاشت بكلية واحدة
وبصحة جيدة ، لكن الامر لم يخل من محاذير طبية فيما بعد اضطرتها الى مغادرة
مقاعد الدراسة وتم تزويجها مبكرا لتفادي حالة الاحباط التي شعرت بها ،
والمؤلم في الامر ان صحة اسماء لم تتحسن وتجددت حاجتها الى كلية اخرى ،
ولما لم يجد والدها ميسور الحال متبرعا آخر من اشقائها ، اضطر الى شراء
كلية لها من فؤاد وهو شاب من اقربائه مستغلا سوء حاله المادية ..وبعد تطابق
الانسجة وموافقة الاطباء على تبرعه لها بكليته ، اهدى والد اسماء الشاب
فؤاد فرصة عمل جيدة ومبلغا مناسبا من المال ليبدأ به حياته ..وكانت المحصلة
بعد فقدان الشابين ندى وفؤاد لكليتيهما واضرارهما الى العيش بكلية واحدة
ومع ذلك توفيت اسماء في سن العشرين بعد توقف عمل الكليتين بشكل مفاجيء !!
ولايعد ماحدث لأسماء دليلا على فشل عمليات التبرع او بيع الكلى وزرعها
لأشخاص آخرين فأغلب المتبرعين ومستقبلي الكلى المزروعة يعيشون بصحة جيدة
ويواصلون حياتهم ، لكن وصول المرضى الى بر الامان يقتضي من دون شك وجود
متبرع مناسب من عوائلهم او امتلاكهم مايكفي من المال لشراء كلية ..
تجارة شائعة
قد لاترى العين الباحثة عن متبرعين اشخاصا يبدون استعدادهم لذلك علنا امام
ابواب المستشفيات كما يحدث في حال التبرع بالدم ، لكن السؤال عن ذلك يقود
حتما الى حقائق ربما تخفى عن البعض ، ففي مستشفيات تجرى فيها عمليات لزرع
الكلى كاليرموك والكرامة الحكوميتان والخيال والنجاة وسواهما من المستشفيات
الاهلية ، يمكن العثور على متبرعين بسهولة بعد الامساك بأول خيط يقود اهل
المريض الى شبكات تمارس بيع الكلى تجارة شائعة ..
وتروي رجاء صالح قصة شرائها كلية من سوق (بيع الكلى) لشقيقها الذي توفي
فيما بعد بمرارة فتقول انها استدلت قبل سنوات على اشخاص يعملون في تجارة
بيع الاعضاء البشرية حين تعذر عليها التبرع لشقيقها بكليتها ، وينتشر هؤلاء
الاشخاص كما تقول صالح قرب المستشفيات الحكومية والاهلية ولديهم علاقات
وطيدة مع بعض العاملين في المستشفى والذين يعملون على التنسيق بين اهالي
المرضى وباعة الاعضاء ، ينتقل بعدها الزبائن الى التعامل مباشرة مع اعضاء
من تلك الشبكات للأتفاق على حجم المبلغ واسلوب شراء الكلى ...ولايتدخل
اهالي المرضى في اختيار الواهب لأمتلاك اعضاء تلك الشبكات خبرة كافية
تمكنهم من اختيار الشخص المناسب وضمن مراحل عمرية تتراوح مابين عمر الفتوة
وعمر الشباب ، وتشير صالح الى وجود شخص كان يطلق عليه لقب ( الشيخ ) يتحكم
في هذه العملية بمهارة فيدير شبكات لبيع الاعضاء البشرية تضم اشخاصا يعملون
في المستشفيات ووسطاء وسماسرة يعملون على استدراج الواهبين مستغلين حاجتهم
الى المال مشيرة الى تركز نشاط ( الشيخ ) قرب مستشفى اليرموك وتنطبق الحال
على مستشفى الكرامة والخيال بانتشار مافيات اخرى تمتهن الحرفة ذاتها
وبأساليب خاصة بها ..والغريب في الامر –كما تروي صالح – ان الشخص المدعو (
الشيخ ) توفي فيما بعد لحاجته الماسة الى كلية بعد ان عجز اهله عن ايجاد
واهب تتناسب انسجته مع انسجة ( الشيخ )!!
ويرى الدكتور عبد الامير عباس / المتخصص في جراحة الكلى والمسالك البولية
ان ظاهرة التبرع بالكلى ترتبط بجانبين اولهما انساني والثاني هو الجانب
الاقتصادي وفقرحال الواهبين مشيرا الى عدم وجود رقابة مشددة في المستشفيات
طالما لاتعد المستشفى جهة رقابية وانما يتم اجراء العمليات فيها على وفق
مبدأ وجود شخص مريض وآخر متبرع ..
ويؤكد عباس عدم قدرة الطبيب على تحديد ما اذا كان المتبرع بالكلية قد باعها
الى الشخص الثاني إذ لو علم الطبيب بذلك لما قام باجراء العملية لأنها تعد
في هذه الحال عملية تجارية تخالف شروط المهنة واداء القسم بالنسبة للطبيب
والذي يقوم على شرط ( عدم اجراء اي عملية تؤدي الى ايذاء انسان )...
تبرع مشروط
قبل سنتين ، كان جبار / 18 عاما يعمل في معمل اهلي لتصنيع اعلاف الاسماك
ويقضي نهاره في حمل اكياس العلف على ظهره الغض ليحصل في نهاية النهار على
اجرة يومية تصل الى خمسة آلاف دينار تكفيه الى حد ما للأسهام في تسيير حياة
عائلته البسيطة المكونة من والده بائع ( الداطلي ) ووالدته المسنة
وشقيقتيه اللتين تمارسان خياطة العباءات النسائية ...وبعد الظروف الطارئة
التي عصفت بالمجتمع العراقي اثر سقوط النظام السابق اضطرت عائلة جبار الى
مغادرة منزلها الفقير هربا من العنف الطائفي ثم الاستقرار تحت انقاض منزل
تعرض للقصف والتدمير في العاصمة ، ليواجه جبار ووالده صعوبة كبرى في اعالة
اسرتهم الصغيرة ، مادفع جبار الى العمل في مقهى صغير مجاور لأحدى
المستشفيات ..
ويعترف جبار ببيعه كليته مقبل (5000) دولار معلنا عن رغبته بشراء سيارة
اجرة مناسبة بهذا المبلغ وممارسة السياقة في شوارع العاصمة لحين العودة الى
محافظته بعد استقرار الوضع الامني كليا ..
في الوقت الذي يؤكد والد جبار جهله بما فعله ابنه وينتقده حتى لو كان ذلك
بهدف انقاذ عائلته كون ان الله تعالى كرم البشر وخلق الانسان بأحسن تقويم
وسوف يحاسبه عما فعل بأعضائه في الحياة الدنيا والآخرة ..
من جانبه ، يرى الشيخ ياسين السامرائي ان التبرع هو عمل مباح بل ومثاب
صاحبه اذا لم يترتب على تبرعه بعضو من اعضائه ضرر صحي عليه ، غيران بيع
الفرد لعضو من اعضائه هو عمل غير مشروع قطعا في نظر السامرائي ولو لم يترتب
على ذلك ضرر صحي لأن الجسد بأعضائه ملك لله ولايحق للفرد التلاعب والتصرف
والاتجار به ..
ويعترض السامرائي على وصول الفقر في مجتمعاتنا الى حد يدفع المرء الى بيع
اعضائه لتحصيل مايضمن له البقاء على قيد الحياة برغم وجود استثناء فقهي ل"
حالات الضرورة القصوى والتي تعني احتمالية تعرض الفرد للهلاك المحقق ان لم
يتم عمل المحظور وبالتالي تحصيل الرزق عبره " ، في الوقت الذي لايرى الشيخ
محمد عبد الرحمن في هذه القضية استثناء فقهيا مهما بلغت احتمالية الهلاك ،
لأن بيع الاعضاء –في رأيه –هو الهلاك بعينه ، كما يرى عبد الرحمن ان من
يرضى بتسليم اعضائه لعصابات الاتجار بالأعضاء هو بمثابة من يلغي انسانيته
التي كرمه الله بها ، محولا ذاته لسلعة تتناقلها الايدي ..
ومافيات اخرى
غزت تجارة الاعضاء البشرية العراق منذ ثمانينات القرن الماضي كما تقول احدى
الطبيبات العاملات في مستشفى الكرامة لكنها انتشرت بشكل واسع خلال السنوات
الاخيرة مع تزايد البطالة وسوء الاوضاع المعيشية فضلا عن ظهور منفذ آخر
للمافيات العاملة في هذا المجال هو الانفجارات والمواجهات المسلحة التي وقع
بسببها ضحايا عديدون ماأسهم في ازدهار تجارة بيع الاعضاء من خلال استفادة
تلك المافيات من اعضاء الجثث المجهولة في الطب العدلي ..ويقر ( م ) وهو احد
العاملين في هذا المعهد بوجود حالات عديدة لبيع اعضاء الجثث التي لم يمض
على مفارقتها الحياة اكثر من نصف ساعة ، إذ تحفظ الجثة في حافظ حراري خاص
ويتم نزع الاعضاء المطلوبة منها بعد دخولها قسم التشريح بدون ان يكتشف
اهالي الضحايا ذلك ،ثم يتم بيعها لشبكات بيع الاعضاء وتسويقها للمرضى
المحتاجين مقابل مبالغ تتراوح مابين 4000-10000 دولار ...ويخشى (م) من
التصريح بعلاقة اطباء التشريح والعاملين في المعهد واقسام التشريح في
المستشفيات بهذه المافيات مكتفيا بالاشارة الى فقدان اغلب الجثث لأعضائها
بعد نقلها بسرعة الى المستشفيات والطب العدلي ودخولها الى قسم التشريح ..
من جهتها ، تؤكد الدكتورة المنتسبة الى مستشفى الكرامة وجود مافيات متخصصة
تدير تجارة الاعضاء في البلاد ينصب عملها على ايجاد الزبائن الملائمين
وتوفير الواهبين والاتفاق على المبالغ المطلوبة وقبض العمولة الخاصة
بالعملية من الاطباء او المستفيدين من الزرع علما بان اغلب الواهبين
يستلمون مبالغهم مقدما وقبل اجراء العملية لهم !!
وبحسب تقرير اصدره مركز تجارة الاعضاء في بيركلي في ولاية كاليفورنيا ، فان
بلدان كالصين والهند تقع على رأس قائمة المتاجرة بالاعضاء البشرية فضلاعن
وجود شبكات غير قانونية لبيع الاعضاء في دول كالبرازيل وكوبا واسرائيل
وايران وامريكا وبريطانيا وجنوب افريقيا ..واذا كانت هذه التجارة العالمية
انتشرت في العراق فهي وليدة اسباب اهمها الفقر يليه الدافع الانساني كما
يقول الباحث عبد العزيز ، مشيرا الى ضرورة ايجاد معالجات اجتماعية ونفسية
وطبية لبائعي الكلى كونهم يعانون من امراض نفسية –من وجهة نظره –أو عوز
مادي ، لافتا النظر الى ان القانون العراقي لايحفظ حقوق الضحايا من فاقدي
الاعضاء دون معرفة اهاليهم –كما يجري في اقسام التشريح – واستغراق قضاياهم
ان اثيرت قانونيا وقتا طويلا، الامر الذي يدفع غالبية اهالي الضحايا الى
اللجوء الى التراضي مع الاطباء وقبض التعويض بعيدا عن عيون القانون ..